المقدمة

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين وسلم تسليماً.

وبعد: فقد قرأت في مجلة المنار المنشأة بمصر سنة 1315 لصاحبها الشيخ محمد رشيد رضا الطرابلسي الشامي نزيل القاهرة في الجزء الاول من المجلد الحادي عشر الصادر في اوائل صفر سنة 1326 في صحيفة 45 رسالة تحت عنوان:

كلمات عن العراق وأهله

لعالم غيور على الدولة: ومذهب أهل السنة

تعرض فيها للتنديد بالشيعة في العراق ونسبتهم إلى ما هم منه بريئون وتحريض الحكومة عليهم مع انهم لها مطيعون وقد ذيلها صاحب المنار بكلمات ندد فيها ايضاً بالشيعة بما لم يكن (فاحببت) ان ابين ما في الاصل والذيل من مخالفة الواقع والصحة والسقم نصرة للحق سالكاً في ذلك جادة الانصاف (واتممت) المرام بذكر كلمات موجزة في السنة والشيعة وما

الصفحة 6
اوجب الاختلاف بينهم وكلمات في متعة النساء التي ندد بهم صاحب المنار لاجلها وذكر طرف من الاخبار الواردة فيها وفي متعة الحج من طرق أهل السنة وذكر ما احتج به الفريقان على نفيها وثبوتها وذكر اصل مذهب الوهابية وحقيقته لامر اقتضى ذلك فجاء ما كتبته بحمد الله تعالى وافياً بالمرام وسميته (بالحصون المنيعة في رد ما أورده صاحب المنار في حق الشيعة) قال صاحب الرسالة بعد ما ذكر ان العراق من افضل الأقطار تربة وطيب هواء وعذوبة ماء وان به انهاراً عظيمة كدجلة والفرات وديالى وكارون وان اكثره خراب لعسر المواصلات ونقد الامن وحرمانه من نور المعارف والمدنية وان الحكومة فيه كما هي في غيره عبارة عن شركة سلب ونهب وفساد تعمل في خراب البلاد وهلاك العباد وانهم عن الدسائس الاجنبية عمون حتى اصبح بر العراق كله متسلحاً بالمارثين مما ترسل به انكلترا.

ومن البلاء العظيم انتشار مذهب الشيعة في العراق كله حتى اصبح ثلاثة ارباع اهله شيعيين وذلك بفضل جد مجتهدي الشيعة وطلبة العلوم منهم وموازرة الحكومة لهم باخذها على يد اهل السنة عن مقاومة سعيهم وخفض كلمتهم وفي النجف مجتمع مجتهدي الشيعة وفيه من طلبة العلوم ستة عشر ألفاً ودأبهم انهم ينتشرون في البلاد ويجدون في اضلال العباد

الصفحة 7
ولذلك يحسب عقلاء العراق ان القطر قد انسلخ من الدولة ولم يبق لها فيه من الرسم إلا الأسم ولقد استحكمت النفرة منها في قلوب الجميع فلا يذكرونها بلسانهم وكلما يراجعونها في شؤونهم «إلى أن قال» انه لم يجد في علماء بغداد اجمع لفنون الفضل وصفات الكمال من شكري افندي وابن عمه علي افندي الالوسيين وانه رأى من سعة اطلاعهما وقوة دينهما وسلامة عقيدتهما السلفية «إلى أن قال» والتهابهما غيرة وحمية على الدين ومجاهدتهما في سبيله فريقاً من الجامدين من المقلدة وعباد القبور ما بهره وعشقه فيهما «إلى أن قال» واعداؤهما من عبدة القبور والاوهام وانصار التقليد والخرافات ينبزونهم باسم الوهابية لنفروا منهم ويحرضوا الحكومة على اضطهادهم إلى أن قال ولم ار احداً يقدر مؤلفات ابن تيمية وابن القيم قدرها مثلهما ثم ذكر رد احدهما على الشيخ يوسف النبهاني البيروتي لتأليفه رسالة في تضليل ابن تيمية وابن القيم وانتقاصهما وتنديده بالشيخ نعمان الالوسي وذمه وذم عائلته إلى غير ذلك مما لا غرض لنا بنقله فنقول وبالله التوفيق:

الرد على مراسل المنار:

عجباً لهذا العالم الغيور وعجباً لصاحب المناركيف وصفه بالغيور وكان احق بان يوصف بالمتعصب الساعي في تفريق كلمة المسلمين والقاء العداوة والبغضاء بين طائفتين عظيمتين منهم في حين هم أحوج إلى الوئام والوفاق منهم

الصفحة 8
إلى الاختلاف والافتراق والمعتمد لهدم ما يؤسسه عقلاء الطائفتين في هذه الاعصار الاخيرة من ازالة الخلاف والشقاق وجمع الكلمة.

«ويا عجباً» لهذا العالم الغيور كيف خلط المسائل السياسية بالدينية فخبط خبط عشواء واختلط عليه الحابل(1) بالنابل والخاثر بالزباد(2) .

وعجباً لغيرة هذا العالم كيف ادت به إلى أن جعل من البلاء العظيم انتشار مذهب الشيعة في العراق وجدهم في طلب العلوم ولا ذنب لهم الا التمسك بالثقلين كما امر به نبيهم صلى الله عليه وآله وحبهم وتفضيلهم لاهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً والتجاؤهم إلى السفينة التي من ركبها نجا ومن تخلف عنها هوى ودخولهم في باب حطة الذي من دخله كان آمناً وقصدهم مدينة العلم النبوي من بابها

____________

(1) الحابل السدا والنابل اللحمة وقيل المارد بالحابل صاحب الحبالة وبالنابل صاحب النبل أي اختلط الصائدون (منه).

(2) الخاثر ما خثر من اللبن والزباد بالضم والتشديد الزبد قاله الميداني عن الاصمعي وفي اللسان زباد اللبن بالضم والتشديد ما لا خير فيه والزباد الزبد واختلط الخاثر بالزباد أي الخير بالشر والجيد بالردي والصالح بالطالح انتهى وفسره في الجمهرة بما لا يكاد يصح (منه).

الصفحة 9
واتباعهم لقوله تعالى (قل لا اسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) .

وحقيق ان يقال ان من البلاء العظيم وجود مثل هذا الشخص بين المسلمين ووصفه بالعالم الغيور.

وأما قوله: وذلك بفضل جد مجتهدي الشيعة إلى قوله ودأبهم انهم ينتشرون في البلاد ويجدون في اضلال العباد (ففيه) ان جد علماء الشيعة وطلابهم في تشييد مذهبهم ونشره والدعاء اليه وبث علوم اهل بيت نبيهم عليه وعليهم السلام وان كان مما لا يعابون به بل هو موضع الافتخار الا ان ادعاءه كون انتشار مذهب الشيعة في العراق بسبب ذلك مخالف للواقع فان مذهب الشيعة منتشر في العراق من الصدر الاول كما هو ظاهر لكل من لاحظ التواريخ وما زال منتشراً إلى يومنا هذا (ولم نر) ولا نقل الينا وقد توطنا العراق ما يزيد عن عشر سنين ان احداً من علماء الشيعة أو طلابهم دعا احداً من السنة إلى ترك مذهبه والدخول في مذهب الشيعة ومن دخل من السنة في مذهب الشيعة لم يكن دخوله لهذا السبب.

(وعلماء) الشيعة وطلابهم المقيمون في العراق لا سيما النجف الاشرف لا شغل لهم سوى الجد والاجتهاد في طلب العلم واكثرهم يجاورون في النجف لا يخرجون منه الا لزيارة قبول الائمة عليهم السلام ويجدون في طلب العلم ليلهم

الصفحة 10
ونهارهم إلى الممات ومن خرج منهم خارج النجف فانما يحل بين الشيعة ليعلمهم معالم دينهم وما سمعنا ولا رأينا أحداً منهم حل بين السنة ودعاهم إلى الدخول في مذهبه «وان» كان ما يدعيه حقاً فهلا انتشر علماء السنة وطلابهم القاطنون في بغداد وغيرها وهم عدد غير قليل في البلاد ودعوا الناس إلى مذهبهم ونهوهم عن مذهب الشيعة الذي بني على تفضيل اهل البيت والاقتباس من علومهم لينتشر بذلك مذهب السنة في العراق ويرتفع البلاء العظيم عن هذا العالم الغيور على الدولة ومذهب اهل السنة..

«واما» اعتذاره عن ذلك بمؤازرة الحكومة لعلماء الشيعة باخذها على يد اهل السنة عن مقاومة سعيهم وخفض كلمتهم فعذر غير مقبول فان الحكومة قد اعطت الحرية لجيمع الاديان حتى غير المسلمين فكيف لا تعطي الحرية لمن يشاركها في المذهب وما رأينا ولا سمعنا انها منعت احداً من علماء السنة عن نشر مذهبه وبيان انه على الحق فلابد ان يكون المانع لهذا العالم الغيور واعوانه من الجد في نشر مذهبه ودعوة الناس اليه اما الكسل وقلة الغيرة الذين عوفي منهما علماء الشيعة او عدم علمه بنجاح مساعية فجعل يتشبث بهذه الاعذار.

«وان كان مراده بمؤازرة الحكومة لعلماء الشيعة واخذها على يد اهل السنة عن مقاومة سعيهم انها قد اعطت الشيعة

الصفحة 11
الحرية في دينهم وحافظت على حقوقهم المدنية لكونهم بعض رعاياها وبذلهم الطاعة لها كغيرهم او اشد مع اعتقادهم وجوب المحافظة على بيضة الاسلام فشكواه من ذلك قلة انصاف منه وتمسك بذيل العصبية «فكأنه» لا يرضيه عن الحكومة إلا ان تلقي الفساد والفتنة بين رعاياها وتجبرهم على ترك اديانهم واظن انها لو كانت الحكومة بيد امثال هذا العالم الغيور لهلك الحرث والنسل «وهلا» شكا من انتشار دين اليهود في حاضرة بغداد واشتهار مقالة الدهرية في جميع البلاد وبث النصارى دعاتهم المسمين بالمرسلين في انحاء المعمور وطلب إلى الحكومة ان تخالف نص الكتاب المبين لا اكراه في الدين فتردهم عن اديانهم ولا تأخذ على يده ويد امثاله من العلماء الغيورين على الدولة ومذهب أهل السنة عن مقاومة سعيهم «وهلا» شكا من انتشار مذهب الوثنية في اقطار الارض الذين يربو عددهم على سائر أهل الاديان ان كان صادق الغيرة على المذهب الحق «وهلا» شكا من انتشار المنكرات بين السملمين وتعطيل الحدود واندراس الاحكام «وهلا» حركته الغيرة على الألوف من الأعراب الرحالة كعنزة وغيرها الذين هم على مذهب اهل السنة بالاسم ولا يعرفون شيئاً من احكام الاسلام ولا يعملون عملاً دينياً قليلا ولا كثيرا ولا يطيعون الله ولا الحكومة ودأبهم سلب العباد ونهب البلاد «وهلا» عد من البلاء العظيم انتشار مذهب الوهابية في بادية

الصفحة 12
نجد وما والاها وفي غيرها الذين ابدعوا ما ابدعوا في الدين وكفروا ما سواهم من طوائف المسلمين واستحلوا الدماء والاموال والاعراض وخالفوا ضروريات دين الاسلام وحاربوا الدولة مراراً ونهبوا البلاد واكثروا في الارض الفساد ولم يروا للدولة عليهم طاعة كما سنفصل احوالهم ان شاء الله تعالى فهم احق بان يغار على الدولة ومذهب أهل السنة من أفعالهم.

«أما» حركته غيرته إلا على اخوانه المسلمين الشيعيين الشاهدين لربهم بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وآله بالرسالة والمطيعين لسلطانهم والمتمسكين بولاء عترة نبيهم والآخذين عنهم أحكام دينهم والمحافظين على شرائع الاسلام من الصوم والصلوة والحج والزكاة وسائر أحكام الدين حتى عد انتشار مذهبهم في العراق من البلاء العظيم وجعلهم من المضلين هذا مع شهادته لهم بالجد والاجتهاد في طلب العلوم الذي هو فريضة على كل مسلم حتى اجتمع منهم في بلد واحد ستة عشرة الف طالب عدى عما في غيرها من مدن العراق وبلاد ايران وتركستان والافغان وبخارى والشام والهند والبحرين والقطيف والاحساء وسائر الاقطار ما هذا إلا قلة انصاف منه وقلة غيرة على الدين.

«ولو» كان صادق الغيرة على الاسلام لدعا علماء المسلمين

الصفحة 13
وزعماء الدين إلى الائتلاف والاتحاد الذي امرت به الشريعة الغراء ودل على حسنه العقل وحثهم على الاجتماع وبسط المسائل الخلافية على بساط البحث والانصاف ليرتفع الخلاف ولم يسع بينهم بالفساد.

واما قوله ولذلك يحسب عقلاء العراق ان القطر قد انسلخ من الدولة الخ فان كان اشارة إلى الدسائس الاجنبية فله وجه لكن لا وجه لذكر انتشار مذهب الشيعة بين العلة والمعلل بل كان اللازم ذكر هذا بعد كلامه الاول وان كان اشارة إلى انتشار مذهب الشيعة أو الامرين معا كما هو ظاهر كلامه.

«ففيه» ان نفوذ الدولة في العراق يزداد يوماً فيوماً وسلطتها الآن اشد منها في العصور السابقة بكثير والشيعة في العراق ليسوا باقل خضوعاً واطاعة للدولة من غيرهم فيها «نعم» قد كان انتشار مذهب الوهابية الذين قام هذا العالم يدعو إليهم متستراً بلباس الغيرة على الدولة ومذهب اهل السنة موجباً لانسلاخ الاقطار التي اشتهر فيها هذا المذهب عن الدولة.

السنة والشيعة:

ويناسب في هذا المقام ذكر كلمات موجزة في السنة والشيعة تنجلي بها غواشي الاوهام عن الافهام ويهتدي بها إلى طريق الحق من كان له قلب او القى السمع وهو شهيد.

«فنقول»: جاء الدين الاسلامي الحنيف ولاسنة ولا شيعة ولا شافعي ولا حنفي ولا مالكي ولا حنبلي ولا جعفري

الصفحة 14
ولا اشعري ولا معتزلي ولا قادري ولا رفاعي ولا نقشبندي ولا شاذلي ولا بكتاشي ولا وهابي ولا بابي ولا ولا.

ما به يتحقق الاسلام:

وكانت دعوة النبي صلى الله عليه وآله إلى شهادة أن لا إله إلا الله وانه رسول الله فمن قال ذلك عصم ماله ودمه واستحق اسم المسلم وإلى فعل الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان وحج البيت من استطاع اليه سبيلا وايتاء الزكاة وسائر الواجبات وإلى ترك الزنا وشرب الخمر والبغي والفساد وسائر المحرمات على سبيل التدريج حتى اكمل الله لهم الدين في حياة نبيه صلى الله عليه وآله وقال اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً.

سبب الانقسام إلى العلوية والعثمانية:

وبقي المسلمون فرقة واحدة حتى قتل الخليفة الثالث وبويع الخليفة الرابع فلم يجد اعداؤه وسيلة إلى هدم خلافته والقدح فيه اقوى من نسبة قتل الخليفة الثالث اليه فسعوا في ذلك جهدهم حتى تمكنوا من اقناع جم غفير من المسلمين بذلك وتهيأ لهم بما دبروه من الحيلة ان يقسموا المسلمين فرقتين فسميت احداهما علوية والأخرى عثمانية ونالوا بذلك ما أملوه من الملك وقهر علي بن ابي طالب وأولاده الذين هم اعدى اعدائهم ويخافون منازعتهم في الملك ولهم عندهم ثارات بدر

الصفحة 15
وغيرها «ولم» يكتفوا بهذا حتى امروا بسب علي بن ابي طالب على جميع منابر الاسلام في الاعياد والجمعات وجعلوه كفرض من الفروض الواجبة حتى انه قيل لبعضهم قد بلغت ما املت فلو كففت عن لعن هذا الرجل فقال لا والله حتى يربو عليها الصغير ويهرم عليها الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلاً رواه الجاحظ واستمروا على ذلك إلى زمن عمر بن عبد العزيز وبذلوا الاموال الجسيمة وولوا الولايات لمن يختلق لهم الاحاديث في ذم علي بن ابي طالب.

أيام بني أمية وبني العباس ومحنة العلوية:

«ولم يكتفوا» بهذا حتى قصدوا كل من يوالي علياً وولده بأنواع الاذى من القتل والاسر والنهب وهدم الدور والنفي كما فعل بحجر بن عدي واصحابه حين انكروا سب علي بن ابي طالب عليه السلام بالكوفة فحملوا مقيدين إلى الشام وقتل من امتنع منهم عن البرائة من علي بن ابي طالب عليه السلام بمرج عذرا من ارض دمشق وفعل زياد بن ابيه وابنه عبيدالله باهل الكوفة ما فعلا وكذلك الحجاج وغيرهم حتى اخذوا على الظن والتهمة وعظمت البلية واشتدت المحنة فكم من قتيل وشريد لانه قيل عنه انه ترابي. «وبقي» الحال على هذا والناس عثمانية وعلوية طول ملك بن امية وجملة من ملك بني العباس ولكن اسم الاسلام واحكامه تعم الطائفتين. «وقد» كان اسم الشيعة يطلق مع ذلك على من شايع علياً وولده في الدولتين

الصفحة 16
«ولم يكن» بنو العباس اقل تشدداً في قهر العلويين والغض منهم وتنفير الناس عنهم وايذاء من ينسب إليهم من بني امية فان السبب الداعي لذلك واحد وهو الخوف على الملك وميل الناس إلى العلويين فقصدوهم بانواع الاذايا وحبسوا من حبسوا وقتلوا من قتلوا حتى ادى الحال بالمتوكل إلى حرث قبر الحسين عليه السلام وادارة الماء عليه والمنع من زيارته وقصد اعفاء اثره وانتقاص علي بن ابي طالب عليه السلام والسخرية منه في المجالس وقصته مع ولده المستنصر مشهورة. «وفي طول» هذه المدة قل المنتسبون إلى أهل البيت بالنسبة إلى غيرهم وتستروا واختفوا خوفاً على دمائهم وكثر المائلون إلى الامويين والعباسيين والمتقربون منهم رغباً أو رهباً والناس على دين ملوكهم وقد زين لهم حب الشهوات والحق مر حتى صار الرجل يرى النسبة إلى الكفر والزندقة اهون عليه من أن يقال انه علوي.

انتشار علوم أهل البيت عليهم السلام:

«وكتم» أهل البيت عليهم السلام علومهم عن اكثر الناس ولم يبوحوا بها الا لخواص اصحابهم خوفاً على دمائهم وقل المنتفع بهم والآخذ من علومهم «ولكن» في أواخر الدولة الاموية واوائل الدولة العباسية انتشرت علوم أهل البيت عليهم السلام انتشاراً عظيماً وكثر الرواة عنهم والمقتبسون من علومهم لقلة

الصفحة 17
الخوف بسبب ضعف اهل السلطنة واشتغالهم بتأسيس قواعد ملكهم كما هو الشأن في انقراض دولة وابتداء اخرى سيما مع كون الثانية هاشمية وذلك في عصر الامام محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب وولده الامام جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام ولا سيما في عصر الثاني حتى قال الحسن ابن علي الوشا من اصحاب الرضا عليه السالم ادركت في هذا المسجد (يعني مسجد الكوفة) تسعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد ولذلك نسب مذهب الشيعة في الفروع اليه فقيل المذهب الجعفري كما يقال الحنفي والشافعي.

التسمية بالنسبة والشيعة ونسخ اسم العلوية:

ثم صار المنتسبون إلى أهل البيت عليهم السلام يعرفون بالشيعة وغيرهم بالسنة ونسخ اسم العلوية والعثمانية وذلك في الدولة العباسية واستمر ذلك إلى يومنا هذا وكثرت العلماء والفقهاء في الطائفتين ثم دونت كتب اصول الفقه والفقه عند الفريقين واتسع باب البحث في مقدمات الاجتهاد وجميع العلوم.

معول الشيعة والسنة في معالم الدين:

فكان معول فقهاء الشيعة في معالم دينهم على الكتاب العزيز والسنة النبوية وأقوال اهل البيت عليهم السلام والاجماع وما استقل العقل بحسنه أو قبحه بل على الأولين لرجوع الاجماع

الصفحة 18
عندهم إلى السنة وكون اقوال اهل البيت عندهم مستمدة من اقوال النبي صلى الله عليه واله وكون العقل لا يخالف الشرع ومعول فقهاء السنة مع الكتاب والسنة والاجماع على القياس والاستحسان والمصالح المرسلة (وما زالت الشيعة) في كل عصر تجد في طلب العلوم وتفني اعمارها في ذلك وينتدب له منهم في كل عصر عدد كثير يعد بالالوف من لدن الصدر الاول الى هذا العصر كما شهد لهم بذلك في هذا العصر عالمنا الغيور وخرج منهم في كل عصر ما لا يحصى كثرة من محققي العلماء في المعقول والمنقول الذين برعوا وتقدموا على من سواهم ووجد فيهم من الشعراء والادباء والكتاب جماعة كثيرة اتفق الناس على تفضيلهم.

«اما»: قدماء الشيعة اعني المعاصرين للائمة عليهم السلام فقد صنفوا في الاحاديث المروية من طرق اهل البيت عليهم السلام المستمدة من مدينة العلم النبوي في فنون شتى ما يزيد على ستة الاف وستمائة كتاب مذكورة في الرجال على ما ضبطه صاحب الوسائل وامتاز من بينها أربعمائة مصنف اشتهرت بالأصول الأربعمائة وقال شيخنا البهائي في الوجيزة ان ما تضمنته كتبنا من هذه الاحاديث يزيد على ما في الصحاح الستة لاهل السنة بكثير كما يظهر لمن تتبع احاديث الفريقين وذكر علماء الرجال انه روى راو واحد وهو ابان بن تغلب عن امام واحد وهو جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ثلاثين

الصفحة 19
الف حديث هذا وقد كان فيهم اعني المعاصرين للائمة عليهم السلام من اشتهر في علم الكلام وفن المناظرة وبرع فيه وجرت له المباحثات والمناظرات العديدة مع علماء عصره من اهل السنة مثل هشام بن الحكم ومؤمن الطالق وغيرهما.

بعض مشاهير علماء الشيعة وادبائهم وشعرائهم:

«وأما» من تأخرعن هؤلاء فمن مشاهير مصنفيهم في الحديث «الكليني» وابن بابويه المعروف «بالصدوق» وفي الفقه والكلام «الحسن بن ابي عقيل العماني» اول من هذب الفقه وبوبه ومن مصنفاته فيه كتاب المتمسك بحبل آل الرسول وبعده «ابن الجنيد» ومن مصنفاته تهذيب الشيعة لاحكام الشريعة في عشرين مجلدا يشتمل على جميع كتب الفقه ومختصره المعروف بالاحمدي في الفقه المحمدي ومن رؤساء مشاهيرهم في الاصول والفقه والكلام «الشيخ المفيد» وفيها وفي اللغة والشعر والادب والتفسير «السيد المرتضى علم الهدى» وفي الاصول والفقه والحديث والرجال والتفسير «الشيخ الطوسي» وهؤلاء كلهم في المائة الثالثة الى اواسط المائة الخامسة ومن مشاهيرهم في التفسير من قدماء المحدثين «العياشي» وفرات بن ابراهيم ومن متأخري العلماء «ابو الفتوح الرازي» له فيه روح (روض خ ل) الجنان في عشرين

الصفحة 20
مجلدا «والطبرسي» له فيه مجمع البيان المستمد من التبيان للشيخ الطوسي وكان كالاول معاصر لصاحب الكشاف صنف المجمع قبل الاطلاع على الكشاف فلما اطلع عليه صنف جامع الجوامع وفي الكلام والاصول والفقه «سديد الدين محمود الحمصي الراوي الحلي» استاذ الفخر الرازي السني المشهور كما عن القاموس وفي الاصول والفقه «المحقق الحلي» وفي جميع العلوم العقلية والنقلية «العلامة الحلي» والشهديان والشيخ البهائي وفيها خصوصا العقلية الخواجة نصير الدين الطوسي» وفي الفقه «المحقق الكركي» وفي المعقول القطب الرازي وميثم البحراني وهؤلاء من اواسط المائة الخامسة الى احدى وثلاثين من المائة الحادية عشرة وفي النحو واللغة والادب من القدماء «الخليل بن احمد العروضي وابن السكيت» وبعدهم ابن دريدو «ابن خالويه» ومن المتأخرين «الشيخ الرضي» شارح الكافية والشافية ومنهم واضع النحو بتلقين امير المؤمنين عليه السلام «ابو الاسود الدئلي» ومن مشاهيرهم من اواسط المائة الحادية عشرة الى احدى وثمانين من المائة الثالثة عشرة في الرجال والحديث وغيرهما «العلامة المجلسي» وفي المعقول «الصدر الشيرازي» وفي الفقه والاصول والرجال والحديث وغيرها «بحر العلوم الطباطبائي» وشيخه «البهبهاني» وفي الفقه «الشيخ جعفر النجفي»

الصفحة 21
و«الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر» وفي الاصول والفقه «الشيخ مرتضى الانصاري» وغيرهم وما ذكرناه قطرة من بحر والا فمشاهير المصنفين منهم في كل عصر لا يحصى عددهم وكتب الرجال كافلة لذلك وقد صنفت عدة كتب في فهرست اسماء المصنفين منهم للشيخ الطوسي وغيره ومن مشاهيرهم في تاريخ «المسعودي وابو الفرج الاصبهاني الزيدي» وفي الشعر والادب. ابو دهبل الجمحي. والفرزدق والكميت، وكثير عزه، والسيد الحميري، ودعبل بن علي الخزاعي،وابو تمام، والبحتري، ومحمد بن وهيب الحميري، وابو نواس محمد بن هاني الاندلسي، وابو فراس الحمداني، وديك الجن، ومنير الدين الطرابلسي، وابن الحجاج، والشريف والرضي، ومهيار الديلمي، والصفي الحلي، والطغرائي، والابيوردي الاموي وغيرهم. وفي الانشاء ابن العميد والصاحب بن عباد» وهما من كتاب الدنيا وابو بكر الخوارزمي وبديع الزمان الهمداني وغيرهم وما زال اهل البيت عليهم السلام واتباعهم تحت حجاب الخوف والتقية الى ان ضعفت الدولة العباسية.

المنع من الاجتهاد والتقليد:

(وفقهاء) اهل السنة وعلمائهم كانوا هم المرجع

الصفحة 22
للملوك والامراء غالباً وبيدهم ازمة القضاء والحكم بين الناس من قبل خلفاء زمانهم وكان ظهورهم وانتشارهم في الدولة العباسية ثم منع اهل السنة من الاجتهاد لما كثر عدد الفقهاء وانتشرت الاقوال فحصروا التقليد في اقوال اربعة من الفقهاء وتركوا اقوال غيرهم ممن عاصرهم او تقدمهم وبقوا على ذلك الى هذا العصر فظهر قوم قالوا بجواز الاجتهاد لمن جمع الشرائط لما لم يروا دليلاً على المنع وامنوا جانب الحكام بعدم تعرضهم غالباً لغير السياسيات لكنهم على قلتهم لا يعدمون قادحاً من اهل نحلتهم.

اما الشيعة فبقوا على ما كان عليه سلفهم في اخذ معالم دينهم ولم تكثر اقوال فقهائهم كثرة مفرطة لانحصار دائرة الاجتهاد عندهم فيما استفيد من الكتاب العزيز او صح عن النبي صلى الله عليه وآله واهل بيته الطاهرين بشرط عدم المخالفة لاجماع المسلمين فهم في الحقيقة مرجحون لا مجتهدون ولذلك قل بحث علماء السنة في مسائل أصول الفقه بل عدم في الإعصار الأخيرة واقتصروا في علومهم الدينية على درس الأحاديث ومعرفة المذاهب الأربعة (والبحث) بين علماء الطائفتين حاصل في بعض المسائل الفرعية وبعض مسائل الاصولين لما لا يقضي بتكفير احدى الطائفتين (فهذا) ما كان من انقسام المسلمين الى السنة والشيعة بوجه الاختصار وكله ظاهر معروف مسطور

الصفحة 23
في كتب الآثار (ومنه يعلم ان الداعي الى تفريق كلمه المسلمين ومخالفة بعضهم لبعض في الاعتقادات لم يكن طلب الدين بل الملك وطلب الدينار وحب الرياسة كما أشار إليه صاحب المنار في آخر كلامه الآتي الذي ذيل به الرسالة (وهذا) اصل الشيعة وفرعهم الذي دعا هذا العالم الغيور على الدين ان يعد انتشار مذهبهم في العراق من البلاء العظيم وينسبهم الى اضلال العباد ويحرض الحكومة عليهم ليوقع الفساد ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ولا يحيق المكر السيء الا باهلة.

تعظيم القبور وزيارتها وتجديدها:

وإما قوله: الجامدين من المقلدة وعباد القبور فهو ليس موجها الى الشيعة خاصة بل الى الشيعة والسنة فان تعظيم قبور الانبياء والائمة والاولياء والصلحاء وزيارتها لا تختص بالشيعة بل لعل المقصود به خصوص السنة فان هذا العالم الغيور بعد ان شفا غيظه من الشيعة بما بهتهم به اراد ان يشفي غيظه من السنة الذين لا يقولون بمقالته ومقالة اصحابه الوهابية كالالوسيين المذكورين وغيرهما ممن ترك تعظيم قبور الانبياء والاولياء والصلحاء وزيارتها.

(فنقول) جرت سيرة المسلمين في جميع اقطار الارض خلفا عن سلف ويدا عن يد من عصر النبي صلى الله عليه

الصفحة 24
واله والصحابة والتابعين من سنة وشيعة وعلماء وعوام ونساء وأطفال على تعظيم قبور الانبياء والاوصياء والاولياء والعلماء والصلحاء وزيارتها والتبرك بها والصلوة وقراءة القرآن والدعاء وطلب الحوائج من الله تعالى عندها (وسيرة) المسلمين حجة كاشفة عن اخذ ذلك من صاحب الشرع وهي اقوى من اجماع العلماء كما قرر في الاصول (بل) لعل ذلك من ضروريات دين الاسلام بل جميع الاديان (وبقي) الحال على هذا الى ان ظهر مذهب الوهابية فمنعوا منه في جملة ما منعوا وقام هذا العالم الغيور بلسانهم بذم المسلمين ويسميهم عباد القبور. وهم محجوجون بما سمعت من السيرة القطعية (نعم) ورد في بعض الاخبار من طرق اهل السنة ذم اليهود على اتخاذهم قبور انبيائهم مساجد رواه مسلم في صحيحه «وفي بعضها ذم اليهود والنصارى على ذلك» رواه مسلم في صحيحه والنسائي في سننه الصغرى. وزاد مسلم في بعضها عن عائشة قالت فلولا ذلك لابرز قبره غير انه خشي ان يتخذ مسجداً. وفي بعض روايات مسلم الا وان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور انبيائهم وصالحيهم مساجد اني انهاكم عن ذلك (وروى) مسلم في صحيحه والنسائي في سننه الصغرى ايضاً بسندهما ان ام حبيبة وام سلمة ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير

الصفحة 25
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان اولئك اذا كان فيه الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا تلك الصور اولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة.

(والجواب) عن هذه الاخبار بعد تسليم صحة سندها وانها ليست اخص من المدعى.

(اولاً): بانها لا تنافي المقصود اذ لا يبعد ان يكون المراد في الاخبار الاول من اتخاذهم لها مساجد السجود اليها تعظيما او جعلها قبلة او نحو ذلك كما قيل ويرشد اليه قول عائشة كما عرفت فلولا ذلك لا برز قبره غير انه خشي ان يتخذ مسجدا «وفي الجامع الصغير للسيوطي» في باب مناهي النبي صلى الله عليه وآله عن الترمذي عن جابر نهى صلى الله عليه وآله عن صلوة الى القبور (وروى مسلم في صحيحه) النهي عن الصلوة الى القبور بطريقين (وفي الخبر الاخير) ذمهم على تصوير الصور وعبادتها كما هو المألوف عن النصاري (قال النووي) في شرح صحيح مسلم ما لفظه قال العلماء انما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به فربما ادى ذلك الى الكفر كما جرى لكثير من الامم الخالية ولما احتاجت الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين والتابعون الى زيادة في مسجد رسول الله

الصفحة 26
صلى الله عليه وآله وسلم حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة الى ان دخلت بيوت امهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى عليه وسلم وصاحبيه ابي بكر وعمر رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي اليه العوام ويؤدي الى المحذور ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن احد من استقبال القبر ولهذا قال في الحديث ولولا ذلك لابرز قبره غير انه خشي ان يتخذ مسجدا انتهى.

(وقال السيوطي) في زهر الربى على المجتبى، وهو أي المجتبى سنن النسائي الصغرى «ما لفظه» قال البيضاوي لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور انبيائهم تعظيماً لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلوة نحوها واتخذوها اوثانا ذمهم ومنع المسلمين من مثل ذلك فاما من اتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد انتهى.

(وثانياً) ان النصارى نبيهم عيسى عليه السلام وهو لم يمت فكيف جمعهم مع اليهود وهذا وان اجيب عنه بامور من جملتها ان المراد الانبياء وكبار اتباعهم فاكتفى بذكر

الصفحة 27
الانبياء، قيل ويؤيده رواية مسلم كانوا يتخذون قبور انبيائهم وصالحيهم مساجد الا انه موهن في الجملة. (وثالثاً) إنها مع انفراد اهل السنة بها معارضة بما روي متواتراً من طريق اهل البيت عليهم السلام.

(ورابعاً) انها شاذة لا عامل بها من المسلمين قبل الوهابية بل السيرة القطعية من جميع المسلمين كما عرفت على خلافها وكفاك في ذلك مسجد النبي صلى الله عليه وآله الذي دخل فيه قبره بعد الزيادة في المسجد واستمر المسلمون كافة على ذلك وعلى تعظيم قبره صلى الله عليه وآله الى يومنا هذا وما هذا شأنه من الاخبار لا يعول عليه ولو اردنا ان نعمل بكل خبر وافق الكتاب والسنة والسيرة أو خالفها لزم الهرج والمرج «مع» انه قد جاء في الكتاب العزيز في شأنه اهل الكهف (قال الذين غلبوا على امرهم لنتخذن عليهم مسجدا) ففي تفسير الجلالين (قال الذين غلبوا على امرهم) وهم المؤمنون (لنتخذن عليهم) حولهم (مسجدا) يصلى فيه وفعل ذلك على باب الكهف انتهى. وفي الكشاف (قال الذين غلبوا على امرهم) من المسلمين وملكهم وكانوا اولى بهم وبالبناء عليهم (لنتخذن) على باب الكهف (مسجداً) يصلي فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم انتهى.

الصفحة 28

«وورد» ايضاً النهي عن تجديد القبور (واشتهر) خير القبور الدوارس وان كنا لم نجده فيما رأيناه من كتب الحديث سيما ما هو مظنه ذلك كالجامع الصغير للسيوطي «وروى مسلم في صحيحه» عن النبي صلى الله عليه وآله الامر بتسوية القبور وانه نهى ان يجصص القبور وان يقعد عيله وان يبني عليه «وفي رواية» نهى عن تقصيص القبور وهو تجصيصها. وان عليا عليه السلام قال لرجل الا ابعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان لا تدع تمثالا الا طمسته ولا قبرا مشرفاً الا سويته «وفي رواية» ولا صورة الا طمستها.

(ولكن) هذه الاخبار بعد تسليم صحة سندها عمومات محمولة على الكراهة لمخالفتها للسيرة ومخصصة بغير ما يكون تجديده والبناء عليه تعظيماً للشعائر وما قامت عليه السيرة القطعية (وقد) دل الشرع الشريف على ان حرمة المؤمن ميتاً كحرمتة حياً ولذلك وجب تكفينه ودفنه والصلوة عليه واستحب تشييع جنازته وحرمت اهانته والجناية عليه وشتمه ونبش قبره وغير ذلك وقد قال الله تعالى في حق الشهداء (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون) مع ان تعظيم هذه القبور من تعظيم حرمات الله وشعائره ومن يعظم حرمات

الصفحة 29
الله فهو خير له ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب ولا يمنع العقل من تعظيمها والتبرك بها وزيارتها والتوسل الى الله تعالى ببركة اصحابها. وقد ورد لذلك نظائر في الشرع فان الله تعالى اوجب تعظيم الكعبة المشرفة واستقبالها في الصلوة وحرم استقبالها واستدبارها حال التخلي وجعل لمكة المكرمة حرما واعطى النبي صلى الله عليه وآله الشفاعة باتفاق المسلمين كما دلت عليه الاخبار وقال الله تعالى (ولا يشفعون الا لمن الاتضى) فاثبت الشفاعة في الجملة. فان كان المراد من عبادة القبور هو زيارتها وتعظيمها والتبرك بها والصلوة لله تعالى عندها فقد عرفت انه امر راجح وان اراد اتخاذها الها فما رأينا احد من المسلمين يعتقد ذلك هذا كله بعد كون أهل القور ممن يستحق التعظيم لا بمجرد كونه من المجانين او الحشاشين او المشعبذين والدجالين وغيرهم ممن يدعي لهم الولاية وينسب اليهم اعظم المعجزات والكرامات ترويجاً لأعراض الدنيا.

مذهب الوهابية

اما الوهابية الذين اشرنا اليهم فلا بأس بذكر مبدأ امرهم وبعض معتقداتهم ومبتدعاتهم ليكون الناظر في امرهم على بصيرة (قال ملطبرون الافرنجي) في جغرافيته

الصفحة 30
المترجمة من رفاعة بك ناظر مدرمة الالسن وقلم الترجمة بمصر وهذا الناقل غير متهم في حق الوهابية ولا غرض له في تعمد الكذب وانقاله مؤيده بما سمعناه وشاهدناه من الوهابية (وهذا كلامه) ومن بلاد نجد خرج مذهب الوهابية واصله ان العرب سيما اهل اليمن تحدثوا بان راعيا فقيرا اسمه سليمان راى في منامه كأن شعلة نار خرجت منه وانتشرت في الارض وصارت تحرق من قابلها فقصها على معبر فعبرها بان ولدا له يحدث دولة قوية فتحققت الرؤيا في حفيده الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان المذكور فالمبتدع المذهب انما هو محمد ولكنه نسب الى ابيه عبدالوهاب فلما كبر محمد صار محترماً عند اهل بلده بسبب هذه الرؤيا التي لا يعلم انها كانت ام لا فاخبرهم انه من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم واسمه كاسمه وانه يدعو الى توحيد الله تعالى وان القرآن قديم يجب اتباعه دون الفروع المستنبطة وان محمداً رسول الله وحبيبه ولكن لا ينبغي وصفه باوصاف المدح والتعظيم اذ لا يليق ذلك الا بالقديم وان ذلك من قبيل الاشراك وان الله تعالى حيث لم يرض بهذا الشرك ارسله ليهدي الناس الى سواء السبيل فمن اجاب والا وجب قتله فاول امره بين مذهبه سرا فاتبعه جماعة ثم سافر الى الشام فلم يتبعه احد فرجع الى بلاد العرب بعد ان غاب عنها ثلاث سنين فاتبعه ابن

الصفحة 31
سعود (الصواب ان متبعه اولا هو سعود) من مشائخ عرب نجد فانه كان شهماً وبعد ان حكم قبيلته تغلب على قبيلتين من اليمن وانضم اليه سائر العرب وبعد خمس عشرة سنة اتسعت ولايته وهو يطمع في الزيادة فظن ان محمداً الوهابي يجذب الناس اليه باتباعه له فاعان هذا المذهب وقواه فاخذ في الازدياد والانتشار ودان به جميع عرب نجد فرتب محمد مذهبه واظهر الاجتهاد فكان هو الرئيس الديني للوهابية وابن سعود رئيس الحكم والحرب وصارت ذرية كل منهما تتولى رتبة سلفها واختاروا مدينة الدرعية قاعدة بلادهم وهي في الجنوب الشرقي من البصرة في البادية ثم مات ابن سعود فخلفه ابنه عبد العزيز وكان اذا اراد محاربة قبيلة دعاها الى اعتقاد القرآن على ما يفسره الوهابية فان قبلت والا قاتلها لكنه لا يتعرض للنساء والأطفال بل يستصفي جميع الاموال واذا اطاعته القبيلة ارسل اليها حاكما ويأخذ منها عشر المواشي والنقود والعروض بل والانفس فيأخذ عشر الناس بالقرعة فجمع اموالا عظيمة وصار جيشه يربو على مئة وعشرين الف مقاتل فاطاعه جميع اهل البادية التي بين البحر الاحمر وبحر فارس وحوالي بلاد حلب ودمشق والوهابية يبغضون من عداهم من المسلمين بغضاً شديداً لما بينهم من المخالفة الواضحة لكنهم يوافقون اهل السنة في فروع كثيرة ولا

الصفحة 32
يتخذون في المساجد منارات ولا قبابا ولا غيرها لانه بدعة ولا يعظمون الائمة والاولياء ويدفنون موتاهم بغير احتفال ولا يشربون القهوة. انتهى مع اختصار ونقل بعض بالمعنى.

(اقول) وكان ظهور مذهب الوهابية في اوائل المائة الثالثة من الالف الثانية (ومن معتقداتهم) تحريم تشييد القبور وبناء القباب عليها والنذور لها والتوسل بالانبياء وغيرهم الى الله تعالى في قضاء الحوائج ومناداة غير الله تعالى عند الشدائد ولو كان من الانبياء او الاوصياء فانه شرك ومتى سمعوا ذلك من احد شتموه وضربوه وقالوا له اشركت وتحريم حمل المحمل الذي يؤخذ مع الحاج من مصر والشام وتعظيمه لانه بدعة وتحريم شرب القهوة والتتن ونحو ذلك (وذكر الجبرتي) في عجائب الاثار في حوادث سنة ثمان عشر ومائتين والف وهو ممن يصرح بالثناء على الوهابية وتصويب معتقداتهم في غير موضع من كتابه المذكور وكان استيلاؤهم على الحرمين الشريفين في عصره ان الوهابي ارسل كتابا الى رئيس الركب المغربي يتضمن دعوته وعقيدته قال فيه بعد مقدمة طويلة (ما لفظه) اذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الامور التي اعظمها الاشراك بالله والتوجه الى الموتى وسؤالهم النصر على الاعداء وقضاء الحاجات

الصفحة 33
وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها الا الله وكذلك التقرب اليهم بالنذور وذبح القربان والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد الى غير ذلك من انواع العبادة التي لا تصلح الا لله وصرف شيء من انواع العبادة لغير الله كصرف جميعها (الى ان قال) بعد ذكر ايات استدل بها على ابطال الشفاعة «ما لفظه» فأخبرني الله تعالى انه من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم واشرك بهم ثم قال فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا الا من الله (الى ان قال) واما ما حدث من سؤال الانبياء والاولياء من الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها واسراجها والصلوة عندها واتخاذها اعياد او جعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الامور التي اخبر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم امته وحذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم انه قال لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من امتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من امتي الاوثان الى اخر ما ذكر.

فعل الوهابية بالعراق وبالحجاز:

(وذكر) صاحب مفتاح الكرامة قدس الله روحه الوهابية في اواخر اكبر مجلدات الكتاب المذكور وهو معاصر

الصفحة 34
لرئيسهم سعود ومشاهد لبعض وقائعه في العراق وكانت عند تصنيف الكتاب المذكور (ففي) اخر مجلد الضمان ما لفظه فانه أي سعود الوهابي الخارج في ارض نجد اخترع ما اخترع في الدين واباح دماء المسلمين وتخريب قبور الائمة المعصومين، فاغار سنة الف ومائتين وست عشرة على مشهد الحسين عليه السلام وقتل الرجال والاطفال واخذ الاموال وعاث في الحضرة المقدسة فافسد بنيانها وهدم اركانها ثم انه بعد ذلك استولى على مكة المشرفة والمدينة المنورة وفعل بالبقيع ما فعل لكنه لم يهدم قبة النبي صلى الله عليه وآله. وفي السنة الحادية والعشرين في الليلة التاسعة من شهر صفر قبل الصبح هجم علينا ونحن في غفلة حتى ان بعض اصحابه صعد السور وكادوا يأخذون البلد فظهرت لامير المؤمنين عليه السلام المعجزات الظاهرة والكرامات الباهرة فقتل من جيشه كثير ورجع خائبا (وفي) اخر مجلد الشفعة منه (ما لفظه) وفي هذه السنة أي سنة الف ومائتين واثنين وعشرين جاء الخارجي الذي اسمه سعود في جمادى الآخرة من نجد بما يقرب من عشرين الف مقاتل او أكثر فجاءت النذر بانه يريد ان يدهمنا في النجف الاشرف غيلة فتحذرنا منه وخرجنا جميعاً الى سور البلد فاتانا ليلا فرآنا على حذر قد احطنا بالسور بالبنادق والاطواب فمضى الى الحلة فرآهم كذلك ثم

الصفحة 35
مضى الى مشهد الحسين عليه السلام على حين غفلة نهارا فحاصرهم حصاراً شديداً فثبتوا له خلف السور وقتل منهم وقتلوا منه ورجع خائباً وعاث في العراق فقتل من قتل وقد استولى على مكة المشرفة والمدينة المنورة وتعطل الحاج ثلاث سنين.

(وفي) اخر مجلد الوكالة منه بعد ما ذكر انه فرغ منه في الليلة التاسعة من شهر رمضان سنة الف ومائتين وخمس وعشرين «ما لفظه» وكان ذلك مع تشويش البال واختلال الحال وقد احاطت الاعراب من عنزة القائلين بمقالة الوهابي بالنجف الاشرف ومشهد الحسين عليه السلام وقد قطعوا الطرق ونهبوا زوار الحسين عليه السلام بعد منصرفهم من زيارة نصف شعبان وقتلوا منهم جما غفيراً واكثر القتلى من العجم وربما قيل انهم مائة وخمسون وقيل اقل وبقي جملة من الزوار في الحلة ما قدروا ان يأتوا إلى النجف الاشرف فبعضهم صام في الحلة وبعضهم ذهب إلى الحسكة ونحن الان كلنا في حصار والأعراب إلى الان ما انصرفوا وهم من الكوفة إلى فوق مشهد الحسين عليه السلام بفرسخين او اكثر على ما قيل.

(وفي) اخر مجلد الهبات ذكر انه قد وقع اطراف العراق كالحلة والمشهدين في البلاء المبين من القتل الذريع الكثير

الصفحة 36
خصوصاً في الزوار والمترددين وحرق الزرع. (وذكر) في اواخر مجلدات آخر منه نحواً من هذا.

(وفي تاريخ الجبرتي) المتقدم ذكره انه في (العاشر من شهر شعبان سنة الف ومائتين وسبع عشرة حضر الى مصر جماعة من اشراف مكة وعلمائها هاربين من الوهابي وقصدهم القسطنطيسنية ليستنجدوا بالدولة العثمانية وذهبوا الى بيوت الحكام والاكابر يشكون ويخبرون عما جرى عليهم).

(وفي) اخر شوال من السنة المذكورة حضر الى مصر اولاد الشريف سرور شريف مكة هاربين من الوهابية ليستنجدوا بالدولة العثمانية.

(وفي) يوم الجمعة خامس عشر ذي الحجة من السنة المذكورة حضرت كتب من الحجاز الى مصر فيها ان الوهابين حضروا الى الطائف فخرج اليهم الشريف غالب شريف مكة فهزموه فرجع الى الطائف واحرق داره وفر هارباً الى مكة وكان رئيس عسكر الوهابيين عثمان المضايفي زوج اخت الشريف وكان حصل بينهما وحشة فخرج المضايفي مع الوهابيين وطلب من سعود الوهابي ان يؤمره على العسكر الموجه لمحاربة الشريف ففعل فحاربوا اهل الطائف ثلاثة ايام حتى دخلوا البلدة عنوة وقتلوا الرجال واسروا النساء والأطفال وهذا دأبهم مع من يحاربهم وهدم المضايفي قبة ابن عباس الغريبة الشكل

الصفحة 37
والوصف.

(وفي) يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر محرم سنة الف ومائتين وثمان عشرة حضر هجان الى مصر معه كتب مؤرخة في العشرين من ذي الحجة وفيها ان الوهابية احاطوا ببلاد الحجاز وان الشريف غالب طلب من والي جدة وامراء الحاج الشامي والمصري ان يبقوا معه اياما لينقل ماله ومتاعه الى جدة فاجابوه بعد ان بذل لهم مالا فبقوا معه اثني عشر يوما ثم رحلوا ورحل بعد ان احرق داره.

(وفي) يوم الاثنين سادس عشر صفر من تلك السنة وردت كتب من الحجاز الى مصر بتاريخ منتصف المحرم وفيها ان الوهابين استولوا على مكة في يوم عاشوراء بعد ارتحال الشريف غالب وبعد ارتحال الحاج بيومين لان الحاج تأخر بمكة ثمانية ايام زيادة على المعتاد.

(وفي) يوم الاحد الثاني والعشرين من صفر من تلك السنة حضر الى مصر الشريف عبدالله بن سرور مع بعض اقاربه من شرفاء مكة واتباعهم نحوا من ستين شخصاً واخبروا انهم خرجوا من مكة مع الحاج وان عبدالعزيز بن سعود الوهابي دخل مكة بغير قتال وولى الشريف عبدالمعين اميرا على مكة والشيخ عقيلا قاضيا وانه هدم قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة والابنية التي هي اعلى من الكعبة الخ.

الصفحة 38

(وفي) يوم الاحد التاسع والعشرين من شهر صفر من السنة المذكورة حضر مع الحجاج كثير من اهل مكة الى مصر هربا من الوهابية (وفي الخامس والعشرين من شوال من تلك السنة حضر فرمان الى مصر من الدولة بارسال اربعة الاف عسكري الى الحجاز لمحاربة الوهابيين وانهم وجهوا من جهة بغداد أربعة بشوات مع العساكر وارسلوا الى احمد باشا الجزار (الذي كان في عكا) بالتوجه ايضاً لمحاربتهم).

(وفي) اواخر محرم سنة الف ومائتين واحدى وعشرين وردت اخبار الى مصر بمسالمة الشريف غالب للوهابيين لما اشتد عليه الحصار وغلب الاسعار فأخذ العهد على دعاتهم بداخل الكعبة ومنع من شرب الاراكيل بالتنباك بين الصفا والمروة وعاهده على امور منها ترك ما حدث في الناس من الالتجاء لغير الله من المخلوقين الاحياء والاموات في الشدائد والمهمات وبناء القباب على القبور وتقبيل الاعتاب والخضوع والتذلل والمناداة والطواف والنذور والذبح والقربان وعمل الاعياد والمواسم لها وهدم القباب المبنية على القبور والاضرحة لأنها من الامور المحدثة التي لم تكن في زمانه صلى الله وآله.

(وفي) اخر المحرم سنة الف ومائتين واثنين وعشرين ورد الخبر الى مصر برجوع الحاج الشامي من منزل هديه لان الوهابي ارسل الى عبدالله باشا امير الحاج ان يأتي بدون

الصفحة 39
المحمل والطبل والزمر والاسلحة.

(وفي يوم) السبت ثالث صفر من هذه السنة وصل حجاج المغاربة الى مصر واخبروا ان سعود الوهابي دخل مكة بجيش كثيف وتوعد امير الحاج المصري بحرق المحمل ان جاء به ثانيا وانه هدم القباب وقبة آدم وقباب ينبع والمدينة وابطل شرب التنباك في الاسواق وغيرها.

(وفي) يوم الاحد سابع ربيع الثاني من السنة المذكورة حضر مع الحاج الى مصر اغوات الحرم والقاضي الذي توجه لقضاء المدينة وخدام الحرم المكي وقد طردهم الوهابي جميعاً واخبر الحاج انهم منعوا من زيادة المدينة وان الوهابي اخذ كل ما كان في الحجرة النبوية من الذخائر والجواهر وانه امر بحرق المحمل (انتهى). ما اردنا نقله من كلام الجبرتي.

(وقال) في حوادث سنة الف ومائتين وثلاث وعشرين ان منها انقطاع الحج الشامي والمصري معتلين بمنع الوهابي. وقال انه لم يمنع احدا ان يحج على الطريقة المشروعة وانما يمنع من يأتي بالبدع التي لا يجيزها الشرع مثل المحمل والطبل والزمر وحمل الاسلحة. ثم ذكر ان اهل الحجاز يرون اخذ الوهابي لذخائر الحجرة الشريفة وجواهرها من الكبائر العظام وصوب هو اخذهم لها. وقال انه لما وضعها ضعفاء العقول

الصفحة 40
من الأغنياء والملوك الاعاجم وغيرهم. ثم بين انها لا ينبغي ان تكون للنبي صلى الله عليه وآله لزهده في الدنيا وانه بعث ليكون نبيا لا ملكا. وذكر احاديث واردة في عرض الدنيا عليه صلى الله عليه وآله وآبائه وفي زهده. وانها ان كانت صدقة فهي محرمة عليه وعلى اله وانها لا نفع فيها مع بقائها على حالها فالارجح صرفها على المحاويج الى غير ذلك من التلفيقات. ثم ذكر انه يقال ان الوهابي ملأ أربعة صناديق من الجواهر المحلاة بالالماس والياقوت العظيمة القدر ومن ذلك أربعة شمعدانات من الزمرد وبدل الشمعة قطعة الماس تضيء في الظلام ونحو مائة سيف لا تقوم قرابانها ملبسة بالذهب الخالص ومنزل عليها الماس وياقوت ونصابها من الزمرد واليشم ونحو ذلك ونصلها من الحديد الموصوف وعليها اسماء الملوك والخلفاء السالفين. (اقول) مع كون افعال الوهابية مشهورة متواترة فالجبرتي شاهد صدق على ما تقدم من معتقداتهم فهو منهم وغير منهم في نقله عنهم فانكار بعض المتعصبين للوهابية ما ينقل عنهم من الافعال والمعتقدات الشنيعة وقوله ان ذلك انما اشتهر من قبل امراء الدولة العثمانية حين استفحال امر الوهابية لينفروا الناس عنهم فقالوا للشيعة انهم هدموا قبر الحسين عليه السلام وفعلوا وفعلوا وقالوا للسنة امثال ذلك غير مسموع بعد ما سمعت وما ذكره الجبرتي من تصويب نهبهم لموقوفات الحضرة الشريفة النبوية جهل محض

الصفحة 41
فان هذه الذخائر موقوفة لتوضع بالحجرة الشريفة وتكون زينة لها وليست ملكاً له عليه السلام ولا صدقة وزهد النبي صلى الله عليه وآله في الدنيا لا ربط له بالمقام.

(فان قال) ان وقفها على الحجرة الشريفة غير جائز؟

(قلنا) بل هو جائز لجريان سيرة المسلمين بل جميع أهل الاديان على ذلك ولان في وقفها تعظيماً لشعائر الدين فلا يكون سفها بل هو امر راجح مطلوب شرعاً.

(أما) تشييد قبور الانبياء والاوصياء والصلحاء والعلماء فقد تقدم الدليل على جوازه ورجحانه.

(وأما) التوسل بالموتى من ذوي المكانة عند الله تعالى فلا مانع منه شرعاً ولا عقلاً فانهم احياء عند ربهم يرزقون فالتوسل بهم اما دعاء لله تعالى ان يقضي الحاجة ببركتهم ومثله كثير في الادعية المأثورة عنه صلى الله عليه وآله وعن اهل بيته وعن الصحابة والتابعين او طلب منهم ان يسئلوا الله تعالى في قضاء الحاجة ولا مانع منه عقلاً ولا شرعاً فان الله تعالى اجرى الامور باسبابها وفضل الناس بعضهم على بعض وجعل العبادة في بعض الاماكن كالمساجد افضل منها في غيرها واقسم ببعض مخلوقاته تعظيماً لها واعطى الشفاعة لبعض انبيائه باعتراف الوهابية ونص عليها الكتاب العزيز فجعل ذلك من الشرك جهل محض كقياسه على ما ورد في قوله تعالى (وما نعبدهم الا