الاختلاف في إسم الكتاب:
اختلفت كتب التراجم في ضبط إسم الكتاب، فتارة يُذكر: "نهج الشيعة في بيان فضائل وصيّ خاتم الشريعة"(1) واُخرى: "منهج الشيعة في بيان فضائل ..."(2)، وتارةً اُخرى: "منهج الشيعة في فضائل وصيّ صاحب الشريعة"(3)، ورابعة: "منهج الشيعة في فضائل خاتم الشريعة"(4) والإسم الصحيح للكتاب الذي ذكره المؤلّف قدّس سرّه في المقدّمة هو: "منهج الشيعة في فضائل وصيّ خاتم الشريعة"، فالاختلاف ناشئ من التصحيف أو السهو.
الاختلاف في المؤلّف:
ربّما يُنسب هذا الكتاب إلى عدّة أشخاص لكنّه غير صحيح، وممّن نُسب إليه:
1 ـ السيّد ركن الدين أبو محمّد الحسن بن محمّد بن شرفشاه العلوي، قال آغا بزرك الطهراني رحمه الله:
"وبالجملة المؤلّف هو السيّد جلال الدين الحسيني المتأخّر عن الشهيد وفاتاً، كما في الأمل والرياض، وليس الكتاب للسيّد ركن الدين أبي محمّد الحسن بن محمّد بن شرفشاه العلوي، من أخصّ تلاميذ المحقّق الطوسي ونظيره في التحقيق في جميع الفنون وشارح الكفاية ثلاثاً ... توفّي سنة خمسة عشر أو ثمانية عشر وسبعمائة"(5).
|
2 ـ السيّد جلال الدين محمّد بن السيّد عميد الدين عبد المطّلب بن الأعرج الحسيني، وقد نسب الشيخ محمّد الحرّ العاملي في كتاب "إثبات الهداة" في
____________
1- روضات الجنّات 2: 213.
2- رياض العلماء 7: 57.
3- الطبقات في أعلام القرن التاسع : 79.
4- الذريعة 23: 192.
5- الذريعة 23: 192.
قال ثقة الإسلام التبريزي في مرآة الكتب عند ترجمة السيّد جلال الدين الحسيني:
"... ثمّ انّه [أي صاحب الروضات] نسب كتاباً بهذا الإسم والتفصيل في ترجمة الشيخ جعفر بن نجيب الدين محمّد بن نما إلى سبطه الشيخ جعفر بن محمّد، والله العالم"(2).
|
وفاته:
توفّي المؤلّف رحمه الله في أوائل القرن التاسع، قال آغا بزرك الطهراني في الذريعة:
"السيّد جلال الدين عبد الله بن شرفشاه الحسيني المتوفى نيف وثمانمائة"(3).
|
وقال أيضاً في الطبقات في علماء القرن التاسع:
"ولعلّه أدرك أوائل هذه المائة كما يظهر من تاريخ وقف جملة من كتبه المملوكة له، المصرّح في وقفيّتها انّها من متروكات صاحب الترجمة، وقفت للخزانة الغروية عام (810)، فيظهر انّه توفّى قريباً من هذا التاريخ"(4).
|
____________
1- رياض العلماء 7: 57.
2- مرآة الكتب 1: 444 رقم 129.
3- الذريعة 23 : 193.
4- طبقات أعلام الشيعة في القرن التاسع: 79.
منهج التحقيق:
اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب الشريف على نسختين:
1 ـ النسخة المحفوظة في جامعة طهران، مكتبة كليّة الحقوق، تحت رقم (334) ج حقوق، ورمزنا لها بنسخة "الف"، وهي بخطّ جميل نسخت على يد محمّد حسين بن أبي طالب الحسيني الاصفهاني في العشر الأوّل من ربيع الأوّل سنة إحدى وستّين ومائتين بعد الألف.
2 ـ النسخة الموجودة في جامعة طهران أيضاً، تحت رقم (665)، ورمزنا لها بنسخة "ب".
وحاولنا إرجاع الأحاديث إلى المصادر المنقول عنها، ومصادر اُخر من كتب الفريقين، ثمّ مطابقتها مع ذكر الاختلاف الموجود، ثمّ وضعنا في الختام فهارس عامّة ليسهل الرجوع إلى مطالب الكتاب، والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين الهداة المعصومين.
ولا يفوتني في الختام الدعاء وطلب علوّ الدرجات لسماحة العلاّمة المحقّق الطباطبائي قدّس سرّه حيث كان له الفضل والمنّة في إرشادي إلى تحقيق هذا الكتاب.
قم المشرّفة
شعبان 1419 هـ . ق
[الحمد لله ربّ العالمين والعاقبة للمتّقين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وآله أجمعين.
وبعد: فانّي قد جمعت هذه الرسالة في عهد خلافة سلطان السلاطين [الـ] سلطان شيخ أويس] (1).
هو البحر من أيّ النواحي أتيته | فلجّتة المعروف والجود ساحله |
تعوّد بسط الكفّ حتّى لو أنّه | ثناها لقبض لم تطعه أنامله |
ولو لم يكن في كفّه غير نفسه | لجاد بها فليتّق الله سائله |
ذي الدولة القاهرة، والسطوة الباهرة، والصولة العامرة، الشّهم القوي، والبطل الكمّي، المؤيّد من السماء، المظفّر على الأعداء.
هو الشجاع يعدّ البخل من جبن | هو الجواد يعدّ الجبن من بخلِ |
تتلوا صوارمه الكتب التي نفدت | ويجعل الخيل أبدالا من الرسل |
____________
1- أثبتناه من "ب".
أسامياً(1) لم تزده معرفة | وانّما لذّة فيها ذكرناها |
وأدام الله أيّامه الزاهرة، وجمع له بين سعادتي الدنيا والآخرة، وخلّد سلطانه، وثبّت قواعد ملكه، وشيّد أركانه، وقرن دولته بالنصر والدوام إلى يوم العرض والقيام، اللّهمّ فهب له أطول عمر في دنياه، وأرفع قدر في أُخراه، وكما جعلته لأوليائك حرزاً حريزاً فانصره على أعدائك نصراً عزيزاً.
من قال آمين أبقى الله مهجته | فإنّ هذا دعاء يشمل البشرا |
وسمّيتها بـ (منهج الشيعة في فضائل وصيّ خاتم الشريعة)، ورتبتها على مقدّمة وفصول وخاتمة، وبالله المستعان، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
|
"ما عرفك يا عليّ حقّ معرفتك الاّ الله وأنا"(2).
وهذا هو السرّ في تسمية النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين(3) عليهم السّلام بالخمسة الأشباح; لأنّا لا نعرف هويّاتهم وصفاتهم; لجلالة شأنهم وارتفاع منازلهم عنّا، كالشّبح الذي يُعرَف أنّه شخص ولا تُعرَف حقيقتُه، ولكنّ الله تعالى يفيض على كلّ نفس سعيدة مستعدّة شيئاً من فضله على قدر استعدادها، كما قيل: "يظهر لك على مقدارك، وتظهر له على مقداره".
____________
1- كذا في النسخ، واللفظة ممنوعة من الصرف لا تأخذ التنوين.
2- ارشاد القلوب 2: 10.
3- في "ب" : الحسنين .
ومن يصفه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بمثل ذلك; كيف يمكن التعبير عن وصف فضائله.
هو الفتى إن تصف أدنى خلائقه | فيا لها قصّة في شرحها طول |
وقال بعض الفضلاء وقد سُئل عنه عليه السّلام فقال: ما أقول في شخص أخفى أعداؤه فضائله حسداً له، وأخفى أولياؤه فضائله خوفاً وحذراً على أنفسهم، وظهر فيما بين هذين فضائل طبّقت الشرق والغرب:
(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِـُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(2).
إذ لابدّ للبدر أن يلوح، والمسك أن يفوح (ز مشك بوى و ز خورشيد نور نيست بديع).
سَتَروا الندى ستر الغراب سِفاده | فبدا وهل يخفى الربابُ الهاطل(3) |
وحيث أنّ الأمر كما ذُكر، والحال على ما سُطر، فليذكر العبد على قدر استعداده القليل بعضَ ما اطلع عليه من فضله وكماله الأثيل(4)، إذ خير الكلام ما قلّ ودلّ، ومع هذا فقليل هذا كثير، كالكيمياء والأكسير: "قليلك لا يقال له قليل".
وروى أخطب خوارزم بالاسناد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ الله تعالى
____________
1- المناقب للخوارزمي: 32 ح1 و : 328 ح341 ، عنه كشف الغمة 1 : 109، وأخرجه الكنجي في كفاية الطالب: 251، والكراجكي في كنز الفوائد : 129 ، عنه البحار 40 : 70 ح 105 ، وأخرجه الديلمي في ارشاد القلوب : 291، وابن شاذان في مائة منقبة : 153 منقبة 99 ، وابن طاوس في الطرائف : 138 ح 216 ، وفي نهج الحق : 231، وتذكرة الخواص : 23.
2- التوبة : 32.
3- الرباب ـ بالفتح ـ : سحاب أبيض، والهَطْل: المطر المتفرّق العظيم القطر / لسان العرب.
4- أثيلٌ ومَؤَثّلٌ ومُتأثّلٌ: كلّ شيء قديم مُؤصَّل / لسان العرب.
ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام(3) لتلك الكتابة رسمٌ، ومن استمع [إلى] (4) فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر.
ثمّ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: النظر إلى وجه عليّ عبادة، وذكره عبادة، ولا يقبل الله عزوجل إيمان عبد إلاّ بولايته، والبراءة من أعدائه(5).
فهذا هو المقدّمة، فأمّا الفصول فثلاثة.
____________
1- في المصدر : كثيرة .
2- أثبتناه من المصدر.
3- في المصدر : ما بقي .
4- أثبتناه من المصدر.
5- المناقب للخوارزمي : 32 ح 2 ، عنه كشف الغمة 1 : 109 ، ومثله مائة منقبة : 154 منقبة 100 ، وكفاية الطالب : 252 ، وارشاد القلوب 2: 9، وأمالي الصدوق : 119 ح 9 مجلس 28 ، عنه البحار 38 : 196 ح 4 باب 64 ، ونهج الحق : 231 .
الفصل الأول
في ذكر فضائله عليه السّلام على سبيل الإجمال
إعلم أنّ فضائله في الظهور والاشتهار كالشمس في رابعة النهار.
ما زلت في درجات المجد مرتقياً | تسمو ويُنمى بك الفرعان من مضرا |
حتّى بهرت(1) فلا تخفى على أحد | إلاّ على أحد لا يبصر القمرا |
فذكر فضائله عليه السّلام حينئذ وإن كانت من قبيل تحصيل الحاصل، لكنّه كما قال القائل:
أعد ذكر نعمان لنا إنّ ذكره | هو المسك ما كرّرته يتضوّع |
وإذا كان الحال كذلك، فلنشرع(2) فيما صدّرنا به الفصل الأوّل، وهو ذكر فضائله عليه الصلاة والسلام، على سبيل الاجمال، ونقول: لنا في ذلك طرق أربعة:
الأول: آية المباهلة، وكفى بها دليلا واضحاً، وبرهاناً لائحاً على فضائلهعليه السّلام، التي لم يشاركه فيها أحدٌ من الأنبياء والأوصياء ما خلا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإنّه
____________
1- بَهَرَتِ الشمسُ: أضاءت / المنجد.
2- في "ب" : فلنسرع .
والمراد به نفس عليّ عليه السّلام، كما نقله جمهور المفسّرين، فعليّ عليه السّلام حينئذ نفس النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وليس المراد الحقيقة إذ الاتّحاد محال، فتعيّن المجاز، فيجب حمله على أقرب معانيه لما تقرّر في الأصول، وهو المساواة في جميع الأمور(2) الممكنة، فيثبت له عليه السّلام حينئذ جميع ما ثبت للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم من الفضائل العلميّة والعمليّة ما خلا النبوّة; لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "لا نبيّ بعدي".
الثاني: الحديث المشهور، وهو خبر المنزلة، وقد رواه الخاص والعام، والمؤالف والمخالف، وهو قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي"(3).
فانّه يدلّ على أنّ كلّ فضيلة ومنقبة يُفتخر بها إلى قيام الساعة من الفضائل والكمالات التي كانت ثابتة للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، فانّها ثابتة له عليه السّلام سوى درجة النبوّة، إذ الاستثناء يقتضي العموم.
الثالث: ما رواه البيهقي في كتابه باسناده عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب(4).
____________
1- آل عمران : 61.
2- في "ب" : الوجوه .
3- انظر صحيح البخاري 5 : 81 ح225 كتاب الفضائل ، وكنز العمال 11 : 599 ح32881 ، وكفاية الطالب: 281 ، والمناقب للخوارزمي : 108 ضمن حديث 115 ، وكشف الغمة 1 : 149 ، والبحار 37 : 254 باب 53 ، والعمدة، لابن البطريق : 126 ، والطرائف : 51 ، ونهج الحق : 216 ، وكشف اليقين : 279 المبحث الحادي عشر ، والأربعون حديثاً عن أربعين شيخاً : 20 ح 2 ، وشرح الأخبار 1 : 97 ح 18 .
4- راجع كشف الغمة 1 : 111 ، ومثله كفاية الطالب : 122 ، والمناقب للخوارزمي: 83 ح70، وارشاد القلوب 2: 21 ، وأمالي الشيخ الطوسي : 416 ح 86 مجلس 64 ، ونهج الحق : 236 عن سنن البيهقي .
وليس لله بمستنكر | أن يجمع العالم في واحد |
الرابع: وتقريره أن يقال: دلّ العقل وأطبق النقل أنّ الكمال قسمان: علميّ وعمليّ، والكمال العلميّ أفضل وأكمل، لما تقرّر في موضعه، ولأنّه الأصل، ولقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: فكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة.
وأمير المؤمنين عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيّات، بلغ الغاية في الكمالين، وتجاوز النهاية في القوّتين.
أمّا الكمال العلمي، فوصل فيه إلى حيث قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، رواه الترمذي في صحيحه(1).
وهو اشارة إلى أنّ الطريق والنهج الذي كان عليه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يمكن أن يحصل إلاّ من جهته عليه السّلام.
وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "قُسمَت الحكمة على عشرة أجزاء، فأُعطي عليٌّ تسعة، والناس جزءاً واحداً"، على ما رواه أخطب خوارزم عن عبد الله بن مسعود(2).
وقوله عليه السّلام في حقّ نفسه: لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً(3).
____________
1- صحيح الترمذي 5 : 637 ح 3723 وفيه أنا دار الحكمة، عنه كشف اليقين : 51 ، وكشف الغمة 1 : 111 ، عنه البحار 40 : 203 ح 8 باب 94 ، وفي المناقب للخوارزمي : 82 ح 69 ، وكنز العمال 11 : 614 ح 32978، ونهج الحق : 221 ، وكفاية الطالب : 220 ، ومناقب ابن شهر آشوب 2 : 34 ، عنه البحار 40 : 205 ح 12 ، ولاحظ شرح الأخبار 1 : 89 ح 1 .
2- المناقب للخوارزمي : 82 ح 68 ، عنه كشف الغمة 1 : 111 ، ونحوه في العمدة : 378 ح 744 ، وفي مناقب ابن شهر آشوب 2 : 32 عن حلية الأولياء 1: 64، وفي ترجمة الامام عليه السّلام لابن عساكر 2: 481 ح999.
3- المناقب لابن شهر آشوب 2 : 38 ، وارشاد القلوب 2: 14، والبحار 40 : 153 ح 54 باب 93 .
وقوله عليه السّلام: لقد اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى(1) البعيدة(2).
وذلك يدلّ على اختصاصه بعلوم ليس في قوى غيره من الصحابة الوصول إليها.
وقوله عليه السّلام: انّ هاهنا لعلماً جمّاً لا أجد له حملة ـ وأشار إلى صدره ـ(3).
وهو يدلّ على وصوله في العلم إلى مرتبة لا يمكن لأحد من جميع المخلوقات من الملائكة والبشر الوصول إليها، سوى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم; لكونه نفسه بآية المباهلة، لأنّه نكرةٌ في سياق النفي، فيفيد العموم.
وأما الكمال العمليّ، وهو العبادات الخمس: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، فقد أتى بها جميعها، وبلغ الغاية في كلّ واحدة منها، كما سيأتي ذلك في ذكر الفضائل التفصيليّة(4).
فمن جملتها حينئذ الجهاد، وقد نقل المؤرخون أنّ مبارزاته عليه السّلام كانت اثنتين وسبعين مبارزة، واحدة منها قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في حقّها: "لمبارزة عليّ عمرو بن [عبد] ود العامري، أفضل من عمل أُمّتي إلى يوم القيامة"(5).
فانظر حينئذ أيّها المنصف الفطن اللبيب، إلى هذه الفضيلة الغريبة العجيبة، التي هي موضع الفكر والحيرة، وهو إنّ قسماً واحداً من أصل اثنتين وسبعين
____________
1- الأرشية: جمع رشاء بمنى الحبل، والطوى: جمع طويّة وهي البئر، والبئر البعيدة: العميقة.
2- نهج البلاغة، الخطبة : 5، وفي ارشاد القلوب 2: 14 ، البحار 35 : 4 ح 2 باب 1 عن كشف الغمة .
3- نهج البلاغة، قصار الحكم: 147، وفي كمال الدين : 291 ح2، عنه البحار 23: 46 ح91، وارشاد القلوب 2: 14.
4- كذا الظاهر، وفي النسختين: التفضيليّة.
5- البحار 36 : 165 ح 147 باب 39، وقال ابن شهر آشوب في المناقب 2: 298 تحت عنوان "معجزاته في نفسه": ويروى وثبته أربعون ذرعاً إلى عمرو، ورجوعه إلى خلف عشرون ذراعاً، وذلك خارج عن العادة.
ويبقى من الفضل والكمال الذي له عليه السّلام أحد وسبعون قسماً من الجهاد برأسها غير العبادات الأربع بكمالها، وغير القسم العلمي بأجمعه الذي هو أفضل من القسم العملي، وهذا أمر قد بلغ الغاية، وتجاوز النهاية، ولم يبق للسان مقالٌ، ولا للفكر مجالٌ.
ولهذا كان العلامة، أفضلُ المحققين، خواجة نصير الدين الطوسي (قدّس الله نفسه) إذا ورد قبره الشريف للزيارة، قال في زيارته: السلام عليك يا مجهول القدر. "إنّما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه"، وما يعقلها إلاّ العالمون.
فسبحان من أنعم عليه عليه السّلام بهذا الفضل الجسيم (ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(1)، والحمد لله الذي خصّنا بولايته، وأكرمنا بمعرفته ومحبّته.
____________
1- الحديد : 21.