القسم الثامن
الاحترامات الخاصة به (ع) وبجميع ما يتعلق به من الحمل الى يوم القيامة


فأولها:

الاحترام الخاص للزهراء عليها السلام اثناء الحمل به عليه السلام، وقول النبي صلوات الله عليه وآله لها: اني ارى في مقدّم وجهك نورا، وستلدين حجة لهذا الخلق، والقراءة عليها مكررا والقراءة على الماء ورشّه.

وقولها عليها السلام " كنت لا احتاج ايام حملي به في البيت المظلم الى مصباح "، وقولها (ع) " كنت اسمع التقديس والتسبيح منه في بطني، وقولها " اني كلما نمت رأيت في المنام شخصين نورانيين يقرءان عليّ "

وثانيها: الاحترام الخاص للتهنئة بولادته فقد صدرت خمسة اقسام من الوحي عندها، فأوحى الله الى رضوان خازن الجنان: أن زخرف الجنة، وطيّبها كرامة لمولود ولد لمحمد (ص)، واوحى الله الى الملائكة: ان قوموا صفوفا بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير، كرامة لمولود ولد لمحمد صلوات الله عليه وآله وسلم.

واوحى الله تعالى الى جبرئيل (ع) " ان اهبط الى النبي (ص) في ألف قبيل - والقبيل ألف ألف ملك، على خيول بٌلق مسرجة عليها قباب الدر والياقوت معهم الروحانيون بأيديهم حراب من نور ان هنئوا محمدا (ص) بمولوده " فتأمل في هذه الكيفية والجمعية الخاصة لهذه التهنئة.

ثالثها: الاحترام الخاص لتسميته فانه قال تعالى لجبرئيل (ع) بعد ذلك، واخبره: " اني سميته الحسين "، فالتسمية منه تعالى بالخصوص، وقد سمّاه في كتابه المجيد ووصفه باوصاف خاصة، وجعل تعالى له (ع) في السموات اسماء خاصة كما في الروايات.

رابعها: الاحترام الخاص لتعزيته فانه قال تعالى بعد التسمية بالحسين (ع) لجبرئيل (ع) بعد التهنئة: عزّه وقل له: ان امتك ستقتله.

خامسها: الاحترام الخاص لقابلته، فانه تعالى قد ارسل حورية خاصة، فائقة على الحور عند ولادته، فكانت قابلة له هي ومن معها من الحور العين.

سادسها: الاحترام الخاص لمهده، فقد عاذ الملك فطرس بمهده عليه السلام.

سابعها: الاحترام الخاص لتحريك مهده، حرّكت مهده الملائكة، وميكائيل.

ثامنها: احترام خاص لمناغاته في المهد، فجعل يناغيه في المهد جبرئيل عليه السلام.

تاسعها: احترام خاص لرضاعه فجعله من لسان نبيه وابهامه، مع ان لثدي الزهراء عليها السلام شرافة لا اشرف منها.

لكن حيث ان النبي المصطفى (ص) اشرف وافضل تحقق له بالنسبة اليه مصداق ما في زيارة جابر له حين قال " غذتك يد الرحمة ورضعت من ثدي الايمان وربيت في حجر الاسلام ".

عاشرها: احترام خاص للباسه، فاهدى اليه بالخصوص لباسا، قال فيه النبي (ص) حين البسه: هذه هدية اهداها إليّ ربي تعالى للحسين، وانا اُلبسه اياها، وان لحمتها من زغب جناح جبرئيل "

حادي عشرها: احترام خاص لقبره المبارك، فزاره قبل دفنه كل نبي من آدم الى الخاتم (ص)، ولم يُسمع ابدا بقبر قبل دفن صاحبه فيه.

ثاني عشرها: الاحترام الخاص لدمعه، كما في رواية الخشف من الغزالة، وسنذكرها.

ثالث عشرها: احترام خاص لدمه، فجعل الله تعالى حبيبه المصطفى (ص) يحيء فيلتقطه ويجمعه في قارورة خضراء، قد جاء بها ملك من الملأ الاعلى لاجل ذلك.

رابع عشرها: الاحترام الخاص للدمع الجاري عليه، فجعل الملائكة يجمعونه ويدفعونه الى خزنة الجنان، ثم خزنة يمزجونه بماء الحيوان.

خامس عشرها: الاحترام الخاص لمحل سيلان الدمع، فلا يرهقه قتر ولا ذلة.

سادس عشرها: الاحترام الخاص لمجلسه، كما سيجيء ذكره عند خواص المجلس المبارك.

سابع عشرها: احترام خاص من الله تعالى لشفاعته، بأن جعله شفيع الملائكة، وجعل وقتها يوم ولادته، وشفاعة غيره انما هي للناس يوم القيامة، فأعطاه هذه علاوة على تلك.

ثامن عشرها: الاحترام الخاص للتربة المحيطة بقبره الشريف بتفاوت القرب اليه من خمسة وعشرين ذراعا الى اربعة فراسخ، فلها فضائل متفاوتة بتفاوت القرب الى موضع مرقده، وقد اختارها لمدفنه يوم دحي الارض كما قال ذلك عليه السلام حين اراد الخروج من المدينة المنورة، فجعل الله تعالى لها خصوصيات.

الاولى: انها شرُفت على الكعبة المكرمة،كما ورد في بحار الانوار الجزء 44 الصفحة 331


فمن حديث كربلا والكعبةلكربلا بان علو الرتبـة

وقد يقال انها افضل من ارض الغري، وان لم تكن افضل من اصل مرقد امير المؤمنين علياً عليه السلام.

الثانية: انه ورد عن الباقر (ع) بأسانيد معتبرة، انه خلق الله تعالى هذه الارض قبل ان يخلق الكعبة باربعة وعشرين الف عام، وقدّسها وبارك عليها.

الثالثة: روي عنه عليه السلام ايضا باسانيد كثيرة، انه مازالت كربلاء قبل اخلق الله تعالى الخلق مقدسة مباركة، ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله افضل ارض في الجنة، وافضل منزل ومسكن يسكن الله تعالى فيه اولياءه في الجنة.

الرابعة: انه جعل هذه التربة ترعة من ترع الجنـة.

الخامسة: عن السجـاد صلوات الله عليه: انه اذا زلزلت الارض زلزالها، وسيّرها، رفعت كربلاء كما هي بتربتها النورانية صافية، فجُعلت في افضل روضة من رياض الجنة، وانها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب، يغشى نورها ابصار اهل الجنة، وهي تنادي انا ارض الله المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنت سيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنـة.

السادسة: ان التسبيح والاستغفار بحبات صنعت من تربته موجبان لتضاعف ثواب التسبيح لسبيعين.

السابعة: ان ادارة السبحة المباركة من تربة كربلاء بلا تسبيح توجب ثواب التسبيح.

أكرم بها من سبحة لحامل يحملها مسبحهِ.

الثامنة: انه اذا اخذ السبحة منها وقال صباحا: " اللهم اني اصبحت اسبحك واهللك واحمدك عدد ما اُدير به سبحتي " كتب ذلك ما دامت في يده، وكذا اذا قال حين نومه، واضعا لها تحت رأسه، كما في الرواية عن الامام السجاد صلوات الله تعالى عليه.

التاسعة: ان السجود على ترابها يخرق الحجب السبعة، ومعنى هذا الحديث اما خرق السموات للصعود، او المراد بالحجب: المعاصي السبع، التي تمنع قبول الاعمال، على ما في رواية معاذ بن جبل، وان السجود عليها ينوّر الارضين السبع

مسألـة: هل الفضل في السجود على التراب منها؟ او يشمل المصنوعة من الطين المتعارفة؟ روي معاوية بن عمار ان الصادق (ع) كانت له خريطة، اي: كيس او هميان، فيها تراب كان يفرشه، ويسجد عليه، وهذا يدل على افضلية التراب، ويدل عليها غيره من العمومات.

العاشرة: ان اكل كل طين حرام، وفي الرواية عن الصادق عليه السلام انه كلحم الخنزير ومن اكل فمات فلا يُصلى عليه.

الا من اكل طين قبر الحسين صلوات الله عليه للشفاء، والذي له شروط واداب بالنسبة الى مكان اخذه واخذه وموضع امساكه واكله والنية فيه، وعمدة ذلك النية، وفي الحديث عن ابي يعفور باسانيد كثيرة.

قال قلت لابي عبدالله عليه السلام: ياخذ الانسان من طين قبر الحسين (ع) فينتفه به، ويأخذه غيره فلا ينتفع به، قال (ع): لا والله الذي لا إله الا هو، ما ياخذه احد وهو يرى ان الله تعالى ينفعه به، الا نفعه الله تعالى به، وكذا يذهب اثره عدم الختم عليه فيتسمح به الجن والشياطين ويذهب اثره، كما في الروايات، وللختم عليه طرق.

الحادية عشرة: ان حمل طينه عوذة وحرز للمخاوف اذا حمله بهذه النية كما في الحديث.

الثانية عشرة: ان جعل طينه في المتاع للتجارة موجب للبركة فيها، كما في الرواية في كامل الزيارات 278

الثالثة عشرة: انه ورد: حنّكوا اولادكم بتربة قبر الحسين عليه السلام فانها امان،، ايضا نفس المصدر الآنف الذكر.

الرابعة عشرة: انه اذا جُعل مع الميت في قبره كان له امانا، كما ورد، وقد ورد ان امراءة كانت تزني وتحرق اولادها فلما ماتت ودفنت قذفتها الارض مرارا فجُعل معها بتعليم احد الائمة تربة الحسين عليه السلام، فلم يقذفها المدفن بعد ذلك.

الخامسة عشرة: انه يستحب خلط الحنوط بتربة كربلاء، كما في تهذيب الاحكام الجزء السادس صفحة 76

السادسة عشرة: ان الدفن فيها موجب لدخول الجنة بغير حساب.

السابعة عشرة: ان الحور العين تستهدي التربة من الملائكة النازلين الى الارض للتبرك بها.

الثامنة عشرة: ان هذه التربة قد حملها كل ملك واهداها الى النبي (ص) وقد اخذ النبي محمدا (ص) منها بنفسه وقد اخذ الحسين عليه السلام منها بنفسه، ايضا كما سنذكره.

التاسعة عشرة: انه قد دفن فيها قبل الحسين (ع)مائتا نبي ومائتا وصي ومائتا سبط كلهم شهداء كم في الرواية المعتبرة في كامل الزيارات 270.

العشرون: ان شمّها موجب لاراقة الدموع والعبرات، وقد تحقق ذلك قبل دفنه ايضا للنبي (ص) وبالنسبةالى الحسين نفسه (ع)، كما سنذكره في بيان اسباب البكاء.

الحادية والعشرون: ان هذه التربة قد انقلبت دما، اينما كانت عند انصباب دم الحسين صلوات الله عليه، كما يظهر من روايات كثيرة منها رواية التربة التي كانت عند ام سلمة والتي رواها العامة والخاصة، وقد اعطاها النبي المصطفى (ص) لها حين اتى بها جبرئيل (ع) الى النبي (ص) وحين اُسري به (ص) هناك.

فأتى بها (ص) بيده الشريفة واعطاها الى ام سلمة وهي تربة حمراء، فقال لها (ص) " احتفظي بها، فإذا صارت دما فإن ابني قد قُتل " قالت: فوضعتها في قارورة ز وكنت انظر اليها كل يوم، وابكي، حتى صار يوم العاشر من المحرم، نظرت اليها وقت الصبح فوجدتها على حالها.

ثم عدت اليها بعد الزوال فاذا هي دم عبيط، فصحت وصرخت، قالت ام سلمة: رأيت القارورة بين يديها ودمها يغلي.

وقد روي ان ام سلمة صلوات الله تعالى عليها ماتت يوم العاشر من المحرم حزنا على ولدها الحسين صلوات الله تعالى وسلامه عليه،وذلك بعد ان اقامت العزاء عليه مع جمع من نساء المدينة المنورة.

الثانية والعشرون: ان دخوله موجب للحزن الشديد كما هو مُشاهد بالوجدان، خصوصا اذا دنوت من القبر، خصوصا اذا نظرت الى قبر ابنه عند رجليه، في الرواية انه يرحمه من نظر الى قبر ابنه عند رجليه، كما جاء في كامل الزيارات 61، فهل ترحمه كذلك اذا تصورت حالهما.

الثالث والعشرون: ان هذه التربة مقبوضة بيد كل ملك زار النبي المصطفى (ص) ففي الرواية ان كل ملك اتى النبي (ص) كان معه شيء من تربة كربلاء، وكل نبي زار كربلاء فقد قبض منها وشمّها ومسّ جلده ترابها المبارك، فهي مقام كل الانبياء عليهم السلام الى يوم القيامة.

الرابعة والعشرون: من الاحترامات الاحترام الخاص الذي قدّره الله تعالى لها مقارنا مع هتك حرمته من كل هاتك اراد اذلاله فقرنه بإعزاز واحترام، إما من الهاتك نفسه، وإما من غيره مقارنا لهتكه بحيث يغلب على هتكه.

وقد لاحظت هذا المعنى من قضايا عديدة تقرب الى اربعين قضية، والحمد لله على إلهامه ذلك، وان اردت تصديق ذلك فلاحظ قضايا هاتكي حرمته والمجترئين عليه صلوات الله تعالى عليه.

فنقول: ان الاذلال والهتك للحرمة عنوان، والقتل والجرح عنوان اخر، وحيث ان من اللطف الواجب على الله تعالى ان لا يذل اولياءه ذلا ينفر عنهم القلوب.

فقد جعلهم مع الضعف والفقر والخصاصة الظاهرية يملأون العيون غنى وصولة وهيبة ووقارا وتمكينا في القلوب.

وقد جعل لسيدنا المظلوم في ذلك خصوصية فاول من احب قتله وهو معاوية أمر بإحترامه، وذلك عند وصيته ليزيد

وقوله له: اني اخاف عليك من الحسين عليه السلام، لكن اذا ظفرت به راع حقه، فانه فلذة كبد رسول الله تعالى صلى الله عليه وآله وسلم.

واول من اُمر بقتله، وهو الوليد حاكم المدينة، قال: اعوذ بالله تعالى ان ابتلي بدمه.

وقد احترمه ابن سعد عليه اللعنة، حين عزم على حربه، فأنشد أبياتا منها:


ءأترك ملك الري والري منيتياو اصبح ماثوما بقتل حسين
وقي قتله النار التي ليس دونهاحجاب ولكن لي في الري قرة عين

وقد احترمه شمر حين امر الناس بالهجوم عليه، فقال: انه كفء كريم ليس القتل عنده عاراً.

وقد احترمه من اشتغل بقتله بأقوال منها: اقتلك وأعلم ان الخصل العلي الاعلى، وقد احترمه حامل رأسه الى ابن زياد لعنه الله تعالى، فقال:


املأ ركابي فضة او ذهبااني قتلت السيد المهذبا
قتلت خير الناس اما واباوخيرهم اذا يُنسبون نسبا

فأمر ابن زياد بقتله

وقد احترمه الراضّون لجسده بأبيات عظّموه فيها، انظر الى اللهوف الصفحة 59

وقد احترمه يزيد لعنه الله تعالى، بمدحه له (ع) ورأسه المبارك بين يديه، وان الاحترامات المقارنة للهتك اذا لم تحصل من الهاتك نفسه ففي قضايا كثيرة من الذين هتكوا حرمته بألسنتهم:

منها قول من قال له يوم عاشوراء: يا حسين ابشر بالنار، فقارنه الله تعالى بأن عثرت فرسه فتعلقت رجله بالركاب فجرّته الفرس الى خندق النار في ساعته.

ومنها: قو من قال له ذلك اليوم: يا حسين اي حرمة لك من رسول الله (ص)، فابتلى تلك الساعة بأن خرج للحدث فلدغته حية وهو يتغوط وتلوث بحدثه ومات في ساعته.

ومنها: قول من قال له: انظر الى الماء حتى تموت عطشا فقال الحسين عليه السلام " اللهم أمته عطشا " فعرضت له حالة كان ينادي العطش فيُسقى قربة، ثم ينادي العطش حتى انقّدت بطنه ومات عطشا.

الخامسة والعشرون: الاحترام الخاص لاكله فانه قد اتحف من الجنة بثمرات حين اشتهاها، وهي في مواضع، منها حديث الرطب، والسفرجلة، والتفاحة، وكل طعام اهدي من الجنة الى جده (ص) وابيه وامه واخيه (ع) كانت عمدة استدعائه منه او لأجله.

السادسة والعشرون: التشريفات الخاصة للباسه، قد خصّ الله تعالى الحسن والحسين عليهما السلام، بأن اُهدي اليهما من ألبسة الجنة مرارا واختلاف اللونين في لباسهما. والسر فيه مشهور وعلى كل لسان مذكور، لكن خصّ الله تعالى الحسين عليه السلام بلباس خاص به

قالت ام سلمة: رأيت رسول الله صلوات الله عليه وآه يُلبّس ثوبا للحسين (ع) لم أر مثله في الدنيا فسالته فقال: هذه هدية اهداها ربي تعالى للحسين وانا اُلبّسه اياها، وان لحمتها من زغب جناح جبرئيل عليه السلام.

ثم ألبسه الله تعالى بعد ذلك عند عرائه ألبسه من حلل الجنة بيد الملائكة كما سيجيء تفصيلها ان شاء الله تعالى.

انتهـى العنوان الرابـع






العنوان الخامس
في بيان اللطف الرباني الخاص بالامام الحسين عليه السلام


الذي عبّر عنه بقوله " فوضع الله تعالى يده على رأس الحسين عليه السلام" وحيث انه كناية عن نهاية نظر الرحمة اليه فقد ظهر هذا في شيئين كما في الروايات الصحيحة:

الاول: ما ناله هو في نفسه.

الثاني: ما ينال الناس به.

اما الاول: فانه مرتبة خاصة من القرب لا نقدر على تقريرها بل ولا على تصورها، ومن فروعها جعل الامام في ذريته.

واما الثاني: فاُمور كثيرة: منها جعل الشفاء في تربته، والاجابة تحت قبته، وعمدتها واجّلها واعظمها، ان الله تعالى قد خصّه بصيرورته سببا عاما لرحمته على عباده وقد خلقهم لها فجعله بذلك عمدة التسبب، وحيث كان نبيه رحمة للعالمين جعل الحسين من النبي وجعل النبي المصطفى منه، ولذا قال (ص) " حسين مني وانا من حسين ".

فهو محل وضع يد الرحمة، ومن الرحمة، وغذته يد الرحمة، ورُبيّ في حجر الرحمة، ورضع من لسان الرحمة، ونبت لحمه ودمه وذاته روحه الزاكية من الرحمة، ونور بصر الرحمة، وهو جلدة ما بين عيني الرحمة، وريحانة الرحمة، ومجلسه صدر الرحمة، ومركبه كتف الرحمة، ومرتحله ظهر الرحمة، ومسيره الى الرحمة، ومعدن خاص للرحمة، ومجمع لاسباب الرحمة، وجامع وسائل الرحمة، ومنبع عيون الرحمة، ومشرع الواردين للرحمة، ومترع مناهل الرحمة، ومغرس حدائق الرحمة، ومظهر ثمرات الرحمة، ومنبت اغصان الرحمة، ومحرك مواد الرحمة، وسحائب فيوض الرحمة، وبه يتحصل الكون في موضع العفو و الرحمة، والدخول في سعة دائرة الرحمة، وبالرحمة عليه يتحقق كتب واسع الرحمة، وهو الرحمة الموصولة، والرحمة المرحومة، فهل في قلبك له عليه السلام رحمة فتكون من الباكين عليه رحمة فيصلي عليك رب الرحمة تبارك وتعالى؟، ويقال لك صلى الله تعالى عليك يا صاحب الرحمة، وهذا العنوان لبيان وسائل الرحمة به اجمالا وكثرتها وعمومها وبيان معادتلها مع كل الاعمال الشرعية والصفات الدينية.

ولنذكر اولا مقدمتين:

المقدمة الاولى: " أيحسب الإنسان أن يترك سدى "، لا تحسب ايها الانسان انك جئت سدى، ولا تحسب انك تترك سدى، ولا تحسب انك تذهب سدى، فان خالقك حكيم قادر غني منزه عن العبث واللهو، وقد وجدت بخطابات تكوينية بعد ان لم تكن شيئا مذكورا، فكنت ترابا بخطاب، ثم نطفة بخطاب، ثم علقة بخطاب، ثم عظاما بخطاب، ثم مكسوا بلحم بخطاب، ثم انسانا بخطاب، ثم افيض عليك العقل والقوى بخطاب من الله تعالى.

وهذه كلها خطابات تكوين منه تعالى لك، فلما تكونت بمقتضاها توجهت اليك اقسام من الخطابات التكليفية، وتفرعت عليها اقسام خطابات لك، واقسام خطابات بالنسبة اليك.

بيان ذلك: انك مخاطب الان باعتقادات، وبصفات وبفعل واجبات ومندوبات، بدنيات وماليات، وبترك صفات وافعال واقوال واموال، وبخطابات تعلمها اولا ثم تعمل بها، ثم انه قد توجهت اليك بعد ذلك خطابات ارشادية بالطاعات، والاستباق الى الخيرات، ابتغاء الوسيـلة الى الله تعالى، واتخاذ السبيل الى الله، واجابة داعي الله تعالى، والتزود الى الله، واقراض الله، و تقوى الله، والمجاهدة في سبيل الله، والمسارعة الى مغفرة الله تعالى ونحو ذلك.

وبعد توجه هذه الخطابات اليك، تتوجه اليك خطابات تكوينية يتحقق مؤداها بمجرد توجهها عند انقضاء اجلك.

فتخاطب روحك ممن له الامر بالمفارقة، وجسدك بالوقوع وقواك بالسقوط، وعينك بالظلام، وسمعك بالصم، ولسانك بالخرس، ويقال لك: اترك كل ما في يدك ومالك وما تراه بعينك كله دفعة واحدة.

فيتحقق كلٌ بمجرد الخطاب بهما، ولا تقدر على عدم اجابة هذا الداعي الالهي.

واذا تحقق ذلك فتصير معرضا لخطابات.

هي اثار الخطابات التكليفية الموتجهة اليك، وتختلف حالتك فيها باختلاف حالاتك في امتثالها.

فمنها خطابات: تتوجه اليك بعد تفرق اجزاء وجودك من روحك وجسمك باجتماع اجزاء جسدك وعود الروح كما انت الان، وهذه ايضا تتحقق الاجابة عليها بمجرد النداء بها.

ومنها: خطابات تتوجه اليك: بـ(إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً) فتأخذه اما بيمينك او بشمالك او وراء ظهرك، فتقرأه، فإما ان تقول: " يا ليتني لم اُوت كتابيه، ولم أدر ما حسابيه "، وإما ان تقول: " هآؤم اقرؤا كتابيه، إني ظننت أني ملاقٍ حسابه ".

ومنها: خطابات تتوجه من الله تعالى: فمنهم من يخاطب: " يا عبادِ لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون:، ومنهم من يُخاطب: " وامتازوا اليوم أيها المجرمون ".

ومنها: خطابات تتوجه الى ملائكة المحشر بالنسبة الى اهلها: فمنها " وقفوهم إنهم مسؤلون، ومنها بالنسبة الى المؤمنين حي تتلقاهم الملائكة " أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون "..

ومنها: بالنسبة الى بعض المذنبين: " خذوه فغلوه "، فياله من ماخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا اهله.

ومنها: " ثم الجحيم صلّوه ".

ومنها: " ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه "، وما ادراك بمعنى فاسلوكه، ان معناه ان يُسلك الشخص في حلقات السلسلة، لا كسلاسل يشد بها الشخص على ما هو المتعارف.

ومنها: خطابات الى الملائكة بالنسبة اليك: أما: " سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين " أو " خذوه فاعتلوه الى سواء الجحيم، ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ".

ومنها: خطابات تتوجه اليك تعجيزية: منها: " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا ".

ومنها: " أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق ".

ومنها: خطابات تهكمية: منها: " اصلوها فاصبروا او لا تصبروا سواء عليكم ".

ومنها: ذق إنك انت العزيز الحكيم ".

فهذه الخطابات السبعة الاخيرة فروع للخطابين الاولين التكليفي والارشادي، فلاحظ نفسك أيها امتثلا او تهيؤاً لها.

المقدمة الثانية: اعلم انك الان مصاب بمصيبة عظيمة ما اعظمها لو تصورتها.

وذلك من جهات:

الاولى: انك رمية المصائب العارضة واسير المنايا وهدف البلايا في حلقوم الرحى الدائرة، مساق الى الموت كل ساعة في النزع، وفي سفينة طوفانية ما تدري اي ساعة تغرق قد احاط بك الاخلاط التي لا بد ان تُقتل بأحدها، واحدق بك الاعداء كل يجرك الى طرف.

الثانية: مصيبة لك لا تحس بها ابدا ولكن كان عليا عليه السلام اذا ذكرها يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الثكلـى، وهي ان السفر بعيد، والمنازل مخوفة مهولة، والمورد عظيم خطير، والزاد قليل، والرجل حافية، ومالك موكب، والكف صفر، والطريق مخوف.

الثالثة: قد عظم بلاؤك، وافرط سوء حالك، فانت المحترق بالنيران المتعددة، انت الذي اشتغل قلبك وبدنك ولسانك وبطمك ورجلك بشعلات المعاصي، انت المقتول في معركة الذنوب، انت المأسور للنفس الامارة والشيطان، اعضاؤك مشتعلة النيران، قد توقدت على الظهور والبطون، والقلوب قد تقطعت اجزاء انسانيتها، وقد جرحت بمائة الف جرح من المعاصي، وقد وطأت خيول الضلال اعضاء هدايتك.

الرابعة: بلية عظيمة لا مناص عنها ولا خلاص، وهي انه ان بقيت هنا، فانت الان، اما فقير او غني، فان كنت فقيرا وكبرت سقطت قواك، وان كنت غنيا لم تلتذ بما عندك، فاجتمعت عليك مصائب الفقر الى من كان فقيرا اليك، وتأذى احب الناس اليك منك، فيرجو موتك من ترجو حياته، وينزعج كل واحد لاستبطاء موتك، فان ذهبت من هنا فالى قبر لم تمهده لرقدتك، ولم تفرشه للعمل الصالح لضجعتك، فاذا دخلته وبقيت فيه فوجه كالح والكالح هو التكشّر في عبوس او التعبس المفرط، وجسد خاوٍ، واعضاء معطلة مسودة، ومصاحبة للنمل والدود والعقارب والخنافس، وان خرجت، فالى محشر ارضه نار، وسقفه نار من الشمس، والجوانب نار من المعاصي، فان بقيت فكيف تبقى؟ وان ذهبت فالى اين؟

فلو عرفت انك مصاب بهذه المصائب، للبست السواد، وفرشت الرماد، وتركت الاهل والمال والاولاد.

قال عليا عليه السلام: " انكم لو تعلمون ما اعلم مما طُوي عنكم غيبه اذاً لخرجتم الى الصعداء تبكون اعمالكم وتلتدمون على انفسكم، ولتركتم اموالكم لا حارس لها ولا خالف عليها، ولهمّت كل امريء منكم نفسه "، فاشغلتكم هذه المصيبة عن كل مصيبة، ولو كانت في نفسك وولدك واخوانك.

تبيان: المراد بالصعداء هنا: الصحاري، والالتدام: ضرب النساء صدورهن او وجوههن للنياحة، وهمته اي: شغلته

واذا تمهدت المقدمات، فاعلم: ان خامس اهل الكساء، وسيد الشهداء ابا عبد الله الحسين عليه التحية والثناء.

قد امتثل لله تعالى خطابا خوطب به في صحيفة مكتوبة له خاصة، جاء بها جبرئيل عليه السلام من الله تعالى واودعها عند نبيه محمدا صلوات الله عليه واله، ثم سلمها (ص) الى عليا (ع) ثم علي الى الحسن (ع) ثم سلّمها الحسن المجتبى الى اخيه الحسين عليهما السلام عند وصيته، فامتثل خطابا خاصا من تكاليفه الخاصة، والخطاب الخاص هو: " اخرج بقوم الى الشهادة فلا شهادة لهم الا معك واشتر نفسك لله عز وجل "، نعم فامتثل عليه السلام خطابا خاصا من تكاليفه الخاصة.

حصل لمن توسل بوسائله، اطاعة التكاليف الارشادية، وامتثال الخطابات التكليفية، وتحمل مصيبة اُعطى بها اجر حصل لمن تمسك به ارتفاع جميع المصيبات، وتفرع على ذلك النجاة من العقبات، خوطب عند امتثاله ذلك التكليف الخاص بخطاب ارتفع به عن المتوسل به، التهكمية، والتعييرية من الخطابات.

ففي وسائله يحصل امتثال الامر بالطاعات، والامر بالصلاة والصيام والصدقات والحج والعمرة والجهاد والرباط، ويحصل ثوابها، ويحصل لك اعلى افرادها الذي يتصور وقوعه منك، وزيادة على ذلك انه قد يحصل لك اعلى افراد مالا يتصور وقوعه منك، مثل الصلاة والحج و الجهاد مع الني محمدا صلوات الله عليه واله، وزيادة على ذلك انه قد يحصل لك بحسب العدد والكم ما يستحيل وقوعه منك، مثل ان تحج مائة حجة.

وفي الوسائل الحسينية ما تحصل لك مائة الف حجة، وقد يحصل لك ما يستحيل وقوعه في نفسه لا منك خاصة، فالتشحط بالدم قتيلا لا يمكن الا دفعة واحدة، وفي الوسائل ما تكون الف مرة متشحطا بدمك في سبيل الله تعالى فبها ترتفع المصيبات المتحققة فيك الان وانت لا تشعر بها، وتندفع البليات التي انت معرض لورودها، وبها يحصل تسهيل العقبات التي انت مشرف عليها، وبها يحصل الامن من الاهوال والمخاوف في جادتك التي انت الان ماش عليها، وبها يحصل امتثال التكليفية والارشادية من الخطابات، وتحصل المحمودة من الصفات، وترفع تأثيرات المهلكات من الصفات، وبها تحصل المغفرة للعصيان الحاصل بارتكاب المنهيات، والفتح لما سدّ الشخص على نفسه من ابواب الجنان، وسدّ ما فتحه من ابواب النيران واطفاء ما احاط به الان من النيران، وبها حصول الدرجات، وبها ارتفاع الدرجات، وبها ارفع الدرجات، وفيها مالا يُتصور من الدرجات، ولتوضيح هذا المطلب نذكر عائدة

" تعِيَها اذن واعية " فيها عود وتكرر وتوضيح فاحضر قلبك واستمع.

واحترس، فانه قد توجهت اليك الان من ربك خطابات كثيرة انت في عهدتها

فالافاقة الافاقة، فلك بعد ايام، حالة قيامة صغرى عليك، تتوجه بالنسبة اليك خطابات تجري عليك، ما اصعبها.

الحذر الحذر، فلك بعد ذلك حالة تجري عليك ما اصعبها، الحذر الحذر، فلك بعد ذلك حالة وهي القيامة الكبرى تقوم عليها تتوجه بالنسبة اليك خطابات ما اعظمها وافظعها واهولها، فبالحسين يحصل امتثال خطابات لك، وبالحسين عليه السلام يسهل جريان خطابات، وبالحسين دفع ورفع لخطابات، فهنا ثلاث كيفيات: