51 - القول في رؤية المحتضر الملائكة
والقول عندي في ذلك كالقول في رؤيته لرسول الله وأمير المؤمنين (ع)، و جائز أن يراهم ببصره بأن يزيد الله تعالى في شعاعه (1) ما يدرك به أجسامهم الشفافة الرقيقة، ولا يجوز مثل ذلك في رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) لاختلاف بين أجسامهما وأجسام الملائكة في التركيبات، وهذا مذهب جماعة من متكلمي الإمامية ومن المعتزلة البلخي وجماعة من أهل بغداد.
52 - القول في أحوال المكلفين من رعايا الأئمة (ع) بعد الوفاة
أقول: إنهم أربع طبقات: طبقة يحييهم الله ويسكنهم مع أوليائهم في الجنان، وطبقة يحيون ويلحقون بأئمتهم في محل الهوان، وطبقة أقف فيهم و أجوز حياتهم وأجوز كونهم على حال الأموات، وطبقة لا يحيون بعد الموت حتى النشور والمآب.
فأما الطبقة المنعمة فهم المستبصرون في المعارف المتمحصون للطاعات، وأما المعذبة (2) فهم المعاندون للحق المسرفون في اقتراف السيئات، وأما المشكوك في حياتهم وبقائهم مع الأموات فهم الفاسقون من أهل المعرفة والصلاة الذين اقترفوا الآثام على التحريم لها للشهوة دون العناد والاستحلال، وسوفوا التوبة منها فاخترموا دون ذلك فهؤلاء جائز من الله - عز وجل اسمه - رفع الموت عنهم لتعذيبهم في البرزخ على ما اكتسبوه من الأجرام وتطهيرهم بذلك منها قبل
____________
1 - في شفافه ألف.
2 - المعذبون ز.
وأما الطبقة الرابعة فهم المقصرون عن الغاية في المعارف عن غير عناد والمستضعفون من سائر الناس، وهذا القول على الشرح الذي أثبت هو مذهب نقلة الآثار من الإمامية وطريقه السمع وصحيح الأخبار وليس لمتكلميهم من قبل فيه مذهب مذكور.
53 - القول في نزول الملكين على أصحاب القبور
ومساءلتهما عن الاعتقاد
وأقول: إن ذلك صحيح وعليه إجماع الشيعة وأصحاب الحديث، و تفسير مجمله أن الله تعالى ينزل على من يريد تنعيمه بعد الموت ملكين اسمهما (مبشر) و (بشير) فيسألان عن ربه - جلت عظمته - وعن نبيه ووليه فيجيبهما بالحق الذي فارق الدنيا على اعتقاده والصواب، ويكون الغرض في مساءلتهما استخراج العلامة بما يستحقه من النعيم فيجدانها (3) منه في الجواب.
وينزل - جل جلاله - على من يريد تعذيبه في البرزخ ملكين اسماهما (ناكر) و (نكير) فيوكلهما بعذابه، ويكون الغرض من مساءلتهما له استخراج علامة استحقاقه من العذاب بما يظهر من جوابه من التلجلج عن الحق أو الخبر عن سوء
____________
1 - الإيمان ألف و ج ود.
2 - منطو ج.
3 - فيرداها ألف و ب.
54 - القول في تنعيم (1) أصحاب القبور وتعذيبهم، وعلى أي شئ
يكون الثواب لهم والعقاب، ومن أي وجه يصل إليهم ذلك،
وكيف تكون صورهم في تلك الأحوال؟
وأقول: إن الله تعالى يجعل لهم أجساما كأجسامهم في دار الدنيا ينعم مؤمنيهم فيها ويعذب كفارهم فيها وفساقهم فيها، دون أجسامهم التي في القبور يشاهدها الناظرون تتفرق وتندرس وتبلى على مرور الأوقات وينالهم ذلك في غير أماكنهم من القبور، وهذا يستمر على مذهبي في النفس ومعنى الانسان المكلف عندي هو الشئ المحدث القائم بنفسه الخارج عن صفات الجواهر والأعراض، ومعي به روايات عن الصادقين من آل محمد (ص)، و لست أعرف لمتكلم من الإمامية قبلي فيه مذهبا فأحكيه، ولا أعلم بيني وبين فقهاء الإمامية وأصحاب الحديث فيه اختلافا.
55 - القول في الرجعة
وأقول: إن الله - تعالى - يرد قوما من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي
____________
1 - تنعم ج.
56 - القول في الحساب وولاته والصراط والميزان
وأقول: إن الحساب هو موافقة العبد على ما أمر به في دار الدنيا وإنه يختص بأصحاب المعاصي من أهل الإيمان، وأما الكفار فحسابهم جزاؤهم
____________
1 - في نسخة ب زاد كلمة (كثيرا) بعد عليه السلام.
2 - العناد ب.
3 - كلمة (ظلمه) سقطت من نسخة ب.
4 - كلمة (القرآن) سقطت من ألف و ب.
وأقول: إن المتولي لحساب من ذكرت رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) والأئمة من ذريتهما - عليهم السلام - بأمر الله - تعالى - لهم بذلك وجعله إليهم تكرمة لهم وإجلالا لمقاماتهم وتعظيما على سائر العباد، وبذلك جاءت الأخبار المستفيضة عن الصادقين (ع) عن الله تعالى، وقد قال الله - عز وجل -:
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) يعني الأئمة (ع) على ما جاء في التفسير الذي لا شك في صحته ولا ارتياب.
وأقول: إن الصراط جسر بين الجنة والنار تثبت عليه أقدام المؤمنين وتزل عنه أقدام الكفار إلى النار، وبذلك جاءت أيضا الأخبار. وأما الميزان فهو التعديل بين الأعمال والمستحق عليها، والمعدلون في الحكم إذ ذاك هم ولاة الحساب من أئمة آل محمد (ص)، وعلى هذا القول إجماع نقلة الحديث من أهل الإمامة، وأما متكلموهم (1) من قبل فلم أسمع لهم في شئ منه كلاما.
57 - القول في الشفاعة
وأقول: إن رسول الله (ص) يشفع يوم القيامة في مذنبي أمته من الشيعة خاصة فيشفعه الله - عز وجل - ويشفع أمير المؤمنين (ع) في عصاه شيعته فيشفعه الله - عز وجل - وتشفع الأئمة (ع) في مثل ما ذكرناه من شيعتهم فيشفعهم و يشفع المؤمن البر لصديقه المؤمن المذنب فتنفعه شفاعته ويشفعه الله، وعلى هذا القول إجماع الإمامية إلا من شذ منهم، وقد نطق به القرآن وتظاهرت به
____________
1 - متكلمهم د.
58 - القول في البداء والمشية
وأقول: في معنى البداء ما يقول المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله من الإفقار بعد الاغناء، والأمراض بعد الاعفاء، والإماتة بعد الإحياء، وما يذهب إليه أهل العدل خاصة من الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال.
فأما إطلاق لفظ البداء فإنما صرت إليه بالسمع الوارد عن الوسائط بين العباد وبين الله - عز وجل -، ولو لم يرد به سمع اعلم صحته ما استجزت إطلاقه كما إنه لو لم يرد على سمع بأن الله تعالى يغضب ويرضى ويحب ويعجب لما أطلقت ذلك عليه - سبحانه -، ولكنه لما جاء السمع به صرت إليه على المعاني التي لا تأباها العقول، وليس بيني وبين كافة المسلمين في هذا الباب خلاف، وإنما خالف من خالفهم في اللفظ دون ما سواه، وقد أوضحت عن علتي في إطلاقه بما يقصر معه الكلام، وهذا مذهب الإمامية بأسرها وكل من فارقها في المذهب ينكره على ما وصفت من الاسم دون المعنى ولا يرضاه.
59 - القول في تأليف القرآن وما ذكر قوم من الزيادة فيه والنقصان
أقول: إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد (ص)، باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف
وأما النقصان فإن العقول لا تحيله ولا تمنع من وقوعه، وقد امتحنت مقالة من ادعاه، وكلمت عليه المعتزلة وغيرهم طويلا فلم اظفر منهم بحجة اعتمدها في فساده. وقد قال جماعة من أهل الإمامة إنه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتا في مصحف أمير المؤمنين (ع) من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله وذلك كان ثابتا منزلا وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز، وقد يسمى تأويل القرآن قرآنا قال الله تعالى: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما) فسمى تأويل القرآن قرآنا، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف.
وعندي أن هذا القول أشبه من مقال من ادعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل والله أسأل توفيقه للصواب.
وأما الزيادة فيه فمقطوع على فسادها من وجه ويجوز صحتها من وجه، فالوجه الذي أقطع على فساده أن يمكن لأحد من الخلق زيادة مقدار سورة فيه على حد يلتبس به عند أحد من الفصحاء، وأما الوجه المجوز فهو أن يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف والحرفان وما أشبه ذلك مما لا يبلغ حد الاعجاز، و يكون ملتبسا عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن، غير أنه لا بد متى وقع ذلك من أن
____________
1 - قوله يرتب بفتح الياء وسكون الراء وفتح التاء وسكون الباء مجزوم يرتاب مضارع ارتاب، و يمكن أن يقرء بضم الياء وفتح الراء وكسر التاء المشددة مضارع رتب يرتب ترتيبا، فعلى الأول الباء بمعنى في أي لم يرتب فيما ذكر، وعلى الثاني بمعنى على أي على ما ذكرنا والأول أنسب.
60 - القول في أبواب الوعيد
وأقول: في الوعيد ما قد تقدم حكايته عن جماعة الإمامية، وأقول بعد ذلك إن من عمل لله عملا وتقرب إلى الله بقربة أثابه على ذلك بالنعيم المقيم في جنات الخلود، وبنو نوبخت - رحمهم الله - يذهبون إلى أن كثيرا من المطيعين لله - سبحانه وتعالى - يثابون على طاعتهم في دار الدنيا وليس لهم في الآخرة من نصيب، ومعي على ما ذهبت إليه أكثر المرجئة وجماعة من الإمامية.
61 - القول في تحابط الأعمال
وأقول: إنه (1) لا تحابط بين المعاصي والطاعات ولا الثواب ولا العقاب وهو مذهب جماعة من الإمامية والمرجئة، وبنو نوبخت يذهبون إلى التحابط فيما ذكرناه ويوافقون في ذلك أهل الاعتزال.
____________
1 - إن الانحباط ب.
62 - القول في الكفار وهل فيهم من يعرف الله - عز وجل -
وتقع (1) منهم الطاعات؟
وأقول: إنه ليس يكفر بالله - عز وجل - من هو به عارف ولا يطيعه من هو لنعمته جاحد، وهذا مذهب جمهور الإمامية وأكثر المرجئة، وبنو نوبخت - رحمهم الله - يخالفون في هذا الباب، ويزعمون أن كثيرا من الكفار بالله تعالى عارفون، ولله تعالى في أفعال كثيرة مطيعون، وأنهم في الدنيا على ذلك يجازون ويثابون، ومعهم على بعض هذا القول المعتزلة وعلى البعض الآخر جماعة من المرجئة.
63 - القول في الموافاة
وأقول: إن من عرف الله تعالى وقتا من دهره وآمن به حالا من زمانه فإنه لا يموت إلا على الإيمان به، ومن مات على الكفر بالله تعالى فإنه لم يؤمن به وقتا من الأوقات، ومعي بهذا القول أحاديث عن الصادقين (ع) وإليه ذهب كثير من فقهاء الإمامية ونقلة الأخبار، وهو مذهب كثير من المتكلمين في الارجاء، وبنو نوبخت - رحمهم الله - يخالفون فيه ويذهبون في خلافه مذاهب أهل الاعتزال.
64 - القول في صغائر الذنوب
وأقول: إنه ليس في الذنوب صغيرة في نفسه وإنما يكون فيها
____________
1 - أو تقع ج.
65 - القول في العموم والخصوص
وأقول: إن لأخص الخصوص صورة في اللسان وليس لأخص العموم و لا لأعمه صيغة في اللغة، وإنما يعرف المراد منه بما (2) يقترن إليه من الأمارات، و هذا مذهب جمهور الراجية وكافة متكلمي الإمامية إلا من شذ عنها ووافق الراجية أهل الاعتزال.
66 - القول في الأسماء والأحكام
وأقول: إن مرتكبي الكبائر من أهل المعرفة والاقرار مؤمنون بإيمانهم بالله وبرسوله وبما جاء من عنده وفاسقون بما معهم من كبائر الآثام، ولا أطلق لهم اسم الفسق ولا اسم الإيمان بل أقيدهما جميعا في تسميتهم بكل واحد منهما، وامتنع من الوصف لهم بهما من الإطلاق وأطلق عليهم (3) اسم الاسلام بغير تقييد وعلى كل حال، وهذا مذهب الإمامية إلا بني نوبخت فإنهم خالفوا فيه وأطلقوا للفساق اسم الإيمان.
____________
كلمة (إلى غيره) ساقطة عن ألف.
2 - مما ب.
3 - إليهم د.
67 - القول في التوبة
وأقول: في التوبة بما قدمت ذكره عن جماعة الإمامية، ومن بعد ذلك إنها مقبولة من كل عاص ما لم ييأس من الحياة، قال الله - عز وجل -: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن، ولا الذين يموتون وهم كفار) وقوله سبحانه: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون). ولست أعلم بين أهل العلم كافة في هذا الباب اختلافا.
68 - القول في حقيقة التوبة
أقول: إن حقيقة التوبة هو الندم على ما فات على وجه التوبة إلى الله - عز وجل -، وشرطها هو العزم على ترك المعاودة إلى مثل ذلك الذنب في جميع حياته (1)، فمن لم يجمع في توبته من ذنبه ما ذكرناه فليس بتائب، وإن ترك فعل أمثال ما سلف منه من معاصي الله - عز وجل -، وهذا مذهب جمهور أهل العدل ولست أعرف فيه لمتكلمي الإمامية شيئا أحكيه (2)، وعبد السلام الجبائي ومن اتبعه يخالفون فيه.
____________
1 - صفاته ألف و ب و ج و هـ.
2 - ما أحكيه ألف.
69 - القول في التوبة من القبيح مع الإقامة على مثله في القبح
أقول: إن التوبة من ذلك تصح وإن اعتقد التائب قبح ما يقيم عليه إذا اختلفت الدواعي في المتروك والمعزوم (1) عليه، فأما إذا اتفقت الدواعي فيه فلا تصح التوبة منه، وهذا مذهب جميع أهل التوحيد سوى أبي هاشم الجبائي فإنه زعم أن التوبة لا تصح من قبيح مع الإقامة على ما يعتقد قبحه وإن كان حسنا فضلا عن أن يكون قبيحا.
70 - القول في التوبة من مظالم العباد
أقول: إن من شرط التوبة إلى الله سبحانه من مظالم العباد الخروج إلى المظلومين من حقوقهم بأدائها إليهم أو باستحلالهم منها على طيبة النفس بذلك والاختيار (2) له، فمن عدم منهم صاحب المظلمة وفقده خرج إلى أوليائه من ظلامته أو استحلهم منها على ما ذكرناه، ومن عدم الأولياء حقق (3) العزم على الخروج إليهم متى وجدهم واستفرغ الوسع في ذلك بالطلب في حياته والوصية له بعد وفاته، ومن جهل أعيان المظلومين أو مواضعهم (4) حقق العزم والنية في الخروج من الظلامة إليهم متى عرفهم وجهد وأجهد نفسه في التماسهم، فإذا خاف فوت ذلك بحضور أجله وصى به على ما قدمناه، ومن لم يجد طولا لرد
____________
1 - والمعدوم ألف و ب و هـ.
2 - ولا الاجبار ألف.
3 - حقق العدم ألف و ب.
4 - أو بواسطة منعهم ج.
والجملة في هذا الباب أنه يجب على الظالمين استفراغ الجهد مع التوبة في الخروج من مظالم العباد، فإنه إذا علم الله ذلك منهم قبل توبتهم وعوض المظلومين عنهم إذا عجز التائبون عن رد ظلاماتهم، وإن قصر التائبون من الظلم فيما ذكرناه كان أمرهم إلى الله - عز وجل - فإن شاء عاقبهم وإن شاء تفضل عليهم بالعفو والغفران، وعلى هذا إجماع أهل الصلاة من المتكلمين والفقهاء.
71 - القول في التوبة من قتل المؤمنين (1)
أقول: من قتل مؤمنا على وجه التحريم لدمه دون الاستحلال ثم أراد التوبة مما فعله فعليه أن يسلم نفسه إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا استقالوا منه وإن شاؤوا ألزموه الدية وإن شاؤوا عفوا عنه، وإن لم يفعل ذلك لم (2) تقبل توبته وإن فعله كانت توبته مقبولة وسقط عنه بها عقاب ما حناه. وبهذا نطق القرآن و عليه انعقد الإجماع، وإنما خالف فيه شذاذ من الحشوية والعوام. فأما القول فيمن استحل دماء المؤمنين وقتل منهم مؤمنا على الاستحلال فإن العقل لا يمنع من توبته وقبول التوبة منه، لكن السمع ورد عن الصادقين من أئمة الهدى (ع) أنه من فعل ذلك لم يوفق للتوبة أبدا ولم يتب على الوجه الذي يسقط عنه العقاب به مختارا لذلك غير مجبر ولا مضطر كما ورد الخبر عنهم (ع): (إن ولد
____________
1 - المؤمن ج وفي هـ قتل النفس.
2 - ذلك تقبل ب و هـ.
72 - باب القول في بيان العلم بالغائبات وما يجري مجراها من الأمور
المستنبطات، وهل يصح أن يكون اضطرارا أم جميعه من جهة الاكتساب؟
وأقول: إن العلم بالله - عز وجل - وأنبيائه (ع) بصحة دينه الذي ارتضاه و كل شئ لا يدرك حقيقته بالحواس ولا يكون المعرفة به قائمة في البداية وإنما يحصل بضرب من القياس لا يصح أن يكون من جهة الاضطرار، ولا يحصل على الأحوال كلها إلا من جهة الاكتساب (2) كما لا يصح وقوع العلم بما طريقه الحواس من جهة القياس ولا يحصل العلم في حال من الأحوال بما (3) في البداية من جهة القياس. وهذا قد تقدم زدنا فيه شرحا هيهنا للبيان، وإليه يذهب جماعة البغداديين ويخالف فيه البصريون من المعتزلة والمشبهة وأهل القدر و الارجاء.
____________
1 - الانقياد ج وألف وب.
2 - الاختيار ج.
3 - بها د.
73 - القول في العلم بصحة الأخبار وهل يكون فيه (1) اضطرار
أم جميعه اكتساب؟
وأقول: إن العلم بصحة جميع الأخبار طريقه الاستدلال وهو حاصل من جهة الاكتساب، ولا يصح وقوع شئ منه بالاضطرار، والقول فيه كالقول في جملة الغائبات. وإلى هذا القول يذهب جمهور البغداديين ويخالف فيه البصريون والمشبهة وأهل الاجبار (2).
74 - القول في حد التواتر من الأخبار
وأقول: إن التواتر المقطوع بصحته في الأخبار هو نقل الجماعة التي يستحيل في العادة أن تتواطأ على افتعال خبر فينطوي ذلك ولا يظهر على البيان، وهذا أمر يرجع إلى أحوال الناس واختلاف دواعيهم وأسبابهم، والعلم بذلك راجع إلى المشاهدة (3) والوجود، وليس يتصور للغائب (4) عن ذلك بالعبارة والكلام. وهذا مذهب أصحاب التواتر من البغداديين ويخالف فيه البصريون و يحدونه بما أوجب علما على الاضطرار.
____________
1 - منه ب.
2 - الأخبار د و هـ.
3 - المشاهدات د.
4 - التعاقب ألف التعبير ج.
75 - القول فيما يدرك بالحواس، وهل العلم به من فعل الله تعالى
أو فعل العباد؟
وأقول: إن العلم بالحواس على ثلاثة أضرب: فضرب هو من فعل الله تعالى، وضرب من فعل الحاس، وضرب من فعل غيره من العباد.
فأما فعل الله تعالى فهو ما حصل للعالم به عن سبب من الله تعالى كعلمه بصوت الرعد ولون البرق (1) ووجود الحر والبرد وأصوات الرياح وما أشبه ذلك مما يبدو (2) للحاس من غير أن يتعمل (3) لإحساسه ويكون بسبب من الله سبحانه ليس للعباد فيه اختيار.
فما فعل الحاس فهو ما حصل له عقيب فتح بصره أو الإصغاء بأذنه أو التعمل (4) لإحساسه بشئ من حواسه أو بفعله السبب الموجب لإحساس المحسوس وحصول العلم به.
وأما فعل غير الحاس من العباد فهو ما حصل للحاس بسبب من بعض العباد كالصائح بغيره وهو غير متعمل (5) لسماعه أو المولم له فلا يمتنع من العلم بالألم عند إيلامه وما أشبه ذلك. وهذا مذهب جمهور المتكلمين من أهل بغداد ويخالف فيه من سميناه.
____________
1 - كلمة لون البرق غير موجود في ألف و ب 2 - يبدؤه ذو الحاسة ب يبديه ألف.
3 - يتعمد ب ود.
4 - التعمد ب.
5 - متعمد ألف معتمل د.
76 - القول في أهل الآخرة، وهل هم مأمورون أو غير مأمورين؟
وأقول: إن أهل الآخرة مأمورون (1) بعقولهم بالسداد، ومحسن لهم ما حسن لهم في دار الدنيا من الرشاد، وإن القلوب لا تنقلب عما هي عليه الآن و لا تتغير عن حقيقتها على كل حال. وهذا مذهب متكلمي أهل بغداد ويخالف فيه البصريون ومن ذكرناه.
77 - القول في أهل الآخرة، وهل هم مكلفون أو غير مكلفين؟
وأقول: إن أهل الآخرة صنفان:
فصنف منهم في الجنة وهم فيها مأمورون بما يؤثرون (2) ويخف على طباعهم ويميلون إليه ولا يثقل عليهم من شكر المنعم سبحانه وتعظيمه و حمده على تفضله عليهم وإحسانه إليهم وما أشبه ذلك من الأفعال، وليس الأمور لهم بما وصفناه إذا كانت الحال فيه ما ذكرناه تكليفا لأن التكليف إنما هو إلزام ما يثقل على الطباع ويلحق بفعله المشاق.
والصنف الآخر في النار وهم من العذاب وكلفه ومشاقه وآلامه على ما لا يحصى من أصناف التكليف للأعمال، وليس يتعرون من الأمر والنهي بعقولهم (3) حسب ما شرحناه، وهذا قول الفريق الذي قدمناه ويخالف فيه من الفرق من سميناه وذكرناه.
____________
كلمة (مأمورون) سقطت من ألف.
2 - يؤمرون ألف و ب.
3 - يقول هم ألف.
78 - القول في أهل الآخرة، وهل هم مختارون لأفعالهم أو مضطرون
أم ملجئون على ما يذهب إليه أهل الخلاف؟
وأقول: إن أهل الآخرة مختارون لما يقع منهم من الأفعال وليسوا مضطرين ولا ملجئين وإن كان لا يقع منهم الكفر (1) والعناد.
وأقول: إن الذي يرفع توهم وقوع الفساد منهم وقوع (2) دواعيهم إليه لا ما ذهب إليه من خالف في ذلك من الالجاء والاضطرار. وهو مذهب متكلمي البغداديين، وكان أبو الهذيل العلاف يذهب إلى أن أهل الآخرة مضطرون إلى الأفعال، والجبائي وابنه يزعمان أنهم ملجئون إلى الأعمال.
79 - القول في أهل الآخرة وهل يقع منهم قبيح من الأفعال؟
أقول: إن أهل الآخرة صنفان:
فصنف من أهل الجنة مستغنون عن فعل القبيح، ولا يقع منهم شئ منه على الوجوه كلها والأسباب، لتوفر دواعيهم إلى محاسن الأفعال وارتفاع دواعي فعل القبيح عنهم على كل حال.
والصنف الآخر من أهل النار قد يقع منهم القبيح على غير العناد، قال الله
____________
1 - الكفر والإيمان والعناد ألف.
2 - اتفقت النسخ على وجود كلمة وقوع هنا، مع إن المعنى على هذا أن دواعي أهل الآخرة تقع على الفساد، وهذا خلاف الواقع وخلاف مراد المفيد قده فإن مراده قد عدم تحقق دواعيهم إلى الفساد، وعليه فإما، أن يحمل على سقوط كلمة (عدم) هنا يعني عدم وقوع الخ أو يكون الوقوع بمعنى الزوال والسقوط كما عن مجمع البحرين نظير قوله تعالى وظنوا أنه واقع بهم.
80 - القول في المقطوع والموصول
وأقول: إن كل عمل ذي أجزاء من الفعل أمر الله تعالى بالإتيان به على الكمال وجعله مفترضا وسنة يستحق به الثواب كالصلاة والصيام والزكاة والحج وأشباه ذلك من الطاعات، ثم علم سبحانه أن العبد يقطعه قبل تمامه مختارا أو يفسده متعمدا ترك كماله، فإنه لا يقع منه شئ على وجه القربة إليه - جل اسمه -، ومتى ابتدء به لقربة الله تعالى في الحقيقة فلن يقطعه فاعله مختارا ولن يفسده بترك كماله متعمدا ولا بد أن يصله حتى يأتي به على نظامه مؤثرا لذلك مختارا. وهذا الباب لاحق بباب الموافاة في معناه. وهو مذهب هشام بن الفوطي من المعتزلة وزرارة بن أعين ومحمد بن الطيار و جماعة كثيرة من متكلمي الإمامية، ويخالف فيه جمهور المعتزلة وسائر الزيدية وأكثر أهل التشبيه وطوائف من المرجئة.
81 - القول في حكم الدار
وأقول: إن الحكم في الدار على الأغلب فيها وكل موضع غلب فيه الكفر فهو دار كفر، وكل موضع غلب فيه الإيمان فهو دار إيمان، وكل موضع غلب فيه الاسلام دون الإيمان فهو دار إسلام. قال الله تعالى في وصف الجنة:
(ولنعم دار المتقين). وإن كان فيها أطفال ومجانين، وقال في وصف النار:
(سأريكم دار الفاسقين). ون كان فيها ملائكة الله مطيعون فحكم على كلتا الدارين بحكم الأغلب فيها.
وأقول: لما وصفت أن كل صقع من بلاد الاسلام ظهرت فيه الشهادتان (1) والصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وزكاة الأموال واعتقاد فرض الحج إلى البيت الحرام ولم يظهر فيه القول بإمامة آل محمد - عليهم السلام - أنه دار إسلام لا دار إيمان، وإن كل صقع من بلاد الاسلام كثر أهله أو قل عددهم ظهرت فيه شرائع الاسلام والقول بإمامة آل محمد - عليهم السلام - فهو دار إسلام ودار إيمان. وقد تكون الدار عندي دار كفر ملة وإن كانت دار إسلام، ولا يصح أن تكون كذلك وهي دار إيمان. وهذا مذهب جماعة من نقلة الأخبار من شيعة آل محمد - عليهم السلام - وعلى جمل مقدماته وأصوله التي ذكرت جماعة كثيرة من أهل الاعتزال.
____________
1 - من هنا إلى كلمة القول أعني (الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وزكاة الأموال واعتقاد فرض الحج إلى البيت الحرام ولم يظهر فيه) سقطت من نسخة ألف و ب ود و هـ والأصح وجوده.