الصفحة 186

ثم فسر ذلك فقال: شهيدة إذ ضربوا باب دارها على بطنها، حتى هلك ابنها الجنين، الذي سماه رسول الله (ص) (المحسن) (1).

34 - ويقول البعض: إنه لما أوقف علي (ع) تكلم فقال: أيتها الغدرة الفجرة، فاستعدوا للمسألة جوابا، ولظلمكم لنا أهل البيت احتسابا:(2) ، أو تضرب الزهراء نهرا (3)، ويؤخذ منا حقنا قهرا وجبرا .

إلى أن قال (ع): ... فقد عز على علي بن أبي طالب أن يسود متن فاطمة ضربا، وقد عرف مقامه، وشوهدت أيامه (4) .

35 - ويقول الكاشاني: .. ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين، وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين (ع) فوافوا بابه مغلقا، فصاحوا: أخرج يا علي، فإن خليفة رسول الله يدعوك.

فلم يفتح لهم الباب. فأتوا بحطب فوضعوه على الباب، وجاؤا بالنار ليضرموه. فصاح عمر، وقال: والله، لئن لم تفتحوا لنضرمنه بالنار.

فلما عرفت فاطمة (ع) أنهم يحرقون منزلها قامت وفتحت الباب. فدفعوها (فدفعها) القوم قبل أن تتوارى عنهم، فاختبت فاطمة (ع) وراء الباب.

____________

1- المصدر السابق ص 43.

2- لعل الصحيح: حسابا.

3- لعل الصحيح نهارا.

4- الزهراء بهجة قلب المصطفى (ص) عن الصوارم الحاسمة في تاريخ أحوالات الزهراء فاطمة (مخطوط) تأليف محمد رضا الحسيني الكمالي الاسترآبادي. كما نقل عنه في كتاب نوائب الدهور، ج 3 ص 157 للميرجهاني.


الصفحة 187

ثم إنهم تواثبوا على أمير المؤمنين (ع) وهو جالس على فراشه، واجتمعوا عليه، حتى أخرجوه سحبا من داره، ملببا بثوبه، يجرونه إلى المسجد.

فحالت فاطمة بينهم وبين بعلها، وقالت: والله، لا أدعكم تجرون ابن عمي ظلما. ويلكم، ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا أهل البيت. وقد أوصاكم رسول الله (ص) باتباعنا، ومودتنا، والتمسك بنا، فقال الله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}(1).

قال: فتركه أكثر القوم لأجلها، فأمر عمر قنفذ لعنه الله أن يضربها بسوطه، فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبها إلى أن أنهكها، وأثر في جسمها الشريف. وكان ذلك الضرب أقوى سبب في إسقاط جنينها. وقد كان رسول الله (ص) سماه محسنا الخ..(2) .

36 - وقال محمد بن أحمد بن الحسن الديلمي:

حتى كسر سيف الزبير، واستخف بسلمان، وضرب عمار، وأوذي علي، وهجم دار فاطمة (3).

37 - وقال: قال بعضهم: أتى به والحبل في عنقه فقالوا: بايع، وإلا ضرب عنقك (4) .

____________

1- سورة الشورى، الآية 23.

2- نوادر الأخبار ص 183. وعلم اليقين 686 و 688، الفصل العشرون: وراجع: عوالم العلوم: ج 11 ص 414.

3- كتاب قواعد عقائد آل محمد (ص) 268 (مخطوط) وعندي منه نسخة مصورة.

4- المصدر السابق: ص 669 / 270.


الصفحة 188

38 - وقال: روي أنه (ع) ما خرج من بيته حتى أحرق بابه، وجر إلى البيعة كرها (1) .

39 - وروي أن عمر قال لعلي: بايع.

قال: فإن لم (كذا).

قال: ضربنا عنقك.

ودون هذا إكراه شرعا، وعقلا (2) .

40 - ذكر صاحب كتاب الدولتين: أن عمر أخذ نارا وراح إلى بيت فاطمة، فخرجت فاطمة، فقال: قولي لعلي والعباس أن يخرجا، وإلا أحرق البيت .

ولا شك أنه إذا أكره كان الإكراه مجيزا للفعل.. الخ (3).

41 - وقال السيد تاج الدين بن علي بن أحمد الحسيني العاملي:

فلما نظر (عليه السلام) إلى قلة العدد وخذلة الناصر جلس في منزله، فجمع عمر بن الخطاب جماعة وأتى بهم إلى منزل علي عليه السلام، فوجدوا الباب مغلقا، فلم يجبهم أحد، فاستدعى عمر بحطب وقال: والله لئن لم تفتحوا لنحرقنه بالنار.

فلما سمعت فاطمة عليها السلام ذلك خرجت وفتحت الباب، فدفعه عمر فاختفت هي من وراء الباب، فعصرها بالباب فكان

____________

1- المصدر السابق: ص 270.

2- المصدر السابق.

3- المصدر السابق.


الصفحة 189

ذلك سبب إسقاطها، ونقل أنه سبب موتها.

ودخلوا فوثبوا على أمير المؤمنين عليه السلام فأخرجوه عنفا، فحالت فاطمة عليها السلام بينهم وبينه وقالت: والله لا أدعكم تخرجون بابن عمي ظلما، ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا، فأمر عمر بن الخطاب قنفذا فضربها بسوط حتى أثر في جسمها(1).

42 - وقال الطريحي المعاصر للمجلسي رحمه الله، لأنه توفي سنة 1085 ه‍.

.. فيا إخواني، إذا رجعنا إلى أنفسنا، وتركنا عبادة الهوى، ومتابعة من ضل وغوى: أترى تكون فاطمة (ع) راضية حين عصرها خالد بن الوليد، فأسقطت محسنا. وضربها قنفذ مولى أبي بكر، فأثر فيها الضرب.

أفتراها تكون راضية حين سحب زوجها، وابن عمها وأبو السبطين الخ.. (2) .

43 - وفي كتاب: مؤتمر علماء بغداد:

إن أبا بكر بعد ما أخذ البيعة لنفسه من الناس بالإرهاب والسيف، والتهديد، والقوة أرسل عمر وقنفذا، وخالد بن الوليد، وأبا عبيدة الجراح، وجماعة أخرى من المنافقين إلى دار علي وفاطمة(ع).

وجمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة (ذلك الباب الذي طالما وقف عليه رسول الله وقال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، وما كان يدخله إلا بعد الاستئذان) وأحرق الباب بالنار.

____________

1- التتمة في تواريخ الأئمة: ص 35.

2- المنتخب للطريحي: ص 136.


الصفحة 190

ولما جاءت فاطمة خلف الباب لترد عمر وحزبه، عصر عمر فاطمة بين الحائط والباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها، ونبت مسمار الباب في صدرها. وصاحت فاطمة:

يا أبتاه يا رسول الله، أنظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة. فالتفت عمر إلى من حوله، وقال: اضربوا فاطمة.

فانهالت السياط على حبيبة رسول الله وبضعته حتى أدموا جسمها. وبقيت آثار العصرة القاسية، والصدمة المريرة تنخر في جسم فاطمة، فأصبحت مريضة عليلة، حزينة حتى فارقت الحياة بعد أبيها بأيام.

ففاطمة بيت النبوة.

فاطمة قتلت بسبب عمر بن الخطاب الخ (1).

44 - وقال الحسني:

وفي رواية أخرى: أنهم لما أرادوا الدخول إلى بيتها، وإخراج علي منه، أرادت أن تحول بينهم وبين ذلك، ضربها قنفذ على وجهها، وأصاب عينها (2) .

45 - قال الحسني: .. وفي رواية ثالثة: أنها وقفت خلف الباب لتمنعهم من دخوله، فاندفعوا نحو الباب، ودفعوه نحوها، وكانت حاملا، فأسقطت ولدا كان رسول الله قد سماه محسنا (3).

____________

1- مؤتمر علماء بغداد: ص 135 / 137 (ط سنة 1415 ه‍. ق) دار الإرشاد الإسلامي - بيروت - لبنان.

2- سيرة الأئمة الاثني عشر: ج 1 ص 132.

3- المصدر السابق: ج 1 ص 133.


الصفحة 191

كأنه يريد أن يبرئ المهاجمين من تبعة قتل المحسن، حيث يوحي للقارئ، أنه قتل نتيجة التدافع على الباب.

وهذا ما تدفعه الروايات المتواترة الدالة على تعمد قتله بعصرها بين الباب والحائط من قبل أحدهم. وقد تقدمت.

46 - ويروي ابن حمزة الزيدي بسنده عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث، عن محمد بن ركانة قوله:

فجاء عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعياش بن ربيعة إلى باب فاطمة، فقالوا: والله، لتخرجن إلى البيعة.

وقال عمر: والله، لأحرقن عليكم البيت.

فصاحت فاطمة: يا رسول الله، ما لقينا بعدك.

فخرج عليهم الزبير مصلتا بالسيف، فحمل عليهم، فلما بصر به عياش، قال لعمر: اتق الكلب.

وألقى عليه عياش كساء له حتى احتضنه، وانتزع السيف من يده، فقصد به حجرا فكسره (1).

47 - وروى أيضا بسنده عن عبد الله بن عمر العمري، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: كنت في من جمع الحطب إلى باب علي.

قل عمر: والله، لئن لم يخرج علي بن أبي طالب لأحرقن البيت بمن فيه (2) .

____________

1- الشافي: لابن حمزة ج 4 ص 171.

2- المصدر السابق: ج 4 ص 173.


الصفحة 192

48 - وروى أيضا بسنده إلى محمد بن عبد الرحمن بن السائب بن زيد، عن أبيه، قال:

شهدت عمر بن الخطاب يوم أراد أن يحرق على فاطمة بيتها، فقال: إن أبوا أن يخرجوا فيبايعوا أحرقت عليهم البيت.

فقلت لعمر: إن في البيت فاطمة أفتحرقها ؟

قال: سنلتقي، أنا وفاطمة (1).

49 - وقد صرح ابن حمزة الزيدي بأن بيت الزهراء قد تعرض لهجومات متعددة. وبذلك جمع بين الروايات المختلفة، التي تقول واحدة منها:

إن عليا قعد عن البيعة، وفر إليه طلحة والزبير، ولم يخرجوا من البيت حتى جاء عمر، وأراد إحراق البيت عليهم.

وأخرى تقول: إن أبا بكر خرج إلى المسجد يصلي، فأمر أبو بكر خالد بن الوليد بالصلاة إلي جنبه ثم قتله حين نطق أبي بكر بالتسليم من صلاته.

وثالثة تقول: إنه أتي بعلي ملببا، فبايع مكرها.

فأجاب ابن حمزة بقوله: إن ذلك كان في أوقات مختلفة، وليس بين ذلك تناقض، ولا تدافع :(2) .

____________

1- المصدر السابق. وقد أشار ابن حمزة إلى ما جرى لفاطمة في أكثر من مورد من كتابه. فراجع كتابه، الشافي: ج 4 ص 202 و 203.

2- الشافي لابن حمزة: ج 4 ص 202.


الصفحة 193

50 - رووا عن ابن عبد الرحمن قال: سمعت شريكا يقول:

ما لهم ولفاطمة (ع) ؟ ! والله ما جهزت جيشا، ولا جمعت جمعا. والله، لقد آذيا رسول الله (ص) في قبره(1).

51 - وفي كتاب معاوية إلى محمد بن أبي بكر: فلما اختار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ما عنده، وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته، وأبلج حجته، وقبضه إليه صلوات الله عليه، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه، وخالفه على أمره. على ذلك اتفقا واتسقا.

ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما، فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم(2) .

52 - وقال المسعودي: .. فانصرف عنهم، فأقام أمير المؤمنين ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله.

فوجهوا إلى منزله، فهجموا عليه، وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرها، وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسنا، وأخذوه بالبيعة فامتنع، وقال: لا أفعل.

فقالوا: نقتلك.

فقال: إن تقتلوني، فإني عبد الله، وأخو رسوله.

وبسطوا يده، فقبضها، وعسر عليهم فتحها، فمسحوا عليها وهي مضمومة (3).

____________

1- تقريب المعارف: ص 256.

2- مروج الذهب: ج 3 ص 12 و 13.

3- إثبات الوصية: ص 143، والبحار: ج 28 ص 308 / 309.


الصفحة 194

53 - ونقل نصر بن مزاحم، عن محمد بن عبيد الله، عن الجرجاني: أن عمروا. قال لمعاوية في صفين:

خل بينهم وبين الماء، فإن عليا لم يكن ليظمأ وأنت ريان، وفي يده أعنة الخيل، وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت، وأنت تعلم: أنه الشجاع المطرق ومعه أهل العراق، وأهل الحجاز. وقد سمعته أنا وأنت، وهو يقول: لو استمكنت من أربعين رجلا يوم فتش البيت، يعني بيت فاطمة (1).

54 - وقد قال أبو بكر في مرض موته أنه ندم على ثلاث خصال فعلهن، ليته لم يفعلهن فذكرها، وكان منها قوله:

ليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول الله، وأدخله الرجال، ولو كان أغلق على حرب . أو ليتني لم أكشف بيت فاطمة وتركته، وأن الخ..(2) .

____________

1- صفين، للمنقري: ص 163.

2- تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 137 وتاريخ الإسلام للذهبي: ج 1 ص 117 / 118، وإثبات الهداة: ج 2 ص 359 و 367 و 368، والعقد الفريد: ج 4 ص 268، والايضاح لابن شاذان: ص 161، والإمامة والسياسة: ج 1 ص 18، وسير أعلام النبلاء، (سير الخلفاء الراشدين) ص 17، ومجموع الغرائب للكفعمي: ص 288، ومروج الذهب: ج 1 ص 414، و ج 2 ص 301، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي: ج 1 ص 130، و ج 17 ص 168 و 164، و ج 6 ص 51 و ج 2 ص 47 و 46، و ج 20 ص 24 و 17، وميزان الاعتدال: ج 3 ص 109، ج 2 ص 215، والإمامة: ص 82 (مخطوط) توجد نسخة مصورة منه في مكتبة المركز الإسلامي للدراسات في بيروت. ولسان الميزان: ج 4 ص 189، وتاريخ الأمم والملوك: ج 3 ص 430 (ط المعارف) وكنز العمال: ج 3 ص 125، و ج 5 ص 631 و 632، والرسائل الاعتقادية (رسالة طريق الإرشاد) ص 470، و 471. ومنتخب كنز العمال: (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج 2 ص 171. والمعجم الكبير للطبراني: ج 1 ص 62 وضياء العالمين: (مخطوط ج 2 ق 3  ص 90، و 108، عن العديد من المصادر. والنص والاجتهاد: ص 91، والسبعة من السلف: ص 16 و 17، والغدير: ج 7 ص 170، ومعالم المدرستين: ج 2 ص 79، وعن تاريخ ابن عساكر: (ترجمة أبي بكر)، ومرآة الزمان. وراجع: زهر الربيع: ج 2 ص 124، وأنوار الملكوت: ص 227، وبحار الأنوار: ج 30، ص 123 و 136 و 138 و 141 و 352، ونفحات اللاهوت: ص 79، وحديقة الشيعة: ج 2 ص 252، وتشييد المطاعن: ج 1 ص 340، ودلائل الصدق: ج 3 ق 1 ص 32. والخصال: ج 1 ص 171 / 173، وحياة الصحابة: ج 2 ص 24، والشافي للمرتضى: ج 4 ص 137 و 138. والمغني لعبد الجبار: ج 20 ق 1 ص 340 و 341. ونهج الحق: ص 265، والأموال لأبي عبيد: ص 194. (وإن لم يصرح بها). ومجمع الزوائد: ج 5 ص 203، وتلخيص الشافي: ج 3 ص 170، وتجريد الاعتقاد لنصير الدين الطوسي: ص 402، وكشف المراد: ص 403، ومفتاح الباب: (أي الباب الحادي عشر) للعربشاهي (تحقيق مهدي محقق)، ص 199، وتقريب المعارف: ص 366 و 367، واللوامع الإلهية في المباحث الكلامية للمقداد: ص 302، ومختصر تاريخ دمشق ج 13 ص 122، ومنال الطالب: ص 280.


الصفحة 195

قد علق المجلسي على هذا فقال: .. يدل على ما روي من إقدامه على بيت فاطمة (ع) عند اجتماع علي (ع)، والزبير، وغيرهمافيه، وعلى أنه كان يرى الفضل لغيره لا لنفسه(1).

والملفت للنظر هنا: أن أبا عبيد القاسم بن سلام قد ذكر هذه القضية، ولكنه لم يصرح بهذه الخصلة، بل اكتفى بالقول: فأما التي فعلتها ووددت أني لم أفعلها، فوددت أني لم أكن فعلت كذا وكذا - لخلة ذكرها. قال أبو عبيد: لا أريد ذكرها - ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر الخ..(2) .

فلماذا كره أبو عبيد القاسم بن سلام ذكر هذه الفقرة بالذات، دون سائر الفقرات؟!

____________

1- البحار: ج 30 ص 138 / 139.

2- الأموال: ص 194.


الصفحة 196

 سؤال يعرف جوابه كل من عرف سياسات هؤلاء الناس، وحقيقة نواياهم، وتوجهاتهم، ومكرهم وحبائلهم.

55 - التحريف في كتاب المسعودي:

قال المسعودي: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب، وجمعه الحطب ليحرقهم، ويقول: إنما أراد بذلك ألا تنتشر الكلمة، ولا يختلف المسلمون، وأن يدخلوا في الطاعة فتكون الكلمة واحدة، كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم، لما تأخروا عن بيعة أبي بكر، فإنه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار.

هذا ما ذكره المسعودي في مروج الذهب طبع الميمنية: ج 3 ص 86، ولكن سائر الطبعات لهذا الكتاب (1) قد حذفت منها فقرة:

كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تأخر الخ...

ونقل المعتزلي(2) نص المسعودي هذا على الوجه الصحيح، كما ورد في طبعة الميمنية، الأمر الذي يؤكد أن يد الخيانة والتزوير قد لعبت في سائر الطبعات لهذا الكتاب، كما عودونا في كثير من الموارد الأخرى (3)، وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمد أي منقلب ينقلبون.

56 - تحريف كتاب المعارف:

ولأجل قضية إسقاط المحسن أيضا نجدهم لا يتورعون عن

____________

1- راجع: على سبيل المثال: مروج الذهب: ج 3 ص 77 (ط سنة 1965 م ط دار المعرفة).

2- شرح نهج البلاغة: ج 20 ص 147، وراجع ص: 146 ونقله عن المسعودي أيضا في هامش كتاب إحقاق الحق: ج 2 ص 373.

3- راجع كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام: ج 1 مقال: اعرف الكتب المحرفة.


الصفحة 197

تحريف كتاب المعارف لابن قتيبة حسبما ذكره لنا ابن شهرآشوب المتوفي سنة 588 ه‍. ; حيث قال:

.. وفي معارف القتيبي: أن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي (1).

وقال الكنجي الشافعي المقتول سنة 685 ه‍. عن الشيخ المفيد:

وزاد على الجمهور، وقال: إن فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي ذكرا، كان سماه رسول الله (ص) محسنا. وهذا شئ لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة(2) .

ويظهر أنه يقصد بذلك: نقل ابن قتيبة له في كتاب المعارف، وذلك بقرينة كلام ابن شهر آشوب المتقدم.

لكن الموجود في كتاب المعارف لابن قتيبة المطبوع سنة 1353 ه‍. صفحة 92 هو العبارة التالية:

وأما محسن بن علي فهلك، وهو صغير .

وهكذا في سائر الطبعات المتداولة الآن. فلماذا هذا التحريف، وهذه الخيانة للحقيقة وللتاريخ يا ترى ؟ !

57 - وقال الشهرستاني، المتوفي سنة 548 ه‍، وهو يتحدث عن النظام المتوفي سنة 231 ه‍: وزاد في الفرية، فقال: إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة، حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح:

أحرقوا دارها بمن فيها.

____________

1- مناقب آل أبي طالب: ج 3 ص 407 ط دار الأضواء، والبحار: ج 43 ص 233.

2- كفاية الطالب: ص 413.


الصفحة 198

وما كان في الدار غير علي، وفاطمة، والحسن، والحسين (1).

وذكر البغدادي من أقوال النظام: أنه كان يقول عن عمر: إنه ضرب فاطمة، ومنع ميراث العترة:(2) .

وقال المقريزي: ... وزعم أنه ضرب فاطمة ابنة رسول الله (ص)، ومنع ميراث العترة (3).

وقال الصفدي عنه أنه يقول: إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها(4) .

ملاحظة هامة:

لقد قال الجاحظ عن النظام: كان النظام أشد الناس إنكارا على الرافضة، لطعنهم على الصحابة (5).

58 - وقالوا في ترجمة محمد بن عبد الله بن عمر بن محمد بن الحسن الفارس، أبو الحياة الواعظ البلخي:

أخبرني علي بن محمود، قال: كان البلخي الواعظ كثيرا ما يدمن في مجالسه سب الصحابة، فحضرت مرة مجلسه، فقال:

بكت فاطمة يوما من الأيام، فقال لها علي: يا فاطمة لم تبكين علي!

____________

1- الملل والنحل: ج 1 ص 57، وعوالم العلوم: ج 11 ص 416، والبحار: ج 28 هامش ص 271 و 281، وبهج الصباغة: ج 5 ص 15، وبيت الأحزان: ص 124، وراجع: إحقاق الحق: ج 2 ص 374، وراجع: هامش ص 372.

2- الفرق بين الفرق ص 148.

3- الخطط (المواعظ والاعتبار): ج 2 ص 346.

4- الوافي بالوفيات: ج 6 ص 17.

5- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، المعتزلي الشافعي: ج 20 ص 32.


الصفحة 199

 أأخذت فيئك (فدك) ؟ ! أغصبتك حقك ؟ ! أفعلت كذا ؟ ! أفعلت كذا ؟ ! وعد الأشياء مما يزعم الروافض: أن الشيخين فعلاها في حق فاطمة قال: فضج المجلس بالبكاء من الرافضة الحاضرين.

توفي في صفر سنة ست وتسعين وخمس مئة (1).

59 - وروى ابن سعد، بسنده عن سلمى، قالت: مرضت فاطمة بنت رسول الله عندنا، فلما كان اليوم الذي توفيت فيه، خرج علي، قالت لي: يا أمة، اسكبي لي غسلا.

فسكبت لها، فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم قالت: ائتيني بثيابي الجدد.

فأتيتها بها، فلبستها ثم قالت: اجعلي فراشي وسط البيت.

فجعلته، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة، ثم قالت لي: يا أمة، إني مقبوضة الساعة، وقد اغتسلت، فلا يكشفن أحد لي كتفا.

قالت: فماتت. فجاء علي، فأخبرته، فقال: لا والله، لا يكشف لها أحد كتفا.

فاحتملها، فدفنها بغسلها ذلك (2) .

60 - وفي نص آخر: أنه حين بويع لأبي بكر كان علي والزبير يدخلون على فاطمة (ع) ويشاورونها، ويرتجعون في أمرهم، فبلغ ذلك

____________

1- راجع: لسان الميزان: ج 5 ص 218، والوافي بالوفيات: ج 3 ص 344.

2- طبقات ابن سعد: ج 8 ص 27، ط صادر و ط ليدن ص 18 والإصابة ج 4 ص 379، عن أحمد، وسير أعلام النبلاء، ج 2 ص 129، غير أنه قال: كنفا وهو تصحيف، فراجع: الطبقات ط دار صادر و ط ليدن.


الصفحة 200

عمر، فجاء إلى فاطمة فقال: يا بنت رسول الله، والله، ما من الخلق أحب إلي من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله، ما ذلك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم الباب.

فلما خرج عمر جاؤها فقالت: تعلمون، أن عمر قد جاءني، وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم الباب، وأيم الله، ليمضين ما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فروا رأيكم. فانصرفوا عنها، فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا الخ.. (1).

61 - وروى البلاذري عن ابن عباس قال: بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي (رض) حين قعد عن بيعته، وقال: ائتني به

بأعنف العنف. فلما أتاه جرى بينهما كلام، فقال: احلب حلبا لك شطره، والله، ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك غدا الخ (2) .

62 - قال اليعقوبي: وبلغ أبا بكر، وعمر: أن جماعة من

____________

1- منتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج 2 ص 1174 عن ابن أبي شيبة والحديث موجود في شرح نهج البلاغة للمعتزلي، ج 2 ص 45 عن الجوهري وفي الشافي للمرتضى: ج 4 ص 110 والمغني للقاضي عبد الجبار: ج 20 ق 1 ص 335. وقرة العين، لولي الله الدهلوي ط بيشاور ص 78 والشافي لابن حمزة: ج 4 ص 174، ونهاية الإرب: ج 19 ص 40، والاستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة): ج 2 ص 254 و 255 والوافي بالوفيات: ج 17 ص 311، وإفحام الأعداء والخصوم: ص 72 وكنز العمال: ج 5 ص 651، وعن المصنف لابن أبي شيبة: ج 14 ص 567. وبحار الأنوار ج 28 ص 313.

2- أنساب الأشراف: ج 1 ص 587، وتلخيص الشافي: ج 3 ص 75 عنه.


الصفحة 201

المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار، وخرج علي ومعه السيف، فلقيه عمر، فصارعه عمر فصرعه، وكسر سيفه، ودخلوا الدار، فخرجت فاطمة، فقالت: والله، لتخرجن، أو لأكشفن شعري، ولأعجن إلى الله. فخرجوا، وخرج من كان في الدار.

وأقام القوم أياما. ثم جعل الواحد بعد الواحد يبايع، ولم يبايع علي إلا بعد ستة أشهر، وقيل: أربعين يوما (1).

قوله: خرج علي ومعه السيف لعل الصحيح: خرج الزبير الخ.. كما هو معلوم من سائر النصوص.

63 - قال زيد بن أسلم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة، حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة. فقال عمر لفاطمة: اخرجي من في البيت، أو لأحرقنه ومن فيه.

قال: وفي البيت علي، والحسن، والحسين، وجماعة من أصحاب النبي (ص)، فقالت فاطمة: فتحرق على ولدي؟!

فقال: أي والله، أو ليخرجن، فليبايعن (2) وروى ذلك ابن خرذاذبة أيضا أو ابن خرذابة، أو ابن خيرانة، أو ابن خذابة (3):

____________

1- تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 126.

2- إثبات الهداة: ج 2 ص 383، و 334، ونهج الحق: ص 271 و 272، عن ابن خير والطرائف: ص 239، وإحقاق الحق ج 2 ص 373، ومرآة العقول: ج 5 ص 318 و 319، وراجع: دلائل الصدق: ج 3 ص 78 وراجع: بحار الأنوار: ج 28 ص 339، وراجع أيضا ضياء العالمين: (مخطوط) ج 2 ق 3 ص 64.

3- هو الوزير جعفر بن الفضل بن جعفر بن الفرات البغدادي المتوفي سنة 391، أما ابن خرذاذبة فهو صاحب كتاب المسالك والممالك (ت سنة 300 هـ). أما ابن خيرانة فهو محمد بن خيرانة المغربي المحدث الشهير، من علماء المئة الرابعة. وأما ابن خذابة فهو عبد الله بن محمد بن خذابة.


الصفحة 202

وذكر الواقدي: أن عمر جاء إلى علي في عصابة فيهم أسيد بن الحضير، وسلمة بن أسلم الأشهلي، فقال: أخرجوا، أو لنحرقنها عليكم (1).

قال الحر العاملي رحمه الله:

64 - قال: وقد روى نقلة الأخبار، ومدونوا التواريخ: أن عمر لما بايع لصاحبه، وتخلف علي جاء إلى بيت فاطمة لطلب علي إلى البيعة، وتكلم بكلمات غليظة، وأمر بالحطب ليحرق البيت على من فيه، وكان فيه أمير المؤمنين، وزوجته، وابناه. وممن انحاز إليهم الزبير، وجماعة من بني هاشم. وممن نقل ذلك الواقدي، وابن جبير، وابن عبد ربه(2) .

65 - وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب: أن رجالا من المهاجرين غضبوا في بيعة أبي بكر، منهم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، فدخلا بيت فاطمة بنت رسول الله، فجاءهما عمر بن الخطاب في عصابة من المهاجرين والأنصار، فيهم أسيد بن حضير، وسلمة بن سلامة بن وقش الأشهليان، وثابت بن قيس بن شماس الخزرجي، فكلموهما حتى أخذ أحد القوم سيف الزبير، فضرب به الحجر حتى كسره(3).

____________

1- المصادر المتقدمة وإحقاق الحق: ج 2 ص 370 و 371.

2- إثبات الهداة: ج 2 ص 376.

3- راجع: الرياض النضرة: ج 1 ص 241، وتاريخ الخميس: ج 2 ص 169، وراجع: المسترشد: ص 379 و 378، وإثبات الهداة: ج 2 ص 383.


الصفحة 203

وقال موسى بن عقبة في مغازيه: عن سعد بن إبراهيم، حدثني أبي: أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر، وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير. ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس (1).

66 - وقال ابن الشحنة بعد أن ذكر أسماء الذين امتنعوا عن بيعة أبي بكر... ومالوا مع علي بن أبي طالب.

ثم إن عمر جاء إلى بيت فاطمة ليحرقه على من فيه، فلقيته فاطمة، فقال: أدخلوا فيما دخلت فيه الأمة. قال ابن واصل: فخرج علي إلى أبي بكر وبايعه. وقالت عائشة لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة الخ (2) .

67 - قال ابن عبد ربه وكان معتزليا، ورواه البلاذري وغيره:

أما علي والعباس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمة، حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم.

فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة، فقالت: يا ابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا ؟ ! أو قالت: أتراك محرقا علي بابي ؟ ! أو بيتي ؟ !

قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة الخ..

أو قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك. وجاء علي

____________

1- البداية والنهاية: ج 5 ص 250، وسير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين) ص 26، والرياض النضرة: ج 1 ص 241.

2- روضة المناظر (مطبوع بهامش الكامل في التاريخ) ج 7 ص 164 و 165.


الصفحة 204

فبايع (1).

68 - وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد بن كليب، قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي، وفيه طلحة والزبير، ورجال من المهاجرين، فقال: والله، لأحرقن عليكم، أو لتخرجن إلى البيعة.

فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف، فعثر، فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه، فأخذوه(2) .

69 - وفي نص آخر له، قال: وتخلف علي والزبير، واخترط الزبير سيفه، وقال: لا أغمده، حتى يبايع علي، فبلغ ذلك أبا بكر وعمر، فقال عمر: خذوا سيف الزبير، فاضربوا به الحجر.

____________

1- راجع: أنساب الأشراف: ج 1 ص 586 والبحار: ج 28 ص 389، و 411 و 339، وهامش 268، والشافي للسيد المرتضى: ج 3 ص 241، والرياض النضرة: ج 1 ص 167، وتاريخ الخميس: ج 1 ص 178، وعوالم العلوم: ج 11 ص 602 و 408 والشافي لابن حمزة ج 4 ص 174، وتلخيص الشافي ج 3 ص 76، وشرح المنهج للمعتزلي: ج 20 ص 147، العقد الفريد ج 4 ص 259 و 260 و 247، ط دار إحياء التراث. وراجع: نفحات اللاهوت: ص 79، وراجع: الكنى والألقاب: ج 1 ص 352 والمختصر في أخبار البشر: ج 1 ص 156، وأعلام النساء ج 3 ص 127، والطرائف: ص 239، وراجع: نهج الحق: ص 271 و 272، والغدير: ج 7 ص 77، و ج 5 ص 369.

2- تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج 3 ص 202 والطرائف: ص 238 و 239 وراجع: أعلام النساء: ج 4 ص 114، ونهج الحق ص 271 و 272، والبحار: ج 28 ص 338. والعوالم: ج 11 ص 407، وإثبات الهداة: ج 2 ص 333 و 334.


الصفحة 205

قال: فانطلق إليهم عمر، فجاء بهما تعبا، وقال: لتبايعان وأنتما طائعان، أو لتبايعان وأنتما كارهان، فبايعا (1).

70 - وقال المعتزلي:

قال أبو بكر: وحدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الحكم، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، عن ليث بن سعد، قال: تخلف علي عن بيعة أبي بكر، فأخرج ملببا يمضى به ركضا، وهو يقول: معاشر المسلمين، علام تضرب عنق رجل من المسلمين، لم يتخلف لخلاف، وإنما تخلف لحاجة ! فما مر بمجلس من المجالس إلا يقال له: انطلق فبايع(2) .

71 - وقال المعتزلي: ولم يتخلف إلا علي وحده، فإنه اعتصم ببيت فاطمة، فتحاموا إخراجه قسرا، فقامت فاطمة (ع) إلى باب

البيت فأسمعت من جاء يطلبه (3).

72 - وقال ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي أيضا: قلت: قد أخذ هذا المعنى بعض شعراء الطالبيين من أهل الحجاز، أنشدنيه النقيب جلال الدين عبد الحميد بن محمد بن عبد الحميد العلوي قال: أنشدني هذا الشاعر لنفسه - وذهب عني أنا اسمه - قال:


يا أبا حفص الهوينى وما كنت مليا بذاك لولا الحمام

____________

1- تاريخ الأمم والملوك: ج 3 ص 203.

2- شرح نهج البلاغة: ج 6 ص 45.

3- راجع: شرح نهج البلاغة: ج 2 ص 21، وراجع: البحار: ج 28 ص 110 و 311.


الصفحة 206

أتموت البتول غضبى ونرضى ما كذا يصنع البنون الكرام !

يخاطب عمر ويقول له: مهلا ورويدا يا عمر، أي ارفق واتئد ولا تعنف بنا. وما كنت مليا، أي وما كنت أهلا لأن تخاطب بهذا وتستعطف، ولا كنت قادرا على ولوج دار فاطمة على ذلك الوجه الذي ولجتها عليه، لولا أن أباها الذي كان بيتها يحترم ويصان لأجله مات فطمع فيها من لم يكن يطمع.

ثم قال: أتموت أمنا وهي غضبى ونرضى نحن ! إذا لسنا بكرام، فإن الولد الكريم يرضى لرضا أبيه وأمه، ويغضب لغضبهما.

والصحيح عندي: أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر، وأنها أوصت ألا يصليا عليها (1).

73 - وقال المعتزلي الشافعي أيضا:

قال أبو بكر: وأخبر أبو بكر الباهلي، عن إسماعيل بن مجالد، عن الشعبي، قال: قال أبو بكر: يا عمر، أين خالد بن الوليد ؟ قال: هو هذا، فقال: انطلقا إليهما - يعني عليا والزبير - فأتياني بهما.

فانطلقا فدخل عمر ووقف خالد على الباب من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف ؟ قال: أعددته لأبايع عليا.

قال: وكان في البيت ناس كثير، منهم المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره، ثم أخذ بيد الزبير، فأقامه ثم دفعه فأخرجه، وقال: يا خالد، دونك هذا، فأمسكه خالد - وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير

____________

1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 6 ص 49 / 50.


الصفحة 207

من الناس، أرسلهم أبو بكر ردءا لهما.

ثم دخل عمر فقال لعلي قم فبايع، فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده، وقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير.

ثم أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، ورأت فاطمة ما صنع عمر، فصرخت وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها، ونادت: يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله ! والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله (1).

74 - وروى المعتزلي الشافعي حديث السقيفة عن الجوهري فقال:

قال أبو بكر: وحدثني أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا أحمد بن معاوية، قال: حدثني النضر بن شميل، قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن سلمة بن عبد الرحمن، قال: لما جلس أبو بكر على المنبر، كان علي (ع) والزبير وناس من بني هاشم في بيت فاطمة، فجاء عمر إليهم، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم !

فخرج الزبير مصلتا سيفه، فاعتنقه رجل من الأنصار وزياد بن لبيد. فبدر السيف، فصاح به أبو بكر وهو على المنبر: اضرب به الحجر، فدق به

____________

1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 6 ص 48 و 49، و ج 2 ص 57. وراجع: البحار: ج 28 ص 204.


الصفحة 208

قال أبو عمرو ابن حماس: فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضربة، وقال: هذه ضربة سيف الزبير.

ثم قال أبو بكر: دعوهم فسيأتي الله بهم، قال: فخرجوا إليه بعد ذلك فبايعوه (1).

75 - قال أبو بكر: وقد روي في رواية أخرى أن سعد بن أبي وقاص، كان معهم في بيت فاطمة (ع) والمقداد بن الأسود أيضا، وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليا (ع)، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت، فخرج إليه الزبير بالسيف، وخرجت فاطمة (ع) تبكي وتصيح، فنهنهت من الناس، وقالوا: ليس عندنا معصية، ولا خلاف في خير اجتمع عليه الناس، وإنما اجتمعنا لنؤلف القرآن في مصحف واحد. ثم بايعوا أبا بكر، فاستمر الأمر واطمأن الناس (2) .

76 - قال أبو بكر: وحدثني أبو زيد عمر بن شبة، عن رجاله، قال: جاء عمر بيت فاطمة في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم، فخرج إليه الزبير مصلتا بالسيف، فاعتنقه زياد بن لبيد الأنصاري ورجل آخر، فندر السيف من يده، فضرب به عمر الحجر فكسره، ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقا عنيفا، حتى بايعوا أبا بكر (3).

77 - قال أبو زيد: وروى النضر بن شميل، قال: حمل سيف الزبير لما ندر من يده إلى أبي بكر وهو على المنبر يخطب، فقال: اضربوا به الحجر، قال أبو عمرو ابن حماس: ولقد رأيت الحجر وفيه

____________

1- شرح نهج البلاغة: ج 2 ص 56 و 48.

2- شرح نهج البلاغة: ج 2 ص 56 و 48.

3- شرح نهج البلاغة: ج 2 ص 56 و 48.


الصفحة 209

تلك الضربة، والناس يقولون: هذا أثر ضربة سيف الزبير (1).

78 - قال المعتزلي:

ابن عبد الحميد، قال: لما أكثر الناس في تخلف علي (ع) عن بيعة أبي بكر، واشتد أبو بكر وعمر عليه في ذلك، خرجت أم مسطح بن أثاثة، فوقفت عند القبر، وقالت:


كانت أمور وأنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب (2) .

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها واختل قومك فاشهدهم ولا تغب(3).

قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز: وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، قال: غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة، وغضب علي والزبير، فدخلا بيت فاطمة (ع)، معهما السلام، فجاء عمر في عصابة، منهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش - وهما من بني عبد الأشهل - فاقتحما الدار، فصاحت فاطمة (ع)، وناشدتهم الله. فأخذوا سيفي علي والزبير، فضربوا بهما

____________

1- المصدر السابق: ج 6 ص 48.

2- الهنبثة، واحدة الهنابث، وهي الأمور الشداد المختلفة، والبيتان في اللسان (3: 20)، وذكر أنه جاء في حديث: أن فاطمة قالتهما بعد موت الرسول (ص)، وذكر أيضا أنه ورد هذا الشعر في حديث آخر، قال: لما قبض رسول الله (ص) خرجت صفية تلفع بثوبها وتقول البيتين.

3- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2 ص 50.


الصفحة 210

الجدار حتى كسروها، ثم أخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا (1).

79 - إلى أن قال:

قال أبو بكر - وقد روى بإسناد آخر ذكره، أن ثابت بن قيس بن شماس كان مع الجماعة الذين حضروا مع عمر في بيت فاطمة (ع)، وثابت هذا أخو بني الحارث ابن الخزرج.

80 - وروى أيضا أن محمد بن مسلمة كان معهم، وأن محمدا هو الذي كسر سيف الزبير (2) .

81 - وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة، منهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا، فأبوا عليه،

وخرج إليهم الزبير بسيفه، فقال عمر: عليكم الكلب، فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار، ثم انطلقوا به وبعلي ومعها بنو هاشم، وعلي يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله (ص)، حتى انتهوا به إلى أبي بكر، فقيل له: بايع، فقال: أنا أحق: بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله، فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار. فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون.

____________

1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2 ص 50، و ج 6 ص 47 و ج 3 ص 49 وطبقات ابن سعد: ج 8 ص 228.

2- شرح نهج البلاغة: ج 2 ص 50 و 51 و ج 6 ص 48.


الصفحة 211

فقال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع. فقال له علي:

احلب يا عمر حلبا لك شطره ! اشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا ! ألا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه. فقال له أبو بكر الخ.. (1).

82 - وقال المعتزلي: فأما الأمور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة عن إرسال قنفذ إلى بيت فاطمة (ع)، وأنه ضربها بالسوط، فصار في عضدها كالدملج، وبقي أثره إلى أن ماتت، وأن عمرا ضغطها بين الباب والجدار، فصاحت يا أبتاه يا رسول الله، وألقت جنينها ميتا، فكله لا أصل له عند أصحابنا... إلى أن قال: وإنما تنفرد الشيعة بنقله(2) .

مع أنه هو نفسه قد نقل عن شيخه حديث إسقاط المحسن، وتساءل عن موقف رسول الله (ص) منه حين روى إهدار النبي دم هبار بن الأسود، لأنه روع زينب. وأخبره شيخه حين طالبه بالأمر بأن الأخبار عنده متعارضة، وأنه متوقف في هذا الأمر (3).

كما أننا قد ذكرنا عشرات النصوص عن غير الشيعة تثبت هذا الأمر، فلا وجه لما قاله إذن.

83 - وقال ابن أبي الحديد:

وأما حديث الهجوم على بيت فاطمة (ع) فقد تقدم الكلام فيه. والظاهر عندي صحة ما يرويه المرتضى والشيعة، ولكن لا كل ما يزعمونه، بل كان بعض ذلك، وحق لأبي بكر أن يندم ويتأسف على

____________

1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي: ج 6 ص 11.

2- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2 ص 60.

3- شرح نهج البلاغة للمعتزلي.


الصفحة 212

ذلك، وهذا يدل على قوة دينه، وخوفه من الله تعالى، فهو بأن يكون منقبة له أولى من كونه طعنا عليه (1).

84 - ويقول: أما حديث التحريق وما جرى مجراه من الأمور الفظيعة، وقول من قال: إنهم أخذوا عليا يقاد بعمامته، والناس حوله فأمر بعيد. والشيعة تنفرد به، على أن جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه :(2) .

ولا ندري كيف نجمع بين قوله: الشيعة تنفرد به وبين قوله: إن جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه .

والمعتزلة منهم على الخصوص وقد عرفت أن كل ما استبعده قد رواه الجمهور من أهل نحلته.

وقد قال السيد المرتضى: إن رد النصوص بالاستبعادات من دون ذكر مبرر ولا دليل، لا يلتفت إليه..

85 - قال ابن قتيبة الدينوري:

وأما علي والعباس بن عبد المطلب ومن معهما من بني هاشم فانصرفوا إلى رحالهم، ومعهم الزبير بن العوام، فذهب إليهم عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير، وسلمة بن أسلم، فقالوا: انطلقوا فبايعوا أبا بكر، فأبوا، فخرج الزبير بن العوام (رض) بالسيف، فقال عمر (رض) عليكم بالرجل فخذوه فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده، فضرب به الجدار، وانطلقوا به فبايع وذهب بنو هاشم أيضا فبايعوا.

____________

1- نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد: ج 17 / 168.

2- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2 ص 21 والبحار: ج 28 ص 310 و 311.


الصفحة 213

ثم إن عليا كرم الله وجه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، فقيل له: بايع أبا بكر.

فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي (ص)، وتأخذونه منا أهل البيت غصبا ؟ ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم، فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار نحن أولى برسول الله حيا وميتا، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون.

فقال له عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع.

فقال له علي: احلب حلبا لك شطره، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا. ثم قال: والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه (1).

86 - وقال ابن قتيبة أيضا.

قال: وإن أبا بكر (رض) تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال:

والذي نفس عمر بيده، لتخرجن أن لأحرقنها على من فيها. فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة ؟

فقال: وإن..

____________

1- الإمامة والسياسة: ج 1 ص 28 و 29 وإحقاق الحق: ج 2 ص 351.


الصفحة 214

فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن.

فوقفت فاطمة (رض) على بابها، فقالت لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضرا منكم، تركتم رسول الله (ص)، جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردوا لنا حقا.

فأتى عمر أبا بكر، فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟

فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له: اذهب فادع لي عليا.

قال: فذهب إلى علي ; فقال له: ما حاجتك ؟

فقال: يدعوك خليفة رسول الله.

فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله.

فرجع فأبلغ الرسالة.

قال: فبكى أبو بكر طويلا.

فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة.

فقال أبو بكر (رض) لقنفذ: عد إليه، فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع.

فجاءه قنفذ، فأدى ما أمر به.

فرفع علي صوته فقال: سبحان الله ! لقد ادعى ما ليس له.

فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة.


الصفحة 215

فبكى أبو بكر طويلا.

ثم قام عمر، فمشى معه جماعة، حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها، يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ؟

فلما سمع القوم صوتها وبكاءها، انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع، وأكبادهم تنفطر.

وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا عليا، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع.

فقال: إن أنا لم أفعل فمه ؟

قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك.

فقال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله.

قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا.

وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك ؟

فقال: لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي بقبر رسول الله (ص) يصيح ويبكي، وينادي: يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني (1).

87 - قال عمر لأبي بكر، (رض): انطلق بنا إلى فاطمة، فإنا

____________

1- الإمامة والسياسة: ج 1 ص وراجع: تلخيص الشافي: ج 2 ص 144 و 145. وأعلام النساء: ج 4 ص 114، ومصادر كثيرة أخرى نقلت ذلك عن ابن قتيبة، مثل تشييد المطاعن، وغيره.


الصفحة 216

قد أغضبناها، فانطلقا جميعا، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما.

فأتيا عليا فكلماه، فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها، حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها، فلم ترد عليهما السلام.

فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله ! والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت، ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله ؟ ! إلا أني سمعت أباك رسول الله (ص) يقول: لا نورث، ما تركنا فهو صدقة .

فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله (ص) تعرفانه وتفعلان به ؟

قالا: نعم.

فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضى فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟ .

قالا: نعم سمعناه من رسول الله (ص).

قالت: فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه.

فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر يبكي، حتى كادت نفسه أن تزهق.


الصفحة 217

وهي تقول: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها.

ثم خرج باكيا فاجتمع إليه الناس، فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته، مسرورا بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي.

قالوا: يا خليفة رسول الله، إن هذا الأمر لا يستقيم، وأنت أعلمنا بذلك، إنه إن كان هذا لم يقم لله دين.

فقال: والله لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة، بعدما سمعت ورأيت من فاطمة.

قال: فلم يبايع علي كرم الله وجهه حتى ماتت فاطمة (رض)، ولم تمكث بعد أبيها إلا خمسا وسبعين ليلة، قال: فلما توفيت أرسل. الخ.. (1).

88 - وقال عمر رضا كحالة: إن الأخباريين من الشيعة رووا: أن أبا بكر كتب لفاطمة بفدك كتابا، فلما خرجت به، وجدها عمر، فمد يده إليه ليأخذه مغالبة، فمنعته، فدفع بيده في صدرها، وأخذ الصحيفة فحرقها:(2) .

89 - ويقول عبد الفتاح عبد المقصود: وكذلك سبقت الشائعات خطوات ابن الخطاب ذلك النهار وهو يسير في جمع من صحبه ومعاونيه إلى دار فاطمة، وفي باله أن يحمل ابن عم رسول الله - إن طوعا أو كرها - على إقرار ما أباه حتى الآن..

____________

1- قد تقدمت مصادر هذا الحديث في فصل سابق.

2- أعلام النساء: ج 4 ص 124.


الصفحة 218

إلى أن قال: وهل على ألسنة الناس عقال يمنعها أن تروي قصة حطب أمر به ابن الخطاب فأحاط بدار فاطمة، وفيها علي وصحبه، ليكون عدة الاقناع أو عدة الايقاع. أقبل الرجل محنقا مندلع الثورة على دار علي. وقد ظاهره معاونوه ومن جاء بهم، فاقتحموا أو أوشكوا على اقتحام ; فإذا وجه كوجه رسول الله يبدو بالباب حائلا عن حزن، على قسماته آلام وفي عينيه لمعات دمع، وفوق جبينه عبسة غضب فائر، وحنق ثائر، وراحت الزهراء وهي تستقبل المثوى الطاهر تستنجد بهذا الغائب الحاضر يا أبت يا رسول الله... ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة، فما تركت كلماتها إلا قلوبا صدعها الحزن (1).

90 - ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي: أنه قرأ على شيخه أبي جعفر النقيب قصة زينب حين روعها هبار بن الأسود، فقال له أبو جعفر:

إن كان رسول الله (ص) أباح دم هبار، لأنه روع زينب، فألقت ذا بطنها، فظاهر الحال: أنه لو كان حيا لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها.

فقلت: أروي عنك ما يقوله قوم: إن فاطمة روعت، فألقت المحسن ؟ !

فقال: لا تروه عني، ولا ترو عني بطلانه، فإني متوقف في هذا

____________

1- الإمام علي بن أبي طالب: ج 1 ص 190 و 191 وعنه في الغدير: ج 3 ص 103 و 104.


الصفحة 219

الموضوع لتعارض الأخبار عندي فيه (1).

91 - وقالوا عن أحمد بن محمد، بن محمد، بن السرى، بن يحيى بن أبي دارم المحدث: كان مستقيم الأمر عامة دهره، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، حضرته، ورجل يقرأ عليه: أن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن (2) .

____________

1- شرح نهج البلاغة: ج 14 ص 193 والبحار: ج 28 ص 323 وإثبات الهداة: ج 2 ص 360 و 337 و 338.

2- ميزان الاعتدال: ج 1 ص 139 وسير أعلام النبلاء: ج 15 ص 578 ولسان الميزان ج 1 ص 268.


الصفحة 220