الصفحة 149

الفصل الخامس

الحدث في كلمات المحدثين والمؤرخين


الصفحة 150

الصفحة 151

زيارة الصديقة الطاهرة:

1 - ذكر الشيخ المفيد زيارة لفاطمة (ع)، تقول: السلام عليك يا رسول الله (ص)، السلام على ابنتك الصديقة الطاهرة، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله (ص)، يا سيدة نساء العالمين، أيتها البتول الشهيدة الطاهرة، الخ.. (1).

2 - وفي نص آخر: السلام عليك أيتها البتولة الشهيدة، ابنة نبي الرحمة (2) .

وهناك نص آخر لزيارتها يقول: السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة (3).

3 - ونص آخر يقول: السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة، الممنوعة إرثها، المكسور ضلعها، المظلوم بعلها، المقتول ولدها(4) .

____________

1- كتاب المزار للشيخ المفيد: ص 156، وكتاب المقنعة للشيخ المفيد أيضا: ص 459. وراجع: البلد الأمين: ص 198 و 278، والبحار: ج 97 ص 197 و 198.

2- راجع البحار: ج 97 ص 198، وفي هامشه عن مصباح الزائر: ص 25 و 26.

3- مصباح المتهجد، ص 654، وإقبال الأعمال: ص 624، والبحار: ج 97 ص 195.

4- إقبال الأعمال: ص 625، والبحار: ج 97، ص 199 / 200.


الصفحة 152

وقال الشيخ الصدوق رحمه الله:

لم أجد في الأخبار شيئا موظفا محدودا لزيارة الصديقة (ع)، فرضيت لمن نظر في كتابي هذا من زيارتها ما رضيت لنفسي(1).

قال هذا تعقيبا على الزيارة المتقدمة التي تقول: السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة(2).

4 - وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله) بعد نقله الزيارة المروية: يا ممتحنة، امتحنك الله...

هذه الرواية وجدتها مروية لفاطمة (ع)، وأما ما وجدت أصحابنا يذكرونه من القول عند زيارتها (ع)، فهو أن تقف على أحد الموضعين اللذين ذكرناهما (3)، وتقول:

السلام عليك يا بنت رسول الله... السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة الخ.. (4).

5 - وفي نص آخر: اللهم صل على السيدة المفقودة، الكريمة المحمودة، الشهيدة العالية (5).

6 - وقد ذكر الكفعمي: أن عدد أولاد فاطمة خمسة. وأن

____________

1- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 573.

2- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 574.

3- أي موضع دفنها.

4- تهذيب الأحكام للطوسي: ج 6 ص 10 وملاذ الأخيار: ج 9 ص 25، والوافي: ج 14 ص 371 و 370 وروضة المتقين: ج 5 ص 345، وراجع: جامع أحاديث الشيعة: ج 12 ص 264.

5- بحار الأنوار: ج 99، ص 220.


الصفحة 153

سبب وفاتها (ع) هو أنها ضربت وأسقطت (1).

وأما تفاصيل حديث ظلمها، فقد تقدم شطر منها في ضمن ذلك القدر العظيم من النصوص والآثار في الفصول المتقدمة، ونقدم هنا مقدارا مما ذكره المؤرخون والمؤلفون في كتبهم، نبدؤها بما رواه سليم بن قيس، في كتابه القيم، الذي هو من الأصول المعتمدة، لجامعية حديثه لتفاصيل ما جرى.

7 - قال شيخ الإسلام العلامة المجلسي: روي بأسانيد معتبرة عن سليم بن قيس الهلالي، وغيره، عن سلمان والعباس قالا: - والنص لكتاب سليم:

قال سليم بن قيس: فلما رأى علي (ع) خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهمإياه لزم بيته.

فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة. وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما، وأبعدهما غورا، والآخر أفظهما (وأغلظهما) وأجفاهما.

فقال أبو بكر: من نرسل إليه ؟

فقال (عمر): نرسل إليه قنفذا، وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب.

فأرسله إليه وأرسل معه أعوانا. وانطلق، فاستأذن على علي (ع)، فأبى أن يأذن لهم.

____________

1- مصباح الكفعمي: ص 522.


الصفحة 154

فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر - وهما (جالسان)، في المسجد والناس حولهما - فقالوا: لم يؤذن لنا.

فقال عمر: إذهبوا، فإن أذن لكم وإلا فادخلوا (عليه) بغير إذن!!

فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة (ع): أحرج عليكم أن تدخلوا علي بيتي (بغير إذن) . فرجعوا وثبت قنفذ الملعون.

فقالوا: إن فاطمة قالت كذا وكذا، فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن.

فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء!!؟

ثم أمر أناسا حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب، وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وإبنيهما (ع)، ثم نادى عمر حتى أسمع عليا وفاطمة (ع):

والله لتخرجن يا علي، ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك (بيتك بالنار)؟!

فقالت فاطمة (ع)، يا عمر، ما لنا ولك؟

فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم.

فقالت: يا عمر، أما تتقي الله تدخل علي بيتي؟ ، فأبى أن ينصرف.

ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، ثم دفعه، فدخل،


الصفحة 155

فاستقبلته فاطمة (ع) وصاحت: يا أبتاه يا رسول الله ! فرفع عمر السيف وهو في غمده، فوجأ به جنبها، فصرخت: يا أبتاه!

فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت: يا رسول الله، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر .

فوثب علي (ع) فأخذ بتلابيبه، ثم نتره، فصرعه، ووجأ أنفه.

ورقبته، وهم بقتله، فذكر قول رسول الله (ص) وما أوصاه به، فقال:

والذي كرم محمدا بالنبوة - يا ابن صهاك - لولا كتاب من الله سبق، وعهد عهده إلي رسول الله (ص)، لعلمت أنك لا تدخل بيتي.

فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار، وثار علي (ع) إلى سيفه. فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي (ع) (إليه) بسيفه، لما قد عرف من بأسه وشدته.

فقال أبو بكر لقنفذ: إرجع، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم بالنار.

فانطلق قنفذ الملعون، فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن.

إلى أن قال:

وحالت بينهم وبينه فاطمة (ع) عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج منضربته، لعنه... الله، إلى أن قال: ثم انطلق بعلي (ع) يعتل عتلا حتى انتهي به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، والمغيرة بن شعبة، وأسيد بن حصين، وبشير بن سعد، وسائر الناس (جلوس) حول أبي بكر عليهم السلاح.


الصفحة 156

قال: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة (ع) بغير إذن ؟ !

قال: إي والله، وما عليها من خمار. فنادت: وا أبتاه، وا رسول الله ! يا أبتاه فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر وعيناك لم تتفقا في قبرك - تنادي بأعلى صوتها -. فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون (وينتحبون) ما فيهم إلا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة، وعمر يقول: إنا لسنا من النساء ورأيهن في شئ.

قال: فانتهوا بعلي (ع) إلى أبي بكر وهو يقول: أما والله لو قد وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لن تصلوا إلى هذا أبدا. أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم، ولو كنت استمكنت من الأربعين رجلا لفرقت جماعتكم، ولكن لعن الله أقواما بايعوني ثم خذلوني.

ولما أن بصر به أبو بكر صاح: خلوا سبيله !

فقال علي (ع): يا أبا بكر، ما أسرع ما توثبتم على رسول الله !

بأي حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك ؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر الله، وأمر رسول الله ؟

وقد كان قنفذ لعنه الله ضرب فاطمة (ع) بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها وأرسل إليه عمر: إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها، فألجأها قنفذ لعنه الله إلى عضادة باب بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنينا من بطنها. فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت (ع) من ذلك شهيدة.

قال: ولما انتهي بعلي (ع) إلى أبي بكر انتهره عمر، وقال له:


الصفحة 157

بايع (ودع عنك هذه الأباطيل).

فقال له (ع): فإن لم أفعل فما أنتم صانعون ؟

قالوا: نقتلك ذلا وصغار ! !

فقال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله.

فقال أبو بكر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسول الله فما نقر بهذا !

قال: أتجحدون أن رسول الله (ص) آخى بيني وبينه ؟

قال: نعم. فأعاد ذلك عليهم ثلاث مرات.

ثم أقبل عليهم علي (ع) فقال: يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار، أنشدكم الله أسمعتم رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم كذا وكذا ؟ ! وفي غزوة تبوك كذا وكذا ؟ فلم يدع (ع) شيئا قال فيه رسول الله (ص) علانية للعامة إلا ذكرهم إياه.

قالوا: اللهم نعم.

فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس، وأن يمنعوه بادرهم فقال (له): كلما قلت حق قد سمعناه بآذاننا (وعرفناه) ووعته قلوبنا، ولكن قد سمعت رسول الله (ص) يقول بعد هذا: إنا أهل بيت اصطفانا الله (وأكرمنا)، واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة .

فقال علي (ع): هل أحد من أصحاب رسول الله (ص) شهد هذا معك ؟


الصفحة 158

فقال عمر: صدق خليفة رسول الله، قد سمعته منه كما قال.

وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل:(صدق)، قد سمعنا ذلك من رسول الله (ص).

فقال لهم علي (ع): لقد وفيتم بصحيفتكم (الملعونة) التي تعاقدتم عليها في الكعبة: إن قتل الله محمدا أو مات لتزون هذا الأمر عنا أهل البيت .

فقال أبو بكر: فما علمك بذلك ؟ ما أطلعناك عليها ؟ !

فقال (ع): أنت يا زبير، وأنت يا سلمان، وأنت يا أبا ذر. وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالاسلام، (أما) سمعتم رسول الله (ص) يقول ذلك وأنتم تسمعون: إن فلانا وفلانا - حتى عد هؤلاء الخمسة - قد كتبوا بينهم كتابا، وتعاهدوا فيه وتعاقدوا (أيمانا) على ما صنعوا إن قتلت أو مت ؟

فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله (ص) يقول ذلك لك:

إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت (أن يتظاهروا عليك) وأن يزووا عنك هذا يا علي .

قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل ؟

فقال لك: إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وإن (أنت) لم تجد أعوانا فبايع واحقن دمك.

فقال علي (ع): أما والله، لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن أما والله لا ينالها أحد من


الصفحة 159

عقبكما إلى يوم القيامة. وفي ما يكذب قولكم على رسول الله (ص) قوله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} ، فالكتاب النبوة والحكمة، والسنة والملك الخلافة ونحن آل إبراهيم.

فقام المقداد فقال: يا علي بما تأمرني ؟ والله إن أمرتني لأضربن بسيفي وإن أمرتني كففت ؟.

فقال علي (ع): كف يا مقداد، واذكر عهد رسول الله وما أوصاك به.

فقمت وقلت: والذي نفسي بيده، لو أني أعلم أني أدفع ضيما وأعز لله دينا، لوضعت سيفي على عنقي ثم ضربت به قدما قدما،

أتثبون على أخي رسول الله ووصيه وخليفته في أمته وأبي ولده ؟ !

فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء !

وقام أبو ذر فقال: أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها المخذولة بعصيانها، إن الله يقول: {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم}، وآل محمد الأخلاف من نوح، وآل إبراهيم من إبراهيم، والصفوة والسلالة من إسماعيل وعترة النبي محمد، أهل بيت النبوة وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وهم كالسماء المرفوعة، والجبال المنصوبة، والكعبة المستورة، والعين الصافية، والنجوم الهادية، والشجرة المباركة، أضاء نورها وبورك زيتها، محمد خاتم الأنبياء، وسيد ولد آدم، وعلي وصي الأوصياء، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وهو الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، ووصي محمد، ووارث علمه، وأولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم، كما قال: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم


الصفحة 160

وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}، فقدموا من قدم الله، وأخروا من أخر الله، واجعلوا الولاية والوراثة لمن جعل الله.

فقام عمر فقال لأبي بكر - وهو جالس فوق المنبر - : ما يجلسك فوق هذا المنبر، وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك ؟ أو تأمر به فنضرب عنقه ! - والحسن والحسين قائمان -!

فلما سمعا مقالة عمر بكيا، فضمهما (ع) إلى صدره فقال: لا تبكيا، فوالله ما يقدران على قتل أبيكما.

وأقبلت أم أيمن حاضنة رسول الله (ص) فقالت: يا أبا بكر، ما أسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم ! فأمر بها فأخرجت من المسجد

وقال: ما لنا وللنساء.

وقام بريدة الأسلمي وقال: أتثب - يا عمر - على أخي رسول الله وأبي ولده، وأنت الذي نعرفك في قريش بما نعرفك ؟ ! ألستما قال لكما رسول الله (ص): انطلقا إلى علي وسلما عليه بإمرة المؤمنين ؟

فقلتما: أعن أمر الله وأمر رسوله ؟

قال: نعم.

فقال أبو بكر: قد كان ذلك، ولكن رسول الله قال بعد ذلك:

لا يجتمع لأهل بيتي النبوة والخلافة .

فقال: والله ما قال هذا رسول الله، والله لا سكنت في بلدة أنت فيها أمير، فأمر به عمر فضرب وطرد !

ثم قال: قم يا ابن أبي طالب فبايع.


الصفحة 161

فقال (ع): فإن لم أفعل:

قال: إذا والله نضرب عنقك، فاحتج عليهم ثلاث مرات، ثم مد يده من غير أن يفتح كفه، فضرب عليها أبو بكر، ورضي بذلك منه.

فنادى علي (ع) قبل أن يبايع - والحبل في عنقه -: {يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني}.

وقيل للزبير: بايع. فأبى، فوثب إليه عمر، وخالد بن الوليد، والمغيرة بن شعبة في أناس معهم، فانتزعوا سيفه (من يده) فضربوا به الأرض (حتى كسروه ثم لببوه).

فقال الزبير - (وعمر على صدره) -: يا ابن صهاك، أما والله لو أن سيفي في يدي لحدت عني . ثم بايع.

قال سلمان: ثم أخذوني فوجأوا عنقي حتى تركوها كالسلعة، ثم أخذوا يدي (وفتلوها)، فبايعت مكرها.

ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما بايع أحد من الأمة مكرها غير علي (ع) وأربعتنا. ولم يكن منا أحد أشد قولا من الزبير، فإنه لما بايع قال: يا ابن صهاك، أما والله لولا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي، لما أعرف من جبنك ولؤمك، ولكن وجدت طغاة تقوى بهم وتصول.

فغضب عمر وقال: أتذكر صهاك؟

فقال: (ومن صهاك) وما يمنعني من ذكرها؟! وقد كانت صهاك زانية، أو تنكر ذلك؟! أوليس كانت أمة حبشية لجدي عبد المطلب


الصفحة 162

فزنى بها جدك نفيل، فولدت أباك الخطاب، فوهبها عبد المطلب لجدك - بعدما نزى بها - فولدته، وإنه لعبد لجدي ولد زنا؟!.

فأصلح بينهما أبو بكر وكف كل واحد منهما عن صاحبه.

قال سليم بن قيس: فقلت لسلمان: أفبايعت أبا بكر - يا سلمان - ولم تقل شيئا ؟

قال: قد قلت بعدما بايعت: تبا لكم سائر الدهر، أوتدرون ما صنعتم بأنفسكم ؟ أصبتم وأخطأتم ! أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والاختلاف، وأخطأتم سنة نبيكم حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها.

فقال عمر: يا سلمان، أما إذ (بايع صاحبك) وبايعت فقل ما شئت وافعل ما بدا لك، وليقل صاحبك ما بدا له.

قال سلمان: فقلت: سمعت رسول الله (ص) يقول: إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب (جميع) أمته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم جميعا .

فقال: قل ما شئت، أليس قد بايعت ولم يقر الله عينيك بأن يليها صاحبك ؟

فقلت: أشهد أني قد قرأت في بعض كتب الله المنزلة أنك - باسمك ونسبك وصفتك - باب من أبواب جهنم.

فقال لي: قل ما شئت، أليس قد أزالها الله عن أهل (هذا) البيت الذي اتخذتموه أربابا من دون الله ؟

فقلت له: أشهد أني سمعت رسول الله (ص) يقول، وسألته


الصفحة 163

عن هذه الآية: {فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد}، فأخبرني بأنك أنت هو.

فقال عمر: اسكت: أسكت الله نامتك، أيها العبد، يا ابن اللخناء !

فقال علي (ع): أقسمت عليك يا سلمان لما سكت.. الخ (1).

8 - وفي نص آخر لسليم بن قيس يقول فيه: فلم يبق إلا علي، وبنو هاشم، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان، في أناس معهم يسير، قال عمر لأبي بكر: يا هذا، إن الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر، فابعث إليه.

فبعث (إليه) ابن عم لعمر يقال له قنفذ . فقال (له: يا قنفذ)، انطلق إلى علي، فقل له: أجب خليفة رسول الله. فانطلق فأبلغه.

فقال علي (ع): ما أسرع ما كذبتم على رسول الله (نكثتم) وارتددتم، والله ما استخلف رسول الله غيري. فارجع يا قنفذ فإنما أنت رسول، فقل له: قال لك علي والله ما استخلفك رسول الله، وإنك لتعلم من خليفة رسول الله.

فأقبل قنفذ إلى أبي بكر فبلغه الرسالة، فقال أبو بكر: صدق

____________

1- كتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري): ج 2 ص 584 / 594، راجع: الاحتجاج: ج 1 ص 210 / 216، وجلاء العيون، وراجع: مرآة العقول: ج 5 ص 319 و 320 والبحار: ج 28 ص 268 / 270، و 299 و 261 و ج 43 ص 197 / 200. وراجع: العوالم: ج 11 ص 400 - 403 و 404. وراجع: ضياء العالمين (مخطوط) ج 2 ق 3 ص 63 و 64.


الصفحة 164

علي، ما استخلفني رسول الله !

فغضب عمر، ووثب (وقام). فقال أبو بكر: إجلس. ثم قال لقنفذ: إذهب إليه فقل له: أجب أمير المؤمنين أبا بكر !

فأقبل قنفذ حتى دخل على علي (ع) فأبلغه الرسالة.

فقال (ع): كذب والله، انطلق إليه فقل له: (والله) لقد تسميت باسم ليس لك، فقد علمت أن أمير المؤمنين غيرك.

فرجع قنفذ فأخبرهما.

فوثب عمر غضبان فقال: والله إني لعارف بسخفه وضعف رأيه، وإنه لا يستقيم لنا أمر حتى نقتله، فخلني آتك برأسه !

فقال أبو بكر: اجلس فأبى، فأقسم عليه، فجلس، ثم قال: يا قنفذ، انطلق فقل له: أجب أبا بكر.

فأقبل قنفذ فقال: يا علي، أجب أبا بكر .

فقال علي (ع): إني لفي شغل عنهم، وما كنت بالذي أترك وصية خليلي وأخي، وأنطلق إلى أبي بكر وما اجتمعتم عليه من الجور .

فانطلق قنفذ فأخبر أبا بكر، فوثب عمر غضبانا، فنادى خالد بن الوليد وقنفذا، فأمرهما أن يحملا حطبا ونارا، ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي (ع)، وفاطمة (ع) قاعدة خلف الباب، قد عصبت رأسها، ونحل جسمها في وفاة رسول الله (ص)، فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى: يا ابن أبي طالب: افتح الباب .


الصفحة 165

فقالت فاطمة (ع): يا عمر، ما لنا ولك ؟ لا تدعنا وما نحن فيه.

قال: إفتحي الباب وإلا أحرقناه عليكم !

فقالت: يا عمر، أما تتقي الله عز وجل، تدخل بيتي وتهجم علي داري ؟

فأبى أن ينصرف، ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب، ثم دفعه عمر، فاستقبلته فاطمة (ع) وصاحت: يا أبتاه ! يا رسول الله ! فرفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت، فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: يا أبتاه !

فوثب علي بن أبي طالب (ع) فأخذ بتلابيب عمر ثم هزه فصرعه، ووجأ أنفه، ورقبته، وهم بقتله، فذكر قول رسول الله (ص) وما أوصى به من الصبر والطاعة، فقال: والذي كرم محمدا بالنبوة يا ابن صهاك، لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي.

فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار، وسل خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة (ع) ! فحمل عليه بسيفه، فأقسم على علي (ع)، فكف.

وأقبل المقداد، وسلمان، وأبو ذر، وعمار، وبريدة الأسلمي حتى دخلوا الدار أعوانا لعلي (ع)، حتى كادت تقع فتنة، فأخرج علي(ع) واتبعه الناس واتبعه سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة (الأسلمي رحمهم الله) وهم يقولون: ما أسرع ما خنتم رسول الله (ص)، وأخرجتم الضغائن التي في صدوركم .


الصفحة 166

وقال بريدة بن الخصيب الأسلمي: يا عمر، أتثب على أخي رسول الله ووصيه، وعلى ابنته، فتضربها، وأنت الذي تعرفك قريش بما تعرفك به.

فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به بريدة وهو في غمده، فتعلق به عمر، ومنعه من ذلك.

فانتهوا بعلي (ع) إلى أبي بكر ملببا، فلما بصر به أبو بكر صاح: خلوا سبيله!

فقال علي (ع): ما أسرع ما توثبتم على أهل بيت نبيكم ! يا أبا بكر، بأي حق وبأي ميراث، وبأي سابقة تحث الناس إلى بيعتك؟!

ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول الله (ص)؟!

فقال عمر: دع (عنك) هذا يا علي، فوالله إن لم تبايع لنقتلنك.

إلى أن تقول الرواية:

ثم قال: يا علي، قم بايع.

فقال علي (ع): إن لم أفعل ؟

قال: إذا والله نضرب عنقك.

قال (ع): كذبت والله يا ابن صهاك، لا تقدر على ذلك، أنت ألأم وأضعف من ذلك.

فوثب خالد بن الوليد، واخترط سيفه، وقال: والله، إن لم تفعل لأقتلنك.

فقام إليه علي (ع) وأخذ بمجامع ثوبه، ثم دفعه حتى ألقاه على قفاه، ووقع السيف من يده!


الصفحة 167

فقال عمر: قم يا علي بن أبي طالب فبايع.

قال (ع): فإن لم أفعل ؟

قال: إذا والله نقتلك .

واحتج عليهم علي (ع) ثلاث مرات، ثم مد يده من غير أن يفتح كفه، فضرب عليها أبو بكر. ورضي (منه) بذلك، ثم توجه إلى منزله وتبعه الناس (1).

9 - ويقول سليم بن قيس أيضا: قال ابن عباس: ثم إنهم تآمروا وتذاكروا فقالوا: لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرجل حيا !

فقال أبو بكر: من لنا بقتله ؟

فقال عمر: خالد بن الوليد ! فأرسلا إليه فقالا: يا خالد، ما رأيك في أمر نحملك عليه؟

قال: احملاني على ما شئتما، فوالله إن حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت.

فقالا: والله ما نريد غيره. قال: فإني له!

فقال أبو بكر: إذا قمنا في الصلاة صلاة الفجر فقم إلى جانبه ومعك السيف. فإذا سلمت فاضرب عنقه.

____________

1- سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري): ج 2 ص 862 / 868 والبحار: ج 28 ص 297 / 299. و ج 43، ص 197، وراجع: العوالم: ج 11 ص 400 / 404.


الصفحة 168

قال نعم، فافترقوا على ذلك.

ثم إن أبا بكر تفكر فيما أمر به من قتل علي (ع) وعرف أنه إن فعل ذلك وقعت حرب شديدة وبلاء طويل، فندم على ما أمره به، فلم ينم ليلته تلك حتى (أصبح، ثم) أتى المسجد وقد أقيمت الصلاة، فتقدم فصلى بالناس مفكرا لا يدري ما يقول.

وأقبل خالد بن الوليد متقلدا بالسيف حتى قام إلى جانب علي (ع)، وقد فطن علي (ع) ببعض ذلك. فلما فرغ أبو بكر من تشهده، صاح قبل أن يسلم: يا خالد لا تفعل ما أمرتك، فإن فعلت قتلتك ، ثم سلم عن يمينه وشماله.

فوثب علي (ع)، فأخذ بتلابيب خالد، وانتزع السيف من يده، ثم صرعه وجلس على صدره وأخذ سيفه ليقتله. واجتمع عليه أهل المسجد ليخلصوا خالدا فما قدروا عليه.

فقال العباس: حلفوه بحق القبر لما كففت . فحلفوه بالقبر فتركه، وقام فانطلق إلى منزله.

وجاء الزبير، والعباس، وأبو ذر، والمقداد، وبنو هاشم، واخترطوا السيوف وقالوا: والله لا تنتهون حتى يتكلم ويفعل ! واختلف الناس، وماجوا، واضطربوا.

وخرجت نسوة بني هاشم فصرخن وقلن: يا أعداء الله، ما أسرع ما أبديتم العداوة لرسول الله وأهل بيته، لطالما أردتم هذا من رسول الله (ص)، فلم تقدروا عليه، فقتلتم ابنته بالأمس ثم (أنتم) تريدون اليوم أن تقتلوا أخاه وابن عمه ووصيه وأبا ولده ؟ كذبتم ورب الكعبة، ما كنتم تصلون إلى قتله .


الصفحة 169

حتى تخوف الناس أن تقع فتنة عظيمة (1).

المفيد في الأمالي:

10 - أبو عبد الله المفيد، أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي، قال: حدثنا أبو الحسين العباس بن المغيرة، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن منصور الرمادي، قال: حدثنا سعيد بن عفير، قال: حدثني ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن أبي هلال، عن مروان بن عثمان.

قال: لما بايع الناس أبا بكر دخل علي (ع)، والزبير، والمقداد بيت فاطمة (ع)، وأبوا أن يخرجوا.

فقال عمر بن الخطاب: أضرموا عليهم البيت نارا، فخرج الزبير ومعه سيفه.

فقال أبو بكر: عليكم بالكلب، فقصدوا نحوه، فزلت قدمه، وسقط إلى الأرض، ووقع السيف من يده.

فقال أبو بكر: اضربوا به الحجر، فضرب بسيفه الحجر حتى انكسر، وخرج علي بن أبي طالب (ع) نحو العالية، فلقيه ثابت بن قيس بن شماس، فقال: ما شأنك يا أبا الحسن.

فقال أرادوا أن يحرقوا علي بيتي وأبو بكر على المنبر يبايع له، ولا يدفع عن ذلك ولا ينكره.

____________

1- كتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري): ج 2 ص 871 - 873. والبحار: ج 28 ص 306: وراجع: كامل بهائي: ج 1 ص 314، وراجع: العوالم: ج 11 ص 400 - 404.


الصفحة 170

فقال له ثابت: ولا تفارق كفي يدك حتى أقتل دونك، فانطلقا جميعا حتى عادا إلى المدينة، وإذا فاطمة (ع) واقفة على بابها وقد خلت دارها من أحد من القوم وهي تقول: لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم، تركتم رسول الله (ص) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، وصنعتم بنا ما صنعتم ولم تروا لنا حقا؟!(1).

11 - قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى: لما اجتمع من اجتمع إلى دار فاطمة (ع) من بني هاشم وغيرهم للتحيز عن أبي بكر، وإظهار الخلاف عليه، أنفذ عمر بن الخطاب قنفذا، وقال له: أخرجهم من البيت، فإن خرجوا، وإلا فاجمع الأحطاب على بابه، وأعلمهم: أنهم إن لم يخرجوا للبيعة أضرمت البيت عليهم نارا.

ثم قام بنفسه في جماعة، منهم المغيرة بن شعبة الثقفي، وسالم مولى أبي حذيفة، حتى صاروا إلى باب علي (ع)، فنادى: يا فاطمة بنت رسول الله، أخرجي من اعتصم ببيتك ليبايع، ويدخل فيما دخل فيه المسلمون، وإلا والله أضرمت عليهم نارا.. في حديث مشهور(2) .

12 - لقد نسب الكنجي إلى المفيد وابن قتيبة قولهما بسقوط الجنين محسن، قال الكنجي عن الشيخ المفيد:

____________

1- أمالي المفيد: ص 49 / 50. والبحار: ج 28 ص 231 / 232.

2- كتاب الجمل: ص 117 و 118.


الصفحة 171

.. وزاد على الجمهور: أن فاطمة (ع) أسقطت بعد النبي ذكرا. وكان سماه رسول الله (ص) محسنا. وهذا شئ لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة (1).

ولكن ما نذكره في هذه الفصول يدل على عدم صحة وعدم دقة عبارته الأخيرة، فهو موجود في عشرات المصادر والمراجع.

13 - وقال الشيخ المفيد:

ولم يحضر دفن رسول الله كثير من الناس لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة. وفات أكثرهم الصلاة عليه.

وأصبحت فاطمة تنادي: واسوء صباحاه.

فسمعها الخليفة الثاني فقال لها: إن صباحك لصباح سوء (2) .

14 - وقال المفيد: قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن إدريس قال: محمد بن عبد الجبار عن القاسم بن محمد الرازي عن علي بن الهرمزان عن علي بن الحسين بن علي، عن أبيه الحسين (ع) قال:لما مرضت فاطمة بنت النبي (ص) وصت إلى علي (ع) أن يكتم

____________

1- كفاية الطالب: ص 413.

2- الإرشاد للمفيد: ج 1 ص 189.


الصفحة 172

أمرها، ويخفي خبرها، ولا يؤذن أحد بمرضها، ففعل ذلك وكان يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله على استسرار بذلك كما وصت به.

فلما حضرتها الوفاة وصت أمير المؤمنين (ع) أن يتولى أمرها ويدفنها ليلا ويعفي قبرها. فتولى ذلك أمير المؤمنين (ع) ودفنها وعفى موضع قبرها..(1).

15 - وروى المفيد، والعياشي عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن جده، قال:

ما أتى على علي (ع) يوم قط أعظم من يومين أتياه، فأما أول يوم، فاليوم الذي قبض فيه رسول الله (ص).

وأما اليوم الثاني، فوالله، إني لجالس في سقيفة بني ساعدة، عن يمين أبي بكر، والناس يبايعونه، إذ قال له عمر: يا هذا، لم تصنع شيئا إذا لم يبايعك علي، فابعث إليه حتى يأتيك فيبايعك.

قال: فبعث قنفذا، فقال له: أجب خليفة رسول الله (ص)... .

إلى أن تقول الرواية: .. فقال عمر: قم إلى الرجل.

فقام أبو بكر، وعمر، وعثمان، وخالد بن الوليد، والمغيرة بن شعبة، وأبو عبيدة الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة، وقمت معهم.

وظنت فاطمة (ع): أنه لا تدخل بيتها إلا بإذنها، فأجافت الباب وأغلقته.

____________

1- الأمالي للشيخ المفيد: ص 172 و 173 المطبوع في النجف الأشرف، العراق المطبعة الحيدرية


الصفحة 173

فلما انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره - وكان من سعف - فدخلوا على علي (ع)، وأخرجوه ملببا (1).

16 - وقال محمد بن جرير بن رستم الطبري:

حدث الواقدي قال: حدثنا ابن أبي حنيفة، عن داود بن الحصين قال: غضب رجال من المهاجرين والأنصار في بيعة أبي بكر. وقالوا: عن غير مشورة ولا رضى منا، وغضب علي والزبير، ودخلا بيت فاطمة، وتخلفا عن البيعة، فجاءهم عمر في عصابة فيهم أسد بن حصين، وسلمة بن أسلم بن جريش الأشهلي، فصاح عمر: أخرجوا، أو لنحرقنها عليكم. فأبوا أن يخرجوا، فصاحت بهم فاطمة وناشدتهم الله، فأمر عمر سلمة بن أسلم، فدخل عليهما، وأخذ سيف أحدهما فضرب به الجدار حتى كسره. ثم أخرجهما يسوقهما حتى بايعا.

17 - قال: وأخبرني إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله ابن أعين، عن حرب بن أبي الأسود الدؤلي، قال: بعثني أبي إلى جندب بن عبد الله البجلي، أسأله عما حضر من أبي بكر وعمر مع علي، حيث دعواه إلى البيعة.

قال: أخذاها من علي.

قال: فكتب إليه: لست أسألك عن رأيك. أكتب لي بما حضرت وشاهدت.

____________

1- الاختصاص: ص 185 و 186، وتفسير العياشي: ج 2 ص 66 و 67، وبحار الأنوار: ج 28، ص 227 و 228، والبرهان في تفسير القرآن: ج 2 ص 93، وراجع: مرآة العقول: ج 5 ص 320.


الصفحة 174

فكتب: بعثا إلى علي فجيئ به ملببا، فلما حضر، قالا له: بايع.

قال: فإن لم أفعل ؟

قالا: إذا تقتل.

قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول الله.

قالا: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسول الله فلا.

ثم قالا له: بايع.

قال: فإن لم أفعل.

قالا: إذا تقتل، وصغرا لك.

قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول الله:

قالا: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسول الله، فلا.

قال: فرجع يومئذ ولم يبايع، الخ... (1).

18 - وقال عماد الدين الطبري. وهو من علماء القرن السابع ما ترجمته:

.. وفي هذه الأثناء وصل عمر مع أهل العناد والنفاق، وقال: يا ابن أبي طالب، افتح الباب، وإلا أحرقت باب بيتك عليك.

قالت فاطمة: يا عمر، اتق الله في حرم رسول الله، لا تدخل، فإنه عليك حرام.

____________

1- المسترشد في إمامة علي (ع)، ص 66 وإثبات الهداة: ج 2 ص 383.


الصفحة 175

فأصر عمر، ودخل البيت مع أصحابه المنافقين، فصاحت فاطمة:

يا أبتاه ما لقينا من أبي بكر وعمر بعدك.

فأخذ عمر سيفه، وهو في قرابه وضربها به على جنبها.

وضربها قنفذ بالسوط على متنها، فصاحت فاطمة:

يا أبتاه ما لقي أهل بيتك من أبي بكر وعمر بعدك (1).

19 - وقال: وهو يتحدث عن دفن فاطمة (ع) من دون علم الخليفة وأن عمر غضب، وبادر إلى ضرب المقداد حين أخبره بالأمر، فقال له المقداد: لقد ذهبت بنت رسول الله (ص) من الدنيا، وكان الدم يخرج من ظهرها وجنبها بسبب ضربك لها بالسيف والسوط.

إلى أن قال:

ثم جاؤا إلى علي فوجدوه جالسا على باب منزله، وحوله أصحابه، فقال له عمر:

يا ابن أبي طالب، لا تتركون حسدكم القديم، بالأمس غسلت رسول الله في غيابنا، واليوم تصلي على فاطمة دوننا.

فقال له عقيل رحمه الله: وأنتم - والله - لأشد الناس حسدا، وأقدم عداوة لرسول الله، وأهل بيته، ضربتموها بالأمس، وخرجت من الدنيا وظهرها بدم، وهي غير راضية عنكما (2) .

____________

1- كامل بهائي لعماد الدين الطبري: ص 306، (ط مكتبة المصطفوي) قم - ايران.

2- كامل بهائي لعماد الدين الطبري: ج 1 ص 312 و 313.


الصفحة 176

20 - وقال المقدس الأردبيلي (المتوفي سنة 993 هـ) وهو يتحدث عن عمر، ما ترجمته:

.. بأمر منه حملوا الحطب إلى بيت الزهراء ليحرقوه، وقد رأوا وعلموا أن فاطمة (ع) كانت جالسة خلف الباب وقد أمر عمر بضربها، وقد ضربها عمر نفسه على بطنها، وضربها غلامه بالسوط على كتفها، وكان ذلك سبب سقط جنينها، وبقي أثر ذلك بعد ذلك، ثم مرضت بسبب ذلك وماتت.

وقد كان ذلك كله بأمر منه. ولا ينكر أهل السنة ذلك. لكن بعضهم حاول أن يجيب عنه - كالقوشجي - فكانت أجوبة باردة وواهية(1).

21 - قال الخواجوئي المازندراني:

وفي رواية الكلبي عن ابن عباس.

وفي حديث الزهري: عن أبي إسحاق إبراهيم الثقفي، عن زائدة بن قدامة: أنه خرج عمر في نحو من ستين رجلا، فاستأذن الدخول عليهم، فلم يؤذن له، فشغب، وأجلب.

فخرج إليه الزبير مصلتا سيفا، ففر الثاني من بين يديه حسب عادته، وتبعه الزبير، فعثر بصخرة في طريقه، فسقط لوجهه، فنادى عمر: دونكم الكلب. فأحاطوا به، وأخذ سلمة بن أسلم سيفه، فضربه على صخرة فكسره. فسيق إليه الزبير سوقا عنيفا، إلى أبي بكر، حتى بايع كرها.

____________

1- حديقة الشيعة: ص 265 و 266.


الصفحة 177

وعاد إلى الباب واستأذن. فقالت فاطمة: عليك بالله إن كنت (تؤمن ظ) بالله أن تدخل على بيتي، فإني حاسرة.

فلم يلتفت إلى مقالها، وهجم.

فصاحت: يا أبه. ما لقينا بعدك من أبي بكر وعمر.

وتبعه أعوانه، فطالب أمير المؤمنين (ع) بالخروج، فلم يمتنع عليه، لما تقدم من وصية رسول الله، وضن بالمسلمين عن الفتنة.

إلى أن قال:

وخرج معهم، وخرجت الطاهرة في إثره، وهي تقول لزفر: يا ابن السوداء، لأسرع ما أدخلت الذل على بيت رسول الله.

قال: ولم تبق من بني هاشم امرأة إلا خرجت معها.

فلما رآها أبو بكر مقبلة هاب ذلك، فقام قائما، وقال: ما أخرجك يا بنت رسول الله ؟ !

فقالت: أخرجتني أنت، وهذا ابن السوداء معك.

فقال الأول: يا بنت رسول الله، لا تقولي هذا، فإنه كان لأبيك حبيبا.

قالت: لو كان حبيبا ما أدخل الذل بيته، الخ... (1) .

22 - وقال الخواجوئي المازندراني أيضا:

.. ورووا: أن لفاطمة بيتا، ولها إلى المسجد بابا، فقال أبو بكر:

____________

1- الرسائل الاعتقادية للخواجوئي المازندراني: ص 447 رسالة طريق الإرشاد.


الصفحة 178

سمعت رسول الله (ص) يقول: لا يجوز الباب إلى المسجد.

فأمر بقلع باب بيتها، حتى يتركوا البيت، أو يسد الباب، ثم إنه ندم على كشف بيتها وقال: ليتني تركت بيت فاطمة ولم أكشفه، الخ.. (1).

ونقول:

 إن ندمه المذكور ليس لأجل هذا الكشف، بل على اقتحام بيتها يوم البيعة، ويشير إلى ذلك قوله في ذيل هذا الكلام: ولو كان أغلق على حرب.

23 - وذكر الطبرسي حديث الهجوم فقال في جملة رواية مفصلة:

فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا، وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي (ع) ومعهم الزبير. قال: فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع، فيهم أسيد بن الحضير وسلمة بن سلامة، فألفوهم مجتمعين، فقال لهم: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه فقال (لهم) عمر: عليكم بالكلب (العقور) فاكفونا شره، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده، فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره.

وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر، فلما حضروا قالوا: بايعوا أبا بكر، فقد بايعه :(2) ، الخ...

24 - وفي نص آخر ذكره الطبرسي أيضا يقول عن عمر:

فعرف أن جماعة في بيوت مستترون، (قال) فكان يقصدهم في جمع

____________

1- الرسائل الاعتقادية: (رسالة: طريق الإرشاد) ص 470 وراجع: ص 471.

2- الاحتجاج: ج 1 ص 181.


الصفحة 179

كثير، ويكسبهم، ويحضرهم (في) المسجد، فيبايعون. حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي بن أبي طالب(ع) فطالبه بالخروج فأبى، فدعا عمر بحطب ونار وقال: والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه. فقيل له: إن فيه فاطمة (ع) بنت رسول الله، وفيه الحسن والحسين ولدي رسول الله وآثار رسول الله (ص) فيه، وأنكر الناس ذلك من قوله.

فلما عرف إنكارهم قال: ما بالكم، أتروني فعلت ذلك ؟ إنما أردت التهويل، فراسلهم علي (ع): أن ليس إلى خروجي حيلة، لأني في جمع كتاب الله عز وجل الذي قد نبذتموه وألهتكم الدنيا عنه، وقد حلفت أن لا أخرج من بيتي ولا أضع ردائي على عاتقي حتى أجمع القرآن.

قال: وخرجت فاطمة بنت رسول الله (ص) إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت: لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم، تركتم رسول الله (ص) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم فيما بينكم (و) لم تؤمرونا ولم تروا لنا حقا، كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم، والله، الخ.. (1).

25 - ذكر المجلسي رحمه الله تعالى عهدا كان كتبه الخليفة الثاني إلى معاوية يحكي فيه له ما جرى لهم مع الزهراء، وقد جاء فيه قوله:

فأتيت داره مستيشرا :(2) لإخراجه منها، فقالت الأمة فضة - وقد

____________

1- الاحتجاج: ج 1 ص 202، ومرآة العقول: ج 5 ص 319، والبحار: ج 28 ص 204 و 205.

2- ما في مطبوع البحار يقرأ: مستأشرا، والمستأشر، هو الذي يدعو الى تحزيز الأسنان، كما في القاموس 1 (364. قال في مجمع البحرين 3 / 511: وشرت المرأة أنيابها وشرا - من باب وعد - إذا حددتها ورققتها هي واشرة، واستوشرت: سألت أن يفعل بها ذلك.

أقول: ولعل الواو قلبت ياء ولعله كناية.


الصفحة 180

قلت لها قولي لعلي: يخرج إلى بيعة أبي بكر فقد اجتمع عليه المسلمون فقالت - إن أمير المؤمنين (ع) مشغول.

فقلت: خلي عنك هذا وقولي له يخرج وإلا دخلنا عليه وأخرجناه كرها.

فخرجت فاطمة فوقفت من وراء الباب، فقالت: أيها الضالون المكذبون، ماذا تقولون؟ وأي شئ تريدون؟.

فقلت: يا فاطمة!

فقالت فاطمة: ما تشاء يا عمر؟!

فقلت: ما بال ابن عمك قد أوردك للجواب وجلس من وراء الحجاب؟.

فقالت لي: طغيانك - يا شقي - أخرجني وألزمك الحجة، وكل ضال غوي.

فقلت: دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء وقولي لعلي يخرج.

فقالت: لا حب ولا كرامة (1)، أبحزب الشيطان تخوفني يا عمر ؟ !

____________

1- كذا وردت في (ك)، إلا أنه وضع على: فقالت، رمز مؤخر (م)، وعلى: لا حب ولا كرامة، رمز مقدم، فتصير هكذا: لا حب ولا كرامة فقالت: أبحزب.. إلى آخره، والظاهر: لا حبا.


الصفحة 181

وكان حزب الشيطان ضعيفا.

فقلت: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمتها نارا على أهل هذا البيت، وأحرق من فيه، أو يقاد علي إلى البيعة، وأخذت سوط قنفذ فضربت (1) وقلت لخالد بن الوليد: أنت ورجالنا هلموا في جمع الحطب، فقلت: إني مضرمها.

فقالت: يا عدو الله وعدو رسوله وعدو أمير المؤمنين.

فضربت فاطمة يديها:(2) من الباب تمنعني من فتحه، فرمته فتصعب علي، فضربت كفيها بالسوط فآلمها، فسمعت لها زفيرا وبكاء، فكدت أن ألين، وأنقلب عن الباب، فذكرت أحقاد علي وولوعه في دماء صناديد العرب.

إلى أن قال: فركلت (3) الباب، وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه، وسمعتها وقد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها، وقالت: يا أبتاه ! يا رسول الله ! هكذا كان يفعل بحبيبتك وابنتك، آه يا فضة ! إليك فخذيني فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل. وسمعتها تمخض (4) وهي مستندة إلى الجدار، فدفعت الباب ودخلت، فأقبلت إلي بوجه أغشى بصري، فصفقت صفقة (5) على خديها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها وتناثرت إلى الأرض، وخرج علي، فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار وقلت لخالد وقنفذ ومن معهما: نجوت من أمر عظيم.

____________

1- في (س): وضربت وأخذت سوط قنفذ.

2- جاء في (س): يدها.

3- قال في القاموس: ج 3 ص 386. الركل: الضرب برجل واحدة.

4- قال في القاموس: ج 2 ص 344: مخضت تمخيضا: أخذها الطلق.

5- في (س): صفقته.


الصفحة 182

وفي رواية أخرى: قد جنيت جناية عظيمة لا آمن على نفسي.

وهذا علي قد برز من البيت، وما لي ولكم جميعا به طاقة. فخرج علي وقد ضربت يديها إلى ناصيتها لتكشف عنها وتستغيث بالله العظيم ما نزل بها، فأسبل علي عليها ملاءتها(1) وقال لها: يا بنت رسول الله ! إن الله بعث أباك رحمة للعالمين، إلى أن قال: فكوني يا سيدة النساء رحمة على هذا الخلق المنكوس ولا تكوني عذابا، واشتد بها المخاض. ودخلت البيت فأسقطت سقطا سماه علي محسنا.

وجمعت جمعا كثيرا، لا مكاثرة لعلي، ولكن ليشتد بهم قلبي وجئت - وهو محاصر - فاستخرجته من داره.. إلى أن قال: وأبو بكر يقول: ويلك يا عمر، ما الذي صنعت بفاطمة(2) .

26 - الأشناني، عن جده، عن محمد بن عمار، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي (3)، عن سلمة، عن أبي الطفيل، عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله (ص) قال له: يا علي إن لك كنزا في الجنة وأنت ذو قرنينها، فلا تتبع النظرة في الصلاة..

قال الصدوق: قد سمعت بعض المشايخ يذكر أن هذا الكنز هو ولده المحسن، وهو السقط الذي ألقته فاطمة لما ضغطت بين البابين. واحتج في ذلك بما روي في السقط من أنه يكون محبنطئا على باب الجنة، فيقال له: ادخل، فيقول: لا، حتى يدخل أبواي

____________

1- قال في مجمع البحرين: ج 1 ص 398: ملاءة: كل ثوب لين رقيق.

2- البحار: ج 30 ص 293 / 295 والهداية الكبرى للخصيبي: ص 417.

3- في البحار: التميمي.


الصفحة 183

قبلي(1).

27 - وقال ابن طاووس في وصيته لولده:

وقد ذكرت لك في الطرائف، كيف أرادوا أن يحرقوا بالنار بيت فاطمة ومن فيه. وفيه العباس، وجدك علي، والحسن، والحسين وغيرهم من الأخيار(2) .

وقد ذكرنا بعضا من كلام ابن طاووس في فصل سابق.

28 - قال المجلسي الأول في شرحه لكتاب: من لا يحضره الفقيه، حين وصل إلى موضوع استشهاد فاطمة (ع):

وشهادتها صلوات الله عليها كانت من ضرب عمر... الباب على بطنها عند إرادة أمير المؤمنين لبيعة أبي بكر.. وضرب قنفذ غلام عمر السوط عليها بإذنه.

والحكاية مشهورة عند العامة والخاصة. ومفصله في كتاب لسليم بن قيس الهلالي.

وسقط بالضرب غلام كان اسمه محسن .وهو مذكور في إرشاد المفيد (رض) (3).

29 - وقال المجلسي الثاني:

.. وفي رواية أخرى: ضربها عمر بالسوط، فماتت حين

____________

1- البحار: ج 39 ص 41 / 42 ومعاني الأخبار: ص 205 / 207.

2- كشف المحجة: ص 115 (ط سنة 1412 ه) نشر مكتب الإعلام الإسلامي، قم - ايران.

3- روضة المتقين: ج 5 ص 342.


الصفحة 184

ماتت، وأن في عضدها مثل الدملج من ضربته.. إلى أن قال: لم تدعهم يذهبوا بعلي (ع) حتى عصروها وراء الباب، فألقت ما في بطنها من سماه رسول الله (ص) محسنا حتى ماتت (ع) مما أصابها .

وفي رواية أخرى: أن المغيرة بن شعبة... بأمر عمر دفع الباب على بطنها حتى ألقت محسنا، فأخرج علي (ع) إلى المسجد(1).

30 - وقال المجلسي الثاني معلقا على الحديث الصحيح المروي: عن أبي الحسن: إن فاطمة صديقة شهيدة، ما لفظه:

ثم إن هذا الخبر يدل على أن فاطمة صلوات الله عليها كانت شهيدة، وهو من المتواترات.

وكان سبب ذلك: أنهم لما غصبوا الخلافة، وبايعهم أكثر الناس بعثوا إلى أمير المؤمنين (ع) ليحضر للبيعة، فأبى. فبعث عمر بنار ليحرق على أهل البيت بيتهم. وأرادوا الدخول عليه قهرا. فمنعتهم فاطمة عند الباب، فضرب قنفذ غلام عمر الباب على بطن فاطمة، فكسر جنبيها، وأسقطت لذلك جنينا كان سماه رسول الله (ص) محسنا.

فمرضت لذلك، وتوفيت صلوات الله عليها في ذلك المرض، فقد روى الطبري والواقدي في تاريخيهما: أن عمر بن الخطاب جاء إلى علي في عصابة فيهم أسيد بن حضير، وسلمة بن أسلم، فقال: أخرجوا أو لأحرقنها عليكم.

____________

1- جلاء العيون: ج 1 ص 193 و 194.


الصفحة 185

وروى ابن حزانة.. الخ (1).

31 - وقال المجلسي عن عمر بن الخطاب: قد استفاض في رواياتنا، بل في رواياتهم أيضا: أنه روع فاطمة (ع) حتى ألقت ما في بطنها.

وقد سبق في الروايات المتواترة، وسيأتي: أن إيذاءها صلوات الله عليها إيذاء للرسول وآذيا(2) عليا (ع). وقد تواتر في روايات الفريقين قول النبي (ص): من آذى عليا فقد آذاني. وقد قال الله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة، وأعد لهم عذابا مهينا}..(3).

32 - وقال المجلسي رحمه الله، وهو يشرح بعض الأدعية:

إشارة إلى ما فعله الأول والثاني مع علي (ع)، وفاطمة (ع) من الايذاء. وأرادا إحراق بيت علي (ع) بالنار. وقاداه قهرا كالجمل المخشوش، وضغطا فاطمة (ع) في بابها حتى سقطت بمحسن، وأمرت أن تدفن ليلا لئلا يحضر الأول والثاني جنازتها وغير ذلك (4).

33 - كما أن بعض المحدثين والمؤرخين من قدماء أصحابنا، قد عد من ألقابها (ع) لقب: الشهيدة(5).

____________

1- مرآة العقول: ج 5 ص 318، وذكر قريبا من ذلك الأعلمي في كتاب: تراجم أعلام النساء: ج 2 ص 321.

2- أي أبو بكر وعمر.

3- البحار: ج 28 ص 209 و 210، والآية في سورة الأحزاب / 57.

4- البحار: ج 82 ص 264.

5- كتاب ألقاب الرسول وعترته: ص 39. وهو مطبوع مع مجموعة رسائل نفيسة، انتشارات بصيرتي، قم، طهران.