الصفحة 228

المناظرة الحادية والخمسون

مناظرة

السيِّد مرتضى الرضوي مع الشيخ عبد الرحيم عرابي

في أمر الصحابة وعائشة

قال السيِّد مرتضى الرضوي : زارني الشيخ حسن زيدان على عادته ، في مقرّي الكائن بفندق ميامي ، بشارع عبد العزيز ، أمام بناية عمر أفندي وقال : إنّي كنت قد حدَّثت الأستاذ الشيخ عبد الرحيم أحمد عرابي(1) عنك ، ويطلب مقابلتك ، وهذا الشيخ عبد الرحيم من الأساتذة والعلماء والمدرِّسين بوزارة التربية والتعليم ، ففي أيِّ وقت ممكن لك تعيينه أخبره وأحضر معه ، فأخرجت له

مجموعة من مطبوعاتنا بالقاهرة ، وكتبت عليها الإهداء له ، ودفعتها بيد الشيخ

____________

1- قال السيِّد مرتضى الرضوي : الشيخ عبد الرحيم أحمد العرابي ، المدرِّس بوزارة التربية والتعليم ، ولد بقرية عرابة أبي دوس ، محافظة سوهاج ، في : 14/3/1924 م ، دخل الأزهر عام 1938 م ، وتخرَّج عام 1953 م ، في كلّيّة اللغة العربيّة ، عيِّن مدرِّساً في وزارة التربية والتعليم عام 1950 م ، ومفتِّشاً في اللغة العربية والدين عام 1973 م ، أهم آثاره : له مجموعة من الشعر قالها في مناسبات ، كتب رسالة عنوانها : بحث عن أبي نؤاس الزاهد المفترى عليه ، له مقالات منشورة قديماً في صحيفة ( الرابطة الإسلامية ) تعرَّفت إليه في القاهرة عام 1961 م ، من علماء الأزهر الشريف ، يتحلَّى بأدب المناقشة ، وطيب القلب ، ويحبُّ أهل البيت(عليهم السلام)ويقدِّسهم ، يتميَّز بالتسامح الخلقي وحرية الفكر والمرونة .

مع رجال الفكر في القاهرة ، السيد مرتضى الرضوي : 2/227 .


الصفحة 229

حسن زيدان على أن يوصلها إليه ، فأعطاه الكتب ، وبعد أيام جاءني الشيخ حسن وقال : إن الأستاذ الشيخ عبد الرحيم عرابي مشتاق إلى زيارتك ، ففي أيِّ وقت نحضر ، فأجبته : في الليلة القادمة بعد العشاء ، وجاء بصحبته الشيخ حسن زيدان في الموعد المحدَّد ، حيث إنه كان المعرِّف له ، وبعد أن جلسنا واستقرَّ بهما المكان توجَّه نحوي الأستاذ الشيخ عبد الرحيم وقال : هل أنكم تسبُّون الصحابة ؟

فقلت : ليست هذه مسألة ـ على حدِّ تعبيركم ـ مما هو مسؤول عنه الشيعة ، ولا هو محسوب عليها ، ولا هو منبثق عنها ، بل يا ترى ماذا تؤدّي إليه هذه النصوص ، والحقائق التاريخية التي جاء بها أوثق المصادر ، بل وجاء بها الكتاب والسنّة ، وأعظم رجال المسلمين وأقدمهم .

فهل تنكر حضرتك ما ورد عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : من آذى شعرة مني فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله(1) ، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها(2) ؟

وقال ابن قتيبة : قال عمر لأبي بكر : انطلق بنا إلى فاطمة ، فإنّا قد أغضبناها(3) ، أليس هذا إحساس منهما بأنَّهما قد أغضباها وآذياها ؟(4) ، قال الله

____________

1- تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 54/308 ، الجامع الصغير ، السيوطي : 2/547 ح8267 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 12/95 ح34154 ، فيض القدير ، المناوي : 6/24 ح8267 .

2- راجع : الأمالي ، المفيد : 95 ، الأمالي ، الطوسي : 427 ح11 ، كنز العمال المتقي الهندي : 2/111 ح34237 ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : 2/56 ح32 و72 ح24 .

3- الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : 1/31 وقد تقدَّم هذا النصُّ في الجزء الأول : 196 .

4- فقد روى أصحاب السنن أن فاطمة (عليها السلام) ماتت وهي غضبى على أبي بكر ، روى البخاري ، عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أن فاطمة (عليها السلام) ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مما أفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال : لا نورِّث ، ما تركنا صدقة ، فغضبت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفِّيت .

راجع : صحيح البخاري : 4/42 ، مسند أحمد بن حنبل : 1/6 ، السنن الكبرى ، البيهقي : 6/300 ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 8/28 ، فتح الباري ، ابن حجر : 6/139 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 7/242 ح18769 .


الصفحة 230

تعالى : {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(1) ، وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً}(2) ، وقال تعالى : {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً}(3) .

وقال الشهرستاني : الخلاف الثاني في مرضه أنه قال : جهِّزوا جيش أسامة ، لعن الله من تخلَّف عنه(4) .

وفي سبر هذه النصوص نجد أن هناك لعناً قد يتذرَّع به من الكتاب أو السنّة في التعرية أو الاستنكار ، بيد أنه لم يكن الكتاب ولا السنّة ليتذرَّع بالسبِّ أو النبز أو الوصم والتعيير ، فهل تنكر حضرتك تخلُّفهم عن جيش أسامة ؟

فابتسم ضاحكاً ثمَّ قال : ما رأيكم في أمِّ المؤمنين عائشة ؟

قلت : قال الله تعالى : {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}(5) ، وعائشة في حرب الجمل سبَّبت

____________

1- سورة التوبة ، الآية : 61 .

2- سورة الأحزاب ، الآية : 57 .

3- سورة الأحزاب ، الآية : 58 .

4- الملل والنحل ، الشهرستاني : 1/23 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 6/52 .

5- سورة النساء ، الآية : 93 .


الصفحة 231

قتل عشرين ألفاً من المسلمين(1) .

ثمَّ نقلت للشيخ عبد الرحيم كلام الدكتور طه حسين حولها(2) ، وقد تقدَّم في محادثاتنا معه ..

فقام الأستاذ الشيخ عبد الرحيم عرابي مستأذناً ، وخرج مقتنعاً .

قال ابن عبد ربِّه : دخلت أم أوفى العبديَّة على عائشة بعد وقعة الجمل ، فقالت لها : يا أمَّ المؤمنين ! ما تقولين في امرأة قتلت ابناً لها صغيراً ؟ قالت : وجبت لها النار ، قالت : فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفاً في صعيد واحد ؟ قالت : خذوا بيد عدوَّة الله(3) .

وماتت عائشة في أيام معاوية ، وقد قاربت السبعين ، وقيل لها : تدفنين مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قالت : لا ، إني أحدثت بعده حدثاً ، فادفنوني مع أخواتي في البقيع ، وقد كان النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لها : يا حميراء ! كأني بك ينبحك كلاب الحوأب ، تقاتلين عليّاً وأنت له ظالمة .

وقال ابن عبد ربِّه : أخرج أبو بكر بن أبي شيبة ، عن ابن أبزى قال : انتهى عبد الله بن بديل إلى عائشة وهي في الهودج ، فقال : يا أم المؤمنين ! أنشدك بالله ، أتعلمين أني أتيتك يوم قتل عثمان فقلت لك : إن عثمان قد قتل فما تأمرينني فقلت لي : إلزم عليّاً ، فوالله ما غيَّر ولا بدَّل ؟ فسكتت ، ثمَّ أعاد عليها فسكتت

____________

1- أخرج ابن عبد ربِّه عن سعيد بن قتادة قال : قتل يوم الجمل مع عائشة عشرون ألفاً ، منهم ثمانمائة من بني ضبّة كما في العقد الفريد : 3/105 ط . المكتبة التجارية بمصر .

2- قال السيِّد الرضوي : كنت عند الدكتور طه حسين ، وكان معي الدكتور حامد حفني داود ، فسألته عن رأيه في عائشة فقال : كان أحد الأساتذة يقول : لو أدركت عائشة ... أقعدتها في بيتها ; لقوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاُْولَى) .

3- العقد الفريد : 3/108 ط ، المكتبة التجارية بمصر ، عام 1353 هـ ـ 1935 م .


الصفحة 232

ثلاث مرَّات ، فقال : اعقروا الجمل ، فعقروه ... إلخ(1) .

____________

1- مع رجال الفكر في القاهرة ، السيِّد مرتضى الرضوي : 2/229 ـ 232 .


الصفحة 233

المناظرة الثانية والخمسون

مناظرة

السيِّد مرتضى الرضوي مع الأستاذ

عبد الهادي مسعود في مسألة المتعة وظلامة فاطمة (عليها السلام)

قال السيِّد مرتضى الرضوي : وفي إحدى زياراتي له(1) في داره قلت : أجد

____________

1- قال السيِّد مرتضى الرضوي دام مؤيَّداً : الأستاذ عبد الهادي مسعود الأستاذ بوزارة الثقافة والإرشاد القومي ، ومدير الفهارس العامة بدار الكتب المصرية ، ولد بمدينة الفيوم في 19/2/1924 م ، حصل على ليسانس الآداب عام 1946 م ، رائد دار المنتدى الثقافي ، وشعارها : الثقافة سبيل الحرّيّة ، اختير مديراً للمكتبات الفرعيّة بدار الكتب المصريّة عام 1955 م ، عيِّن وكيلا لدار الكتب المصريّة عام 1968 م ، أهم آثاره : شخصيات في السياسة والمجتمع ، والثورات الحديثة في الشرق ، وله مقدِّمة لكتاب حقيقة الفلسفات الإسلاميّة ، ومؤلَّفات أخرى مطبوعة ، تعرَّفت إليه عام 1958 م ، رجل الثقافة والعلم ، والأبحاث العميقة في مختلف حقول المعرفة ، له مقدِّمة لكتاب وسائل الشيعة ومستدركاتها ، تعرَّض بها لما يمتاز به الفقه الشيعي من الأصالة والدقّة والعمق ، كتب مقدِّمة أخرى لكتاب المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي ، استعرض فيها أوجه ضرورتها للمجتمع الإسلامي ، وأصالة تشريعها في الكتاب والسنّة ، كتب مقدِّمة ثالثة لكتاب علي ومناوئوه ، عرض فيها الأحاديث الدالة على أحقّيّة الإمام علي (عليه السلام) بالخلافة بعد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والإمام أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) هو وزير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وخليفته من بعده ، ثمَّ ذكر معاوية بن أبي سفيان وأنَّه من شجرة الفساد بني أميّة ، وأن أمَّه آكلة الأكباد ، وهي التي نهشت جسد حمزة عمِّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولاكت كبده ... إلخ .

مع رجال الفكر في القاهرة ، السيِّد مرتضى الرضوي : 2/267 .


الصفحة 234

في كتبكم خلافاً بيننا في بعض المسائل والأحكام وغيرهما .

فأجاب الأستاذ : ـ زي إيه ـ نظير أيِّ شيء ؟

فقلت : أشياء وخلافات تاريخيّة وفقهيّة كثيرة .

فأجاب قائلا : الحديث الذي تراه وفي نظرك أنه فيه خلاف أثبته

لي بمنطق العلم ، وأنا أكتب عنه ، ولا يهمّني لو خالفت العالم كلَّه ، إنّما المهمُّ أن أقتنع به .

فقلت له : ومنها مسألة المتعة ، فهي عندنا ـ أي الشيعة الإماميّة ـ

جائزة(1) ، وعندكم محرَّمة ، وقد أحلَّها الله تعالى في كتابه العزيز فقال :

{فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}(2) ، وهذا هو نصُّ القرآن الكريم ،

وأمَّا السنة النبويّة : فعن جابر : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على

عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر حتى نهانا عنها عمر(3) ، وأن ابن الزبير ولد من

____________

1- قال الراغب الإصبهاني في كتابه : المفردات في غريب الحديث : ص461 في مادة متع : ومتعة النكاح هي : أن الرجل كان يشارط المرأة بمال معلوم يعطيها إلى أجل معلوم ، فإذا انقضى الأجل فارقها من غير طلاق . انتهى .

وقال زعيم الحوزة في جامعة النجف الأشرف السيِّد الخوئي عليه الرحمة : إن نكاح المتعة قد ثبت في الشريعة الإسلاميّة دون أن يثبت له ناسخ ، فلم يبق للقائلين بتحريمه غير اتّباع أقوال كتبهم دون كتاب الله وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) . البيان في تفسير القرآن : 584 ، الطبعة الثانية .

2- سورة النساء ، الآية : 24 .

3- شرح معاني الآثار ، ابن سلمة : 3/27 ، فتح الباري ، ابن حجر : 9/173 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 16/523 ح45732 . وجاء في كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، لابن رشد الحفيد : 2/47 ، قال : واشتهر عن ابن عباس تحليلها ، وتبع ابن عباس على القول بها أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن ، ورووا أن ابن عباس كان يحتج لذلك بقوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)وفي حرف عنه : إلى أجل مسمَّى ، وروي عنه أنه قال : ما كانت المتعة إلاَّ رحمة من الله عزَّ وجلَّ رحم بها أمَّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولو لا نهي عمر عنها ما اضطرَّ إلى الزنا إلاَّ شقيٌّ ، وهذا الذي روي عن ابن عباس رواه عنه ابن جريج وعمرو بن دينار ، وعن عطاء قال : سمعت جابر بن عبدالله يقول : تمتَّعتنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر ونصفاً من خلافة عمر ، ثمَّ نهى عنها عمر الناس .


الصفحة 235

المتعة(1) .

ووردت روايات كثيرة في الصحاح وغيرها مما تثبت حلّيّتها ، ولا يعرف سبب ذلك ، ومع ذلك تفتون بحرمتها .

وأمَّا عندنا ـ نحن الشيعة الإماميَّة أتباع أهل البيت(عليهم السلام) ـ فهي مشروعة بل مستحبّة .

ثمَّ بعد هذا كلِّه طلب الأستاذ عبد الهادي منّي مدَّة ليراجع النصوص ، ووعدني بكتابة مقدِّمة عن هذا الموضوع بعد المراجعة ، وقد لبَّى سيادته هذا الطلب .

في ظلامات فاطمة (عليها السلام)

وفي إحدى زياراتي له في داره قلت : وقد قيل : لأجل عين ألف عين تكرم ، نبيُّ الرحمة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يخلِّف سوى ابنته فاطمة الزهراء البتول(عليها السلام) ، وقال في حقِّها أحاديث مستفيضة ، منها : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني(2) ، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو آخذ بيدها ـ أي بيد فاطمة (عليها السلام)ـ : من عرف

____________

1- جاء في كتاب محاضرات الأدباء للراغب الإصبهاني : 3/314 ما نصه : إن عبد الله بن الزبير عيَّر ابن عباس بتحليله المتعة ، فقال له ابن عباس : سل أمَّك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك ، فسألها فقالت : والله ما ولدتك إلاَّ بالمتعة . وأمُّ عبد الله بن الزبير هي أسماء بنت أبي بكر أخت عائشة ، وزوجها الزبير من حواري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد تزوَّجها بالمتعة .

2- صحيح البخاري : 4/210 ، فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : 78 ، السنن الكبرى ، النسائي : 5/97 ح8371 و148 ح8520 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 22/404 .


الصفحة 236

هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي بضعة منّي ، وروحي التي بين جنبيَّ ، فمن آذاها فقد آذاني(1) .

وقد جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً نفسه كما جاء بنصِّ القرآن الكريم ، قال الله تعالى : {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}(2) ، وقال النيسابوري : {نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ} أي يدع كلٌّ منّا ومنكم أبناءه ، ونساءه ، ويأت هو بنفسه وبمن هو كنفسه إلى المباهلة ، وإنّما يعلم إتيانه بنفسه من قرينة ذكر النفس ، ومن إحضار من هم أعزُّ من النفس ، ويعلم إتيان من هو بمنزلة النفس من قرينة أن الإنسان لا يدعو نفسه ، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : خير رجالكم علي بن أبي طالب ، وخير نسائكم فاطمة بنت محمّد(3) .

وأخرج الطبراني في الأوسط ، عن ابن عمر قال : آخر ما تكلَّم به النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : اخلفوني في أهل بيتي(4) ، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : عليٌّ خير البشر ، ومن أبى

فقد كفر(5) ، وصحَّ عن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : من أحبَّ عليّاً فقد أحبَّني ، ومن أبغض

____________

1- راجع : كشف الغمّة ، الإربلي : 2/94 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 43/54 ، الغدير ، الأميني : 3/20 ، الفصول المهمّة ، ابن الصباغ المالكي : 150 ، نور الأبصار ، الشبلنجي : 45 .

2- سورة آل عمران ، الآية : 61 .

3- تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 14/167 ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : 12/275 ح788 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 12/102 ح 34191 .

4- المعجم الأوسط ، الطبراني : 4/157 ، الجامع الصغير ، السيوطي : 1/50 ح302 ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : 2/438 ح204 .

5- تأريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : 7/433 ، رقم : 3984 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/372 ـ 373 ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : 2/78 ح80 و81 .


الصفحة 237

عليّاً فقد أبغضني ، ومن آذى عليّاً فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله(1) وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً}(2) .

وقال (عليه السلام) : عليٌّ منّي وأنا منه ، وهو وليُّ كلِّ مؤمن بعدي(3) ، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم)لفاطمة (عليها السلام) : إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك(4) .

وعن محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدِّه(عليهم السلام)أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال : أتاني جبريل فقال : يا محمّد ! إن الله يحبُّ من أصحابك ثلاثة فأحبَّهم : علي ، وأبو ذر ، والمقداد بن الأسود ، يا محمّد ! إن الجنّة تشتاق إلى ثلاثة : علي وعمار وسلمان ( أخرجه أبو يعلى الموصلي )(5) .

وحين وقف الأستاذ على هذه النصوص وتدبَّرها ، وأثارت فيه روح الحقِّ والإنصاف ، وتأثَّر بأقوال النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صرخ قائلا : أنا معك ، وسوف لا آلو جهداً

____________

1- المعجم الكبير ، الطبراني : 23/380 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/270 ـ 271 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/182 ، وقال : رواه الطبراني وإسناده حسن ، الجامع الصغير ، السيوطي : 2/554 ح8319 .

2- سورة الأحزاب ، الآية : 57 .

3- المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : 7/504 ح58 ، الآحاد والمثاني ، الضحاك : 4/279 ح2298 ، السنن الكبرى ، النسائي : 5/132 ـ 133 ح8474 ، صحيح ابن حبان : 15/374 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 12/78 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 7/381 ، الإصابة ، ابن حجر : 4/468 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/197 ـ 199 ، أسد الغابة ، ابن الأثير : 4/27 .

4- المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 3/154 ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، المعجم الكبير ، الطبراني : 1/108 ح182 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 13/156 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/203 ، وقال : رواه الطبراني وإسناده حسن ، أسد الغابة ، ابن الأثير : 5/522 ، الإصابة ، ابن حجر : 8/266 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 39 .

5- مسند أبي يعلى الموصلي : 12/143 ح6772 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 12/412 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/117 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 11/754 ح33671 .


الصفحة 238

لانتصار الحقّ ، فقدَّم لهذه الكتب بما يفرغ عن العقيدة الحقَّة(1) .

____________

1- مع رجال الفكر في القاهرة ، السيد مرتضى الرضوي : 274 ـ 281 .


الصفحة 239

المناظرة الثالثة والخمسون

مناظرة

السيِّد مرتضى الرضوي مع الأستاذ محمود محمّد شاكر

في بعض المسائل وروايات أبي هريرة

قال السيِّد مرتضى الرضوي حفظه الله تعالى : تعرفت إلى هذا الأستاذ ، والتقيت به مراراً عند المجلِّد الفنّيِّ الحاج سعد خضر ، وكان أحد علماء الأزهر الشريف جالساً عن شماله ، فجلست عن يمينه ، وبعد أن عرفني قال لي : هات المذكِّرة التي معك ، فأخرجتها من جيبي ودفعتها إليه ـ وكنت قد سجَّلت فيها بعض الحقائق التاريخيّة ـ وصار يقلِّب أوراقها ، وينظر في صفحاتها فوجد فيها ما يخالف رأيه وعقيدته وما يغيضه ، وبعد ذلك قال : سأغيضك الآن ، وأخذ يكتب عنوان داره في المذكِّرة ، وأول شيء كتبه : رسم خريطة موصلة إلى داره ، وأول ما كتب فيها : شارع أبو بكر الصدّيق .

وفي أثناء ما كان يكتب قلت له : صدّيق إيه يا أستاذ ! وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) : يا علي ! أنت الفاروق الأعظم ، وأنت الصدّيق الأكبر(1) ،

____________

1- المعجم الكبير ، الطبراني : 6/269 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/41 ـ 43 ، فيض القدير ، المناوي : 4/472 ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : 2/144 ح398 .


الصفحة 240

وقد قالهما في حقّ أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) .

وبعد ذلك سجَّل في المذكِّرة رقم تليفون منزله بمصر الجديدة ، وقال : إذا ظللت الطريق تتصل بي بهذا الرقم وتنتظرني حتى أحضر .

فأجبته فوراً ، وقلت : يا أستاذ ! نحن أتباع أهل البيت(عليهم السلام) ، وأتباع أهل البيت لا يضلّون .

وعند ذلك رفع يده وضرب بها على فخذي ، وقال : هذا لا أقدر عليه .

وبعد أن عرَّفته أن لي دار نشر في العراق سألني عن الكتب التي قمت بطبعها في القاهرة ، فذكرتها له ، ومنها كتاب : المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي للأستاذ المحامي توفيق الفكيكي .

فقال الأستاذ : هل هناك متعة الآن ؟

قلت : لا .

قال : إذن طبعتها لمن .

قلت : طبعتها للعقول المتحرِّرة ، لا المتحجِّرة ، فازداد غيضاً وسكت .

وذهبت مرَّة أنا والأستاذ رشيد الصفار(1) إلى داره في مصر الجديدة ، فسألني عن أبي هريرة ، فقلت له : رجل يقول عنه النقّاد والمحقِّقون بأنه وضاع(2) .

____________

1- قال السيِّد الرضوي في الهامش : من رجال التحقيق للآثار الإسلاميّة ، المعروفين في أنحاء العراق ومصر ، حقَّق كتباً نفيسة ، منها : ديوان الشريف المرتضى في ثلاث مجلَّدات ، طبع بمصر ، وجمل العلم والعمل للشريف المرتضى ، طبع في العراق ، ونسمة السحر فيمن تشيَّع وشعر ، وغيرها ، وكان رئيس ملاحظي الحقوق في المصرف الزراعي المركزي ـ بغداد .

2- انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي : 2/106 ، ونصه : إن الصحابة أنكرت على أبي هريرة كثرة روايته حتى قالت عائشة : رحم الله أبا هريرة ، لقد كان رجلا مهذاراً ، وفي لسان العرب مادة هذر : الهذر هو الكلام الذي لا يعبأ به ، وهذر في كلامه كفرح : أكثر من الخطأ والباطل ، والهذر : الكثير الردي .


الصفحة 241

فقال : لماذا ؟

قلت : إن أبا هريرة أحد أفراد رجال الصفة ، وهم عدّة قليلون يسعون طول النهار لتحصيل قوت يومهم ، ولذلك لا ترى لأحدهم سوى خمسة أحاديث أو ثلاثة وهكذا ، وإن أبا هريرة كان واحداً منهم ، فكيف استطاع رواية آلاف الأحاديث بعد النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟!

فقام الأستاذ شاكر ، وتناول كتاباً من مكتبته بحجم متوسِّط ، ودفعه إليَّ وقال : انظر صفحات هذا الكتاب ، وعلى كم صفحة يحتوي .

قلت : 230 صفحة .

فقال : الصفحة فيها كم سطر ؟

قلت : 23 سطراً .

فقال : اضرب أسطر الكتاب بالصفحات فكم يكون الحاصل ؟

قلت ـ بعد أن قمت بعملية الضرب ـ : 5290 سطراً .

فأخذ الكتاب بيده وقال : أنت تستكثر حفظ هذا الكتاب على أبي هريرة .

فقلت له : يا أستاذ ! كيف اختصَّ أبو هريرة بسماع هذه الأحاديث وحفظها من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولم يختصَّ بها غيره من هو أخصُّ الناس بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟!

فأجابني قائلا : أبو هريرة كان ملازماً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فأجبته : إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحضر أوقات الصلوات في المسجد ، وكان عنده تسعة أزواج ، وكان يحضر ويجيب دعوة من يدعوه من الصحابة ، وإن أبا


الصفحة 242

هريرة لم يحضر عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سوى سنة وتسعة أشهر ; لأنه أسلم في السنة السابعة من الهجرة ، وأقصاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى البحرين مع العلاء بن الحضرمي في سنة ثمان من الهجرة ، فكيف استطاع حفظ هذه الأحاديث وسماعها من النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بشكل مباشر ، مع أن سماعها يستلزم زمناً طويلا يحتاج إليه الحفظ عن ظهر القلب ؟

فلم يحر جواباً ، وبعد فترة استأذنّاه وانصرفنا(1) .

____________

1- مع رجال الفكر في القاهرة ، السيِّد مرتضى الرضوي : 2/67 ـ 71 .


الصفحة 243

المناظرة الرابعة والخمسون

مناظرة

السيِّد مرتضى الرضوي مع الأستاذ عبد الله يحيى العلوي

في النصوص والأحاديث الدالة على إمامة أميرالمؤمنين (عليه السلام)

والمذاهب الأربعة

قال السيِّد مرتضى الرضوي : تعرَّفت على هذا الأستاذ الكبير(1) في القاهرة ، في عصر الخميس 23 ذي القعدة الحرام عام 1375 هـ ، الموافق 27/11/1975 ، بواسطة الأخ الأستاذ أحمد ربيع المصري ، سكرتير عام لجنة نشر المؤلَّفات التيمورية بالقاهرة ، وكنت أتردَّد عليه في اللجنة ، وفي أحد الأيام كنت في اللجنة إذ قدَّم لي الأستاذ أحمد ربيع كتاب : المجاج ، ففتحته فرأيت قد كتب عليه الإهداء باسمي بعبارة رقيقة ، فيها صفات لا تنطبق عليَّ ولا أستحقُّها ،

____________

1- قال السيِّد مرتضى الرضوي : الأستاذ عبد الله يحيى العلوي ، من مشاهير الكتَّاب في العالم الإسلاميّ ، ولادته : ولد في ستعاموزه عام 1903 م ، حصل على الشهادة العالميّة عام 1920 م في الأزهر الشريف ، لجأ إلى أندنوسيا عام 1947 م ، انتخب عضواً في إدارة المجلس التشريعي بسنغافورة ، ونائباً لرئيس جمعية الشبان المسلمين بها ، ورئيساً لجمعية الدعوة الإسلامية وللرابطة الإسلامية ، هاجر إلى القاهرة عام 1951 م ، عيِّن مستشاراً لأعمال سفارة اليمن أكثر من مرَّة ، وممثِّلا لحكومتها في أربعين مؤتمراً دولياً وشعبياً ، وفي جامعة الدول العربية بالقاهرة .


الصفحة 244

فحمدت الله تعالى على حسن ظنِّ أستاذنا الكبير ، فذهبت لزيارته بداره العامرة بالزمالك ، بمعيَّة الأستاذ أحمد ربيع المصري ، وتفضَّل مشكوراً بإهدائه لي آثاره ، وكانت جلسة ممتعة ، ودارت بيننا أحاديث متنوِّعة ، وفي صباح الأربعاء 7/4/1976 م اتصل بي الأستاذ أحمد ربيع ، وقال : اتصلت بالأستاذ العلوي ، وعرَّفته بوصولك القاهرة ، ويمكننا مقابلته في منزله بالزمالك في غد ، الخميس 8/4/1976 م في الساعة السادسة بعد الظهر .

وحين قرب وقت الصلاة صلاة المغرب قال الأستاذ العلوي : ما حكم الصلاة في السفر عندكم ؟ الجمع أو التقصير ؟

قلت : المسافر إن نوى الإقامة في بلد يمكث فيه عشرة أيام تجب عليه الصلاة تامّة ، ولا فرق بينه وبين المقيم فيها ، ولو أن المسافر دخل بلداً لأجل عمل له فيه ، ولا يدري متى يفرغ منه ; يومين أو أسبوعاً أو أقل أو أكثر ، وحيث إنه لا يمكنه تحديده عليه أن يأتي بالصلاة قصراً ( إلى نهاية الثلاثين ) يوماً(1) ، وبعد هذه المدّة يتمُّ الصلاة ولو بقي يوماً واحداً ، هذا ما عندنا نحن الشيعة الإماميّة(2) .

ثمَّ قال الأستاذ : الأسف أن الشعب هنا يجهل حقيقة الشيعة ، ولا يعرف عنها سوى ما صوَّره له أعداؤه ! وقال : يا حبذا لو أنكم تفكِّروا بإصدار مجلّة أو نشرة ، وتباع بسعر رخيص ، تعرضوا فيها آراء الشيعة الإماميّة ومفاهيمها ، حيث

____________

1- يعني مع التردد ومع عدم العلم أنه سوف يبقى هذه المدة .

2- جاء في كتاب منهاج الصالحين للسيد الخوئي عليه الرحمة : 1/252 ـ 253 ، من قواطع السفر : الثالث ، أن يقيم في مكان واحد ( ثلاثين يوماً ) من دون عزم على الإقامة عشرة أيام ، سواء عزم على إقامة تسعة أو أقل أم بقي متردداً فإنه يجب عليه القصر إلى نهاية الثلاثين ، وبعدها يجب عليه التمام إلى أن يسافر سفراً جديداً .


الصفحة 245

إن المصريين يجهلون حقيقتها ، ولا يعرفون عنها سوى ما صوَّرها الأعداء .

وقلت : هل نصَّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على الخليفة من بعده ؟

قال : نعم ، لقد نصَّ عليها ـ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ـ بأحاديث صريحة صحيحة لا غبار عليها ، ويفهمها من تجرَّد عن التعصُّب وبغض الآل ، كما نصَّ عليها أيضاً العقل السليم .

أمَّا الأحاديث فمنها : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنّه لا نبيَّ بعدي(1) ، أنت وليُّ كلِّ مؤمن بعدي(2) ، القرآن مع عليٍّ ، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض(3) ، من كنت مولاه فعليٌّ مولاه(4) .

____________

1- تقدَّمت تخريجاته .

2- جاء في فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل : 15 : عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن عليّاً منّي وأنا منه ، وهو وليُّ كل مؤمن من بعدي .

وجاء في المستدرك للحاكم النيسابوري : 3/134 : قال ابن عباس : وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنت وليُّ كل مؤمن بعدي ومؤمنة .

وراجع المصادر الآتية : مناقب أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، محمّد بن سليمان الكوفي : 1/449 ح348 ، مسند أبي داود الطيالسي : 111 ، المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : 7/504 ح58 ، الآحاد والمثاني ، الضحاك 4/278 ـ 279 ح2298 ، كتاب السنة ، عمرو بن أبي عاصم : 550 ح1187 ، السنن الكبرى ، النسائي : 5/45 ح8146 ، صحيح ابن حبان : 15/374 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 12/78 ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 42/100 ، أسد الغابة ، ابن الأثير : 4/27 ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 8/199 ، الإصابة ، ابن حجر : 4/467 ، المناقب ، الموفّق الخوارزمي : 127 ، نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : 79 .

وجاء في أسد الغابة لابن الأثير : 4/28 عن البراء بن عازب وزاد : فقال عمر بن الخطاب : يا ابن أبي طالب ! أصبحت اليوم وليَّ كل مؤمن .

3- تقدَّمت تخريجاته .

4- تقدَّمت تخريجاته .


الصفحة 246

إن هذه الأحاديث فقط وفقط لمن أمعن في ألفاظها ، وعمق معانيها لأكبر دليل على استخلاف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام) في قومه حين خرج إلى غزوة تبوك ، كما استخلف موسى (عليه السلام) هارون على قومه واستوزره ، وإن تشبيه النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)عليّاً بهارون من موسى فيه كل الاستدلال على أن يخلفه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى .

وقصة الغدير المعروفة المتواترة وحدها ـ وحدها فقط ـ صريحة في أن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أثبت الولاية لعليٍّ ليكون خليفته ، وقد همَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكتب في مرض وفاته حين رأى الصحابة في هرج ومرج ـ كتاباً يحول بينهم وبين الضلال والتفرقة ، لو لا أن عمر بن الخطاب حال بينه وبين كتابة الكتاب .

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، صريح في أن عليّاً (عليه السلام) أصبح مولى كل مؤمن ومؤمنة .

أمَّا الدليل العقلي على أحّقيّة الإمام عليٍّ بالخلافة ـ كرَّم الله وجهه ـ فهو أن الخلافة وتولّي أمور المسلمين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يجدر أن يتولاَّها إلاَّ من كان نسيج وحده ، وقريع دهره في الشمائل والفضائل ، وقد فاق أقرانه ، وأربى على الأكفاء ، وتميَّز عن النظراء ، وترفَّع عن الأشكال ، وانفرد عن مواقف الأشباه ، لا تفتح العين على مثله ، ولا يلقى نظيره ، ولا يدرك قرينه ، كاملا في دينه ، وفي عمله ، وفي تقواه ، لإعلاء كلمة لا إله إلاَّ الله محمّد رسول الله ، ونصرة سيِّد الأنام (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكان أسبق الخلق إلى الإسلام غير مدافع ، وأفضلهم وأشجعهم ، وأتقاهم غير معارض .

وكل هذه الصفات مستجمعة في الإمام علي الذي ولد مسلماً ، وأسلم بأمر من الله تبارك وتعالى ، وتخرَّج من مدرسة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وترعرع وشبَّ


الصفحة 247

منذ نعومة أظفاره في رحاب سيِّد الوجود وإمام المتقين (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكان جهاده في سبيل الإسلام فوق كل جهاد ، وتقواه فوق كل تقوى ، وبطولاته فوق كل بطولات ، وإيمانه وزهده فوق كل زهد وإيمان ، يصغي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يناجي ربَّه وخالقه فيرتوي من أقواله وعظاته ، ويعرف الفضيلة من مصدرها ، والعرفان من ينبوعه ، والإيمان من معقله ، عرف كل ذاك وهو وليد في رحاب إمام المتقين (صلى الله عليه وآله وسلم) وحيث عني بتربيته ، يضعه النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجره ، ويضمُّه إلى صدره ، ويكنفه في فراشه ، ويمسُّه جسده الشريف (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويشمُّه عرفه ، ويريه نور الوحي .

إن شريط التاريخ حين يمرُّ على العقل السليم ، وهو يستعرض كبار الصحابة وأعمالهم فرداً فرداً ، ويقارن بينه وبين أعمال الإمام علي كرَّم الله وجهه ، وجهوده ، وجهاده ، ونشأته ، ومكانته من الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) .. إلخ ، ليحكم دون تردُّد بأنّه الأجدر بالخلافة ، والأحقُّ بها دون ريب .

أيُّ عقل ياترى لا يقرُّ أنّ عليّاً كرَّم الله وجهه أحقُّ بالخلافة ، وقد أعطاه النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الولاية ؟ وهو الذي ولد مسلماً ، وأخلص بالشهادة لله ، وسبق إلى الإسلام بدعوة من الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

أيُّ عقل ياترى لا يقول : إن عليّاً كرَّم الله وجهه ليس أحقَّ بالخلافة ، وهو الذي ولد بالكعبة ، ولم يسجد لصنم قط ، وشارك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أول صلاة صلاَّها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

أيُّ عقل لا يقول : إن عليّاً أحقُّ بالخلافة وهو الذي كان في حروب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من أوَّلها إلى آخرها ، ما عدا غزوة تبوك حيث استخلفه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على المدينة ؟


الصفحة 248

أيُّ عقل لا يقول : إن علياً أحقُّ بالخلافة وهو الذي قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : برز الإيمان كلُّه إلى الشرك كلِّه(1) ؟

أيُّ عقل لا يقول : إن عليّاً أحقُّ بالخلافة وهو الذي لم يدع بيتاً في العرب إلاّ ترك فيه ناعياً أو ناعية من أجل : لا إله إلاَّ الله محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

أيُّ عقل لا يقول : إن عليّاً أحقُّ بالخلافة ، وهو الذي قتل وحده من جيش المشركين في يوم بدر النصف ، بينما قتل المسلمون بأجمعهم وأكتعهم وأبصعهم وأكملهم النصف الآخر ؟

أيُّ عقل لا يقول : إن عليّاً أحقُّ بالخلافة ، وهو الذي قال فيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها(2) ؟

أيُّ عقل لا يقول : إن عليّاً أحقُّ بالخلافة ، وهو ظهيره ، وأخوه في الدنيا والآخرة ، وعيبة علمه ، ووارث حكمته ، وسابق الأمَّة ، وصاحب النجوى ، وباذل الأموال سرّاً وعلانية ، ووارث الكتاب ، وذو الأذن الواعية ؟

أيُّ عقل لا يؤمن بأحقّيّة عليٍّ في الخلافة ، وهو أميرالمؤمنين ، ويعسوب الدين ، وزوج البتول ، وقاتل الفجرة ، وصاحب الراية ، وسيِّد العرب ؟

أيُّ عقل لا يؤمن بأحقّيّة عليٍّ في الخلافة ، وهو الذي قال فيه عمر بن الخطاب : لو لا عليٌّ لهلك عمر(3) ؟

____________

1- شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 13/261 ، 285 و19/61 ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : 1/281 ح2 .

2- تقدَّمت تخريجاته .

3- تأويل مختلف الحديث ، ابن قتيبة : 152 ، المناقب ، الخوارزمي : 81 ح65 ، وقد تقدَّم المزيد من تخريجاته فيما سبق .


الصفحة 249

أيُّ عقل لا يؤمن بأحقّيّة الإمام عليٍّ في الخلافة ، وقد تقدَّم الشيخان : أبو بكر وعمر إليه يوم غدير خمٍّ ، وكلٌّ منهما يقول : بخ بخ لك يا بن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلِّ مؤمن و مؤمنة(1) ؟

أيُّ عقل لا يؤمن بأحقّيّة الإمام في الخلافة ، وهو الذي قال فيه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث طويل : إن الحقَّ معه حيث دار(2) ؟

إن عليّاً ـ كرَّم الله وجهه ـ هو الأحقُّ بالخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; لتلكم الصفات المجتمعة فيه ، ولا ريب :


ولم تك تصلح إلاَّ له ولم يك يصلح إلاَّ لها

وتولّي أبي بكر الخلافة من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، مع وجود الإمام الفاضل ليس دليلا على أفضليَّة أبي بكر على عليٍّ (عليه السلام) ، إنّها السياسة في كل زمان ومكان ، إنّها حصيلة يوم السقيفة ، إنّها نتاج اختلاف الآراء يوم طلب سيِّد الوجود (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الحاضرين من أصحابه أن يؤتوه دواة وصحيفة ، ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده(3) .

ثمَّ قلت : هل تنعقد الخلافة بالنصِّ أم بالإجماع ؟

أجاب : لا ريب أنّه إذا جاء النصُّ بطل ما دونه ، وهو قاعدة أصوليّة .

وقلت : ما رأيكم في فتح باب الاجتهاد ؟ وما هو السبب في غلقه ؟

____________

1- مسند أحمد بن حنبل : 4/281 ، المصنّف ، ابن أبي شيبة : 7/503 ، ح55 ، تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : 8/284 ، رقم : 4392 ، المناقب ، الخوارزمي : 156 ح184 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/233 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 5/229 و7/386 ، ينابيع المودّة ، القندوزي : 2/249 ح699 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 67 .

2- تقدّمت تخريجاته .

3- تقدّمت تخريجاته .


الصفحة 250

قال : لقد ظلَّ الاجتهاد مفتوحاً منذ الفتح ، وما زال عند الإماميّة والزيديّة ورثة أهل البيت(عليهم السلام) إلى الآن ، ولم يسدَّ بابه إلاَّ في عصر المنتصر العبَّاسي ، وبأمر من عنده ، ولأمر يجيش في نفسه ، ويخشى من تفاعله وأثره على دولته وحكمه ، خصوصاً عندما اشتدَّ الصراع بين رجالات المذاهب الفقهيّة في ذلك العصر ، وبين فقهاء الرأي وفقهاء الأثر بالأخصِّ .

ومن الأسباب التي حالت دون استمرار الاجتهاد عند أهل السنّة انقراض العلم وجمود الفكر ، وخمول الذهن ، وشلل الرأي ، وقد يكون خوف السلطة الحاكمة من استمرار الاجتهاد ، وتصدّي المجتهد لأوضاعهم ، والفتوى ضدَّهم ، عاملا من عوامل غلق باب الاجتهاد وتفشّي الجمود الفقهيِّ .

ثمَّ قلت : هل أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) باتّباع أحد المذاهب الأربعة ؟ وما رأيكم فيها ؟

قال : كيف يأمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) باتّباع مذهب معين في زمن لم تكن فيه تلكم المذاهب ؟ لقد كان الصحابة يرجعون في النوازل إلى الكتاب والسنّة ، وإلى ما يتمخَّض لديهم من النظر عند فقد الدليل ، وكذلك تابعوهم ، فإن لم يجدوا نظروا إلى ما أجمع عليه الصحابة ، فإن لم يجدوا اجتهدوا ، واختار البعض قول صحابيٍّ أو تابعيٍّ أو إمام حين يطمئنُّ إلى الدليل ويأنس به ، ولا يتعيَّن على المسلم أن يتقيَّد بتقليد مذهب معيَّن ، ولم ينقل عن السلف الحجز في ذلك ، وتقليد أئمّة المذاهب الأربعة ، وعدم التقيُّد بتقليد مذهب أو قول معيَّن أمر جائز ، والتلفيق بين أقوال المذاهب لا محذور فيه {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(1) .

____________

1- سورة البقرة ، الآية : 185 .


الصفحة 251

والالتزام بتقليد إمام أو مذهب معيَّن لم يحدث إلاَّ في القرن الثالث من الهجرة ، وبعد فناء القرون التي أثنى عليهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن المؤسف أن الحكَّام في ذلكم العصر والسياسة لعبت دورها في تقييد الشعب المحكوم عليه بتقيُّد مذهب معيَّن ، تمشّياً على مذهب : الناس على دين ملوكهم .

على أنّه قد تواترت الروايات عن الإمام مالك أنه حين قال له الرشيد : إنه يريد أن يحمل الناس على مذهبه ، نهاه عن ذلك ، وكذلك الإمام الشافعي القائل : إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي ، وقال أبو حنيفة : لا ينبغي لمن لا يعرف دليلي أن يفتي بكلامي ، وقال أحمد : لا تقلِّدني ولا تقلِّدن مالكاً ولا غيره .

لقد شوِّهت الحقائق ، واتهم كل فريق الآخر بشتَّى التهم ، ورماه بما ليس فيه ، وكانت النتيجة الحتميَّة هي القطيعة بين مئات الملايين من المسلمين مع الأسف الشديد .

إن هناك ـ ولا ريب ـ خلافات في المذاهب ، ولكن لم تمسَّ ـ والحمد لله ـ أركان الإسلام ، على أنها بفضل انتشار الشيعة ، وتعارف بعضهم بعضاً ، وأخذ الحقائق الفقهيّة والعلميّة من مصادرها ، قد وهنت خيوطها وضعفت أسبابها ، وكادت تتلاشى في المجتمعين الشيعيِّ والسنّيِّ ، وعرف كل منهم أن ما بين تلكم المذاهب من خلافات لم تمسَّ الجوهر من كل مذهب ، ولا تستوجب القطيعة والتكفير برغم تعصُّب الكثيرين من أهل السنّة الذين يجهلون مذهب الإماميّة ، ويروون الموبقات ـ مع الأسف ـ عنهم .

إنّها الآراء الجامحة ، والأقلام الطائشة ، والحكومات الحاكمة ، والجهل المتفشّي ، والتعصُّب الأعمى ، كل ذلك مجتمعة أو بعضها قد فعل فعله في الماضي ، وما زال عالقاً بالأذهان ، وضخّمه وبالغ فيه ، لا عن قصد ولكن عن


الصفحة 252

جهل وعصبيّة .

وعلى علماء المسلمين ـ وهم المسؤولون أولا ـ أن يعطوا بكل ما أوتوا من قوّة وسلطان للتقريب بين المذاهب ، وتبادل الزيارات ، وتعرُّف بعضهم إلى بعض ، ويزيلوا تلكم الحوائط الثلجيّة ، ولا ريب مع الإخلاص في العمل ، وإزالة الأتربة عن العقول المتحجِّرة ، وعن التزمُّت ، سوف تذوب تدريجيّاً ، ويتمُّ اللقاء بين الطوائف الإسلاميّة على وجهه الأكمل إن شاء الله .

وسألت الأستاذ عن أبي هريرة ، وقلت : ما رأيكم في أبي هريرة ؟ وفي أحاديثه ؟

أجاب : رأيي فيه رأي عمر بن الخطاب حين ضربه بالدرّة ، فلقد قال فيه : أكثرت ـ يا أبا هريرة ـ من الرواية ، وأحرى بك أن تكون كاذباً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(1) ، ثمَّ هدَّده وأوعده أن يترك الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فإنّه ينفيه إلى بلاده .

وقد أخرج ابن عساكر من حديث السائب بن يزيد : لتتركنَّ الحديث عن رسول الله أو لألحقنَّك بأرض دوس ..(2) ، وجاء مثل هذا في البداية والنهاية(3) .

وقلت : هل زرتم مراقد أهل البيت(عليهم السلام)في العراق ؟ وما هي انطباعاتكم عنها ؟

قال : لقد كان لي شرف زيارة تلك البقاع الطاهرة ، حيث يرقد أهل

____________

1- شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 4/68 .

2- تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 50/172 ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 2/600 ـ 601 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/115 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 10/291 ح29472 .

3- البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/115 .


الصفحة 253

البيت (عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً ، ولا أقول إلاَّ :


تلك أرض قدِّست تربتها واستقرَّ المجد في أبوابها

كيف لا تصبح أسمى مشهد وبنو خير النبيين بها

ثمَّ قلت للأستاذ : هل اجتمعتم بعلماء الشيعة الإماميّة المتمسِّكة بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ؟ وما هي انطباعاتكم عنها ؟

قال سيادته : لا شك أن علماء الشيعة المتمسِّكين بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)الذين حملوا مشعل شريعة جدِّهم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) على هدى ونور من الله ، وأأسف جدَّ الأسف إذ لم يكن لي حظُّ التعرُّف بأولئك الأعلام ، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يتيح لي زيارتهم في مدائنهم .

وسألت الأستاذ عن رأيه في الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق ، وفي فتواه بجواز التعبُّد بمذهب الشيعة الإماميَّة التي أصدرها عام 1959 م ؟

أجاب : التعبُّد بمذهب الإماميّة لا يحتاج إلى استئذان من شيخ الأزهر ، أو عالم أزهر ، حسب أن مذهب الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، ( الذي هو ) أعلم الناس باختلاف الفقهاء(1) ، وأكمل أهل زمانه ، وأورعهم ، وأنصحهم لله ، ملأت آثاره دنيا العرب والإسلام(2) ، مذهب اعتصره صاحبه من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ومن أحاديث جدِّه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) .

____________

1- راجع شهادة أبي حنيفة في حقِّ الإمام الصادق (عليه السلام) : تهذيب الكمال ، المزي : 5/79 ـ 80 ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 6/258 . إذ قال : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد(عليه السلام) .

2- قال الجاحظ : جعفر بن محمّد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه . رسائل الجاحظ ، السندوبي : 106 ، وراجع أيضاً قول بعضهم مثل هذه الكلمة في حقِّ الإمام (عليه السلام) في : شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 15/274 .


الصفحة 254

ثمَّ قلت : ما رأيكم حول التقريب بين المذاهب الإسلاميّة ؟

قال : الدعوة إلى التقريب بين المذاهب مطلوب من كل مسلم ; لكون المسلم أيّاً كان مذهبه أخوه ، يحرم عليه عرضه ودمه وماله ، والمسلم أخو المسلم ، لا يخذله ولا يهجره ، ولا يبغضه ، والحبُّ في الله والبغض في الله من الدين .

ومن الأسف الشديد أن أكثر علماء السنّة يجهلون حقيقة المذهب الإماميّ ، ويتناقلون دائماً عمّا سمعوه من تقوُّلات حول الشيعة ، وورثوه جهلا عن آبائهم وأجدادهم ، من تفشّي زواج المتعة بينهم ، وتأليههم للإمام عليٍّ (عليه السلام) ، الأمر الذي ليس له وجود بينهم اليوم ، رغم أن زواج المتعة لو طبِّق اليوم لما وصل التفسُّخ بشباب المسلمين إلى ما وصل إليه الآن .

إن علماء السنة كثيراً ما ينسبون إلى الشيعة كافة ـ بما فيهم الإماميّة ـ قولا لغلاة الشيعة ، أو لفقيه من الإماميّة خالف علماءهم جميعاً ، أو قولا لجاهل لا يفهم عن التشيُّع شيئاً ، والشيعة الإماميَّة أنفسهم لا يقرُّون به ; لأنه قول فرد أو أفراد خالفهم فيه أكثر فقهاء المذهب نفسه ، وقول مجتهد أو جماعة من المجتهدين لا يكون حجّة على الآخرين .

ومن الخطأ أن ينسب إلى مذهب الإماميّة قول وجد في كتاب عالم منهم ، ومن عرف طريقتهم ، وتتبَّع كلمات علمائهم تجلَّت له هذه الحقيقة بأوضح معانيها ، وما أحوج علماء الشيعة والسنّة اليوم إلى التزاور والتآلف ليعرف بعضهم بعضاً على حقيقته ، وليقطعوا دابر الساسة الذين فرَّقوا المسلمين إلى مذاهب .

ثمَّ قمت بعد أن انتهت الجلسة ، فاستأذنته وانصرفت(1) .

____________

1- مع رجال الفكر في القاهرة ، السيد مرتضى الرضوي : 2/199 ـ 214 .