ثانياً: عليٌّ يتكفل حفظ الكيان الإسلامي
إنّ الأحاديث المتقدمة نصّت على أنَّ (الخلفاء الإثني عشر) يحفظون بقاء الإسلام والأمر منيعاً، عزيزاً، قائماً، صالحاً، ماضياً، مستقيماً، ظاهراً، منتصراً، ولا يمكن لهذه الحقيقة أن تتخطى بطل الإسلام الأول علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) الذي ما فتيء يدافع عن رسالة الإسلام، ويذّب عنها، ويضحي من أجلها بكلّ وجوده .
فهو نجيّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)(1) ، وموضع سرِّه، وقد كان له منزلة من رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) لم تكن لأحدٍ من الخلائق في هذا الخصوص.
____________
(1) أنظر: الترمذي، صحيح الترمذي، ج: 5، كتاب المناقب، باب: 20،ح: 3726، ص: 597، فقد جاء فيه عن (الزبير بن جابر) أنَّه قال: (دعا رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) علياً يوم الطائف فانتجاه، فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمّه، فقال رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ): ما إنتجيته، ولكن الله إنتجاه). ثم قال الترمذي: (ولكنَّ الله إنتجاه، يقول: الله أمرني أن أنتجي معه). و انظر الحديث أيضاً في: كتاب (فضائل الخمسة من الصحاح الستة) للفيروزآبادي، ج: 2، ص: 17، عن: (المتقي الهندي) في (كنز العمال) ، ج: 6، ص: 159، وكذلك: (الخطيب البغدادي) في تأريخه، ج: 7، ص: 402. وانظر الرواية في: (أسد الغابة)، (ابن الأثير الجزري)، ج : 4، ص: 27. وقال (الطبري): انَّه لما نزل قوله تعالى: (يا أيّها الذين آمنوا إذا ناجيتُم الرسولَ فقدِّموا بينَ يدي نجواكم صدقةً)، (المجادلة / 12) قال: (نُهوا عن مناجاة النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) حتى يتصدَّقوا ، فلم يناجه أحدٌ إلاّ علي بن أبي طالب)، (مرتضى العسكري، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 520 - 521، عن تفسير الطبري، ج : 28، ص: 14 - 15، وتفسير الدر المنثور للسيوطي، ج: 6، ص: 185). و جاء في (كنز العمال) عن (جندب بن ناجية) أو (ناجية بن جندب) أنَّه قال: (لما كان يوم غزوة الطائف قام النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) مع علي ملياً، ثم مرّ ، فقال له أبو بكر: يا رسول الله! لقد طالت مناجاتك علياً منذ اليوم! فقال (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ): ما إنتجيته، ولكنَّ الله إنتجاه)، (علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 13، ح: 36438، ص: 139).
وكان علي (عَليهِ السَّلامُ) آخر الناس عهداً برسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)(1) .
____________
(1) جاء في (خصائص النسائي) عن علي (عَليهِ السَّلامُ) أنَّه قال: (كان لي منزلة من رسول الله لم تكن لأحدٍ من الخلائق، كنت أدخل على نبي الله كلَّ ليلة، فإذا كان يصلّي سبّح، فدخلتُ، وإن لم يكن يصلّي أذِن لي فدخلت). وورد فيه أيضاً عن علي (عَليهِ السَّلامُ) أنَّه قال: (كان لي من النبي مدخلان، مدخل بالليل، ومدخل بالنهار). وروى (النسائي) أيضاً عن (أم سلمة): (انَّها كانت تقول: والذي تحلف به أم سلمة انَّ أقرب الناس عهداً برسول الله عليٌّ، قالت: لما كان غداة قُبض رسول الله، فأرسل إليه رسول الله، وأظنّه كان بعثه في حاجةٍ، فجعل يقول: جاء علي؟ ثلاث مرات، فجاء قبل طلوع الشمس، فلَّما أن جاء، عرفنا أنَّ له إليه حاجة، فخرجنا من البيت، وكنّا عند رسول الله يومئذٍ في بيت عائشة، وكنتُ في آخر من خرج من البيت، ثمَّ جلستُ وراء الباب، فكنت أدناهم إلى الباب، فأكبَّ عليه عليٌّ، فكان آخر الناس به عهداً، فجعله يساره ويناجيه)، (محمد بن سليمان الكوفي القاضي، مناقب الإمام أمير المؤمنين، تحقيق: محمد باقر المحمودي، ج: 1، ص: 456-457، وقد ذكر المحقّق في الهامش: أنَّ من مصادر الحديث: النسائي، رقم: 153، من خصائص أمير المؤمنين، ص: 383، وأحمد بن حنبل في مسنده، ج: 6، ص: 300، ورواه أيضا عبدالله بن محمد المعروف بأبي بكر بن أبي شيبة في فضائل علي (عَليهِ السَّلامُ) من كتاب المصّنف، ج: 6، الورق: 153، ورواه الحاكم في كتاب المستدرك، ج: 3، ص: 138 - 139، وأخرجه أبو نعيم الحافظ بسندين من تأريخ إصبهان، ج: 1، ص: 250، ورواه بأسانيد الحافظ ابن عساكر تحت الرقم: 1038، وما بعده من ترجمة أمير المؤمنين من (تأريخ دمشق)، ج: 3، ص: 18. وروي عن (عائشة) أنَّها قالت: (قال رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) لما حضرته الوفاة: ادعوا لي حبيبي، فدعوا له أبا بكر، فنظر إليه، ثمَّ وضع رأسه، ثمَّ قال: ادعوا لي حبيبي، فدعوا له عمر، فلمّا نظر إليه وضع رأسه ثمَّ قال: ادعوا لي حبيبي، فدعوا له علياً، فلما رآه أدخله في الثوب الذي كان عليه، فلم يزل يحتضنه، حتى قبض ويده عليه)، (معالم المدرستين، مرتضى العسكري، ج: 1، ص: 522، عن الرياض النضرة، 2 / 237، ط : الثانية، مطبعة دار التأليف، مصر، وذخائر العقبى، ص: 72). وعن (ابن عباس) أنّه قال: (إنَّ النبي ثقل وعنده عائشة وحفصة، إذ دخل علي، فلما رآه النبي وضع رأسه، ثمَّ قال: ادنُ مني، ادنُ مني، فأسنده، فلم يزل عنده حتى توفي)، (مرتضى العسكري، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 522، عن مجمع الزوائد، 9 / 36).
و كان (عَليهِ السَّلامُ) أول الناس به (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) لحوقاً واشدهم به لزوقاً (1).
وهو الذي آخاه رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) من بين جميع المهاجرين والأنصار(2)، وهو الذي اختاره الله تعالى له (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)(3) .
____________
(1) أنظر: المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، ج: 3، ص: 135، روى عن أبي إسحاق أنَّه قال: (سألتُ قثم بن العّباس: كيف ورثَ عليٌّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) دونكم ؟ قال: لأنّه كانَ أوّلنا به لحوقاً، وأشدّنا به لزوقاً). وأنظر كذلك: كنز العمال للمتقي الهندي، ج :6، ص: 400، والنسائي في خصائصه، ص: 38، ونقله (مرتضى الفيروز آبادي) في (فضائل الخمسة)، ج: 3، ص: 38. وروى عن الفضل بن العباس بن عبد المطّلب أنّه: (سأل أباه عن ولد رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) الذكور أيُّهم كانَ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) له أشدّ حبّاً، فقال له: علي بن أبي طالب، فقال له: علي بن أبي طالب، فقال له: قد سألتك عن بنيه، فقال: إنَّه كان أحبّ إليه من بنيه جميعاً وأرأف، ما رأيناه زايلة يوماً من الدهر منذ كان طفلاً، إلاّ أن يكون في سفر لخديجة، وما رأينا أباً أبرَّ منه لعليٍ، ولا ابناً أطوع لأبٍ من عليٍ له)، (عبدالله نعمة، روح التشيع، ص: 43، عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج: 3، ص: 4251. وجاء في (شرح نهج البلاغة) لـ (ابن أبي الحديد) أيضاً عن (جبير بن مطعم) أنَّه قال: (قال أبي مطعم لنا ونحن صبيان بمكّة: ألا ترون حبَّ هذا الغلام (يعني علياً) لمحمد، وأتباعه له دون بني أبيه، فواللات والعزّى، لوددت أنَّه ابني بفتيان بني نوفل جميعاً)، (عبدالله نعمة، روح التشيع، ص: 43، عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج: 3، ص: 4251. (2) فقد جاء في (صحيح الترمذي) عن (ابن عمر) أنَّه قال: (آخى رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) بين أصحابه، فجاء عليٌّ تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله! آخيتَ بين أصحابك، ولم تواخِ بيني وبين أحدٍ، فقال رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ): أنت أخي في الدنيا والآخرة)، (عبدالله نعمة، روح التشيع، ص: 44، عن صحيح الترمذي، ج: 2، ص: 299، وتأريخ الخلفاء، ص: 170). (3) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج: 3، ص: 576 -577، فقد ذكر باسناده عن (زيد بن علي بن الحسين) عن جدّه أنّه قال: (أشرف رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) من بيتٍ، ومعه عماه العباس وحمزة، وعلي، وجعفر، وعقيل، هم في أرضٍ يعملون فيها، فقال رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) لعميه: اختارا من هؤلاء، فقال أحدهما: اخترت جعفراً، وقال الآخر: اخترت علياً، فقال: خيّرتُكما فاخترتما، فاختار الله لي علياً).
وهو أعلم الناس بعد رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، كما تضافرت بذلك النصوص القاطعة الصريحة في مصادر (مدرسة الصَّحابة)(1) .
____________
(1) ورد في (صحيح الترمذي)، ج: 5، كتاب: المناقب، باب: 20، ح: 3722، ص: 595، وكذلك: ح: 3729، ص: 598، بإسناده إلي (عوف بن عبدالله بن عمرو بن هند الجملي) عن علي (عَليهِ السَّلامُ) أنَّه قال: (كنت إذا سألت رسول الله أعطاني، وإذا سكت ابتدأني). وروى (أبو نعيم) في حليته بسنده إلى (ابن عباس) قال: (كنّا نتحدث أن النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهد الى غيره)، (مرتضى الفيروزآبادي، فضائل الخمسة، ج: 2، ص: 34، عن أبي نعيم في الحلية، ج: 1، ص: 68، وابن حجر في تهذيب التهذيب، ج: 1، ص: 197، وأخرجه الطبراني في معجمه، وذكره المناوي أيضاً في فيض القدير في الشرح، ج: 4، ص: 357، وذكره الهيثمي في معجمه، ج: 9، ص: 113). وروى (ابن سعد) في كتاب (الطبقات) عن علي (عَليهِ السَّلامُ) أنَّه قيل له: (مالك أكثر أصحاب رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ حديثاً ؟ قال: إنّي كنتُ إذا سألتُه أنبأني، وإذا سكت ابتدأني)، (عبدلله نعمة، روح التشيع، ص: 44، عن تأريخ الخلفاء للسيوطي، ص: 170)، وفي (مناقب الإمام أمير المؤمنين) للحافظ الكوفي، بإسناده إلى أبي البحتري أنَّه قال: (قال علي: بعثني النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله! تبعثني وأنا شاب، ويكون هناك مما لا علم لي بها، قال: فضرب بيده إلى صدري، وقال: إنَّ الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك! قال: فقال: علي: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما تعاييت أن أقضي بين خصمين إلى الساعة)، (محمد بن سلمان الكوفي القاضي، مناقب الإمام أمير المؤمنين، ج: 2، ص: 12، ح: 501، وذكر المحقق في الهامش أنَّ الرواية ذكرت في (تأريخ دمشق)، ج: 2، ص 490 - 497، ط: 2، ورواه أيضا (الحافظ النسائي) بأسانيد من كتاب (خصائص أمير المؤمنين)، ص: 91، ط: بيروت، ورواه أيضا أحمد بن حنبل في مسنده، رقم: 636، و 666 و 884 و1341 و 1145، ج: 1، ص: 83 و 88 و 111 و 151، وروي في الحديث: 108 من (فضائل أمير المؤمنين) للحافظ الكوفي بإسناده إلى (خديجة بنت علي بن الحسين) أنَّها قالت: (قال النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عندما نزل قوله تعالى: (وتعيها أذنٌ واعيةٌ) (الحاقة / 12)، قال صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي، فجعلها)، (محمد بن سامان الكوفي)، (مناقب الإمام أمير المؤمنين)، ج: 1، ص: 142، ح: 79، وقد قال المحقق في الهامش: وقد رواه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية (12) من سورة الحاقة، تحت الرقم: 1007، وفي كتاب (شواهد التنزيل)، ج: 2، ص: 271، ط: 1). وفيه أيضاً بإسناده عن (وهب) أنَّه قال: (قال رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: يا علي إنَّ الله أمرني أن أدنيك ولا أقـصيك، وأعلمك ولا أجفوك، فحق عليَّ أن اعلِّمك، وحقّ عليك أن تعي)، (محمد بن سلمان الكوفي القاضي)، (مناقب الإمام أمير المؤمنين)، ج: 2، ص: 21، وذكر المحقق من مصادر الحديث: (الحافظ الحسكاني) في تفسير الآية (12) من سورة الحاقة، وما بعده من كتاب (شواهد التنزيل) ، ج: 2، ص: 271). وفيه أيضا بإسناده إلى (سعيد بن جبير) عن (ابن عباس) أنّه قال: (ذكرنا عنده علياً، فقال: إنَّكم تذكرون رجلاً ربما سمع وطأ جبريل فوق بيته)، (محمد بن سلمان الكوفي القاضي)، (مناقب الإمام أمير المؤمنين) ، ج: 2، ص: 532، ح: 1031، وقال المحقق في الهامش: ورواه (ابن عساكر) بسند آخر عن (عمرو بن ثابت) في الحديث: 827 من ترجمة أمير المؤمنين من (تأريخ دمشق)، 2 / 314، ط: 2). وفيه أيضا باسناده إلى (أبي اسحق) أنَّه قال: (بينما سلمان جالس في أناس من أصحابه إذ مرّ عليّ فقال: ما يمنعكم، أفلا تقومون إليه فتأخذون بحجرته؟ فوالله ما أعلم أحداً هو أعلم بسر رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ منه)، (محمد بن سلمان الكوفي القاضي)، (مناقب أمير المؤمنين)، ج: 2، ص: 532، ح: 1032، وقال المحقق في الهامش: (وقريباً منه رواه (البلاذري) في الحديث (217) من ترجمة أمير المؤمنين من (أنساب الأشراف)، 2 / 183). وفيه أيضاً بإسناده إلى (أبي صالح) عن علي (عَليهِ السَّلامُ) أنَّه قال: (قلت: يا رسول الله علِّمني شيئاً ينفعني، قال: قل ربي الله ثم استقم، قال: قلت: حسبي الله وما توفيقي إلا بالله، فقال: ليهنيك العلم أبا حسن! لقد شربت العلم شرباً، وثاقبته ثقباً)، (محمد بن سلمان الكوفي القاضي)، (مناقب الإمام أمير المؤمنين) ، ج: 2، ص: 572، ح: 1083، وقال المحقق في هامش الحديث: رواه (أبو نعيم) في ترجمة أمير المؤمنين (عَليهِ السَّلامُ) من كتاب (حلية الأولياء)، ج: 1، ص: 65، ورواه (ابن عساكر) تحت الرقم 1028 من ترجمة أمير المؤمنين من (تأريخ دمشق)، ج: 2، ص: 498، ط: 2). وورد عن علي (عَليهِ السَّلامُ) أنَّه قال: (علَّمني رسول الله ألفَ بابٍ من العلم، ففتح لي من كل بابٍ ألف بابٍ)، (حسين الشاكري، علي في الكتاب والسنّة، ج: 2، ص: 143، عن السيد (أحمد المغربي) في (فتح الملك العلي)، ص: 19، والمحدّث (الهروي) في (الأربعين)، ص: 47، (مخطوط)، و (القندوزي) في (ينابيع المودّة)، ص: 72). وروي عن (أنس) أنَّه قال: (قيل: يا رسول الله! عمّن نأخذ العلم من بعدك؟ فقال: صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: عن علي)، (حسين الشاكري، علي في الكتاب والسنّة، ج: 2، ص: 143، عن العلاّمة (قطب الدين أحمد شاه) في (قرّة العينين)، ص: 234. وعنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قال: (أنا مدينة الحكمة، وعليٌّ بابها، فمن أراد الحكمة فليأت الباب). وقال (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها). (حسين الشاكري، علي في الكتاب والسنّة، ج: 2، ص: 142، وقال بعد إيراد هذين الحديثين: (هذان الحديثان من الأحاديث المتواترة الصحيحة التي اتفق على روايتها كبار حفّاظ وعلماء الفريقين، واستقصى جلَّ مصادرهما في (إحقاق الحق) ، ج: 5، ص: 502 - 516، وكذلك: ج: 16، ص: 298 -309، ج: 5، ص: 469 - 501، وكذلك: ج: 16، ص: 277 -297، وكذلك: ج: 21، ص: 415- 428). وعنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قال: (علي عيبة علمي)، (حسين الشاكري، علي في الكتاب والسنّة، ج: 2، ص: 141، عن (السيوطي) في (الجامع الصغير) و (جمع الجوامع) كما في ترتيبه، ج: 6، ص: 152، و (مصباح الظلام)، ج: 2، ص: 56، و (شرح العزيزي)، ج: 2، ص: 417). وعنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قال: (علي خازن علمي)، (حسين الشاكري، علي في الكتاب والسنَّة، ج: 2، ص: 141، نقلاً عن (ابن أبي الحديد) في (شرح نهج البلاغة). وعنه أنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قال: (علي باب علمي، ومبيِّن لأمتي ما أرسلت به من بعدي)، (حسين علي الشاكري، علي في الكتاب والسنّة، ج: 2، ص: 140، عن (الديلمي) عن (أبي ذر)، كما في (كنز العمال)، ج: 6، ص: 156، و (كشف الخفاء)، ج: 1، ص: 204). وعنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قال: (عليٌّ وعاء علمي، ووصيي، وبابي الذي أؤتى منه)، (حسين الشاكري، علي في الكتاب والسنّة، ج: 2، ص: 140، عن (كفاية الطالب)، ص: 70 و 92، و (شمس الأخبار)، ص: 29). وجاء في (نهج البلاغة) عن علي (عَليهِ السَّلامُ) أنَّه قال: (وقد علمتُم موضعي من رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمُّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر أمِّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالإقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء، فأراه، ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحدٍ يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وخديجة، وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة، ولقد سمعت رنَّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله! ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنَّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلاّ أنَّك لست بنبي، ولكنَّك لوزير، وانَّك لعلى خير)، ( نهج البلاغة: الخطبة / 192).
وقد رشَّحه رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) للمواقف الإسلامية الفاصلة، والمهامّ الرسالية الكبرى من بين المسلمين قاطبةً.
فمن ذلك مبيته (عَليهِ السَّلامُ) على فراش النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ليلة الهجرة ليحميه من الأعداء، ويذبُّ عنه بمهجته، ويؤثره بالحياة، حتى باهى الله تعالى به الملائكة(1).
____________
(1) فقد جاء في مصادر مدرسة الخلفاء المختلفة: (أنَّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) لما أراد الهجرة خلَّف علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) بمكة لقضاء ديونه، وردِّ الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة الخروج من الغار، وقد أحاط المشركون بالدار، ونام على فراشه، فقال: يا علي، اتّشح ببردي الحضرمي، ثمَّ نَم على فراشي، فإنَّه لا يخلص إليك مكروه إن شاء الله. وفعل ذلك علي (عَليهِ السَّلامُ)، فأوحى الله عز وجل إلى جبرئل وميكائيل: إنّي آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، وأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة، فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله إليهما: ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيتُ بينه وبين محمد، فنام على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض، فاحفظاه من عدوه، فكان جبرئل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، فقال جبرئيل: بخٍ بخٍ، من مثلك يا بن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة، فأنزل الله تعالى على رسوله، وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي: ومنَ النّاس مَن يشري نفسَه ابتغاءَ مرضاةِ الله واللهُ رؤفٌ بالعباد)، (البقرة : 207). انظر: (القاضي التستري، إحقاق الحق، ج: 3، ص: 23 -33، فقد أشار إلى قول مجموعة كبيرة من علماء مدرسة الخلفاء ومفسريهم بنزول الآية في علي (عَليهِ السَّلامُ)، منهم أحمد بن حنبل في مسنده، ج: 1، ص: 331، ط: 1، مصر، والعلاّمة (الطبري) في تفسيره، ج: 9، ص: 140، ط: الميمنية بمصر، والحاكم في المستدرك، ج: 3، ص: 4، ط: حيدر آباد، دكن، والذهبي في تلخيص المستدرك، ج: 3، ص: 4، ط: حيدر آباد، دكن، والعلاّمة (الثعلبي) في تفسيره على ما في (تفسير اللوامع)، ج: 2، ص: 376، ط: لاهور، والأصفهاني في كتاب (ما نزل في شأن علي) على ما في (تفسير اللوامع) ، ج: 2، ص: 375، و (الغزالي) في (الإحياء)، و (فخر الدين الرازي) في تفسيره، ج: 5، ص: 222، ط: البهية بمصر، و (ابن الأثير) في (أسد الغابة)، ج: 4، ص: 25، ط: جمعية المعارف بمصر.. إلى غير ذلك من المصادر العامية الكثيرة. وقد نسب (الحاكم النيسابوري) في (المستدرك على الصحيحين) هذه الأبيات إلى أمير المؤمنين (عَليهِ السَّلامُ) عند مبيته على فراش رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): وفيتُ بنفسي خيرَ من وطي الحصى ومن طافَ بالبيتِ العتيقِ وبالحجر رسول اللـــــه خافَ أن يمكروا به فنجّاه ذو الطولِ الإلــــه من المكر وباتَ رسولُ اللــهِ في الغارِ آمناً موقى وفي حفظِ الإلـــهِ وفي ستر (الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج: 3، ص: 4).
ومنها أنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) هدد الكفار به (عَليهِ السَّلامُ)، ليضرب رقابَهم على الدين وهم مجفلون إجفال النعم(1) .
ومنها أنَّه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) دفع له (عَليهِ السَّلامُ) الراية يوم خيبر، ووصفه بأنَّه يحبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبُّه اللهُ ورسولُه، يفتح الله له، ليس بفرّار، وهو إذ ذاك أرمد العينين(2) .
____________
(1) فقد جاء في مصادر مدرسة الخلفاء أنَّه : (جاء سهيل بن عمرو إلى رسول الله، فقال: يا محمد! إنّه قد خرج إليك أناس من أرقّائنا ليس بهم للدين تعبداً، فارددهم إلينا، فقال أبو بكر وعمر: صدق رسول الله، فقال النبي: لن تنتهوا يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلاً مني امتحن الله قلبه للإيمان، يضرب رقابكم على الدين وأنتم مجفلون إجفال النعم، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنَّه خاصف النعل. قال: وكان في كفّ علي نعل يخصفها لرسول الله)، (محمد بن سلمان الكوفي)، (مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب)، ج: 2، ص: 16، ح: 506، وأشار المحقق إلى رواة الحديث قائلاً: رواه الحافظ (ابن عساكر) بسنده عن (الخطيب)، ثمَّ بأسانيد آخر تحت الرقم: (873)، وما بعده من ترجمة أمير المؤمنين في عنوان (قد امتحن الله قلب علي للإيمان) تحت الرقم: (31) من كتاب (خصائص علي)، ص: 85، ط: بيروت. (2) فقد ورد في مصادر مدرسة الخلفاء الكثيرة ، منها ما ذكره (الهيثمي) في (مجمع الزوائد) عن (عبد الرحمن بن أبي ليلى) عن أبيه أنَّه قال: (قلت لعلي ـ وكان يسمر معه ـ إنَّ الناس قد أنكروا منك أن تخرج في الحرِّ في الثوب المحشو، وفي الشتاء في الملاءَتين الخفيفتين، فقال علي: أولم تكن معنا بخيبر؟ قلت: بلى، قال: فإنَّ رسول الله دعا أبا بكر، فعقد له لواءاً، فسار، ثمَّ رجع منهزماً بالناس، وانهزم حتى إذا بلغ ورجع، فدعا عمر، فعقد له لواءاً، فسار، ثمَّ رجع منهزماً بالناس، فقال رسول الله: لأعطينَّ الرايةَ رجلاً يحبُّ اللهَ ورسولَه ، ويحبُّه اللهُ ورسولُه، يفتح الله له، ليس بفرّار، فأرسل إليَّ فأتيته، وأنا أرمد لا أبصر شيئاً، فتفل في عيني، وقال: أكفه ألمَ الحرِّ والبرد، فما آذاني حرٌّ ولا بردٌ بعد)، (نور الدين الهيثمي) ، (مجمع الزوائد)، ج: 9، ص: 124، وروى الحديث أحمد بن حنبل، الخبر: 139 في مسنده، ج: 3، ص: 16، ورواه (القطيعي) في الحديث (176) في فضائل علي، ورواه (ابن عساكر) في الحديث: 256 و 257 في ترجمة أمير المؤمنين (عَليهِ السَّلامُ) من (تأريخ دمشق)، 1 / 213، مع اختلاف في التعبير، وانظر: هامش، ص: 495 - 497 من ج: 2 من كتاب (مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب)، بتحقيق: محمد باقر المحمودي.
ومنها أنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أسند إليه (عَليهِ السَّلامُ) تبليغ سورة براءة(1) ... وغير ذلك من المهام الكبرى التي رقى إليها بطل الإسلام علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ).
إنَّ كل هذا يشير بمجموعه إلى عين الحقيقة التي وردت في حديث (الخلفاء الإثنى عشر) الذين افتُرض فيهم أن يكونوا حماةً للدين، وروّاداً لمسيرة الرسالة الإسلامية، وحفظة لتعاليمها المقدسة، بحيث يبقى أمر الإسلام منيعاً، عزيزاً، قائماً، صالحاً، ماضياً، مستقيماً، ظاهراً، منتصراً، على حد تعبير الأحاديث المتقدمة.
ولا يفوتنا الإشارة في هذا المقام إلى أنَّ ما ذكرناه سابقاً لمعنى الحفظ الواقعي لمبادئ الإسلام وتعاليمه، وأنَّه لا ينحصر في مسألة استلام السلطة، وتقلّد مهام الحكم الإسلامي ظاهرياً.
وعند العودة إلى ما ذكرناه آنفا من تفسير الحفظ، والصيانة، والمنعة، والعزّة، والقيمومة، والصلاح، والمضي، والاستقامة، والظهور التي ورد ذكرها في روايات (الخلفاء الإثنى عشر) وأنَّه لا ينحصر في مسألة استلام السلطة، وتقلّد مهام الحكم
____________
(1) جاء في (روح التشيع) للشيخ (عبدالله نعمة) نقلاً عن مصادر مدرسة الخلفاء المعتبرة: (فإليه أسند مهمة تبليغ سورة (براءة) ليقرأها على أهل مكة في السنة الثامنة للهجرة حين فتح مكة، وكان صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أرسل أولاً أبا بكر لأداء نفس المهمة، فأتبعه بعد ذلك بعلي، وأمره أن يكون المتولّي لأداء ذلك، وأمره أن يقوم بها على الناس بمنى، ويرجع أبا بكر، وقال له: أذِّن في الناس: أن لا يدخل الجنة كافر، ولا يحجُّ بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ عهد فهو له إلى مدته، وأجَّل الناس أربعة أشهر من يوم تنادي، ليرجع كلّ قوم إلى مأمنهم، ثمَّ لا عهد لمشرك ولا ذمة، وحمل عليا على ناقته العضباء. وقد انصرف أبوبكر وهو كئيب، فقال لرسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: أنَزَلَ فيّ شئ؟ قال: لا، ألا إنّي أمرت أن أبلغه أنا أو رجل من أهل بيتي)، (عبدالله نعمة، روح التشيع، ص: 45- 46، استنادا إلى (التنبيه والإشراف)، (المسعودي)، ص: 237، و (ينابيع المودة)، ص: 89، و (الطبري)، ج: 3، ص: 54، ومن قوله: وقد انصرف ...إلى قوله: من أهل بيتي، عن: (خصائص النسائي)، ص: 20.
الإسلامي ظاهراً، وإن كان ذلك ممكنا معه.. نجد أنَّ هذا التفسير يتجلى بكل وضوح في المواقف والمبادرات التي كان يتقدم فيها الإمام علي (عَليهِ السَّلامُ) ليصحح الأخطاء التي قد يقع فيها من استلم الخلافة الإسلامية الظاهرية قبله، وتلافي كلّ ما يمكن له تلافيه من الإنحرافات التي تعترض مسيرة الشريعة الإسلامية، ومراقبة التشريع ومبادئه عن كثب، ومعالجة كلّ حالة يمكن أن تخطو باتجاه التحريف، والخروج عن السنّة النبوية القاطعة.
ومن الطبيعي أنَّ هذا السلوك المسؤول الذي يمارسه الإمام علي (عَليهِ السَّلامُ) تجاه التشريع الإسلامي على الرّغم من أنّه لم يكن متصدياً لشؤون الحكم لا يعني إلاّ تكريس الحقيقة التي أكّدها رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) في حديث (الخلفاء الإثنى عشر) من أنَّ هؤلاء الخلفاء سيقومون بهذا الدور طيلة مسيرة الرسالة، وفي مختلف الظروف التي تكتنف بها، وفي مختلف العصور والأزمنة، وإلى حين قيام الساعة.
إنَّ ممارسة (الخلفاء الإثني عشر) لدورهم الريادي هذا، وأدائهم لمهام الخلافة التي أنيطت بهم كانت تمارس بغض النظر عن كونهم يجدون الطريق للإمساك بزمام الحكم الشرعي كما حدث في عهد الإمام علي (عَليهِ السَّلامُ) بعد مقتل عثمان، فتجتمع بذلك الوظيفتان، أو أنَّ الظرف تحول بينهم وبين ذلك، فيبقى على عاتقهم الإضطلاع بالدور الحقيقي والأساسي الموكل بهم، كما حدث لعلي (عَليهِ السَّلامُ) في فترة استلام (أبي بكر)، و (عمر)، و (عثمان) للخلافة من قبله، وكما حدث لبقيّة خلفاء الرسول إجمالاً.
ثالثاً: عليٌّ خليفة الرسول ووصيُّه
إنَّ الأحاديث المتقدمة قد نصّت جميعاً من خلال هياكلها اللفظية المتنوعة على كون هؤلاء (الخلفاء الإثنى عشر) هم خلفاء، وأمراء، وأوصياء لرسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، وقد تضافرت أحاديث أخرى عنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) تؤكد
على كون علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) وصيّاً، وخليفة على الأمّة من بعده (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، وتأمر المسلمين باتباعه، واقتفاء أثره، والأخذ عنه.
وبما أنَّ الأحاديث التي وردت عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بهذا الصدد أحاديث غفيرة جداً، وقد ذكرتها الكتب المتخصصة بهذا الشأن.. فنحن سوف نقتصر على ذكر الأهم منها في مصادر مدرسة الخلفاء على سبيل المثال.
فمن الأحاديث التي دلت علي كون علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) وصيّاً وخليفة لرسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) من بعده ما رواه (الطبراني) في (المعجم الكبير) عن (عباية بن ربعي) عن (أبي أيوب الأنصاري) من أنّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد قال لفاطمة (عَليها السَّلامُ):
(أما علمتِ أنَّ الله عزَّ وجلَّ اطَّلع إلى أهل الأرض، فاختار منهم أباكِ، فبعثه نبيّاً، ثمَّ اطَّلع الثانية، فاختار بعلكِ، فأوحى إليَّ، فأنكحتُه، واتخذتُه وصيّاً)(1) .
وروى (الطبراني) أيضاً عن (أبي سعيد الخدري) عن (سلمان) أنَّه قال:
(قلت: يا رسول الله، لكلِّ نبيٍّ وصي، فمن وصيُّك؟ فسكت عني، فلمّا بعد رآني فقال:
ـ يا سلمان!
فأسرعت اليه، وقلت:
ـ لبيك! فقال (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):
ـ تعلّم مَن وصيّ موسى؟ قلت:
ـ نعم، يوشع بن نون، قال (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):
ـ لم؟ قلت:
____________
(1) الطبراني، المعجم الكبير، ج: 4، ح: 4046، ص: 171، وانظر كذلك: نفس المصدر، ج: 4، ح: 4047، ص: 172.
ـ لأنَّه كان أعلمهم، قال (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):
ـ فانَّ وصيي، وموضع سرّي، وخير من اترك بعدي، وينجز عدتي، ويقضي ديني، علي بن أبي طالب)(1) .
وجاء في (مسند أحمد بن حنبل) عن (الأعمش) عن (المنهال) عن (عباد بن عبدالله الأسدي) عن علي (عَليهِ السَّلامُ) أنه قال:
(لما نزلت هذه الآية (وانذز عشيرتك الأقربين)(2) ، قال: جمع النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) من أهل بيته، فاجتمع ثلاثون، فأكلوا، وشربوا، قال: فقال لهم:
ـ من يضمن عني ديني ومواعيدي، ويكون معي في الجنة، ويكون خليفتي في أهلي؟
فقال رجل:
ـ يا رسول الله! أنت كنت بحراً، من يقوم بهذا؟
قال: فعرض ذلك على أهل بيته، فقال عليٌّ رضي الله عنه:
ـ أنا)(3) .
وقد نقلت حادثة (الدار) هذه الكتب التأريخية المعتبرة لدى مدرسة الخلفاء، وجاء في (الكامل) لـ (ابن الأثير) و (تأريخ الطبري):
(إنَّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) أخذ بعد ذلك برقبة علي وقال:
ـ إنَّ هذا أخي، ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.
____________
(1) الطبراني، المعجم الكبير، ج: 6، ح: 6063، ص: 221. وانظر: كنز العمال للمتقي الهندي، ج: 11، ح: 32952، ص: 610. (2) الشعراء / 214 (3) ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد بن حنبل، ج: 1، ح: 885، ص: 111.
فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع)(1) !
وورد أيضا في (المعجم الكبير) بإسناده إلى (ابن عمر) أنّه قال:
(بينما أنا مع النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) في ظل بالمدينة، وهو يطلب علياً رضي الله عنه، إذا انتهينا إلى حائط، فنظرنا فيه، فنظر إلى علي وهو نائم في الأرض، وقد اغبرَّ فقال:
ـ لا ألوم الناس يكنّونك أبا تراب!
فلقد رأيت علياً تغيَّر وجهه، واشتد ذلك عليه، فقال:
ـ ألا أرضيك يا علي؟! قال:
ـ بلى يا رسول الله! قال (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ):
ـ أنت أخي ووزيري، تقضي ديني، وتنجز موعدي، وتبرئ ذمتي، فمن أحبَّك في حياةٍ مني فقد قضي نحبه، ومن أحبَّك في حياة منك بعدي ختم الله له بالأمن والإيمان، ومن أحبَّك بعدي ولم يركَ ختم الله له بالأمن والإيمان، وآمنه يوم الفزع الأكبر، ومن مات وهو يبغضك يا علي مات ميتة جاهلية، يحاسبه الله بما عمل في الإسلام)(2) .
وفي (مسند أحمد بن حنبل) عن (سعد) أنَّه قال:
(لما خرج رسول الله في غزوة تبوك خلَّف علياً رضي الله عنه، فقال:
ـ أتخلفني؟ قال له:
____________
(1) ابن الأثير، الكامل في التأريخ، ج: 2، ص: 62 -63، وتأريخ الطبري، ج: 2، ص: 62-63. وانظر لمزيد من التفصيل: إحقاق الحق، ج: 3، ص: 562، وعلي في الكتاب والسنّة، ج: 1، ص: 204-206. (2) الطبراني، المعجم الكبير، ج: 12، ح: 13549، ص: 321.
ـ أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنَّه لا نبي بعدي)(1) ؟!
وفي (حلية الأولياء)، و (تأريخ ابن عساكر)، و (شرح نهج البلاغة) عن (أنس):
(أنَّ الرسول توضأ، وصلّى ركعتين، وقال له:
ـ أول من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين، وسيد المسلمين، وخاتم الوصيين.
فجاء علي، فقال (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ):
ـ مَن جاء يا أنس؟ فقلت:
ـ علي!
فقام إليه مستبشرا فاعتنقه..)(2) .
وفي (تأريخ دمشق) و (الرياض النضرة) عن (بريدة الأسلمي) أنَّه قال:
(قال النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:
ـ لكلّ نبيٍّ وصي ووارث، وإنَّ علياً وصيي ووارثي)(3) .
وبنفس هذا المعنى وردت الأحاديث التي تعبّر عن علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) بأنَّه وليُّ كلِّ مؤمن ومؤمنة، وتأمر المسلمين باتباعه، وموالاته، لتقلِّده هذا المنصب الرسالي العظيم، ومن أشهر هذه النصوص (حديث الغدير) المروي بتواتر في كتب المدرستين، وكنموذج لهذا الحديث نورد ما روى في (مسند أحمد بن حنبل) باسناده إلى (سعيد بن وهب) و (زيد بن يثيع) أنَّهما قالا:
____________
(1) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، ج: 1، ح: 1603، ص: 184. (2) مرتضى العسكري، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 296-297، عن: (حلية الأولياء): 1 / 63، و (تأريخ ابن عساكر) 2 /486 ، و (شرح نهج البلاغة) ، ط: الأولى 1/ 450، وفي (موسوعة أطراف الحديث عن إتحاف السادة المتقين) للزبيدي 7 / 461. (3) مرتضى العسكري، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 297، عن (تأريخ دمشق) لابن عساكر 3 /5، و (الرياض النضرة) 2 / 178.
(نشدَ عليٌّ الناسَ في الرحبة:
ـ من سمع رسول الله يقول يوم غدير خُم إلاّ قام؟
قال: فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبل زيد ستة، فشهدوا أنَّهم سمعوا رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يقول لعلي رضي الله عنه يوم غدير خم:
ـ أليس الله أولى بالمؤمنين؟ قالوا:
ـ بلى، قال:
ـ اللهم مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمَّ والِِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله)(1) .
وورد في (سنن الترمذي) بإسناده إلى (عمران بن حصين) أنَّه قال:
(بعث رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضي في السرية، فأصاب جارية فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فقالوا:
ـ إذا لقينا رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أخبرناه بما صنع علي..
فأقبل رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، والغضب يعرف في وجهه، فقال:
ـ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنَّ علي مني، وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي)(2) .
____________
(1) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، ج: 4، ص: 281. (2) الترمذي، سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب: 20، مناقب علي بن أبي طالب، ج: 5 ، ح: 3712، ص: 590.
وفي (شواهد التنزيل) لـ (الحسكاني) عن (ابن عباس) في قوله تعالى:
(إنَّما وليُّكم اللهُ ورسولُه والذين آمنوا الذين يقيمونَ الصلاةَ ويؤتونَ الزكاةَ وهم راكعون)(1) أنه قال :
ـ (إنَّما وليُّكم اللهُ): يعني ناصرُكم الله، (ورسوله): يعني محمداً صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، ثمَّ قال: (والذينَ آمنوا) فخصَّ من بين المؤمنين علي بن أبي طالب فقال: (الذين يقيمون الصلاة): يعني يتمّون وضوءها، وقراءتها، وركوعها، وسجودها، (ويؤتون الزكاة وهم راكعون): وذلك أنَّ رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ صلّى يوماً بأصحابه صلاة الظهر، وانصرف هو وأصحابه، فلم يبقَ في المسجد غير علي قائماً يصلّي بين الظهر والعصر، إذ دخل عليه فقير من فقراء المسلمين، فلم يرَ في المسجد أحداً خلا علياً، فأقبل نحوه فقال: يا ولي الله، بالذي تصلّى له أن تتصدق عليَّ بما أمكنك، وله خاتم عقيق يماني أحمر، كان يلبسه في الصلاة في يمينه، فمدَّ يده فوضعها على ظهره، وأشار إلى السائل بنزعه، فنزعه ودعا له، ومضى، وهبط جبرئيل، فقال النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لعلي:
ـ لقد باهى الله بك ملائكته اليوم، اقرأ:
(إنَّما وليُّكم اللهُ ورسولُه والذينَ آمنوا..)(2) .
وروى (أحمد بن حنبل) بإسناده إلى (بريدة) أنَّه قال:
____________
(1) المائدة / 55. (2) الحسكاني، شواهد التنزيل، ج: 1، ح: 221، ص: 164. وانظر: تفسير الدر المنثور للسيوطي، ج: 3، ص: 293، و الكشاف للزمخشري، ج: 1، ص: 154، وتفسير غرائب القرآن للنيسابوري، ج: 2، ص: 82، ولزيادة التفصيل، راجع: إحقاق الحق، ج: 2، ص: 399 -408.
(بعث رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بعثين إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا إلتقيتم فعليُّ على الناس، وإن افترقتما فكلّ واحد منكما على جنده، قال: فلقينا بني زيد من أهل اليمن، فاقتتلنا فظفر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة، وسبينا الذرية، فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه، قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يخبره بذلك، فلما أتيت النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ دفعتُ الكتاب ، فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فقلت:
ـ يا رسول الله! هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، ففعلتُ ما أرست به.
فقال رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:
ـ لا تقع في علي فإنَّه مني، وأنا منه، وهو وليُّكم بعدي، وإنَّه مني، وأنا منه، وهو وليُّكم بعدي)(1) .
ولنقرأ ما يرويه لنا (ابن عباس) حول منزلة علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) في الإسلام، ورعاية الرسول الخاصة به، وإعداده الإعداد النيابي الذي يمثِّل الخليفة، والوصي، على أمور الدين من بعده (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بكلّ ما لهذه الخلافة والوصاية من معنى.
فقد جاء في (المعجم الكبير) لـ (الطبراني) بإسناده إلى (عمرو بن ميمون) أنَّه قال ما نصّه:
____________
(1) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، ج: 5، ح: 22503، ص: 356.
(كنّا عند ابن عباس، فجاءه سبعة نفر، وهو يومئذٍ صحيح قبل أن يعمى، فقالوا: يا بن عباس، قم معنا، أو قال: أخلوا يا هؤلاء، قال: بل أقوم معكم، فقام معهم، فما ندري ما قالوا، فرجع ينفض ثوبه ويقول: أفٍ أفٍ، وقعوا في رجلٍ قيل فيه ما أقول لكم الآن، وقعوا في علي بن أبي طالب، وقد قال نبي الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:
ـ لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله.
فبعث إلى علي وهو في الرحى يطحن، وما كان أحدكم يطحن، فجاؤوا به أرمد، فقال:
ـ يا نبي الله! ما أكاد أبصر.
فنفث في عينه، وهزَّ الراية ثلاث مرات، ثم دفعها إليه، ففتح له، فجاء بصفية بنت حيي، ثمَّ قال لبني عمه:
ـ أيُّكم يتولاني في الدنيا والآخرة؟ ـ ثلاثا ـ
حتى مرَّ على آخرهم، فقال علي (عَليهِ السَّلامُ):
ـ يا نبيَّ الله! أنا وليُّك في الدنيا والآخرة. فقال النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:
ـ أنت وليي في الدنيا والآخرة.
قال: وبعث أبا بكر بسورة التوبة، وبعث علياً على أثره، فقال أبو بكر:
ـ يا علي، لعل الله ونبيَّه سخطا عليَّ! فقال علي:
ـ لا، ولكنَّ نبيَّ الله قال:
ـ لا ينبغي أن يبلّغ عني إلاّ رجلٌ مني، وأنا منه.
قال: ووضع نبي الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ثوبه على علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وقال:
ـ إنَّما يريدُ اللهُ ليذهبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيتِ ويطهرَكم تطهيراً (1).
وكان أول من أسلم بعد خديجة من الناس.
قال: وشرى علي نفسه، لبس ثوب النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، ثم قام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فجاء أبو بكر، فقال:
ـ إليَّ يا رسول الله!
وأبو بكر يحسبه نبيَّ الله، فقال علي:
ـ إنَّ نبي الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ انطلق نحو بئر ميمون فأدركه.
فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، وجعل علي يُرمى بالحجارة كما كان رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يُرمى، وهو يتضور، قد لفَّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، ثمَّ كشف رأسه حين أصبح، فقالوا: إنك للئيم، كان صاحبك نرميه بالحجارة فلا يتضور، وأنت تتضور، وقد استنكرنا ذلك.
قال: ثم خرج بالناس في غزاة تبوك، فقال له علي:
ـ أخرج معك؟
قال له النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:
ـ لا!
فبكى علي، فقال له نبي الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:
____________
(1) الأحزاب / 33.
ـ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون بن موسى، إلاّ أنك لست بنبي، إنَّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي.
قال: وقال له:
ـ أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي.
قال: وسدَّ رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أبواب المسجد غير باب علي، فيدخل المسجد جنباً، وهو طريقه، ليس له طريق غيره.
قال: وقال:
ـ مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه..)(1) .
من خلال كلّ الذي تقدم يظهر لنا جلياً أنَّ هذه الأحاديث المرويّة عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بخصوص تنصيب علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) خليفة ووصي من بعده، وأمره للمسلمين بطاعته، واتباعه، وموالاته، تنسجم تماماً مع حديث (الخلفاء الإثنى عشر)، من ناحية مضامينه، ومداليله العامة، كما ألمحنا إليه، ومن ناحية نصّ بعض ألفاظ هذا الحديث على أنَّ أول هؤلاء (الخلفاء الإثنى عشر) هو علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ)، وكونه من (قريش) ومن (بني هاشم) كما تقدم.
____________
(1) الطبراني، المعجم الكبير، ج: 12، ح: 12593، ص: 77-78. وجاء في هامش الحديث: (قال في المعجم (9 / 120): رواه أحمد (3062 و 3063)، والطبراني في الكبير والأوسط (343-344 مجمع البحرين) باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي بلج، وهو ثقة، وفيه لين، قلت: ورواه النسائي في خصائص علي (ص: 61 -64)، ورواه الحاكم في المستدرك (3 / 132-134) من طريق أحمد، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي).
(8)
الحسن والحسين من الخلفاء الإثنى عشر
من القواسم المشتركة الأخرى بين روايات (الخلفاء الإثنى عشر)، والتي تقترب بنا نحو تشخيص هؤلاء الخلفاء، وتحديد هويتهم، الأحاديث التي وردت بنفس المضمون، ونصَّت على أنَّ كلاً من الحسن والحسين (عَلَيهما السَّلامُ) من ضمن هؤلاء (الخلفاء الإثنى عشر).
فتارة يرد الخطاب من قبل رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) موجَّهاً للحسين بن علي (عَليهِ السَّلامُ) بأنَّه سيِّد، وإمام، وحجَّة، وأنَّ بقية الخلفاء التسعة هم من ولده وذريته (عَليهِ السَّلامُ).
وتارة يرد الخطاب بخصوص الحسن والحسين (عَلَيهما السَّلامُ) بأنَّهما مع تسعة خلفاء معصومين يشكلون بمجموعهم (الخلفاء الإثنى عشر) المقصودين بالحديث المذكور.
وقد ترد الإشارة إلى الحسن بن علي (عَليهِ السَّلامُ) ضمن الخطاب الموجه للحسين بن علي (عَليهِ السَّلامُ)، وذلك بالنصّ على كون الحسين (عَليهِ السَّلامُ) أخا سيّد، وأخا إمام، وأخا حجَّة، وما تبقى من الخلفاء متمّمون لعدد (الخلفاء الإثنى عشر).
وورد في بعض روايات (الخلفاء الإثنى عشر) ذكرهم بالترتيب، إبتداءاً بالإمام علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ)، ومن ثمَّ الحسن بن علي (عَليهِ السَّلامُ)، ومن ثمَّ الحسين بن علي (عَليهِ السَّلامُ)، ومن ثمَّ الخلفاء التسعة من ولد الحسين (عَليهِمُ السَّلامُ).
ونجد ضمن مصادر مدرسة الخلفاء المعتبرة مجموعة كبيرة من الروايات التي تسير بنفس هذا الإتجاهات المذكورة، وتعضد بذلك ما تمَّت استفادته آنفاً من حديث (الخلفاء الإثنى عشر)، ويمكن لنا استفادة هذا المعنى من خلال طائفتين من الأحاديث الواردة بهذا الشأن:
الطائفة الأولى:
هي الأحاديث التي عبَّر فيها رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بأن كلاً من الحسن والحسين (عَليهِما السَّلامُ) منه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، فمن ذلك ما ورد في (مسند أحمد) عن (المقدام بن معدي كرب) أنَّه قال:
(وضع رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ الحسن في حجره وقال:
ـ هذا مني)(1) .
وعن (البراء بن عازب):
(أنَّ رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قال للحسن أو الحسين:
ـ هذا مني)(2) .
وروى (البخاري)، و(الترمذي)، و(ابن ماجة)، و(أحمد)، و(الحاكم)، عن (يعلى بن مرة) عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قال:
(حسينٌ منِّي ، وأنا من حسين، أحبَّ اللهُ مَن أحبَّ حسيناً)(3) .
فمن خلال هذه التعبيرات يمكن الإستيحاء بأنَّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) يريد أن يبين للأمة الإسلامية، ولجميع الناس أنَّ موقع الحسن والحسين (عَليهِما السَّلامُ) من الرسالة الإسلامية يعبِّر عن الإمتداد الواقعي لمهامه، وممارساته التشريعية، وهما الفرع المتفرع عنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) لأداء هذه الوظيفة المقدّسة، والنيابة عنه، في
____________
(1) العسكري، مرتضى، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 524، عن مسند أحمد: 4 / 132، وكنز العمال: 13 / 99 و 100 و 16 / 262، ومنتخب الكنز: 5 / 106، والجامع الصغير بشرح فيض الغدير: 3 / 145. (2) مرتضي العسكري، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 524، عن كنز العمال: 16 / 270. (3) العسكري، مرتضى، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 524، عن البخاري في الأدب المفرد، باب: معانقة الصبي، ح: 264، والترمذي 13 / 195، في باب: مناقب الحسن والحسين، وابن ماجة كتاب: المقدمة، باب: 11، ح: 144، ومسند أحمد: 4 / 172، ومستدرك الحاكم: 3 /177، ووصف هو والذهبي الحديث بأنَّه صحيح، وأسد الغابة، 2 / 19 و 5 / 130.
سدِّ حاجة المجتمع، وتلبية شؤونه الدينيَّة، بعد أبيهما علي (عَليهِ السَّلامُ)، ولا يُعقل أن يُراد أنَّهما (عَليهِما السَّلامُ) منه بمعنى القرابة المألوفة، والإمتداد النسبي، لأنَّ هذا الأمر واضح، وجلي، ولا يضيف حقيقة جديدة، لا سيَّما إذا ما لاحظنا أنَّ هذا التعبير ورد بعينه ولفظه بحقِّ الإمام علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ)، وقد حفَّ ذلك بقرائن تفيد بأن النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) يريد من كلمة: (منِّي) النيابة عنه في تبليغ أحكام الإسلام.
يقول العلاّمة المحقق (مرتضي العسكري) بشأن هذه الطائفة من الأحاديث:
(إنَّ قول رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (منِّي) في هذه الروايات بحقِّ الحسنين، نظير قوله بحق ِّأبيهما الإمام علي، أراد في جميعهما أنَّهم منه في مقام تبليغ أحكام الإسلام)(1) .
ولنعد إلى ما ذكره من قرائن بخصوص إطلاق هذه اللفظة على علي (عَليهِ السَّلامُ) حيث يقول:
(إن لفظ : (منِّي) في حديث: (أنتَ منِّي بمنزلة هارون من موسى) يوضِّح المراد من هذا اللفظ في أحاديث الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) الأخرى، وذلك أنَّ هارون لما كان شريك موسى في النبوة، ووزيره في التبليغ، وكان علي من خاتم الأنبياء بمنزلة هارون من موسى باستثناء النبوة، يبقى لعلي الوزارة في التبليغ.
وكذلك بيَّن الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) المراد من لفظ: (منِّي) في حديثه يوم عرفات في حجة الوداع حيث قال: (علي منِّي ، وأنا من علي، لا يؤدِّي عنِّي إلاّ أنا أو علي)(2) .
____________
(1) العسكري، مرتضى، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 525. (2) العسكري، مرتضى، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 514، قائلاً: أخرجه ابن ماجة في كتاب المقدمة، باب: فضائل الصحابة، ص: 92، من الجزء الأول من سننه، والترمذي، كتاب المناقب، 13 / 169، وهو الحديث: 2531 في ص: 153 من الجزء السادس من الكنز في طبعته الأولى، وقد أخرجه الإمام أحمد في ص: 164 و 165 من الجزء الرابع من مسنده من حديث حبشي بن جنادة بطرق متعددة.
وعلي هذا فإنَّ الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) فسَّر لفظ: (منِّي) في هذه الأحاديث بكلِّ وضوح وجلاء، وصرَّح (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أن القصد منه أنَّه (عَليهِ السَّلامُ) منه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) في مقام التبليغ عن الله (جَلَّ وَعَلا) إلى المكلفين بلا واسطة، ومن ثمَّ يتضح معنى (منِّي) في أحاديث الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) في حق الإمام علي (عَليهِ السَّلامُ)، والذي ورد في بعضها غير مفسَّر، (مثل ما ورد في رواية بريدة في خبر الشكوى أنَّ الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قال له: لا تقع في علي فإنَّه منِّي و(1)..، ورواية عمران بن حصين: إنَّ علياً منِّي(2) ..)(3) .
الطائفة الثانية:
هي الأحاديث الواردة عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، والتي نصَّت علي كون الحسن والحسين (عَليهِما السَّلامُ) سبطين من الأسباط، فعلى الرغم من أنَّ (السبط) يعني الحفيد إلاّ أنَّ إرادة هذا المعنى المختص من خلال تكرار هذه الأحاديث بألفاظ متعددة بعيد جداً، إذ لا يوجد طائل لهذا النوع من البيان، بل يُعدُّ لغواً من القول الذي ننزه عنه رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) الذي قال الله (جَلَّ وَعَلا) بشأنه:
____________
(1) العسكري، مرتضى، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 514، عن مسند أحمد: 5 / 356، وخصائص النسائي، ص: 24، باختلاف يسير، ومستدرك الصحيحين: 3 / 110، مع اختلاف في اللفظ ، ومجمع الزوائد: 9 / 127، وفي كنز العمال: 12 / 207، مختصراً عن ابن أبي شيبة، وفي: 12 / 210، منه عن الديلمي، وراجع: كنوز الحقائق للمناوي، ص: 186. (2) العسكري، مرتضى، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 488، عن سنن الترمذي: 13 / 165، باب مناقب علي بن أبي طالب، ومسند أحمد: 4 / 437، ومسند الطيالسي: 3 / 111، ح: 829، ومستدرك الحاكم: 3 / 110، وخصائص النسائي: ص : 29 و 16، وحلية أبي نعيم: 6 / 294، والرياض النضرة: 2 / 171، وكنز العمال: 12 / 207 و15 / 125. (3) العسكري، مرتضى، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 513-514.
(وما ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى)(1) .
فمن المفترض في الكلام الصادر عن حامل الرسالة (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أن يضيف في بيانه حقيقة جديدة، أو يؤكِّد على مطلب شرعي معيَّن، أو يوجِّه المسلمين نحو ارتكازات واقعية ينبغي لهم اعتمادها، والسير على هداها، لا أن يأتي ويقول للناس تكراراً ومراراً: إنَّ الحسن والحسين حفيداي، أو إنَّ فاطمة ابنتي، أو إنَّ علياً ابن عمي، أو أنَّ العباس عمي، فإنَّ هذا الكلام حتى بفرض صدوره عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بهذه الكيفية لا بدَّ أن يكون منطويا على حقيقة أعمق وأبعد، يمكن استفادتها من خلال القرائن، والمواقف التي تحفُّ بالكلام عادة.
وهناك حقيقة إضافية في خصوص ما نحن فيه تؤكِّد لنا أنّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) يريد من مقولته هذه ما هو أبعد من هذا المعنى السطحي للكلمة، وذلك من خلال إلقاء نظرة فاحصة ودقيقة في هذه الطائفة من الأحاديث، فنقرأ لـ (البخاري)، و(الترمذي)، و(ابن ماجة)، و(أحمد)، و(الحاكم) روايتهم عن (يعلي بن مرة) أنَّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قال:
(حسين منِّي، وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط)(2) .
ونقرأ له (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أيضاً قوله:
(الحسن والحسين سبطان من الأسباط)(3) .
وورد عن (أبي رمثة) أنَّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قال:
____________
(1) النجم / 3،4. (2) العسكري، مرتضى، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 524، وقد مرّ ذكر مصادر الحديث عنه قبل قليل. (3) العسكري، مرتضى، معالم المدرستين، ج: 1، : 525، عن كنز العمال: 16 / 270.
(حسين منِّي، وأنا منه، هو سبط ٌمن الأسباط)(1) .
وفي رواية أخرى:
(الحسن والحسين سبطان من الأسباط)(2) .
وعن (البراء بن عازب) عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قال:
(حسين منِّي، وأنا منه، أحب اللهُ من أحبَّه،الحسن والحسين سبطان من الأسباط)(3) .
فمن الملاحظ في جميع هذه الروايات أنَّها لم ترد عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بلسان: (الحسين سبطي)، أو(الحسن والحسين سبطاي)، لكي يأتي التفسير السابق، وإنَّما جعل النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) كلاً من الحسن والحسين مصداقاً من مصاديق عنوانٍ كلّي مألوف في الخطابات الشرعيَّة، وهو عنوان (الأسباط)، فنصَّ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) على أنَّهما من (الأسباط)، وفي طائفة أخرى من الأحاديث نصَّ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) على أنَّهما (سبطا هذه الأمَّة) شأنهما في ذلك شأن الأمم السابقة.
فنحن بحاجة إذن إلى الرجوع إلى مدلول هذا العنوان الكلّي، واستفادة معناه من الخطابات الشرعيَّة، لنصل بالنتيجة إلى معنى كون الحسن والحسين (عَليهِ السَّلامُ) سبطين من الأسباط، أو سبطي هذه الأمَّة.
ولا ينبغي الإرتياب في أنَّ المصدر الشرعي الأول الذي يتصدر لائحة المراجع الإسلامية هو القرآن الكريم، كما أنَّ من غير الطبيعي على المحقق والباحث التوقف طويلاً عند هذه المفردة الشرعية الواردة بكثرة في الكتاب العزيز، ومن ثمَّ انتزاع فذلكة التطبيق الوارد في أحاديث النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ).
____________
(1) العسكري، مرتضى، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 525، عن كنز العمال: 13 / 106. (2) العسكري، مرتضى، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 525، عن كنز العمال: 13 / 101 و 105. (3) العسكري، مرتضى، معالم المدرستين، ج: 1، ص: 525، عن كنز العمال: 16 / 270.