الصفحة 42
ليقربونا إلى الله زلفى) فان أولئك صلوا للأصنام وعبدوها لتقربهم إلى الله ونحن لم نصل إلى أحد من الأنبياء ولا عبدناهم وإنما استشفعنا بهم إلى الله بالكلام لمكانتهم عنده تعالى.

(وأما) جعلهم الشفاعة حقاً في الآخرة وطلبها في الدنيا شركاً فجهل وغباوة فان ما يكون شركاً في الدنيا لا يكون حقاً في الآخرة.

(وأما) جعلهم سؤال الموتى قضاء الحوايج وتفريج الكربات شركا لانه لا يقدر عليها الا الله.

(فنقول) بل يقدر عليها غير الله باقدار الله تعالى له فالرجل منا يقدر على قضاء دين اخيه بما رزقه الله من المال وعلى نصره بما اعطاه الله من القوة فاذا سئله ذلك لا يكون مشركاً وإذا كان اهل المكانة عند الله تعالى احياء عند ربهم يرزقون كما نطق به القرآن الشريف في حق الشهداء فما المانع من قدرتهم على نصر المستغيث بهم وقضاء حاجته كالاحياء ولو فرض عدم قدرتهم فلا يكون ذلك شركاً بل يكون كمن طلب من المفلس قضاء دينه جاهلاً بفلسه وإذا كان ذلك شركاً فالوهابية أول المشركين لاستعانتهم بالناس في قضاء حوائجهم وطلب النصرة من الناس على أعدائهم.

(وأما) النذور وذبح القرابين فالنذور لا يقصد تمليكها

الصفحة 43
للأموات بل لتصرف على الخدمة أو الزوار او الفقراء أو نحو ذلك ويكون ثوابها للميت أو للناذر وفي ذلك تعظيم للشعائر كما مر فلا مانع منه.

(أما) ما سموه بالقرابين تشبيها بما يذبح للاصنام فليس كذلك بل يراد اطعامه للفقراء تقربا اليه تعالى ونسبته الى صاحب القبر لقصد صرفه على زواره او كون ثوابه له او نحو ذلك كما في سائر النذور فان هذا نوع منها ولا مانع منه وجعله من الشرك جهل وغباوة (وبالجملة) فالله تعالى فضل الناس بعضهم على بعض بل فضل بعض الجمادات على بعض واوجب الصلوة الى الكعبة تعظيما لها ولم يكن ذلك شركا وورد في الشرع تقبيل الحجر الاسود والطواف بالبيت والحج اليه والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفات والصلوات في المساجد ونحو ذلك مما لا يحصى وامر الله تعالى بالدعاء والتوسل اليه تعالى بالموجودات الشريفة والاقسام بها عليه كما تدل عليه الادعية المأثورة عن النبي واهل بيته عليه وعليهم الصلوة والسلام مع انه قادر ان يعطي العبد جميع الخيرات بلا مسئلة ولنعم ما قال القائل:

الم تر أن الله قال لمريم * وهزي اليك الجذع يساقط الرطب
ولو شاء ان تجنيه من غير هزه * جنته ولكن كل شيء له سبب

الصفحة 44

فمن ذلك ظهر ان هذه الكلمات التي ذكروها تمويهات فاسدة وتهويلات باردة والجبرتي على ما يظهر من كتابه لا يعد من العلماء الذين يعبؤ بموافقتهم للوهابية او مخالفتهم واظن ان عالمنا الغيور من هذا القبيل (وما اشبه) الوهابية في هذا الزمان بالخوارج فان كلا منهما تصلب في الدين وحافظ على الصلوات والعبادات وتورع عن جملة من المباحات وارتكب بجهله وغباوته اعظم الموبقات وخالف ضرورة الدين واستحل دماء المسلمين هذا الكلام على ما يتعلق بالرسالة.

كلام صاحب المنار في حق الشيعة في العراق:

(اما) ما ذيلها به صاحب المنار فانه «قال» ان هذه الرسالة ذكرته بما كتبه في المجلد الثاني من المنار في رمضان سنة 1317 في صفحة 687 من نشر مذهب الشيعة في العراق وهو انه قد قرأ في بعض الجرائد عزم الدولة العلية على ارسال بعض العلماء الى سناجق البصرة والمنتفق وكربلا لا رشاد القبائل الرحالة هناك وفي بعضها صدور الارادة السنية بذلك فعلا وحمد الله تعالى على تنبه الدولة العلية لهذا الامر قبل ان يخرج من يدها قال فقد سبقها الشيعة وبثوا الوعاظ والمرشدين في هذه القبائل يذهب الملا الشيعي الى القبيلة فيمتزج بشيخها امتزاح الماء بالراح بما يسهل عليه من التكاليف الشرعية ويحمله على هواه فيها كاباحة التمتع بالعدد الكثير من النساء

الصفحة 45
الذي له الشأن الاكبر عند اولئك الشيوخ وغير ذلك حتى يكون وليجته وعيبة سره ومستشاره في امره فيتمكن الملا بذلك من بث مذهبه في القبيلة باقرب وقت ويكتفي من السياسة غالبا بافهام القوم ان رئيس طائفة الشيعة المحقة شاه العجم ورئيس الطائفة الاخرى المسماة بالسنية السلطان عبدالحميد ولاشك ان هؤلاء يكونون عونا لرئيس مذهبهم اذا وقع نزاع لا قدر الله بينه وبين رئيس المذهب الاخر وان كانوا في بلاد الاخر. ثم وصف الذين تختارهم الدولة العلية للارشاد ورغبهم بانهم لا يحرمون من اجر الدنيا وقال قد استغنى دعاة الشيعة في تلك القبائل مع حصولهم على غرضهم في نشر المذهب قال وليبدأ دعاة الدولة العلية بمن على الفرات فان فيهم عدداً كبيرا لم يزل على مذهب اهل السنة «هذا» ما كتبه من نحو تسع سنين.

(واما) ما كتبه بعد ذلك فهو قوله: ان اكثر من اجابوا دعوة علماء الشيعة هناك لم يكونوا على شيء من مذهب اهل السنة فاذا كان اولئك الدعاة يبثون فيهم الوعاظ يعلمونهم الفرائض واحكام الحلال والحرام فان ذلك خير لهم في دينهم من الحالة التي كانوا عليها فنحن لا نعد الامر من الجهة الدينية بلاءً نازلاً كما عده الاستاذ كاتب الرسالة ولكن الامر مهم من الجهة السياسية فان السياسة هي التي كانت ولا تزال مثار

الصفحة 46
الخلاف بين اهل السنة والشيعة ولولاها لما كان خلاف وما ضاع الدين والدنيا علينا إلا الخلاف وقد كان طلاب الاصلاح بالوحدة الاسلامية مغتبطين بما حصل في هذه السنين الاخيرة من التآلف والتعارف بين الفريقين حتى وقع اخيرا ما وقع من التعدي على الحدود فباتوا يخشون ان تهدم السياسة السوء في سنة واحدة ما بناه دعاة الإصلاح في عشرات من السنين.

«انتهى» ما اردنا نقله مما ذيل به صاحب المنار هذه الرسالة (وقد) رايناه في كلامه الاخير اقرب الى الانصاف منه في كلامه الذي كتبه منذ تسع سنين فانه قارب الانصاف في قوله لا نعد الامر من الجهة الدينية بلاء نازلا كما عده كاتب الرسالة وفي قوله ما اضاع الدين والدنيا علينا الا الخلاف الى اخر كلامه. وفي كلا الكلامين مواضع للرد.

الرد على صاحب المنار

(اما قوله): ان الشيعة قد ادخلوا معظم تلك القبائل في مذهب الشيعة فمخالف للواقع لما عرفت عند الرد على كتاب الرسالة من ان ذلك لم يكن منه شيء في زماننا هذا والقبائل في العراق معروفة مشهورة بعضها على مذهب اهل السنة بعضها على مذهب الشيعة كان ولم يزل وما سمعنا في زماننا

الصفحة 47
هذا ان قبيلة كانت على مذهب اهل السنة فدخلت في مذهب الشيعة بدعاء علماء الشيعة لها اللهم الا ان يكون ذلك قبل عصرنا فان كان ما يقوله حقا فليسم لنا قبيلة من هذه القبائل التي يدعيها. ووعاظ الشيعة ومرشدوهم انما يحلون بين اظهر الشيعة فقط فيعلمونهم معالم الحلال والحرام ولو كان ما زعمه حقا فهو ليس مما يضر بالدين فان الشيعة لا تفترق عن السنة في اصول الاسلام التي هي الشهادتان وما يتبع ذلك وفي كثير من الفروع فان خالفت مذهبا من الاربعة في فرع وافقت الاخر الا نادرا وان خالفت الاربعة وافقت بعض من تقدمهم او عاصرهم من الفقهاء.

(والحاصل) ان الشيعة توافق السنة في الاصول التي بها يستحق المسلم اطلاق اسم الاسلام عليه وجريان احكامه التي منها حرمة ماله ودمه وعرضه وفي اكثر الفروع فان تخالفا في نادر من الاصول او الفروع فهو كمخالفة بعض المذاهب الاربعة للاخر او بعض علماء السنة لبعض لا يوجب الجزم بهلاك احدى الطائفتين واهم الخلافيات في الاصول تفضيل اهل البيت عليهم السلام وتقديمهم فدخول السني في مذهب الشيعة كانتقال الحنفي الى مذهب الشافعي.

(واما قوله) يذهب الملا الشيعي الى قوله بما يسهل عليه امر التكاليف الشرعية فهو افتراء ولعل عذر صاحب المنار فيه

الصفحة 48
انه سمعه من افواه بعض المفسدين والمتعصبين الذين دأبهم قذف الشيعة بما هم منه بريئون ونسبة القبائح اليهم لتنفير الناس عنهم والملا الشيعي في العراق لا يترك الاشتغال بالعلم الا عند الضرورة ولا يذهب اصلا الى قبائل السنة كما ذكرنا حتى يفعل ما قاله ولا الى قبائل الشيعة الا نادرا فاذا ذهب لا يسهل عليهم امر التكاليف كما قال بل يشدد عليهم في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن عاشر الشيعة وخبر باطن امرهم وظاهره علم انهم شديدو التصلب في دين الاسلام محافظون على احكام الشرع جهدهم قليلو التهاون والمسامحة بها لا يأخذون احكام دينهم الا عمن عرف بالعدالة والتقوى والاستقامة ومتى ظهر لهم في رجل من العلماء ورؤساء الدين ادنى تسامح في الشرعيات نفروا منه ولم يقبلوا قوله.

متعة النساء:

(واما قوله): كاباحة التمتع بالعدد الكثير من النساء الخ فهو كسابقة في مخالفة الواقع بجعل علة ميل الشيوخ الى اهل العلم هو هذا فان الشيوخ ان كانوا من السنة فلا يذهب اليهم الملا الشيعي مرشدا ولا يستفتونه وان كانوا من الشيعة فليس هذا علة ميلهم الى اهل العلم فان متعة النساء وان كانت حلالا في مذهب الشيعة فليس كل حلال يفعل والعرب قاطبة شيوخهم ومن دونهم لا يفعلون المتعة ويرونها عارا وان كانت

الصفحة 49
حلالا بل العلة في ميل الشيوخ الى اهل العلم ما عرفوهم به من الاستقامة.

(والعجب) من صاحب المنار الذي برز في هذا العصر بلباس البحث عن الحقائق وفلسفة الدين وترك تقليد الاباء والامهات كيف خفي عليه انه لا يحسن بمثله ان يندد بشيء ثبتت مشروعيته في دين الاسلام ولم يثبت له ناسخ الا نهي بعض الصحابة الذين ليس لهم نسخ الاحكام الألهية وليس معصوماً من الخطأ باتفاق المسلمين (ويحسن) في هذا المقام ذكر ما يحتج به الشيعة لمشروعية متعة النساء وبقاء شرعيتها وعدم ثبوت ناسخ لها وما يحتج به خصومهم على نسخها وما اجابهم به الشيعة وتحقيق الحق من ذلك بوجه الاختصار.

«فنقول» متعة النساء مشروعة (بنص الكتاب العزيز) قال الله تعالى فما (استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن) (وفي الكشاف) عن ابن عباس هي محكمة يعني لم تنسخ وكان يقرأ فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى انتهى.

(وعن) ابي ابن كعب وابن مسعود انهما قرءا ايضاً كذلك.

«وفي شرح النووي» لصحيح مسلم عن القاضي عياض ان ابن مسعود قرأ فما استمتعتم به منهن الى اجل.

الصفحة 50

(وفي الروضة) روى شعبه عن الحكم بن عيينه وهو من اكابر اهل السنة قال سئلته عن هذه الآية (فما استمتعتم به منهن) امنسوخة هي قال لا ثم قال الحكم قال علي بن ابي طالب لولا ان عمر نهى عن المتعة ما زنى الا شفي وشفي بالفاء مع القصر أي قليل واحتمال ان يراد بالاية النكاح الدائم مدفوع بانه خلاف ظاهر لفظ الاستمتاع لشيوعه في الشرع في المتعة ولفظ الاجور لان المستمتع بها اشبه بالمستأجرة والمتعارف في الدائم الصداق كقوله تعالى (واتوا النساء صدقاتهن) مع ما تقدم في الكشاف عن ابن عباس وما تقدم عن ابي وابن مسعود ومع اعتراف غير واحد من علماء السنة بورودها في المتعة كما سيأتي انشاء الله تعالى في كلام تبن حزم وما حكاه عن الشافعي (وبالسنة المواترة) عنه صلى الله عليه وآله من طرق اهل السنة خاصة فضلا عما رواه الشيعة انه صلى الله عليه وآله رخص الصحابة في المتعة واستمتعوا في زمانه.

(روى البخاري) في صحيحة بسنده عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الاكوع قالا كنا في جيش فاتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال انه قد اذن لكم ان تستمتعوا فاستمتعوا.

(وروى مسلم) في صحيحه بسنده خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ان رسول الله صلى الله

الصفحة 51
عليه وسلم قد اذن لكم ان تستمتعوا يعني متعة النساء.

(وروى مسلم) في صحيحه ايضاً بسنده عن سلمة بن الاكوع وجابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتانا فاذن لنا في المتعة.

(وروى البخاري) في صحيحه ايضاً في باب ما يكره من التبتل والخصا بسنده قال قال عبدالله كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس لنا شيء فقلنا الا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا ان ننكح المرأة بالثوب ثم قرأ علينا (يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم) الاية «ورواه» البخاري ايضاً في باب قوله تعالى (يا أيها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم) نحوه.

(قال القسطلاني) في ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري في ذلك الباب وهذا الحديث اخرجه مسلم والنسائي في التفسير (وقال) ايضاً عند قوله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وعند قوله ان ننكح المرأة بالثوب أي الى اجل في نكاح المتعة، وقال في موضع اخر وهو نكاح المتعة، وعند قوله ثم قرأ علينا أي عبد الله بن مسعود قال كما في رواية مسلم وكذا الاسماعيلي في تفسير المائدة. ثم قال قال في الفتح وظاهر استشهاد ابن مسعود بهذه اللآية هنا يشعر بانه كان يرى جواز المتعة انتهى.

الصفحة 52

(وروى مسلم) في صحيحة بسنده عمن سمع عبدالله يعني ابن مسعود كما سمعت يقول كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس لنا نساء فقلنا الا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا ان ننكح المرأة بالثوب الى اجل ثم قرأ عبد الله (يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم ولا تعتدوا ان الله لا يجب المعتدين) .

(ورواه) مسلم ايضاً بسنده مثله الا انه قال ثم قرأ علينا ولم يقل قرأ عبدالله.

(ورواه) ايضاً بسنده مثله الا انه قال كنا ونحن شباب فقلنا يا رسول الله الا نستخصي ولم يقل نغزو.

(قال النووي) في شرح صحيح مسلم فيه أي في استشهاد ابن مسعود بالاية اشارة الى انه كان يعتقد اباحة المتعة كقول ابن عباس وانه لم يبلغه نسخها انتهى الى غير ذلك من الروايات التي يطول الكلام باستقصائها وسيأتي جملة منها.

(وفي شرح النووي) لصحيح مسلم عن القاضي عياض انه روى حديث اباحة المتعة جماعة من الصحابة فذكره مسلم من رواية ابن مسعود وابن عباس وجابر وسلمة بن الاكوع وسبره بن معبد الجهني الخ (وباجماع المسلمين) فأنهم اجمعوا على مشروعيتها وان اختلفوا في نسخها.

الصفحة 53

«وفي شرح النووي» لصحيح مسلم عن القاضي عياض عن المزري انه ثبت ان نكاح المتعة كان جائزاً في اول الاسلام الخ انتهى واذا ثبت مشروعيتها في دين الاسلام بالادلة الثلاثة وجب الاخذ بذلك حتى يثبت الناسخ ولم يثبت بل ثبت العدم كما ستعرف.

(واجاب) اهل السنة عن الاية بانها منسوخة بقوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم) «وربما» قال بعضهم انها منسوخة بآية ميراث الزوجة «ومنهم» من احتج بالآية الاولى على تحريم المتعة من غير ان يتعرض لكونها ناسخة لآاية الاخرى قالوا والمتمتع بها ليست ملك يمين وهو واضح ولا زوجة لانها غير وارثة ولا موروثة..

(قال ابن حزم) في الناسخ والمنسوخ قوله تعالى (فما استمتعتم به منهن فاتوهن اجورهن فريضة) نسخت بقوله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر حديثاً في تحريم المتعة ثم قال ووقع ناسخها من القرآن موضع ذكر ميراث الزوجة وقال محمد ابن ادريس الشافعي رحمة الله عليه موضع تحريمها في سورة المؤمنين وناسخها قوله تعالى (والذين هم لفروجهم) الاية واجمعوا على انها ليست بزوجة ولا ملك يمين فنسخها الله بهذه الاية انتهى كلام ابن حزم.

الصفحة 54

الجواب عما اجاب به اهل السنة

(والجواب) انها زوجة ترث وتورث مطلقا او مع الشرط على قول او مع عدم شرط عدم الارث على قول اخر وعلى القول بعدم ارثها والارث منها لدليل لا ينافي ذلك كونها زوجة فان القاتلة لا ترث اجماعا والكافرة لا ترث من المسلم عندنا ولا ترث ولا تورث عندكم فلم تكن هذه الاية دالة على تحريم المتعة ولا منافية لتلك حتى تكون ناسخة لها.

(قال) في الكاشف في تفسير الاية (فان قلت) هل فيه دليل على تحريم المتعة «قلت» لا لان المنكوحة نكاح المتعة من جملة الازواج اذا صح النكاح انتهى فدعوى ابن حزم الاجماع على عدم زوجيتها مجازفة سيما مع انه افتى باباحتها جماعة من الصحابة كما ستعرف (هذا) مع ان آية (فما استمتعتم) في سورة النساء وهي مدنية كما صرح به ابن حزم وغيره وآية (الا على ازواجهم) في سورتي المعارج والمؤمنون وكلتاهما مكية كما صرح به ابن حزم وغيره ايضا والناسخ لا يجوز ان يتقدم على المنسوخ (هذا) مع سهولة الشريعة وسماحتها ورفع الحرج في الدين القاضيين بعدم نسخ مثل هذا الحكم الذي شرع تسهيلا على العباد وصيانة له عن الزنا فانه ليس كل

الصفحة 55
احد يتمكن من النكاح الدائم والاسفار البعيدة والحروب والغزوات من ضروريات الوجود والمعاش وليس كل واحد يتمكن من حمل زوجته معه في الاسفار وشهوة النكاح من اقوى الشهوات والصبر عنها من اعسر الاشياء لغالب الناس فالحكمة الالهية قاضية بلزوم بقاء مثل هذا الحكم كما تقضي بلزوم بقاء الحكم بكون الماء طهوراً ولولا المنع منها ما كانت ديار المومسات مشهورة في مدن الاسلام العظام اكثر مما كانت ايام الجاهلية كما يشير الى ذلك ما يأتي في الوجه الرابع من الجواب عن احاديث تحريمها من قول ابن عباس ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها امة محمد صلى الله عليه وآله لولا نهيه عنها ما احتاج الى الزنا الا شفى أي قليل من الناس. وقول علي عليه السلام لولا ان نهى عمر عن المتعة ما زنى الا شفى (هذا) مع ان زفر من فقهاء الحنفية قال ان الشرط يسقط ويصح النكاح على التابيد اذا كان بلفظ التزويج.

جواب القاضي عياض عن احاديث اباحة المتعة:

(واجاب) القاضي عياض عن احاديث اباحة المتعة فيما حكاه عنه النووي في شرح صحيح مسلم بقوله ليس في هذه الاحاديث كلها انها كانت في الحضر واما كانت في اسفارهم في الغزو عند ضرورتهم وعدم النساء مع ان

الصفحة 56
بلادهم حارة وصبرهم عنهن قليل انتهى.

(وفيه) ان الاحوال التي يكون عليها المكلف حين توجه الحكم عليه لا تكون قيدا في الحكم ما لم يصرح بذلك فيحمل على الاطلاق الا مع التقييد فاذا نزل وجوب الصلوة مثلا والمسلمون في السفر كان الحكم مطلقا عاما للسفر والحضر بخلاف ما لو كان الحكم مقيدا بالسفر كالقصر فالمتعة لا يلزم ان يكون في الاخبار تصريح بجوازها في الحضر بل يكفي عدم التصريح باختصاصها بالسفر وكذلك الكلام في كون بلادهم حارة (مع) ان احتمال اختصاصها بالسفر منفي بالاجماع المركب لانها اما جائزة سفرا وحضرا او محرمة فيهما ولا قائل بالتفصيل.

واحتجوا على النسخ بعدة روايات:

رواية في تحريمها يوم خيبر او حنين وعام اوطاس:

(منها) ما رووه عن علي بن ابي طالب عليه السلام من تحريمها يوم خيبر «ففي صحيح البخاري» بسنده ان عليا رضي الله عنه قال لابن عباس ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر. قال القسطلاني في الشرح بعد قوله لابن عباس لما سمعه يفتي في متعة النساء انه لا بأس بها انتهى.

الصفحة 57
«وفي صحيح مسلم» بسنده عن علي انه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال مهلا يا ابن عباس فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الانسية.

«وفي سنن النسائي» الصغرى بسنده ان عليا بلغه ان رجلا لا يرى بالمتعة بأسا فقال انك تآئه انه نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها وعن لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر.

قال محمد بن عبد الهادي الحنفي المعروف بالسندي في الحاشية قوله ان رجلا هو ابن عباس (ثم) قال وكأنه اما التفت اليه ابن عباس يعني الى النهي يوم خيبر لما ثبت عنده من نسخ هذا النهي بالرخصة في المتعة بعد ذلك كايام الفتح الخ. وذكر السندي المذكور نحوا من هذا في حاشية سنن ابن ماجه.

(ومنها) ما رووه من تحريمها يوم خيبر او حنين:

(ففي سنن النسائي) الصغرى ايضا اخبرنا عمر بن علي ومحمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالوا انبأنا عبدالوهاب قال سمعت يحيى بن سعيد يقول اخبرني مالك ابن انس ان ابن شهاب اخبره ان عبدالله والحسن ابنا محمد بن علي اخبراه ان اباهما محمد بن علي اخبرهما ان

الصفحة 58
علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن متعة النساء قال ابن المثنى يوم حنين وقال هكذا حدثنا عبدالوهاب من كتابه انتهى ما في السنن.

(وقال القسطلاني) في ارشاد الساري شرح صحيح البخاري اتفق اصحاب الزهري كلهم على خيبر بالخاء المعجمة والراء اخره الا ما رواه عبدالوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث فقال حنين بالحاء المهملة والنونين اخرجه النسائي والدارقطني وقالا انه وهم تفرد به انتهى.

(اقول) ليس في سنن النسائي الصغرى انه وهم وستعرف ان حمله على الوهم ليس باولى من حمل رواية خيبر عليه.

(ومنها) ما رووه من تحريمها عام اوطاس:

(ففي صحيح مسلم) بسنده عن سلمة بن الاكوع قال رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام اوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها «قال» في المصباح المنير اوطاس واد في ديارهوازن جنوبي مكة بنحو ثلاث مراحل وكانت وقعتها في شوال بعد فتح مكة بنحو شهر انتهى وبظهر انه قريب من موضع وقعة حنين. قال ابن الاثير

الصفحة 59
في الكامل في تفصيل وقعة حنين فلما نزلوا أي المشركون اوطاس جمع الناس وفيهم دريد بن الصمة فقال دريد باي واد انتم فقالوا باوطاس قال نسم مجال الخيل الخ هوازان هم الذين كانت معهم وقعة حنين واوطاس وغزوة اوطاس كانت بعد غزوة حنين.

(قال ابن الاثير) بعد تفصيل وقعة حنين وكان بعض المشركين باوطاس فارسل اليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابا عامر الاشعري عم ابي موسى الى ان قال وانهزم المشركون باوطاس وظفر المسلمون بالغنائم والسبايا.

(وفي صحيح البخاري) باب غزاة اوطاس ثم اسند عن ابي موسى قال لما فرغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حنين بعث ابا عامر على جيش الى اوطاس الخ. ولكن في معجم البلدان لياقوت الحموي اوطاس واد في ديار هوازن فيه كانت وقعة حنين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ببني هوازن أهـ ويمكن ان يكون اطلق عليها وقعة حنين لتقاربهما في الزمان والمكان وكون كل منهما مع هوازن مع كون غزوة حنين اشهر جمعاً بينه وبين ما تقدم كما يحتمل ان يراد من غزاة اوطاس في الحديث غزاة حنين نفسها.

(ومنها) ما رووه من تحريمها يوم فتح مكة:

«ففي صحيح مسلم» بسنده عن الربيع بن سبرة ان

الصفحة 60
اباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة قال فأقمنا بها خمس عشرة أو ثلاثين بين ليلة ويوم فاذن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في متعة النساء فخرجت انا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال وهو قريب من الدمامة مع كل واحد منا برد فبردي خلق واما برد ابن عمي فبرد جيد غض حتى اذا كنا باسفل مكة او باعلاها فتلقتنا فتاة مثل البكرة(1) العنطنطه(2) فقلنا لها هل لك ان يستمتع منك احدنا قالت وماذا تبذلان فنشر كل واحد منا برده فجعلت تنظر الى الرجلين ويراها صاحبي ينظر الى عطفها فقال ان برد هذا خلق وبردي جديد غض فتقول برد هذا لابأس به ثلاث مرار او مرتين ثم استمتعت منها فلم اخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

«وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عن الربيع بن سبره بن معبد عن ابيه ان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم عام فتح مكة امر اصحابه بالتمتع من النساء قال فخرجت انا وصاحب لي من بني سليم حتى وجدنا جارية

____________

(1) بفتح الباء وسكون الكاف الفتية من الابل أي الشابة القوية (منه).

(2) بعين مهملة مفترحة ونونين مفتوحتين وطائين مهملتين الطويلة العنق مع حسنه او الطويلة (منه)

الصفحة 61
من بني عامر كأنها بكرة عيطاء(1) فخطبناها الى نفسها وعرضنا عليها بردينا فجعلت تنظر فتراني اجمل من صاحبي وترى برد صاحبي احسن من بردي فامرت نفسها ساعة ثم اختارتني على صاحبي فكن معنا ثلاثا ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفراقهن.

«وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عن الربيع بن سبره عن ابيه ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى يوم الفتح عن متعة النساء.

«وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني عن ابيه انه اخبره ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المتعة زمان الفتح متعة النساء وان اباه كان تمتع ببردين احمرين.

«وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني عن ابيه قال امرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم يخرج حتى نهانا عنها.

(وفي ارشاد الساري) لشرح صحيح البخاري

____________

(1) البكرة مر تفسيرها والعيطاء بفتح العين المهملة واسكان الياء المثنآة من تحت وبطاء مهملة وبالمد من العيط بفتح العين والياء وهو طول العنق وقال النووي هي الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام (منه)

الصفحة 62
للقسطلاني عند تعداد اوقات التحريم ما لفظه ثم الفتح كما في مسلم بلفظ انها حرام من يومكم هذا الى يوم القيامة انتهى. لكننا لم نجد هذه الرواية في صحيح مسلم فراجع.

(ومنها) ما رووه من تحريمها في حجة الوداع:

«ففي سنن ابن ماجه» بسنده عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فقالوا يا رسول الله ان العزبة قد اشتدت علينا قال فاستمتعوا من هذه النساء فاتيناهن فأبين ان ينكحننا الا أن نجعل بيننا وبينهن اجلاً فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اجعلوا بينكم وبينهن اجلاً فخرجت انا وابن عم لي معه برد ومعي برد وبره اجود من بردي وأنا اشب منه فأتينا على امرأة فقالت برد كبرد فتزوجتها فمكثت عندما تلك الليلة ثم غدوت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم بين الركن والباب وهو يقول أيها الناس أني قد كنت اذنت لكم في الاستمتاع الا وان الله قد حرمها الى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما اتيتموهن شيئاً.

رواية في تحريمها في عمرة القضاء وغزوة تبوك وبغير تعين وقت:

(ومنها) ما رووه من تحريمها في عمرة القضاء:

الصفحة 63

(قال القسطلاني) في الاشاد الساري لشرح صحيح البخاري كما رواه عبدالرزاق من مرسل الحسن البصري ومراسليه ضعيفة لانه كان يأخذ عن كل احد انتهى.

(وفي شرح النووي لصحيح مسلم) روي عن الحسن البصري انها ما حلت قط الا في عمرة القضاء وروي هذا عن سبرة الجهني انتهى.

(ومنها) ما رووه من تحريمها في غزوة تبوك:

حكاه القسطلاني في ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري قال فيما اخرجه اسحق بن راهويه وابن حيان من طريقه من حديث ابي هريرة وهو ضعيف لانه من رواية المؤمل بن اسماعيل عن عكرمة عن عمار وفي كل منهما مقال انتهى.

«وفي شرح النووي لصحيح مسلم» ما لفظه وذكر غير مسلم عن علي ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها في غزوة تبوك من رواية اسحاق بن راشد عن الزهري عن عبدالله بن محمد بن علي عن ابيه عن علي الخ.

(ومنها) ما رووه من تحريمها بغير تعيين وقت:

«ففي سنن النسائي» الصغرى وصحيح مسلم بسندهما عن الربيع بن سبرة الجهني عن ابيه انه قال اذن

الصفحة 64
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمتعة فانطلقت انا ورجل الى امرأة من بني عامر فعرضنا عليها أنفسنا فقالت: ما تعطيني فقلت: ردائي وقال صاحبي ردائي وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت أشب منه فاذا نظرت الى رداء صاحبي أعجبها واذا نظرت الي اعجبتها ثم قالت انت وردائك تكفيني فمكثت معها ثلاثا ثم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من كان عنده من هذه النساء اللاتي يتمتع فليخل سبيلها.

«وفي صحيح مسلم» بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني ان اباه قال قد كنت استمتعت في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم امرأة من بني عامر ببردين احمرين ثم نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المتعة.

«وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني ان اباه حدثه انه كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا ايها الناس اني قد كنت اذنت لكم في الاستمتاع من النساء وان الله قد حرم ذلك الى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما اتيتموهن شيئا.

«وفي صحيح مسلم» أيضا بسنده عن الربيع بن سبرة عن ابيه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن

الصفحة 65
نكاح المتعة

رواية عن تحريمها عن عمر وعن ابن عباس:

(ومنها) ما رووه عن عمر في تحريمها مع اسناده الى النبي صلى الله عليه وآله وبدونه).

«ففي سنن ابن ماجه» بسنده عن ابن عمر قال لما ولي عمر بن الخطاب خطب الناس فقال ان رسول الله صلى الله عليه وآله اذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها والله لا اعلم احدا يتمتع وهو محصن الا رجمته بالحجارة الا أن يأتيني بأربعة يشهدون ان رسول الله احلها بعد اذ حرمها.

(قال محمد بن عبدالهادي) الحنفي المعروف بالسندي في الحاشية قوله ثلاثا أي ثلاث مرات وثلاث ليال.

«وفي موطأ ملك» بسنده ان خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت ان ربيعة استمتع بامرأة فحملت منه فخرج عمر بن الخطاب فزعا يجر ردائه فقال هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت.

(وقد اشتهر) عن عمر انه خطب الناس فقال متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله انا احرمهما او انهى عنهما واعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج وممن رواه الامام الرازي في تفسيره واحتج به على تحريم المتعة كما ستعرف.

الصفحة 66

(ومنها) ما رووه في تحريمها عن ابن عباس:

«ففي كتاب القويم» في احاديث النبي الكريم لبعض علماء السنة من اهل الهند عن ابن عباس رضي الله عنهما انما كانت المتعة في اول الاسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى انه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له منه حتى اذا نزلت الاية (الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم) قال ابن عباس رضي الله عنهما فكل فرج سواهما فهو حرام اخرجه الترمذي انتهى الى غير ذلك من الروايات.

الجواب عن اخيار تحريم المتعة:

(والجواب) عن هذه الاخبار: اما ما اسند فيه التحريم الى غير النبي صلى الله عليه واله فلا حجة فيه لعدم العصمة وعدم حجية قول غير المعصوم بالاتفاق وسيأتي لذلك مزيد توضيح عند ذكر الجواب عن احتجاج الفخر الرازي بحديث المتعتين.

واما بقية الاخبار فالجواب عنها مع الغض عن الطعن في سندها عند اهل السنة:

(اولا) انها لا تصلح حجة على الشيعة لانها كلها من طريق اهل السنة وروايات الشيعة عن اهل البيت عليهم

الصفحة 67
السلام كلها قد اتفقت على بقاء المشروعية حتى انه قلما يكون حكم لم تختلف فيه الرواية عن اهل البيت عليهم السلام الا هذا الحكم. «وما حكاه القسطلاني» انه قد نقل البيهقي عن جعفر بن محمد انه سئل عن المتعة فقال هي الزنا بعينه مكذوب عليه فان شيعته واتباعه اعرف بمذهبه من غيرهم وكلهم اتفقوا على ان مذهبه الاباحة وان صح فهو خارج مخرج الخوف والتقية.

(وثانيا) انها معارضة بما ورد من طريق اهل السنة.

«ففي صحيح مسلم» بسنده عن عطاء قال قدم جابر ابن عبدالله معتمرا فجئناه في منزله فسئله القوم عن اشياء ثم ذكروا المتعة فقال نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابي بكر وعمر.

«وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عمن سمع جابر ابن عبدالله يقول كنا نستمتع بالقبضة من الثمر والدقيق الايام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث وهما صريحتان في بقاء المشروعية بعد النبي صلى الله عليه واله مدة خلافة ابي بكر وشطرا من خلافة عمر والثانية صريحة في ان النهي كان منه لا من النبي صلى الله عليه واله فتعارضان جميع ما تقدم. وقوله في شأن عمرو بن حريث

الصفحة 68
يدل على ان امرا صدر مع عمرو بن حريث كان هو السبب في نهي عمر عن المتعة ولم اطلع على قصة عمرو ابن حريث ولا ذكرها النووي في شرح صحيح مسلم (واعتذار النووي) في الشرح المذكور عن ذلك بقوله هذا محمول على ان الذي استمتع في عهد ابي بكر وعمر رضي الله عنهما لم يبلغه النسخ وقوله حتى نهانا عنه عمر يعني حين بلغه النسخ انتهى.

تكلف غير مسموع فان مثل هذا الحكم الذي يكثر به الابتلاء لم يكن ليخفى على مثل جابر وعمر كل هذه المدة في حياة النبي صلى الله عليه واله وبعد موته وهما من اكابر الصحابة وموجودان دائما في خدمة النبي صلى الله عليه واله وقد نسخ في حجة الوداع او فتح مكة او غيرهما على رؤوس الاشهاد فلم يبلغهما الا في خلافة عمر ان هذا ما لا يكون (وفي تفسير الفخر الرازي) عند ذكر الاحتجاج على اباحة متعة النساء عن عمران بن الحصين انه قال ان الله انزل في المتعة آية وما نسخها بآية اخرى وامرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمتعة وما نهانا عنها ثم قال رجل برأيه ما شاء يريد ان عمر نهى عنها انتهى وسيأتي قريب من هذا عن عمران بن حصين في اخبار متعة الحج.

الصفحة 69

«وفي الروضة» عن صحيح الترمذي ان رجلا من اهل الشام سئل ابن عمر عن متعة النساء فقال هي حلال فقال ان اباك قد نهى عنها فقال ابن عمر ارأيت ان كان ابي قد نهى عنها وسنها رسول الله صلى الله عليه واله انترك السنة ونتبع قول ابي.

«وفي صحيح مسلم» ايضا بسنده عن ابي نضرة قال كنت عند جابر بن عبدالله فاتاه آت فقال ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهانا عنها عمر فلم نعد لهما. وهو دال على ان النهي كان من عمر لا من رسول الله صلى الله عليه واله والا لكان اسناد النهي اليه اولى وفيه دلالة على بقاء الاباحة في خلافة ابي بكر: وقوله فلم نعد لهما لا يدل على اعتقاده صحة النهي لان الظاهر ان عدم العودة كان خوفاً بعد التهديد بالرجم كما مر في رواية ابن ماجه ويأتي في غيرهما.

(وثالثا) انها مضطربة متناقضة متعارضة متهافته وما هذا شأنه لا يصلح ناسخا لما علم ثبوته في الشريعة وذلك من وجوه:

اختلاف الاخبار في تاريخ الاباحة والنسخ:

(منها) اختلافها العظيم في تاريخ الاباحة والنسخ فان

الصفحة 70
في بعضها ان النسخ كان في «غزاة خيبر» وكانت في المحرم سنة سبع من الهجرة وفي بعضها انه كان «في عمرة القضاء» وكانت في ذي الحجة سنة سبع من الهجرة وفي بعضها انه كان يوم «فتح مكة» بعد ان اباحها وكان فتح مكة لعشر بقين من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة وفي بعضها انه كان «في غزوة حنين» وكانت في شوال سنة ثمان من الهجرة وفي بعضها انه كان «عام اوطاس» بعد ان رخص فيها ثلاثة ايام وكانت غزاة اوطاس في شوال بعد غزوة حنين بقليل وفي بعضها انه كان في «غزوة تبوك» وكانت في رجب سنة تسع من الهجرة وفي بعضها انه كان في «حجة الوداع» بعد ان اباحها وكانت سنة عشر من الهجرة فعلى هذه الروايات تكون قد ابيحت ونسخت سبع مرات لا مرتين فقط كما حكاه النووي في شرح صحيح مسلم عن القاضي عياض ان بعضهم قال ان هذا مما تداوله التحريم والاباحة والنسخ مرتين انتهى. وكما اختاره هو اي النووي من ان التحريم والاباحة كانا مرتين فحلت قبل خيبر وحرمت يوم خيبر وحلت يوم الفتح ثم حرمت مؤبدا فاي اختلاف وتهافت اعظم من هذا وبين غزوة حنين وفتح مكة نحو من شهر فتكون قد ابيحت وحرمت في شهر مرتين وباضافة اوطاس تكون قد حرمت وابيحت في نحو من شهر ثلاث مرات وما سمعنا في الشريعة بحكم نسخ ثم اعيد ولو

الصفحة 71
مرة واحدة فضلا عن سبع مرات او مرتين فما هذا إلا تلاعب في الاحكام وما هذا إلا شأن المتقلبين المتلونين عالى عن ذلك رب العالمين. فهذا مع ما سيأتي من وجه الاختلاف يقضي بان تلك الاحاديث موضوعة مختلقة قصد بكل واحد منها تصحيح ما حرمه عمر ولم يطلع احدهم على ما وضعه الاخر فوقع هذا الاختلاف (وحاول) غير واحد معالجة هذا الاختلاف ومداواته فلم ليستطيعوا وتكلفوا وتعسفوا فقد اتسع الخرق على الراقع. وهل يصلح العطار ما افسد الدهر.

القاضي عياض في معالجة اختلاف الاخبار:

(منهم) القاضي عياض فيما حكاه عنه النووي في شرح صحيح مسلم في جملة كلام طويل فأنه تكلف لاسقاط جميع الروايات وابقاء روايات خيبر والفتح ليهون الخطب. فجعل يوم اوطاس ويوم الفتح واحدا، وحمل رواية تبوك على الغلط بحجة ان راوية عن الزهري انفرد به وروى غيره عن الزهري يوم خيبر قال قالوا ورواية الاباحة في حجة الوداع خطأ لانه لم يكن يومئذ ضرورة ولا عزوبة واكثرهم حجوا بنسائهم والصحيح ان الذي جرى في حجة الوداع مجرد الني ثم قال وتسقط رواية اباحتها يوم حجة الوداع لانها مروية عن سبرة وانما روى عنه الثقات الاثبات الاباحة يوم الفتح والذي في حجة الوداع مجرد التحريم فيؤخذ ما وافقه عليه غيره من