وبيان هذا تفصيلا: انهم لما ارادوا منه مبايعة فرعون الامة يزيد بن معاوية خرج من المدينة، فترك الوطن، وخرج خائفا يترقب.
وما خوفه الا كخوف موسى عليهما السلام، خوفا على الدين والعقيدة ان يضيعا فلا يكون في الامة ولا يكثر بها الا الهمج الرعاء اتباع كل ناعق وما كان في ذلك العهد الا هؤلاء، اما الصالحون ذوو البصائر وهم قلة فكانوا مستضعفين مظلومين، فكان حجة الله تعالى اولى بهذا الامر من غيره، فقام لتثبيت معالم الدين المحمدي القويم حبا لله تعالى وتسليما مطلقا لامره عز وجل.
فلبى لربه في امره بعدم المبايعة، واظهار المخالفة لهم، مع فقد الانصار، والعلم بأن الناس يخذلونه، ولا ينصرونه، فأحرم لمخالفتهم، ومقاتلتهم، وترك البقية، وجاء الى مكة يدعو الناس الى الحق، والى ان بني امية على الباطل، وانه تجب مقاتلهتم.
ولما اتمّ اعمال هذا الحج اهلّ بحج الخليل (ع) واحرم له:
ميقاته: مكة.
وقت احرامه: يوم عرفة.
حجه: قران.
هديه: مسلم بن عقيل صلوات الله عليه.
إشعاره: قتله في ذلك اليوم، فإنه أشعر بمصائب الحسين (ع (ومن معه من الشهداء.
مؤذنه: رسول الله (ص) في المنام في مكة، بقوله: أخرج يا حسين فإن الله تعالى قد شاء أن يراك قتيلا، وخذ معك نساءك فإن الله تعالى قد شاء أن يراهن أسارى.
تلبيته: لبيك اللهم لبيـك، خرجت بنفسي واولادي واخوتي وبني اعمامي وخواص اصحابي، للقتل في سبيلك، وخرجت بنسائي واخواتي وبناتي، للأسر في سبيلك، لبيك اللهم في أمرك أخرج بأقوام لا شهادة لهم الا معي.
فأحرم عن المأمن، فان مأمن الناس لم يصر له مأمنا، ومأمن الطيور والوحوش لم يصر له مأمنا، ومأمن الاشجار والنبات لم يصر له مأمنا، ومأمن الكفار والمشركين والمنافقين لم يصر له مأمنا.
فأحرم من الأمن، فانه كان يخوّفه في اليقظة كل من يلقاه في الطريق، ويقول له: تقدم على حد السيوف، وكانت الهواتف تهتف بقتله في كل منزل ينزله.
كما عن السيدة زينبا ً سلام الله عليها في منزل الخزيمية، لما سمعت الهاتف نصف الليل في البر ينادي بأشعار منها:
الى قوم تسوقهم المنايا | بمقدار الى انجاز وعد |
فحكت ذلك لاخيها (ع) فقال لها: يا اختاه كل ما قدّر الله تعالى فهو كائن، وكذا كان يحصل له التخويف في المنام كلما نام، حتى استيقظ يوما باكيا.
فقال له ولده علي عليه السلام: ما يبكيك يا أبه؟
قال عليه السلام: سمعت في النوم قائلا يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير بهم.
فقال: يا أبتاه ألسنا على الحق؟
قال عليه السلام: بلى، والذي اليه مرجع العباد.
قال: فما نبالي بالموت، وفي رواية: اذاً ما نبالي ان نموت محقين، ولا نبالي اوقعنا على الموت او وقع الموت علينا.
فجزّاه الحسين صلوات الله تعالى عليه خيرا وقال بارك الله بك يا بنيّ
ملاحظة: قد يُفهم من هذا ان الامام الحسين عليه السلام كان خائفا من الموت او القتل او ما يمارسه الطغاة وحكومة يزيد في حق الحسين واهل بيته وانصاره، كلا، بل أوليس هو القائل: خـُط الموت على ابن ادم مخط القلادة على جيد الفتاة.!
وما اعظمه وصفه من تعبير ينم عن شوقه الى الموت ولقاء الله تعالى، وهذا هو حال اولياء الله تعالى في تمنيهم للقائه بشوق لا يعدله شوق ولا يصفه الواصفون.
ولكن هذه المواقف التي تدل ظاهريا على ان الحسين كان يبكي وايضا خرج خائفا، ما هي الا لتبيان مدى مظلومية امامنا المعصوم صلوات الله تعالى عليه ولتبيان مدى انتشار الظلم والاستعباد في ذلك العهد الاموي الجائر.
واحرم عن رجاء نصرة الناس له، وان كان يستنصر أحيانا لإتمام الحجة عليهم.
واحرم عن رجاء الحياة، فقال لعمرو بن لوذان لما خوّفه من المحاربة مع بني امية: إنه لا يخفى عليّ ذلك، وانهم لا يدعوني حتى يستخرجوا هذا العلقة من جوفي.
فشرع في مناسك هذا الحج، واحرم عن كل الاماكن والبلاد، وحصل منه السعي الى صفا كربلاء.
وحطّ الرحال فيها للوقوف، واحرم فيها عن كل طعام.
ثم احرم عن شرب الماء قرب عاشوراء، وشرع في اتمام مناسكه، والخروج بأقوام قد امر بان يخرجهم معه، ويأخذ الميثاق منهم.
ميقاته: الخيام في كربلاء.
المنادي به: رسول الله تعالى صلى الله عليه واله وسلم، وعلي وفاطمة والحسن صلوات الله عليهم، ومعهم ملك من الله تعالى في يده قارورة من زمردة خضراء.
وقته: عشية الخميس ليلة عاشوراء، حين خفق ورأسه على ركبتيه محتبئا بسيفه.
أذانه قوله (ص: (يا بني أنت شهيد آل محمد، وقد استبشر بك أهل السماوات واهل الصفح الاعلى، فعجل افطارك عندي الليلة، وهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في هذه القارورة الخضراء.
فاستبشر هو ولبى لذلك، واهلّ بهذا الحج، لكن لما اطلعت زينب (ع) على الاذان وسمعت صوت التلبية والتسليم من اخيها في ليلة عاشوراء، كشفت رأسها وجاءت الى اخيها حاسرة حافية، ولطمت وجهها.
وصاحت: يا أخاه ليت الموت أعدمني الحياة، يا أخاه هذا كلام من أيقن بالقتل، واستسلم له.
قال لها: نعم يا أختاه.
يعني اني قد استسلمت لذلك، ولا علاج له، وقد انقطعت اسباب الخلاص منه.
فقالت: ذاك أقرح لقلبي ’ انك لا تجد بدا ولا علاجا، وأهوت الى جيبها فشقته، ووقعت مغشية عليها، فجلس (ع) عندها، وصب الماء على وجهها حتى افاقت، واخذ يعظها ويصبّرها.
أقول: ان امامنا الحسين لم يسمع اخته زينب قط تتمنى الموت وتتكلم بهذا الكلام فيغمى عليها، وكذا زينبا عليها السلام لم تعهد من الحسين عليه السلام من قبل انه ينعى نفسه، فتأمل كيف هي مظلومية اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم اشتغل بمناسك هذه الحجة الثالثة
وفيها:
طواف لبيت محبة الرب الجليل بالعبادة، والصلاة وتلاوة القرآن، وجعل ذلك طواف وداع.
ثم قدّم هديه وضحّاه، لا من البُدن التي هي من شعائر الله تعالى، ولا من الغنم التي هي فداء لاسماعيل (ع) بل من اصفياء الله وأودائه.
ومن الافضل من اسماعيل عليه السلام خلقا وخـُلقا ومنطقا؟، ومن انوار العيون؟، ومن القوى للظهور؟، فجعلهم نسكا وهدايا وضحايا لله تعالى.
واخذ يسعى لهم في تلك الحال اكثر من سبعين شوطا، يهرول في بعضها، ويتأتى في بعضها.
ثم بعد فراغه من اعمال هذا الحج، وقضائه مناسكه علا وارتفع صوت
الاذان الرابع:
والمؤذن لهذا الحج: شبيه المصطفى على لسان المصطفى حين وقع في الميدان مجدّلا.
فأذن لوالده في حجٍ: الآمر به هو الله تعالى في قوله: وقاتل حتى تـُقتل، وهو الحج الاكبر.
أذانه: يا أبتاه هذا جدي رسول الله (ص) المصطفى، يقول لك: العجل العجل.
ووقته: ظهر عاشوراء.
فلبى بهذا الحج في ميقاته وهو موقفه في الميدان
قائلا: لبيك اللهم لبيك، قدمت أمامي اولادي واخواني وبني اعمامي، فلم يبقى احد منهم.
ثم ودّع نساءه وبناته واخواته قائلا: لبيك اللهم لبيك، خلفت ورائي نسائي وصبية عطاشى حيارى.
ثم لبس ثوبا للاحرام عتيقا، وخرّقه في مواضع كثيرة.
ثم ركب جواده ووقف في موقف عجيب، ما وقفه احد مثله في خدمة ربه تعالى في عرفة ولا منى ولا مشعر، ولا وقف احد في ميدان ولا مبارزة مثله.
قائلا:
لبيك اللهم لك لبيك، وحدك لا شريك لك لبيك.
جئت وحدي اليك.
احرم لك قلبي عن كل علاقة لسواك.
فلا غربتي توجب الكربة.
ولا وحدتى تورث الوحشة.
ولا قتل اولادي يضعف كبدي.
ولا اضطراب عيالي يغيّر حالي.
ولا قتل رجالي يغيّر احوالي.
ولانور بصري يذهب عطشي.
ولا يعرضني الخوف لكثرة اعدائي.
ولا اضطراب لشدة بلائي.
فلذا اطمأنت جوارحه، وهدأت نفسه الزكية، وردت قواه، واحمّر وجهه، حتى تعجب بعض من التفت الى ذلك.
لبيك اللهم لبيك.
احرم لك رأسي عن الاتصال ببدني.
وبدني عن القيام على رجلي.
ويدي عن أخذ شيء بها.
لبيك اللهم لبيك.
احرم لك كبدي عن الماء.
وبشري عن سلامة مقدار شعرة.
وشعري عن خضاب الزينة، وعن بقاء لونه.
واوصالي عن الاتصال، ففارقتها مقطعة،.
ولحمي عن الالتئام بالعظام.
وعظمي عن التركيب.
وقلبي عن الاستقرار، ومن بقاء صورته.
ودم قلبي عن الثبوت في شغافه.
واوداجي عن التعلق برأسي.
ووتيني عن الوصل برقبتي.
ثم طاف البيت حول بيت الله وسعى.
ثم وقف (ع) في مواقف هو مركزها ما وقفه احد من عباد الله تعالى.
فكانت له عرفة ومشعرا حقيقة.
ثم رمى الجمرات الثلاث بحملات ثلاث، سيجيء تفصيلها في باب شهادته عليه السلام.
ثم صار في منى لا لحلق رأس، وذبح هدي، او نحره، بل لقطع الرأس الشريف، وجعل النفس الزكية اُضحية مذبوحة، وهديا منصوبا معا.
وأتم البيتوتة فيه الى الثالث من احرام هذا الحج تحقق النداء من معدن العظمة والكبرياء، في الحج الاعظم الاخص
وهو:
القسم الخامس: من حجه (ع) وهو حج لم يحجه احد قبله ولا يحصل لاحد بعده، فهو الذي استطاع الى هذا الحج سبيلا.
واذان هذا الحج من قبل الله تعالى بلا واسطة بقوله تعالى) يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضيـة (، فإن المخاطب به هو الامام الحسين عليه السلام، كما في الروايات، وهو النفس المطمئنة.
وقت احرامه: عصر عاشوراء بعد مفارقة الروح.
وميقاته: المقتل.
واعمال هذا الحج: التلبية لداعي الحق، لا كما يلبي هذا الداعي كل واحد قهرا، بل تلبية خاصة عبّر عنها بقوله: " راضية مرضية " فإنه (ع)مع هذه الحالة العظمى، والمصيبة الكبرى، خرجت نفسه الطاهرة الزكية راضية.
لا صابرة فقط، بل في نهاية الرضا، بل ومُحبة مشتاقة لقضاء الله تعالى وقدره، وهو غاية التكامل الانساني.
حتى انه تعالى قدم صفة رضاه (ع) عن ربه على كونه مرضيا عنده.
فتأمل في هذه الدقيقة تنكشف لك امور عجيبة.
ثم رمى السلاح، ونزع اثوابه جميعا، حتى ثوب الاحرام الذي لبسه في الحج السابق.
نعم لبس ثوبين اخرين من نسج الرياح المغبرة الحمراء، ثم ترك الزينة، لا الخاتم وحده، بل موضع الخاتم معه ايضا.
ثم كشف عن الرأس وبقـّاه مكشوفا ميتا، كما هو حكم من مات محرما، ثم فصله عن البدن.
ثم ترك النساء والعيال والاولاد، ثم ترك الانس باجمعهم.
الذي لم يطفه احد قبله - بعد الطواف الاول بالبيت المعمور حين اُصعد الى السماء -
ثم بات: ببدنه ثلاثا في موضع التشريق.
ثم سعى: بالرأس من صفا كربلاء الى الكوفة، ثم من الكوفة الى الشام، ثم من الشام الى المدينة، ثم الى الصفا في كربلاء.
ثم ذكر الله تعالى بتلاوة كتابه في مواضع.
ثم احرم للرأس، لا عن الظل وحده، بل عن الموضع في الارض فعلى الرمح تارة، وعلى الشجر تارة اخرى، وعلى باب دمشق تارة، وباب دار يزيد اخرى.
نعم لم يكن في هذا الحج احرام عن الخضاب، بل احرامه بتخضيب اللحية بخضاب، والوجه بخضاب، والرأس بخضاب، وليس فيه احلال فإنه قال: هكذا حتى ألقى الله تعالى وأنا مخضب بدمي.
ومراده لقاؤه يوم القيامة، فإنه يُحشر واوداجه تشخب دما وهو مخضب بدمائه الزاكية المباركة.
وهكذا لم يكن فيه اجتناب لصيد الوحوش، والطيور، بل صاد الوحوش كلها، فمدت اعناقها على جسده الطاهر تبكيه وترثيه ليلا حتى الصباح نائحة عليه.
وصارت الطيور تقع على جسده الشريف، وتلطخ اجنحتها بدمه وتتفرق نائحة له في كل ناحية.
خاتمة: لما تحقق اختصاصه بالحج، خصوصا هذا الحج الخامس، الذي ما عبد الله تعالى عابد بمثله، فلا غرو ان يجعل الله تعالى اجر زيارته ما يعادل الحج والعمرة.
بل اكثر من ذلك كما سبق ذكره وتفصيله، فان ذلك اجر المرور لحجه هذا.
ولا عجب من مضاعفته في خصوصيات الزيارة بحسب خصوصياتها، الى ان تبلغ مئات الألوف، وآلاف الألوف، والى ان يكون لكل قدم او خطوة ما يعادل ذلك او اكثر وكلٌ بحسب درجته وايمانه، فلا عجب من ذلك لان خالقنا هو الواسع العليم، والوهاب الودود الكريم.
ولا عجب من ان يُعطى زائره اجر الحج مع النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم، او القائم صلوات الله عليه وعُجّل فرجه، ولا تعجب من مضاعفة ذلك.
ثم لا تعجب من ان يعطى زائره او مريد زيارته ولا يقدر لسبب ما، ان يعطى اجر تسعين من حجج النبي المصطفى (ص)، فإن ذلك اجر لحج الامام الحسين الشهيد الغريب صلوات الله عليه.
المطلب الثاني
في بيان حجاجه المخصوصين بحجه
من الملائكة والانبياء وغيرهم من الحجاج، له من البشر، وفيهم رجال ونساء.
اما الرجال فأولهم النبي المصطفى (ص) فله حج ومناسك خاصة بالنسبة اليه، وله تفصيل نبيّته ان شاء الله.
ثم الشهداء معه فانهم قد حجوا له حقيقة، ألم تر انهم احرموا له عن كل عادة؟ وعطفوا عليها النساء والاطفال والاموال والحياة؟! وباتوا في مناه ثلاثة ليال؟! ونزعوا المخيط من الابدان؟! وبعضهم نزع الكفين وبعضا ضحى بالعينين وبعضا ضحى بالرأس ومن هذه الفئة الرضيع المنحور، فدفنوا بلا اكفان؟! وتركوا التظليل سائرين؟! وعطفوا غير التظليل واقفين؟!.
وكيفية حجهم مختلفة باختلاف مناسكهم ازاء هذا البيت الحقيقي، فلهم حوله طواف، ليس بطواف دوران فقط، ولهم سعي، لا سعي مشي فقط، ولهم معه وقوف لا مجرد كونهم في الموقف فقط، ولهم عنده صلاة، ليست صلاة طواف فقط.
ونيتهم في هذه المناسك ليست كنّيات سائر الحاج، وليست كنيات سائر الشهداء، بل هي نية خالصة لها خصوصيات.
وعرضت لهم مع هذه النية حالة لا يمكن تقريرها، لما رأوا من حالة الحسين عليه السلام وكيفية وحدته وحقيقة غربته ومظلوميته التي ابكت اعدائه العتاة لعنهم الله تعالى.
بل و واضطراره وحال عياله واطفاله وحيرتهم فتهافتوا على ذهاب الانفس، واختلفت اعمالهم ومناسكهم.
فمنهم: من احرم ولم يتمكن من اكمال باقي المناسك.
كالذين قتلوا في اول يوم عاشوراء.
ومنهم: من اقتصر بعد الاحرام على الطواف حول البيت الحقيقي، كسعيد بن عبدالله الحنفي حتى قتل.
ومنهم: من طاف ووقف وسعى.
ومنهم: من صلى صلاة طواف مع البيت عنده.
ولبعضهم خصوصيات في استلامهم اركان البيت عند الطواف
فبعضهم قد استلم البيت وقبّل اركانه كالغلام التركي.
ولكن البيتوتة ايام التشريق في منى، قد تحققت من جميعهم وتفصيل هذا في عنوان الشهداء.
واما الحاجّات له من النساء اللاتي قد حججنه، فهن نساء كن معه في كربلاء، قد تحقق منهن حج خاص.
لهذا البيت:
الاولى: أم وهب وهي نصرانية جديدة على الاسلام، احرمت لحج البيت بعد الاستطاعة، فوقفت في المشعر بشعور.
وعلمت ان الحسين عليه السلام إمامها تجب نصرته، والامر بنصرته، وانه بيت الله تعالى يجب الهدي اليه، فقدمت هديها. وأتت الى ولدها، وقالت له: يا بني قم، وانصر ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
فقال: افعل ذلك يا اماه، ولا اقصّر، فخرج مرتجزا، فقتل سبعة عشر فارسا، واثني عشر راجلا.
فرجع ووقف امام امه وزوجته وقال أرضيت يا أماه؟
قالت: لا، حتى تقتل بين يدي ابن بنت رسول الله (ص)، وحتى يكون شفيعا لك يوم القيامة، فارجع يا بني الى القتال.
ثم انها رضوان الله عليها وعلى وابنها، رمت الاعداء بجمرة لم يرم احد مثلها، كما سيجيء بيانها.
الثانية: زوجة وهب هذا، فإنها لم تعرف هذا البيت اولا، ولا احرمت لحجه، بل منعت زوجها باديء الامر.
فقالت: وهي متمسكة متعلقة بزوجها، لا تفجعني بنفسك.
فقالت له امه: لا تسمع قولها.
ثم عرضت لزوجته هذه حالة من مشاهدة حال إمامها الحسين عليه السلام.
لذا احرمت لهذا الحج.
فنادت زوجها: قاتل دون الطيبيـن، وطافت حول البيت، وهرولت هي الى القتال، حتى قتلها غلام لشمر، وطرحت قتيلة، وهذه قد اختصت بالبيتوتة في منى ثلاثا، وهي قتيلة مع الشهداء، ولا يعلم هل اخذوا رأسها ام لا؟!
الثالثة: امرأة اخرى قتل زوجها ولها ولد لم يبلغ الحلم.
فرأى الحسين عليه السلام ان ابنها قد برز.
فقال (ع): هذا غلام قد قـُتل ابوه، ولعل امه تكره خروجه.
فقال الغلام: يا بن رسول الله (ص) ان امي قد امرتني بذلك، وقالت لي: يا بني قم وقاتل بين يدي ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
فقدمت ابنها بين يديها هديا، واُضحية، والتزمت رأسه بعد أن رموه اليها وقبّلته ثم رمته اليهم.
ولكن حقيقة الحج للحج للحسين عليه السلام قد تحققت في حج حاجّة، ما ادى مناسكه احد قبلها ولا بعدها، وما ادراك من الحاجة المخصوصة، انها زينب الكبرى صلوات الله عليها، وما ادراك ما كان حجها، وكيف كانت مناسكها واحرامها، وما أدراك ما هي كعبتها وركنها ومستجارها.
وسيجيء تفصيل ذلك في عنوان خاص بها في عناوين المجلد الثاني ان شاء الله تعالى.