وإذا كان القرآن الكريم هو الكتاب المبين وهو ام الكتاب وهذا يعني انه الكتاب التكويني فكل الكمالات المتنزلة تكون هناك موجودة بشكل بسيط شريف وعال ويكون معنى الكتاب هو وجود جمعي بسيط مجموع فيه كل الكلمات التي تعبر عن الغيب.
د ـ وهناك الكثير من الآيات التي يذكر فيها الحق سبحانه تنزيل الكتاب والآيات مع ذكر خلق السموات والأرض مثل قوله تعالى (إن الله لا يخفى عليه شىء في الارض ولا في السماء هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب وأخر متشابهات) (1) ، وقوله تعالى (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير..... وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام) (2) ، وقوله تعالى (الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السماوات وما في الارض) (3) ، وقوله تعالى (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلا
____________
1- آل عمران: 6.
2- هود: 1 ـ 6.
3- إبراهيم: 1 ـ 2.
5 - الروايات الواردة ان في القرآن عمل كل عامل ومكانه في الجنة مآله وثوابه وعقابه...وهذه الكتب في الكتاب المبين باعتبار انه يستطر فيه كل شيء، وهذا يعني ان القرآن فيه كل شيء وهو عبارة ثانية عن العينية بين القرآن والكتاب المبين.
والخلاصة: ان المراد من حقيقة القرآن الكريم هو الكتاب بوجوده التكويني وهو حقيقة علوية تكوينية جامع لجميع الكلمات الالهية، والشهادة المعطوفة على شهادة الله تعالى هي شهادة من عنده علم مثل هذا الكتاب فمن ثَمّ ذكرت تلو الشهادة الاولى.
ثانياً: قوله تعالى (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن اكثر الناس لا يؤمنون) (2) .
____________
1- طه: 1 ـ 4.
2- هود: 17.
ثالثاً: اما النقاط التي يمكن استفادتها من هذه الطائفة:
1 ـ ثبوت مقام الطهارة والعصمة لمن عنده علم الكتاب حيث ان الشهادة لا
2 ـ أن الائمة (عليهم السلام) لديهم العلم اللدني المحيط بكل الاشياء وهو ليس غير علم الاسماء الجامع، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في الطائفة الاولى.
3 ـ ان من يكون لديه العلم اللدني يكون مؤهلا للهداية التكوينية الايصالية وهي الحد لماهية الامامة كما ذكرنا في الطائفة الاولى.
4 ـ بما أن لديهم هذا العلم الحضوري فلديهم القدرة وهذا يعني ان لديهم الولاية التكوينية والقدرة التكوينية على من سواهم حتى الملائكة، وهذا العلم يكسب مثل هذه القدرة الغريبة كما رأينا في آصف بن برخيا إذ ان اتيانه بعرش بلقيس بهذه السرعة ليس إلا بسبب ما حصل عليه من علم من الكتاب فكيف بمن عنده علم الكتاب، وقد حرر في محله ان القدرة فرع العلم.
5 ـ لقد أشرنا إلى ان الكتاب هو الكتاب المبين وهو كتاب التكوين وهو الحاوي لكل شيء ومن وصل إلى هذا العلم يدل على علو منزلته ومقامه وعلى حسب ما أوتي نستطيع معرفة رقيه الروحي، ومن المسلم به في علوم المعارف الالهية أن فضيلة الانسان بمقدار ما أوتي من ربه.
6 ـ ان مقتضى النقاط السابقة هو امامتهم لمن دونهم وان هذه الامامة هداية تكوينية وانها باقية على مر الزمان، إذ تنزل العلوم والكمالات من المراتب العليا على النفوس المستعدة لها، وقد مرّ عليك اطلاق الكلمة على بعض الانبياء، كما انه قد عرفت الفرق بين الكلمة والكتاب التكوينيين، فعلم الكتاب حاو لجميع الكلمات، وإياك أن تحمل هذه الاستعمالات القرآنية على المجاز والتفنن اللفظي، فإنه كتاب حقائق موزونة ألفاظه واستعمالاته ومعانيه ولطائفه وحقائقه من لدن
7 ـ ان القرآن معجزة خالدة باقية على حقانية الرسول وهكذا الامام الذي هو شاهد حي على مر الدهور على صدق الرسول، حيث ان شهادة من عنده علم الكتاب لكل افراد الانسانية كما ان القرآن لجميع الانسانية فكذلك الشاهد الآخر يكون شاهدا ابديا على صدق الرسالة وصدق الكتاب من الحق سبحانه وهو القرآن الناطق.
وهذا المفاد عين مفاد حديث الثقلين، وقد اشارت روايات أهل البيت (عليهم السلام) إلى العديد من الآيات التي يتطابق مفادها مع حديث الثقلين، وبالتالي فإن هذا الحديث وإن كان متواترا بين الفريقين إلا انه يزداد رصيد اعتباره مفادا وسندا.- وسوف يأتي مزيد بيان في فقه الروايات - والمحصل: ان وجود الائمة (عليهم السلام) وتصديقهم بنبوة النبي (صلى الله عليه وآله) شهادة و معجزة على نبوته (صلى الله عليه وآله) على حذو شهادة ومعجزة القرآن الكريم على نبوته، وهذا مفاد يدق معناه ويلطف في معنى معية الثقلين، فوجود الائمة (عليهم السلام) وعلومهم وسيرتهم وطهارتهم وكمالاتهم المختلفة في الجوانب العديدة التي بهرت العقول دليل صدق على النبوة، ومن ثم ورد عنهم (عليه السلام) أن آية (وكفى بالله شهيدا....) مورد نزولها في أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي جارية في الأئمة (عليهم السلام) ، ولقد كان تحدي السلطات القائمة دولة بني امية و بني العباس لهم مستمرة على كافة الاصعدة في العلوم المختلفة والرياضات النفسانية والقدرات الكمالية، وكانوا يستعينون برواد العلوم والفنون والرياضات من الاقطار المختلفة في العالم ومن الممالك المختلفة بل كانوا يستعينون بالسباع فيرونها تخبت لهم خاضعة.
8 ـ يثبت من خلال الآية ان ولايتهم وامامتهم امر اعتقادي وليس من الفرعيات وذلك باعتبار ان المعجزة يجب الايمان بها كالقرآن وهذه الشهادة أمر اعتقادي وهي دليل النبوة، مما يدلل على أن النبوة والامامة توأمان وقرينان لا ينفك احدهما عن الآخر.
الطائفة الثالثة: آيات الهداية
وهي على ثلاثة ألسنة:
آ - (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) (1) .
(أفمن يهدي إلى الحق أحق ان يتبع امن لا يهد إلا أن يهدى) (2) .
ب ـ (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) (3) .
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) (4) .
جـ ـ (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) (5) .
(الذين اهتدوا زادهم هدى) (6) .
(وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) (7) .
(والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا) (8) .
إن الهداية الواردة في القرآن الكريم على انحاء مختلفة:
1 ـ الهداية التكوينية الخلقية (الذي قدر فهدى) أي الذي خلق كل
____________
1- الرعد: 7.
2- يونس: 35.
3- طه: 82.
4- المائدة: 82.
5- مريم: 76.
6- محمد: 17.
7- الكهف: 24.
8- العنكبوت: 69.
2 ـ الهداية التشريعية الارائية العامة، وهي التي تصدر عن النبوات وشرائع الانبياء وهي معلقة على العلم والادراك الذي يستطيع ان يصيبه كل احد.
3 ـ الهداية الايصالية للفاعل المختار، وهي التي نبحث عنها بالآيات من القسم الاول ويقابلها الاضلال التكويني، وفي القسم الثالث يتضح أن هذه الهداية معلقة على العمل والطاعة (ومن يتق الله يجعل له فرقانا) ، (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم) .
فهذه الالسنة الثلاثة تعالج ماهية الامامة، وهي المستبطنة للهداية الايصالية وأما الارائية فتكون تابعة لصاحب الشريعة، ونلاحظ ان القران في مواطن كثيرة يشير إلى أن العمل الصالح له آثار وضعية منها انه يؤدي إلى عمل صالح آخر أكثر من الاول.
و ـ يظهر من آية سورة الكهف: 24 أن الهداية على مراتب ودرجات وهي لا تقف عند حد فكلما زاد العمل والسعي زادت الهداية، وما ذلك إلا لأن الكمال لا حد له والقرب الالهي لا يقف عند نقطة معينة، وفي هذا جواب قاطع على العامة الذين يقولون ان الهداية حاصلة بمجرد التلفظ بالشهادتين بل أن قوله تعالى (وزدناهم هدى) (1) ، وقوله تعالى (وقل عسى ان يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) (2) دليل على خطئهم.
وتشير آية سورة المائدة إلى تعين الولاية وتشخيص صاحب الهداية الايصالية، مما يعني ان هذا السعي يجب ان يسري عن هذا الطريق ومن هذا الباب.
____________
1- الكهف: 13.
2- الكهف: 24.
المفاد التفصيلي للآيات:
1 ـ إنما أنت منذر ولكل قوم هاد
في هذه الآية الشريفة موارد للبحث:
أولا: من المقصود بالهاد، فقد ذكر البعض ان المقصود هو الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) أي انك هاد لكل قوم، وهذا الاحتمال ضعيف لامور منها: ان الحصر بـ (انما) في قبال توهم أن وظيفته (صلى الله عليه وآله) هي اهتداؤهم بالفعل بتلبية طلبهم بإتيان المعجزة والآية التي يقترحونها.
ومنها: من الجهة الاعرابية حيث سوف يتنازع منذر وهاد الجار والمجرور ولذا لا يجوز توسطها، كما لا يجوز الفصل بين العامل والمعمول بالواو.
ومنها: ان الانذار هداية ارائية فتكون هاد عطف تفسير، وهو خلاف الاصل الاولي في ظهور الكلام في التأسيس.
ومنها: انه لا يكون هناك وجه لتأخير هاد عن الجار والمجرور ثانيا: أن الهداية ليست الهداية الارائية بل الايصالية وذلك لعدة وجوه:
وذلك لان المدعى أن المعجزة التي تظهر على يد الرسول هو من حيثية ولايته لا رسالته، ويكون جواب طلبهم أنك من حيث الرسالة لا تجري بيدك الآية وإنما ظهور الآية، والمعجزة بيد الهادي ومَن له الهداية الايصالية، والنبي الاكرم حيثياته متعددة ومن هذه الحيثية يكون المعجز على يديه.
2 ـ الآية الثانية (أفمن يهدي إلى الحق احق ان يتبع أم من لا يهدِّي إلا ان يهدى) .
والآية مكية واردة في مقام الاحتجاج مع الكفار، وأن الالهة التي يعبدونها لا تستطيع شيئا وان الهادي هو الله واسناد الهداية إليه لا يختص بالهداية الارائية بل يعم حتى الايصالية، ويكاد يجمع المفسرين ان (يهدي) في الاصل يهتدي ثم قلبت التاء دالا لاجل التخفيف، والمقابلة هنا بين من يهدي إلى الحق وهو عام ولم يخصص كما في قوله تعالى (قل الله يهدي إلى الحق) أي من هو الاحق بالاتباع هل هو الذي يهدي إلى الحق ام من لا يهتدي إلى الحق إلا أن يهدى.
فالذي تكون هدايته من ذاته ومن نفسه هو الذي يكون هاديا، أما من لا تكون هدايته ذاتية وليست من نفسه فإنه لا يكون هاديا للحق فتوجد ملازمة بين الهداية الحقة والهداية اللدنية، فيجب ان يكون الهادي مهتدياً لا بغيره وفي المقابل الذي يهتدي بغيره لا يكون هاديا للحق فتوجد ملازمة بين الاثنين أي ان المهتدي بنفسه هدايته ملكوتية باقدار الله عز وجل. والمهتدي بالله لا يقال انه مهتدي بغيره من المخلوقين، إذ الاهتداء بهداية الله كما ورد في قل الله يهدي للحق هو عبر اتباع رسوله والله هو الحق وهداية الرسول إلى الحق هي هداية إلى الله، ونتيجة لهذه الخصوصية في الهداية نقول ان المراد هو الهداية الايصالية وذلك لان المهتدي بسبب غيره قادر على الهداية الارائية اما الايصالية فلا يستطيعها.
كما ان في قوله تعالى (إني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) (4) دال على وجود درجة من الهداية دخيلة في أصل النجاة الاخروية وهذه الدرجة وراء مبدأ الايمان والعمل الصالح، وهذا المفاد كما يلاحظ مقارب لمفاد الطائفة الاولى في واقعة آدم (عليه السلام) ، حيث تبين ان ابليس لم ينفعه إيمانه بالله تعالى واليوم الآخر، ولا عبادته بعد عدم توليه آدم (عليه السلام) وعدم خضوعه وانقياده إليه كخليفة لله تعالى، وهذا المفاد في آية سورة طه لمفاد آية الاكمال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي رضيت لكم الاسلام دينا) فالاسلام بما فيه من التوحيد والنبوة والمعاد والفروع من الصلاة وغيرها كملت بالذي نزل ذلك اليوم وتم به، ورضا الرب مشروط بما نزل في حجة الوداع عند رجوعه (صلى الله عليه وآله) في غدير خم في قوله تعالى (يا ايها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) (5) ، فوعده بالعصمة مما يحذره (صلى الله عليه وآله) من الناس وأن من يكفر بذلك الذي انزل فإن الله لا يهديه، فهذه الهداية هداية زائدة على ما ذكرنا تشترط في النجاة الاخروية وهي الهداية التي في هذه الطائفة.
____________
1- محمد 17.
2- الكهف: 24.
3- مريم: 76.
4- طه: 83.
5- المائدة: 76.
الطائفة الرابعة: آيات الملك
قوله تعالى (أم يحسدون الناس على ما آتهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتينهم ملكا عظيما) (1) .
والآية تتعرض للنبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) بأن الآخرين يحسدونه على ما آتاه الله من فضله ثم يعدد ذلك الفضل بالكتاب والحكمة والملك العظيم، اما الكتاب والحكمة فمعناهما واضح إجمالا فالاول هو النبوة، والثاني هو العصمة كما تشير إليه كثير من الروايات فإن مقتضى الحكمة عدم الزلل.
أما الملك العظيم فيتضح معناه بالالتفات:
أولا: ان آل ابراهيم لم يستلم أحد منهم السلطة والملك إلا سليمان وداود وهذا لا يتناسب مع مجيئه مورد صفة الجمع والمنة على كل آل ابراهيم.
وثانيا: هذا الملك العظيم لا بد أن يكون مغايرا للكتاب والحكمة ولا يكون غير الاقتدار والسلطنة، وهذا هو الحد الماهوي للملك.
وثالثا: إذا لاحظنا الآية السابقة عنها وهي (أم لهم نصيب من الملك فإذن لا يؤتون الناس نقيرا) فما هو الملك الذي لو أوتوه بني اسرائيل لما اعطوا الناس منه شيئا بالتأكيد ليس هو الملك الظاهري حيث ان المراد من النقير هو المتخلف من التمر في النواة وهذا نوع تشبيه و المراد منه باب المحاجة وبيان المباغضة والحسد الذي عند اليهود تجاه نبوة النبي (صلى الله عليه وآله) وهي في مقام النعم الغيبية الالهية التي حباها الله تعالى آل ابراهيم، فإذا كانت لديكم النبوة وما هو من قبيلها من المنح الإلهية فلا تؤتونها أحداً من الناس وتمانعون من وصول هذا الفضل الالهي لأحد، فلا بد من مجموع هذه القرائن أن يكون هذا الملك ولاية تكوينية.
____________
1- النساء: 54.
فالولاية هي الجانب الملكوتي اما الانباء والنبوة دون ذلك المقام وذلك لانه بتوسط رقي روحه يفاض عليه المطالب العالية حيث أن علومها أوسع من التشريعية وتكون مصدرا لها، ويشير إلى ذلك قوله تعالى (وإذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) (1) ، حيث أن الابتلاء كان في كبر سنه بعد ما رزق الذرية، والابتلاء بتوسط ما أوحي إليه كما تشرحه بقية السور، فهو بعد النبوة والرسالة: كان التأهل لمقام الامامة.
ثم بالنظر إلى الآيات الاخرى نرى ان آل ابراهيم قد أوتوا الامامة وحبوا بها (وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا..) (وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا واوحينا إليهم فعل الخيرات) ، فالحبوة التي حبى بها الله آل ابراهيم هي الامامة، وهل يوجد ملك اعظم من هذا! وهذا الملك العظيم هو الذي حباه الله لرسوله الاكرم وعترته الطاهرة.
يذكر العلامة الطباطبائي "ان المراد من الملك هو السلطنة على الامور المادية والمعنوية فيشمل ملك النبوة والولاية والهداية وملك الرقاب والثروة وذلك انه هو الظاهر من سياق الجمل السابقة واللاحقة فإن الآية السابقة تومئ إلى دعواهم انهم يملكون القضاء والحكم على المؤمنين وهو مسانخ للملك على الفضائل المعنوية.... ثم عندما يصل إلى الملك العظيم يقول "تقدم ان مقتضى السياق ان
____________
1- البقرة: 124.
ثم ان المراد بآل ابراهيم هم النبي وآله وذلك لجملة من القرائن:
- منها ان المقام هو المحاجة والحاسدين هم بنو اسرائيل وحسدهم للنبي (صلى الله عليه وآله) ، ولو كان المراد انبياء بني اسرائيل لكان تقريرا لحجتهم لا دحضا لها فلا بد ان آل ابراهيم لا يشمل بني اسحق.
- ان الناظر في الآيات الاخرى:
كقوله تعالى (وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء أن ربك حكيم عليم، ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحي وعيسى وإلياس كل من الصالحين واسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين أولئك الذي هدى الله فبهداهم اقتده قل لا اسألك عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين) (2) .
____________
1- الميزان: 377.
2- الانعام: 83 ـ 90.
وقوله تعالى (وإذ قال ابراهيم لأبيه وقومه أنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون) (2) .
فإن ما في سورة الانعام دل على ان ابقاء هذا الاجتباء والحبوة الالهية في ذرية ابراهيم متصلة حتى النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) فإن يكفر بها أي بهذه النعم اللدنية الالهية (الكتاب والحكم والنبوة) فقد وكلنا...
وهكذا في سورة البقرة أن الامامة متصلة في ذريته وهي ذرية اسماعيل وكذا ما في سورة الزخرف فإن كلمة التوحيد ونفي الشرك جعلها الله باقية في عقب ابراهيم متصلة، ومن الواضح أن الباقي على التوحيد ونفي الشرك إنما هو في عقب اسماعيل، وتدل كل هذه الآيات في السور على بقاء هذا الأمر والأمور بعد النبي الخاتم في ذريته التي هي ذرية اسماعيل وابراهيم (عليه السلام) أيضا.
فيستنتج ان الامامة في عقب ابراهيم و اسماعيل إلى النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) ثم في ذريته.
____________
1- البقرة: 124 ـ 125.
2- الزخرف: 28.
- إن ما ورد في دعاء اسماعيل عند بناء البيت العتيق واستجابة الدعاء وأن الامامة في ذريته.وهي الآية المتقدمة في سورة البقرة.
وعلى كل حال فإن المتتبع لآي القرآن الكريم يقف على ان المراد من آل ابراهيم في اصطلاحه هم محمد وآله عليهم الصلاة و السلام.
____________
1- آل عمران: 68.