الكيفية الاولى:
تفصيل لتحصيل امتثال الخطابات وهي على اقسام:
الخطاب الاول: خطاب العبادة، قال الله تعالى " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون "
وهذا خطاب ورد على لسان مائة والف وعشرين الف نبي وعلى لسان الاوصياء والصلحاء والملائكة والحكماء والعرفاء واهل الملل، فلاحظ نفسك هل عبدته بعبادة مطابقة لاحدى الملل السابقة، او لهذه الملة التي تدعيها الان؟.
ثم لاحظ زمانا لها، فهل عبدته في طول عمرك، او نصف عمرك، او بعض عمرك، او سنة من عمرك، او شهر او يوم او ساعة.
ثم لاحظ نفسك من اي عبّاده انت، فلست من عباده المكرمين ولا من عباده المصطفين ولا من عباده المخلـَصين ولا من الذين قال تعالى فيهم: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ".
ولا من عباده المؤمنين اذا لا صفة لك من صفاتهم.
ولا من عباده المتقين اذ لا علامة فيك من التقوى.
ولا من عباده المسرفين الذين قال تعالى فيهم: " لا تقنطوا من رحمة الله "، فإنه قال:" وأنيبوا إلى ربكم "، ولست من المنيبين المخاطبين، بـ (لا تقنطوا).
ثم لاحظ عبادتك له تعالى، وليست عبادتك عبادة الاخلاص الخاص.
بل ولا كعبادة العبيد تكون خوفا من ناره.
بل ولا عبادة الاُجراء تكون طمعا في جنته.
وليتنا اكتفينا بعدم عبادته تبارك وتعالى بقسم من الاقسام، بل عبدنا من دونه عدونا وعدوه، ولسنا اكتفينا بواحد بل عبدنا الهوى وعبدنا الدينار والدرهم.
وعبدنا ما لا يحصى عدده، وليتنا اكتفينا بقسم من اقسام العبادة، بل عبدناه بجميع ما يُتصور من اقسامها.
فاذا عرفت حالتك بالنسبة الى عبادة ربك تعالى فاعلم انه يمكن ان تنال بالحسين الشهيد عليه السلام دخولك في جميع اقسام العبادات وعبادتك طول عمرك، ويمكنك ان تنال به (ع) مرتبة العبودية بجميع انواعها واقسامها، وبيان ذلك:
فيه مطالب:
الاول: اذا زرت الحسين (ع) حصلت لك من مراتب عبادة المكرمين، وهم الملائكة، وذلك ان علو مراتبهم انما هو بمراتب عبادتهم، وقد يحصل لزائر الحسين (ع) صلاة الملائكة وتسبيحهم وتقدسيهم وطول عبادتهم الى يوم القيامة، وفوق ذلك تكون الملائكة نوّابا عنه في زيارة الحسين (ع) الى يوم القيامة، وسنذكر الروايات بعد ذلك ان شاء الله.
وبهذا يظهر لك معنى الروايات ان من زار الحسين (ع) كان من عباد الله تعالى المكرمين.
الثاني: اذا زرت الحسين (ع) حصلت لك من مراتب عباده المصطفين، وهم الانبياء سلام الله عليهم اجمعين، فإن من بعض خواصها الكون مع النبي صلوات الله عليه وآله، والاوصياء في درجاتهم والاكل معهم على موائدهم ومصافحتهم ودعاءهم لك وحديثهم معك وسلامهم عليك، وسنذكر تفصيل الروايات في ذلك.
الثالث: بخصوصيات وسائل الحسين (ع) تحصل لك من مراتب عبادة الصالحين والمخلصين والمؤمنين والزاهدين والخائفين، كما سيظهر تفصيلها من الروايات الخاصة، وكما يحصل بها لك من مراتب العباد كلهم يحصل لك ثواب العبادات كلها من خطابات الصلاة، والزكاة والحج والعمرة والجهاد، والمرابطة، والوقوف والصدقات والمستحبات، وثواب اعلى الدرجات و النيات وثواب عبادة العمر كله لا بل الدهر كله، كما يتبين ذلك عند ذكر التفصيلات.
الرابع: من الوسائل الحسينية ما يحصل لك منها خصوصية نداء العباد المسرفين المنيبين المخاطبين بقوله تعالى " لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً "، فإنه تحصل بالبكاء عليه سلام الله عليه ويحصل من الزيارة له مغفرة الذنوب جميعا، لا الذنوب الماضية فقط، بل قد تحصل مغفرة الذنوب المستقبلة، لا ذنوبك جميعا، بل قد تحصل مغفرة جميع ذنوب والديك، لا ذنوب والديك معا، بل قد تحصل مغفرة ذنوب من احببت جميعا، كما جاء في كتاب كامل الزيارات 152و154و166 وبحارالانوار جزء 98الصفحة 26
وسيُعلم هذا عند ذكرالروايات في التفصيل ان شاء الله تعالى
الخطاب الثاني: " يا أيها الناس اتقوا ربكم "، وهذا كالخطاب الاول، خلاصة كلام كل نبي بل هو وصية كل نبي ومضمون كل كتاب سماوي، وهو على اقسام، وتحصل بوسائل الحسين (ع) ثمرات جميع اقسامه واعلاها، اي خطاب المتقين يوم القيامة بقوله تعالى " يا عبادِ لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون "..
اذ بمثل هذا يُخاطب من زار الامام الحسين عليه السلام عارفا، كما سيجيء بيانه عند التفصيل في العنوان الاتي
الخطاب الثالث: الانفاق في سبيل الله تعالى، " وأنفقوا في سبيل الله "، وقد يحصل بالحسين (ع) جميع افراد الانفاق، من الاعطاء والاطعام والسقي والزكوات والصدقات وكل معروف هو صدقة، بل يحصل منه ما يستحيل حصوله بغيره عليه السلام، ففي بعض خصوصيات وسائله ما يكتب لك بها ثواب سقي عسكر الحسين المظلوم صلوات الله تعالى عليه وفي يوم عاشوراء، وذلك بالنسبة لمن سقى الماء في عاشوراء عند قبره المبارك.
فهل تحبون ان تسقوا عسكر العطشان الان وان لم تكونوا عند قبره ولم يكن ليل عاشوراء:
فكل موضع يرى قبره | وكربلا كل مكان يرى |
فاذا تصورته واحترق قلبك على حالاته صار قلبك موقفه ومدفنه، فاسق عنده الماء من عينيك وبذلك تكون قد سقيته وسقيت عسكره وعياله واطفاله ومن كان معه.
الخطاب الرابع: خطابات الجهاد " وجاهدوا في الله حق جهاده "، وهو قسمان: اكبر واصغر، والقاتل سعيد فيهما فالمقتول في الاول شهيد، لكن المقتول في الثاني طريد، ولست بقاتل ولا مقتول في الاول، ولا في الثاني، ولكن يمكن ادراك ذلك بالحسين الشهيد عليه السلام.
وفيه مطالب:
الاول: اذا تمنيت ان تكون شهيدا مع الامام الحسين عليه السلام وقلت: يا ليتني كنت معكم، كان لك من الثواب مثل من اسشهد معه، كما جاء في امالي الصدوق الصفحة 112و113 وكذلك في بحار الانوار.
اقول: هنا يتحقق هذا الامر مع الحب والاتباع والتأثر الصادق بولائهم عليهم السلام، والناس في هذا مراتب ودرجات متفاوتة كلٌ بحسب قابليته وتعلمه وايمانه وقبل كل شيء توفيق الله تعالى له ولطفه عليه، وليس حديثا نجريه على اللسان.
الثالني: اذا احببت عمل الشهداء شاركتهم، كما في رواية جابر قال: نعم اشهد لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.
الثالث: اذا زرت الحسين (ع) في ليلة عاشوراء وبتّ عنده حتى الصباح لقيت الله تعالى ملطخا بالدم كمن قتل معه.
الرابع: وهو يفوق اصل الجهاد، فإن الجهاد قد تحصل به الشهادة وقد لا تحصل، وفي هذه الوسائل ما يحصل من ثواب الجهاد والشهادة والتشحط بالدم.
الخامس: ما فاق على ذلك، فان التشحط بالدم في سبيل الله تعالى انما يتحقق مرة واحدة، وفي الوسائل ما يحصّل ذلك مرات عديدة.
الخطاب الخامس: " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى "، واحسن الزاد ما طاب وبلغ المنزل.
وزيارة الحسين (ع) نِعم الزاد لهذا السفر الطويل، فانه نافع في كل منزل، وطيب، قد فاق كل زاد وليس هو زاداً لك وحدك، بل زاداً لغيرك ايضا، فانك قد تأخذ بيد من احببته فتدخله الجنة.
الخطاب السادس: " وأقرضوا الله قرضاً حسناً "، والوسائل بالحسين عليه السلام قرض حسن لله تعالى، وقرض حسن لحبيبه المصطفى صلوات الله عليه وآله، وقرض حسن لعلي بن ابي طالب عليهما السلام، وقرض حسن للزهـراء البتول فاطمة سلام الله تعالى عليها، وقرض حسن للمظلوم المسموم الحسـن المجتبى عليه السلام وقرض حسن للحسين الشهيد سلام الله عليه، ويضاعف الله تعالى لك في كل قرض لكل واحد منهم اضعافا كثيرة لا يعلم عددها الا الله تعالى.
الخطاب السابع: " استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لِما يحييكم " وقد دعانا رسول الله محمد (ص) فيما يتعلق بالحسين (ع)، الى اسباب لحصول الحياة الابدية الحقيقية، من المحبة له (ع (والنصرة والبكاء والزيارة واحياء امرهم بذكرهم...... الخ. بالتفاصيل السابقة واللاحقة.
الخطاب الثامن: " وقدّموا لأنفسكم "، وهذا تقديم للنفس، وتأخير لها ايضا، يلحق ويتجدد حصول ثوابه لعد موتك.
الخطاب التاسع: " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم "، و" استبقوا الخيرات "، ويحصل بالحسين عليه السلام اسرع المغفرة، فان الذنوب تـُغفر بالبكاء عليه بمجرد دوران الدمع في الحدقة، وبزيارته بمجرد النية والعزم.
الخطاب العاشر: خطابات الدعاء " اُدعوا ربكم تضرعاً وخـُفية "، وتـُنال بوسائله ثمرات الدعاء لكل حاجة تدعو لها، وينال به (ع) مع ذلك اذا زرته دعاء رسول الله تعالى محمد (ص)، ودعاء عليا وفاطمة والحسن والائمة عليهم السلام، ودعاء الملائكة.
وفي الرواية الاخرى: ان زائره لا يضع قدمه على شيء الا دعا له، وانه عليه السلام يسأل الله تعالى لك الدعاء اذا زرته، وبكيت عليه من حدّه وابيه، وقد دعى الامام الصادق) ع) في ايام حياته وهو ساجد باك لمن قلّب خده على قبر الامام الحسين (ع) ولمن جرى دمعه عليه، ولمن صرخ لأجله.
الخطاب الحادي عشر: " كونوا أنصار الله "، والله تعالى اجّل من أن يحتاج الى نصرة، انما هو الغني المطلق الخالق الباريء، لكن من سعة رحمته جل جلاله ان جعل نصرة اوليائه ودينه هي نصرته تبارك وتعالى، وكلما كان المنصور من اوليائه مستضعفا مقهورا مظلوما، كان تحقق نصرة الله تعالى فيه اظهر واجلى.
قال الامام الصادق (ع) " بابي المستضعف الغريب بلا ناصر "، فزيارة هذا الغريب الشهيد (ع) نصرة له، والبكاء نصرة له، واقامة عزائه نصرة له وتمني نصرته نصرة له، بل اقول السجود على تربته نصرة له، والتسبيح بسبحة تربته نصرة له، فان الفضيلة المجعولة فيهما من الاعواض الخاص التي اعطاها الله تعالى له)ع) كما سنذكرها في عنوانها ان شاء الله تعالى.
الخطاب الثاني عشر: " أجيبوا داعي الله "، وداعي الله تعالى هو النبي محمدا (ص) الذي دعى الى الاسلام، ويتلوه الحسين (ع) الذي دعى الى الايمان، واظهر الدعوة الى الايمان، وأبان الامر عن بطلان ما اعتقده الناس من خلافة اهل العصيان، وجميع وسائله اجابات لِما دعى اليه، كما يظهر بالتأمل فيها حتى اني اقول: ان الاستشفاء بتربته اجابة لدعوته فتأمل في ذلك لتفهم.
الخطاب الثالث عشر: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة "، والحسين الشهيد عليه السلام اعظم وسيلة نبتغيها، فإن وسائله عظيمة ميسرة سهلة الحصول، فيها ما هو غاية المأمول وفوق المأمول.
الخطاب الرابع عشر: " فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيـلاً "، والحسين امامنا (ع) السبيل الاعظم والصراط الاقوم وأنهج السبل، وهذه المذكورات انموذجا وقانون.
فقس عليها غيرها من الخطابات الالهية، وجميع ما في القرآن من قبيل ذلك، كالخطابات بالتجارة المنجية والرابحة، فقس مالم نذكرعلى ما ذكرنا، ولا تتوهم اغراقا ولا مبالغة.
الكيفية الثانية
تصوير انه يسهل بالحسين (ع) جريان الخطابات التكوينية عند قيام القيامة الصغرى عليك اعني موتك وايامها، اعني برزخك.
فنقول:
ان من وسائله الاستعبار عليه، وتغيير الاحوال عند تذكر ما صُنع به، بحيث لم يتهنأ من طعام ولا شراب، ومن خواص ذلك انه يحضره النبي (ص) والائمة (ع)، ويلقونه بشارة وتحية يفرح بها فرحة تبقى في قلبه الى يوم القيـامة.
فيسهل بها جميع ما يرد عليه من خطابات الاحتضار، والبرزخ الى غير ذلك، من كيفيات التسهيل التي نبينها في التفصيل.
الكيفية الثالثة:
كيفية رفه الخطابات التهكمية والتعجيزية، وخطابات الاخذ والجر والغلّ والسلك في السلسلة، وغير ذلك.
وينال بالوسائل الحسينية تبديلها بخطابات الملاطفة والمرحمة، او دفعها او رفعها، وذلك ان النبي (ص) قد ضمن انه يزور من زاره يوم القيامة، فقال (ص) " ضمنت على الله تعالى وحق عليّ ان ازور من زاره يوم القيامة.
فقال صلوات الله عليه واله: فآخذ بعضده فأنجيه من اهوال القيامة وشدائدها، حتى اصيّره في الجنة "، ومع عظم هذه الكيفيات فلا يكتفى بها بل وزيادة على ذلك فهي الباقيات الصالحات، والاعمال المقبولات اللاحقات.
فبالحسين الشهيد عليه السلام قد اطفئت النيران، وبه (ع) قد فـُتح باب عظيم للجنـان، سمي بباب الحسين (ع) به يحصل الدخول من كل باب، فهو الباب والمفتاح لابواب الجنان، والمغلاق لطبقات النيران، فهلموا الى الوسائل الحسينية وابشروا فان فيها مع ما ذكرناه علاوة عجيبة، وطريفة مبشرة، ونعمة عظيمة، ومنة من الله تعالى جسيمة، وذلك ان في التسبيبات الحسينية خصوصية اخرى تفوق على جميع التسببات وتزيد على جميع الاعمال الصالحات.
من جهات:
الاولى: ان نهاية ثمرة الاعمال الخلاص من النار، وقد فاقتها ثمرة التسبيبات بأنه يحصل بها التخليص للغير من النار ايضا.
الثانية: نهاية ثمرتها دخول الجنة، وقد فاقت هذه بأن فائدتها ادخال الغير الى الجنة ايضا.
الثالثة: نهاية ثمرتها ان يُرزق الشرب من الكوثر، فيصير الشخص شاربا منه، وهذه قد فاقت بأنه قد يحصل بها كون الشخص ساقيا عند الكوثر.
الرابعة: نهاية ثمرة الاعمال الصالحة ان ترقى اعمالك في كتاب الحسنات، فتؤتى كتابك بيمينك تقرؤه، وقد فاقت بأنه قد يحصل بها ان يكتب في كتابك من اعمال افضل العابدين لله تعالى، اعني من اعمال نبيه المصطفى صلوات الله تعالى عليه واله، وهو افضل المخلوقات.
الخامسة: نهاية ثمرتها ان لا يحال بينك وبين محمداً (ص) يوم القيامة، فتستشفع به الى الله تعالى، وهذه قد يحصل منها ان النبي (ص) يتفحصك ويطلبك ويأخذ بعضدك وينجيك من اهوال القيامة.
السادسة: نهاية ثمرة الاعمال الجنة والحو ر الرضوان، ولكن في بعض الروايات: انه يثاب الباكون عليه (ع) بان يجلسوا تحت العرش في صحبته ويتحدثوا معه، فتـُرسل الحور اليهم: إنا قد اشتقناكم، فيأبون الذهاب ويختارون حديث الحسين (ع) على الجنة والحور.
السابعة: نهاية ارتفاع الدرجات ان ترتفع درجة الشخص على بعض المؤمنين والوسائل الحسينية قد فاقت على ذلك بأنها توجب ان يكون الشخص مع افضل النبيين (ص (وامير المؤمنين (ع) في درجاتهم ويأكل معهم على موائدهم.
الثامنة: نهاية الاعمال الصالحة حصول الرضوان من الله تعالى، وهو اكبر واعظم من الجنان، وهذه فاقت بأنه قد يحصل منها ام يكون من محدثي الله تعالى فوق عرشه، كناية عن شدة القرب.
التاسعة: نهاية ما يحصل لك في تجهيزك بعد موتك ان يغسلك صالح جيرانك، وان تكفن بخالص حلالك ويصلى عليك من حسن ظاهره من العلماء، او الصلحاء، وفي تسبيبات الحسين (ع) ما يوجب ان يصلي على جنازتك الروح الامين مع الملائكة المقربين (ع)، ويكفنوك بأكفان الجنة، ويحنطوك بحنوط منها.
العاشرة: نهاية الاثار والاعمال اللاحقة للشخص والباقيات الصالحات التي لا ينقطع عمله منها: ان تبقى مدة مديدة بعد موته، فيعمل النائب عنه من الناس، او يهدي اليه من اعمال الناس فيصل اليه عشر ثوابه لو كان صحيحا، او ينتفع شخص بعلمه او فرسه او مائه او مسكنه او قنطرته.
او يكون له ولد صالح يستغفر له، وهذه لا تبقى بحسب العادات أزيد من ألف سنة، فان الزمان وحالاته متبدلان متغيران، ولكن في هذه الوسائل ما يوجب ان تكون الملائكة بعد موتك نوابا في العمل عنك الى يوم القيامة، فكل ثوابهم يكتب لك، ولا يستبدل باوضاع الزمان.
الحادية عشرة: نهاية الترقي لك ان تكون من عباد الله الصالحين، وفي الوسائل الحسينية، ما يجعل الشخص من ملائكة الله المقربين، لا بل ان لا تعجب اقول من الكروبيين، وهم سادات الملائكة المقربين، كما دلت عليه الروايات المعتبرة، وسيجيء تشخيص مصاديق هذه في عنوان التفاصيل بعون الملك الجليل.
الثانية عشرة: نهاية الاعمال الصالحة ثبوث اجر متصور، وفي هذه اجر لا يتصور اذ لم يتبين لاحد، فهو درجة من ارفع الدرجات، ولا شيء فوقه، فلنكتف بهذا الاجمال.
ولنشرع في التفصيل وحيث ان عمدة هذه الوسائل تأثر القلب بالبكاء عليه، وتوجه القلب اليه بالزيارة فنذكرهما في عنوانين ونجعل لباقي الوسائل كلها عنوانا ثالثا فنقول بحول الله وقوته.
انتهى العنوان الخامس
العنوان السادس
في خوصياته (ع) المتعلقة بالخشوع لتذكّره
والرقة والبكاء عليه واقامة مجالس المآتم والرثاء
وفيه مقدمة، ومقاصد:
قال الله تعالى " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق "، يعني بعد ما اتاكم من العقل والتدبير وبعدما شاهدتم الايات في الانفس والافاق والسماوات والارض، وفي كل ذرة وورقة، وبعد ما رأيتم العبر والغِيَر في الغافلين وبعد ما تليت عليكم الايات، وبعد ما عمرتم، ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير من بين ايديكم ومن خلفكم، وتكاثرت عليكم الاصوات المنادية الواعظة لكم، وبعد ما مرّ عليكم دهر في الاسلام وادعائكم وانتحالكم له، ألم يئن ان تخشع قلوبكم لذكر الله تعالى، فاذا ذكرتموه كنتم من المؤمنين، " الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم "، وكففتم عن المعاصي.
ألم يئن للذين آمنوا وعرفوا عظمة ربهم تعالى ان تخشع قلوبهم لذكر الله اذا قاموا بين يديه وخاطبوه فيكونوا من المؤمنين " الذين هم في صلاتهم خاشعون "، فقد انتهى العمر ولم تصل ركعتين خشوعا لله تعالى، فصل لربك صلاة واحدة، فلعلها تكون صلاة وداع.
ألم يئن للذين امنوا وعرفوا ان لا نافع الا الله تعالى، ولا ملجأ الا له تعالى، ان تخشع قلوبهم لذكر الله، فلا يكونوا من الذين لا يرون شيئا الا ويرون الله بعده، او الذين لا يرون شيئا الا ويرون الله تعالى معه، او قبله.
ألم يئن للذين امنوا اذا اُفنيت اعمارهم يوما في البعد عن الله، ولم يذكروه يوما ولا ساعة ذكرا نافعا، ان تخشع قلوبهم لذكر الله آناً واحدا لغلبة خوف واضطراب، فلعله يكون توبة الى ربهم.
ورجوعا اليه بعد انقطاعهم عنه، فيكون لهم وصل بعد الاعراض والقطع، ولا يموتون حين هم عن ربهم محجوبون.
ألم يئن للذين امنوا بالله ورزقهم الله معرفة اوليائه، ان تخشع قلوبهم لذكر الحسين الشهيد (ع) فيبكون عليه فانه من خشوع القلب لذكر الله.
كما ان من والاه فقد والى الله، ومن عاداه فقد عادى الله، ومن احبه فقد احب الله، ومن اعتصم به فقد اعتصم بالله، ومن زاره فقد زار الله، ومن خشع قلبه لذكره فقد خشع قلبه لذكر الله تعالى، ومن انكسر قلبه لمصابه ومصاب اولياء الله تعالى فانه يكون صاحب قلب يحبه الله تعالى فيفيض عليه من عنايته الخاصة.
ألم يئن ذلك خصوصا اذا دخل المحرم وهلّ عاشوراء، اما ترى الناس ذوي كربة قد خُنقت منهم القلوب بالبكاء، فيا ايها الذين امنوا هذا اول خشوع القلب لذكر الامام الحسين (ع) الراجع الى ذكر الله تعالى، فاذكروا الله ذكرا كثيرا بذكر الحسين (ع) ذكرا راجعا الى ذكر الله تعالى، واقامة عزائه بما يرجع الى خشوع القلب لذكر الله تعالى.
والمراد بقولي: الراجع الى ذكر الله سبحانه، ان خشوع القلب لذكر الحسين عليه السلام
له اقسام:
منها ما يرجع الى ذكر الله، ويكون لله تعالى، والفرد الكامل منه لمن خلص ايمانه، يكون خشوع قلبه للحسين (ع) من القسم الراجع الى خشوع القلب لذكر الله، نظير اصل ذكر الله، والتسبيح بحمده والخضوع له، فان كل مخلوق يسبح بحمد ربه تبارك وتعالى، ويخضع له، ويسجد له سجودا تكوينيا، ولكن الفضيلة للتكليفي الجامع للشرائط، وكذلك خشوع القلب له (ع) ومسألة بطلان الصلاة بالبكاء على الحسين (ع) وحكمه يتوقفان على تشخيص هذه الاقسام.
فكل بكاء على الامام الحسين عليه السلام يكون من خشوع القلب لذكر الله تعالى لا يبطل الصلاة، وما كان لمحض الرقة البشرية ففيه اشكال فتأمل.
ولنفصّل الكلام في بيان هذا المطلب الشريف ببيان اقسام خشوع القلب للحسين (ع) وبيان ما يتعلق بالرثاء له في ضمن مقاصد بعون الملك الوهاب.
المقصد الاول: في المنشأ الباطني للخشوع وسبب حصوله.
المقصد الثاني: في البواعث الخارجية الموجبة للبكاء المختصة به.
المقصد الثالث: في كيفيات الرقة والرجزع والبكاء عليه.
المقصد الرابع: في المجالس المنعقدة لذكر مصيبته والبكاء عليه.
المقصد الخامس: في صحف الرثاء والكتب التي رثته قبل شهادته وعندها.
المقصد السادس: في خواص مجالس البكاء.
المقصد السابع: في خواص البكاء من حيث الصفات.
المقصد الثامن: في فضائل البكاء وتأثيره وثوابه.
المقصد التاسع: في خواص البكاء لنيل الاجر والثواب.
المقصد العاشر: في خواص العين الباكية.
المقصد الحادي عشر: في خواص الدمع الجاري.
المقصد الثاني عشر: في خاتمة المقاصد، والحمد لله.
المقصد الاول
في المنشأ الباطني للبكاء وسبب حصوله
اعلم ان منشأ البكاء قد يكون سببا ملحوظا للباكي، وقد يكون غير ملحوظ.
فهو نوعان:
النوع الاول: ما كان بلحاظ سبب ملحوظ واقسام البكاء بالسبب الملحوظ ثمانية:
القسم الاول: لعلقة مع صاحب العزاء، واعظم العلقات الابوة، ولذا قرن الله تعالى حق الوالدين بالتوحيد، قال تعالى " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً "، وذلك لانهما علة الايجاد الصوري لك.
فاذا كان حق علة الايجاد الصوري بهذه المرتبة فلعله الايجاد الصوري والمعنوي احق بهذا الحق، فالوالد الحقيقي النبي والوصي سلام الله عليهما، وقضى ربك بالاحسان اليهما، وكما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعليا المرتضى عليه السلام " يا علي انا وانت أبَوَا هذه الامة "، ولا ريب ان اقامة العزاء والبكاء على الحسين (ع) احسان الى النبي والوصي والزهراء صلوات الله عليهم، بل في بعض الروايات في تفسير قوله تعالى " وبالوالدين إحساناً "، ان الوالدين الحسـن والحسين عليهما السلام،، فالبكاء عليه احسان الى الوالد ابتداءً.
والوجه في ان البكاء احسان: ان الاحسان ايصال النفع وعمدة النفع الاعزاز والاحترام، والبكاء اعزاز للاموات والمقتولين.
ولذا سأل النبي إبراهيم عليه السلام ربه تعالى في ابنة تبكيه بعد موته، ولما سمع النبي صلى الله عليه وآله نساء الانصار يندبن قتلى اُحد قال صلوات الله عليه ووعلى آله " اما حمزة فلا بواكي له " فأمر الانصار نساءهم ان يندبن حمزة فسمع النبي محمداً المصطفى (ص) فدعا لهن.
وقد جاء ايضا: انه مرّ النبي (ص) بنسوة من الانصار يبكين ميتاً فزجرهن عمر فقال النبي (ص) دعهن يا عمر، فإن النفس مصابة، والعين دامعة، والعهد قريب، ولما بكت نساء اهل المدينة على قتلى اُحد قال النبي (ص) " لكن حمزة لا باكية له "، فسمع ذلك اهل المدينة فلم يقم لهم ماتم بعدها الى اليوم إلا ابتدأ النساء فيه بالبكاء على حمزة....... ".
نكتة: حمزة سيد الشهداء عليه السلام تحققت له بعض اجزاء تجهيز الموتى من الكفن والصلاة والدفن والتشييع وغير ذلك الا النوادب، فعظم ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولكن الامام الحسين (ع) سيد الشهداء لم يكن له شيء من ذلك الا النوادب، بل قد زيد في ابتلائه مقابل ابتلاء الحمزة عليهما السلام خلاف التمثيل بالجسد باستخراج كبد الحمزة، فقد زاد بلاء الحسين على الحمزة بالرض قبل وبعد الشهادة و تقطيع الجسد المبارك اربا اربا فكان الجرح على الجرح والطعنة فوق الطعنة وتكسير الضلوع والبدن السليب وقطع الاصبع وضرب الجبهة والغدر والموت عطشا وتقتيل اهل بيته واولاده واخوته وابناء اخوته وابناء عمومته قبل شهادته...........، حتى نادت اخته المباركة زينباً الكبرى عليها السلام بصوت حزين اخذت تنادي رسول الله صلى الله عايه وآله وسلم ليشهد الندبة، لكن قد منعوهن فيها، بل ومن البكاء، بل ومن اجراء الدمع، حتى اشبعوها ومن معها من الاطفال والنساء ضربا بالسياط حتى اسودت اجسامهم من شدة الضرب والزجر لهن وللاطفال
فهلم نبكي عليه وعلى مصاب محمداص وأهل بيته الاطياب (ع) بكاء قرابة حقيقية ان كنا من الموالين بأدنى درجات الولاء والانسجام معهم ومع خطهم القويم، فمن لا يبكي كذلك فهو عاق قاطع الرحم.
القسم الثاني: الرقة لعلقة الالتحام التي هي من اعظم القرابة نظير العضو من الانسان اذا عرضه مرض ووجع يكون الوجع في الكل، ومن هذه الجهة بكاء الحور العين، ولطمهن على الامام الحسين (ع) في الجنان التي هي دار السرور وذلك لان لكل من المخلوقات مادة، وقد خلقت الحور العين من نور الحسين (ع)، فهي ملتحمة به (ع) ومع ذلك كيف يمكن ان يكون واقعا على الارض تحت سنابك الخيل ورأسه المبارك على الرمح ودمه الطاهر مسفوك على الارض وفؤداه مثقوب وكبده مقرح وقلبه محترق ونساءه واطفاله مسبيات قد حرقت خيامهن قبل شهادته وسبين بعد شهادته.........، وتبقى الحور في القصور بأنعم بال واحسن حال!!.
ومن جملة اقسام البكاء: بكاء الشيعة عليه هذا القسم ايضا، وذلك في رواية عن الصادق (ع) قال: " شيعتنا منا وقد خُلقوا من فاضل طينتنا، وعُجنوا بنور ولايتنا، ورضوا بنا ائمة، ورضينا بهم شيعة، يصيبهم ما اصابنا، ويبكيهم ما ابكانا، ويحزنهم حزننا، ويسّرهم سرورنا، ونحن ايضا نتألم بتألمهم، ونطلع على احوالهم، فهم معنا لا يفارقونا ونحن لا نفارقهم "، ثم قال (ع " (اللهم ان شيعتنا منا فمن ذكر مصابنا وبكى لأجلنا، استحى الله تعالى ان يعذبه بالنار ".
وفي حديث الاربعمائة عن امير المؤمنين (ع) " ان الله تبارك وتعالى اختارنا، واختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، ويبذلون انفسهم واموالهم فينا، اولئك منا والينا ".
فدّلت هذه الرواية على ان مخلصي الشيعة اختارهم الله تعالى كما اختار الشهداء، بل شهادتهم.
وفي ذلك علامات كما استدل الرسول الاكرم (ص) من المحبة الخاصة للطفل الذي رآه يلعب مع الامام الحسين (ع) على انه يكون من انصاره في واقعة كربلاء.
فلاحظ علاقة الشيعة في نفسك وهلمّ نبكي عليه لذلك فان من لا يبكيه ولا يواليه ولو بأدنى درجات الولاء، فانه يكون لا علاقة له معه، ومقطوع عنه، فهلمّ نتألم لمصابه.
فالحسين (ع) يتألم لآلامنا ايضا وكفى بذلك عزة لنا وفرجا، وانه عليه السلام يصلنا ايام تالمنا في احلك عواقب حالاتنا، اللهم صلي على محمداً حبيبك المصطفى وآله الاطهار المعصومين وعجّل في فرجهم يا الله.
القسم الثالث: الرقة على المصيبة، لكون المصاب صاحب حق عليك، والحقوق كثيرة.
منها: حق الايجاد: وهو حق الوالدين والاجداد، والحسين (ع) له علينا هذا الحق، فإن وجودنا ووجود آبائنا ببركة وجوده.
ومنها: حق الاسلام والايمان: وهو ثابت لكل مسلم على كل مسلم، فكيف يكون حق من صار سببا لهدايتنا الى الايمان.
فإن الحسين (ع) قد فدى نفسه لهذا الدين، ومعنى هذا انه لو لم يتحمل تلك المصائب والمصاعب لما كان هناك اسلام ولا مسلمين، ولا نقول الا كما قال المصطفى (ص) " الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء "، وهكذا اقتضت حكمة الله تعالى ان يكون دوام الاسلام وحفظه بالحسين عليه السلام ووكما جاء ايضا بالحديث المبارك ان الله تعالى أبى أن بجري الامور الا باسبابها " والحمد لله عز وجل.
وذلك انه لما استولت بنو امية، لعنهم الله، على البلاد، واظهروا الفساد، سعوا جاهدين في اخفاء الحق حتى شبّهوا الامر على الناس، بحيث جعلوا سبّ الامام امير المتقين علي عليه السلام من اجزاء الصلاة، وادخلوا في اذهان الناس ان بني امية ائمة الاسلام حقا، ورسخ هذا الباطل في اذهان الناس منذ طفولتهم، حيث انهم اجبروا المعلمين على ان يلقّنوا الاطفال والاجيال في مكاتبهم ومدارسهم هذا الامر فاعتقد الناس ان هؤلاء ائمة الدين، وان مخالفتهم ضلالة.
فلما قتل الحسين عليه السلام ومن معه بهذه الكيفية، وسبيّ من سبيّ بهذه الطريقة المخصوصة، تنبه الناس والتفتوا الى ان هؤلاء لو كانوا ائمة حق ما فعلوا ذلك ابدا.
ورأوا ان فعلهم هذا لا يطابق دينا ولا مذهبا ولا عدلا، بل ولا يطابق جور الجائرين على مر التاريخ.
فعدلوا عن الاعتقاد بهم، وتبرؤوا منهم، وعدل - من هداه الله - الى الحق وظهرت الشيعة بشكل جليّ وواضح بعد ان كانوا مستضعفين مظلومون.
واما السنة فعدلوا عن اعتقاد خلافتهم، وعلموا انهم حكّام جور، وجوّزوا لعنهم، والحقيقة ان الاهتداء الى الدين الحق بعد ذلك الانحراف بدأ من ثورة الحسين عليه السلام.
ومنها: حق الزاد والملح فإن به حياة كل شيء: وبه ينزل الغيث وينبت النبات، فجميع طعامك وشرابك انما هو ببركته
ومنها: حق الإحياء: اوليست حياتنا الحقيقية اعني الروحية والايمانية هي ببركة الحسين عليه السلام،؟ اوليست اعمالنا كلها بهدايته لنا؟!
ومنها: حق الاسلام: وسلامتنا الحقيقية مرجوة من الحسين عليه السلام.
ومنها: حق الوداد: فهل يودّ شخص شيعته مثل الحسين (ع)؟! الذي هو الى يمين العرش ينظر الى زواره والى الباكين عليه؟ كما جاء في الروايات المعتبرة.
ومنها: حق التعب: فلو ان شخصا اصابه صدع او جرح يسير بسببك لكنت خجلا منه ابدا، وبصدد تدارك تعبه، افلا تكون بصدد تعب الحسين عليه السلام وما اصابه؟ وليت شعري بأي شيء نتدارك تعبه لنا؟ ابهذه القطرات من الدمع؟ ام بالسير الاعتقادي والعملي على نهجه المحمدي القويم؟ وهل نحن صادقين بهذا؟
فهلّموا نبكي عليه لأداء حقوقه علينا، فمن لا يبكيه لا عهد له ولا وفاء، ولا ننسى ان البكاء عليه هو ادنى درجات الوفاء لهم.
القسم الرابع: الرقة على المصاب، لانه كبير وجليل، فان لمصاب الكبير، خصوصية توجب رقة القلوب عليه ولو كان اجنبيا بل ولو كان كافرا بل ولو كان عدوا، وبذلك جرت سيرة الملوك ايضا كما في قضية ذي القرنين مع دارابن دارا
وقد جرى حكم الشارع ايضا على ذلك، ولذا رمى النبي المصطفى (ص) ثوبه لعدي ابن حاتم زمن كفره ليجلس عليه وقال: اكرموا عزيز قوم ذل، ولأجل هذا لم يسلب علي (ع) ثياب عمرو بن عبد ود لما قتله، بل ولا نزع درعه، مع انه لم يكن له نظير، فقيل له في ذلك فقال (ع) " انه كبير في قومه وما اُحب هتك حرمته في بقائه عاريا ".
ولأجله ايضا جعل الشارع لبنات ملوك الكفار اذا اُسرن واسترققن حكما اخر من الاحترام فيخّيرن ولا يعرضن على البيع في الاسواق.
فهلمّوا نبكي عليه بكاء العبد على سيده، وبكاء له لانه جليل وكبير هتكت حرمته وسلب ثوبه ودير بحريمه واطفاله اسارى من بلد الى بلد حتى طُمِعَ فيهن كالجواري، فمن لا يبكيه كذلك لا مقام له ولا يعرف قدر احد.
القسم الخامس: " الرقة على من كان ذا صفات حميدة، فإن حسن الصفات ومحمودها توجب الرقة على المتصف بها وان لم تعرفه، بل قد ورد عن الشرع احترامه ولو كان كافرا، كما اوحى الله تعالى الى موسى النبي عليه السلام: لا تقتل السامري فانه سخي.
وكما نزل جبرئيل عليه السلام من الله تعالى بالنهي عن قتل احد اسرى الكفار لكونه يطعم الطعام.
فمصاب صاحب الصفات الحسنة يؤثر في القلب اياً كان هذا الشخص، خصوصا المصاب بما يقابل مقتضى هذه الصفات.
فاذا رأيت من كان يهب الألوف قد احتاج الى لقمة خبز يسأل الناس عنها لرق قلبك عليه بالخصوص، كذا من كان ذا حياء مهانا في ملأ من الناس وهكذا.
فاذا لاحظت صفات سيد الشهداء وخصوصياتها ونظرت الى التطابق بينها وبين خصوصيات مصائبه كان ذلك موجبا لرقة خاصة عليه وبكاءً مخصوصا عليه.
فهلمّوا نبكي عليه بكاء مقابلا لصفاته الحميدة العليّة، فاستمع لمصائب خاصة في مقابلة صفات خاصة: