كتاب المجالس العاشوريّة الشيخ عبدالله ابن الحاج حسن آل درويش (ص 246 - ص 265)



الصفحة 246

وَهَوَى عليه مَاهُنَالِكَ قائلا اليومَ بَانَ عن اليمينِ حُسَامُها
اليومَ سَارَ عن الكتائبِ كَبْشُها اليومَ غَابَ عن الهُدَاةِ إمامُها
اليومَ نامت أعينٌ بك لَمْ تَنَمْ وتسهَّدَتْ أخرى فَعَزَّ مَنَامُها

ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول :

ولمَّا رآه السبطُ شِلواً موزَّعاً هَوَى فوقَهُ مُحْدَوْدِبَ الظَّهْرِ حانيا
ففي أيِّ كفٍّ بَعْدَك اليومَ أتّقي غَوَاشي الأعادي أَمْ أَذُودُ الأعاديا
عليَّ عزيزٌ أن أراك مجدَّلا تريبَ المحيَّا عافرَ الجسمِ داميا
عليكَ انحنى ظهري وشَلَّت يَدُ الردى يمينى وَجَذَّتْ في ظُبَاها شِمَاليا
فهلاَّ شَجَتْكَ الفاطمياتُ إِذْ غَدَتْ (بحال به يُشْجِيْنَ حتَّى الأعاديا)
وَضَجَّتْ بمَنْ فيها عليكَ خِيَامُها فناعيةٌ فيها تُجَاوِبُ نَاعِيا
وكنتَ لها الساقي إذا كَضَّها الظَّمَا وها هي تستسقي الدموعَ الجَوَارِيا
تَقَضَّتْ لياليهنَّ فيك زَوَاهِراً وقد أصبحت أَيَّامُهُنَّ لَيَاليا
وكانت رُبُوعُ العِزِّ فيك حوالياً وَبَعْدَكَ قد عادت يَبَاباً خَوَاليا
فَمَنْ ذَا الذي يحمي الضعينةَ إِنْ سَرَتْ إلى الشامِ فيها العيسُ تَطْوِي الفيافيا
فيا ابنَ التي تُنْمَى لأزكى قبيلة وقد أنجبت تلك البنينَ الزَّوَاكيا
لجأتُ إلى مَثْوَاكَ ضيفاً ولم تكن لِتَطْرُدَ ضيفاً مستجيراً ولاجيا(1)

قال بعض الرواة : لما ضاق الأمر بالحسين (عليه السلام) وقد بقي وحيداً فريداً ، التفت إلى خيم بني أبيه فرآها خالية منهم ، ثمَّ التفت إلى خيم بني عقيل فوجدها خالية منهم ، ثمَّ التفت إلى خيم أصحابه فلم ير أحداً منهم ، فجعل يكثر من قول : لا حول ولا قوّة إلاَّ بالله العلي العظيم ، ثمَّ ذهب إلى خيم النساء ، فجاء إلى خيمة ولده زين العابدين(عليه السلام)فرآه ملقىً على نطع من الأديم ، فدخل عليه وعنده زينب تمرِّضه ، فلمَّا

____________

1- الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره ، الدكتور عبد الصاحب الموسوي : 348 ـ 349 .


الصفحة 247

نظر إليه علي بن الحسين(عليهما السلام) أراد النهوض فلم يتمكَّن من شدّة المرض ، فقال لعمَّته : سنديني إلى صدرك ، فهذا ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد أقبل ، فجلست زينب خلفه وأسندته إلى صدرها ، فجعل الحسين(عليه السلام) يسأل ولده عن مرضه ، وهو يحمد الله تعالى ، ثم قال : يا أبتاه ، ما صنعت اليوم مع هؤلاء المنافقين؟ فقال له الحسين(عليه السلام) : يا ولدي ، قد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، وقد شبَّ الحرب بيننا وبينهم ـ لعنهم الله ـ حتى فاضت الأرض بالدم منّا ومنهم .

فقال علي(عليه السلام) : يا أبتاه ، أين عمّي العباس؟ ، فلمَّا سأل عن عمِّه اختنقت زينب بعبرتها ، وجعلت تنظر إلى أخيها كيف يجيبه ، لأنه لم يخبره بشهادة عمه العباس خوفاً من أن يشتدَّ مرضه ، فقال(عليه السلام) : يا بنيَّ ، إن عمَّك قد قُتل ، وقطعوا يديه على شاطىء الفرات ، فبكى علي بن الحسين(عليه السلام) بكاء شديداً حتى غشي عليه(1) .

ولله درّ الشيخ حسن الحلي عليه الرحمة إذ يقول على لسان الإمام الحسين (عليه السلام) يندب أخاه العباس :

وأحنى عليه قائلاً هتك العدى حجابَ المعالي واستُحل حرامُها
أخي بمن أسطو وإنك ساعدي وعضبي إذا ما ضاق يوماً مقامُها
أخي فمن يُعطي المكارم حقها ومن فيه إعزازاً تطاول هامُها
أخي فمن للمحصنات إذا غدت بملساء يُذكي الحائمات رغامُها
أخي لمن اُعطي اللواء ومَنْ به يشق عباب الحرب إن جاش سامُها
فو الهفتا والدهر غدرٌ صروفهُ عليك وعفواً ناضلتني سهامها
إلى الله أشكو لوعة لو أبثُها على شامخات الأرض ساخ شمامها(2)

____________

1- الدمعة الساكبة ، البهبهاني : 4/351 ، معالي السبطين ، الحائري : 2/22 .

2- العباس (عليه السلام) ، للمقرم : 367 ـ 368 .


الصفحة 248


المجلس الثالث ، من اليوم السابع

مقامات العباس(عليه السلام) ومواقفه الشريفة


يقول الحجّة المقدّس الشيخ عبدالله بن معتوق عليه الرحمة في شجاعة العباس بن أمير المؤمنين(عليه السلام) وتضحيته :

لم أنسَ إذْ صال في يومِ النزالِ على الـ أبطالِ مَنْ هو للآجالِ مُخْتَرِمُ
هو الفتى شِبْلُ ذاك الليثِ حيدرة مَنْ لاَ فتىً غَيْرَهُ في الرَّوعِ يَقْتَحِمُ
هو المفضَّلُ مَنْ للفضلِ كان أباً والمكرُمات إذا عُدَّتْ له شِيَمُ
شَهْمٌ هِزَبْرٌ جَرِيٌّ في الوغى أَسَدٌ وفي الدُّجَا قَمَرٌ تُجْلَى به الظُّلَمُ
له مَقَاعِدُ صِدْق عندَ مالكِهِ وفي المواقِفِ مازلَّت له قَدَمُ
تخاله إِنْ سَطَا الأبطالُ صاعقةً مِنْ صَوْتِهِ حَلَّ في آذانِهِمْ صَمَمُ

قال السيِّد محسن الأمين عليه الرحمة في المجالس السنية : ولد العباس بن أمير المؤمنين(عليه السلام) سنة ست وعشرين من الهجرة ، وعاش مع أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام)أربع عشرة سنة ، وحضر بعض الحروب فلم يأذن له أبوه في النزال ، وقُتل مع أخيه الحسين(عليه السلام) بكربلاء وعمره أربع وثلاثون سنة ، ويكنَّى أبا الفضل ويلقَّب بالسقَّاء وقمر بني هاشم ، وقُتل معه بكربلاء ثلاثة إخوة لأمه وأبيه ، وكانت له يوم كربلاء مقامات مشهودة ومواقف عظيمة ، وكانت له صفات عالية ، وأعمال جليلة امتاز بها .

منها أنه (عليه السلام) كان صاحب لواء الحسين(عليه السلام) ، واللواء هو العلم الأكبر ، ولا يحمله إلاّ الشجاع الشريف في المعسكر .

ومنها أنه كان قوياً شجاعاً ، وفارساً وسيماً جسيماً ، يركب الفرس المطهَّم


الصفحة 249

ورجلاه تخطّان في الأرض .

ومنها أنه لما جمع الحسين(عليه السلام) أهل بيته وأصحابه ليلة العاشر من المحرم وخطبهم فقال في خطبته : أمَّا بعد فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرَّقوا في سواد هذا الليل ، وذروني وهؤلاء القوم ، فإنهم لا يريدون غيري ، قام إليه العباس(عليه السلام)فقال : ولم نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً ، ثم تكلَّم أهل بيته وأصحابه بمثل هذا ونحوه .

ومنها أنه ـ لما ـ نادى شمر : أين بنو أختنا؟ أين العباس وإخوته؟ فلم يجبه أحد ، فقال لهم الحسين(عليه السلام) : أجيبوه وإن كان فاسقاً ، فإنه بعض أخوالكم ، قال له العباس(عليه السلام) : ما تريد؟ فقال : أنتم يا بني أختي آمنون ، فقال له العباس(عليه السلام) : لعنك الله ولعن أمانك ، أتؤمننا وابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا أمان له؟ وتكلَّم إخوته بنحو كلامه ثم رجعوا .

ومنها أنه لما أخذ عبدالله بن حزام ابن خال العباس (عليه السلام) أماناً من ابن زياد للعباس وإخوته من أمه قالوا : لا حاجة لنا في الأمان ، أمان الله خير من أمان ابن سمية .

ومنها أنه لما اشتدَّ العطش بالحسين(عليه السلام) وأصحابه أمر أخاه العباس(عليه السلام) ، فسار في عشرين راجلا يحملون القرب وثلاثين فارساً ، فجاؤوا ليلا حتى دنوا من الماء ، وأمامهم نافع بن هلال الجملي يحمل اللواء ، فقال عمرو بن الحجاج : من الرجل؟ قال : نافع ، قال : ما جاء بك؟ قال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلاَّتمونا عنه ، قال : فاشرب هنيئاً ، قال : لا والله لا أشرب منه قطرة والحسين(عليه السلام)عطشان هو وأصحابه ، فقالوا : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنما وضعنا في هذا المكان


الصفحة 250

لنمنعهم الماء .

فقال نافع لرجاله : املأوا قربكم فملأوها ، وثار إليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه فحمل عليهم العباس(عليه السلام) ونافع بن هلال فكشفوهم وأقبلوا بالماء ، ثمّ عاد عمرو بن الحجاج وأصحابه وأرادوا أن يقطعوا عليهم الطريق ، فقاتلهم العباس(عليه السلام) وأصحابه حتى ردّوهم وجاؤوا بالماء إلى الحسين(عليه السلام) .

ومنها أنه لما نشبت الحرب تقدَّم أربعة من أصحاب الحسين(عليه السلام) ، وهم الذين جاؤوا من الكوفة ومعهم فرس نافع بن هلال ، فشدّوا على الناس بأسيافهم ، فلما أوغلوا فيها عطف عليهم الناس واقتطعوهم عن أصحابهم ، فندب الحسين(عليه السلام) لهم أخاه العباس (عليه السلام) ، فحمل على القوم وحده ، فضرب فيهم بسيفه حتى فرَّقهم عن أصحابه ، ووصل إليهم فسلَّموا عليه وأتى بهم ، ولكنهم كانوا جرحى فأبوا عليه أن يستنقذهم سالمين ، فعادوا إلى القتال وهو يدفع عنهم حتى قُتلوا في مكان واحد ، فعاد العباس(عليه السلام) إلى أخيه وأخبره بخبرهم .

ومنها أنه شبه عمه جعفر الطيار(عليه السلام) الذي قطعت يمينه ويساره في حرب مؤتة مجاهداً في سبيل الله ، وكذلك العباس(عليه السلام) قطعت يمينه ويساره مجاهداً في سبيل الله في نصرة أخيه الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء :

لا تنس للعباسِ حُسْنَ مَقَامِهِ في الرَّوْعِ عندَ الغَارَةِ الشَّعْوَاءِ
واسى أخاه بها وَجَادَ بنفسِهِ في سَقيْ أطفال له ونساءِ
رَدَّ الأُلُوفَ على الألوفِ مُعَارِضاً حَدَّ السُّيُوفِ بجبهة غَرَّاءِ(1)

وقال الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة :

بالسبطِ قد هَتَفَ العبَّاسُ حين هوى في حَوْمَةِ الْحَرْبِ للتوديعِ مُبْتَغِيا
فيا لَهَا ساعةً وافى الحسينُ بها شقيقَه وعليه قام منحنيا

____________

1- المجالس السنية ، السيد محسن الأمين : 1/110 ـ 112 .


الصفحة 251

أَحْنَتْ أَضَالِعَهُ الأحزانُ حين رأى من هاشم قمراً بالخسفِ قد رُمِيَا(1)


المجلس الرابع ، من اليوم السابع

واعية بني هاشم وأهل المدينة وبكاؤهم على


الإمام الحسين(عليه السلام) وبكاء أم البنين على العباس(عليه السلام)

روي أن الإمام زين العابدين(عليه السلام) لما جاء من الأسر ودخل المدينة خطب في الناس وقال(عليه السلام) : أيها القوم ، إن الله ـ وله الحمد ـ ابتلانا بمصيبة جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قُتل أبو عبدالله وعترته ، وسبي نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان ، من فوق عالي السنان ، أيها الناس ، فأيُّ رجالات يسرّون منكم بعد قتله؟ أم أيَّةُ عين تحبس دمعها وتضنّ عن انهمالها؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار والسماوات والأرض والأشجار والحيتان ، والملائكة المقرَّبون ، وأهل السماوات أجمعون ، أيها الناس ، أيُّ قلب لا ينصدع لقتله؟ أم أيُّ فؤاد لا يحنّ إليه؟ أم أيُّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلم في الإسلام؟ أيُّها الناس ، أصبحنا مطرودين مشرَّدين مذودين شاسعين ، كأنا أولاد ترك أو كابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ، إن هذا إلاَّ اختلاق ، والله لو أن النبيَّ(صلى الله عليه وآله) تقدَّم إليهم في قتالنا كما تقدَّم إليهم في الوصاة بنا لما زادوا على ما فعلوه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون(2) .

أبادوهُمُ قتلا وسمّاً ومثلةً كأنّ رسولَ اللهِ ليس لهم أَبُ
كأنَّ رَسُولَ اللهِ من حُكْمِ شَرْعِهِ على آلِهِ أَنْ يُقْتَلوا أو يُصَلَّبوا

____________

1- الشواهد المنبرية ، الشيخ علي الجشي : 58 .

2- مثير الأحزان ، ابن نما : 90 ـ 91 .


الصفحة 252

قال عوانة بن الحكم : لما قتل الحسين بن علي (عليه السلام) دعا عبيد الله بن زياد عبدالملك ابن أبي الحرث السلمي ، وبعثه إلى المدينة ليبشِّر عمرو بن سعيد ، فدخل السلمي على عمرو فقال : ما وراءك؟ فقال : ما سرَّ الأمير ، قُتل الحسين بن علي(عليه السلام) ، فقال : نادِ بقتله ، فناديت بقتله ، فلم أسمع والله واعية قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهم على الحسين(عليه السلام) ، فقال عمرو وضحك :

عَجَّتْ نِسَاءُ بنى زياد عَجَّةً كعجيجِ نِسْوَتِنا غَدَاةَ الأَرنبِ

ثم قال عمرو : هذه واعية بواعية عثمان بن عفان ، ثم صعد المنبر فأعلم الناس قتله(1) .

وفي كتاب المثالب لأبي عبيدة ، قال : ثم أومأ إلى القبر الشريف وقال : يا محمد! يوم بيوم بدر ، فأنكر عليه قوم من الأنصار(2) .

ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :

مُصَابٌ أصاب المصطفى منه فَادِحٌ بكت حَزَناً من رُزْئِهِ فَاطِمُ الطُّهْرُ
غداةَ عَدَتْ أبناءُ حَرْب فَجَلْجَلَتْ لها زُمَرٌ لا يُستطاعُ لها حَصْرُ
وثارت بها أحقادُها فتطلَّبَتْ من المصطفى ثَارَاتِ ما فَعَلَتْ بَدْرُ
وجاءت على جَهْل تحاولُ إمرةً على مَنْ له من دونِها النهيُ والأَمْرُ
وسامته أَنْ ينقادَ للحُكْمِ ضارعاً لديها ويأبى العزُّ أَنْ يَضْرَعَ الحُرُّ
فَقَالَ رِدِي يا نَفْسُ من سورةِ الردى فعند وُرُودِ الضيمِ يُسْتَعْذَبُ المُرُّ(3)

قال بعض الرواة : ولما بلغ أهل المدينة مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) بكى عليه نساء بني هاشم ونُحنَ عليه(4) .

____________

1- تاريخ الطبري : 4/356 ـ 357 ، حوادث سنة 61 ، الكامل ، ابن الأثير : 4/39 .

2- شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 4/72 .

3- مثير الأحزان ، الجواهري : 114 .

4- البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/213 .


الصفحة 253

وروى البرقي عليه الرحمة ، عن عمر بن علي بن الحسين(عليهما السلام) قال : لما قتل الحسين بن علي(عليه السلام) لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح(1) ، وكنَّ لا يشتكين من حرّ ولا برد ، وكان علي بن الحسين(عليه السلام) يعمل لهن الطعام للمأتم(2) .

وروى الكليني عليه الرحمة ، عن مصقلة الطحان قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام)يقول : لما قتل الحسين(عليه السلام) أقامت امرأته الكلبية(3) عليه مأتماً ، وبكت وبكين النساء والخدم حتى جفّت دموعهن وذهبت ، فبينا هي كذلك إذ رأت جارية من جواريها تبكي ودموعها تسيل ، فدعتها فقالت لها : مالك أنت من بيننا تسيل دموعكِ؟ قالت : إني لما أصابني الجهد شربت شربة سويق ، قال : فأمرت بالطعام والأسوقة فأكلت وشربت وأطعمت وسقت ، وقالت : إنما نريد بذلك أن نتقوّى على البكاء على الحسين(عليه السلام) .

قال : وأهدي إلى الكلبية جؤناً(4) لتستعين بها على مأتم الحسين(عليه السلام) ، فلما رأت الجؤن قالت : ما هذه؟ قالوا : هدية أهداها فلان لتستعيني على مأتم الحسين ، فقالت : لسنا في عرس ، فما نصنع بها؟ ثم أمرت بهن فأخرجهن من الدار ، فلما أخرجن من الدار لم يحسَّ لها حسٌّ كأنما طرن بين السماء والأرض ، ولم ير لهن بها بعد خروجهن من الدار أثر(5) .

وروي عن الإمام جعفر بن محمد(عليه السلام) أنه قال : نيح على الحسين بن

____________

1- المسوح ـ بالضمّ ـ جمع المسح ـ بالكسر ـ وهو اللباس ، وكن لا يشتكين أي لا يشكون ولا يبالين لشدّة المصيبة من إصابة الحرّ والبرد .

2- المحاسن ، البرقي : 2/420 ح 195 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 45/188 ح 33 .

3- هي بنت امرىء القيس الكلبي ، أم سكينة بنت الحسين(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وبنو كلب حي من قضاعة . شرح أصول الكافي ، المازندراني : 7/235 .

4- جاء في هامش الثاقب في المناقب ، ابن حمزة الطوسي : 334 : في بعض النسخ والكافي : جواري .

5- الكافي ، الكليني : 1/466 ح 9 .


الصفحة 254

علي (عليهما السلام) سنة في كل يوم وليلة ، وثلاث سنين من اليوم الذي أصيب فيه ، وكان المسور بن مخرمة وجماعة من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) يأتون مستترين متقنّعين فيستمعون ويبكون(1) .

وقال اليعقوبي : وكان أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، كان دفع إليها قارورة فيها تربة ، وقال لها : إن جبرئيل أعلمني أن أمتي تقتل الحسين ، وأعطاني هذه التربة ، وقال لي : إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أن الحسين قد قتل ، وكانت عندها ، فلمّا حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كل ساعة ، فلمّا رأتها قد صارت دماً صاحت : واحسيناه! وا بن رسول الله! وتصارخت النساء من كل ناحية ، حتى ارتفعت المدينة بالرَّجة التي ما سمع بمثلها قط(2) .

وذكر ابن أبي الدنيا أنه لما بلغ أم سلمة قتل الحسين(عليه السلام) قالت : أوفعلوا؟ ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً ، ثم وقعت مغشياً عليها(3) .

ولله درّ الشيخ صالح الكواز عليه الرحمة إذ يقول :

يا راكباً شَدْقميّاً في قوائمِهِ يَطْوِي أديمَ الفيافي كلَّما ذرعا
عُجْ بالمدينةِ واصرخْ في شَوَارِعِها بصَرْخة تملأُ الدنيا بها جَزَعا
نادِ الذين إذا نادى الصريخُ بهم لبوَّه قَبْلَ صدىً من صَوْتِهِ رَجَعا
يكادُ ينفذُ قبل القَصْدِ فِعْلُهُمُ بِنَصْرِ مَنْ لَهُمُ مُستنجداً فَزِعا
قل يا بني شيبةِ الحمدِ الذين بِهِمْ قامت دَعَائِمُ دينِ اللهِ وارتفعا
قوموا فَقَدْ عَصَفَتْ بالطفِّ عاصفةٌ مالت بأرجاءِ طَوْدِ العزِّ فانصدعا(4)

____________

1- بحار الأنوار ، المجلسي 79/102 ح 1 .

2- تاريخ اليعقوبي : 2/245 ـ 246 .

3- الرد على المتعصب العنيد ، ابن الجوزي : 51 ـ 52 ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 14/238 .

4- رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 150 .


الصفحة 255

قال بعض الرواة : وبكته الرباب بنت امرىء القيس الكلبية رضوان الله عليها زوجة الإمام الحسين(عليه السلام) ، وهي التي يقول فيها الحسين(عليه السلام) :

لَعمرُك إنني لأُحبُّ داراً تحلُّ بها سكينةُ والربابُ
أحبُّهما وأبذلُ بعد مالي وليس للائمي فيها عِتَابُ
ولستُ لهم وإنْ عَتَبوا مطيعاً حياتي أو يُغَيِّبني الترابُ

وهي التى أقامت على قبر الحسين(عليه السلام) حولا ثم قالت :

إلى الحولِ ثمَّ اسمُ السلامِ عليكما وَمَنْ يَبْكِ حولا كاملا فقد اعتذر

قال : وعاشت بعده سنة لم يظلَّها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً(1) .

وقد نعت الحسين(عليه السلام) ورثته بتفجُّع وألم شديد وحرقة لا تنطفي ، قالت رضوان الله عليها :

إنَّ الذي كان نوراً يستضاءُ به بكربلاءَ قتيلا غيرُ مدفونِ
سِبْطَ النبيِّ جَزَاك اللهُ صالحةً عنّا وجُنِّبت خُسْرَانَ الموازينِ
قد كنت لي جبلا صعباً ألوذُ به وكنت تَصْحَبُنا بالرحمِ والدينِ
مَنْ لليتامى وَمَنْ للسائلين وَمَنْ يقي ويأوي إليه كلَّ مسكينِ(2)
واللهِ لا أبتغي صِهْراً بصِهْرِكُمُ حتى أُغيَّبَ بينَ الرملِ والطينِ(3)

وروي أنها رضي الله عنها رثت الحسين(عليه السلام) في الشام بعد أن أخذت رأسه وقبَّلته ووضعته في حجرها ، وهي تقول :

واحسيناً فلا نسيتُ حسيناً أقصدته أسنَّةُ الأعداءِ

____________

1- تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 69/119 ـ 120 ، الإصابة ، ابن حجر : 1/355 ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، ابن الجوزي : 6/9 .

2- الحسن والحسين (عليهما السلام) ، محمد رضا : 154 .

3- الجوهرة في نسب الإمام علي وآله ، البري : 46 ـ 47 .


الصفحة 256

غادروه بكربلاءَ صريعاً لاَسَقَى اللهُ جَانِبَيْ كربلاءِ(1)

وروي أن الرباب بعد رجوعها إلى المدينة خطبها الأشراف من قريش فقالت : والله لا كان لي حمو بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعاشت بعد الحسين(عليه السلام) سنة ، ثم ماتت كمداً على الحسين(عليه السلام) ولم تستظلَّ بعده بسقف(2) .

وقال القرماني : ولمَّا رجعت إلى المدينة أقامت فيها لا تهدأ ليلا ولا نهاراً من البكاء على الحسين (عليه السلام) ، ولم تستظلَّ تحت سقف حتى ماتت بعد قتله كمداً سنة اثنين وستين للهجرة(3) .

وبكى أهل المدينة على الإمام الحسين(عليه السلام) وندبوه ثلاث سنوات ، روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه(عليهما السلام) قال : نيح الحسين بن علي ثلاث سنين ، وفي اليوم الذي قتل فيه ، فكان وائلة بن الأصمع ومروان بن الحكم ومسور بن مخرمة ، وتلك المشيخة من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) يجيئون متقنّعين فيستمعون نوح الجن ويبكون(4) .

وقال ابن حمدون في التذكرة : لما قُتل الحسين بن علي(عليهما السلام) كان النوح عليه بالمدينة في كل بيت سنة كاملة ثم نيح عليه في السنة الثانية في كل جمعة ، ثم نيح عليه في الثالثة في كل شهر ، وكان مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة يدخلان إليهم مقنعين ، فيبكيان أشدَّ بكاء حتى ينقضي النوح(5) .

____________

1- الكامل في التاريخ ، ابن الأثير : 4/45 ، وقيل رثته بهذه الأبيات زوجته عاتكة بنت عمرو بن عمر بن نفيل (معجم البلدان ، الحموي : 4/445) .

2- راجع : تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي : 238 ، الكامل في التاريخ ، ابن الأثير : 4/36 ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، ابن الجوزي : 6/9 ، لواعج الأشجان ، السيد محسن الأمين : 223 .

3- تاريخ القرماني : 4 .

4- نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : 224 .

5- التذكرة الحمدونية ، ابن حمدون : 9/149 رقم : 359 .


الصفحة 257

وقال هشام بن الكلبي : حدَّثني بعض أصحابنا ، عن عمرو بن أبي المقدام قال : حدَّثني عمرو بن عكرمة ، قال : صبحنا صبيحة قتل الحسين (عليه السلام) بالمدينة فإذا مولاة لنا تحدِّثنا ، قالت : سمعت البارحة منادياً ينادي وهو يقول :

أيُّها القاتلونَ ظلماً حسيناً أبشروا بالعذابِ والتنكيلِ
كلُّ أهلِ السماءِ يدعو عليكم من نبيٍّ ومالك وقبيلِ
قد لُعِنْتُم على لسانِ ابنِ داو دَ وموسى وحاملِ الإنجيلِ(1)

ولمَّا أتى أهل المدينة مقتل الحسين(عليه السلام) خرجَّت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها ، وهي حاسرة تلوي بثوبها ، وهي تقول :

مَاذَا تقولونَ إنْ قال النبيُّ لكم ماذا فَعَلْتُم وأنتم آخِرُ الأُمَمِ
بعترتي وبأهلي بَعْدَ مفْتَقَدِي منهم أُسَارى ومنهم ضُرِّجُوا بِدَمِ(2)

وأما بكاء أم البنين(عليها السلام) ونياحتها فقد بكت حتى رقَّ لها العدوُّ وبكى لبكائها ، فأحسن الله لها العزاء بمصابها في أولادها الأربعة الذين فقدتهم في ساعة واحدة .

ومن قول أم البنين(عليها السلام) في رثاء أبي الفضل العباس وسائر أبنائها(عليهم السلام) :

يَا مَنْ رأى العبَّاسَ كـ رّ على جَمَاهيرِ النَّقَدْ
وَوَرَاهُ من أبناءِ حَيْـ دَرَ كُلُّ ليث ذي لَبَدْ
أُنْبِئْتُ أنَّ ابني أُصيـ بَ برأسِهِ مقطوعَ يَدْ
ويلي على شِبْلي أَمَا لَ برأسِهِ ضَرْبُ العَمَدْ
لو كان سيفُكَ في يديـ ك لَمَا دنا منه أَحَدْ

وتقول أيضاً :

____________

1- البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/215 ـ 216 .

2- تاريخ الطبري : 4/357 .


الصفحة 258

لاَ تدعونّي ويكِ أمَّ البنينْ تُذَكِّريني بِلُيُوثِ العرينْ
كانت بنونٌ لِيَ أُدْعَى بهم واليومَ أصحبتُ ولا مِنْ بنينْ
أربعةٌ مِثْلُ نُسُورِ الرُّبَى قد واصلوا الموتَ بِقَطْعِ الوتينْ
تَنَازَعَ الخِرْصَانُ أَشْلاَءَهم فكلُّهم أمسى صريعاً طعينْ
ياليتَ شعري أَكَمَا أخبروا بأنَّ عباساً قطيعُ اليمينْ

قال أبو الفرج الإصفهاني : وكانت أم البنين ـ أم هؤلاء الأربعة الإخوة القتلى ـ تخرج إلى البقيع ، فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي . ذكر ذلك علي بن محمد بن حمزة ، عن النوفلي ، عن حماد بن عيسى الجهني ، عن معاوية بن عمار ، عن جعفر بن محمد(عليه السلام)(1) .

وقال أبو الحسن الأخفش في شرح الكامل : وقد كانت تخرج إلى البقيع كل يوم ترثيه ، وتحمل ولده عبدالله ، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة ، وفيهم مروان ابن الحكم ، فيبكون لشجيِّ الندبة(2) .

ومما جاء في مقام أبي الفضل العباس (عليه السلام) ومنزلته عند أهل البيت (عليهم السلام) هو ما ذكره العلامة الدربندي عليه الرحمة في أسرار الشهادة نقلاً عن بعض كتب المقاتل قال : إنه إذا كان يوم القيامة واشتد الأمر على الناس بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله)أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى فاطمة (عليها السلام) لتحضر مقام الشفاعة فيقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا فاطمة ما عندك من أسباب الشفاعة ، وما ادخرت لأجل هذا اليوم الذي فيه الفزع الأكبر فتقول فاطمة (عليها السلام) : يا أمير المؤمنين كفانا لأجل هذا المقام اليدان المقطوعتان من ابني العباس(3) .

____________

1- مقاتل الطالبيين ، الإصفهاني : 56 .

2- عن إبصار العين ، السماوي : 64 .

3- أسرار الشهادة ، الدربندي : 2/412 ، معالي السبطين ، الحائري : 445 .


الصفحة 259

وفي أسرار الشهادة أيضاً قال العلامة الدربندي عليه الرحمة : أخبرني جمع من الثقاة في هذا الزمان إن واحدا من مؤمني هذا العصر وهو الآن موجود كان يزور الحسين (عليه السلام) في كل يوم ثلاث مرات وما كان يزور العباس إلا في الأسبوع مرة وقد رأى في المنام الصديقة الطاهرة (عليها السلام) وسلم عليها فأعرضت عنه فقال : بأبي أنت وأمي لأي تقصير تعرضين عني قالت : لإعراضك من زيارتك ابني ، قال : أنا أزور ابنك في كل يوم قالت : تزور ابني الحسين (عليه السلام) ولا تزور ابني العباس إلا قليلا(1) .

ولله در بعض الشعراء إذ يقول على لسان الحسين (عليه السلام) لما صرع العباس (عليه السلام) :

يا أبا الفضلِ قم ألستَ الذي قد كُنتَ لي مُسعِداً إذا الدّهرُ نابا
كُسِرَ اليومَ بافتقادِكَ ظهري وقناتي فُلَّتْ وظنِّيَ خابا
يا بني هاشم وآلَ نزار بدرُكُم قد هوى فقومُوا غضابا
وانثنى للخبا مُحدودِبَ الظهرِ تَردَّى من الأسى جِلبَابا
فدعا يا بناتّ أحمدَ صبراً عظَّمَ الله أجرَكُم والثَّوابا
إنَّ دهري عليَّ فوَّقَ سهماً ورمى كفَّ عَزمتي فأصابا
أحِمى الضائعاتِ مَنْ لو دعاهُ فوقَ هامِ السُّهى مَروُعٌ أهابا
أوحشَ الحربَ فقدُه في نهار وبليل قد أوحشَ المحرابا(2)

ويقول الحجة الشيخ حسن علي البدر القطيفي عليه الرحمة على لسان الحسين (عليه السلام) :

طويتُ على مثلِ وَخْزِ الرماح ضلوعيَ أو مثل حزِّ الصِّفاح
وَرُحْتُ كما بي تمنّى الحسودُ وقد لانَ للدهر منّي الجَنَاح

____________

1- أسرار الشهادة ، الدربندي : 2/412 و 419 ـ 420 ، معالي السبطين ، الحائري : 446 .

2- مجمع المصائب ، الهنداوي : 1/143 .


الصفحة 260

وَبتُّ على مثل شوكِ القَتَادِ اُردّدُ أنفاسَ دامي الجراح
غداةَ تَغَيَّبُ عن ناظري مُحَيَّاكَ يا خيرَ من جا وراح
تَغَيّبْتَ فأظلمَ وجه النهار بعينيَ واسوّدَ وجهُ الصباح
فقدتُكَ درعاً به أتّقي من الدهر طعنَ القنا والرماح
بنفسيَ أفديك من نازح رمى فقدُه الصبرَ بالانتزاح
أبا الفضلِ رحتَ فَرُوحُ التقى عقيبَك قد آذنتْ بالرواح(1)

المجلس الخامس ، من اليوم السابع

شكاية فاطمة(عليها السلام) في المحشر

ورؤيتها الحسين(عليه السلام)

روي عن جعفر الأحمر ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر(عليه السلام) قال : سمعت جابر بن عبدالله الأنصاري يقول : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة مدبَّجة الجنبين ، خطامها من لؤلؤ رطب ، قوائمها من الزمرد الأخضر ، ذنبها من المسك الأذفر ، عيناها ياقوتتان حمراوان ، عليها قبَّة من نور ، يُرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، داخلها عفو الله ، وخارجها رحمة الله ، على رأسها تاج من نور ، للتاج سبعون ركناً ، كل ركن مرصَّع بالدرّ والياقوت ، يضيء كما يضيء الكوكب الدريُّ في أفق السماء ، وعن يمينها سبعون ألف ملك ، وعن شمالها سبعون ألف ملك ، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة ، ينادي بأعلى صوته : غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد ، فلا يبقى يومئذ نبيٌّ ولا رسول ولا صدّيق ولا شهيد إلاَّ غضّوا بأبصارهم حتى تجوز فاطمة ،

____________

1- سعادة الدارين فيما يتعلق بالإمام الحسين (عليه السلام) ، الشيخ حسين البلادي القديحي : 252 .


الصفحة 261

فتسير حتى تحاذي عرش ربِّها جلَّ جلاله ، فتنزخ بنفسها عن ناقتها ، وتقول : إلهي وسيدي ، احكم بيني وبين من ظلمني ، اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي ، فإذا النداء من قبل الله جلَّ جلاله : يا حبيبتي وابنة حبيبي ، سليني تُعطي ، واشفعي تُشفعي ، فوعزّتي وجلالي ، لا جازني ظلمُ ظالم ، فتقول : إلهي وسيدي ، ذرّيّتي وشيعتي وشيعة ذرّيتي ، ومحبّيَّ ومحبّي ذرّيّتي .

فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله : أين ذرّيّة فاطمة وشيعتها ومحبُّوها ومحبّو ذرّيّتها؟ فيقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة ، فتقدمهم فاطمة(عليها السلام) حتى تُدخلهم الجنة(1) .

وعن أبي أحمد بن سليمان الطائي ، عن علي بن موسى الرضا ، عن آبائه(عليهم السلام)قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : تُحشر ابنتي فاطمة(عليها السلام) يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدماء ، تتعلَّق بقائمة من قوائم العرش ، تقول : يا عدل ، احكم بيني وبين قاتل ولدي ، قال علي بن أبي طالب(عليه السلام) : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ويحكم الله لابنتي وربّ الكعبة .

وروي عن الرضا ، عن آبائه(عليهم السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : تُحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدم ، فتتعلَّق بقائمة من قوائم العرش فتقول : يا عدل ، احكم بيني وبين قاتل ولدي ، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : فيحكم لابنتي وربِّ الكعبة ، وإن الله عزَّ وجلَّ يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها .

وعن محمد بن سنان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : إذا كان يوم القيامة نُصب لفاطمة(عليها السلام) قبّة من نور ، وأقبل الحسين(عليه السلام) ، رأسه في يده ، فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقى في الجمع مَلَك مقرَّب ، ولا نبيٌّ مرسل ، ولا عبد مؤمن إلاّ بكى لها ، فيمثِّل الله عزَّ وجلَّ رجلا لها في أحسن

____________

1- بحار الأنوار ، المجلسي : 43/219 .


الصفحة 262

صورة ، وهو يخاصم قتلته بلا رأس ، فيجمع الله قتلته والمجهزين عليه ومن شرك في قتله فيقتلهم حتى أتى على آخرهم ، ثمَّ يُنشرون فيقتلهم أمير المؤمنين(عليه السلام) ، ثم ينشرون فيقتلهم الحسن(عليه السلام) ، ثم يُنشرون فيقتلهم الحسين(عليه السلام) ، ثم يُنشرون فلا يبقى من ذرّيّتنا أحد إلاَّ قتلهم قتلة ، فعند ذلك يكشف الله الغيظ ، ويُنسي الحزن .

ثمّ قال أبو عبدالله(عليه السلام) : رحم الله شيعتنا ، شيعتنا والله هم المؤمنون ، فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة .

وعن شريك يرفعه قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة(عليها السلام) في لمُة من نسائها ، فيقال لها : ادخلي الجنة ، فتقول : لا أدخل حتى أعلم ما صُنع بولدي من بعدي ، فيقال لها : انظري في قلب القيامة ، فتنظر إلى الحسين(عليه السلام)قائماً وليس عليه رأس ، فتصرخ صرخة ، وأصرخ لصراخها ، وتصرخ الملائكة لصراخنا ، فيغضب الله عزَّ وجلَّ لنا عند ذلك ، فيأمر ناراً يقال لها : هبهب ، قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودّت ، لا يدخلها روح أبداً ، ولا يخرج منها غمٌ أبداً ، فيقال لها : التقطي قتلة الحسين(عليه السلام) وحملة القرآن ، فتلتقطهم ، فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها ، وشهقت وشهقوا بها ، وزفرت وزفروا بها ، فينطقون بألسنة ذلقة طلقة : يا ربَّنا لِمَ أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان؟ فيأتيهم الجواب عن الله عزّ وجلَّ : أن من علم ليس كمن لا يعلم(1) .

وعن أبي خير ، عن علي بن أبي طالب(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : يمثَّل لفاطمة(عليها السلام) رأس الحسين(عليه السلام) ، وينادي أهل القيامة : قتل الله قاتل ولدك يا فاطمة ، قال : فيقول الله عزّ وجلّ : ذلك أفعل به وبشيعته وأحبائه وأتباعه ، وإن فاطمة(عليها السلام)في ذلك اليوم على ناقة من نوق الجنة مدَّبجة الجنبين ، واضحة الخدّين ، شهلاء العينين ، رأسها من الذهب المصفَّى ، وأعناقها من المسك والعنبر ، خطامها

____________

1- بحار الأنوار ، المجلسي : 43/220 ـ 221 .


الصفحة 263

من الزبرجد الأخضر ، رحائلها درّ مفضَّض بالجوهر ، على الناقة هودج غشاؤها من نور الله ، وحشوها من رحمة الله ، خطامها فرسخ من فراسخ الدنيا ، يحفّ بهودجها سبعون ألف ملك بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والثناء على ربّ العالمين ، ثم ينادي مناد من بطنان العرش : يا أهل القيامة ، غضّوا أبصاركم ، فهذه فاطمة بنت محمد رسول الله(صلى الله عليه وآله)تمرّ على الصراط ، فتمرّ فاطمة(عليها السلام) وشيعتها على الصراط كالبرق الخاطف ، قال النبي(صلى الله عليه وآله) : ويلقي أعداءها وأعداء ذريتها في جهنم(1) .

وعن الشيخ الصدوق عليه الرحمة ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فينادي مناد : غضّوا أبصاركم ، ونكّسوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله) الصراط ، قال : فتغضّ الخلائق أبصارهم ، فتأتي فاطمة(عليها السلام) على نجيب من نجب الجنة ، يشيِّعها سبعون ألف ملك ، فتقف موقفاً شريفاً من مواقف القيامة ، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن علي(عليه السلام) بيدها مضمَّخاً بدمه ، وتقول : يا ربّ ، هذا قميص ولدي ، وقد علمت ما صُنع به ، فيأتيها النداء من قبل الله عزَّ وجلَّ : يا فاطمة ، لك عندي الرضا ، فتقول : يا ربّ ، انتصر لي من قاتله ، فيأمر الله تعالى عنقاً من النار فتخرج من جهنم فتلتقط قتلة الحسين بن علي(عليه السلام) كما يلتقط الطير الحبَّ ، ثم يعود العنق بهم إلى النار ، فيُعذَّبون فيها بأنواع العذاب ، ثمَّ تركب فاطمة(عليها السلام) نجيبها حتى تدخل الجنة ومعها الملائكة المشيِّعون لها ، وذرّيّتها بين يديها ، وأولياؤهم من الناس عن يمينها وشمالها(2) .

وعن ابن عباس قال : سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) يقول :

____________

1- بحار الأنوار ، المجلسي : 43/222 .

2- بحار الأنوار ، المجلسي : 43/224 .


الصفحة 264

دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذات يوم على فاطمة(عليها السلام) وهي حزينة ، فقال لها : ما حزنك يا بنية؟ قالت : يا أبه ، ذكرت المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة ، قال : يا بنيَّة ، إنه ليوم عظيم ، ولكن قد أخبرني جبرئيل عن الله عزَّ وجلَّ أنه قال : أول من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة أنا ، ثم أبي إبراهيم ، ثم بعلك علي بن أبي طالب(عليه السلام) .

ثم يبعث الله إليك جبرئيل في سبعين ألف ملك ، فيضرب على قبرك سبع قباب من نور ، ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور ، فيقف عند رأسك فيناديك : يا فاطمة بنت محمد! قومي إلى محشرك ، فتقومين آمنة روعتك ، مستورة عورتك ، فيناولك إسرافيل الحلل فتلبسينها ، ويأتيك زوقائيل بنجيبة من نور ، زمامها من لؤلؤ رطب ، عليها محفة من ذهب ، فتركبينها ، ويقود زوقائيل بزمامها ، وبين يديك سبعون ألف ملك ، بأيديهم ألوية التسبيح ، فإذا جدّ بك السير استقبلتك سبعون ألف حوراء ، يستبشرون بالنظر إليك ، بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور ، يسطع منها ريح العود من غير نار ، وعليهن أكاليل الجوهر المرصَّع بالزبرجد الأخضر ، فيسرن عن يمينك .

فإذا سرت مثل الذي سرت من قبرك إلى أن لقينك استقبلتك مريم بنت عمران ، في مثل من معك من الحور ، فتسلِّم عليك وتسير هي ومن معها عن يسارك .

ثم تستقبلك أمك خديجة بنت خويلد أول المؤمنات بالله ورسوله ، ومعها سبعون ألف ملك ، بأيديهم ألوية التكبير ، فإذا قربت من الجمع استقبلتك حواء في سبعين ألف حوراء ، ومعها آسية بنت مزاحم ، فتسير هي ومن معها معك .

فإذا توسَّطت الجمع ، وذلك أن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد ، فيستوي بهم الأقدام ، ثم ينادي مناد من تحت العرش يسمع الخلائق : غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة الصديقة بنت محمد ومن معها ، فلا ينظر إليك يومئذ إلاّ إبراهيم خليل


الصفحة 265

الرحمن(عليه السلام) وعلي بن أبي طالب(عليه السلام) ، ويطلب آدم(عليه السلام) حوّاء فيراها مع أمك خديجة أمامك .

ثم ينصب لك منبر من النور ، فيه سبع مراقي ، بين المرقاة إلى المرقاة صفوف الملائكة ، بأيديهم ألوية النور ، ويصطفّ الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره ، وأقرب النساء معك عن يسارك حواء وآسية ، فإذا صرت في أعلى المنبر أتاك جبرئيل(عليه السلام) فيقول لك : يا فاطمة ، سلي حاجتك ، فتقولين : يا ربّ ، أرني الحسن والحسين ، فيأتيانك وأوداج الحسين تشخب دماً ، وهو يقول : يا ربّ ، خذ لي اليوم حقّي ممن ظلمني ، فيغضب عند ذلك الجليل ، ويغضب لغضبه جهنم والملائكة أجمعون ، فتزفر جهنم عند ذلك زفرة ، ثم يخرج فوج من النار ويلتقط قتلة الحسين وأبناءهم وأبناء أبنائهم ، ويقولون : يا ربّ ، إنا لم نحضر الحسين ، فيقول الله لزبانية جهنم : خذوهم بسيماهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه ، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الأسفل من النار ، فإنهم كانوا أشدَّ على أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين فقتلوه .

ثم يقول جبرئيل(عليه السلام) : يا فاطمة ، سلي حاجتك ، فتقولين : يا ربّ شيعتي ، فيقول الله عزَّ وجلَّ : قد غفرت لهم ، فتقولين : يا ربّ شيعة ولدي ، فيقول الله : قد غفرت لهم ، فتقولين : يا رب شيعة شيعتي ، فيقول الله : انطلقي فمن اعتصم بك فهو معك في الجنة ، فعند ذلك يودّ الخلائق أنهم كانوا فاطميين ، فتسيرين ومعك شيعتك ، وشيعة ولدك ، وشيعة أمير المؤمنين ، آمنة روعاتهم ، مستورة عوراتهم ، قد ذهبت عنهم الشدائد ، وسهلت لهم الموارد ، يخاف الناس وهم لا يخافون ، ويظمأ الناس وهم لا يظمأون(1) .

ولله درّ الحجّة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة إذ يقول :

____________

1- بحار الأنوار ، المجلسي : 43/225 .