العنوان السابع
في خصوصيات زيارته التي هي اعظم الوسائل الحسينية
وهي تذكر في ابواب:
الباب الاول: في فضائلها الخاصة، وهي من جهات عديدة.
الباب الثاني: في فضيلة خاصة تذكر وحدها مستقلة لامتيازها.
الباب الثالث: في الصفات الخاصة الحاصلة للزائرين.
الباب الرابع: في صفة خاصة للزائرين، تذكر وحدها لامتيازه.
الباب الخامس: في احكامها الشرعية.
الباب السادس: في شروطها وادابها الشرعية.
الباب السابع: في الاثار المترتبة على تركها.
الباب الثامن: في زياراته المخصوصة بالاوقات.
الباب التاسع: في الابدال المجعولة بالاوقات.
الباب التاسع: في الابدال المجعولة لزيارته لطفا من الله.
الباب العاشر: في الخطابات المخصوصة به في الزيارات.
الباب الحادي عشر: في بيان زواره قبل شهادته.
الباب الثاني عشر: في بيان زواره بعد شهادته.
الباب الاول
في فضل الزيارة الخاصة
وهي من احدى عشرة جهة:
الجهة الاولى: الجامعية
اعلم ان الله سبحانه قد اقتضت حكمته البالغة ان يكلف عباده باعمال خاصة، واجبات، ومندوبات لها في حصول التقرب اليه اثار خاصة، نحو الاغذية للابدان بالنسبة الى طعومها وخواصها فلا يغني احدها عن الاخر.
ولذا ذكر بعض المحققين: انه لا ينبغي ان يطلب الانسان الافضل من العبادات المندوبة ويقتصر عليها، لفوات الخصوصيات.
وقد خص هذه الطاعة بأن جمع لها خواص كل عبادة واجبة ومندوبة قولية وفعلية بدنية، وقلبية وان لم يسقط التكليف بواجباتها فإن ذلك امراً اخر.
اما الصلاة: التي هي افضل الاعمال وعمود الدين فحصولها بطريقين:
الاول: ما يتحصل من الصلوات عند قبره اذا زرته، وتضاعفها بلا نهاية.
الثاني: ما يحصل بصلوات سبعين ألفا من الملائكة، الذين تعدل صلاة كل واحد منهم صلاة ألف من الادميين، كما في الروايات فانهم يصلون عند قبره، وثواب صلاتهم للزائرين له.
واما الزكاة: فانه يحصل له بكل زيارة ثواب الف زكاة متقبلة، كما في الرواية.
واما الحج: الذي هو افضل الاعمال حتى من الصلاة، فان فيه صلاة ايضا، وقد ورد انها حجة واحدة، واثنتان، وعشر وعشرون واثنتان وعشرون وثمانون ومائة ومائة وألف وكل خطوة بحجة وكل رفع قدم بعمرة. وفي رواية بشير الدهان في زيارة عرفة: " ان الرجل منكم ليغتسل على شاطيء الفرات ثم يأتي قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقه فيعطيه الله تعالى بكل قدم يرفعها ويضعها مائة حجة مقبولة، ومائة عمرة مبرورة."
وقد زادت هذه المعادلة في بعض الروايات بكون الحجة مع رسول الله المصطفى (ص) ففي بعضها حجة مع الرسول مقبولة زاكية. وفي بعضها اثنتان كذلك، وبعضها عشر، وفي بعضها ثلاثون مع الرسول محمد (ص) متقبلة زاكية، وفي بعضها خمسون معه، وفي بعضها مائة معه (ص)، ثم قد زادت المعادلة زيادة اعجبت العقول وهي انها تبلغ حج الرسول (ص) بنفسه، لا الحج معه، لا واحدة من حججه (ص) فقط بل ازيد، وذلك في رواية عائشة وقد ذكرت سابقا، وفياخرها: قال المصطفى (ص) من زاره كتب الله له تسعين حجة من حججي بأعمارها.
وهذا الاختلاف محمول على اختلاف مراتب الزائرين بحسب قوة ايمانهم، ودرجات معرفتهم بالله عز وجل وبحق النبي محمد (ص) وأهل بيته (ع) وبحق الحسين (ع (بالخصوص، ومقدار اليقين بفضيلته وخصائصه التي من جملها خصوصية قوله (ص) " وانا من حسين.
فيتفرع على ذلك ببعض الوجوه ان زيارته تعادل حج النبي (ص)، ولعل من جملة الوجوه ان زيارته تعادل حج النبي المصطفى (ص) ولعل من جملة الوجوه للمعادلة بحج النبي (ص) ان الزائر اذا توجه اليه شوقا وحبا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقد حج البيت الحقيقي لله تعالى بقلب يناسب قلب النبي (ص) في حبه، ويرتبط به لذلك فاذا حضر عند قبره، او وجّه قلبه اليه من بُعد البلاد، وزاره بكربة قلبه لما جرى عليه فكأنه قد قصده بقلب النبي (ص) فاذا كان قلب النبي (ص) يرق عليه حين يركب على ظهره وهو ساجد، وينزل من على ظهره برفق الى الارض، فليتصوره زائره حين يقع الحسين عليه السلام على الارض بضربة رمح من صالح بن وهب المزني، وليجبر قلبه بسلامـه عليه ويتحفه بذلك، فيكون كقصد النبي (ص) اياه، كذلك وحيث ان الحسين)ع) اعظم واكرم على الله تعالى من البيت بفضيلة تصل الى التسعين وبتفاوت درجات الايمان، والوقوف على التسعين من الاسرار التي خصّت بالنبي صلوات الله تعالى وسلامه عليه.
واما الصدقة: فان في زيارته ثواب الف صدقة مقبولة، كما في الرواية الصحيحة.
واما الصوم: فان في زيارته ثواب الف صائم، كما في الحديث الصحيح.
واما الاعانة في سبيل الله تعالى فان من زاره يكون كمن حمل على الف فرس في سبيل الله مسرجة ملجمة.
واما الجهاد والغزو: فان في زيارته اجر الف شهيد من شهداء بدر، بل ويحصل منها التشحط بدمه في سبيل الله.
واما العتق: فان في ثواب زيارته عتق الف نسمة اُريد بها وجه الله، وقد ورد ان من زار قبر الحسين عليه السلام ماشيا كتب الله بكل قدم يرفعها وكل قدم يضعها عتق رقبة من ولد اسماعيل.
واما الذكر والتسبيح: فقد ورد انالله يخلق من عرق زوار الحسين (ع) كل عرقة سبعين الف ملك يسبحون الله ويقدسونه ومنها التسبيح والتهليل والذكر بغير ذلك وفي زيارة الحسين (ع)ادراك ثواب الذاكرين لله تعالى من الملائكة المقربين.
ومنها الصلة للرحم والاحسان الى اهل الايمان: وزيارته صلة لرحم رسول الله (ص) الذي هو الوالد الحقيقي، واحسان الى رسول الله (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة من وُلد الحسين (ع)، واحسان الى الحسين (ع) الذي هو الاحسان.
ومنها الاطعام في يوم ذي مسغبة: يتيما ذا مقربة او مسكينا ذي متربة اذا زرته بقولك: السلام على المطروح بالعراء.
ومنها الزيارة للمؤمن: والسلام عليه واكرامه ولو بمتكأ، او مجلس، او تعظيم، وهذا سيد المؤمنين وزيارته اتحاف له بتحفة المحبة والتعظيم.
ومنها القرض له قرضا حسنا: وقد سمى الله تعالى القرض للمؤمن المضطر قرضا لله، فاذا اقرضت امام المؤمنين المضطر الغريب عن الوطن، والذي هجره الناس كلهم عن كل شيء، حتى بقي جسده لا يقربه احد، بقصدك اليه، والى قربه وزيارته، فهذا اعظم قرض لله، وما ادري كيف يضاعفه الله وماذا يبلغ الاجر الكريم الذي وعده لقرضه قرضا حسنا.
ومنها عيادة المريض: وقد جعل الله عتاب تركها ان يقول لتاركها: عبدي قد مرضت ما عدتني، وزيارة الحسين عليه السلام اذا تأملت في حقيقتها فهي عبادة، وليست عيادة مريض اصيب بحمى او بصداع لتتفقد حاله! وانما هي عيادة لجريح عطشان، لا بل عيادة لمكروب لهفان، لا بل عيادة للمرضضة اعضاؤه، وقد ذكرت الزهراء عليها السلام هذا المضمون في زيارتها له وهي
على قبره في الرؤيا الصحيحة:
أيها العينان فيضا | واستهلا لا تغيضا |
وابكيا بالطف ميتا | ترك الصدر رضيضا |
لم امرّضه قتيلا | لا ولا كان مريضا |
فاذا قصدته عند قبره فاقصد عيادته فكأنك مرّضته قتيلا، وعدته مطروحا، واذا دخلت روضته ترى ذلك في تأثيرات النظر الى قبره الشريف.
ومنها التجهيز للمؤمن خصوصا الغريب: وفضله لا يحصى، وزيارة قبر الحسين (ع) تشييع للجنازة المطروحة، وغسل وتكفين للبدن العاري، ودفن في القلب، فتـُحصّل له قبرا باطنا اذا توجهت اليه عند قبره عليه السلام.
ومنها ادخال السرور في قلب المؤمن: الذي هو افضل الاعمال وهو المثال عند جميع الاهوال، وقد ورد في زيارته عن الصادق عليه السلام: لو يعلم زائر الحسين ما يدخل على رسول الله (ص) وما يصل اليه من الفرح، والى امير المؤمنين والى فاطمة والى الائمة (ع) والشهداء منا اهل البيت، وما يصيب من دعائهم له في ذلك من الثواب في العاجل والاجل والمذخور له عند الله تعالى، لاحبّ ان يكون ما ثَمّ داره.
بيان: قوله: ما ثم داره، بالثاء المثلثة او بالتاء المثناة، ومعناه على الاخير ماتم في داره، يعني ما استقر في داره.
ومنها زيارة الحسين عليه السلام: ومن العجائب انه تحصل بزيارة الحسين (ع) زيارة الحسين (ع) بل بزيارته مرة زياراته الى يوم القيامة، وذلك في رواية صحيحة عن صفوان سنذكرها بعد ذلك.
الجهة الثانية: انقسام الخواص والفضائل على حالات الزائر، فان زائره ينال في كل حالة من حالاته فضيلة تفوق الفضائل، وقد جمعت من الاحاديث الصحيحة المعتبرة وهو ست عشرة فضيلة
في ست عشرة حالة:
الاولى: اذا همّ بزيارته: قال الصادق (ع) " ان لله ملائكة موكلين بقبر الحسين (ع) فاذا همّ الرجل بزيارته اعطاهم الله ذنوبه، فاذا خطى محوها، ثم اذا خطى ضاعفوا له حسناته، فلم تزل حسناته تضاعف حتى توجب له الجنة، واذا اغتسل حين همّ بزيارته ناداه محمد المصطفى (ص) يا وافدا لله تعالى ابشر بمرافقتي في الجنة، وناداه علي المرتضى (ع)انا ضامن لقضاء حوائجكم، واكتنفا عن يمينه وشماله حتى ينصرف ". هذا لفظ الرواية عن الصادق عليه السلام.
الثانية: اذا اخذ في جهازه تباشر به اهل السماء.
الثالثة: اذا انفق في جهازه يعطيه الله تعالى بكل درهم انفقه مثل احد من الحسنات، ويخلف عليه اضعاف ما انفق، ويصرف عنه من البلاء مما قد نزل ليصيبه.
وفي رواية ابن سنان يجب لهم بالدرهم الف والف والف حتى عدّ عشرة، ثم قال: ورضا الله خير له، ودعاء محمد صلى الله عليه واله وامير المؤمنين ودعاء الائمة (ع) خير له.
الرابعة: اذا خرج من منزله شيّعه ستمائة ملك في جهاته الست.
الخامسة: اذا مشى لا يقع قدماه على شي الا دعى له، فاذا خطى كان له بكل خطوة خطاها الف حسنة، واذا كان في سفينة وانكفأت بهم نودوا ألا طبتم وطابت لكم الجنة، واذا رفعت دابته يدها كان له بكل يد رفعتها الف حسنة.
السادسة: اذا اصابته الشمس اكلت ذنوبه كما تأكل النار الحطب، كما عن الصادق عليه السلام.
السابعة: اذا عرق من الحر او التعب، فقد روي في المزار الكبير: انه يخلق من عرق زوار الحسين عليه السلام في كل عرقة سبعون الف ملك، يسبحون الله ويستغفرون لزوار الحسين (ع) الى ان تقوم الساعة.
الثامنة: اذا اغتسلوا بماء الفرات للزيارة تساقطت ذنوبهم، ثم ناداهم محمدأً المصطفى (ص) " يا وافدا لله تعالى ابشر بمرافقتي في الجنة ثم ناداهم علي امير المؤمنين (ع) انا ضامن لقضاء حوائجكم ورفع البلاء عنكم في الدنيا والاخرة. "
التاسعة: اذا مشى بعد الغسل، كتب الله تعالى له بكل قدم يرفعها او يضعها مائة حجة مقبولة، ومائة عمرة مقبولة، ومائة عزوة مع نبي مرسل الى اعدى عدو له.
العاشرة: اذا دنى من كربلاء استقبلته اصناف الملائكة، منهم الاربعة الاف جاؤوا لنصرته يوم عاشوراء، ثم اُمروا بمجاورة قبره ومنهم سبعون الفا، ومنهم اعداد اُخر، قد ذكرنا تفصيلها في عنوان ما يتعلق بالملائكة.
الحادية عشرة: اذا زار القبر نظر اليه الامام الحسين عليه السلام ثم دعى له، ثم يسأل اباه وجده ان يستغفروا له، ثم تدعوا له الملائكة، ثم يدعو له جميع الانبياء والرسل، ثم يكتب له جميع ما ذكرنا من ثواب مجموع العبادات، ثم تصافحه الملائكة، ثم يوسم بوجهه من نور العرش، هذا زائر ابن خاتم الانبياء (ص) وسيد الشهداء (ع).
الثانية عشرة: اذا رجع الى اهله شيعته اصناف من الملائكة، فيشيعه بالخصوص جبرئيل وميكائيل واسرافيل، ويشيعه الاربع الاف، ويشيعه السبعون الفا، ويشيعه بالخصوص ملكان، فاذا انصرف ودعّاه وقالا له: يا ولي الله مغفور لك، انت من حزب الله، وحزب رسوله (ص) وحزب اهل بيته (ع) والله لا ترى النار بعينك ابدا، ولا تراك ولا تطعمك ابدا، ثم ناداه مناد: طوبى لك طبت وطابت لك الجنة.
الثالثة عشرة: اذا مات بعد ذلك بسنة او سنتين شهدوا جنازته، واستغفروا له بعد موته، ثم يزوره الحسين عليه السلام، وزيارته يمكن ان تكون اول الموت، او عند وضعه في القبر ليلة الوحشة، فيا غرباء القبور، يا اهل الوحدة فيه، يا اهل الوحشة فيه، يا من يعلم انه اذا خرجت روحه فلا يزوره احد زيارة مواجهة، بل لو زارك شخص يقف عليك بفاصلة ذراعين من الطين بينك وبينه، يا من تنقطع الصلة بينه وبين الناس جميعا فلا يراهم ولا يرونه.
اذا زرت الحسين (ع) فانه يجيء اليك في ذلك الوقت، مجيء مواجهة تراه ويراك، فهل تحتمل ان تبقى في قلبك - بعد زيارته لك وقوله لك: السلام عليك - وحشة او خوف او كربة!؟؟
وبمقدار زيارتك له وتكرارها، وشوقك اليه وتعلقك به وادخال السرور على قلبه وموالاته بصدق قولا و عملا سوف يزورك ويؤنسك في وحشتك.
اللهم يسر لنا سبل رضوانك وحبك ومعرفتك يا كريم
الرابعة عشر: اذا مات في طريق الزيارة، فقد ورد عن الصادق (ع) انه قال: " تشيعه الملائكة وتأتيه بالحنوط، والكسوة من الجنة، وتصلي عليه اذا كفن، وتكفنه فوق اكفانه، وتفرش له الريحان تحته، وتدفع الارض حتى تصور من بين يديه مسيرة ثلاثة اميال، ومن خلفه مثل ذلك، وعند رجليه مثل ذلك، وعند رأسه مثل ذلك، ويفتح له باب من الجنة الى قبره، ويدخل عليه روحها وريحانها حتى تقوم الساعة ".
الخامسة عشرة: اذا حبس وهو في طريقه، او ضرب، فقد ورد في ذلك عن الصادق (ع) ان له بكل يوم يحبس ويغتم، فرحة الى يوم القيامة، قلت له: فان ضرب بعد الحبس في اتيانه؟ قال (ع " (له بكل ضربة حوراء، وبكل وجع يدخل عليه الف الف حسنة، ويمحى بها عنه الف الف سيئة، ويرفع له بها الف الف درجة، ويكون من محدثي رسول الله (ص) حتى يفرغ من الحساب، ويصافحه حملة العرش، ويقال له سل ما احببت، ويؤتى بضاربه للحساب فلا يسأل عن شيء، ولا يحتسب بشيء، ويؤخذ بضبعيه اي: بعضديه حتى ينتهي به الى ملك يحبوه اي: يعطيه ويتحفه بشربة من الحميم وشربة من الغسلين، ويوضع على جبال في النار، ويقال: ذق ما قدمت يداك فيما اتيت الى هذا الذي ضربته، والمتضرر من سبيل الحسين (ع": (هو وفد الله تعالى ووفد رسوله (ص) ويؤتى به الى باب جهنم ويقال انظر الى ضاربك وما قد لقي، فهل شفيت صدرك؟ وما قد اقتص لك منه؟ فيقول: الحمد لله الذي انتصر لي ولولد رسوله منه.
السادسة عشر: اذا قتل في سبيله، فقد ورد في الحديث عن الصادق (ع) انه قال: (اول قطرة من دمه يغفر له بها كل خطيئة، وتغسل طينته التي منها خلق الملائكة حتى تخلص كما خلصت الانبياء والمخلصين، ويذهب عنها ما كان خالطها من اجناس طين اهل الكفر، ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ ايمانا، فيلقى الله تعالى وهو مخلص من كل ما تخالطه الابدان والقلوب، وتكتب له الشفاعة في اهل بيته، ولألف من اخوانه، وتُولى الصلاة عليه الملائكة مع جبرئيل وملك الموت، ويؤتى بكفنه وحنوطه من الجنة، ويوّسع قبره عليه، وتوضع له مصابيح في قبره، ويفتح له باب من الجنة، وتأتيه الملائكة بالتحف من الجنة، ويرفع ثمانية عشر يوما الى حظيرة القدس، فلا يزال فيها مع اولياء الله تعالى حتى تصيبه النفخة التي لا تبقي شيئا، فاذا نفخت النفخة الثانية، وخرج من قبره كان اول من يصافحه رسول الله (ص) وامير المؤمنين (ع) والاوصياء صلوات الله تعالى عليهم، ويبشرونه ويقولون له: إلزمنا، ويقيمونه على الحوض، فيشرب منه، ويسقي من احب).
الجهة الثالثة: انها تخلص من الذنوب تخليصا خاصا، قد عبّر عنه فيما يقرب الى اربعين حديثا من الصحاح المعتبرة، بأنه يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وفي احاديث اُخرى انه يصير كيوم ولدته امه، وفي بعضها يمحص من الذنوب كما يمحص الثوب الوسخ في الماء.
ومن عجائب ذلك انه قد ورد في رواية اخرى ان ذلك كله بأول خطوة، ثم يقدس بكل خطوة بعدها، ثم تبلغ مرتبته بأن يناجيه الله بقوله: " عبدي سلني اعطك ".
وفي رواية: " انه يجيئه ملك بعد صلاة الزيارة، فيقول له: ان رسول الله صلوات الله عليه واله، يقرؤك السلام ويقول: قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل.
الجهة الرابعة: انه يصير مع ذلك سببا لخلاص غيره ايضا، ففي الرواية، عن سيف التمار عن اب عبدالله عليه السلام قال: زائر الحسين (ع) مشفع يوم القيامة لمائة رجل كلهم قد وجبت لهم النار.
الجهة الخامسة: ان كل عمل ينقطع وان بقي ثوابه، وزيارة الحسين (ع) بحسب الوقوع ايضا متصلة الى يوم القيامة لا تنقطع عن الزائر.
بيان ذلك: انه روى صفوان عن ابي عبدالله (ع): ان الرجل اذا خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين (ع) شيّعه سبعمائة ملك من فوق رأسه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله ومن خلفه، حتى يبلغوا به مأمنه، فاذا زار الحسين عليه السلام ناداه مناد: قد غُفر لك، فاستأنف العمل، ثم يرجعون معه مشيعين الى الى منزله، فاذا صاروا الى منزله قالوا: استودعك الله تعالى، فلا يزالون يزورونه الى يوم مماته، ثم يزورون قبرالحسين (ع) في كل يوم وثواب ذلك للرجل
الجهة السادسة: انه يدرك بها ما يستحيل وقوعه، وهو ثواب الحج مع المصطفى محمد (ص) وذلك في روايات عديدة، ألطفها ما رواه موسى بن القاسم الخضرمي، قال: قدم ابو عبدالله (ع) في اول ولاية ابي جعفر وهو المنصور الدوانيقي الخليفة العباسي فنزل النجف، فقال: يا موسى اذهب الى الطريق الاعظم فقف على الطريق، وانظر فانه سيجيئك رجل من ناحية القادسية، فاذا دنى منك، فقل له هاهنا رجل من ولد رسول الله (ص) يدعوك فسيجيء معك.
قال: فذهبت حتى اقمت على الطريق، والحر شديد، فلم ازل مقيما حتى كدت اعصي وانصرف وادعه، اذ نظرت الى شيء مقبل شبه رجل على بعير، قال: فلم ازل انظر اليه حتى دنى مني، فقلت له: يا هذا هاهنا رجل من ولد رسول الله (ص) يدعوك، وقد وصفك لي، قال: اذهب بنا اليه، فجئت به حتى اناخ بعيره ناحية قريبا من الخيمة، قال: فدعى به فدخل الاعرابي اليه، فدنوت انا فصرت الى باب الخيمة اسمع الكلام ولا اراهما، فقال ابو عبدالله (ع): من اين قدمت؟
قال: من اقصى اليمن.
قال: انت من موضع كذا وكذا؟
قال: نعم انا من موضع كذا وكذا.
قال: فبما جئت هاهنا؟
قا: جئت زائرا للحسين عليه السلام.
فقال ابو عبدالله (ع)، فجئت من غير حاجة ليس الا الزيارة؟؟
قال: جئت من غير حاجة ليس الا ان اصلي عنده وازوره واسلم عليه وارجع الى اهلي.
قال له ابو عبدالله (ع): وما ترون في زيارته؟
قال: نرى في زيارته البركة في انفسنا واهلينا واولادنا واموالنا ومعائشنا وقضاء حوائجنا.
قال له ابو عبدالله: افلا ازيدك من فضله فضلا يا اخا اليمن؟
قال: زدني
قال: ان زيارة ابي عبدالله (ع) تعدل حجة مقبولة زاكية مع رسول الله (ص) فتعجب من ذلك، فقال: اي والله وحجتين مبرورتين زاكيتين مع رسول الله (ص) فتعجب، فلم يزل ابو عبدالله يزيد حتى قال: ثلاثين حجة مقبولة مبرورة زاكية مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
الجهة السابعة: انه يدرك بها ثواب ما يستحيل وقوعه في نفسه، وهو ان يكون حجك حج الرسول نفسه (ص) وقد ورد في رواية عن عائشة قد ذكرناها سابقا.
الجهة الثامنة: انه قد حلف الله تعالى ان لا يخيب من زاره، وذلك في رواية ابن محبوب عن ابي جعفر الباقر عليهما السلام، قال: ان الحسين (ع) صاحب كربلاء قتل مظلوما عطشانا لهفانا، فالى الله عزوجل على نفسه ان لا يأتيه لهفان ولا مكروب ولا مذنب ولا مغموم ولا عطشان ولا به من عاهة ثم دعى عنده وتقرّب بالحسين عليه السلام الى الله تعالى الا نفـّس الله كربته، واعطاه مسألته، وغفر ذنوبه، ومدّ في عمره، وبسط في رزقه، فاعتبروا يا اولي الالباب.
الجهة التاسعة: خصوصية مخصوصة هي لها نهاية المأمول، وهي التي ورد في الرواية: انه اذا رآه الله ساهر الليل تعب النهار، نظر اليه نظرة توجب له الفردوس الاعلى.
الجهة العاشرة: تأثيراتها الخاصة:
فمنها: ما في الروايات الكثيرة من انها تزيد في الاعمار، وتزيد في الارزاق، وورد في زيارة عرفة انها تورث الاطمئنان في العقائد الحقة، ورفع الشبهات، وهذا الاثر اعلى من كل اثر فإن كل اثر يتوقف عليه.
ومنها: انها تدفع مدافع السوء وبعض ميتات السوء.
ومنها: انه يدخل في من يضمنه النبي (ص)، وذلك في خمسة عشر حديثا، مضمونها انه ضمن لمن زاره او اباه او اخاه او امه ان يزوره يوم القيامة ويخلصه من اهوالها وشدائدها.
الجهة الحادية عشر: غرائب فضائلها:
فمنها: انها افضل من زيارة الامام اذا كان حيا، وزيارته في حياته، فاذا كان الصادق (ع) مثلا حيا، وذهبت لخدمته وتكلمت معه وتكلم معك، فزيارة الحسين (ع) الان افضل من ذلك، كما ان ابن ابي يعفور قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام لما زرته: دعاني الشوق اليك أن تجشمت اليك على مشقة، فقال لي: لا تشك بربك تعالى، فهلا اتيت من كان اعظم حقا عليك مني، فكان قوله: فهلا اتيت من كان اعظم حقا عليك مني، اشد علي من قوله لا تشك بربك، قلت: ومن هو اعظم علي حقا منك؟
قال (ع): الحسين بن علي (ع)، الا اتيت الحسين فدعوت الله تعالى عنده وشكوت اليه حوائجك؟
ومنها: ان الباقر (ع) كان يزور من قدم من زيارة الحسين (ع) فروي عن حمران قال: زرت قبرالحسين (ع) فلما قدمت جاءني ابو جعفر (ع) ومعه عمرو بن علي بن عبدالله بن علي (ع) فقال لي ابو جعفر (ع): ابشر يا حمران فمن زار قبور شهداء ال محمد (ص) يريد بذلك وجه الله تعالى، خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه.
ومن عجائب فضلها ان لحظات الرحمة من الله تعالى لها خصوصية بالنسبة الى زوارالحسين (ع (ففي الحديث: بعد ذكر لحظات الرحمة الالهية كل يوم، قال: ويغفر لزائري قبرالحسين)ع) خاصة، ولاهل بيته ولمن يشفع له يوم القيامة، كائنا من كان، وان كان مستوجبا للنار.
وزمن لطائف فضائلها ان لهم خصوصية في دخول الجنة، لا بد ان يدخلوها قبل اهل الجنة بأربعين عاما، وان كل شيء يتمسح بزائره، ويرجو في النظر الى زائره الخير لنظره الى قبره المبارك.
ومن غرائب فضائلها انه يظهر من كثير من الاخبار ان فضيلتها ما بينت تمام البيان للناس، ففي الرواية الصحيحة، لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين عليه السلام من الفضل لماتوا وتقطعت انفسكم عليها مرات.
وفي رواية اخرى: لو علموا فضائلها لأتوه حبواً من اقصى البلاد.
الباب الثاني
في فضيلة خاصة للزيارة تذكر وحدها لامتيازها
وبيانها يحتاج الى مقدمة:
اعلم ان جميع ما يذكر في ثواب الاعمال وخواصها، فانما ذلك لبيان مقتضاها من حيث هي، كما في خواص الادوية، ولكل منها موانع تدفع مقتضاها، وذلك لا ينافي ثبوت الخاصية، فالسكنجين مثلا قاطع للصفراء، فاذا لم يقطع الصفراء لعروض المانع فيما يؤكل قبله او بعده، او لانقلاب في المزاج فلا ينافي كونه قاطعا للصفراء.
فجميع ما يذكر في فضائل الاعمال والادعية ونحوها، قد تقابلها موانع تدفع خاصيتها وترفعه، والمانع قد يدفع اثرها بالكلية، وقد يبقى منه شيء، وبذلك يختلف حال الناس في محشرهم فقد يكون لهم مقدار من الايمان والاعمال تنجيهم من العقاب في اول احتضارهم، وقد تنجي بعد عذاب الاحتضار، وقد تنجي بعد عذاب مدة في البرزخ، وقد تنجي بعد البرزخ اول المحشر. وقد تنجي في اثناء يوم القيامة وفي احد مواطنها، وقد يغلب المانع فلا تحصل النجاة الا بعد عذاب البرزخ، او بعد عذاب المحشر ايضا، او بعد عذاب جهنم ايضا، ثم تحصل النجاة، وقد لا يتحقق ذلك ايضا لسلب الايمان فيخلد في النار والعياذ بالله تعالى، اللهم اني اعوذ بك من ذلك.
وهذا كلام جار في جميع الاعمال والمثوبات.
فاذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان لزيارة الحسين (ع) فضيلة خاصة فاقت كل الفضائل، وهي انه لو تحققت الموانع من تأثيراتها التي تقدم ذكرها، فلا يمكن ذهاب كل تأثيراتها، ولو مع جميع الموانع، لان طرق التخليص بها ومحاله كثيرة، فكلما حصل مانع من احد تاثيراتها، حصل مقتض اخر لتأثير اخر، واذا حصل لها - ايضا- مانع او بطل بمقتضاه، تحقق مقتضٍ اخر.
توضيح هذا المطلب ان كلا من الاعمال المنجية قد قرر الله تعالى لظهور اثرها مقاما خاصا من حالات النشأة البرزخية او المحشرية، فاذا منع مانع من ظهور لاثر في المحل المقرر ولا جرم بطل الاثر بالكلية، ولا يظهر ثانيا في مقام اخر من مواطن الاحتياج، ولكن زيارة الحسين (ع) لا يبطل اثرها، وكلما منعت الذنوب من تأثير لها في محل اخر، من الاحتضار الى بعد انقضاء يوم القيامة، ودخول كل من المغفور والمعذب الى محله.
وتدل على هذا المطلب الروايات المجتمعة في فضل زيارته اذا لوحظ مفاد مجموعها من حيث المجموع. وقد صرح بهذا المطلب في رواية عن الامام الحسين عليه السلام سنذكرها.
وقد بين هذا المطلب جابر بن عبدالله الانصاري رضوان الله تعالى عليه، حين توجه الى زيارة الحسين عليه السلام يوم الاربعيـن وزاره بطريق خاص يذكر في محله، ثم اخذ يبين فضل ذلك.
ومن جملة ما قال: انه اذا زلّت قدم محبّه وزائره من الذنوب في مقام، ثبت له قدم اخر في مقام اخر.
فلنبين كيفية ذلك، فنقول: ان زائر الحسين (ع) اذا ترتبت على زيارته الاثار والفضائل الثابتة له من الجهات التي ذكرناها، خرج من الدنيا كيوم ولدته امه، ووصل بذلك الى اعلى الدرجات الحاصلة للزائرين: ومن كونه في اعلى عليين، او من الكروبيين، او نحو ذلك، فيالها من فضيلة ونعمة جليلة.
وان منعت كثرة الذنوب عن حصول هذه المراتب والجهات فمات مذنبا مؤاخذا رجونا له ان يصلح امره بزيارة الحسين عليه السلام له عند وفاته، واول برزخه، فان تأخر ذلك لخصوصية في عظمة ذنوبه رجونا له ان يزوره الحسين) ع) في ايام برزخه، ويكون التأخير والتعجيل في ايام البرزخ على ماهو مقرر في القابليات والموانع.
واذا سقط عن قابلية ذلك واشتدت الموانع المقررة، ظل معذبا في ايام برزخه كلها، فاذا حشر الناس، وجاء النبي صلوات الله تعالى عليه واله، ومعه جبرئيل (ع) يتصفحان وجوه اهل المحشر لانتخاب زوار الحسين (ع) ويعرفانهم بما وسم في جبهتهم بميسم النور، هذا زائر خير الشهداء، فمن وجدا في سيماه ذلك، اخذا بعضده وخلّصاه من اهوال القيامة، وشدائدها.
فاذا لم يكن في الشخص قابلية لذلك ايضا، وقد محت ظلمة الذنوب ميسم هذا النور، وانمحت تلك السطور في جبهته فبقي مبتليا في المحشر فيحصل الرجاء بخلاصه بطريق اخر وهو انه ينادى يوم القيامة: أين شيعة آل محمد، فيقوم عنق من الناس لا يحصيهم الا الله تعالى، ثم ينادى: اين زوار الحسين بن علي عليهما السلام، فيقوم اناس فيقال لهم: خذوا بيد من احببتم وانطلقوا بهم الى الجنة، فيأخذ الرجل بيد من احدبّ، حتى انه يقول له رجل من الناس انا قمت لك يوم كذا فيأخذه غير مدافع.
واذا لم تكن فيك هذه القابلية ايضا، ولا قابلية للاخذ بيدك فهنا رجاء لخلاصك بطريق اخر، وهو حين يأتي نداء خاص اخر، فقد ورد في الحديث المعتبر عن الصادق عليه السلام، قال: اذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين زوار الحسين (ع)؟ فيقوم عنق من الناس لا يحصيهم إلا الله تعالى، فيقول لهم: ماذا اردتم بزيارة قبر الحسين عليه السلام؟ فيقولون: يا رب اتيناه حبا لرسول الله (ص) وحبا لعلي وفاطمة) ع) ورحمة له مما ارتـُكب منه، فيقال لهم: هذا محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله تعالى عليهم، فالحقوا بهم فأنتم معهم في درجتهم، الحقوا بلواء رسول الله (ص) فيكونوا في ظله وهو في يد عليا عليه السلام، حتى يدخلوا الجنة جميعا فيكونوا امام اللواء وعن يمينه وعن يساره ومن خلفه.
اقول: يا معشر المذنبين، اذا كنتم من زوار الحسين (ع)، وسقطتم عن قابلية ان يجيء اليكم النبي الاكرم (ص) وجبرئيل الملك (ع)، ويأخذا بأعضادكم للنجاة من الأهوال يوم القيامة، وان تأخذوا بيد أحد فتدخلوه الجنة، فأجيبوا هذا النداء، وقوموا انتم بأنفسكم والتحقوا باللواء بعد ان يؤذن لكم، ولو خلفه او آخر من يكون خلفه.
واذا لم تحصل القابلية، ولم يأت احد يأخذ بيدك، ولم تكن لك قدرة لاجابة ذلك المنادي، لكون الذنوب قد اثقلت ظهرك وطرحتك، وقعدت بك اغلالك، فلا تخيبن بعد من آثار زيارة الحسين (ع) ووسائله ايضا، وانتظر لخلاصك حالة اخرى تقع في المحشر،هي حالة رجاء عظيمة.
بيانها ان لفاطمة البتول عليها السلام كيفية خاصة لمجيئهـا الى المحشر، فلها خصوصية في لباسها فهي في حلة خاصة اسمها (حلة الكرامة) قد عجنت بماء الحياة، وعلى تلك الحلة ألف حلة من حلل الجنان، مكتوب عليها بخط اخضر.
وكذلك لفاطمة الزهراء عليها السلام خصوصية فيما جعل فوق رأسها من النور الالهي، كالقبة يرى ظاهرها وباطنها من ظاهرها، والتاج من النور له سبعون ركنا، كل ركن مرصع بالدر والياقوت، يضيء كما يضيء الكوكب الدري.
ولها عليها السلام خصوصية عند مجيئها راكبة الى المحشر، على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين (أي: مزينة الاطراف) قوائمها من الزمرد الاخضر، ذنبها من المسك الاذفر، عيناها ياقوتتان حمراوان.
ولها خصوصية في خطام ناقتها، وفي قائد الخطام، وفي الهودج الذي على الناقة، اما الخطاب فمن لؤلؤ رطب، وطوله فرسخ من فراسخ الدنيا، والقائد جبرئيل (ع) وهو آخذ ينادي بأعلى صوته: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمـة بنت محمـد عليها السلام.
واما الهودج فمن ذهب.
ولها خصوصية في المستقبلين لها من الجنان، ففي الرواية: انه يستقبلها من الفردوس ألف حوراء لم يستقبلن احدا قبلها ولا احدا بعدها، على نجائب من ياقوت اجنحتها وازمّتها اللؤلؤ، عليها رحائل من در، عل كل راحلة منها نمرقة * اي وسادة، من سندس، وركائبها من زبرجد، بيد كل واحدة منها محمرة من نور، وعليهن أكاليل الجواهر.
ثم تستقبلها مريم بنت عمران عليها السلام، في سبعين الف حوراء، ثم تستقبلها امها خديجة الكبرى عليها السلام، في سبعين الف ملك، بأيديهم ألوية التكبير، ثم تستقبلها حواء وآسية عليهما السلام في سبعين ألف حواء.
ولها خصوصية في مجلسها فانه ينصب لها منبر من النور، وفيه سبع مراقٍ، بين المرقاة الى المرقاة صفوف الملائكة.
ولها خصوصية فيما معها من ذلك الوقت، ففي الروايات الكثيرة: ان معها ثيابا مصبوغة بالدماء، وفي بعضها ان معها قميص الحسين عليهما السلام، ملطخـا بدمه.
ولها خصوصية في كيفية تظلّمها - فانه عند توسطها ارض المحشر، تقول سلام الله تعالى عليها: يا ربي ارني الحسن والحسين (ع) فيمتثل لها الحسين (ع) قائما ليس عليه رأس، واوداجه تشخب دما، فاذا رأته صرخت صرخة وزخّت نفسها من الناقة. و معنى زخّه بتشديد الخاء: اي: دفعه قال رسول الله (ص) عند بيان هذا: واصرخ لصرختها، وتصرخ الملائكة لصراخنا.
وفي بعض الروايات: يقبل الحسين عليه السلام ورأسه بيده، فاذا رأته شهقت عليها السلام شهقة لا يبقى في الجمع ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن إلا بكى، ثم تأخذ في التظلم وترفع القميص بيدها وتقول: الهي هذا قميص ولدي.
اقول: وهذه الكيفية من خصائص الحسين (ع)، فان يوم القيامة هو يوم الجزاء عما مضى في ايام الدنيا، لكن الحسين عليه السلام وحده يمتثل قائما بلا رأس واوداجه تشخب دما، كما اتفق له (ع) في الدنيا، وهو الذي احرق قلب الطاهرة الزهراء عليها السلام بمظلوميته وخصائصه التي انفرد بها في تاريخ البشرية.
اضافة لما عليه (ع) من خروق السيوف والسهام والرماح في اثار قميصه، او لانه سلب من بدنه، فان ذلك اعظم من الجروح اذا تدبرت المصاب، فعند ذلك ينتقم الله تعالى من قتل الحسين عليه السلام واولادهم واولاد اولادهم الراضين بافعال آبائهم، بانتقامات من القتل مرارا، ثم تخرج زبانية سود من جهنم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب، وتأخذهم الى ما اُعدّ لهم في جهنم.
ثم ان لها عليها السلام، خصوصية في شفاعتهـا. قد ذكرنا الحديث لاجله وهي موضع حاجتنا، فانها تنادى حينئذ: يا فاطمـة سلي حاجتك، فتقول (ع): يا رب شيعتي، فيقول الله تعالى: قد غفرت لهم، فتقول: شيعة شيعتي، فيقول الله تبارك وتعالى: انطلقي فمن اعتصم بك فهو معك، فتسير ويقوم كل هؤلاء يسيرون معها فيما من زار ولدها وساعدها في بكائه ووصلها، ان لم يخلصك اخذ النبي (ص) بيدك لعدم قابليتك، ولا امكنك النهوض عند نداء المنادي، فانك لا تبقى في الشدائد عند هذه الحالة لوجود الشفاعة الفاطمية، فاذا قالت: شيعتي، شملتك، وان لم تشملك، فقولها عليها السلام: شيعة شيعتي، وان لم يشملك ذلك، شملك قوله تعالى لها: من اعتصم بك، فان اشد الاعتصام بها زيارة ولدها الحسين (ع) والبكاء عليه والاهتمام بما يتعلق بالحسين (ع) فلا أظنك تبقى في ارض المحشر بعد مسيرها الى الجنة ولا تمشي معها عليها السلام وانت زائرٌ للحسين عليه السلام.
فاذا خفت من شدة تأثير ذنوبك مع ذلك، فلا ينتابك اليأس في تلك الحالة ولاتظنن انك ستبقى بعدها في المحشر معدبا مخلدا، وان لم يكن مناص من اخذك الى النار، وابتلائك بها والعياذ بالله، فانه لا بد ان يأتيك الحسين (ع) وانت في النار.
فان هذا اخر اوقات زيارته لمن زاره، فقد روي عنه (ع) انه قال بعد قوله: من زارني زرته بعد وفاته: وان وجدته في النار اخرجته، فهذه اخر حالة خلاص لادنى الزائرين درجة، واعظمهم ذنبا، والحمد لله رب العالمين.