الصفحة 115
ليست رغبة (1) في فعل الكافرين من القتل بالمؤمنين لأن ذلك فسق وضلال، و الله تعالى يجل عن ترغيب عباده في أفعال الكافرين من القتل وأعمال (2) الظالمين.

وإنما يطلق لفظ الرغبة في الشهادة على المتعارف من إطلاق لفظ الرغبة في الثواب، وهو فعل الله تعالى فيمن وجب (3) له بأعماله الصالحات، وقد يرغب أيضا الانسان إلى الله تعالى في التوفيق لفعل بعض مقدوراته، فتعلق (4) الرغبة بذكر نفس فعله دون التوفيق كما يقول الحاج: (اللهم ارزقني العود إلى بيتك الحرام) والعود فعله وإنما يسأل التوفيق لذلك والمعونة عليه، ويقول:

(اللهم ارزقني الجهاد وأرزقني صوم شهر رمضان) وإنما مراده من ذلك المعونة على الجهاد والصيام، وهذا مذهب أهل العدل كافة وإنما خالف فيه أهل القدر والاجبار.

121 - القول في النصر والخذلان

وأقول: إن النصر من الله تعالى يكون على ضربين: أحدهما إقامة الحجة وإيضاح البرهان على قول المحق، وذلك أوكد الألطاف في الدعاء إلى اتباع المحق، وهو النصر الحقيقي قال الله تعالى: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة

____________

1 - الرغبة د و هـ.

2 - أعمال الضالين ألف عطف على افعال الكافرين.

3 - أوجب ألف.

4 - فتتعلق ألف.


الصفحة 116
الدنيا ويوم يقوم الاشهاد). وقال - جل اسمه -: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز). فالغلبة هيهنا بالحجة خاصة وما يكون من الانتصار في العاقبة لوجود كثير (1) من رسله قد قهرهم الظالمون وسفك دمائهم المبطلون. و الضرب الثاني تثبيت نفوس المؤمنين في الحروب وعند لقاء الخصوم وإنزال السكينة عليهم، وتوهين أمر أعدائهم، وإلقاء الرعب في قلوبهم، وإلزام الخوف والجزع أنفسهم، ومنه الإمداد بالملائكة وغيرهم من الناصرين بما يبعثهم إليه من ألطافه وأسباب توفيقاته على ما اقتضته العقول ودل عليه الكتاب المسطور.

والخذلان أيضا على ضربين: كل واحد منهما نقيض ضده من النصر و على خلافه في الحكمة. وهذا مذهب أهل العدل كافة من الشيعة والمعتزلة و المرجئة والخوارج والزيدية، والمجبرة بأجمعهم على خلافه لأنهم يزعمون أن النصر هو قوة المنصور والخذلان هو استطاعة العاصي المخذول، وإن كان لهم بعد ذلك فيها تفصيل.

122 - القول في الطبع والختم

وأقول: إن الطبع من الله تعالى على القلوب والختم بمعنى واحد وهو الشهادة عليها بأنها لا تعي الذكر مختارة ولا تعتمد على الهدى مؤثرة لذلك غير مضطرة، وذلك معروف (2) في اللسان، ألا ترى إلى قولهم: (ختمت على فلان

____________

1 - كثرة ألف و ب.

2 - وذلك معرفة في اللسان ألا ترى إلى قلوبهم ختمت ألف وفي بعض النسخ زيادة جملة (قطعت بذلك) هنا وهي زيادة مفسدة للمعنى.


الصفحة 117
بأنه لا يفلح) يريدون بذلك قطعت (1) بذلك شهادة عليه وأخبرت به عنه وأن الطبع على الشئ إنما هو علامة للطابع عليه. وإذا كانت الشهادة من الله تعالى على الشئ علامة لعباده جاز أن يسمى طبعا وختما. وهذا مستمر على أصول أهل العدل، ومذاهب المجبرة بخلافه.

123 - القول في الولاية والعداوة

وأقول: إن ولاية العبد لله بخلاف ولاية الله سبحانه له وعداوته له بخلاف عداوته إياه. فأما ولاية العبد لله - عز وجل - فهي الانطواء على طاعته والاعتقاد بوجوب شكره وترك معصيته وذلك عندي لا يصح إلا بعد المعرفة به. وأما ولاية الله تعالى لعبده (2) فهو إيجابه لثوابه ورضاه لفعله، وأما (3) عداوة العبد لله سبحانه فهي كفره به وجحده لنعمه وإحسانه وارتكاب معاصيه على العناد لأمره والاستخفا لنهيه، وليس يكون منه شئ من ذلك إلا مع الجهل به. وأما عداوة الله تعالى للعبد فهي إيجاب دوام العقاب له و إسقاط استحقاق الثواب على شئ من أفعاله والحكم بلعنته والبراءة منه ومن أفعاله.

____________

1 - ظاهر العبارة أن المجبرة تنكر المعنى الذي ذكرنا للطبع والختم بأن الله تعالى يشهد لها بأنها لا تؤمن أو لا تعي الذكر ولكن مراد الشيخ إنهم يخالفوننا في القيد الأخير الذي ذكره وهو قوله (مختارة وقوله مؤثرة لذلك غبر مضطرة) فإنهم مضافا إلى اعترافهم بالطبع والختم في مقام الأخبار يدعون الطبع والختم التكوينيين المستلزمين لسلب الاختيار من العبد أيضا.

2 - بعيده ز.

3 - كلمة وأما سقطت عن بعض النسخ.


الصفحة 118
وأقول مع هذا: إن الولاية من الله تعالى للمؤمن قد تكون في حال إيمانه والعداوة منه للكافر تكون أيضا في حال كفره وضلاله، وهذا مذهب يستقيم على أصول أهل العدل والإرجاء، وقد ذهب إلى بعضه (1) المعتزلة خاصة، و للمجبرة في بعضه (2) وفاق ومجموعه لمن جمع بين القولين بالعدل ومذهب أصحاب الموافاة من الراجية. فأما القول بأن الله سبحانه قد يعادي من تصح موالاته له من بعد ويوالي من يصح أن يعاديه فقد سلف قولنا فيه في باب الموافاة.

124 - القول في التقية

وأقول: إن التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس، وقد تجوز في حال دون حال للخوف على المال ولضروب من الاستصلاح، وأقول إنها قد تجب أحيانا وتكون فرضا، وتجوز أحيانا من غير وجوب، وتكون في وقت أفضل من تركها ويكون تركها أفضل وإن كان فاعلها معذورا ومعفوا عنه متفضلا عليه بترك اللوم عليها.

فصل (3) - وأقول، إنها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح، وليس يجوز من الأفعال في قتل المؤمنين ولا فيما يعلم أو يغلب إنه استفساد في الدين. وهذا مذهب يخرج عن أصول

____________

1 - نقضة ألف.

2 - نقضه ألف و ب.

3 - كلمة فصل سقطت عن ب ومكانه بياض.


الصفحة 119
أهل العدل وأهل الإمامة خاصة دون المعتزلة والزيدية والخوارج والعامة المتسمية بأصحاب الحديث.

125 - القول في الاسم والمسمى

وأقول: إن الاسم غير المسمى كما تقدم من القول في الصفة وأنها في الحقيقة غير الموصوف وهذا مذهب يشترك فيه الشيعة والمعتزلة جميعا و يخالفهم في معناه العامة والمجبرة من أهل التشبيه.

126 - القول في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وأقول: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان فرض على الكفاية بشرط الحاجة إليه لقيام الحجة على من لا علم لديه إلا بذكره، أو حصول العلم بالمصلحة به، أو غلبة الظن بذلك فأما بسط اليد فيه فهو متعلق بالسلطان و إيجابه على من يندبه له وإذنه فيه، ولن يجوز تغيير (1) هذا الشرط المذكور. و هذا مذهب متفرع على القول بالعدل والإمامة دون ما عداهما.

127 - القول فيمن قضى فرضا بمال حرام هل يسقط بذلك عنه أم لا؟

وأقول: (إن فرائض الله تعالى غير مجزية لمن ارتكب نهيه في حدودها لأنها إنما تكون مؤداة (2) بامتثال أمره فيها على الوجه الذي يستحق الثواب

____________

1 - بغير ز.

2 - مرادة ألف و ج ود.


الصفحة 120
عليها، فإذا خالف المكلف فيها الحد وتعدى الرسم وأوقع الفعل على الوجه الذي نهى عنه كان عاصيا آثما وللعقاب واللوم مستحقا، ومحال أن يكون فرائض الله سبحانه معاصي (1) له والقرب إليه خلافا عليه وما يستحق به الثواب هو الذي يجب به العتاب.

فثبت أن فرائض الله - جل اسمه - لا تؤدي إلا بالطاعات في حدودها، و ترك الخلاف عليه في شروطها. فأما ما كان مفعولا على وجه الطاعة، سليما في شروطه وحدوده وأركانه من خلاف الله تعالى فإنه يكون مجزيا وإن تعلق بالوجود بأفعال قبيحة لا تؤثر فيما ذكرناه من الحدود للفرض والأركان، وهذا أصل يتميز بمعرفته ما يجزي من الأعمال مما لا يجزي منها من المشتبهات، وهو مذهب جمهور الإمامية وكثير من المعتزلة وجماعة من أصحاب الحديث.

128 - القول في معاونة الظالمين والأعمال من قبلهم والمتابعة لهم
والاكتساب منهم والانتفاع بأموالهم

وأقول: إن معاونة الظالمين على الحق وتناول الواجب لهم جايز ومن أحوال واجب، وأما معونتهم على الظلم والعدوان فمحظور لا يجوز مع الاختيار.

وأما التصرف معهم في الأعمال فإنه لا يجوز إلا لمن أذن له إمام الزمان وعلى ما يشترطه عليه في الفعال، وذلك خاص لأهل الإمامة دون من سواهم لأسباب يطول بشرحها الكتاب. وأما المتابعة لهم فلا بأس. بها فيما لا يكون ظاهره تضرر (2) أهل الإيمان واستعماله على الأغلب في العصيان. وأما الاكتساب

____________

معارض ألف.

2 - لضرر ألف و ب و ج و هـ.


الصفحة 121
منهم فجايز على ما وصفناه والانتفاع بأموالهم وإن كانت مشوبة حلال (1) لمن سميناه من المؤمنين خاصة دون من عداهم من ساير الأنام. فأما ما في أيديهم من أموال أهل المعرفة على الخصوص إذا كانت معينة محصورة فإنه لا يحل لأحد تناول شئ منها على الاختيار، فإن اضطر إلى ذلك كما يضطر إلى الميتة والدم جاز تناوله لإزالة الاضطرار دون الاستكثار منه على ما بيناه. وهذا مذهب مختص بأهل الإمامة خاصة، ولست أعرف لهم فيه موافقا لأهل الخلاف.

129 - القول في الإجماع

وأقول: إن إجماع الأمة حجة لتضمنه قول الحجة، وكذلك إجماع الشيعة حجة لمثل ذلك دون الإجماع (2). والأصل في هذا الباب ثبوت الحق من جهته بقول الإمام القائم مقام النبي (ص)، فلو قال وحده قولا لم يوافقه عليه أحد من الأنام لكان كافيا في الحجة والبرهان. وإنما جعلنا الإجماع حجة به وذكرناه لاستحالة حصوله إلا وهو فيه إذ هو أعظم الأمة قدرا وهو المقدم على سائرها في الخيرات ومحاسن (3) الأقوال والأعمال. وهذا مذهب أهل الإمامة خاصة، ويخالفهم فيه المعتزلة والمرجئة والخوارج وأصحاب الحديث من القدرية و أهل الاجبار.

____________

1 - راجع الوسائل ج 5 الباب الثالث والرابع من أبواب الأنفال ص 375 إلى 386.

2 - الاجتماع ز.

3 - الأحوال والأقوال والأعمال ألف.


الصفحة 122

130 - القول في أخبار الآحاد

وأقول: إنه لا يجب العلم ولا العمل بشئ من أخبار الآحاد، ولا يجوز لأحد أن يقطع بخبر الواحد في الدين إلا أن يقترن به ما يدل على صدق راويه على البيان. وهذا مذهب جمهور الشيعة وكثير من المعتزلة والمحكمة وطائفة من المرجئة وهو خلاف لما عليه متفقهة العامة وأصحاب الرأي.

131 - القول في الحكاية والمحكي

وأقول: إن حكاية القرآن قد يطلق عليها اسم القرآن وإن كانت في المعنى غير المحكي على البيان، وكذلك حكاية كل كلام يسمى به على الإطلاق، فيقال لمن حكى شعر النابغة: (فلان أنشد شعر النابغة) و (سمعنا من فلان شعر زهيرا) كما يقال لمن امتثل أمر رسول الله (ص) في الدين وعمل به: (فلان يدين بدين رسول الله (ص) (فيطلقون هذا القول إطلاقا من دون تقييد وإن كان المعنى فيه مثل ما ذكرناه من الحكاية على التحقيق وهذا مذهب جمهور المعتزلة، و يخالف فيه أهل القدر من المجبرة.

132 - القول في ناسخ القرآن ومنسوخه

وأقول: إن في القرآن ناسخا ومنسوخا كما أن فيه محكما ومتشابها بحسب ما علمه الله من مصالح العباد. قال الله - عز اسمه -: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير، منها أو مثلها). والنسخ عندي في القرآن إنما هو نسخ متضمنه من الأحكام وليس هو رفع أعيان المنزل منه كما ذهب إليه كثير من

الصفحة 123
أهل الخلاف، ومن المنسوخ (1) في القرآن قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) وكانت العدة بالوفاة بحكم هذه الآية حولا ثم نسخها قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا). واستقر هذا الحكم باستقرار شريعة الاسلام، وكان (2) الحكم الأول منسوخا والآية به ثابتة غير منسوخة وهي قائمة في التلاوة كناسخها بلا اختلاف. وهذا مذهب الشيعة و جماعة من أصحاب الحديث وأكثر المحكمة والزيدية، ويخالف فيه المعتزلة و جماعة من المجبرة، ويزعمون أن النسخ قد وقع في أعيان الآي كما وقع في الأحكام، وقد خالف الجماعة شذاذ انتموا إلى الاعتزال، وأنكروا نسخ ما في القرآن على كل حال. وحكى عن قوم منهم أنهم نفوا النسخ في شريعة الاسلام على العموم، وأنكروا أن يكون الله نسخ منها شيئا على جميع الوجوه والأسباب.

133 - القول في نسخ القرآن بالسنة

وأقول: إن القرآن ينسخ بعضه بعضا ولا ينسخ شيئا منه السنة بل تنسخ السنة به كما تنسخ السنة بمثلها من السنة قال الله عز وجل: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) وليس يصح أن يماثل كتاب الله تعالى غيره، ولا يكون في كلام أحد من خلقه خير منه، ولا معنى لقول أهل الخلاف

____________

1 - وهو المنسوخ ألف.

2 - وكان حكم الحول منسوخا ب.


الصفحة 124
(نأت بخير منها) في المصلحة، لأن الشئ لا يكون خيرا من صاحبه بكونه أصلح منه لغيره، ولا يطلق ذلك في الشرع ولا تحقيق اللغة ولو كان ذلك كذلك لكان العقاب خيرا من الثواب، وإبليس خيرا من الملائكة والأنبياء، وهذا فاسد محال.

والقول بأن السنة لا تنسخ القرآن مذهب أكثر الشيعة وجماعة من المتفقهة وأصحاب الحديث ويخالفه كثير من المتفقهة والمتكلمين.

134 - القول في خلق الجنة والنار

وأقول: إن الجنة والنار في هذا الوقت مخلوقتان، وبذلك جاءت الأخبار وعليه إجماع أهل الشرع والآثار، وقد خالف في هذا القول المعتزلة والخوارج و طائفة من الزيدية، فزعم أكثر من سميناه أن ما ذكرناه من خلقهما من قسم الجايز دون الواجب، ووقفوا في الوارد به من الآثار وقال من بقي (1) منهم بإحالة خلقهما.

واختلفوا في الاعتلال، فقال أبو هاشم بن الجبائي إن ذلك محال لأنه لا بد من فناء العالم قبل نشره وفناء بعض الأجسام فناء لسايرها، وقد انعقد الإجماع على أن الله تعالى لا يفني الجنة والنار، وقال الآخرون وهم المتقدمون لأبي (2) هاشم خلقهما في هذا الوقت عبث لا معنى له، والله تعالى لا يعبث في فعله ولا يقع منه الفساد.

____________

1 - نفي منهم د من نفى ذلك منهم هـ.

2 - اللام بمعنى على، يعني المتقدمون على أبي هاشم، لأن رأي أبي هاشم قد ذكره قبلا. وفي نسخة ألف و ج ود كأبي هاشم، وهذا لا يستقيم لما مر من ذكر رأي أبي هاشم ودليله.


الصفحة 125

135 - القول في كلام الجوارح ونطقها وشهادتها

وأقول: إن ما تضمنه القرآن من ذكر ذلك. إنما هو على الاستعارة دون الحقيقة، كما قال الله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين). ولم يكن منهما نطق على التحقيق. وهذا مذهب أبي القاسم البلخي وجماعة من أهل العدل ويخالف فيه كثير من المعتزلة وساير المشبهة والمجبرة.

136 - القول في تعذيب الميت ببكاء الحي عليه

وأقول: إن هذا جور لا يجوز في عدل الله تعالى وحكمته، وإنما الخبر فيه أن النبي (ص) مر بيهودي قد مات وأهله يبكون عليه، فقال إنهم يبكون عليه وإنه ليعذب ولم يقل إنه معذب من أجل بكائهم عليه. وهذا مذهب أهل العدل كافة ويخالف فيه أهل القدر والاجبار.

137 - القول في كلام عيسى - عليه السلام - في المهد

وأقول: إن كلام عيسى (ع) كان على كمال عقل وثبوت تكليف وبعد أداء واجب كان منه ونبوة حصلت له، وظاهر الذكر دليل على ذلك في قوله تعالى: (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا)، وهذا مذهب أهل الإمامة بأسرها وجماعة من أهل الشيعة غيرها، قد ذهب إليه نفر من المعتزلة وكثير من أصحاب الحديث وخالف فيه الخوارج وبعض الزيدية وفرق من المعتزلة.


الصفحة 126

138 - القول في كلام المجنون والطفل
وهل يكون فيه كذب أو صدق أم لا؟

وأقول: إنه قد يكون ذلك فيما يتخصص في اللفظ باسم معين إذ هو معنى مخصوص كقول القائل: (رب العالمين واحد) و (خالق الخلق بأسرهم اثنان) أو (محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صادق، أو (موسى بن عمران المبعوث على بني إسرائيل كاذب) (1) وما أشبه ذلك. فأما المبهم من الأخبار في الألفاظ والمعاني فإنه لا يحكم عليه بالصدق والكذب حتى يعلم القصد من قائله والنية فيه. وهذا مذهب جماعة من أهل العدل منهم أبو القاسم البلخي، و يذهب إليه قوم من الشيعة العدلية وطائفة من المرجئة، وقد خالف فيه بعض المعتزلة وجماعة من الخوارج وأصحاب الحديث.

139 - القول في ماهية الكلام

وأقول: إن الكلام هو تقطيع الأموات ونظامها على وجه يفيد المعاني المعقولات والأصوات عندي ضرب من الأعراض وليس يصح على الكلام البقاء من حيث يستحيل ذلك على الأعراض كلها، ولأنه لو بقي الكلام لم يكن ما تقدم من حروف الكلمة أولى بالتأخر ولا المتأخر أولى بالتقدم وكان ذلك يؤدي إلى فساد الكلام وارتفاع التفاهم به على كل حال. وهذا مذهب جماعة من المعتزلة وخالف فيه بعضهم وساير المشبهة.

____________

1 - كاذب العياذ بالله ألف.


الصفحة 127

140 - القول في التوبة من المتولد قبل وجوده أو بعده

وأقول: إنه لا يصلح التوبة من شئ من الأفعال قبل وجودها سواء كانت مباشرة أو متولدة وإن (1) من فعل سببا أوجب به مسببا ثم ندم على فعل السبب قبل وجود المسبب فقد سقط عنه عقابه وعقاب المسبب وإن لم يكن نادما في الحقيقة على المسبب ليس لأنه مصر عليه أو متهاون به لكن (2) لأنه لا يصح له الندم مما لم يخرج إلى الوجود والتوبة مما لم يفعله بعد، غير إنه متى خرج إلى الوجود ولم يمنعه مانع من ذلك فإن التوبة منه واجبة إذا كان فاعله متمكنا، وهذا مذهب جمهور أصحاب التولد وقد خالفهم فيه نفر من أهله، و زعموا أن التوبة من السبب توبة من المسبب. وقال بعضهم إنه بفعله المسبب يكون كالفاعل للمسبب، ولذلك (3) يجب عليه التوبة منه، والقولان جميعا باطلان لأن التوبة من الشئ لا يكون توبة من غيره، وقد ثبت أن السبب غير المسبب ولأن السبب قد يوجد ولا يخرج المسبب إلى الوجود بمانع يمنعه منه.

141 - القول في الزيادات في اللطيف
القول في الأجسام
هل تدرك ذواتها أو أعراضها أو هما معا؟

وأقول: إن الادراك واقع بذوات الأجسام وأعيان الألوان والأكوان، و

____________

1 - في بعض النسخ أو من فعل د.

2 - كلمتا به ولكن ليستا في ألف.

3 - وكذلك د و ج.


الصفحة 128
ذلك لما يحصل للنفس من العلم بوجود الذاهب في الجهات حسا وليس يصح على الأعراض الذهاب في الجهات، كما إنه قد يدرك الشئ على ما وصفناه فقد يدرك فيه ما يقبض البصر ويبسطه ويدرك ما يكون في مكانه ويخرج به عنه، ولا فرق بين من زعم أن الادراك إنما هو للألوان والأكوان دون الجواهر والأجسام، وبين من قلب القضية وزعم أن الادراك إنما هو للأجسام (1) دون ذلك، بل قول هذا الفريق أقرب لأن كثيرا من العقلاء قد شكوا في وجود الأعراض ولم يشك أحد منهم في وجود الأجسام وإن ادعى بعضهم أنها مؤلفة من أعراض. وهذا مذهب جمهور أهل النظر، وقد خالف فيه فريق منهم.

142 - القول في الأجسام هل يصح أن يتحرك جميعها بحركة بعضها؟

وأقول: إنه لا يصح ذلك كما لا يصح أن يسود جميعها بسواد بعضها و لا يبيض ولا يجتمع ولا يتفرق، ولأن المتحرك هو ما قطع المكانين، ومحال أن يكون اللابث قاطعا. وهذا مذهب جماعة كثيرة من أهل النظر، وقد خالف فيه كثير أيضا منهم وهو مذهب أبي القاسم البلخي وغيره من المتقدمين.

____________

1 - من هنا إلى كلمة وإن ادعى يعني جملة (دون ذلك بل قول هذا الفريق أقرب لأن كثيرا من العقلاء قد شكوا في وجود الأعراض ولم يشك أحد منهم في وجود الأجسام) سقطت عن نسخة ألف و ب و هـ.


الصفحة 129

143 - القول في الثقيل
هل يصح وقوفه (1) في الهواء الرقيق بغير علاقة ولا عماد؟

وأقول: إن ذلك محال لا يصح ولا يثبت، والقول به مؤد إلى اجتماع المضادات، وهذا مذهب أبي القاسم البلخي وجماعة من المعتزلة وأكثر الأوائل، وخالفهم فيه البصريون من المعتزلة، وقد حكي أنه لم يخالف فيه أحد من المعتزلة إلا الجبائي وابنه وأتباعهما.

144 - القول في الجزء الواحد
هل يصح أن توجد فيه حركتان (2) في وقت واحد؟

وأقول: إن ذلك محال لا يصح من قبل أن وجود الحركة الواحدة يوجب خروج الجسم من مكانه إلى ما يليه، فلو وجدت فيه الحركتان لم يخل القول في ذلك من أحد وجهين: إما أن يقطع بهما (3) مكانين في حالة واحدة وذلك محال، أو أن يقطع بإحديهما ولا يكون للأخرى تأثير وذلك أيضا فاسد محال، ولا معنى لقول من قال إن تأثيرها سرعة قطعه للمكان لأن السرعة إنما تكون في توالي قطع الأماكن دون القطع الواحد للمكان الواحد. وهذا مذهب أبي القاسم وجماعة كثيرة من أهل النظر، وقد خالف فيه فريق من المعتزلة و جماعة من أصحاب الجهالات.

____________

1 - وقوعه ز.

2 - حركات ألف.

3 - منهما ألف و ب.


الصفحة 130

145 - القول في الجسم
هل يصح أن يتحرك بغير دافع؟

وأقول: إنه لو صح ذلك بأن توجد فيه الحركة اختراعا كما يزعم المخالف لصح وقوف جبل أبي قبيس (1) في الهواء بأن يخترع فيه السكون من غير دعامة ولا علاقة، ولو صح ذلك لصح أن يعتمد الحجر الصلب الثقيل على الزجاج الرقيق وهما بحالهما فلا ينكسر الزجاج وتتخلل النار أجزاء القطن وهما على حالهما فلا تحرقه، وهذا كله تجاهل يؤدي إلى كل محال فاسد، وإلى هذا القول كان يذهب أبو القاسم وجماعة الأوائل وكثير من المعتزلة، وإنما خالف فيه أبو علي الجبائي وأبو هاشم ابنه ومن تبعهما.

146 - القول في الحركات
هل يكون بعضها أخف من بعض؟

وأقول: إن ذلك محال لما قدمت من القول في استحالة وجود الحركتين في جزء واحد في حال واحد، وإنما يصح القول في المتحرك بأنه (2) أخف من متحرك غيره وأسرع، ولا يستحيل في ذلك في الأجسام. وهذا أيضا بذهب أبي القاسم وأكثر أهل النظر، وقد خالف فيه فريق من الدهرية. وغيرهم.

____________

جبل إلى هذا القول في الهواء ألف.

2 - لأنه هـ.


الصفحة 131

147 - القول في ترك الانسان ما لم يخطر بباله

وأقول: إن ذلك جايز كجواز إقدامه على ما لا يخطر بباله، ولو كان لا يصح ترك شئ إلا بعد خطوره بالبال ما جاز فعله إلا بعد ذلك، وليس للفعل تعلق بالعلم ولا بخطور البال من حيث كان فعلا. وهذا مذهب جمهور أهل العدل، وقد خالف فيه فريق منهم وجماعة أهل الجبر.

148 - القول في ترك الكون في المكان العاشر
والانسان في المكان الأول

وأقول: إن ذلك محال باستحالة كونه في العاشر وهو في الأول، ولو صح أن يترك في الوقت ما لا يصح (1) فعله فيه لصح أن يقدر في الوقت على ما لا يصح قدرته على ضده فيه وهذا باطل بإجماع أهل العدل، وليس بين جمهور من سميناه خلاف فيما ذكرناه وإن خالف فيه شذاذ منهم على ما وصفناه.

149 - القول في العلم والألم
هل يصح حلولهما في الأموات أم لا؟

وأقول: إن ذلك مستحيل غير جايز، والعلم باستحالته يقرب من بداية العقول، ولو جاز وجود ميت عالم (2) آلم لجاز وجوده قادرا ملتذا مختارا، ولو

____________

1 - ما يصح ألف و ب ود.

2 - كلمة عالم سقطت عن ألف.


الصفحة 132
صح ذلك لم يوجد فرق بين الحي والميت، ولما استحال وجود متحرك ساكن وأبيض أسود وحي ميت، وهذا كله محال ظاهر الفساد، وعلى هذا المذهب إجماع أهل النظر على اختلاف مذاهبهم وقد شذ عن القول به شاذون نسبوا بشذوذهم عنه إلى السفسطة والتجاهل.

150 - القول في العلم بالألوان
هل يصح خلقه في قلب الأعمى أم لا؟

وأقول: إن ذلك محال لا يصح كما يستحيل خلو (1) العاقل من العلم بالجسم وهو موجود قد اتصل به شعاع بصره من غير مانع بينهما، وكما أنه لا يصح وجود العلم بالمستنبطات في قلب من لا يمكنه الاستنباط لعدم الدلائل وفقدها، كذلك يستحيل وجود العلم بالألوان لمن قد فقد ما يتوسط بين العاقل وبين معرفة الألوان من الحواس. وهذا مذهب أبي القاسم (2) وكثير من أهل التوحيد، وقد خالفهم فيه جماعة من المعتزلة وسائر أهل التشبيه.

151 - القول فيمن نظر وراء العالم أو مد يده

وأقول: إنه لا يصح خروج يد ولا غيرها وراء العالم إذ كان الخارج لا يكون خارجا إلا (3) بحركة والمتحرك لا يصح تحركه إلا في مكان، وليس وراء العالم

____________

1 - خلق ألف.

2 - أبي القاسم البلخي ألف و ب.

3 - كلمة إلا سقطت عن ب.


الصفحة 133
شئ موجود فيكون مكانا (1) أو غير مكان، وإذا لم تصح حركة شئ إلى خارج العالم لم تصح رؤية ما وراء العالم، لأن الرؤية لا تقع إلا على شئ موجود تصح رؤيته باتصال الشعاع به أو محله، وليس وراء العالم شئ موجود و لا معلوم فضلا عن موجود. وهذا مذهب أبي القاسم وسائر أهل النظر في أحد القسمين وهو الرؤية، ومذهبه مذهب (2) أكثر أهل التوحيد في الحركة، و يخالفهم فيه نفر يسير.

152 - القول في إبليس
أهو من الجن أم من الملائكة؟

وأقول: إن إبليس من الجن خاصة، وإنه ليس من الملائكة ولا كان منها، قال الله تعالى: (إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه)، وجاءت الأخبار متواترة (3) عن أئمة الهدى من آل محمد - عليهم السلام - بذلك، وهو مذهب الإمامية كلها. وكثير من المعتزلة وأصحاب الحديث.

تم كتاب أوائل المقالات والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد (4) وآله الطاهرين.

____________

1 - مكان د و هـ و ج.

2 - ومذهب هـ.

3 - المتواترة ألف و ب.

4 - محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين ألف و ب.