المناظرة السابعة والأربعون
مناظرة
السيِّد مهدي الروحاني مع رجلين مصريين
في وجوب اتّباع أهل البيت (عليه السلام)
حدثني الحجة السيد مهدي الروحاني القمي عليه الرحمة قال : كنت جالساً في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)في المدينة المنوَّرة ، بعد صلاة المغرب ، وعن يميني شيخ حليق اللحية ، وقد ذكر لي أنه حنفيٌّ ، وأنه من أهل العلم ، وهو من ( أبو ظبي ) فجاء شابَّان مصريَّان ، عليهما آثار النجابة وسيماء الصالحين ، وهما شافعيَّان ، فسلَّما وقالا : هل أنت إيرانيٌّ ؟
قلت : نعم .
قالا : هل أنت شيعيٌّ جعفريٌّ .
قلت : نعم ، أنا شيعيٌّ جعفريٌّ .
قالا : ما الفرق بيننا وبينكم ؟ وكيف صرتم أنتم شيعة ونحن سنة ؟
قلت : الفرق بيننا وبينكم في أمرين عظيمين ، وهما منشأ لا ختلافات كثيرة ، وهما :
الأمر الأوَّل : مسألة الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فالشيعة يقولون : إن خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تكون بنصٍّ من الله تعالى على لسان نبيِّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد نصَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
وأمَّا السنة فإنهم يقولون : إن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعيِّن أحداً خليفة من بعده ، واختار الناس من بعده أبا بكر ، ثمَّ عمر ، ثمَّ عثمان ، ثمَّ علياً (عليه السلام) .
الأمر الثاني : تحديد المرجع في الأحكام والفتاوى وما تحتاج إليه الأمة .
فإن من المسلَّم أن أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأفعاله حجّة علينا ، ولكنه قد تجيء مسائل كثيرة لا نجد لها حكماً في كتاب الله ، ولا في سنَّة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)فإلى من نرجع ؟
فنحن الشيعة نقول : إن الرجوع في ذلك هو إلى آل محمَّد صلوات الله عليهم ، والاعتماد عليهم ، وأمَّا السنَّة فقد فزعوا إلى أربعة رجال جاءوا في عصر متأخِّر ، وهم : مالك بن أنس ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وهم تلاميذ لأئمَّة آخرين ، ولعلَّ فيهم من هو أعلم منهم ، ولا دليل لكم على اتّباع هؤلاء الأربعة .
وأمَّا نحن الإماميَّة فلنا دليل على اتّباع آل محمّد(عليهم السلام)وهو :
أوّلا : أنّنا فهمنا من وجوب الصلاة على آل محمَّد في الصلاة أن لهم مقاماً يتلو مقام الرسالة في الأمّة ; إذ لو لم يكن لهم هذا المقام لما جعلت الصلاة عليهم في الصلاة ; إذ لا يحتمل أن يكون ذلك مجاملة من الله لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فالمجاملات تقع بيننا فقط .
ثانياً : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرجع الأمَّة إلى العترة(عليهم السلام) صريحاً ، حيث قال : إني مخلِّف فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسَّكتم بهما لن
تضلّوا من بعدي ..(1) ، فبنصِّ هذا الحديث لابدَّ من التمسُّك بالعترة(عليهم السلام) ، كتمسُّكنا بالقرآن الكريم ، فتمسَّكنا بهم(عليهم السلام) ، وأما أنتم فقد رجعتم في أخذ الأحكام إلى أربعة لا دليل لكم على جواز الرجوع إليهم ، مع أنهم لهم فتاوى يخالف فيها بعضهم بعضاً ، وليسوا متفقين في فتاواهم ، فكيف ساغ لكم الرجوع إليهم ؟
فقال أحد الشابين : شيخنا ! إن علوم هؤلاء الأربعة علوم لدنيَّة من الله العزيز .
فضرب الآخر صدره وقال له : ما هذا الاستدلال ؟
وقال لي الشيخ الجالس عن يميني : هذا غير صحيح ، وقد رأيت أن كلامه لا يتعلَّق بشيء ، ورأيت الشابين لا يعبآن بكلامه .
فقلت لهما : أنتم أهل السنة خصومنا في هذا الأمر ، ولنا ـ رغم ذلك ـ في كتبكم أدلّة كثيرة على مدّعانا ، وهو وجوب اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) ، وليس لكم دليل واحد في كتبكم على إمامة أئمتكم ، وإذا كان هناك دليل فأتني بدليل واحد على إمامة الشافعي .
ولمَّا قلت هذا الكلام قام الشيخ الجالس عن يميني ، وثار عليَّ ، وذهب للشرطي وقال له : إن هذا الإيراني يرفِّض هذين الشابيّن .
فجاء الشرطي ولم يكلِّمني ، وأخذ يكلِّم الشابين وقال لهما : قوما ، فقاما ، وقال لهما : اذهبا فذهبا ، فقلت للشرطي : نحن نتذاكر في القرآن وسنن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلماذا تفعل معهما هذا الفعل ؟ إنَّهما لم يصنعا جرماً ، فلم يعبأبي .
____________
1- تقدَّمت تخريجاته .
المناظرة الثامنة والأربعون
مناظرة
السيِّد عبد الكريم الأردبيلي مع جمع من طلبة الجامعة
في عدالة الصحابة والخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
قال المحقِّق العلاّمة المرحوم الشيخ الأحمدي الميانجي : حكى لي صديقي المفضال العلاّمة السيِّد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي ، قال : كنت في المدينة المنورة الطيِّبة ، فذهبت إلى زيارة جامعة المدينة ، فحينما كنت قافلا صادفت في الطريق جمعاً من الطلاب قاصدين البلدة ـ والجامعة واقعة في خارجها ـ فقلت لهم : أيُّ العلوم يدرس فيها ؟
قالوا : كل العلوم إلاَّ المنطق والفلسفة .
قلت : لماذا لا يدرس العلمان ؟
قالوا : لأنهما يخرجان الطالب عن الدين .
قلت : أيُّ فرقة من المسلمين يشتغلون في الجامعة ؟
قالو : كلُّهم إلاَّ الشيعة .
قلت : لماذا ؟
قالوا : إنهم إن دخلوا التحقوا بالسنَّة وتركوا الرفض ، ولكنهم لم يدخلوا فعلا .
قلت : أسألكم سؤالا ؟
قالوا : نعم .
قلت : الذي تعتقدون أنتم من عصمة الصحابة وعدالتهم ، وأنهم كلّهم أبرياء وأتقياء ، فهل هذه العقيدة حادثة فيكم ، أم كانت الصحابة أيضاً معتقدين بهذه العقيدة فيهم ؟
قالوا : بل كان هذا الاعتقاد عندهم أيضاً .
قلت : فأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يحارب معاوية ، ومعاوية يحاربه(1) ، هذا كان يريد قتل ذاك ، وهذا يريد قتله ، فهل هذا كان مع اعتقادهما بعدالتهما وتقواهما ، أو كل يرى الأخر مستحقّاً للقتل ومفسداً للدين والدنيا ؟
قالوا : كل يرى الأخر مستحقّاً للقتل ، ولكن كان ذلك اجتهاداً منهما ، و معاوية كان مخطئاً ، وعلي (عليه السلام) كان مصيباً .
فقلت : على اعترافكم كان معاوية مستحقّاً للقتل ، لأنكم قلتم : بأن عليّاً (عليه السلام) أصاب في اجتهاده .
قالوا : هذا مما تدرسون أنتم من المنطق والفلسفة .
قلت : سؤال آخر ; وهو أن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حين وفاته أيُّ العملين كان أحسن
____________
1- قال بعض أشراف مكة : لمَّا مضوا إلى برلين قبل اقتسامها التفت إليهم أحد المسؤولين الألمان فقال لهم : هل لمعاوية صورة عندكم ، أو تمثال ؟ قالوا : لا ، ثمَّ قال له : ما أنت ومعاوية ؟ قال : لو وجدنا له صورة لصنعنا له تمثالا من ذهب ، ووضعنا التمثال في أكبر ساحة في برلين ، فسألوه : ولماذا ؟ ما أنتم ومعاوية ؟ فقال : لو لم يقف معاوية في وجه علي (عليه السلام) وإصلاحاته ، لكانت أوروبا ـ ومنها ألمانيا ـ كلها مسلمة اليوم ، ولكن معاوية هو الذي وقف في وجه إصلاحات علي ، وهو الذي منع الإسلام أن ينتشر ، ويكتسح الأديان الأخرى والمذاهب الأخرى . مع رجال الفكر في القاهرة ، السيِّد مرتضى الرضوي : 2/168 .
له : الوصية وتعيين الخليفة ، أو تركها وإهمال الأمّة وإرجاع الناس إلى شعورهم الاجتماعيّ الثقافي من تعيين رئيس لهم ؟
قالوا : الثاني أولى عندنا ; لما فيه من الحرّيّة ، وإرجاع أمور المسلمين إليهم .
قلت : هذا صحيح ، ولكن يأتي سؤال آخر وهو : أن أبا بكر لم ترك الطريقة الحسناء ، وعدل عنها فعيَّن عمر بن الخطاب ؟
فسكتوا عن الجواب .
فقلت لهم : أجيبوا بأن أبا بكر علم أن ترك التعيين سوف يورث الفرقة بين المسلمين ، ويولِّد البغضاء والشحناء ، فعمل ذلك حفظاً لهم وحياطة للدين .
قالوا : يأتي حينئذ سؤال آخر ، وهو : أن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم لم يتوجَّه إلى هذه المصلحة الاجتماعيّة ، وأخطأ في ذلك ، وأوقع المسلمين في خلاف شديد ؟
قالوا : فنحن إذن نسألك .
قلت : نعم .
قالوا : هل كان من الحسن أن يترك النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الوصيّة وتعيين الخليفة ، أو كان من الحسن التعيين والإيصاء ؟
قلت : هذا السؤال ساقط عندنا ; لأن تعيين الخليفة والوصيِّ ليس للنبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل هو لله عزَّ وجلَّ ، كبعث النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وإرساله ، هو يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بتعيين الإمام والوصيّة به فحسب .
فقالوا : هل عندكم علم من هذه الأمور والمطالب الإسلاميّة ؟
قلت : أي نعم ، كثير .
قالوا : ولكن نحن محرومون وممنوعون(1) .
____________
1- مواقف الشيعة ، الأحمدي الميانجي : 3/74 ـ 75 .
المناظرة التاسعة والأربعون
مناظرة
السيِّد مرتضى الرضوي مع الدكتور طه حسين
في النصِّ على الخلافة ورزيّة يوم الخميس
قال السيِّد مرتضى الرضوي حفظه الله تعالى : جرى حديث الدكتور طه حسين(1) بين أساتذة وكتَّاب ، وكان الدكتور حامد حفني داود إلى جنبي ، فطلبت منه أن يتّصل بالدكتور طه حسين ليحدِّد لنا موعداً نلتقي به معه ، فاتّصل به الدكتور حامد ، وقال له : قدم ناشر من العراق ومعه كتب للشيعة ، ويريد مقابلتك ، وإهداء الكتب لسيادتك ، فعيَّن الدكتور وقت المقابلة في الساعة السادسة من مساء الأربعاء ، فاتّصل بي الدكتور حامد ، وأخبرني بتحديد الموعد للمقابلة مع
____________
1- الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي في القرن العشرين ، ولد بمديرية المينا بالصعيد ، في 21 اكتوبر 1889 م ، درس في الأزهر الشريف ، والتحق بالجامعة الأهليّة ، حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون في فرنسا 1918 م ، كان مديراً أو رئيساً لتحرير مجلّة الكاتب المصري ، أهم آثاره : الأيام جزءان ، ويتضمَّن تاريخ حياته ، الأدب الجاهلي ، الشعر الجاهلي ، تجديد ذكرى أبي العلاء ، الفتنة الكبرى جزءان ، وله عشرات المقالات والمؤلَّفات الأخرى ، توفي في 14 نوفمبر 1973 م ، من مشاهير رجال الأدب والفكر في العالم العربي ، يتميَّز بحرّيَّة الرأي والجرأة الأدبيَّة في عرض آرائه . مع رجال الفكر في القاهرة : السيِّد مرتضى الرضوي : 1/265 .
سعادة الدكتور طه حسين ، فحضرنا القصر ( الفيلا ) الذي يقيم فيه الدكتور في الوقت الذي حدَّده لنا سعادته .
ولمَّا طرقنا الباب فتحها الأستاذ فريد شحاته الملازم له ، فقال له الدكتور حامد : لنا موعد سابق في هذه الساعة مع سعادة الدكتور ، فرحَّب بنا ، ودخلنا عليه في غرفة الاستقبال ـ وكان الدكتور حاضراً ـ وبعد أن سلَّمنا عليه وردَّ علينا الجواب خاطبني قائلا : حضرتك من أين ؟
قلت : من النجف الأشرف ـ العراق .
قال : شيعيٌّ ؟
قلت : نعم ، بالطبع شيعيٌّ ، ثمَّ قلت : الشيعة تعتقد أن الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) قد ظلم ، وغصب حقّه ، واعتدي عليه ، وخالفوا في شأنه نصَّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فأجاب الدكتور قائلا : لو أننا نعترف بوجود نصٍّ لكفَّرنا جميع الصحابة .
فقلت : قال الله تعالى : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}(1) ، ولم يبق ـ يا دكتور ـ من الصحابة سوى أفراد يعدّون بالأصابع(2) .
____________
1- سورة آل عمران : الآية : 144 . 2- روى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل : 1/257 بالإسناد عن أبي هارون العبدي قال : كنت أرى رأي الخوارج ، لا رأي لي غيره ، حتى جلست إلى أبي سعيد الخدري فسمعته يقول : أمر الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدة . فقال له رجل : يا أبا سعيد ! ما هذه الأربع التي عملوا بها ؟ قال : الصلاة والزكاة والحج والصوم ـ أعني صوم شهر رمضان ، قال : فما الواحدة التي تركوها ؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب ، قال : وإنها مفترضة معهن ؟ قال : نعم ، قال : فقد كفر الناس ، قال : فما ذنبي ؟ انتهى . وقال هناد : كتبت عن عمرو بن ثابت أبي المقدام بن هرمز الكوفي كثيراً ، فبلغني أنه كان عند حبان بن علي ، فأخبرني من سمعه يقول : كفر الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاَّ أربعة ، فقيل لحبان : ألا تنكر عليه ؟ فقال حبان : هو جليسنا . راجع : تهذيب الكمال ، المزي : 21/557 ، ميزان الاعتدال ، الذهبي : 3/249 ، رقم : 6340 ، تهذيب التهذيب ، ابن حجر : 8/9 ، تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : 12/135 . وروى الجوهري عن غسان بن عبد الحميد ، قال : لمَّا أكثر في تخلُّف علي (عليه السلام) عن البيعة ، واشتدَّ أبو بكر وعمر في ذلك خرجت أم مسطح بن أثاثة ، فوقفت عند قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ونادته : يا رسول الله !
قد كان بعدك أنباءٌ وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها | فاختلَّ قومك فاشهدهم ولا تغب |
السقيفة وفدك ، الجوهري : 69 .
فأجاب الدكتور قائلا : لا ، لا ، أكثر من هذا .
وقد لا حظت على الدكتور أنه يرى للخليفتين أبي بكر وعمر منزلة خاصة ، فقلت : إن عمر قد تجرَّأ على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وتحدَّاه ووقف دون وصيَّته ، ونسب إليه ما نسب له عند مرضه ، روى البخاري عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ، اشتدَّ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه ، وتنازعوا ولا ينبغي عند نبيٍّ تنازع ، فقالوا : ما شأنه ؟ أهجر ؟ استفهموه فذهبوا يردّون عليه .. الحديث(1) .
قال الدكتور : حاشا لعمر أن يقول هذا ، وهذا الحديث غير صحيح .
فأجبته : يا دكتور ! الحديث الذي يوافقك تأخذ به ، والذي يخالفك ترفضه وتحكم بعدم صحّته ، فإمّا أن تعترف بصحّة ما جاء في البخاري ، وإمَّا أن تحكم بعدم صحّته ولا تستشهد به ، وإن ابن عباس كان يقول : الرزيَّة الرزيَّة ما حال بين
____________
1- صحيح البخاري : 5/137 ، السنن الكبرى ، النسائي : 3/434 ح5854 ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد :2/242 .
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب(1) .
فأجاب الدكتور : إن ابن عباس لا يحتجُّ بقوله .
فقلت له : إن الشيعة غير مجمعة على صحّة جميع ما روي عنه ، ولكنه حبر الأمّة ، ولكن أليس أن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد الخير لأمَّته بأن يكتب لهم الكتاب كي لا يضلُّوا بعده ، وقال عمر : حسبنا كتاب الله ؟ أفهل يمكن العمل بالكتاب وحده ؟! أليس السنَّة هي المبيِّنة للكتاب ؟ قال الله تعالى : {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}(2) ، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما(3)
____________
1- روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : لمّا حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : هلمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ، فقال عمر : إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قرِّبوا يكتب لكم النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كتاباً لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمَّا أكثروا اللغو والاختلاف عند النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : قوموا . قال عبيد الله : وكان ابن عباس يقول : إن الرزيَّة كل الرزيَّة ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم . صحيح البخاري : 7/9 و8/161 ، صحيح مسلم : 5/76 ، مسند أحمد بن حنبل : 1/324 ـ 325 و336 ، السنن الكبرى ، النسائي : 3/433 ح5852 و4/360 ح7516 ، صحيح ابن حبان : 14/562 ، شرح مسلم ، النووي : 11/89 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 2/55 و6/51 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 5/248 . وجاء في رواية ابن سعد في الطبقات الكبرى : 2/244 : فلمَّا كثر اللغط والاختلاف وغمُّوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فقال : قوموا عنّي . 2- سورة النمل ، الآية : 44 . 3- تقدَّمت تخريجاته . وحديث الثقلين ـ كماترى ـ ينصُّ على وجوب اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) ، وهم علي (عليه السلام) والأئمة من ولده(عليهم السلام) ، ولا مسوِّغ أبداً لاتّباع غيرهم ، كما أنَّه يدلُّ دلالة صريحة على وجود أهل البيت(عليهم السلام)ـ وهم الأئمة الاثني عشر(عليهم السلام) ـ في كل زمان ، وذلك لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، ولو خلا الزمان من أحدهم لما صحَّ هذا الحديث . قال السمهودي : تنبيه ، قال الشريف : هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلا للتمسُّك من أهل البيت والعترة الطاهرة(عليهم السلام) في كل زمان إلى قيام الساعة ، حتى يتوجَّه الحثُّ المذكور إلى التمسُّك به ، كما أن الكتاب كذلك ، فلذلك كانا أماناً لأهل الأرض ، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض ، انتهى . وقال الزرقاني المالكي في شرح المواهب اللدنية : قال القرطبي : وهذه الوصيَّة وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام آله وبرِّهم وتوقيرهم ومحبَّتهم ، وجوب الفرائض التي لا عذر لأحد في التخلُّف عنها ، هذا مع ما علم من خصوصيَّتهم به (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وبأنهم جزء منه ، كما قال : فاطمة بضعة منّي ، ومع ذلك فقابل بنو أمية عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق ، فسفكوا من أهل البيت دماءهم ، وسبوا نساءهم ، وأسروا صغارهم ، وخربوا ديارهم ، وجحدوا شرفهم وفضلهم ، واستباحوا سبَّهم ولعنهم ، فخالفوا وصيَّته ، وقابلوه بنقيض قصده ، فواخجلتهم إذا وقفوا بين يديه ، ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه ، فالوصيَّة بالبرِّ بآل البيت على الإطلاق ، وأمّا الاقتداء فإنما يكون بالعلماء العاملين منهم ، إذ هم الذين لايفارقون القرآن . شرح الزرقاني على المواهب اللدنية : 7/7 ـ 8 ، دار المعرفة ـ بيروت ـ ، فيض القدير ، المناوي : 3/20 .
فالعترة هي المفسِّرة لكتاب الله جلَّ شأنه .
ونسبة الهجر إلى رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يرضى به الباري تعالى ، وقد نزَّهه الله سبحانه ونسبه بقوله : {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}(1) .
وبعد هذا سألت الدكتور عن رأيه في الخليفة عثمان ، فقال : كان عثمان يقاد ..
ثمَّ سألته عن أمِّ المؤمنين عائشة ، فقال : كان أحد الأساتذة يقول : لو أدركت عائشة .. أقعدتها في بيتها ; لقوله تعالى : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ
____________
1- سورة النجم ، الآية : 3 ـ 4 .
تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاُْولَى}(1) .
ثمَّ قال الدكتور : ولمَّا بلغ عائشة خلافة الإمام علي (عليه السلام) قالت : ليت السماء قد أطبقت على الأرض ، ولمَّا بلغها وفاته فرحت وتمثَّلت بهذا البيت وقالت :
فألقت عصاها واستقرَّ بها النوى | كما قرَّ عيناً بالإياب المسافر(2) |
وعندما أهديت مجموعة الكتب للدكتور ـ وهي التي قمت بنشرها في القاهرة ـ مع كتاب الإسلام للأستاذ العلاّمة الكبير الشيخ محمّد أمين زين الدين ، وكتاب مصادر نهج البلاغة وأسانيده لصديقنا العلاّمة المحقِّق السيِّد عبد الزهراء
____________
1- سورة الأحزاب ، الآية : 33 . 2- مقاتل الطالبيين ، أبو الفرج الإصبهاني : 26 : الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 3/40 ، العلل ، أحمد بن حنبل : 1/13 ، تأريخ الطبري : 4/115 . قال الأمير أحمد حسين بهادر خان الهندي : وفي المعارف لابن قتيبة قال : توفِّيت عائشة سنة ثمان وخمسين ، فقيل لها : ندفنك عند رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ فقالت : إنّي قد أحدثت بعده ، ادفنوني مع أخواتي ، فدفنوها بالبقيع . تاريخ الأحمدي : 223 ، ط . بيروت ، نشر مركز الدراسات والبحوث العلميّة . وقال ابن عبد ربِّه الأندلسي : وماتت عائشة في أيام معاوية ، وقد قاربت السبعين ، وقيل لها : تدفنين مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قالت : لا ، إني أحدثت بعده حدثاً فادفنوني مع إخوتي بالبقيع . العقد الفريد 4/331 ط . مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة . وفي المستدرك للحاكم : 4/6 بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم قال : قالت : إنّي أحدثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)حدثاً ، ادفنوني مع أزواجه ، فدفنت بالبقيع . قال ابن عبد ربِّه في العقد الفريد ، : 3/108 طبع مصر سنة 1353 : وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لها : يا حميراء ! كأني بك تنبحك كلاب الحوأب ، تقاتلين عليّاً وأنت له ظالمة ، والحوأب بضمِّ الحاء وتثقيل الواو ، وقد زعموا أن الحوب ماء في طريق البصرة ، قال في ذلك بعض الشعراء :
إني أدين بحبِّ آل محمّد وبني الوصيِّ شهودهم والغيَّب
وأنا البريء من الزبير وطلحة | ومن التي نبحت كلاب الحوأب |
الخطيب ، وذكرت له أسماءها واحداً بعد واحد إلى أن وصلت إلى ذكر كتاب عبد الله بن سبأ سألني الدكتور : هل قرأت الفتنة الكبرى ؟
فأجبته : لا .
فقال : إنّي نصرتكم في عبد الله بن سبأ ، وقلت في كتابي الفتنة الكبرى : إن عبد الله بن سبأ شخصيّة خياليّة أوجدها خصوم الشيعة للطعن بهم ، ما فيش حاجة اسمها عبد الله بن سبأ ، لم يخلق الله شيئاً اسمه عبد الله بن سبأ .
فأجبته : هذا هو رأيك يا أستاذ .
ثمَّ قلت للدكتور : إن الدكتور حامد ألَّف كتاباً في الصاحب بن عبَّاد ، ولي رغبة في أن تكتب سيادتك تقديماً له ، وإن الصاحب بن عبَّاد كان عميد الأدب العربي في النصف الثاني من القرن الرابع ، وأنت ـ يا أستاذ ـ عميد الأدب العربي في النصف الثاني من القرن الرابع عشر ، وبينك وبينه ألف عام .
فابتسم سيادته ابتسامة حلوة ، وقال : هات الكتاب لأقرأه ، وكنت قد صحبت الكتاب معي عندما قابلته في داره ، فدفعته إليه ، وتركته عنده ليطّلع عليه ويكتب التقديم له ، واستأذنته وانصرفت .
وكان هذا الكتاب ( الصاحب بن عباد بعد ألف عام ) رسالة الماجستير التي قدَّمها الدكتور حامد حفني داود إلى الجامعة ، وحصل على هذه الدرجة(1) .
رأي الدكتور طه حسين في حقيقة عبد الله بن سبأ
قال السيِّد الرضوي أيَّده الله تعالى : وإليك نص ما قاله الدكتور طه حسين
____________
1- مع رجال الفكر في القاهرة : السيِّد مرتضى الرضوي : 1/276 ـ 279 .
في حقيقة عبد الله بن سبأ في كتابه الفتنة الكبرى : 2/98 طبعة دار المعارف بمصر عام 1953 م :
وأقلُّ ما يدلُّ عليه إعراض المؤرِّخين عن السبئيَّة ، وعن ابن السوداء في حرب صفين : أن أمر السبئيّة وصاحبهم ابن السوداء إنّما كان متكلَّفاً منحولا ، قد اخترع بآخرة ، حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلاميّة ، أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصراً يهوديّاً ، إمعاناً في الكيد لهم ، والنيل منهم .
ولو قد كان أمر ابن السوداء مستنداً إلى أساس من الحقِّ والتاريخ الصحيح لكان من الطبيعي أن يظهر أثره وكيده في هذه الحرب المعقَّدة المفصَّلة التي كانت بصفين ، ولكان من الطبيعي أن يظهر أثره حين اختلف أصحاب عليٍّ في أمر الحكومة ، ولكان من الطبيعي بنوع خاص أن يظهر أثره في تكوين هذا الحرب الجديد الذي كان يكره الصلح وينفر منه ، ويكفر من مال إليه أو شارك فيه .
ولكنّا لا نرى لابن السوداء ذكراً في أمر الخوارج ، فكيف يمكن تعليل هذا الإهمال ؟ أو كيف يمكن أن نعلِّل غياب ابن سبأ من وقعة صفين ، وعن نشأة حزب المحكِّمة ؟!
أمَّا أنا فلا أعلِّل الأمرين إلاَّ بعلة واحدة ، وهي : أن ابن السوداء لم يكن إلاَّ وهماً ، وإن وجد بالفعل فلم يكن ذا خطر كالذي صوَّره المؤرِّخون ، وصوَّروا نشاطه في أيام عثمان ، وفي العام الأول من خلافة علي (عليه السلام) ، وإنّما هو شخص اذّخره خصوم الشيعة وحدهم ، ولم يذّخروه للخوارج ... إلخ .
قال السيد الرضوي حفظه الله تعالى : إن الدكتور طه حسين لإلمامه بالتاريخ ، ولتعمُّقه فيه ، ولسعة اطلاعه استطاع أن يقول بجرأة وقوَّة : إن عبدالله
بن سبأ شخصيّة خياليّة كما صرَّح لي سيادته بذلك ، وهو أوَّل من نبَّه على هذا ، وذكره في كتابه : الفتنة الكبرى : 2/98 ، وعلى أثر صدور هذا الكتاب أخذ السيِّد العسكري يبحث هذا الموضوع بحثاً مطوَّلا ، وأخرج نصوصه ، ونشر الجزء الأوَّل منه بعنوان : المدخل ، وطبع في النجف الأشرف ـ العراق عام 1375 هـ ـ 1955 م ، وأضاف عليه بعض التحقيق والتعليق ، ونشرته مكتبتنا ; مكتبة النجاح ضمن مطبوعاتها ; مطبوعات النجاح بالقاهرة ، وذلك في عام 1965 ، ثمَّ بعد ذلك أخذ السيِّد المؤلِّف يعقب هذا الموضوع حتى استطاع أن يلحقه بجزء ثان ، وطبع في طهران عام 1972 م(1) .
____________
1- مع رجال الفكر في القاهرة ، السيد مرتضى الرضوي : 1/278 .
المناظرة الخمسون
مناظرة
السيِّد مرتضى الرضوي مع الأستاذ الكبير عبد الفتاح
عبدالمقصود في أحقّيّة الإمام علي (عليه السلام) بالخلافة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
يقول السيِّد مرتضى الرضوي : في رحلتي إلى القاهرة عام 1974 م سافرت إلى الإسكندرية لمواجهة الأستاذ عبد الفتاح(1) فيها ، وأتيت داره العامرة ، فجاءت السيِّدة حرمه وفتحت الباب ، فأدخلتني الغرفة المعدَّة للضيوف ، ورحَّبت بي ترحيباً منقطع النظير ، فسألتها عن الأستاذ أجابت : سافر
____________
1- قال السيِّد الرضوي حفظه الله تعالى : الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود ، الكاتب المصري الشهير ، مؤلِّف الموسوعة العلوية ( الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ) ولد في 10/12/1912 م ، بكفر عشري الواقعة قرب راقوتة ، التي بنى علهيا الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية ، دراسته : ليسانس الآداب ، قسم التاريخ بجامعة الإسكندرية ، دراسات في الرأي العام ، دراسات في فنّ الإدارة العليا ، عيِّن مديراً لمكتب السيِّد نائب رئيس الجمهوريّة لشؤن الاتّحاد ، أهم آثاره : الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) تسعة أجزاء ، أبناؤنا مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الزهراء (عليها السلام) أم أبيها ، يوم كيوم عثمان ، السقيفة والخلافة ، من مشاهير الأساتذة والكتَّاب البارزين بمصر ، ينظم الشعر باللغتين الفصحى والعامّيّة ، كتب موسوعة تحليلية في شخصيّة الإمام علي (عليه السلام) في 2500 صفحة ، يتميَّز بحرية الرأي والأصالة الفكرية . مع رجال الفكر في القاهرة ، الرضوي : 2/91 .
أمس إلى القاهرة ، وسيتصل بنا تليفونياً في صباح غد ، ويمكنك أن تترك عندنا نمرة تليفونك في القاهرة ، وعندما يتصل بنا نخبره ليتصل بك من هناك ، فتركت عندها رقم تليفون مطعم المنظر الجميل ، وعدت إلى القاهرة .
وفي اليوم الثاني اتصل بي الأستاذ عبد الفتاح ، وحدَّدت معه وقتاً للمقابلة في المطعم المذكور ، فجاء إلى المطعم ، وجلست معه جلسة امتدَّت إلى ساعات ،سألته خلالها عن انطباعاته عن الإمام علي (عليه السلام) والخلافة ، فأجاب : إنّني عرفت أحقّيّة الإمام بالخلافة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من خطبة أبي بكر(1) ، فإن خطبته التي خطبها في المسجد تنطبق على الإمام علي (عليه السلام) أكثر مما تنطبق على أيِّ إنسان سواه(2) .
____________
1- وهي قوله : أيُّها الناس ! نحن ـ المهاجرين ـ أول الناس إسلاماً ، وأكرمهم أحساباً ، وأوسطهم داراً ، وأحسنهم وجوهاً ، وأكثرهم ولادة في العرب ، وأمسُّهم رحماً برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ... إلخ عيون الأخبار ، ابن قتيبة : 2/232 . 2- وهذه الالتفاتة من الأستاذ عبد الفتاح التفاتة جيِّدة وفي محلِّها ، فإذا كان الخليفة يستدل بأولوية المهاجرين بما ذكره من أوصاف فليس هناك أحد أحقّ بالخلافة من أميرالمؤمنين (عليه السلام) ; لأن كلَّ هذه الأوصاف موجودة فيه زيادة على الأوصاف الأخرى ، والتي كان يتحلَّى بها (عليه السلام) ، وقد كانت الصحابة تتمنَّى ولو بعض فضائله الشريفة .. والجدير بالذكر هنا ـ أيضاً ـ كلام العلاّمة المحقِّق الشيخ باقر شريف القرشي حفظه الله تعالى ، إذ يقول في هذا المعنى : إن المنطق الذي استند إليه أبو بكر لأ حقّيّة المهاجرين من قريش بالخلافة هو أنهم أمسُّ الناس رحماً برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأقربهم إليه ، وهذا الملاك على أكمل وجوهه ، وأتمِّ رحابه متوفِّر في أهل البيت(عليهم السلام) ، فهم ألصق الناس به ، وأمسُّهم به ، وما أروع قول الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) : احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة ! وخاطب (عليه السلام) أبا بكر بقوله :
فإن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيرك أولى بالنبيِّ وأقرب
وإن كنت بالشورى ملكت أمورهم | فكيف بهذا والمشيرون غيَّب |
ويقول الكميت :
بحقِّكم أمست قريش تقودنا | وبالفذِّ منها والرديفين نركب |
وقالوا : ورثناها أبانا وأمنا | وما ورَّثتهم ذاك أمٌّ ولا أب |
يرون لهم فضلا على الناس واجباً | سفاهاً وحقُّ الهاشميين أوجب |
وعرض الإمام (عليه السلام) في حديث له عن شدّة قربه من النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعض مواهبه ، فقال : والله إني لأخوه ـ أي أخو النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ ووليُّه ، وابن عمِّه ، ووارث علمه ، فمن أحقُّ به منّي ؟ ... لقد انساب القوم وراء أطماعهم وأهوائهم ، وتهالكوا على الحكم ، والظفر بخيراته ، وأعرضوا عمَّا ألزمهم به النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم)من التمسُّك بعترته ، وعدم التقدُّم عليها ، ووجوب رعايتها في كل شيء .
حياة الإمام الحسين (عليه السلام) ، الشيخ باقر شريف القرشي : 1/247 .
وإنّي حينما أستعرض هذه الأمور أعتمد على المعقول قبل المنقول ، وإنّي لا أنظر إلى صغر سنِّ الإمام (صلى الله عليه وآله وسلم) ; لأن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل أسامة أميراً على أبي بكر وعمر(1) .
فقلت للأستاذ عند ذلك : إنَّ عمر قد طعن في شخصيَّة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)وقال :
____________
1- روى ابن سعد ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث سريَّة فيهم أبو بكر وعمر ، واستعمل عليهم أسامة بن زيد ، فكأن الناس طعنوا فيه ; أي في صغره ، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : إن الناس قد طعنوا في إمارة أسامة وقد كانوا طعنوا في إمارة أبيه من قبله ، وإنهما لخليقان لها ، وإنه لمن أحبِّ الناس إليَّ ، ألا فأوصيكم بأسامة خيراً . وعن حنش قال : سمعت أبي يقول : استعمل النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أسامة بن زيد وهو ابن ثماني عشرة سنة . الطبقات الكبرى ، محمّد بن سعد : 2/249 و4/66 . وقد أورد الحلبي خبر هذه السريّة في الجزء الثالث من سيرته ، وحكى حكاية طريفة نوردها بعين لفظه ، قال : إن الخليفة المهدي لمَّا دخل البصرة رأى أياس بن معاوية ، الذي يضرب به المثل في الذكاء ، وهو صبيٌّ ، ووراءه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة ، فقال المهدي : أفٍّ لهذه العثانين ـ أي اللحى ـ أما كان فيهم شيخ يتقدَّمهم غير هذا الحدث ؟! ثمَّ التفت إليه المهدي وقال : كم سنُّك يا فتى ؟ فقال : أطال الله بقاء أميرالمؤمنين ، سنُّ أسامة بن زيد بن حارثة لمَّا ولاَّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)جيشاً فيه أبو بكر وعمر ، فقال : تقدَّم بارك الله فيك . قال الحلبي : وكان سنُّه سبع عشرة سنة . النص والاجتهاد ، السيِّد شرف الدين : 31 .
إن الرجل ليهجر(1) .
فأجاب الأستاذ : إن لكلمة يهجر معنى آخر .
قلت : إن الله تعالى قد نزَّه نبيَّه صلوات الله عليه وآله بقوله تعالى : {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}(2)
قال : بالنسبة إلى الأحكام(3) .
ثمَّ قلت : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ائتوني بدواة وبيضاء لأكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعدي أبداً(4) ، والظاهر من هذا أنه ـ صلوات الله عليه وآله ـ أراد أن يؤكِّد على تعيين الخليفة من بعده ، ولذلك عرف عمر من حديثه (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا ، وتفوَّه بقوله : إن الرجل ليهجر .
ثمَّ قلت : إنّي أعتقد أن أبا بكر وعمر كانا قد سلف منهما تدبير اتفاق يرجع إلى انتزاع الخلافة من صاحبها الشرعيِّ ; لعدم تنفيذهما جيش أسامة .
أجاب الأستاذ : المعلوم أن أسامة وجيشه وكافّة المسلمين كانوا في قلق على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، حتى لقد عاد أسامة إلى المدينة تاركاً الجيش بالجرف ، وذلك ليطمئنَّ على الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومعلوم أيضاً أنه صلوات الله وسلامه عليه وآله خرج يوم وفاته وقد بدا في خير حال ، حتى لقد تفأَّل الناس خيراً ،
____________
1- راجع : صحيح البخاري : 4/66 ، مسند أحمد : 1/222 ، صحيح مسلم : 5/75 ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 2/242 . 2- سورة النجم ، الآية : 2 ـ 5 . 3- وهذا رأي علماء السنّة أو أكثرهم . 4- صحيح البخاري : 4/31 و5/137 ، صحيح مسلم : 5/76 ، مسند أحمد بن حنبل : 1/324 ـ 325 ، السنن الكبرى ، النسائي : 3/433 ح 5852 ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 2/243 ـ 244 .
وقالوا : أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحمد الله بارئاً ، .. وتقدَّم أبو بكر يستأذن في الذهاب إلى زوجته بنت خارجة في السنح ، على مبعدة نحو ثلاثة أو أربعة أميال من المدينة ، ولا يبعد التوفيق بين رحيل أبي بكر للسنح وبين قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنفذوا بعث أسامة ... إلخ .
فربّما يكون هذا الرحيل من استعداد أبي بكر للسفر ، وحدثت الوفاة وأبو بكر غائب بتلك العالية .
قلت : ومن تتبَّع الحوادث التاريخيَّة بعمق ، ونظر إلى تلك الظروف والملابسات ، وكان بعيداً عن الانحياز والتعصُّب لجهة ما ، يقف على نتيجة : من أن اتفاقاً سابقاً ومبيَّتاً كان قد حصل بين أبي بكر وعمر قبل وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)حول تولّي الخلافة بعده .
ثمَّ قال الأستاذ : أنا لا أستبعد حدوث الاتفاق على الخلافة بين أبي بكر وعمر في مرض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)(1) ، وأن الخلافة من حقِّ الإمام علي (عليه السلام) ، وأنَّها بهذا النحو انتزعت منه ، وأنّه أحقُّ بها منهما ومن كافة المسلمين .
وقال : ألَّفت كتاباً في موضوع السقيفة وسيتمُّ ، وأنا أعرف أحقّيّة الإمام علي (عليه السلام) في الخلافة من سلوكه ، ونشأته ، وأيَّام حياته ، ثمَّ قال : إني دعيت إلى العراق لإلقاء محاضرات في كلّيّة الفقه في النجف الأشرف ، وسوف أسافر إلى العراق بعد عيد الفطر إن شاء الله .
ثمَّ قال : إني مع إيماني العميق بما ورد في فضل الإمام الحسين (عليه السلام) ، وما
____________
1- قال السيِّد الرضوي في الهامش : صرَّح الأستاذ بهذا يوم زيارتي له في منزله بالإسكندرية ، وكان معي الأستاذ الشيخ عبد الله الخنيزي مؤلِّف كتاب : أبو طالب مؤمن قريش ، والأستاذ عبد العزيز سلام شاعر جمعية أهل البيت(عليهم السلام)بالقاهرة ، وكان ذلك في يوم الجمعة 16 أغسطس عام 1973 م .
صوَّر جوانب طفولته من أحاديث ، الكتابة عنه تكون مبتورة ما لم أستخلص شخصيَّته من سلوكه وأعماله ، في طفولته وصباه ; لأن الطفل في اعتقادي ـ وكما يقول المثل ـ هو أبو الرجل .
ثمَّ سألت الأستاذ عن رأيه في الفتوى التي أصدرها الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت ، شيخ الجامع الأزهر ، عند رئاسته للأزهر الشريف ، في جواز التعبُّد بمذهب الشيعة الإمامية ، فقال : لا أرى في المذاهب المعروفة في تعدُّدها سوى أنها الوسيلة لتفسير ما غمض على المسلمين من أحكام الإسلام ، ومن هنا فمن حقِّ مذهب الشيعة الإماميَّة أن يكون في نفس مستوى مذاهب السنّة ، فلا يغفل أمره ، ولا حرج في رأيي على سنّيٍّ يأخذ بما فيه ، هو أولى به من سواه ، إذا علمنا أن منبعه الأصلي هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أعلم الناس بدين الإسلام بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وفي رحلتي إلى القاهرة عام 1975 م كنت قد صحبت معي كتاب : ثورة الحسين (عليه السلام) مع كتاب : دراسات في نهج البلاغة ، أهداهما مؤلِّفهما سماحة العلاّمة الكبير الشيخ محمّد مهدي شمس الدين لسيادة الأستاذ الكبير عبد الفتاح ، حملتهما معي لإيصالهما لسيادته ، حيث إنه رغب في كتابة موضوع عن الإمام الحسين (عليه السلام) كما أخبرني في رحلتي إلى القاهرة عام 1974 م(1) .
رأي الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود في وصيَّة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخلافة
قال السيِّد مرتضى الرضوي حفظه الله تعالى : وفي ليلة الجمعة 19 من ذي
____________
1- مع رجال الفكر في القاهرة ، السيِّد مرتضى الرضوي : 1/94 ـ 117 .
القعدة الحرام ، المصادف 12 نوفمبر 1976 م أقمت للأستاذ ـ يعني الأستاذ عبد الفتاح ـ لمَّا جاء لزيارة إيران حفلة في منزلي بطهران ، دعوت إليها عدداً كبيراً من العلماء والشخصيّات الأدبيّة البارزة ورجال الفكر ، وجرى الحديث حول الوصيَّة ، وهل أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى أم لا ؟
فقال الأستاذ : إن هناك وصيَّة من حيث المبدأ ، سواء ظهرت في إيماءاته ، أو سماته التي أعطاها للبعض ، ولذلك استند الخلفاء إلى هذا المبدأ ، حيث استند ـ على حدِّ تعبير الأستاذ ـ الخليفة الأول في أمر الخلافة إلى الاجتماع بالصلاة ، وعلى هذا بايعه الخليفة الثاني .
ويرى الأستاذ أن التعيينات في أمر الخلافة استندت إلى الاستفادة من ذلك ، ومن أبرز هذه الشواهد قول عثمان حينما خيَّروه بين العزل أو القتل ، قال : لن أخلع ثوباً ألبسنيه الله .
وأراد الأستاذ أن يستند في رأيه هذا إلى الاستنتاج العقلي ليتخلَّص من النصوص التي يتعصَّب لها الطرفان .
ومن رأي الأستاذ : أن المغيرة بن شعبة كان المسبِّب الأصلي لقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ، فبعد أن ذكر مواقفه النفاقيَّة قال : مرَّ المغيرة على باب بيت علي (عليه السلام) ، وذلك بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فرأى أبا بكر وعمر جالسين على الباب ، فقال لهما : أتنتظران حبل الحبلة(1) ليخرج فتبايعانه ؟! قوما واجعلا من أنفسكما خليفة(2) .
____________
1- جاء في هامش شرح النهج : الحبلة في الأصل : الكرم ، قيل : معناه حمل الكرمة قبل أن تبلغ ، ولعلّه كناية عن صغر سنّ علي (عليه السلام) . 2- قال الجوهري : سمعت أبا زيد عمر بن شبة يحدِّث رجلا بحديث لم أحفظ إسناده ، قال : مرَّ المغيرة بن شعبة بأبي بكر وعمر وهما جالسان على باب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قبض ، فقال : وما يقعدكما ؟ قالا : ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه ، يعنيان عليّاً ، فقال : أتريدون أن تنظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت ، وسِّعوها في قريش تتسع قال : فقاما إلى سقيفة بني ساعدة ، أو كلاماً هذا معناه . السقيفة وفدك ، الجوهري : 69 ـ 70 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 6/43 .
وأضاف الأستاذ أن هذا الموقف من المغيرة هو الذي جرَّ الويلات على أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى آل الأمر إلى قتل الإمام الحسين (عليه السلام) .
وسئل الأستاذ : هل أن المغيرة كان يعدُّ من الصحابة العدول .
أجاب : إن الصحابي ـ في رأيي ـ هو الذي يحفظ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذرِّيَّته وشريعته(1) .
كلام الأستاذ عبد الفتاح في عدم معرفة أكثر الناس بحقيقة الشيعة والتشيُّع
وجاء في كلمة الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود(رحمه الله) القيِّمة ، والتي ألقاها في الحفل الكبير الذي أعدَّه له صاحب السماحة فضيلة العلاّمة الكبير الشيخ سلمان الخاقاني(رحمه الله) ، في مدينة خرَّمشهر ـ إيران ، قال : الأخ تفضَّل فقال الكثير عن وجود الكتب الشيعيّة أو السنّيّة ـ أقصد في مكتبات الشيعة ـ وعدم وجود الكتب الشيعيّة في مكتبات السنّة . هذا حقٌّ إلى حدٍّ كبير ، لكن ليس المعوَّل على وجود الكتب في المكتبات ، المعوَّل على من هؤلاء الذين يقرأون هذه الكتب ، فلتمتلأ المكتبة السنّيّة بكتب شيعيّة ، من تظنُّون سيقرأون مثل هذه الكتب العميقة الجادّة ، التي تحتوي الكثير من البحوث والمناقشات ، إلاَّ أن يكون القارئ عالماً من العلماء ، باحثاً من البحَّاث ، يريد أن يصل إلى شيء ليقارن بينه وبين
شيء آخر .
____________
1- مع رجال الفكر في القاهرة ، السيِّد مرتضى الرضوي : 2/160 ـ 161 .
ومع احترامي للعلماء من الطرفين ، إلاَّ أنني أقول : العلماء ليسوا الأمّة كلّها ، قد يكونون على رأس الأمّة الإسلاميّة ، ولكنَّ ما يبلغ الناس العاديّين عن السنّة وعن الشيعة ليس بكثير ...
أمَّا السنّة فكثرتهم أو كثرة توالي الحقب والعصور التي تولَّوا فيها الحكم في الدول الإسلاميّة المختلفة قد مكَّن للمذهب السنّيِّ في البلاد أو في كثير من البلاد الإسلاميّة .
الشيعة ـ كما هو معروف ـ كانوا مضطهدين في كل الحقب الإسلاميّة إلاَّ قليلا ، حتى من بني عمومتهم بني العبّاس(1) كانوا مضطهدين أشدَّ الاضطهاد . إذن الذي أريده ، والذي أرجوه ، أن تكتبوا للرجل العاديِّ المسلم ، العاديِّ الذي يشكِّل تسعة وتسعين في المئة ( 99% ) من الأمّة الإسلاميَّة ، تسعة وتسعون في المئة ( 99% ) إن لم يكن من الأمَّة الإسلاميَّة فمن السنَّة ، والسنّة تجهل كثيراً ... إذا كتبتم لهؤلاء الكتاب الميسَّر السهل الذي يستطيعون فهمه من الممكن جدّاً أن يتبيَّن لأهل السنَّة حقيقة الشيعة ، من الممكن ـ بعد هذا ـ أن تمتلأ المكتبات بكتب الشيعة .
فقد كان لي رأي قاطع أحببت أن أسوقه ، فسقته لبعض الصحاب ، وهو أن نبدأ بتنشئة جيل جديد يعرف حقيقة الشيعة ; من الطفل الصغير ، من الصبيِّ ، من الشابِّ ، أن نقدِّم لهم كتباً ميسَّرة سهلة ، نطلعهم على حقيقة الشيعة .
إنكم تعلمون أن كثيراً من السنّة لا يجهلون ـ فقط ـ كل شيء عنكم ، بل يتهمونكم اتّهامات أنتم منها براء ، يتهمونكم ـ أحياناً ـ بالكفر ، بالخروج عن
____________
1- غرضه : بني عمومة أئمتهم(عليهم السلام) .
الإسلام .. هذا ما يقال ، بالخروج عن الإسلام .
يتهمونكم ـ مثلا ـ بأنكم تقولون : إن الرسالة نزلت خطأ من السماء على محمّد ، وكان مقصوداً بها علي .
يتهمونكم بأشياء كثيرة جدّاً ، وترون في العامّة ، بل منهم من يتهمونكم بأنكم تؤلِّهون عليّاً (عليه السلام) .
سمعت هذا من أناس لا أقول : إنّهم جهلاء ، بل أقول : إنهم متعلِّمون ، وبعضهم يعتبر من المثقَّفين ، ماذا عليكم لو بدأتم وكتبتم قصصاً سهلة للأطفال الصغار ... لا للرجال العظام ، أيّ مشهد من المشاهد التي تعلِّم الطفل الصغير الذي يقرأ : إن الإسلام واحد ، كما هو في السنة هو في الشيعة .
من السهل جدّاً أن تكتب هذه ، ومن السهل جدّاً ـ في سياق الكلام القصصي والروائي البسيط الذي يغري الطفل ويستهويه ـ أن تدرس المعلومات المطلوبة عن حقيقة الشيعة ، إني أرجو هذا رجاء منكم لا من أجل نشر المذهب الشيعيِّ ، وإنما من أجل التقريب بين المذاهب الإسلاميَّة ، بين المذهبين الكبيرين الذين يعتبران جناحي الإسلام ...
إذا تمَّ هذا ففي اعتقادي أنَّه من الممكن أن يتآخى المسلمون بزيادة اقترابهم بعضهم من بعض ، وبهذا يمكن أن يقف الإسلام على قدميه مرَّة أخرى ، ولربَّما نستطيع أن نستعيد عصر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، الذي أعتبره امتداداً لعصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والسلام عليكم(1) .
____________
1- مع رجال الفكر في القاهرة ، السيد مرتضى الرضوي : 179 ـ 181 .