المقدمة
الحمد لله سابغ النعم، والصلاة والتحية على رسوله المرسل الى العرب والعجم، وعلى أهل بيته أصحاب الجود والكرم.
المؤرخ المنصف عليه أن يتجنب فيما يكتبه كل التعصبات لأي فرقة ـ وان كانت الفرقة التي ينتمي اليها ـ ويتحرى الواقع فحسب، وهذا الشرط أساسي للمؤرخين كافة، والالم يحصل اطمئنان بنقلهم.
والمؤرخ المنصف كما ينقل في تاريخه ما حدث وما شاهد من مسرّات ومشاهد مشرقة، عليه أن ينقل ما شاهد أو نقل اليه عن الثقات من أحزان ومشاهد مظلمة … وينقل التاريخ كما هو الى من يأتي بعده… وينقل ما حصل على هذه الفرقة أو تلك من مصائب وظلم وتشريد.
ومن المؤسف عليه أن مؤرخينا لم يلتزموا بهذا الشرط في النقل، وخرجوا عن الانصاف، وغطّوا على كثير من المسائل لأسباب غير خفية.
وأكثر من وقع في حقه الاجحاف في النقل الفرقة الشيعية، فانعقد شبه اتفاق من المؤرخين على طمس أخبار هذه الفرقة وتشويه الأحداث المرتبطة بها، والقاء الاتهامات عليها!
ولا يشك الناظر في التاريخ أنّ لشيعة أهل البيت عليهم السلام اليد الطولى في ارتقاء الدرجات العليا في أكثر المجالات، وبهذا بيّضوا صفحات التأريخ ونوّروها.
ولا يشك ايضا فيما جرى على هذه الفرقة على مرور الزمان من مصائب وقتل
والتاريخ قبال الشيعة وقف وقفة تخاذل واجحاف، فالصفحات المشرقة بدّلها بصفحات مظلمة، ونقلها الى المجتمع مع تزوير وبهتانٍ!
والمنصف من المؤرخين من نقل شيئا يسيرا من الحقائق مع الغمز والتشكيك فيها.
ومنذ مدة غير قريبة عزمنا على تأليف كتابٍ يجمع بين دفّتيه ما جرى على الشيعة من مصائب وطردٍ واباحةٍ من الصدر الأول والى يومنا الحاضر، سواء في ذلك من قبل الحكام أم الناس، استخرجناه من الفلتات التي فلتت من اقلام المؤرخين، وإلاّ فهم لا يذكرون أمثال هذه الأحداث ويحاولون طمسها بكل ما لديهم من قوّة.
كل هذا ليعرف الخلق كافّة أيّ حرّيّة كانت في التفكير واختيار المذهب آنذاك، وأنّ الفرد اذا اختار مذهبا معينا يخالف مذهب اكثر الناس، وله أدلّة عقليّة ونقليّة تدّل على اختياره، بأيّ أسلوب كان يتعامل معه؟ هل بالدليل والمجادلة بالتي هي أحسن؟ أم يقابلون أدلّة بالسياط والقتل والتبعيد؟!!
ولقرب انعقاد المؤتمر العالمي بمناسبة مرور الذكرى الألفية لوفاة الشيخ المفيد اقترح عليّ سماحة العلامة المحّقق الحجّة السيد عبدالعزيز الطباطبائي أن اكتب ما جرى على الشيعة من مجازر في عهد الشيخ المفيد، من ولادته (336هـ) والى وفاته (413هـ).
فبدأت بترتيب هذه المقالة مع ضيق الوقت، وذكرت فيها ما جرى على شيعة أهل البيت من مصائبٍ، وترجمت للأعلام والبلدان وبعض الفرق غير المعروفة، وربما ذكرت بعض الحوادث لا ترتبط كلّ الارتباط بالموضوع تتميما للفائدة،
(1) عرضّ سريع لذكر من ملك في عهد المفيد والحروب الواقعة فيه.
(2) بنو بويه وعقيدتهم.
(3) الصحابة وعدالتهم.
(4) احياء ذكرى عاشوراء وكونه سنّة مؤكدّة.
(5) احياء ذكرى الغدير وكونه سنّة مؤكدّة.
وهذه المقدّمات الثلاثة الأخيرة تمتاز بأهميّة كبيرة، لكون أكثر المجازر انّما تدور حولها، لاعتقاد السنّة عدالة كلّ الصحابة، والشيعة تجري قواعد الجرح والتعديل عليهم كسائر الرواة، وكون الشيعة تعتقد بأنّ احياء ذكرى عاشوراء والغدير سنّة مؤكدّة، واعتقاد بعض أهل السنة بكونها بدعة شنيعة!!.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على طاعته ويجنّبنا عن كلّ تعصّبٍ وزيغٍ، ويجعلنا نروم الحقّ لا غير، انّه سميع مجيب.
قم المقدسة
ليلة الخامس عشر من شهر
رمضان المبارك
ذكرى ميلاد الامام المجتبى عليه السلام
فارس الحسون
المقدمة الأولى
عرض سريع لذكر من ملك في عهد المفيد والحروب الواقعة فيه
سنة 333هـ:
فيها: خلع توزون الخليفة المتّقي للّه وكحله، واحضر عبدالله بن المكتفي، فبايعوه ولقّبوه المستكفي بالله.
وفيها: استولى احمد بن بويه على البصرة وواسط والأهواز، فسار توزون لحربه، فدام القتال بينهما مدّة أشهر، وردّ ابن بويه الى الأهواز وقدم توزون بغداد.
وفيها: تملّك سيف الدولة حلب وأعمالها، فجيّش الاخشيد عسكرا فهزمهم سيف الدولة، وافتتح مدينة الرستن ثمّ سار فأخذ دمشق.
وفيها: كانت وقعة بين سيف الدولة والاخشيد بقنسرين انكسر فيها سيف الدولة ودخل الاخشيد حلب.
سنة 334 هـ:
فيها: اصطلح سيف الدولة والاخشيد على أن تكون لسيف الدولة حلب وأنطاكية وحماة وحمص.
وفيها: قصد احمد بن بويه بغداد وغلب عليها، وبايع المستكفي بالله، فلقّبه
وفيها خلع معزّ الدولة المستكفي بالله وكحله، لنفوذ القهرمانة عنده واهانته للشيعة، وأحضر معز الدولة الفضل بن المقتدر، فبايعوه ولقّب بالمطيع لله، فكان تحت يد معزّ الدولة لا حول له ولا قوّة.
وفيها: وقعت حرب بين ناصر الدولة ومعزّ الدولة في سامراء، فانكسر ناصر الدولة.
سنة 335هـ:
فيها: تملّك سيف الدولة دمشق بعد الاخشيد، وحاربه المصريّون غير مرّة.
وفيها: اصطلح معزّ الدولة وناصر الدولة ابن حمدان.
سنة 336هـ:
فيها: سار الخليفة ومعزّ الدولة لمحاربة ابن البريدي، فتفرق جمع ابن البريدي وهرب الى القراطمة.
سنة 337هـ:
فيها: ضعف أمر ناصر الدولة مع معزّ الدولة، والتزم بان يحمل اليه في السنة ثمانية آلاف درهم.
وفيها: التقى سيف الدولة والروم على مرعش، فهزم الروم سيف الدولة وأخذوا مرعش.
سنة 339هـ:
فيها: غزا سيف الدولة بلاد الروم، فانتصر في بادىء أمره، لكن أخذت الروم عليه الدروب فاستولوا على عسكره وانهزم.
وفيها: تولّى الوزارة أبو محمد المهلبي.
سنة 340هـ:
فيها: هزم الوزير المهلبي القرامطة واستباح عسكرهم.
وفيها: غزا سيف الدولة أرض الروم فغنم وسلم وأوطأهم ذلاً.
سنة 341هـ:
فيها: استباح الروم بلد سروج.
سنة 342هـ:
فيها: رجع سيف الدولة مؤيّداً منصوراً قدّامه قسطنطين ولد الدمشتق.
وفيها: سار ابن محتاج على خراسان فالتقاه ركن الدولة ابن بويه وتمّت بينهم حروب وعجائب.
سنة 343هـ:
فيها: انتصر سيف الدولة على الدمستق ومن كان معه من الروم والبلغار والترك والروس والخرز.
سنة 345هـ:
فيها: غلبت الروم على طرطوس، فقتلوا وسبوا وأحرقوا القرى.
وفيها: انتصر معزّ الدولة على الروزبهان الديلمي لمّا قصد بغداد وأسّره.
سنة 347هـ:
فيها: فتكت الروم ببلاد المسلمين وعظمت المصيبة، وأخذوا عدّة حصون ممّا يلي آمل وميا فارقين ووصلوا الى حلب، فالتقاهم سيف الدولة فعجز عنهم وانهزم.
وفيها: سار معّز الدولة الى الموصل، فاستولى عليها، وهرب منه نصار الدولة، وذهب الى اخيه سيف الدولة، فتوسط بينهما وصالحهما.
سنة 349هـ:
فيها: غزا مملوك سيف الدلولة نجا الروم فقتل وأسّر.
سنة 351هـ:
فيها: اقبل الدمستق في مائة وستين الفاً، فنزل عين زربة، فأخذها بالأمان، ثمّ نكث وقتل أمماً وأحرقها.
وفيها: حاصر الدمستق أهل حلب مدّة، ثمّ دخلوها وأخذوا حلب بالسيف، فقتلوا حتّى كلّوا.
سنة 352 هـ:
فيها: قتل ملك قسطنطينيّة، وولي الملك الدمستق، اسمه تكفور.
سنة 353هـ:
فيها: حاصر الدمستق المصيصة، ثم ترّحل عنها للغلاء المفرط.
وفيها: وقعت حرب بين معزّ الدولة وصاحب الموصل ناصر الدولة، انتهت بانتصار ناصر الدولة، وأخذ خزائن معزّ الدولة.
سنة 354هـ:
فيها: نازل الدمستق المصيصة وافتتحها بالسيف وافتتح الطرطوس بالأمان.
سنة 356هـ:
فيها: مات معزّ الدولة احمد بن بويه الديلمي، وتملّك بعده ابنه عز الدولة.
وفيها: مات صاحب الشام سيف الدولة علي بن عبدالله بن حمدان التغلبي بحلب.
وفيها: مات صاحب مصر كافور الاخشيدي.
سنة 358هـ:
فيها: خرجت الروم، فقتلوا وسبوا واستولوا على مدائن ووصلوا الى حمص.
وفيها: أقبلت العبيدية من المغرب مع القائد جوهر المعزّي، فأخذوا الديار
وفيها: مات صاحب الموصل ناصر الدولة بن حمدان، وقام بالملك ابنه الغضنفر.
سنة 359هـ:
فيها: أخذ تكفور أنكاكية بالأمان.
سنة 360هـ:
فيها: استولى على دمشق جعفر بن فلاح نائب العبيدية بعد حصار ايام، فانتدب لحربه الحسن بن احمد القرمطي، فأسّره القرمكي وقتله.
سنة 362هـ:
فيها: أخذت الروم نصيبين بالسيف، فبعث عزّ الدولة عسكراً فالتقوا الروم فنصرهم الله وأسّروا جماعة من البطارقة.
وفيها: كتب المعزّ بالله الى الخليفة المطيع لله ودعاه الى خلع نفسه، للفالج الذي به، ففعل، وخلع نفسه على الخلافة وولاّها ولده عبدالكريم، ولقّبوه الطائع لله.
سنة 365هـ:
فيها: قسّم ركن الدولة على أولاده ما في يده: فأقرّ عضد الدولة على مملكة فارس وكرمان، وأعطى فخر الدولة حمدان والدينور، وأعطى مؤيّد الدولة الري
سنة 366هـ:
فيها: كانت المصاف بين عزّ الدولة وابن محمد عضد الدولة، فأسّر مملوك لعزّ الدولة.
سنة 367هـ:
فيها: انتصر عضد الدولة على عزّ الدولة بعد أن استعان بالقرامطة ونفرّق الجند عن عزّ الدولة صاحب بغداد، وخرج الخليفة الطائع لله لتلقّي عضد الدولة.
سنة 369هـ:
فيها: قدمت رسل العزيز بغداد، فأجابهم عضد الدولة الى الصلح.
سنة 370هـ:
فيها: سار ملك بغداد عضد الدولة الى حمدان، فلما رجع بعث يأمر الخليفة الطائع لله أن يتلقّاه، ففعل!.
سنة 372هـ:
فيها: مات عضد الدولة فناخسرو بن ركن الدولة حسن بن بويه الديلمي بعلة الصرع، فحضر ولده من شيراز صمصام الدولة، فولاّه الطائع لله السلطنة.
سنة 376هـ:
فيها: مال العسكر عن صمصام الدولة الى أخيه شرف الدولة، فذل الصمصام، فقدم شرف الدولة بغداد وتملك.
سنة 379هـ:
فيها: مات صاحب بغداد شرف الدولة بن عضد الدولة بالاستسقاء، وتملك بعده أخوه أبو نصر، ولقبه الطائع لله بهاء الدولة.
سنة 381هـ:
فيها: قبض بهاء الدولة على الطائع لله، وذلك لأمر الطائع بحبس أبي الحسين ابن المعلّم، وأكره الطائع على خلع نفسه، وأحضروا القادر بالله احمد بن الأمير اسحاق بن المقتدر بالله فبايعوه.
سنة 382هـ:
فيها: ثارت الجند يطلبون من بهاء الدولة ان يسلّم اليهم ابن المعلّم ابو الحسن علي بن محمد، وصمّموا على هذا، وخيّروا الملك بين بقاء الملك أو بقاء ابن المعلم، فقبض عليه وحبس وقتل.
سنة 386هـ:
فيها: مات صاحب مصر العزيز بالله بن معزّ بالله معد العبيدي، وحكم بعده ابنه الحاكم.
سنة 391هـ:
فيها: قتل صاحب الموصل حسام الدولة مقلّد بن المسيّب، ثمّ تملّك بعده ابنه معتمد الدولة قرواش.
سنة 396هـ:
فيها: خطب بالحرمين لصاحب مصر الحاكم.
سنة 398هـ:
فيها: ولي نيابة دمشق حامد بن ملهم من قبل الحاكم بعد ابن فلاح.
سنة 401هـ:
فيها: أقام صاحب الموصل الدعوة ببلاده للحاكم، وأقيمت الخطبة للحاكم بالكوفة والمدائن بأمر صاحب الموصل قراوش، فأرسل الخليفة القادر الى الملك بهاء الدولة وأنفق مع الجيش مائة الف دينار، ثمّ خاف قرواش، فأرسل يعتذر وأعاد الخطبة العبّاسة.
سنة 402هـ:
فيها: مات الوزير عميد الجيوش، فقام بعده فخر الملك.
سنة 403هـ:
فيها: مات صاحب بغداد بهاء الدولة ابن عضد الدولة بعلّة الصراع، وقام بعده
وفيها: قتل الوزير فخر الملك ببغداد.
سنة 410هـ:
فيها: افتتح السلطان محمود بن سبكتكين قسما كبيراً من الهند.
سنة 411هـ:
فيها: تملك الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بن المعزّ العبيدي الحجاز ومصر والشام، وقتل في شوال، جهّزت اخته ست الملك عليه من قتله غيلةً، وأقامت ولده الظاهر بأمر الله.
سنة 413هـ:
فيها: مات صاحب العراق والعجم سلطان الدولة ابن بهاء الدولة بشيراز، وتملك بعده أخوه مشرف الدولة، ثمّ قدم بغداد فتلقّاه الخليفة.
وفيها: افتتح السلطان محمود مدينة بالهند.
المقدمة الثانية
بنو بويه وعقيدتهم
بويه هو أبوشجاع بن فنّا خسرو بن تمام بن كوهي من الفرس، وينسب الى الديلم لطول مقامهم ببلادهم، والديلم جيل سمّوا بأرضهم.
كان صيّاداً يعيش من صيد السمك، فرأى في منامه أنه بال فخرج من ذكره عمود من نار، ثمّ تشعّب يمنةً ويسرةً وأماماً وخلفاً حتّى ملأ الدنيا، فلمّا قصّ رؤياه على معبّر، قال له: ألك أولاد؟ قال: نعم، قال: أبشر فانّهم يملكون الأرض ويبلغ سلطانهم فيها على قدر ما احتوت عليه النار.
ولبويه خمسة أولاد، المشهور منهم ثلاثة، وهم: عماد الدولة ابو الحسين علي، وركن الدولة أبو علي الحسن، ومعزّ الدولة أبو الحسين احمد، وهؤلاء ملكوا، وله ابنان آخران هما: محمد وابراهيم، قتل احدهما مع الناصر للحق والآخر مع الحسن بن القاسم الداعي.
وارتقت الحال ببويه فصار جنديا، وخرج مع الناصر للحق الحسن بن علي العلوي، وكان يلحظه بعين التقّدم لشجاعته، وكذلك أولاده خدموا في العسكر،
وفي سنة 319هـ خرج مردادنج الديلمي، فاستولى على حمدان، فراسله الخليفة المقتدر بالله سنة 320هـ يلاطفه، وبعث اليه بالعهد واللواء والخلع، وأمكنه من آذربايجان وأرمينية وأران وقم ونهاوند وسجستان.
وفي سنة 322هـ ـ في خلافة القاهر بالله ـ خرج عن طاعة مردادنج أمير من أمرائه، وهو علي بن بويه بعد أن اقتطع مالاً جزيلاً، فحاربه أمير فارس محمد بن ياقوت فهزم أمام ابن بويه، واستولى علي بن بويه على اقليم فارس، فكان هذا أول ظهور بني بويه.
واستمر حكمهم على البلدان كافّة، وكانوا قد بايعوا للخليفة العباسي، وانحطّت الخلافة الى رتبة أصبح الخليفة لا حول له ولا قوة ولا أمر، والأمر كلّه بيد بني بويه، ومرّ في الفصل الذي قبله ذكر من حكم منهم في عهد الشيخ المفيد.
وكان آخر ملوك بني بويه هو ملك الملك الرحيم ابي نصر خسرو، توفي سنة 450هـ، وهي آخر سنة مملكتهم، وشرعت بعدهم الدولة السلجوقية.
راجع: دول الاسلام: 173 و176، النجوم الزاهرة: 3/244/245، معجم البلدان: 2/544، المنتظم: 6/268 ـ 271، الكامل في التاريخ: 8/275 ـ 278، شذرات الذهب: 2/188، نهاية الأرب: 26/163 ـ 267.
وأمّا عقيدة بني بويه، فانهم كانوا شيعة امامية اثني عشرية، وما نسب اليهم من أنّهم زيدية لا دليل عليه، وكانوا يعتقدون بالتشيع وأنّه المذهب الحقّ، ويدافعون عن الشيعة، بيد أنّهم كانوا يؤثرون مصالحهم السياسية على الاعتبارات الدينية، وكان مقرّ حكومتهم بغداد العاصمة السنيّة التي يقطنها أقلّيّة شيعية، فكانوا مع الشيعة ما دامت مصالحهم لم تتعرّض الى خطرٍ، فاذا تعرّضت تركوا كلّ شيء،
ويرشدنا الى عقيدة بني بويه ويوضحه لنا نصّ نقله ابن كثير، قال:
… لأن بني بويه ومن معهم من الديلم كان فيهم تعسّف شديد، يرون أنّ بني العباس قد غصبوا الأمر من العلويين، حتّى عزم معزّ الدولة على تحويل الخلافة إلى العلويين، واستشار أصحابه، فكّلهم أشار عليه بذلك، الاّ رجلاً واحداً من أصحابه كان سديد الرأي فيهم، فقال: لا أرى لك ذلك! فقال: ولم ذاك؟ قال: لأنّ هذا خليفة ترى أنت وأصحابك أنه غير صحيح الأمارة، حتّى لو أمرت بقتله قتله اصحابك، ولو ولّيت رجلاً من العلويين اعتقدت انت وأصحابك ولايته صحيحة، فلو أمرت بقتله لم تطع بذلك، ولو أمر بقتلك لقتلك أصحابك، فلما فهم ذلك صرفه عن رأيه الأول، وترك ما كان عزم عليه للدنيا لا لله، انتهى نصّ ابن كثير.
ويظهر للمتأمّل بوضوح من عدّة قرائن أنّ بني بويه عزموا على المساوات بين الشيعة والسنّة، واعتبروا أنفسهم قادةً لكلّ المسلمين، وأعطوا الحرّيّة لبقيّة المذاهب.
فمثلا كانوا يحكّمون على بغداد حكّام سنّة، ويعطوهم الحرّية التامّة، وكان قاضاء القضاة في بغداد بيد السنة، حتّى أنّهم جعلوه في سنةٍ لعالم شيعي، فلم يمضه الخليفة، وسكتوا ولم يجبروه على القبول.
وكثيراً ما كان الحكّام على بغداد يمنعون الشيعة من اقامة مراسم محرم والغدير، فلم يعارضهم بنو بويه بشيء، بل كانت في بعض الأحيان تصدر أوامر من الحكام بتبعيد علماء الشيعة ومنعهم من الجلوس للدرس ولا اعتراض ولا أيّ شيء يحدث من قبل البويهيّين!!.
يقول كاهن: كانوا يتوقّون الى اقامة نوع من الحكومة العباسيّة الشيعية المشتركة، يأمن فيها لاشيعة ولا يحتاجون معها الى التقيذة، ويكون لهم وللسنّة كيان رسمي منظمّ، حقّاً كان هدفهم ـ من وجه نظر شيعيّة ـ احياء ما كان يحلم به معظم العباسييّن في عصر المأمون، معتقدين بأنّهم سيكسبون أتباعاً أقوياء بهذا العمل دون الابتعاد عن سائر الناس في نفس الوقت، انتهى.
وهذا لا يعني عدم اهتمامهم بالشيعة والتشيّع، بل نظّموا العلوّيين في تجمّع واحد له نقيب، وجعلوا الحجّ والمظالم، و… بيد الشيعة، وقرّبوهم للحكومة، واهتمّوا بالمشاهد المشّرفة لأهل البيت عليهم السلام، وجري الصدقات على الفقراء فيها، ودافعوا عن التشيّع في بعض الأحيان عندما ضايقت عليهم السنّة، وعزلوا بعضهم الأمراء لمضايقتهم على الشيعة.
حتّى أنّ الوزير أبا محمد المهلبي لمّا قبض على رجل من أصحاب أبي جعفر بن أبي العزّ الملحد وأراد قتله، أظهر هذا الرجل أنّه شيعي وأنه بريء من الاتهامات، فلم يقتله المهلبي خوفاً على نفسه من معزّ الدولة.
ولّما ادعى شاب أنّ روح علي بن أبي طالب حلّت فيه وادّعت امرأة أن روح فاطمة حلّت فيها وادّعى خادم لبني بسطام انه ميكائيل، فلمّا اراد الوزير المهلّبي ان يقتلهم ادعوا أنّهم شيعة، فخاف الوزير أن يقيم على تشدّده في أمرهم فينسب الى ترك التشيّع.
فكلّ هذه الشواهد تدلّ بوضوح على أنهم كانوا يهدفون المساواة بين المذاهب، وأنّهم زعماء للمسلمين كافّة.
راجع: البداية والنهاية: 11/212 ـ 313 و224، الكامل في التاريخ: 8/495، مرآة الجنان: 2/333، النجوم الزاهرة: 3/193 ـ 194، مقالة البويهيين لكاهل طبعت في دائرة المعارف الاسلامية: 1/1352، نظريّات علم الكلام عند الشيخ المفيد: 43.
المقدمة الثالثة
الصحابة وعدالتهم
كثير من الحوادث الّتي تذكر هنا، ترتبط بهذا المطلب، وهو: ذهاب أهل السنّة الى أنّ كل من له صحبة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو عادل يجب الاقتداء به ولا يجوز أن ينال منه، ونحن نذكر شيئا يسيرا عن هذا المطلب، ونحيل في آخره الى المطوّلات والبحوث الّتي كتبت عنه.
فنقول: القرآن صريح في عدم عدالة كلّ الصحابة، وأنّ منهم منافقين و… وهنا نذكر عدّة آيات تدّل على الملطب:
(انّما الّذين يبايعونك انّما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فانّما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً) الفتح: 10.
هذه الآية صريحة بأنّ بعضاً من الصحابة يفي بما عاهد عليه الله، وبعضهم ينكث، ونكثه على نفسه، وهي صريحة ايضاً أنّ الصحابة ليسوا سواء، فالذي يفي هو الّذي يستحقّ المدح الوارد في القرآن للصحابة، ومن نكث يستحقّ العذاب، وليس له من العدالة والاقتداء به نصيب.
(وما محمّد الاّ رسول قد خلت من قبله الرّسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئا وسيجزي الله الشّاكرين) آل عمران: 144.
(ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين ثمّ يردّون إلى عذابٍ عظيم) التوبة: 74.
(اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انّك لرسول الله والله يعلم إنّك لرسول الله واللّه يشهد انّ المنافقين لكاذبون، اتّخذوا أيمانهم جنّةً فصدّوا عن سبيل الله انّهم ساء ما كانوا يعملون ذلك بأنّهم آمنوا ثمّ كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) المنافقون: 3.
الى غير ذلك من الآيات الكثيرة الّتي تبيّن من نفاق بعض الأصحاب الّذين صحبوا النبي صلى الله عليه وآله وكلّموه، ونزلت في حقّهم اكثر من مائة وخمسين آية تدلّ على نفاقهم وانحرافهم.
والمقصودين بهذه الآيات غير معلومين، لأن الله سبحانه وتعالى يقول لنبيّه في شأنهم: (لا تعلمهم نحن نعلمهم)، فهم غير مشخّصين من بين الصحابة، فأي دليل يبقى لإثبات عدالة كلّ الصحابة والإقتداء بهم؟
نعم تجري عليهم قواعد الجرح والتعديل شأنهم شأن بقيذة الرواة، فمن كان منهم عادلاً وأوفى بما عاهد الله عليه وجب تعظيمه واحترامه والإقتداء به، ومن ثبت نفاقه وانحرافه ونكثه وجب رفضه والبراءة منه، حتّى سبّه ولعنه وتعريفه للمجتمع.
فباب النقاش في الصحابة غير مسدود، وهو حقّ كلّ فردٍ يروم معرفة الحقّ. وأما الأحاديث فهي أيضاً صريحة في هذا الباب، نذكر أربعةً منها:
أ ـ قوله عليه السلام في خطبة حجّة الواداع: فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب
رواه البخاري في صحيحه كتاب الفتن، ومسلم في صحيحه كتاب الايمان.
ب ـ قوله عليه السلام: أنا فرطكم على الحوض، ليرفعنّ إليّ رجال منكم، حتّى اذا أهويت لأناولهم، اختلجوا دوني، فأقول: أي ربّي أصحابي! يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك.
رواه البخاري في صحيحه 9/83 كتاب الفتن، ومسلم في صحيحه 4/1796 حديث الحوض.
ج ـ قوله عليه السلام: انّي أيّها الناس فرطكم على الحوض، فإذا جئت قام رجال، فقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، فأقول: قد عرفتكم، ولكنّكم أحدثتم بعدي ورجعتم القهقرى.
المستدرك 4/74 ـ 75، وقال بعد ذكره للحديث: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
د ـ وقال عليه السلام لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال ابو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله اخوانهم؟ أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي!!!.
الموطّأ: 2/462 كتاب الجهاد.
فهذه أحاديث أربعة من كثير من الأحاديث الواردة في هذا الشأن صريحة بأنّ من الأصحاب من ينحرف بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، حتّى أنّ الحديث الثالث يدّل بوضوح أنّ الّذين يأتون الى رسول الله وهو غير راضٍ عنهم هم من أعيان الصحابة والبارزين الّذين يتوقّعون أنهم في الدرجات العليا في الجنان، بقرينة قولهم لرسول الله صلى الله عليه وآله: أنا فلان..، وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد عرفتكم، ولكنّكم أحدثتم بعدي ورجعتم القهقرى.
والحديث الرابع أكثر صراحة من كلّ الأحاديث، لأنّ رسول الله يخاطب أبا بكر وهو صحابي معروف، ولايقول له: وأشهد عليكم، بعد اعتراضه عليه بشهادته على شهداء أحد، بل يشكّك فيهم ويقول: لا أدري ما تحدثون بعدي!!!.
فالقرآن والسنّة صريحان بأنّ من الأصحاب منافقين وأحدثوا أحداثاً أخرجتهم عن الإسلام.
وثمّ، من هم أصحاب الإفك؟ الم يكونوا من الصحابة؟! ألم يوجد ذمّهم وانحرافهم في القرآن؟!
ثم، أنّ كثيراً من الأصحاب كانوا رأس فتنٍ كثيرةٍ ذهبت ضحيّتها الآلاف!! ومنهم من بدت منه أمور صريحة في خلاف الإسلام.
وأما الأحاديث الواردة في تنزيه الصحابة، كقوله عليه السلام: احفظوني في أصحابي، ولا تسبّوا أصحابي، وأصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم.
فهذه أحاديث لم يثبت صحتها من جهة السند وفي متناقضة مع الأحاديث السابقة ان أريد منها كما يفهمه أهل السنّة، وإلاّ فهي قابلة للحمل على معانٍ أخرى يرتفع بها التناقض بينها وبين من سبقها من الأحاديث.
قال الإمام علي بن موسى الرضا بعد أن سئل عن هذه الأحاديث: هذا صحيح: يريد من لم يغيّر بعده ولم يبدّل، لما يروونه من أنّه صلى الله عليه وآله قال: ليذادنّ برجال من اصحابي يوم القيامة عن حوضي كما تذاد غرائب الإبل عن الماء، فأقول: يا ربّ اصحابي أصحابي، فيقال لي: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: بعداً لهم وسحقاً لهم.
عيون أخبار الرضا: 2/78.
وبعد هذا كلّه، تبيّنت لك عزيزي القاريى هذه المسألة بوضوح، وأنّ الشيعة تعرّضوا للقتل والسبّ والإباحة و..!! بسبب أنهم عملوا بالسنّة، وأجروا قواعد
وأوّل سبّة حدثت في الإسلام هي من قبل الخليفة عمر، فإنه قال يوم السقيفة: اقتلوا سعداً قتل الله سعداً.
وجاوز الخليفة مرّة اخرى السبّ، وهجم على بيت فاطمة، وهدّد من فيها ـ وهم علي عليه السلام وخيرة الصحابة ـ بأنّهم ان لم يخرجوا أحرقها، فلّما قيل له: في البيت فاطمة، قال: وإن!.
أليس سعداً من الصحابة؟! اليس عليا واصحابه من الصحابة؟! اليست فاطمة بضعة من رسول الله من آذاها آذاه ومن آذاه آذى الله ومن آذى الله غضب عليه وله عذاب اليم؟!.
فما هو معنى الصحابة في نظر الخليفة عمر؟.
ثم، عائشة قالت في حقّ عثمان: هذا قميص رسول الله لم يبل، وقد أبلى عثمان سنّته، اقتلوا نعثلاً فقد كفر.. اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلا.
ألم يكن طلحة والزبير أشدّ من ألّب على عثمان حتّى قتل؟!.
ألم ينكث طلحة والزبير بيعة أمير المؤمنين وحاربها حتّى قتلا؟!
ألم يكن أصحاب الشورى كلّهم من الصحابة، ومن العشرة المبشّرة ـ كما وضعوا هذا الحديث على رسول الله صلى الله عليه وآله ـ ؟! فلم يأمر عمر بقتلهم أجمعين؟!.
كل هذا وهم يقولون: بأيّهم اقتديتم اهتديتم!!! فعليّ عليه السلام وكثير من الصحابة في جهة من المعركة، وطلحة والزبير ـ وهما صحابينا ـ في جهةٍ أخرى، فالمسلم مع أيّ الفريقين يلتحق؟ وكذا حرب عليّ ومعاوية!!! فهل يا ترى يبقى للحديث الذي يروونه: بأيّهم اقتديتم اهتديتم، معنى يقبله عاقل حرّ؟!.
وترى أهل السنّة يحترمون أهل الذمة ـ الذين لا يعتقدون بأيّ شيء ـ ويضعون لهم حرمة في الاسلام، وتحقن دماؤهم ويؤدّون مراسمهم، ولكن لمّا يصل الأمر إلى الشيعة يقذفوهم بالرفض، وأنهم لا يقبلون عدالة الصحابة كافة، وعليه فدماؤهم وأموالهم كلّها مباحة! أهذا هو الانصاف أيّتها الأمّة المرحومة؟!!.
ولمزيد من الإطلاع حول هذا الموضوع راجع: تقريب المعارف وما نقله عن تاريخ الثقفي والواقدي، الطرائف: 373 ـ 381، نهج الحق وكشف الصدق: 314، نقض الوشيعة: 41، بحث حول حديث اصحابي كالنجوم للسيد الميلاني، ثمّ اهتديت: 77 ـ 122، فسئلوا أهل الذكر: 113 ـ 170، منهج في الانتماء المذهبي: 231 ـ 293.
المقدمة الرابعة
إحياء ذكرى عاشوراء وكونه سنّة مؤكّدة
قضية الامام السبط الشهيد الحسين بن علي سلام الله عليهما، واقامة المأتم عليه والبكاء والنوح، لم تكن قضيّة مستجدّة، بل لها وجود حتّى قبل ولادة الحسين عليه السلام، وشيعة الحسين في كلّ عام تقيم مراسم العزاء على الحسين في يوم مقتله العاشر من المحرّم، وذلك تأسّياً منها بنبيّها وأئمّتها أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله والصحابة الكرام، حيث كانت تقام المآتم على الحسين الشهيد قبل شهادته وبعدها، حتّى الجمادات والحيوانات ناحت وبكت على الحسين الشهيد.
ومعلوم لدى الكلّ أنّ مراسم الفرح والسرور تختلف باختلاف الأمم، بل وباختلاف الزمن، فكلّ أمّة تقيم مراسم العزاء بشكل ما، ويختلف هذا الرسم بزمان عن آخر.
فالشيعة على مرّ القرون كانت ملتزمة بإقامة العزاء على سيّد شباب أهل الجنّة، وفي جميع أنحاء العالم، وبأشكالٍ مختلفة باختلاف المكان والزمان.
ونحن هنا نذكر نبذة يسيرة ورؤوس مطالب عن كون إقامة العزاء على الحسين عليه السلام سنّة مؤكّدة، على المسلمين بأجمعهم إقامة هذا الشعار والالتزام به:
1 ـ لمّا ولد الحسين، أتت به أسماء النبي صلّى الله عليه وآله فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثمّ وضعه في حجره وبكى، فلمّا سألته أسماء عن سبب بكائه أجاب: على ابني هذا، فقالت: إنّه ولد الساعة! قال: تقتله الفئة الباغية، لا أنالهم الله شفاعتي، ثمّ أمرها أن لا تخبر الزهراء، فإنّها قريبة عهد بولادته.
مقتل الحسين: 1/88، ذخائر العقبى: 119.
وهذا أول مأتم يقام على الحسين، وهو ساعة ولادته، فرسول الله يبكي عليه ويقيم مراسم العزاء.
2 ـ روي عن أمّ الفضل مرضعة الحسين: أنّها دخلت يوما على رسول الله صلّى الله عليه وآله، فوضعت الحسين في حجره، فرأت عينا رسول الله تهريقان من الدموع، فلمّا سألته عن السبب؟ قال: أتاني جبرئيل فأخبرني: أنّ أمّتي ستقتل ابني هذا، فقالت أم الفضل هذا! فقال: نعم.
المستدرك: 3/176، تاريخ الشام ترجمة الحسين عليه السلام: 183 رقم 232، مقتل الحسين: 1/158 ـ 159، الفصول المهمّة: 154، الصواعق: 115، الخصائص الكبرى: 2/125، كنز العمال: 6/223، الروض النضير: 1/148.
وهنا النبي صلّى الله عليه وآله مرّة أخرى يبكي على الحسين، والحسين في السنة الأولى من عمره لم يتمّ الرضاعة، فحريّ بنا أن نسّميه مأتم الرضوعة.
3 ـ لّما أتى على الحسين عليه السلام سنة كاملة هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنا عشر ملكاً، محمّرة وجوههم قد نشروا أجنحتهم، وهم يخبرون النبي بما سينزل على الحسين عليه السلام.
مقتل الحسين: 1/163.
4 ـ لمّا أتت على الحسين من مولده سنتان كاملتان خرج النبي في سفر، فلّما كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه، فسئل عن ذلك؟ فقال: هذا جبرئيل بيخبرني عن أرض بشاطىء الفرات يقال لها: كربلاء، يقتل فيها ولدي الحسين….
ثمّ رجع من سفره مغموماً، فصعد المنبر، فخطب ووعظ والحسين بين يديه مع الحسن، ثمّ أخبر أصحابه بأنّ جبرئيل أخبره بأنّ الحسين مقتول مخذول.
فضجّ الناس في المسجد بالبكاء.
وهذه المرة رسول الله يقيم المأتم في مسجده أمام الصحابة، ورسول الله يقرأ المأتم، والناس يبكون.
مقتل الحسين: 1/163.
5 ـ وتكرّر إخبار جبرئيل والملائكة النبي بما يجري على الحسين وفي أزمنة مختلفة وفي أماكن متفرقة، والنبي صلّى الله عليه وآله يخبر من حوله بما يجري على الحسين ويبكي ويقيم ماتماً عليه، ففي بيت أم سلمة.. وعائشة.. وزينب بنت جحش.. وفي دار أمير المؤمنين.. وفي مجمع من الصحابة.. وفي داره.. وفي أماكن أخرى كثيرة، أقام النبي المأتم، وأخرج ما أعطاه جبرئيل من تربة كربلاء، وشاهدها كثيرون، وهم يبكون.
المستدرك: 4/398، المعجم الكبير للطبراني، ذخائر العقبى: 147، كنز العمال: 13/111، تاريخ الاسلام: 3/10، الخصائص الكبرى: 2/125، سيرتنا وسنتنا للاميني، احقاق الحق: 11/339.
قال الأميني: وربّما يظنّ ـ وظنّ الألمعي يقين ـ أنّ تكرّر المآتم الّتي أقامها
6 ـ وعند مسير علي عليه السلام إلى صفين: مرّ بكربلاء، فوقف وسأل عن اسم الأرض؟ فقيل: كربلاء، فبكى حتّى بلى الأرض من دموعه، ثمّ أخبرهم بما أخبره رسول الله بما يجري على الحسين عليه السلام.
الصواعق المحرقة: 191.
7 ـ ولمّا أخبر جبرئيل نبيّه بما سيجري على الحسين وأعطاه من تربة كربلاء شيئا، خرج والتربة بيده وهو يبكي، وأخبر عائشة بما يجري على الحسين، ثمّ خرج إلى الصحابة وأخبرهم أيضا وهو يبكي.
المعجم الكبير للطبراني، مجمع الزوائد: 9/187.
8 ـ وفي اللحظات الأخيرة للنبي قبل موته، ضمّ الحسين إلى صدره، وقال في حقّه كلمات طيّبة، ثمّ أغمي عليه، فلمّا أفاق قال: إنّ لي ولقاتلك يوم القيامة مقاماً بين يدي ربّي وخصومة….
مقتل الحسين: 1/173.
وفي هذه اللحظات الأخيرة من حياته المباركة لم ينس رسول الله الحسين، بل يقيم عليه المأتم وبحضور الحسين عليه السلام، ويتوجّع ويتألم ويهدد قاتله بالنار.
9 ـ وشهد النبي صلّى الله عليه وآله قتل الحسين كما رأته أم سلمة في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب، فلما سألته عن حالته؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفاً.
صحيح الترمذي: 13/193، المستدرك: 4/19، مصابيح السنّة: 207، أسد
ورأى ابن عباس النبي في المنام وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم، فلمّا سأله عن الدم؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل التقطه منذ اليوم، فاستقيظ ابن عباس من نومه واسترجع وقال: قتل الحسين، فلمّا أحصي ذلك اليوم وجدوه قتل فيه.
مسند أحمد: 1/283، المعجم الكبير للطبراني، تاريخ بغداد: 142/1، المستدرك: 4/497، البداية والنهاية: 8/200.
10 ـ وبعد قتل الحسين عليه السلام نزلت الأنبياء عند مقتله، وهم يعزون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بولده، وكثر البكاء والنحيب عنده.
مقتل الحسين: 2/87، نور الأبصار: 125.
!! ـ ويحدّث رسول الله: أن ابنته فاطمة تحشر يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدم، فتتعلّق بقائمة من قوائم العرش، فتقول: يا عدل احكم بيني وبين قاتل ولدي.
مقتل الحسين: 52، الفردوس لابن شيرويه، ينابيع الموّدة، المناقب لابن المغازلي.
فتلاحظ بوضوح عزيزي القارىء أنّ النبي صلى الله عليه وآله من ولادة الحسين وإلى شهادته يواظب على ذكر الحسين وإقامة المأتم عليه والبكاء، فهو مع مسيرة الحسين عليه السلام، فالشيعة يقتدون بنبيّهم في إقامة مراسم الحسين وتعظيم الشعائر، لا أنّهم يبتدعون!!.
12 ـ وبعد قتل الحسين مطرت السماء دماً، فأصبح الناس وكلّ شيء لهم مليء دماً، حتّى جبابهم وجرارهم، وكان المطر في كلّ مكان: من المدينة وخراسان والشام والكوفة و….
وقال ابن عباس: هذه الحمرة الّتي في السماء ظهرت يوم قتله، ولم تر قبله.
مقتل الحسين 2/89، ذخائر العقبى: 144، تاريخ دمشق، الصواعق المحرقة: 116، الخصائص الكبرى: 126، ينابيع المودّة: 220، ومصادر أخرى كثيرة. 13 ـ لمّا جيء برأس الحسين بين يدي عبيدالله بن زياد شوهدت حيطان دار الامارة تسايل دماً.
ذخائر العقبى: 144، تاريخ دمشق لابن عساكر، الصواعق: 192.
14 ـ لمّا قتل الحسين مكثت السماء أياماً مثل العلقة.
المعجم الكبير للطبراني، مجمع الزوائد: 9/196، الخصائص الكبرى: 2/127.
15 ـ لمّا قتل الحسين مكث الناس سبعة أيام إذا صلوا العصر نظروا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة، والكواكب كانها تضرب بعضها ببعض.
المعجم الكبير، مجمع الزوائد: 9/197، تاريخ الاسلام: 2/348، سير أعلام النبلاء: 3/210، تاريخ الخلفاء: 80.
16 ـ لمّا قتل الحسين عليه السلام مكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنّما لطخّت الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس.
تذكرة الخواص: 284، الكامل في التاريخ: 3/301، البداية والنهاية: 8/171.
17 ـ لمّا قتل الحسين صار الورس الّذي في العسكر رماداً، ونحروا ناقة فكانوا يرون في لحمها المرار.
مقتل الحسين 2/90، تاريخ الاسلام: 2/348، سير اعلام النبلاء: 3/311، تهذيب التهذيب: 2/353، المحاسن والمساوي: 62، تاريخ الخلفاء: 80.
18 ـ اظلمّت الدنيا ثلاثة أيام بعد قتل الحسين، ثمّ ظهرت هذه الحمرة في
تذكرة الخواص: 283، الصواعق: 192، نظم درر السمطين: 220.
19 ـ لم تبك السماء على أحدٍ بعد يحيى بن زكريا إلاّ على الحسين، وبكاء السماء أن تحمرّ.
تاريخ دمشق لابن عساكر، كفاية الطالب: 289، سير أعلام النبلاء: 3/210، تذكرة الخواص: 283، الصواعق: 193.
20 ـ انكسفت الشمس حيث قتل الحسين كسفةً بدت الكواكب نصف النهار، حتّى ظنّ الناس أنّها هي.
المعجم الكبير للطبراني، كفاية الطالب: 296، مقتل الحسين: 2/89، نظم درر السمطين: 220، مجمع الزوائد: 9/197.
21 ـ ما رفع حجر من الدنيا يوم شهادة الحسين إلاّ وتحته دم عبيط.
الصواعق المحرقة: 192، تذكرة الخواص: 284، نظم درر السمطين: 220، ينابيع المودّة، 356، تاريخ الاسلام: 2/349، كفاية الطالب: 295.
22 ـ ما رفع حجر بالشام يوم قتل الحسين الاّ عن دم.
المعجم الكبير للطبراني، ذخائر العقيبى: 145.
23 ـ لم يرفع حجر ببيت المقدس يوم قتل الحسين إلاّ وجد تحته دم.
المعجم الكبير للطبراني، تهذيب التهذيب: 2/353، كفاية الطالب: 296، تاريخ الاسلام: 2/348، سير أعلام النبلاء: 3/212، العقد الفريد: 2/220، الخصائص الكبرى: 2/126.
24 ـ امتنعت العصافير من الأكل يوم قتل الحسين.
مقتل الحسين: 2/91.
مقتل الحسين: 2/101، الكامل في التاريخ: 3/296.
26 ـ تلطّخ غراب بدم الحسين، ثمّ طار فأتى على جدار فاطمة بنت الحسين. مقتل الحسين: 2/92.
27 ـ وبعد قتل الحسين عليه السلام ناحت الجن عليه في أماكن متفرقة: المعجم الكبير للطبراني، ذخائر العقبى: 150، تاريخ الاسلام: 2/349، سير أعلام النبلاء: 3/214، نظم درر السمطين: 223، الإصابة: 1/334، مجمع الزوائد: 9/199، البداية والنهاية: 6/231، تاريخ الخلفاء: 80، الصواعق المحرقة: 194، ومصادر أخرى كثيرة جدّاً ذكرت نوح الجن عن رواة كثيرين، وأنهم كانوا يسمعون نوح الجن ويبكون على الحسين عليه السلام، وكان نوح الجن بصور مختلفة، عرضنا عن ذكرها خوفا من الاطالة، راجعها في احقاق الحق: 11/570 ـ 589.
فهذا حسيننا، وعلى مثل هذا نقيم المأتم ونبكي، وعلى المسلمين كافة أن يعظّموا هذا اليوم ويقيموا العزاء أحسن قيام بكلّ ما بوسعهم، تأسّياً منهم بنبيّهم، فإنّ الحسين لأجل الاسلام والحفاظ عليه ضحّى بمهجه وبأهله وأصحابه، حتّى بكى عليه الجن والسماء والحيوانات والجمادات… وكلّ شيء، أفلا يحقّ لنا أن نبكي عليه بدل الدموع دماً؟!.
ولا أعلم، لم يتّهمون الشيعة بالبدعة في اقامتهم العزاء والبكاء على الحسين، وهذه كتبهم تشهد عليهم بأن إقامة العزاء سنّة، أقامها رسول الله صّى الله عليه وآله؟!
وهل مجازات من يقيم العزاء على ابن بنت رسول الله مع كلّ هذا التأكيد يوجب القتل والنهب والحرق والإبادة العامّة؟ وهذا غير مختصّ بعهد الشيخ المفيد، بل من بعد شهادة الحسين، وإلى يومنا وزماننا هذا، زماننا الذي يعبّر عنه
ومن أراد التفصيل حول هذا المطلب وما يرتبط بالحسين الشهيد، فعليه بكتاب سيرتنا وسنتنا للعلامة الأميني، وكتاب إحقاق الحق الجزء الحادي عشر، ومقتل الحسين للخوارزمي، والبحار للمجلسي، والمقاتل الأخرى وكتب التاريخ والحديث.
المقدمة الخامسة
إحياء ذكرى الغدير وكونه سنّة مؤكّدة
روى النسائي في كتاب خصائص أمير المؤمنين: 21 ـ 27 عن سعد ابن أبي وقّاص قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله بطريق مكّة وهو متّجه إليها، فلّما بلغ غدير خم وقف للناس، ثمّ ردّ من سبقه، ولحقه من تخلّف، فلّما اجتمع الناس إليه قال: أيّها الناس من وليّكم؟ قالوا: الله ورسوله، ثلاثا، ثمّ أخذ بيد علي بن أبي طالب، ثمّ قال: من كان الله ورسوله وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
هذا الحديث روي بطرقٍ مختلفة وبأشكالٍ مختلفة، فرواه عن النبي نحو المائة وعشرين من الصحابة، ذكرهم العلامة الأميني على ترتيب الحروف الهجائية، ومن التابعين 360 تابعيا ذكرهم الأميني على ترتيب الحروف الهجائية، وألّف الكثير كتاباً مستقلاً عن الغدير ذكرهم العلامة السيد عبدالعزيز الطباطبائي في بحثه الغدير في التراث الإسلامي، ذكر فيه أكثر من (120) مؤلفاً.
ولا يوجد في السنّة النبويّة حديث آخر روته هذه الكثرة من الصحابة والتابعين ولا نصف هذا العدد، فهذا الحديث أصحّ الأحاديث سنداً وأكثره روايةً