الإنسانية، وأحاسيسه البشرية، وعن أخلاقياته، وعن قيمه، وليست القضية هي أنه اجتهد فأخطأ فله أجر، أو أصاب فله أجران(1)، كما رواه لنا أتباع مدرسة الخلفاء، وأخذناه عنهم، وصرنا نردده من دون تثبت، ثم إنهم بنفس هذه القاعدة (!!) برروا لنا قتال عائشة ومعاوية لعلي عليه السلام، وثبت لهما الآجر الواحد بقتاله، وبقتل عشرات الألوف من المؤمنين والمسلمين.
بل قد ادعوا:أن عبد الرحمان بن ملجم قد اجتهد فأخطأ في قتل علي، فهو مأجور أجرا واحدا على جريمته (2) وأبو الغادية قاتل عمار بن ياسر أيضا قد اجتهد فأخطأ، فهو مأجور أجرا واحدا على قتل عمار (3).
فقضية الزهراء إذن أساسية في حياتنا الفكرية والإيمانية، ولها ارتباط بأمر أساسي في هذا الدين، فلا ينبغي الاستهانة بها، أو التقليل من أهميتها.
وبعد:فإن أول من طرح مقولة الاجتهاد، والخطأ في الاجتهاد، لتبرير جرائم ارتكبها الآخرون هو ـ فيما نعلم ـ الخليفة الأول، حينما طالبه الخليفة الثاني بإصرار بمعاقبة خالد بن الوليد لقتله الصحابي
____________
1- هذه الرواية رويت من غير طرق الشيعة في الأكثر.. 2- المحلى: ج 10 ص 484. والجوهر النقي: (مطبوع بهامش سنن البيهقي)، ج 8 ص
58 عن الطبري في التهذيب. 3- الفصل: ج 4 ص 161.
المعروف مالك بن نويرة، حينما امتنع عن الاعتراف بشرعية الحكم الجديد، وأصر على الالتزام بالوفاء للخليفة الذي أقصي عن موقعه، ثم نزا على امرأة ذلك القتيل في الليلة التي قتله فيها بالذات، فإن أبا بكر أطلق في هذه المناسبة بالذات كلمته المعروفة: تأول فأخطأ أو اجتهد فأخطأ(1).
ثم جاء من روى حديثا يجعل لمن أصاب في اجتهاده أجرين، وللمخطئ أجرا واحدا، كما رواه عمرو بن العاص، وأبو هريرة، وعمر بن الخطاب (2).
وكانت هذه المقولة بمثابة الاكسير الذي يحول التراب الى ذهب، بل هي أعظم من الاكسير، فقد بررت أفظع الجرائم وأبشعها، حتى جريمة قتل الأبرياء في الجمل، وصفين، وقتل علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر كما قدمنا، ثم بررت جريمة لعن علي(ع) على ألوف المنابر ألف شهر، ثم جريمة قتل الحسين(ع) وذبح أطفاله، وسبي عقائل بيت الوحي وسوقهن من بلد إلى بلد.. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه..
ومن أجل تتميم الفائدة وتعميمها، فقد منح جيل من الناس
____________
1- وفيات الأعيان: ج 6 ص 15 والمختصر في أخبار البشر: ج 1 ص 158 وروضة المناظر، لمحمد بن الشحنة (مطبوع بهامش الكامل في التاريخ): ج 7 ص 167 والكامل في التاريخ: ج 3 ص 49 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 1 ص 179، وتاريخ الطبري ط ليدن: ج 4 ص 1410. (2) راجع: مسند أحمد ج 4 ص 198 و 204 وراجع: ص 205 وراجع: ج 2 ص 187 وراجع: صحيح البخاري ج 4 ص 171، وصحيح مسلم: ط دار إحياء التراث العربي، ج 3 ص 1342 وسنن أبي داود: ج 3 ص 299 والجامع الصحيح للترمذي: ج 3 ص 615 والمحلى: ج 1 ص 69 / 70.بأكمله وسام الاجتهاد(1)، الذي يبرر له كل أخطائه، مع أن فيهم مرتكب الزنا، وشرب الخمر، والقتل، والسرقة، وغير ذلك فضلا عن الخروج على إمام زمانه، ثم فيهم العالم والجاهل إلى درجة أنه لا يحسن أن يتوضأ، أو أن يطلق امرأته.
بل لقد قالوا: إن ما فعلوه كان بالاجتهاد والعمل به واجب، ولا تفسيق بواجب (2).
بل قال البعض:يجوز للصحابة العمل بالرأي في موضع النص، وهذا من الأمور الخاصة بهم دون غيرهم(3).
إلى أمور ومقولات كثيرة تحدثنا عنها في كتابنا الصحيح من سيرة النبي (ص) في الجزء الأول منه، فراجع..
العمدة هو كتاب سليم وهو غير معتمد:
هناك من لا يرضيه الاستشهاد بما جاء في كتاب سليم بن قيس من أحاديث تذكر ما جرى على الزهراء، ويقول: جئني بغير ما روي في هذا الكتاب؟.
____________
1- راجع: التراتيب الإدارية: ج 2 ص 364 / 366.2- راجع: فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت: ج 2 ص 158 و 156 وسلم الوصول: (مطبوع مع نهاية السول) ج 3 ص 176 و 177 والسنة قبل التدوين: هامش ص 396 و 404 و 405. وحول ثبوت الأجر للمشتركين في الفتنة، راجع: اختصار علوم الحديث (الباعث الحثيث): ص 182. وإرشاد الفحول: 69.
3- أصول السرخسي: ج 2 ص 134 و 135. ثم ناقش هذه المقولة وردها.
فما هو السر يا ترى في هذا الموقف من سليم ومن كتابه؟!
بل هو يقول: إن كتاب سليم بن قيس ـ الذي هو العمدة في الموضوع على حد زعمه ـ ليس بمعتمد في صيغته بشهادة الشيخ المفيد وغيره، مع أن فيه خلطا لا يخفى على أحد.
ونقول:
أولا: ليس كتاب سليم هو العمدة في نقل ما جرى على الزهراء(ع) في الجملة. بل مضافا إلى ما جاء في كتاب سليم هناك روايات كثيرة بل متواترة عن المعصومين(ع)، ونصوص تاريخية متضافرة أوردها المؤرخون في كتبهم على اختلاف مذاهبهم، وسنذكر في هذا الكتاب طائفة كبيرة من ذلك إن شاء الله تعالى.
ثانيا:كتاب سليم يعد من أوائل ما ألفه قدماء الأصحاب، وهو يعبر عن أصول وثوابت المذهب بصورة عامة، وقد تلقاه العلماء بالقبول والرضا، ولا نجد فيه أي أثر لهذا الخلط المزعوم، ولم يقدم لنا مدعيه أي مورد يصلح شاهدا على مدعاه، حيث لم يظهر لنا من هذا الخلط سوى دعواه ذلك.
ولعل عدم رضا البعض بما فيه ينشأ عن أنه لا ينسجم هو شخصيا مع كثير مما ورد فيه، بل هو يناقض بعض طروحاته، ونحن لا نرى أي مبرر لاستثناء كتاب سليم من ثقافتنا التاريخية والاعتقادية، بل إن قدمته، واتصال مؤلفه بعلي أمير المؤمنين عليه السلام، وبعدد من الأئمة بعده يرجحه على كثير مما عداه من كتب ألفت بعده بعشرات السنين.
وفي محاولة منا لتقريب الصورة، بحيث تصبح أكثر وضوحا
ودقة وتعبيرا عن حقيقة هذا الكتاب ومدى اعتباره، ومبررات التشكيك، فيه.
نقول:
إن ما ذكره هذا البعض لا يمكن قبوله، وذلك لما يلي:
أولا:إن مجرد التشكيك في كتاب لا يكفي لتبرير رفض ما فيه، ما لم يصرح بمبررات تشكيكه، ويقدم الشواهد والدلائل الموجبة للتشكيك في نسبة الكتاب، أو تثبت وجود تخليط أو دس فيه، أو تدل على أنه كتاب موضوع، أو غير ذلك، ومن دون ذلك، فلا يلتفت إلى دعوى الشك هذه، وذلك بديهي وواضح لكل أحد.
ثانيا:إننا إذا رجعنا إلى كتاب سليم بن قيس، فلا نجد فيه إلا ما هو سليم وموافق للمذهب، وليس فيه ما يحتمل أن يكون غلوا في شأن الأئمة حتى على زعم من يرى ذكر بعض هذه المعجزات غلوا ومع هذا فإنك ترى في الكافي وغيره من كتب الشيعة أضعاف ما ورد في كتاب سليم ولا طريق لنا إلى رده.
وقد روي عن الإمام الباقر(ع)، وهو يتحدث عن أصحابه، أنه قال:
إن أسوأهم عندي حالا، وأمقتهم إلي الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا، ويروى عنا فلم يعقله، ولم يقبله قلبه اشمأز منه، وجحده، وكفر بمن دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج، وإلينا
أسند، فيكون بذلك خارجا عن ولايتنا (1).
وقال عليه السلام:
لا تكذبوا بحديث أتاكم أحد، فإنكم لا تدرون لعله من الحق، فتكذبوا الله فوق عرشه (2).
ثالثا:إن كلمات العلماء عن كتاب سليم تدل على أنه من الأصول المتقنة التي هي في غاية الاعتبار.
وفيما يلي شطر من أقوالهم هذه:
قال النعماني في كتاب الغيبة (3) بعدما أورد من كتاب سليم أخبارا كثيرة، ما هذا لفظه:
كتابه أصل من الأصول (4) التي رواها أهل العلم، وحملة حديث أهل البيت عليهم السلام وأقدمها، لأن جميع ما اشتمل عليه هذا الكتاب (5) إنما هو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام، والمقداد، وسلمان الفارسي، وأبي ذر، ومن جرى مجراهم ممن شهد رسول الله، وأمير المؤمنين عليهما السلام، وسمع منهما.
____________
1- البحار: ج 2 ص 186، حديث 12 والكافي: ج 2 ص 223 حديث 7.2- البحار: ج 2 ص 186. وراجع: ص 187 و 188. وراجع: المحاسن: ص 230 / 231.
(3) راجع: غيبة النعماني: ص 101 و 102 ـ باختلاف يسير ـ تحت عنوان: ما روي في أن الأئمة اثنا عشر إماما وراجع أيضا، الذريعة: ج 2 ص 152.
4- في الأصل: من أكبر كتب الأصول.
5- في المصدر: هذا الأصل.
وهو من الأصول التي ترجع الشيعة إليها، وتعول عليها. إنتهى(1).
أما العلامة المتبحر الشيخ الطهراني فهو يقول: روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم بن قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شئ، ولا يعلم من أسبابنا شيئا، وهو أبجد الشيعة، ومن سر من أسرار آل محمد صلى الله عليه وآله (2).
وقال: عن مختصر البصائر: أنه قرأ أبان بن أبي عياش كتاب سليم على سيدنا علي بن الحسين عليه السلام، بحضور جماعة من أعيان أصحابه، منهم أبو الطفيل، فأقره عليه زين العابدين عليه السلام، وقال: هذه أحاديثنا صحيحة (3).
وذكر الكشي عرض الحديث المذكور آنفا على الباقر عليه السلام ـ بعد أبيه السجاد ـ وأنه اغرورقت عيناه، وقال: صدق سليم، وقد أتى أبي بعد قتل جدي الحسين، وأنا قاعد عنده فحدثه بهذا الحديث بعينه، فقال أبي: صدق. وقد حدثني أبي وعمي الحسن بهذا الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام (4) .
وقد أشار إلى هذا الكتاب أيضا أحمد بن حنبل في
____________
1- البحار: ج 30، ص 133 و 135.2- الذريعة: ج 2، ص 152.
3- الذريعة: ج 2، ص 153.
4- الذريعة: ج 2 ص 153 ط مؤسسة اسماعيليان. وراجع: اختيار معرفة الرجال: ص 104 و 105. الحديث رقم 167.
مسنده(1).
وقال عنه ابن النديم: هو أول كتاب ظهر للشيعة (2) ومراده: أنه أول كتاب ظهر فيه أمر الشيعة (3).
وقال بدر الدين السبكي: أول كتاب صنف للشيعة هو كتاب سليم (4).
ونقل عن كتاب سليم كثير من قدماء الأصحاب، مثل: ثقة الإسلام في الكافي، ورئيس المحدثين الشيخ الصدوق في الخصال، وفرات في تفسيره، ومن لا يحضره الفقيه، وعيون المعجزات، والاحتجاج، وإثبات الرجعة، والاختصاص، وبصائر الدرجات، وتفسير ابن ماهيار، والدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم.
فقد رووا عنه بأسانيد متعددة تنتهي أكثرها إلى أبان بن عياش، الذي أعطاه سليم كتابه مناولة، ويرويه أيضا عن سليم بغير مناولة (5).
وقد اعتبره النجاشي في جملة القلائل المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالح (6)، وأشار إليه شيخ الطائفة الشيخ الطوسي رحمه الله (7) وابن شهرآشوب المازندراني(8).
____________
1- مسند أحمد: ج 2 ص 332. 2- الفهرست: ص 275. والذريعة: ج 2 ص 153. 3- الذريعة: ج 2، ص 153. 4- المصدر السابق، عن محاسن الوسائل في معرفة الأوائل. 5- راجع: الذريعة: ج 2 ص 154 و 155. 6- رجال النجاشي: ص 6. 7- الفهرست: ص 162. 8- معالم العلماء: ص 58.
أما المسعودي فقال: والقطعية بالإمامة، الاثنا عشرية منهم، الذي أصلهم في حصر العدد ما ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه(1).
وقال العلامة السيد ابن طاووس: تضمن الكتاب ما يشهد بشكره وصحة كتابه(2).
وقال المولى محمد تقي المجلسي: إن الشيخين الأعظمين حكما بصحة كتابه، مع أن متن كتابه دال على صحته(3).
وقال: كفى باعتماد الصدوقين: الكليني والصدوق: ابن بابويه عليه.. وهذا الأصل عندي، ومتنه دليل صحته(4).
وقد اعتبره المحدث المتبحر الشيخ الحر من الكتب المعتمدة التي شهد بصحتها مؤلفوها وغيرهم، وقامت القرائن على ثبوتها، وتواترت عن مؤلفيها، أو علمت صحة نسبتها إليهم(5).
وراجع ما نقله الفاضل المعاصر الشيخ محمد باقر الأنصاري الزنجاني الخوئيني في مقدمة كتاب سليم بن قيس: ج 1 ص 109 ـ 113 عن العلامة السيد مصطفى التفريشي، والعلامة السيد هاشم البحراني والمدقق الشيرواني، والفاضل المتبحر مير حامد حسين صاحب كتاب عبقات الأنوار، وغيرهم.
____________
1- التنبيه والإشراف: ص 198. 2- التحرير الطاووسي: ص 136. 3- روضة المتقين: ج 14 ص 372. 4- تنقيح المقال: ج 2 ص 53. 5- راجع: وسائل الشيعة: ج 20 ص 36 و 42.
كما أن العلامة السيد محسن الأمين رحمه الله قد اعتمده ونقل عنه في كتاب المجالس السنية الذي يقول في آخره: .. وأخذه من المصادر والموثوقة والمصنفات المشهورة(1) وهو إنما كتب كتابه هذا المجالس السنية ليكون عملا إصلاحيا، يبعد فيه عن سيرتهم عليهم السلام عما يعتقد فيه أنه مدسوس أو مكذوب (2).
إن منشأ الطعن في كتاب سليم بن قيس، أمران:
الأمر الأول: ما قاله محمد بن أبي بكر لأبيه عند موته:
فقد جاء في كتاب سليم: أن سليما التقى بعبد الرحمان بن غنم فأخبره عما قاله معاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة عند حضور أجلهم، حيث ذكروا: أنهم رأوا رسول الله (ص) وعليا(ع) عند موتهم فبشرا كل واحد منهم بالنار.
ثم التقى سليم بمحمد بن أبي بكر، فأخبره بما قاله أبو بكر أيضا عند موته، ثم أخبره محمد بن أبي بكر، بأن عبد الله بن عمر قد سمع من أبيه عند موته مثل ذلك، وذكر له تفاصيل عما جرى بينه وبين أبيه. وهي من الأمور الجليلة التي لا يعقلها طفل عمره سنتان أو ثلاثة، بل يحتاج إلى وعي كامل، ومعرفة وتدبر للأمور.
ثم أخبر محمد سليما أيضا بأنه أتى أمير المؤمنين(ع) فحدثه بما
____________
1- المجالس السنية: ج 5 ص 762.2- أعيان الشيعة: ج 10 ص 173.
سمعه من أبيه، وبما حدثه به ابن عمر عن أبيه، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:
قد حدثني عما قاله هؤلاء الخمسة(1) من هو أصدق منك ومن ابن عمر، يريد عليه السلام بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله قبل موته أو بعده بالمنام، أو أخبره الملك الذي يحدث الأئمة عليهم السلام.
وبعد شهادة محمد بن أبي بكر بمصر التقي سليم بأمير المؤمنين عليه السلام، وسأله عما أخبره محمد بن أبي بكر، فقال عليه السلام: صدق محمد رحمه الله، أما إنه شهيد حي يرزق ، ثم قرر عليه السلام كلام محمد بأن أوصياءه كلهم محدثون (2) .
أما تفاصيل ما جرى بين محمد وبين أبيه عند موت أبيه فهو في كتاب سليم بن قيس نفسه (3) فليراجعه من أراد..
ونقول:
قال شيخ الإسلام العلامة المجلسي رحمه الله وهو العالم المتبحر والعلم الفذ:
هذا الخبر أحد الأمور التي صارت سببا للقدح في كتاب
____________
1- الخمسة هؤلاء هم: معاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة، وعمر، وأبو بكر، وهم الذين كتبوا الصحيفة التي تعاقدوا فيها على إبعاد الأمر عن علي(ع).2- راجع: مقدمة كتاب سليم للشيخ محمد باقر الأنصاري الخوئيني. ج 1 ص 187 و 188. و ج 2 ص 816 ـ 824.
3- راجع: كتاب سليم بن قيس، ج 2 ص 821 ـ 823. تحقيق الشيخ محمد باقر الأنصاري الخوئيني. .
سليم، لأن محمدا ولد في حجة الوداع ـ كما ورد في أخبار الخاصة والعامة ـ فكان له عند موت أبيه سنتان وأشهر، فكيف كان يمكنه والتكلم بتلك الكلمات، وتذكر تلك الحكايات؟!
ولعله مما صحف فيه النساخ أو الرواة.
أو يقال: إن ذلك كان من معجزات أمير المؤمنين عليه السلام ظهر فيه.
وقال بعض الأفاضل: رأيت فيما وصل إلي من نسخة هذا الكتاب: أن عبد الله بن عمر وعظ أباه عند موته.
والحق أن بمثل هذا لا يمكن القدح في كتاب معروف بين المحدثين، اعتمد عليه أمثال الكليني، والصدوق، وغيرهما من القدماء، وأكثر أخباره مطابقة لما روي بالأسانيد الصحيحة في الأصول المعتبرة. وقل كتاب من الأصول المتداولة يخلو عن مثل ذلك(1) .
يضاف إلى ما ذكره العلامة المجلسي النقاط التالية:
1 ـإن الشيخ محمد باقر الزنجاني يقول: إن الصفار، والصدوق، والشيخ المفيد، وإبراهيم بن محمد الثقفي قبلهم حكوا هذا الحديث بعينه بالإسناد إلى سليم من غير طريق كتابه (2) .
____________
1- البحار: ج 30 ص 133 و 134.2- راجع: بصائر الدرجات: ص 372،، وعلل الشرائع: ج 1 ص 182، والاختصاص: ص 324. والكافية في إبطال توبة الخاطئة للشيخ المفيد على ما رواه عنه المجلسي في البحار (طبع قديم): ج 8 ص 199 والغارات للثقفي: ح 1 ص 326.
2 ـقد روي بعض ما ورد في هذا الحديث في كتب أخرى، مثل: تقريب المعارف للفقيه الجليل الشيخ أبي الصلاح، والأمالي لأستاذه الشيخ المفيد، والكافية في إبطال توبة الخاطئة للمفيد أيضا، ومدينة المعاجز للعلامة المقدس السيد هاشم البحراني عن ابن عباس وكعب الأحبار(1).
وقضية تكلم محمد بن أبي بكر مع أبيه حين الموت ذكرها كل من العماد الطبري في كتابه: كامل بهائي (2) والغزالي في سر العالمين، وابن الجوزي في تذكرة الخواص(3).
3 ـبقي أن نشير إلى أن ما ذكر عن مقدار عمر محمد بن أبي بكر حينئذ ليس هو الكلام النهائي فيه، فقد ذكروا أنه كان له من العمر حين وفاة أبيه حوالي خمس سنوات، إن كان قد ولد في سنة ثمان، أو أربع سنوات، إن كانت ولادته في حجة الوداع سنة تسع للهجرة، فلعل هذا الطفل كان من النوابغ.
واحتمل العلامة المجلسي أن تكون هذه معجزة أظهرها الله سبحانه لأمير المؤمنين عليه السلام (4).
____________
1- راجع: مقدمة كتاب سليم بن قيس للأنصاري الخوئيني: ج 1 ص 191 و 192. 2- كامل بهائي: ج 2 ص 129. الفصل الخامس، وعنه في مقدمة كتاب سليم
للأنصاري الخوئيني، ج 1 ص 194. 3- راجع: مقدمة كتاب سليم للأنصاري الخوئيني، ج 1 ص 194، وفي هامشه عن:
استقصاء الأفهام: ج 1 ص 514، وعن كشف الحجب: ص 445 وتذكرة الخواص ص 62. 4- راجع: مقدمة كتاب سليم: ج 1 ص 91 / 196.
ومهما يكن من أمر فإن وجود حديث معضل في كتاب لا يبرر الخدشة في الكتاب كله، مع احتمال وجود تصحيف أو سهو من الكاتب نفسه بأن يكون المقصود هو عبد الرحمان بن أبي بكر، أو غير ذلك من احتمالات. وفي الكتب المعتبرة موارد كثيرة من هذا القبيل ولم يقدح ذلك في اعتبارها.
الأمر الثاني: الأئمة ثلاثة عشر:
قد جاء في كتاب سليم راويا ذلك عن النبي (ص) قوله (ص): ألا وإن الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختار منهم رجلين: أحدهما أنا، فبعثني رسولا، والآخر علي بن أبي طالب.. إلى أن قال: ألا وإن الله نظر نظرة ثانية، فاختار بعدنا اثني عشر وصيا من أهل بيتي، فجعلهم خيار أمتي، واحدا بعد واحد(1) .
ونقول:
إن ذلك لا يصلح سببا للطعن في الكتاب، وذلك لما يلي:
1 ـإن من القريب جدا أن تكون كلمة فاختار بعدنا اثني عشر تصحيفا لكلمة بعدي، لا سيما وإن حرف (نا) وحرف (ي) يتقاربان في الرسم إلى حد ما.
بل لقد قال العلامة المجلسي وغيره: وقد وجدنا في بعض
____________
1- كتاب سليم بن قيس: ج 2 ص 857.
النسخ بعدي من دون تصحيف(1).
واحتمل المجلسي أيضا: أنه كان أحد عشر فصحفه النساخ (2).
ومما يدل على ذلك أيضا:أن هذا الحديث قد ذكر بعينه في موضع آخر من الكتاب، وفيه بعدي بدل بعدنا (3).
2 ـإن في كتاب سليم حسب إحصائية البعض (4) أربعة وعشرين موردا غير ما نحن فيه قد نص فيها على أن الأئمة هم اثنا عشر إماما بصورة صريحة وواضحة(5).
فلا معنى للتمسك بهذا النص الأخير للطعن على الكتاب كله بحجة أنه قد جعل الأئمة ثلاثة عشر..
فإذا كان هذا المورد الواحد دليل وضع الكتاب، فليكن أربعة وعشرون موردا آخر دليل صحته وأصالته، لا سيما مع الاحتمال القوي جدا بحصول التصحيف في كلمة بعدنا ، كما ألمحنا إليه.
3 ـقال آية الله السيد الخوئي (قدس سره): إن اشتمال الكتاب على أمر باطل في مورد أو موردين لا يدل على وضعه، كيف ويوجد أكثر من ذلك في أكثر الكتب حتى كتاب الكافي، الذي هو
____________
1- البحار: ج 22 ص 150 ومقدمة كتاب سليم: ج 1 ص 181. 2- راجع البحار: ج 22 ص 150. 3- راجع: كتاب سليم بن قيس: ج 2 ص 686. 4- هو الشيخ محمد باقر الأنصاري الخوئيني. 5- راجع: محمد باقر الأنصاري الخوئيني: مقدمة كتاب سليم بن قيس الهلالي:
ج 1 ص 172 / 180.
أمتن كتب الحديث وأتقنها(1).
وقال العلامة المجلسي: .. وهذا لا يصير سببا للقدح، إذ قلما يخلو كتاب من أضعاف هذا التصحيف والتحريف، ومثل هذا موجود في الكافي وغيره من الكتب المعتبرة، كما لا يخفى على المتتبع (2)
4 ـقال المسعودي المتوفى سنة 345 ه.: .. والقطعية بالإمامة الاثنا عشرية منهم، الذين أصلهم في حصر العدد ما ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه (3) .
وقد ذكره عدد من العلماء في عداد الأصول القديمة التي نصت على الأئمة الاثني عشر عليهم سلام الله، فراجع (4).
وذلك يؤكد وقوع التصحيف في هذا الحديث.
5 ـذكر المحقق الشيخ محمد تقي التستري العديد من الموارد المشابهة في الكافي، ونحن ننقل هنا عبارة الشيخ التستري(5) رحمه الله، قال:
إنه من سوء تعبير الرواة، والا فمثله في الكافي أيضا موجود،
____________
1- معجم رجال الحديث: ج 8 ص 225. وعنه في مقدمة كتاب سليم للشيخ محمد
باقر الأنصاري الخوئيني ص 170. 2- بحار الأنوار: ج 22 ص 150. وعنه في مقدمة كتاب سليم للشيخ محمد باقر
الأنصاري: ص 170. 3- التنبيه والإشراف ص 198. 4- مقدمة كتاب سليم بن قيس، للأنصاري الخوئيني: ج 1 ص 172. 5- مقدمة كتاب سليم بن قيس: ج 1 ص 183، للأنصاري الخوئيني، نقلا عن
المحقق الشيخ التستري رحمه الله.
ففي باب ما جاء في النص على الأئمة الاثني عشر في خبر عن النبي صلى الله عليه وآله: إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض.. فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها(1).
وفي خبر آخر عنه صلى الله عليه وآله: من ولدي اثنا عشر نقباء نجباء مفهمون آخرهم القائم (2).
ورواهما أبو سعيد العصفري في أصله بلفظ أحد عشر(3).
وفي خبر ثالث عن جابر الأنصاري قال: دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثني عشر (4).ورواه الصدوق في الإكمال والعيون والخصال بدون كلمة من ولدها (5).
وفي خبر رابع عن الباقر عليه السلام: الاثنا عشر إماما من آل محمد كلهم محدث من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله، وولد علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما (6). ورواه في الخصال والعيون: كلهم محدث بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب منهم (7).
____________
1- الكافي: ج 1 ص 534 ح 17. 2- الكافي: ج 1 ص 534 ح 18. 3- أصل أبي سعيد العصفري: الصفحة الأولى. 4- الكافي: ج 1 ص 532 ح 9. 5- إكمال الدين: ص 311 ح 3، عيون الأخبار: ج 1 ص 37 ح 6، الخصال: ب 12 ح
42. 6- الكافي: ج 1 ص 533 ح 14. 7- عيون الأخبار: ج 1 ص 46 ح 24، الخصال: ب 12 ح 49.
وفي خبر خامس عن أبي سعيد الخدري في سؤالات اليهودي (عن الأئمة) بعد النبي وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، فقال عليه السلام له: إن لهذه الأمة اثنى عشر إمام هدى من ذرية نبيها وهم مني ـ إلى أن قال: ـ وأما من معه في منزله فهؤلاء الاثنى عشر من ذريته (1).
وقد روى مضمون هذا الخبر النعماني بدون قيد من ذرية نبيها (2). هذا هو نص كلام الشيخ التستري في قاموس الرجال (3).
____________
1- الكافي: ج 1 ص 232 ح 8. 2- الغيبة للنعماني: ص 67. 3- قاموس الرجال: ح 4 ص 452.
هناك من يحاول إثارة الشك بكل ما جرى على الزهراء عليها السلام، باستثناء التهديد بإحراق البيت وغصب فدك.
وحتى هذا التهديد، فإنه يحاول أو يخفف من وقعه، ويجعله صوريا بدعواه: أن الذين جاء بهم الخليفة الثاني ليهاجموا الزهراء عليها السلام، كانت قلوبهم مملوءة بحبها فكيف نتصور أن يهجموا عليها .
هذا بالإضافة إلى أن قوله: إن الناس كانوا يحترمونها ويجلونها، ولن يكون من السهل القيام بأي عمل ضدها .
يعني:أن يصبح التهديد شكليا، ثم يضيف قوله: إن رأس المهاجمين قد استثنى الزهراء عليها السلام، وأخرجها عن دائرة التهديد، حيث فسر كلمة: وإن في جواب من قال: إن فيها فاطمة، قائلا: إن المراد بقوله وإن: لا شغل لنا بفاطمة، إنما جئنا لاعتقال علي.
ثم استشهد لذلك كله بما تقدم في الفصل السابق، وبما سنذكره في هذا الفصل وما يأتي بعده.
والذي نريد أن نلم به في فصلنا هذا هو ما رأى أنه يؤيده من أقوال بعض أساطين المذهب، ورواد العلم، حيث استشهد بكلام ثلاثة من هؤلاء وهم:
1 ـ الإمام الشيخ المفيد قدس الله نفسه الزكية.
2 ـ آية الله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء رحمه الله.
3 ـ آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين طاب ثراه.
فنحن نورد أولا كلام المفيد (قدس سره)، ثم نوضح أنه لا ينفعه فيما يريد إثباته، وذلك فيما يلي من مطالب.
قلنا:إن البعض يستشهد لتأييد تشكيكاته فيما جرى على الزهراء عليها السلام، من بلايا ومصائب بأقوال ينسبها إلى بعض كبار العلماء، كالمفيد، وكاشف الغطاء، وشرف الدين.
وقبل إن ندخل في مناقشة صحة ما ينسب إليهم، نود التذكير بأمر هام يرتبط بالاستشهاد بأقوال العلماء بصورة عامة.
فنقول:
إن البعض قد يعتذر عن مخالفاته الكثيرة في أمور الدين لما عليه عامة جهابذة العلم وأساطينه، بأن فلانا العالم يقول بهذا القول، وأن فلانا العالم الآخر يقول بذلك القول.. وهكذا..
وقد لا يقتصر في اعتذاره هذا على أمور الفقه بل يتعداها إلى
العقائد، والتاريخ: والتفسير، وغير ذلك، وقد يحتاج أحيانا، قبل أن يجهر ببعض قناعاته إلى أن يمهد لها بما يبعدها عن الإستهجان والاستغراب بأنواع التمهيدات، فيسرب رأيه أولا عن طريق بعض المقربين له، ثم يعلن في مناسبات متوالية أنه لا يزال يدرس الموضوع، ويلمح في الوقت نفسه إلى فرص انتاج الرأي المطلوب بطريقة أو بأخرى. وحين لا يجد أحدا من الفقهاء يوافقه على ما يقول، فأنه يلجأ إلى اعتبار الاحتياط الوجوبي بنقيض قوله إشارة بل اتجاها نحو موافقته بالفتوى في المستقبل. فالقول بأن الأحوط هو حرمة حلق اللحية مثلا، يعتبره خطوة على طريق القول بالحلية، ويصلح للاستشهاد به لها.
ثم إنك قد تجده يقول:أنا فلانا العالم والفقيه المعروف لدى عامة الناس، هو أول من قال بكذا، فإذا راجعت الكتب والموسوعات الفقهية، تجد أن الأمر ليس كذلك، بل قد سبق هذا الفقيه إلى هذا القول كثيرون آخرون.
فقد يقال لك مثلا في العديد من المرات والمناسبات أن المرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم رحمه الله هو أول من أفتى بطهارة الكتابي، مخالفا بذلك الإجماع، والقصد من هذا القول هو تبرير مخالفات الإجماع التي تصدر من قبل من يهمه أمثال هذه التبريرات، مع أن ابن أبي عقيل، وابن الجنيد، والشيخ المفيد في أحد قوليه، وربما نسب إلى الشيخ الطوسي أيضا القول بذلك ـ وجميع هؤلاء من كبار قدماء فقهاء الإمامية ـ، وقد أفتوا بطهارة الكتابي قبل السيد الحكيم رحمه الله.
ومثال آخر نذكره هنا، وهو أن البعض حين يسأل عن السبب
في تحليله اللعب بآلات القمار نجده يبادر إلى الاستشهاد بالسيد الإمام الخميني (ره) على أنه قد خالف الإجماع حين حلل اللعب بالشطرنج وهو من آلات القمار..
مع أن السيد الإمام لم يحلل الشطرنج الذي هو من آلات القمار، بل قال رحمه الله: إن الشطرنج إن كان قد خرج عن كونه من آلات القمار، جاز اللعب به . وهذه قضية تعليقية شرطية، وصدق الشرطية لا يستلزم صدق طرفيها.
على أن من الواضحات كون الافتاء بالجواز معلقا على شرط، لا يعني المخالفة لمن أفتى بالحرمة بدون ذلك الشرط.
وحين تجتمع لدى البعض نوادر من الفتاوى، على نحو ملفت للنظر، نجده يبرر ذلك بأن فلانا العالم قد قال بهذه الفتوى، وقال فلان العالم الآخر بتلك، وهكذا.
ولكننا لا ندري لماذا يكون الحق في ذلك كله مع هؤلاء في خصوص المسائل التي شذوا فيها مما وافقهم عليه، ولكنهم يخطئون في فتاواهم والمشهور يخطئ معهم، في غير ذلك من فتاوى تخالفه، فضلا عن خطأهم فيما شذوا فيه عن المشهور، ولم يوافقهم هذا البعض أيضا عليه؟!
على أن اجتماع فتاوى شاذة كثيرة لدى شخص واحد، قد يؤدي إليه أن يصبح هذا الشخص خارج دائرة المذهب الفقهي الذي ينتمون إليه..
وإن كان لا يخلو فقيه من الموافقة في بعض فتاواه لبعض الفتاوى الشاذة اليسيرة جدا، والتي لا تضر، ولا تخرجه عن النهج العام للمذهب الذي ينتمي إليه.
وبعد هذه المقدمة، ندخل إلى الموضوع الذي هو محط نظرنا،
فنقول:
هناك من يقول:بأن ثمة إجماعا على أن الزهراء عليها السلام قد ظلمت، وضربت، بل وأسقط جنينها، لكن البعض حاول التشكيك في إجماع كهذا، ولم يقنعه ما جاء في تلخيص الشافي، من نص شيخ الطائفة الشيخ الطوسي على أنه لا خلاف بين الشيعة، في أن فاطمة عليها السلام قد تعرضت للضرب، وإسقاط الجنين.
ولم يقنعه أيضا، رواية ذلك بكثرة ظاهرة في مصنفاتهم شيعة أهل البيت(ع)، ولا ورود ذلك أيضا بصورة مستفيضة من طرق غيرهم.
بل إن روايات الشيعة عن المعصومين، فضلا عن غيرهم، حول مظلوميتها عليها السلام من الكثرة والتنوع بحيث يمكن القول بتواترها.
ونحن نذكر هنا كلام الشيخ الطوسي، والعلامة كاشف الغطاء حول هذا الأمر، ثم نعقب ذلك بمناقشة ما قاله هذا البعض حول ذلك.
فنقول:
1 ـ قال شيخ الطائفة الإمام الشيخ محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460 ه. وهو تلميذ الشيخ المفيد، والشريف المرتضى:
ومما أنكر عليه: ضربهم لفاطمة عليها السلام. وقد روي أنهم ضربوها بالسياط.
والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة: أن عمر ضرب على بطنها حتى أسقطت، فسمي السقط محسنا ، والرواية بذلك مشهورة عندهم. وما أرادوا من إحراق البيت عليها، حين التجأ إليها قوم، وامتنعوا من بيعته.
وليس لأحد أن ينكر الرواية بذلك، لأنا قد بينا الرواية الواردة من جهة العامة، من طريق البلاذري، وغيره. ورواية الشيعة مستفيضة به، لا يختلفون في ذلك(1) .
2 ـوقال العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء:
طفحت واستفاضت كتب الشيعة، من صدر الإسلام، والقرن الأول، مثل كتاب سليم بن قيس، ومن بعده إلى القرن الحادي عشر وما بعده، بل وإلى يومنا هذا، كل كتب الشيعة التي عنيت بأحوال الأئمة، وأبيهم الآية الكبرى، وأمهم الصديقة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين، وكل من ترجم لهم، وألف كتابا فيهم، وأطبقت كلمتهم تقريبا، أو تحقيقا في ذكر مصائب تلك البضعة الطاهرة: أنها بعد رحلة أبيها المصطفى ضرب الظالمون وجهها، ولطموا خدها، حتى احمرت عينها، وتناثر قرطها، وعصرت بالباب حتى كسر ضلعها، وأسقطت جنينها، وماتت وفي عضدها كالدملج.
ثم أخذ شعراء أهل البيت سلام الله عليهم، هذه القضايا والرزايا، ونظموها في أشعارهم، ومراثيهم، وأرسلوها إرسال
____________
1- تلخيص الشافي: ج 3 ص 156.المسلمات: من الكميت، والسيد الحميري، ودعبل الخزاعي، والنميري، والسلامي، وديك الجن، ومن بعدهم، ومن قبلهم الى هذا العصر الخ...(1) .
3 ـيقول المقدسي: وولد محسنا، وهو الذي تزعم الشيعة: أنها أسقطته من ضربة عمر(2).
4 ـوقد نسب المعتزلي الشافعي ضربها(ع) وإسقاط المحسن إلى الشيعة، وأن الشيعة تنفرد به (3).
5 ـويقول العلامة المظفر: يكفي في ثبوت قصد الإحراق رواية جملة من علمائهم له، بل رواية الواحد منهم له، لا سيما مع تواتره عند الشيعة (4).
فالمقدسي والمعتزلي الشافعي إذن ينسبان رواية المظلومية والقول بها إلى طائفة الشيعة، لا إلى جمهورها، أو إلى المشهور في هذه الطائفة، وذلك يشير إلى هذا الإجماع الذي أشار إليه الطوسي وكاشف الغطاء رحمهما الله تعالى.
وبعد ما تقدم نقول:
لقد حاول البعض التشكيك الإجماع المذكور، وذلك استنادا إلى أمور ثلاثة.
الأول:إن الشيخ المفيد لا يلتزم به، بل هو يذكر ما ينقض هذا الإجماع.
____________
1- جنة المأوى: ص 78 ـ 81. 2- البدء والتاريخ: ج 5 ص 20. 3- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2 ص 60. 4- دلائل الصدق: ج 3 قسم 1.
الثاني:إن الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، لم يلتزم بمفاده.
الثالث:إن السيد شرف الدين كذلك لم يلتزم بمفاده.
وفي الصفحات التالية في هذا الفصل وما يأتي بعده نذكر كلامهم، ونناقشه مع توخي الاختصار والاقتصار على المهم فنقول:
مراد الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد:
يقول البعض:
يقول الشيخ المفيد (قده): وفي الشيعة من يذكر: أن فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعد النبي صلى الله عليه وآله ولدا ذكرا، كان سماه رسول الله عليه السلام ـ وهو حمل ـ محسنا، فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين عليه السلام ثمانية وعشرون. والله أعلم(1) .
وقد نقل السيد الأمين كلام الشيخ المفيد ـ هذا ـ في كتابه: أعيان الشيعة. ونقله المجلسي في البحار وآخرون.
فإذا كان الشيخ الطوسي ينقل اتفاق الشيعة على أن عمر ضرب على بطن فاطمة حتى أسقطت محسنا، والرواية بذلك
____________
1- الإرشاد: ج 1 ص 355 (ط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث. سنة 1416 ه. ق.
بيروت لبنان) والبحار: ج 42 ص 90 عنه وكشف الغمة: ج 2 ص 67.
مشهورة عندهم(1). فالشيخ المفيد يخالف الطوسي، وهو معاصر له بل هو أستاذه، وكلامه يوحي بأنه لا يتبنى الاسقاط من الأساس.
والجواب:
أولا:إن العبارة المذكورة لا تدل على مخالفة المفيد للطوسي في هذا الأمر، لأن كلمة الشيعة كانت في زمن الشيخ المفيد تطلق على العديد من الفرق، مثل: الزيدية، والاسماعيلية، والإمامية، وغيرهم، بل وعلى المعتزلة أيضا الذين كانوا هم الحاكمين في بغداد، هم الذين سمحوا بإقامة مناسبة عاشوراء بالطريقة المعروفة والمتداولة حتى يومنا هذا.
وكان يطلق على الشيعة الإمامية من قبل خصومهم اسم: الرافضة.
وقد تحدث النوبختي في كتابه فرق الشيعة، والأشعري في المقالات والفرق، والشيخ المفيد نفسه في الفصول المختارة، وغيرهم عن فرق الشيعة، ومن أراد التفصيل فليراجعها، وغيرها من كتب المقالات والفرق، بل إن العلامة الفاضل المازندراني الخواجوئي قد رد على من أدعى أن إطلاق كلمة الشيعة على خصوص من يعتقد بإمامة علي، وان لم يعتقد بإمامة سائر الأئمة، بقوله: هذا منه غريب، يدل على قلة تتبعه وعدم تصفحه. فإن في كثير من الأخبار دلالة على إطلاق الشيعة على الزيدية والواقفية، ومن يحذو حذوهم (2).
بل روي عن الإمام الصادق عليه السلام: أنه حدث عمر بن
____________
1- تلخيص الشافي: ج 3 ص 156. 2- الرسائل الاعتقادية: ص 27.
يزيد في فضائل الشيعة مليا ، ثم قال: إن من الشيعة بعدنا من هم شر من النصاب، قلت: جعلت فداك، أليس ينتحلون حبكم ويبرؤون من عدوكم؟! قال: نعم الخ..(1) .
فالمفيد هنا لا يريد أن ينسب حديث إسقاط المحسن إلى جميع الشيعة بالمعنى الأعم، بل إلى خصوص الإمامية منهم. ولعله رحمه الله اختار التعبير بكلمة الطائفة بعد ذلك، ليشير إلى أن طائفة من الشيعة تروي ذلك، وليس كل الطوائف التي يطلق عليها اسم شيعة.
والملفت أنه رحمه الله لم يقل: إن بعض الشيعة يروي حديثا
بل قال: وفي الشيعة من يذكر: أن فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعد النبي الخ.. فلم يشر رحمه الله إلى حديث واحد أو أكثر، ولا أشار إلى حجم القائلين بذلك من الشيعة من حيث القلة والكثرة.
بل أشار إلى أنهم يصح وصفهم بكلمة طائفة حين قال: فعلى قول هذه الطائفة الخ.. .
وقد لقب الشيخ الطوسي رحمه الله بشيخ الطائفة ، والمقصود هو طائفة الإمامية، لا مطلق الشيعة.
وثانيا:لقد كان عصر المفيد رحمه الله بالغ الحساسية ومن أصعب العصور في تاريخ شيعة أهل البيت(ع)، حيث كانت الفتن تتجدد في كل عام في يوم الغدير، وفي خصوص مناسبة عاشوراء، حيث كانت الشيعة تقيم ذكريات لا يصبر عليها خصومهم من حنابلة بغداد المتشددين والمتعصبين فيهاجمونهم، وتكون المصائب
____________
1- الرسائل الاعتقادية: ص 27.
والنكبات، والبلايا والمذابح الخطيرة، حسبما أوضحناه في كتابنا صراع الحرية في عصر المفيد الفصل الأول، وقد أحرقوا في بعض السنين بيوت الشيعة في الكرخ، فمات بسبب ذلك ثمانية عشر ألف إنسان، وعند ابن خلدون: عشرون ألفا بين طفل وشاب وامرأة.
فكان رحمه الله يريد أن يتعامل مع الأمور بمنتهى الحكمة والدقة. وكان كتابه الإرشاد الذي ألفه في أواخر حياته، قد راعى فيه أن يكون كتاب تاريخ يتوخى فيه بالإضافة إلى الدقة والأمانة العلمية، أن يكون مقبولا لدى الكافة، ويمكن للجميع أن يستفيدوا منه، ولم يرد له أن يتخذ صفة غير صفة تحديد الحدث بتفاصيله، بعيدا عن المذهبيات، بل هو يتجاوز الحدود والتعصبات المذهبية ليكون كتابا للناس جميعا.
فلأجل ذلك لم يذكر فيه الأمور المثيرة والحساسة بصورة ملفتة للنظر، حتى أنه لم يذكر شيئا عن تفاصيل حادثة السقيفة، وكل ما يرتبط بشأن البيعة لأبي بكر(1)، ويبدو أن ذلك منه رحمه الله يدخل في نطاق سياساته المتوازنة، التي تراعي الظروف، والأجواء، وتتعامل معها بواقعية هادفة، وبمسؤولية ووعي.
أما الشيخ الطوسي فكان كتابه دفاعا عن خصوص الشيعة الإمامية، لأن الشافي قد رد فيه السيد المرتضى على القاضي عبد الجبار المعتزلي، فلخصه الطوسي رحمه الله. فالطوسي إذن كالسيد المرتضى قد كتب كتابه بصفته إماميا، يدافع عن مذهبه، ويثبت صحته، فهو يريد أن ينتهي إلى الحد المذهبي الفاصل بينه وبين غيره، بينما أراد الشيخ المفيد لكتابه الإرشاد أن يتجاوز هذه الحدود، ليكون تاريخا
____________
1- راجع كتاب الإرشاد: ج 1 ص 189 (طبع مؤسسة آل البيتع).
للجميع، يمكنهم الإطلاع عليه، والاستفادة منه دون حرج أو تهمة..
فإذا كان الإمامية فقط هم المجمعون على ذلك دون غيرهم من فرق الشيعة، كالاسماعيلية والزيدية الخ.. فلا يصح من المفيد نسبة ذلك إلى غير الإمامية من الطوائف التي لم تجمع عليه.
والملاحظ:إن المفيد رحمه الله قد تجنب ذكر ما يثير العصبيات من جهة، ثم أشار هنا إلى أمر حساس بصورة خفية وذكية من جهة أخرى، حيث أثبت وجود حمل سماه النبي (ص) محسنا، وترك للقارئ حرية البحث عن دور هذا الولد، وعن مصيره.
ثالثا:أما القول بأن المفيد يخالف الطوسي في هذا الأمر فسيأتي في الإجابة على السؤال الآتي، في العنوان التالي: أنه لا يخالفه بل هو يوافقه فلا حاجة إلى الاستعجال بالأمر هنا.
رابعا:لقد كان الشيخ الطوسي تلميذا للمفيد، وكان المفيد رحمه الله هو الرجل الأول في الشيعة آنئذ، فلا يعقل أن يدعي الطوسي إجماع الشيعة بهذا الجزم والحزم والوضوح، مع مخالفة أستاذه وأعظم رجل في الشيعة على الإطلاق في ذلك؟!
وعلى الأقل كان المفترض فيه أن يذكر لنا: أن أستاذه مخالف لهذا الإجماع، بل إن أستاذه ينفي هذا الإجماع ولا يقبل بأصل وجوده!!
وهل يستطيع الطوسي أن يقرر إجماعا ينفيه أستاذه صراحة وينكره، ويقول: إن بعض الشيعة فقط هم القائلون؟! أم أن الطوسي لم يطلع على رأي أستاذه؟!!
أو أنه إطلاق دعواه الإجماع جزافا، ومن دون تثبت؟!
أن ذلك كله مما لا يمكن قبوله، وهذا ما يؤكد أن مراد المفيد من كلامه في الإرشاد هو ما قلناه، ولا يريد به ما ينقض أو يعارض الإجماع الذي تحدث عنه الطوسي أبدا.
المفيد لم يذكر ما ذكره الطوسي:
يقول البعض:
إذا كان الشيخ الطوسي ينقل اتفاق الشيعة على ضرب وإسقاط جنين الزهراء، فإن الشيخ المفيد الرجل الشيعي الصلب في حجاجه مع مخالفيه في المذهب معاصر للطوسي، وهو لم يذكر في كتبه ما عدا الاختصاص ـ الذي يشك في نسبته إليه ـ قضية كسر الضلع وغيرها مما يقال في هذا المجال أبدا.
ويزيد هذا البعض فيقول: لقد تتبعت الموارد التي ذكرت فيها الزهراء في كتبه ـ أي في كتب الشيخ المفيد ـ فلم أجد حديثا عن كسر الضلع، وإسقاط الجنين، ونحو ذلك.. ولا أدري إذا كان تتبعي دقيقا.
والجواب:
إننا قبل كل شئ نود أن نسجل هنا الملاحظة التالية:
وهي:أن هذا البعض يصر هنا على التصريح بكسر الضلع مع أن نقضه لكلام الطوسي بكلام المفيد في عبارته الأولى، يدل على أنه بصدد إنكار كل ما ذكره الطوسي من ضرب الزهراء وإسقاط المحسن. ولم يتحدث الطوسي عن كسر الضلع في تقريره للاجماع، وتقريره لتضافر الروايات به: فما المبرر لإقحام كسر الضلع في هذا المورد؟!.
وبعد هذه الملاحظة نقول:إن الشيخ المفيد قد ذكر مظلومية الزهراء، وكثيرا مما جرى عليها في كتبه.
وفي مجال مناقشة ما قاله ذلك البعض حول هذا الأمر نقول:
أولا: لم نفهم المقصود بالأمور التي أشار إليها هذا المتحدث بكلمة وغيرها التي عطفها على كسر الضلع فهل المقصود هو ضربها عليها السلام؟ أو إسقاط جنينها؟ أو إحراق بيتها، حتى أخذت النار في خشب الباب؟!
ثانيا: إن عدم ذكر المفيد لشئ من ذلك في كتبه ـ لو سلمنا صحته ـ لا يدل على أنه ينكره، لأن السكوت وعدم ذكر شئ لا يدل على إنكاره من الأساس.
بل قد قلنا:إن تقرير الطوسي الذي هو تلميذ المفيد، للإجماع، وإرساله ذلك إرسال المسلمات، يدل على أن أستاذه كان على رأس القائلين به، والمتحمسين له، إذ لا يصح من الشيخ الطوسي ذكر هذا الأمر بهذا الجزم والحزم والوضوح التام، إذا كان أحد أساتذته الذين لا يشك أحد، من موافقيه ومخالفيه، في تضلعه في هذه القضايا يخالف في هذا الأمر وينكر وجود الإجماع من الأساس.
أما إذا كان هذا الأستاذ ـ الذي هو المفيد بالذات ـ يقول بأن أفرادا قليلين قد قالوا بهذا القول، فإن القضية ـ أعني دعوى الإجماع ـ تصبح أكثر إشكالا، لأن دعوى الطوسي للإجماع في هذه الحالة..، ستكون من أوضح مصاديق الكذب والافتراء منه على شيوخ المذهب ورموزه، والطوسي أجل من أن يتوهم في حقه ذلك.
ثالثا: إن المفيد حين يريد أن يخاطب الشيعة، ويؤلف كتابا لهذه
الطائفة، فإنه لا يتوانى عن الجهر والتصريح بتفاصيل ما جرى على الصديقة الطاهرة عليها السلام.
فقد روى في الاختصاص، عن عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن أبا بكر كتب للسيدة الزهراء عليها السلام كتابا برد فدك، فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر.
فقال: يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك؟
فقالت: كتاب كتب لي أبو بكر برد فدك.
فقال: هلميه إلي.
فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله، وكانت حاملة بابن اسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها، ثم لطمها، فكأني أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت(1).
ثم أخذ الكتاب فخرقه.
فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوما مريضة مما ضربها عمر، ثم قبضت (2).
وروى أيضا رحمه الله في ذلك الكتاب ـ أعني الاختصاص ـ رواية ثانية ذكرت: أن الثاني قد ضرب الباب برجله فكسره، وأنه رفس فاطمة برجله، فأسقطت المحسن(3).
____________
1- نقفت: كسرت. 2- الاختصاص: ص 185 والبحار: ج 29 ص 192. 3- راجع الاختصاص: ص 344. والبحار: ج 29 ص 192، و ج 28 ص 227 و ج 7 ص
270.
وروى أيضا حديثا آخر في الكتاب نفسه، جاء فيه: عن أبي عبد الله(ع) قوله: وقاتل أمير المؤمنين، وقاتل فاطمة، وقاتل المحسن، وقاتل الحسن والحسين (1).
وأما عن صحة نسبة كتاب الاختصاص للشيخ المفيد، فقد قلنا في الإجابة على سؤال يأتي: إن التشكيك في صحة نسبته للشيخ المفيد في غير محله، وبلا مبرر مقبول أو معقول، وقلنا أيضا: إنه يظهر أن المفيد قد اختار هذا الكتاب من كتاب الاختصاص، لابن عمران، وبناء على هذا يصبح اختياره رحمه الله لهذا الحديث بالذات، لأجل مزية رآها فيه رجحته على غيره.
رابعا:قد تحدث الشيخ المفيد رحمه الله عما جرى على الزهراء في أكثر من مورد في كتبه الأخرى أيضا.
فلاحظ ما يلي:
1 ـقال الكنجي الشافعي عن الشيخ المفيد رحمه الله: إنه قد زاد على الجمهور: إن فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي ذكرا، وكان سماه رسول الله (ص) محسنا، وهذا شئ لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة (2) .
فالكنجي إذن، ينسب القول بإسقاط المحسن إلى المفيد رحمه الله بالذات، إلا أن يكون مراده الإشارة إلى نفس ما ذكره رحمه الله في الإرشاد. مع الاحتمال القوي بأن يكون قد أشار إلى ما ورد في الاختصاص.
____________
1- الاختصاص: ص 344، وكامل الزيارات: ص 327 بسند آخر، والبحار: ج 7 ص 270
و ج 8 ص 213. ونقل أيضا عن بصائر الدرجات للصفار. 2- كفاية الطالب: ص 413.
غير أننا نقول للكنجي هنا:إن مراجعة بسيطة للنصوص المنقولة عن أهل النقل، تظهر أن كثيرين غير ابن قتيبة قد نقلوا ذلك أيضا، وسنذكر إن شاء الله شطرا كبيرا من هذه النصوص في بعض فصول الكتاب.
2 ـلقد ذكر الشيخ المفيد في كتابه المقنعة الذي هو كتاب في الفقه الشيعي، وكذا في كتاب المزار زيارة الصديقة الطاهرة، التي تنص على أنها عليها السلام قد كانت شهيدة، فقد جاء فيها:
السلام عليك أيتها البتول الشهيدة الطاهرة(1)
فهل هناك من سبب لاستشهادها عليها السلام سوى ما جرى عليها من هؤلاء القوم؟ فهل استشهدت عليها السلام بمرض ألم بها!! أم بحادث عرض لها، كسقوطها عن سطح منزلها!! أو أنها تعرضت لحادث اغتيال من مجهول؟!!
وستأتي النصوص التي أوردها المفيد رحمه الله، في مواضعها في قسم النصوص إن شاء الله.
3 ـقد ذكر المفيد قدس الله سره الشريف محاولات إحراق بيت الزهراء في كتابه الأمالي : عن الجعابي، عن العباس بن المغيرة، عن أحمد بن منصور الرمادي، عن سعيد بن عفير، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، قال: لما بايع الناس أبا بكر دخل علي عليه السلام والزبير، والمقداد، بيت فاطمة عليها السلام، وأبوا أن يخرجوا. فقال عمر بن الخطاب: أضرموا
____________
1- المقنعة: ص 459، وراجع البحار: ج 97 ص 195. والبلد الأمين: ص 198.