وعن إمام لبني سليم ، عن أشياخ لهم قالوا : غزونا بلاد الروم ، فدخلنا كنيسة من كنائسهم ، فوجدنا فيها مكتوباً :
أيرجو مَعْشَرٌ قتلوا حسيناً | شفاعةَ جدِّه يومَ الحسابِ |
قالوا : فسألنا منذ كم هذا في كنيستكم؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيّكم بثلاث مائة عام .
وقال الشيخ جعفر بن نما في مثير الأحزان : عن سليمان الأعمش قال : بينا أنا في الطواف أيام الموسم إذا رجل يقول : اللهم اغفر لي ، وأنا أعلم أنك لا تغفر ، فسألته عن السبب فقال : كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين إلى يزيد على طريق الشام ، فنزلنا أول مرحلة رحلنا من كربلا على دير للنصارى ، والرأس مركوز على رمح ، فوضعنا الطعام ونحن نأكل إذا بكفّ على حائط الدير يكتب عليه بقلم حديد سطراً بدم :
أترجو أُمَّةٌ قَتَلَتْ حسيناً | شَفَاعَةَ جَدِّهِ يومَ الحِسَابِ |
فجزعنا جزعاً شديداً ، وأهوى بعضنا إلى الكفّ ليأخذه فغابت ، فعاد أصحابي .
وحدَّث عبدالرحمان بن مسلم ، عن أبيه أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من القسطنطينية ، وعليها شيء مكتوب ، فسألنا أُناساً من أهل الشام يقرؤون بالروميَّة ، فإذا هو مكتوب هذا البيت .
وذكر أبو عمرو الزاهد في كتاب الياقوت ، قال : قال عبدالله بن الصفار صاحب أبي حمزة الصوفي : غزونا غزاة ، وسبينا سبياً ، وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى ، فأكرمناه وأحسنّا إليه ، فقال لنا : أخبرني أبي ، عن آبائه أنهم حفروا في بلاد الروم حفراً قبل أن يُبعث محمد العربيّ بثلاث مائة سنة ، فأصابوا حجراً عليه مكتوب بالمسند هذا البيت :
أترجو عُصْبَةٌ قَتَلَتْ حسيناً | شفاعةَ جدِّه يومَ الحسابِ(1) |
قال ابن شهر آشوب عليه الرحمة : قال أنس بن مالك : احتفر رجل من أهل نجران حفيرة ، فوجد فيها لوح من ذهب ، فيه مكتوب هذا البيت ، وبعده :
فقد قَدِمُوا عليه بِحُكْمِ جَوْر | فَخَالَفَ حُكْمُهم حُكْمَ الكتابِ |
ستلقى يا يزيدُ غداً عَذَاباً | من الرحمنِ يالكَ من عَذَابِ |
فسألناهم : منذ كم هذا في كنيستكم؟ فقالوا : قبل أن يُبعث نبيِّكم بثلاثمائة عام .
وقال سعد بن أبي وقاص : إن قس بن ساعدة الأيادي قال قبل مبعث النبي(صلى الله عليه وآله) :
تَخَلَّفَ المقدارَ منهم عُصْبَةٌ | ثاروا بصفّينَ وفي يومِ الجَمَلْ |
والْتَزَمَ الثَّارُ الحسينَ بَعْدَهُ | واحتشدوا على ابنِهِ حتَّى قُتِلْ(2) |
ولله درّ العلامة الشيخ حسين البلادي القديحي عليه الرحمة إذ يقول :
أيُّ خَطْب عَرَى البتولَ وطه | وَنحى أَعْيُنَ الهُدَى فَعَمَاهَا |
أيُّ خَطْب أبكى النبيين جَمْعاً | وله الأوصياءُ عزَّ عَزَاهَا |
أيُّ خَطْب أبكى الملائكَ طُرَّاً | وَقُلُوبَ الإيمانِ شَبَّ لَظَاهَا |
ذاك خَطْبُ الحسينِ أَعْظِمْ بخَطْب | صَيَّرَ الكائناتِ يجري دِماها |
لستُ أنساه في ثرى الطفِّ أضحى | في رجال إلهُها زكَّاها |
نَزَلُوا منزلا على الماءِ لكنْ | لم يَبُلُّوا عن الضَّرَامِ شِفَاها |
وَقَفُوا وَقْفَةً على الْحَرْبِ أَبْدَتْ | لِلْعُلَى شاهداً على عَلْيَاها |
وَقَفُوا وقفةً لو انَّ الرواسي | وَقَفَتْها لزال منها ذُرَاهَا |
____________
1- بحار الأنوار ، المجلسي : 44/225 . 2- مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/218 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/240 ح 32 .
قد أثاروا من القَتَامِ عَجَاجاً | حَسِبَ الناسُ أنَّ ذاك سَمَاها |
قد أثاروا إلى السَّمَاءِ رعيداً | نَفْخَةُ الصُّورِ كان دُونَ صَدَاها(1) |
المجلس الحادي عشر
من كرامات الإمام الحسين(عليه السلام)
من معجزات وكرامات سيِّد الشهداء أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) ما جاء في الكبريت الأحمر ، قال : خرج الحسين(عليه السلام) من المدينة قاصداً زيارة بيت الله الحرام ، ومعه جمع كثير وجمّ غفير ، فمرض من الركب رجل ، فقال للحسين : أشتهي رمّاناً ، فقال(عليه السلام) : هذا بستان فيه أنواع الفواكه ، فامض إليه وتناول ما شئت ، ولم يَعهد أحدٌ قبل ذلك هناك أشجاراً وأثماراً ومياهاً ، فلمَّا شاهد الركب البستان دخلوا وتناولوا كلَّ ما اشتهوا ، ولمَّا خرجوا غاب البستان عن نظرهم ، وإذا هم بظبية ، فأشار الحسين(عليه السلام)إليها فأقبلت ، ثمَّ أمرهم أن يذبحها أحد منهم ، ولا يكسر لها عظماً ، إلى أن أكلوا لحمها ، فدعا(عليه السلام) فعادت كما كانت ، فقال(عليه السلام) : أيُّكم يشتهي أن يشرب من حليبها فليحلبها ، إلى أن شرب كلُّهم من حليبها ، وكفى الركب كلَّهم ببركة الحسين(عليه السلام)ودعائه ، ثمَّ قال(عليه السلام) لها : لك خشفات تنتظرك فانصرفي وأرضعيهنَّ ، فانصرفت(2) .
وروى محمد الكناني ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، قال : خرج الحسين بن علي(عليهما السلام)(3) في بعض أسفاره ، ومعه رجل من ولد الزبير بن العوام يقول بإمامته ،
____________
1- رياح المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 163 . 2- معالي السبطين ، الحائري : 1/106 . 3- وفي الخرائج والجرائح للراوندي : 2/571 ح 1 (الحسن بن علي(عليهما السلام)) .
فنزلوا في طريقهم بمنزل تحت نخل يابس من العطش ، ففرش للحسين تحتها ، وبإزائه نخل ليس عليها رطب ، قال : فرفع يده ، ودعا بكلام لم أفهمه ، فاخضرَّت النخلة وعادت إلى حالها وحملت رطباً ، فقال الجمَّال الذي اكترى منه : هذا سحر والله ، فقال الحسين(عليه السلام) : ويلك ، إنه ليس بسحر ، ولكنها دعوة ابن نبيٍّ مستجابة ، ثم صعدوا النخلة فجنوا منها ما كفاهم جميعاً(1) .
وروى بعض الأصحاب في كتاب له اسمه التحفة في الكلام ، قال : روى عبدالله بن عباس ، قال : كنت جالساً عند الحسين(عليه السلام) ، فجاءه أعرابي وقال : ضلَّ بعيري وليس لي غيره ، وأنت ابن رسول الله ، أرشدني إليه ، فقال(عليه السلام) : اذهب إلى موضع كذا فإنه فيه ، وفي مقابله أسد ، فذهب إلى ذلك الموضع فوجده كما قال(عليه السلام) .
وروى السيد ولي بن نعمة الله الرضوي في كتاب (مجمع البحرين في مناقب السبطين (عليهما السلام)) نقلا من كتاب البهجة ، عن ابن عباس : أن أعرابياً قال للحسين(عليه السلام)يا ابن رسول الله! فقدت ناقتي ، ولم يكن عندي غيرها ، وكان أبوك يرشد الضالة ، ويبلغ المفقود إلى صاحبه ، فقال له الحسين(عليه السلام) : اذهب إلى الموضع الفلاني تجد ناقتك واقفة وفي مواجهها ذئب أسود ، قال : فتوجَّه الأعرابي إلى الموضع ، ثمَّ رجع فقال للحسين(عليه السلام) : يا ابن رسول الله ، وجدت ناقتي في الموضع الفلاني(2) .
وروى الحسن البصري وأم سلمة : أن الحسن والحسين (عليهما السلام) دخلا على رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وبين يديه جبرئيل ، فجعلا يدوران يشبِّهانه بدحية الكلبي ، فجعل جبرئيل يومىء بيده كالمتناول شيئاً ، فإذا في يده تفَّاحة وسفرجلة ورمَّانة ، فناولهما ، وتهلَّل وجههما وسعيا إلى جدِّهما ، فأخذ منهما فشمَّهما ، ثمَّ قال : صيرا إلى
____________
1- دلائل الإمامة ، الطبري : 186 ح 10 . 2- إثبات الهداة ، الحر العاملي : 5/211 .
أمِّكما بما معكما وابدءا بأبيكما ، فصارا كما أمرهما ، فلم يأكلوا حتَّى صار النبيُّ(صلى الله عليه وآله)إليهم ، فأكلوا جميعاً ، فلم يزل كلَّما أكل منه عاد إلى ما كان حتى قُبض رسول الله(صلى الله عليه وآله) .
قال الحسين(عليه السلام) : فلم يلحقه التغيير والنقصان أيام فاطمة بنت رسول الله حتى توفِّيت ، فلمَّا توفيت فقدنا الرمَّان وبقي التفَّاح والسفرجل أيام أبي ، فلمَّا استشهد أمير المؤمنين فقد السفرجل وبقي التفَّاح على هيئته عند الحسن حتى مات في سمِّه ، وبقيت التفاحة إلى الوقت الذي حوصرت عن الماء ، فكنت أشمُّها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي ، فلمَّا اشتد عليَّ العطش عضضتها وأيقنت بالفناء .
قال علي بن الحسين(عليهما السلام) : سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة ، فلمَّا قضى نحبَه وجِدَ ريحُها في مصرعه ، فالتمست فلم ير لها أثر ، فبقي ريحُها يفوح من قبره ، فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك في أوقات السحر ، فإنه يجده إذا كان مخلصاً(1) .
وقال الحجّة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة في هذا المعنى :
هَلاَّ شَمَمْتَ رَوَائِحَ التفَّاحِ | سَحَراً بمثوى خَامِسِ الأشباحِ |
أَوَمَا انْتَشَقْتَ ثَرَى الضريحِ وَزُرْتَهُ | بكآبة وَتَفَجُّع ونِيَاحِ |
وبكيتَ كالثكلى هناك ولم تكن | تُصْغِي لِقَولِ عَوَاذِل وَلَوَاحِي |
وذكرتَ مَصْرَعَهُ الذي مِنْ قَبْلِ أَنْ | يجري بكاه كُلُّ قَلْب صاحي |
تاللهِ لا أنسى ابنَ أحمدَ بالعَرَى | مُلْقَىً وفي حَرِّ الهجيرةِ ضاحي |
والشمسُ تَصْهَرُ جِسْمَهُ لكنَّه | مُتَظَلِّلٌ بأَسِنَّة وَرِمَاحِ |
من حَوْلِهِ أبناءُ فِهْر أصبحوا | صَرْعَى على وَجْهِ الثرى كأضاحي |
نَسَجَتْ لهم أيدي الرياحِ مَلاَبساً | وَرُؤُوسُهم رُفِعَت على الأَرْمَاحِ |
____________
1- مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/161 .
مِنْ بَعْدِ أَنْ نَصَرُوه يَا طُوْبَى لهم | عِنْدَ ازدحامِ الجَيْشِ يومَ صِيَاحِ |
واستقبلوا عنه الظبا بصُدُورِهِمْ | وبأَوْجُه مِثْلِ البُدُورِ صِبَاحِ(1) |
المجلس الثاني عشر
فضل التربة الحسينية
جاء في الأمالي للشيخ الصدوق عليه الرحمة ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد(عليهما السلام) يقولان : إن الله تعالى عوَّض الحسين(عليه السلام) من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تُعدُّ أيام زائريه جائياً وراجعاً . قال محمد بن مسلم : فقلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : هذه الخلال تنال بالحسين(عليه السلام) فما له في نفسه؟ قال : إن الله تعالى ألحقه بالنبيِّ(صلى الله عليه وآله) ، فكان معه في درجته ومنزلته ، ثمَّ تلا أبو عبدالله(عليه السلام) : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية(2)(3) .
وروى ابن قولويه عليه الرحمة عن محمد بن مسلم ، قال : خرجت إلى المدينة وأنا وجع ، فقيل له : محمد بن مسلم وجع ، فأرسل إليَّ أبو جعفر(عليه السلام) شراباً مع الغلام مغطَّى بمنديل ، فناولنيه الغلام وقال لي : اشربه ، فإنّه قد أمرني أن لا أبرح حتى تشربه ، فتناولته فإذا رائحة المسك منه ، وإذا شراب طيِّب الطعم بارد .
فلمَّا شربته قال لي الغلام : يقول لك مولاي : إذا شربت فتعال ، ففكَّرت فيما قال لي ، وما أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي ، فلمَّا استقرَّ الشراب في جوفي
____________
1- وسيلة المشتاق ، الشيخ فرج العمران : 349 . 2- سورة الطور ، الآية : 21 . 3- بحار الأنوار ، المجلسي : 89/69 ح 2 .
فكأنما نشطت من عقال ، فأتيت بابه فاستأذنت عليه ، فصوَّت بي : صحَّ الجسم ، ادخل ، ادخل ، فدخلت عليه وأنا باك ، فسلَّمت عليه ، وقبَّلت يده ورأسه .
فقال(عليه السلام) لي : وما يبكيك يا محمّد؟ فقلت : جعلت فداك ، أبكي على اغترابي وبُعد الشقّة وقلّة القدرة على المقام عندك والنظر إليك ، فقال لي : أمّا قلّة القدرة فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مودّتنا ، وجعل البلاء إليهم سريعاً ، وأمّا ما ذكرت من الغربة فإن المؤمن في هذه الدنيا غريب ، وفي هذا الخلق المنكوس ، حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة الله ، وأمّا ما ذكرت من بُعد الشقّة فلك بأبي عبدالله(عليه السلام)أسوة ، بأرض نائية عنّا بالفرات ، وأمّا ما ذكرت من حبِّك قربنا والنظر إلينا ، وأنك لا تقدر على ذلك ، فالله يعلم ما في قلبك ، وجزاؤك عليه .
ثمَّ قال(عليه السلام) لي : هل تأتي قبر الحسين؟ قلت : نعم ، على خوف ووجل ، فقال : ما كان في هذا أشدّ فالثواب فيه على قدر الخوف ، فمن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم يقوم الناس لربِّ العالمين ، وانصرف بالمغفرة ، وسلَّمت عليه الملائكة ، وزاره النبي(صلى الله عليه وآله) ودعا له ، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ، واتبع رضوان الله .
ثمَّ قال لي(عليه السلام) : كيف وجدت الشراب؟ فقلت : أشهد أنكم أهل بيت الرحمة ، وأنّك وصيُّ الأوصياء ، لق أتاني الغلام بما بعثت وما أقدر على أن أستقلَّ على قدمي ، ولقد كنت آيساً من نفسي ، فناولني الشراب فشربته ، فما وجدت مثل ريحه ، ولا أطيب من ذوقه ولا طعمه ، ولا أبرد منه ، فلمَّا شربته قال لي الغلام : إنه أمرني أن أقول لك : إذا شربته فأقبل إليَّ ، وقد علمت شدّ ما بي فقلت : لأذهبنَّ إليه ولو ذهبت نفسي ، فأقبلت إليك وكأني نشطت من عقال ، فالحمد لله الذي جعلكم رحمة لشيعتكم .
فقال(عليه السلام) : يا محمد! إن الشراب الذي شربته فيه من طين قبور آبائي ، وهو
أفضل ما استشفي به ، فلا تعدلن به ، فإنّا نسقيه صبياننا ونساءنا فنرى فيه كل خير ، فقلت له : جعلت فداك ، إنّا لنأخذ منه ونستشفي به؟
فقال : يأخذه الرجل ، فيخرجه من الحير وقد أظهره ، فلا يمرُّ بأحد من الجنّ به عاهة ، ولا دابّة ولا شيء به آفة إلاَّ شمَّة ، فتذهب بركته ، فيصير بركته لغيره ، وهذا الذي نتعالج به ليس هكذا ، ولولا ما ذكرت لك ما تمسَّح به شيء ولا شرب منه شيء إلاَّ أفاق من ساعته ، وما هو إلاَّ كالحجر الأسود ، أتاه أصحاب العاهات والكفر والجاهلية ، وكان لا يتمسَّح به أحد إلاَّ أفاق ، قال : وكان كأبيض ياقوتة ، فاسودَّ حتى صار إلى ما رأيت .
فقلت : جعلت فداك ، وكيف أصنع به؟ فقال : أنت تصنع به مع إظهارك إيّاه ما يصنع غيرك ، تستخفّ به فتطرحه في خرجك وفي أشياء دنسة ، فيذهب ما فيه مما تريد به ، فقلت : صدقت جعلت فداك .
قال(عليه السلام) : ليس يأخذه أحد إلاَّ وهو جاهل بأخذه ، ولا يكاد يسلم بالناس ، فقلت : جعلت فداك ، وكيف لي أن آخذه كما تأخذ؟ فقال لي : أعطيك منه شيئاً؟ فقلت : نعم ، قال : فإذا أخذته فكيف تصنع به؟ قلت : أذهب به معي ، قال : في أيِّ شيء تجعله؟ قلت : في ثيابي ، قال : فقد رجعت إلى ما كنت تصنع ، اشرب عندنا منه حاجتك ولا تحمله ، فإنه لا يسلم لك ، فسقاني منه مرّتين ، فما أعلم أني وجدت شيئاً مما كنت أجد حتى انصرفت(1) .
وروي عن محمد بن عيسى ، عن رجل قال : بعث إليَّ أبو الحسن الرضا(عليه السلام)من خراسان ثياب رزم ، وكان بين ذلك طين ، فقلت للرسول : ما هذا؟ قال : هذا طين قبر الحسين(عليه السلام) ، ما كاد يوجِّه شيئاً من الثياب ولا غيره إلاَّ ويجعل فيه الطين ، فكان يقول : هو أمان بإذن الله .
____________
1- بحار الأنوار ، المجلسي : 98/120 ـ 122 ح 9 عن كامل الزيارات ، ابن قولويه : 463 ـ 465 ح 7 .
وروي عن الحسين بن أبي العلا قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : حنِّكوا أولادكم بتربة الحسين ، فإنه أمان(1) .
وعن أبي عمرو شيخ من أهل الكوفة ، عن الثمالي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : كنت بمكة ـ وذكر في حديثه ـ قلت : جعلت فداك ، إني رأيت أصحابنا يأخذون من طين قبر الحسين يستشفون به ، هل في ذلك شيء مما يقولون من الشفاء؟ قال : قال : يستشفي بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال ، وكذلك طين قبر جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وكذلك طين قبر الحسن وعلي ومحمد(عليهم السلام) ، فخذ منها فإنها شفاء من كل سقم ، وجُنَّة مما تخاف ، ولا يعدلها شيء من الأشياء التي يستشفي بها إلاَّ الدعاء ، وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلَّة اليقين لمن يعالج بها ، فأمَّا من أيقن أنها له شفاء إذ تعالج بها كفته بإذن الله من غيرها مما يتعالج به ، ويفسدها الشياطين والجنّ من أهل الكفر منهم يتمسَّحون بها ، وما تمرَّ بشيء إلاَّ شمها ، وأمَّا الشياطين وكفَّار الجنّ فإنهم يحسدون ابن آدم عليها ، فيتمسَّحون بها فيذهب عامة طيبها ، ولا يخرج الطين من الحير إلاَّ وقد استعدَّ له ما لا يُحصى منهم ، والله إنّها لفي يَدَيْ صاحبها وهم يتمسَّحون بها ، ولا يقدرون مع الملائكة أن يدخلوا الحير ، ولو كان من التربة شيء يسلم ما عولج به أحد إلاَّ برىء من ساعته .
فإذا أخذتها فاكتمها ، وأكثر عليها ذكر الله عزَّ وجلَّ ، وقد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئاً يستخفّ به ، حتى إن بعضهم ليطرحها في مخلاة الإبل والبغل والحمار ، أو في وعاء الطعام وما يمسح به الأيدي من الطعام والخرج والجوالق ، فكيف يستشفي به مَنْ هذا حاله عنده؟ ولكنَّ القلب الذي ليس فيه اليقين من المستخفّ بما فيه صلاحه يفسد عليه عمله(2) .
____________
1- بحار الأنوار ، المجلسي : 98/124 عن كامل الزيارات : 466 ح 1 و 2 . 2- بحار الأنوار ، المجلسي 98/126 ح 32 عن كامل الزيارات : 470 ـ 471 ح 5 .
وروي عن أبي بكار ، قال : أخذت من التربة التي عند رأس الحسين بن علي(عليه السلام) طيناً أحمر ، فدخلت على الرضا(عليه السلام) فعرضتها عليه ، فأخذها في كفّه ، ثمَّ شمَّها ، ثمَّ بكى حتى جرت دموعه ، ثمَّ قال : هذه تربة جدّي .
وروي عن جابر الجعفي ، قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول : طين قبر الحسين(عليه السلام) شفاء من كل داء ، وأمان من كل خوف ، وهو لما أخذ له(1) .
وروي عن بعض أصحاب أبي الحسن موسى(عليه السلام) ، قال : دخلت إليه فقال : لا تستغني شيعتنا عن أربع : خمرة يصلّي عليها ، وخاتم يتختَّم به ، وسواك يستاك به ، وسبحة من طين قبر أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) ، فيها ثلاث وثلاثون حبَّة ، متى قلَّبها ذاكراً لله كتب له بكل حبة أربعون حسنة ، وإذا قلَّبها ساهياً يعبث بها كتب الله له عشرون حسنة .
وعن محمّد الحميري قال : كتبت إلى الفقيه أسأله : هل يجوز أن يُسبِّح الرجل بطين القبر؟ وهل فيه فضل؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : تسبِّح به ، فما من شيء من التسبيح أفضل منه ، ومن فضله أن المسبِّح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له ذلك التسبيح .
قال : وكتبت إليه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره ، هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : يوضع مع الميت في قبره ، ويخلط بحنوطه إن شاء الله(2) .
وروى مؤلّف المزار الكبير باسناده ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن أبيه ، عن الصادق جعفر بن محمد(عليهما السلام) قال : إن فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) كانت سبحتها من خيط صوف مفتَّل معقود عليه عدد التكبيرات ، وكانت(عليها السلام) تديرها
____________
1- بحار الأنوار ، المجلسي 98/131 . 2- بحار الأنوار ، المجلسي 98/132 .
بيدها ، تكبِّر وتسبِّح ، حتى قتل حمزة بن عبد المطلب ، فاستعملت تربته ، وعملت التسابيح ، فاستعملها الناس ، فلمَّا قتل الحسين صلوات الله عليه عدل بالأمر إليه ، فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية .
وقال أيضاً في المزار الكبير : وروي أن الحور العين إذا أبصرن بواحد من الأملاك يهبط إلى الأرض لأمر ما يستهدين منه السُبح والتربة من طين قبر الحسين(عليه السلام) .
وروى معاوية بن عمار ، قال : كان لأبي عبدالله(عليه السلام) خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبدالله(عليه السلام) ، فكان إذا حضرت الصلاة صبَّه على سجّادته ، وسجد عليه ، ثمَّ قال(عليه السلام) : السجود على تربة الحسين(عليه السلام) يخرق الحجب السبع .
وروى جعفر بن عيسى أنه سمع أبا الحسن(عليه السلام) يقول : ما على أحدكم إذا دفن الميت وسدَّه بالتراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من طين الحسين(عليه السلام) ، ولا يضعها تحت رأسه(1) .
ولله درّ ابن العرندس عليه الرحمة إذ يقول :
حبِي بثلاث مَا أَحَاطَ بِمِثْلِها | وَلِيٌّ فَمَنْ زيدٌ هناك وَمَنْ عَمْرُو |
له تُرْبةٌ فيها الشِّفَاءُ وَقُبَّةٌ | يجابُ بها الداعي إذا مسَّه الضُرُّ |
وذرِّيَّةٌ دُرِّيَّةٌ منه تسعةٌ | أئمَّةُ حَقٍّ لاَ ثمان ولا عَشْرُ |
أيُقْتَلُ ظَمآناً حُسَيْنٌ بكربلا | وفي كُلِّ عُضْو من أناملِهِ بَحْرُ |
وَوَالِدُهُ الساقي على الحوضِ في غَد | وفاطمةٌ مَاءُ الفُرَاتِ لها مَهْرُ(2) |
وقال آخر عليه الرحمة :
مولىً بِتُرْبَتِهِ الشفاءُ وَتَحْتَ قُبَّـ | ـتِهِ الدُّعَا مِنْ كُلِّ داع يُسْمَعُ |
____________
1- بحار الأنوار ، المجلسي 98/133 ـ 136 . 2- الغدير ، الأميني : 7/15 .
فيه الإمامُ أبو الأئمَّةِ والذي | هو للنبوَّةِ والإمامةِ مَجْمَعُ |
المجلس الثالث عشر
الإمام الحسين(عليه السلام) ويحيى بن زكريا(عليه السلام)
جاء في زيارة جابر بن عبدالله الأنصاري(رضي الله عنه) يوم زار الحسين(عليه السلام) أنه قال في زيارته : فأشهد أنَّك ابن خاتم النبيين ، وابن سيِّد المؤمنين ، وابن حليف التقوى ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، وابن سيِّد النقباء ، وابن فاطمة سيِّدة النسا ، ومالك لا تكون هكذا وقد غذَّتك كفّ سيِّد المرسلين ، وربيت في حجر المتقين ، ورضعت من ثدي الإيمان ، وفطمت بالإسلام ، فطبت حياً وطبت ميتاً ، غير أن قلوب المؤمنين غير طيِّبة لفراقك ، ولا شاكّة في الخيرة لك ، فعليك سلام الله ورضوانه ، وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا(1) .
روي عن داود بن فرقد ، قال : احمرَّت السماء حين قُتل الحسين بن علي(عليه السلام)سنة ، ثمَّ قال : بكت السماء والأرض على الحسين بن علي ويحيى ابن زكريا(عليهما السلام) ، وحمرتها بكاؤها(2) .
وعن عبد الخالق بن عبد ربه قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول في قول الله عزَّ وجلَّ : {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً}(3) قال : ذلك يحيى بن زكريا لم يكن من قبل له سمياً ، وكذلك الحسين(عليه السلام) لم يكن له من قبل سمياً ، ولم تبك السماء إلاَّ عليهما أربعين صباحاً ، قلت : فما بكاؤها؟ قال : تطلع الشمس حمراء (وتغرب حمراء)(4) .
____________
1- بشارة المصطفى ، محمد بن علي الطبري : 125 . 2- بحار الأنوار ، المجلسي 14/184 عن كامل الزيارات . 3- سورة مريم ، الآية : 7 . 4- كامل الزيارات ، ابن قولويه : 182 ح 10 .
وعن جابر ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : إن في النار منزلة لم يكن يستحقّها أحد من الناس إلاَّ بقتل الحسين بن علي ويحيى بن زكريا(عليهما السلام)(1) .
وروي عن علي بن الحسين(عليه السلام) ، قال : خرجنا مع الحسين (عليه السلام) ، فما نزل منزلا ولا ارتحل عنه إلاَّ وذكر يحيى بن زكريا ، وقال يوماً : من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى أهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني اسرائيل(2) .
وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إن الحسين صلوات الله عليه بكى لقتله السماء والأرض واحمرَّتا ، ولم تبكيا على أحد قط إلاَّ على يحيى بن زكريا والحسين بن علي صلوات الله عليهم .
وعن عبدالله بن هلال قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : إن السماء بكت على الحسين بن علي(عليه السلام) ويحيى بن زكريا ، ولم تبك على أحد غيرهما ، قلت : وما بكاؤها؟ قال : مكثوا أربعين يوماً تطلع الشمس بحمرة ، وتغرب بحمرة ، قلت : فذاك بكاؤها؟ قال : نعم .
وعن محمّد الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في قوله تعالى : {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالاَْرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} قال : لم تبك السماء أحداً منذ قتل يحيى بن زكريا حتى قتل الحسين(عليه السلام) ، فبكت عليه .
وعن داود بن فرقد ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : احمرَّت السماء حين قتل الحسين بن علي سنة ، ثمَّ قال : بكت السماء والأرض على الحسين بن علي سنة ، وعلى يحيى بن زكريا ، وحمرتها بكاؤها .
وعن جابر ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : ما بكت السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلاَّ على الحسين بن علي صلوات الله عليهما ، فإنها بكت عليه أربعين يوماً .
____________
1- بحار الأنوار ، المجلسي : 44/301 ح 9 عن ثواب الأعمال . 2- مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/237 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 45/89 ح 28 .
وعن عمرو بن ثبيت ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين(عليه السلام) قال : إن السماء لم تبك منذ وضعت إلاَّ على يحيى بن زكريا والحسين بن علي(عليهما السلام) ، قلت : أيُّ شيء بكاؤها؟ قال : كانت إذا استقبلت بالثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم .
وعن حنّان عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث له عن زيارة الحسين(عليه السلام) قال : ولكن زُرْهُ ولا تجفُه ، فإنّه سيِّد شباب الشهداء ، وسيِّد شباب أهل الجنَّة ، وشبيه يحيى بن زكريا ، وعليهما بكت السماء والأرض .
وعن الحسن بن زياد ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا ، وقاتل الحسين ولد زنا ، ولم تبك السماء على أحد إلاَّ عليهما ، قال : قلت : وكيف تبكي؟ قال : تطلع الشمس في حمرة ، وتغيب في حمرة .
وعن كثير بن شهاب الحارثي قال : بينا نحن جلوس عند أمير المؤمنين(عليه السلام)في الرحبة ، إذ طلع الحسين عليه فضحك عليٌّ حتى بدت نواجده ، ثمَّ قال : إن الله ذكر قوماً فقال : {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالاَْرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة ليقتلن هذا ، ولتبكين عليه السماء والأرض(1) .
ولله درّ الشيخ كاظم الأزري عليه الرحمة إذ يقول :
رزءٌ إذا اعتبرته شَمْسُها انكسفت | فَمِثْلُها العِبْرةُ الكبرى لمُعْتَبِرِ |
وإن بكى الْقَمَرُ الأعلى لِمَصْرَعِهِ | فما بكى قَمَرٌ إلاَّ على قَمَرِ |
أيُّ الَمحَاجِرِ لا تبكي عليكَ دماً | أبكيتَ واللهِ حتَّى مَحْجَرَ الحَجَرِ |
يا دهرُ مالك ترمي كلَّ ذي خَطَر | وتُنْزِلُ الْقَمَرَ الأعلى إلى الحُفَرِ |
جَرَرْتَ آل عليٍّ بالقُيُودِ فهل | للقومِ عِنْدَك ذَنْبٌ غَيْرُ مُغْتفَرِ |
تركتَ كلَّ أبيٍّ من لُيُوثِهِمُ | فريسةً بينَ نَابِ الكَلْبِ والظُّفُرِ |
____________
1- بحار الأنوار ، المجلسي : 45/209 ـ 212 .
لَمْ أَنسَ من عِتْرَةِ الهادي جَحَاجِحَةً | يُكْسَونَ من عِثْيَر يُسْقونَ من كَدَرِ |
قَدْ غَيَّر الطَّعْنُ منهم كُلَّ جَارِحَة | إلاَّ المكارِمَ في أَمْن من الغِيَرِ |
إنْ أصبحَ الدَّهْرُ ينعاهُم فَلاَ عَجَبٌ | يحقُّ للروضِ أَنْ يبكي على المَطَرِ(1) |
المجلس الرابع عشر
انتقام الله من قتلة الإمام الحسين(عليه السلام) وأتباعهم
على يد الإمام الحجة عجَّل الله فرجه الشريف
جاء في دعاء الندبة : أينَ محيي معالَم الدينِ وأهله ، أينَ قاصمُ شوكةِ المعتدين ، أينَ هادمُ أبنيةِ الشركِ والنفاق ، أينَ مبيدُ أَهلِ الفسقِ والعصيانِ ، أينَ حاصدَ فروعِ الغيِّ والشقاقِ ، أينَ طامسُ آثارِ الزيغِ والأهواء ، أينَ قاطعُ حبائلَ الكذبِ والافتراء ، أينَ مبيدُ أهلِ العنادِ والمردة ، أينَ معزُّ الأولياء ومذلُّ الأعداء ، أينَ جامعُ الكلمةِ على التقوى ، أينَ بابُ اللهِ الذي منه يؤتى ، أينَ وجهُ اللهِ الذي إليه تتوجَّه الأولياء ، أينَ السببُ المتّصلُ بين الأرضِ والسماء ، أينَ صاحبُ يوم الفتحِ وناشرُ رايةِ الهدى ، أين مؤلِّفُ شملِ الصلاح والرضا ، أينَ الطالبُ بذحولِ الأنبياء وأبناءِ الأنبياء ، أينَ الطالبُ بدمِ المقتولِ بكربلاء(2) .
وجاء في الزيارة الناحية المرويَّة عن الإمام الحجَّة عجَّل الله تعالى فرجه الشريف قال(عليه السلام) : فلئن أخَّرتني الدهور ، وعاقني عن نصرك المقدور ، ولم أكن لمن حاربك محارباً ، ولمن نصب لك العداوة مناصباً ، فلأندبنَّك صباحاً ومساءً ، ولأبكينَّ عليك بدل الدموع دماً ، حسرةً عليك ، وتأسُّفاً على ما دهاك وتلهُّفاً ،
____________
1- رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 267 . 2- المزار ، محمد بن المشهدي : 578 .
حتى أموت بلوعةِ المُصاب وغصةِ الاكتئاب(1) .
يا صاحبَ العَصْرِ أدركنا فليس لنا | وِرْدٌ هَنِيءٌ وَلاَ عيشٌ لنا رَغَدُ |
طَالَتْ علينا ليالي الانتظارِ فَهَلْ | يابنَ الزكيِّ لِلَيلِ الانتظارِ غَدُ |
فَاكْحَلْ بَطَلْعَتِكَ الغَرَّا لنا مُقَلا | يَكَادُ يأتي على إنسانِها الرَّمَدُ |
ها نحنُ مَرْمىً لِنَبْلِ النائباتِ وَهَلْ | يُغْنِي اصطبارٌ وَهَى من درعِهِ الزَّرَدُ |
وكم ذا يُؤلفُ شملَ الظالمينَ لكم | وشملكم بيدي أعدائكم بددُ |
فانهض فَدَتكَ بقايا أنفُس ظفرت | بها النوائب لمَّا خانَها الجَلدُ |
هَبْ أَنَّ جُنْدَكَ معدودٌ فجدُّكَ قَدْ | لاقى بسبعين جيشاً ماله عَدَدُ |
روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنَّه قال ـ في حديث له مع المفضل بن عمر في خروج الإمام الحجة(عليه السلام) ـ : فهم بهذه الحال إلى أن يقوم القائم(عليه السلام) ، فإذا قام القائم وافوا فيما بينهم الحسين(عليه السلام) حتى يأتي كربلاء ، فلا يبقى أحد سماويٌّ ولا أرضيٌّ من المؤمنين إلاَّ حفَّ به ، يزوره ويصافحه ويقعد معه على السرير . يا مفضل! هذه والله الرفعة التي ليس فوقها شيء ولا دونها شيء ، ولا وراءها لطالب مطلب(2) .
وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة ، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر(عليه السلام) : يا بن رسول الله! لم سمِّي علي(عليه السلام)أمير المؤمنين ، وهو اسم ما سُمِّي به أحد قبله ، ولا يحلُّ لأحد بعده؟ قال : لأنه ميرة العلم ، يُمْتَارُ منه ولا يَمْتَارُ من أحد غيره ، قال : فقلت : يا بن رسول الله! فلم سمِّي سيفه ذوالفَقَار؟ فقال(عليه السلام) ، لأنه ما ضرب به أحداً من خلق الله إلاَّ أفقره في هذه الدنيا من أهله وولده ، وأفقره في الآخرة من الجنّة .
قال : فقلت : يا بن رسول الله! فلستم كلكم قائمين بالحقّ؟ قال : بلى ، قلت :
____________
1- المزار ، المشهدي : 501 . 2- دلائل الإمامة ، محمد بن جرير الطبري : 189 .
فلم سُمِّي القائم قائماً؟ قال : لما قُتل جدّي الحسين(عليه السلام) ضجَّت عليه الملائكة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب ، وقالوا : إلهنا وسيِّدنا! أتغفل عمَّن قتل صفوتك وابن صفوتك ، وخيرتك من خلقك؟! فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليهم : قرَّوا ملائكتي ، فوعزّتي وجلالي لأنتقمنَّ منهم ولو بعد حين ، ثمَّ كشف الله عزَّ وجلَّ عن الأئمة من ولد الحسين(عليه السلام)للملائكة ، فسرَّت الملائكة بذلك ، فإذا أحدهم قائم يصلّي ، فقال الله عزَّ وجلَّ : بذلك القائم انتقم منهم(1) .
وروي عن الهروي قال : قلت لأبي الحسن الرضا(عليه السلام) : يا بن رسول الله! ما تقول في حديث روي عن الصادق(عليه السلام) أنه قال : إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين(عليه السلام) بفعال آبائها؟ فقال(عليه السلام) : هو كذلك ، فقلت : وقول الله عزَّ وجلَّ : {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(2) ما معناه؟ قال : صدق الله في جميع أقواله ، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم ، ويفتخرون بها ، ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه ، ولو أن رجلا قُتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند الله عزَّ وجلَّ شريك القاتل ، وإنما يقتلهم القائم(عليه السلام) إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم ، قال : قلت له : بأيِّ شيء يبدأُ القائم منكم إذا قام؟ قال : يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم; لأنهم سرَّاق بيت الله عزَّ وجلَّ(3) .
وروي عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في قوله تبارك وتعالى : {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}(4) قال : أولاد قتلة الحسين(عليه السلام)(5) .
ولله درّ ابن العرندس عليه الرحمة إذ يقول :
____________
1- علل الشرائع ، الصدوق : 1/160 ح 1 . 2- سورة الأنعام ، الآية : 164 . 3- علل الشرائع ، الصدوق : 1/229 ح 1 . 4- سورة البقرة ، الآية : 193 . 5- كامل الزيارات ، ابن قولويه : 136 ح 6 .
فليسِ لأَخْذِ الثارِ إلاَّ خليفةٌ | يكونُ لِكَسْرِ الدينِ من عَدْلِهِ جَبْرُ |
تحفُّ به الأملاكُ من كلِّ جانب | وَيَقْدمُهُ الإقبالُ والعِزُّ والنصرُ |
عَوَامِلُهُ في الدَّارِعِينَ شَوَارِعٌ | وَحَاجِبُهُ عيسى وناظِرُهُ الخِضْرُ |
تُظَلِّلُه حقّاً عِمَامَةُ جدِّه | إذا ما مُلُوكُ الصِّيْدِ ظَلَّلها الجبرُ |
محيطٌ على عِلْمِ النبوَّةِ صَدْرُهُ | فطوبى لعلم ضَمَّه ذلك الصَّدْرُ |
هو ابنُ الإمامِ العسكريِّ محمَّدُ التـ | ـقيُّ النقيُّ الطاهرُ العَلَمُ الحبْرُ |
سليلُ عَلِي الهادي وَنَجْلُ محمَّدِ الـ | جَوَادِ وَمَنْ في أرضِ طُوس له قَبْرُ |
عليِّ الرِّضا وهو ابنُ موسى الذي قَضَى | فَفَاحَ على بغدادَ مِنْ نَشْرِهِ عِطْرُ |
وَصَادِقِ وَعْد إنَّه نَجْلُ صادق | إمام به في العِلْمِ يَفْتَخِرُ الفَخْرُ |
وَبَهْجَةِ مولانا الإمامِ محمَّد | إِمَامٌ لعلمِ الأنبياءِ له بَقْرُ |
سُلاَلةُ زينِ العابدينَ الذي بكى | فَمِنْ دَمْعِهِ يبسُ الأعاشيبِ مُخْضَرُّ |
سليلِ حسينِ الفاطميِّ وحيدرِ الـ | وَصِيِّ فَمِنْ طُهْر نمى ذلك الطُّهْرُ |
له الحَسَنُ المسمومُ عمٌّ فحبَّذا الـ | إمامُ الذي عَمَّ الوَرَى جودُهُ الْغَمْرُ |
سَمِيُّ رسولِ اللهِ وَارِثُ عِلْمِهِ | إمامٌ على آبائِهِ نزل الذِّكْرُ(1) |
وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة ، عن الريان بن شبيب ـ في حديث له عن مولانا الإمام الرضا(عليه السلام) ـ أنه قال له : يا ابن شبيب! إن كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) فإنه ذُبح كما يذبح الكبش ، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيهون ، ولقد بكت السموات السبع والأرضون لقتله ، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فلم يؤذن لهم ، فهم عند قبره شعثٌ غبرٌ إلى أن يقوم القائم(عليه السلام) فيكونون من أنصاره ،
____________
1- الغدير ، الأميني : 7/17 .
وشعارهم : يا لثارات الحسين(عليه السلام) . .(1) .
وجاء في كتاب المزار لمحمد بن المشهدي طيَّب الله ثراه ، في زيارة الإمام الحجة(عليه السلام) : السلام على الإمام العالم الغائب عن الأبصار ، والحاضر في الأمصار ، والغائب عن العيون الحاضر في الأفكار ، بقيَّة الأخيار ، الوارث ذا الفقار ، الذي يظهر في بيت الله ذي الأستار ، وينادي بشعار يا لثارات الحسين أنا الطالب بالأوتار ، أنا قاصم كلِّ جبَّار ، أنا حجَّة الله على كل كفور ختَّار ، القائم المنتظر ابن الحسن عليه وآله أفضل السلام ، اللهم عجِّل فرجه ، وسهِّل مخرجه ، وأوسع منهجه ، واجعلنا من أنصاره وأعوانه الذابّين عنه ، والمجاهدين في سبيله ، والمستشهدين بين يديه(2) .
ولله درّ السيد جعفر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
فَيَا قريباً شفَّنا هَجْرُهُ | والهَجْرُ صَعْبٌ من قريبِ المَزَارْ |
متى نرى بِيْضَكَ مَشْحوذةً | كالماءِ صاف لَوْنُها وهي نَارْ |
متى نرى خَيْلَكَ موسومةً | بالنَّصْرِ تعدو فَتُثِيرُ الغُبَارْ |
متى نرى الأعلامَ مَنْشوُرةً | على كُمَاة لم تَسَعْها القِفَارْ |
متى نرى وَجْهَكَ ما بينَنَا | كالشَّمْسِ ضَاءَتْ بَعْدَ طُولِ استتارْ |
متى نرى غُلْبَ بني غالب | يَدْعُونَ لِلْحَرْبِ البِدَارَ الْبِدَارْ(3) |
وعن الفضيل بن يسار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال في حديث له عن صاحب الزمان(عليه السلام) : له كنز بالطالقان ما هو بذهب ، ولا فضة ، وراية لم تُنشر منذ طُويت ، ورجال كأن قلوبهم زبر الحديد ، لا يشوبها شك في ذات الله ، أشدّ من الحجر ، لو
____________
1- عيون أخبار الرضا(عليه السلام) ، الصدوق : 2/268 ح 58 . 2- المزار ، محمد بن المشهدي : 107 . 3- رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 226 .
حملوا على الجبال لأزالوها ، لا يقصدون براياتهم بلدة إلاَّ خرَّبوها ، كأن على خيولهم العقبان ، يتمسَّحون بسرج الإمام(عليه السلام) يطلبون بذلك البركة ، ويحفّون به يقونه بأنفسهم في الحروب ، ويكفونه ما يريد فيهم ، رجال لا ينامون الليل ، لهم دويٌّ في صلاتهم كدويِّ النحل ، يبيتون قياماً على أطرافهم ، ويصبحون على خيولهم ، رهبان بالليل ، ليوث بالنهار ، هم أطوع له من الأمَة لسيِّدها ، كالمصابيح ، كأن قلوبهم القناديل ، وهم من خشية الله مشفقون ، يدعون بالشهادة ، ويتمنَّون أن يُقتلوا في سبيل الله ، شعارهم : يا لثارات الحسين ، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر ، يمشون إلى المولى إرسالا ، بهم ينصر الله إمام الحق(عليه السلام)(1) .
ولله درّ السيد صالح الحلي عليه الرحمة إذ يقول أيضا :
فَاشْحَذْ شَبَا عَضْبِكَ وَاسْتَأْصِلِ الـ | كُفْرَ به قَتْلا صِغَاراً كِبَارْ |
عَجِّلْ فَدَتْكَ النَّفْسُ وَاشْفِ به | من غَيْضِ أَعْدَاكَ قُلُوباً حِرَارْ |
قَدْ ذَهَبَ الْعَدْلُ وَرُكْنُ الْهُدَى | قَدْ هُدَّ والجَوْرُ على الدينِ جَارْ |
أَغِثْ رَعَاكَ اللهُ من نَاصِر | رَعِيَّةً ضَاقَتْ عليها القِفَارْ |
فَهَاكَ قَلِّبْها قُلُوبَ الوَرَى | أذابها الوَجْدُ من الانتظار |
متى تَسُلُّ البيضَ من غمدِهَا | وتُشْرِعُ السُّمْرَ وتحمي الذِّمَارْ |
في فِتْيَة لها التُقَى شِيمةٌ | وَيَالِثَارَاتِ الحسينِ الشِّعَارْ |
كأنَّما الموتُ لها غَادةٌ | والْعُمْرُ مَهْرٌ والرؤوسُ النِّثَارْ(2) |
____________
1- بحار الأنوار ، المجلسي : 52/307 ـ 308 ح 82 . 2- رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 308 .