الصفحة 255

المناظرة الخامسة والخمسون

مناظرة

الشيخ محمّد الشيعي والأستاذ عادل فيصل السوري

في إسلام آباد في عدالة الصحابة

قال الشيخ محمّد الشيعي في كتيِّبه ( مناظرة لطيفة ) : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه ، وأفضل بريَّته محمَّد وعلى آله الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين .

الساعة تشير إلى الرابعة والنصف بتوقيت الإمارات العربيّة المتّحدة ، وأنا في مطار دبي الدولي ، وفجأة أذيع من مكبِّرات الصوت : على المسافرين إلى إسلام آباد على متن الخطوط الجوّيّة البريطانيّة التوجُّه إلى البوابة رقم : 4 ، وذهبت أنا وبقيَّة المسافرين ، وبعد أن عبرنا العوائق الإداريّة دخلنا الطائرة ، وجلست على المقعد المقرَّر سلفاً ، وجلس إلى جنبي شابٌّ مهذَّب وسيم متديِّن ،عرَّف فيما بعد نفسه باسم : عادل عبد العزيز فيصل ، من أهل حلب ـ الجمهوريّة العربيّة السوريّة(1) ، وأقلعت الطائرة من أرض المطار ، وبدأ الحديث والتعارف ،

____________

1- خريج جامعة دمشق ـ كلّيّة الشريعة .


الصفحة 256

فعرَّفت نفسي بأني محمّد ، فصلَّى على الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلا : اللهم صلِّ وسلِّم عليه .

فهاجسني حسُّ الفضول ، وقلت : إن هذه الصلاة بتراء .

قال : وما معنى ما تقول ؟

قلت له : وقد جاء في الحديث المرويِّ عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن من صلَّى عليه ولم يذكر آله فإن صلاته بتراء(1) ، فنظر إليَّ بنظرات تنطوي على كلمات وكلمات ، وبعد هنيئة فتح فاه ، وقال : إنّك شيعيٌّ ؟

قلت : نعم ، فاستوى جالساً كأنّه استنكر ، وأراد أن يقول شيئاً لكنّة نكل ،

____________

1- أخرج الشعراني حديث الصلاة البتراء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تصلُّوا عليَّ الصلاة البتراء ، قالوا : وما الصلاة البتراء ؟ قال : تقولون اللهم صلِّ على محمّد وتمسكون ، بل قولوا : اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد ، فقيل : من أهلك يا رسول الله ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : علي وفاطمة والحسن والحسين .

كشف الغمّة ، الشعراني : 1/219 فصل في الأمر بالصلاة على النبي ، ط . مصر 1327 ، المطبعة الميمنية ، فضل آل البيت ، المقريزي : 43 ، الصواعق المحرقة ، ابن حجر : 225 في الآيات النازلة في أهل البيت(عليهم السلام) ، الآية الثانية ، ينابيع المودّة ، القندوزي : 1/37 ح14 و12/434 .

قال ابن حجر في الصواعق : 349 ، في مشروعية الصلاة عليهم(عليهم السلام) : أخرج الدار قطني والبيهقي حديث : من صلَّى صلاة ولم يصلِّ فيها عليَّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه .

وروى الطبراني في المعجم : 17/251 ـ 252 عن عقبة بن عمرو قال : أتى رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)حتى جلس بين يديه ، فقال : يا رسول الله ! أمَّا السلام عليك فقد عرفناه ، وأمَّا الصلاة عليك فأخبرنا بها كيف نصلّي عليك ؟ فقال : إذا صلَّيتم عليَّ فقولوا : اللهم صلِّ على محمّد النبيِّ الأمّيِّ وعلى آل محمّد كما صلَّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد .

وقال الشافعي في وصفهم ، ومنبِّهاً على هذا المعنى في فضلهم :


يا أهل بيت رسول الله حبُّكم فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنكممن لم يصلِّ عليكم لا صلاة له

الصواعق المحرقة ، ابن حجر : 228 ، نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : 18 .


الصفحة 257

وأراد أن يبطش لكنّه امتنع ، وتمالك أعصابه ، ثمَّ قال : أنتم تُكفرون وتَلعنون وتسبُّون أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنصاره ، وهم أمان أهل الأرض ، ومن شهد لهم بالجنة ، فهم النجوم ، ومن سبَّهم فهو زنديق .

وأراد أن يضيف لكنَّه أمسك ، وكأنّه ندم من سرعة انفعاله ، وحدّة مواجهته ، فسكت ، وأضاف قائلا : معذرة .

قلت وفي نفسي حزازة : لا عليك يا حبيبي ، ربما قرأت أو سمعت أو نُقل إليك ممّا حدا بك أن تنفعل ، رغم أنّك مؤمن مهذَّب مثقَّف ، وتتقوَّل علينا ما ليس فينا ، وقبل الخوض في البحث حول هذا الموضوع أذكر لك حادثة لطيفة ، أهدِّىء روعك وأسكِّن غضبك ؟

فابتسم وضحكت أنا ..

كنت أدرس عند أستاذ بليغ ـ وساق قصة ترتبط بأستاذه إلى أن قال : فيا أخي عادل ! دع عنك كلمات الانتهازيّين الذين بينهم وبين الحقّ هوَّات وفواصل ، ولكنّهم تستَّروا بالحقِّ والدين لأجل مناصبهم ومصالحهم وراحتهم ووجاهتهم على حساب الدين والمتديِّنين ، كما أوضحت لك ، والعاقل تكفيه الإشارة ، ولله درُّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) حيث قال : الحق لا يعرف بالرجال ، اعرف الحق تعرف أهله(1) .

فشاهدت صديقي يومي إليَّ بالتصديق ، وكأنه يقول : هذا قطرة من بحر .

وقال عادل : أودُّ أن أذكر أفضح من هذا ، وأنا أدرس في جامعة دمشق كلّيّة الشريعة ...

____________

1- روضة الواعظين ، الفتال النيسابوري : 31 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 40/126 .


الصفحة 258

وفجأة قاطعته المضيِّفة معلنة شدَّ الأحزمة للهبوط في مطار إسلام آباد .

فقال : يا أخي ! ولو لم نصل إلى جواب ، ولكن كانت فرصة سعيدة ووقتاً طيّباً ، أثَّرت في نفسي ، وأودُّ زيارتك ، أو أن تزورني .

قلت : نعم ، وهذا يسعدني ، وإني سأنزل في فندق كلف .

وقدَّمت له العنوان ، ووعدني بالزيارة ، وهبطت الطائرة ، وتابع كل واحد منّا سفره ، وفي الساعة 53/11 مساء وصلت الفندق المذكور ، وحللت في الغرفة المخصَّصة مسبقاً ، وقضيت ليلة هادئة ، وفي الصباح الباكر بعد أداء الفريضة عاودت النوم ، فما استيقظت إلاَّ أثر جرس الهاتف ، فرفعت السماعة فإذا هو صديقي قد اتصل بي ، وطلب زيارتي ، فحدَّدت له الساعة الخامسة مساء وقتاً للقاء ..

في الوقت المقرَّر ذهبت إلى الصالة منتظراً صديقي ، فإذا هو جالس أمامي ، وبمجرَّد أن رآني قام وأخذ يدي بقوَّة ، وحيَّاني بحرارة ، وضمَّني إليه ، وبعد المجاملة وكلام قصير حول السفر دخلنا في صلب الموضوع الذي شرعناه في الطائرة .

فقلت له : سيِّدي ! ذكرت حول الصحابة من كلام الحبيب المختار وسيِّد الأبرار (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحان الآن الوقت والمجال لنبحث عن حقيقة هذا المقام بالشكل الموضوعيِّ المناسب ، بما لا يوجب الإسهاب والتضجُّر ، وبالاختصار ، مدعَّماً بالأدلة المقنعة إن شاء الله تعالى .

فأجابني بما فيه الرضا والقبول ، وتوجَّه إليَّ بشره عجيب ، ودقّة متناهية مما دعاني إلى الحيطة والحذر في الكلام .

فقلت : الصحابة من الصحبة ، والصحبة في اللغة : المعاشرة أو الملازمة ،


الصفحة 259

يقال : صحبته أصحبه صحبة ، فأنا صاحب ، والجمع صحب وأصحاب وصحابة .

وفي الاصطلاح : قال ابن حجر العسقلاني : وأصلح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤمناً به ، ومات على الإسلام ، فيدخل فيه من لقيه ، طالت مجالسته أو قصرت ، أو من روى عنه أو لم يرو ، ومن غزا أو لم يغز ، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ، ومن لم يره لعارض . انتهى كلامه(1) .

نظريَّات حول الصحابة

وهناك نظريّات مختلفة حول الصحابة .

1 ـ الكامليّة :

وهذه الفرقة كفَّرت جميع الصحابة .

فغضب عادل .

قلت : مهلا يا حبيبي ! فإن هذا القول بدرجة من السخافة بحيث لا ييستحقُّ البحث ; لعدم الجدوى .

2 ـ جمهور العامة :

قائلين : بأن الصحابة عدول ثقات ، لا ينالهم الجرح ولا التعديل ، ولا يجوز توجيه الكذب إلى رواياتهم ، والردُّ على أقوالهم .

قال ابن حزم : الصحابة كلُّهم من أهل الجنة قطعاً(2) .

والحاصل : أنّهم معصومون من الخطأ .

____________

1- الإصابة ، ابن حجر : 1/158 ، معرفة الثقات ، العجلي : 1/95 .

2- الإصابة ، ابن حجر : 1/163 .


الصفحة 260

3 ـ الحدّ الوسط

لا هذا ولا ذاك ، بأن الصحابة غير معصومين ، ولو كان أكثرهم عدولا ثقاتاً ، ولكن فيهم من ليس كذلك .

وهذا يظهر من كلام ابن العماد الحنبلي والشوكاني والمارزي والرافعي وغيرهم(1) ، وجميع علماء الشيعة .

وخلاصة قولهم : أن في الصحابة منافقين ، وهم الذين جرَّعوا النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم)غصصاً ومآسي ، كما يشهد عليهم القرآن المجيد ـ سورة المنافقين .

أدلة الطرفين :

1 ـ قول جمهور العامة :

واستدلَّ جمهور العامة بالحديث النبويِّ الشريف : لا تؤذوني في أصحابي(2) ، وحديث : لا يدخل النار مسلم رآني ، ولا رأى من رآني ..(3) .

فقاطعني عادل : صحيح هذا ، ومنقول بالتواتر .

قلت : طيِّب ، ولكن الحديث الشريف يشمل أبا جهل وأبا لهب والحكم بن العاص وعبيد الله قاتل هرمزان المسلم المؤمن ، وقد قال تعالى : {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ}(4) .

والسؤال الذي يطرح نفسه : هل أن الحديث يشمل هؤلاء أيضاً أم لا ؟ أمَّا

____________

1- راجع : النصائح الكافية ، ابن عقيل : 162 ، الإصابة ، ابن حجر : 1/163 .

2- تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 21/83 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ، القاضي عياض : 2/308 .

3- كتاب السنة ، ابن أبي عاصم : 616 ح1485 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 17/357 ، الإصابة ، ابن حجر : 4/436 ح5635 .

4- سورة النساء ، الآية : 93 .


الصفحة 261

شموله لهم فإنه ينافي حكم المنطق والعقل ، وقد قيل : ما حكم به الشرع حكم به العقل .

وعدم شمولهم يؤدي إلى الإذعان بأن التعريف ناقص يحتاج إلى تكميل وترميم .

فابتسم عادل على مضض .

فقلت له : السكوت علامة الرضا .

قال عادل : سيدي ! هذا يقال للبنت الباكر إذا عرض عليها الخطوبة فسكتت .

قلت : نعم ، ولكن المورد لا يخصِّص الوارد .

وضحكنا معاً ، ثم طلبنا من الموظَّف المسؤول الشاي الهندي المركَّب من الشاي مع الحليب ، وتسامرنا ، ثمَّ عرض عليَّ السؤال التالي :

ما تقول في هذا الحديث : لا تسبُّوا أصحابي ، ومن سبَّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ؟(1)

قلت : سبحان الله العظيم ! إني أردت أن أذكر لك هذا ، ولكن كنت أتأمَّل في ذهني : هل أن الحديث مختصٌ بالمخاطبين ، أي الذين كانوا مع الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في صدر الإسلام من الصحابة ، أو أنّه عام يشمل جميع المسلمين طرّاً كما تقتضيه الأحكام الشرعية في الإسلام ، حيث تطبَّق على جميع المسلمين من صدر الإسلام إلى قيام الساعة ؟

قال عادل : لا ، بل شامل لجميع المسلمين .

____________

1- المعجم الأوسط ، الطبراني : 5/95 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 11/543 ح32545 .


الصفحة 262

قلت : طيِّب ، فهل خصِّص ، أي أخرج الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض الصحابة منهم ، أو هو عام يشمل جميع الصحابة ؟

قال عادل : كلا ، بل عام يشمل جميع المسلمين ، حيث صرَّح بحرمة سبِّ أحدهم .

قلت : وأزيدك علماً أن الخليفة عمر بن عبد العزيز كان يجلد من يسبُّ عثمان ومعاوية(1) ، ولكن ما يوجب التعجُّب والذهول أن عمل بعض الأصحاب خلاف الشمول والعموم المدّعى ، فقد أخرجوا من تحت هذا الحديث بعض الصحابة وأهل البيت(عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً .

قال عادل : كيف ؟

قلت : أما سمعت أو قرأت أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يُسَبُّ ويلعن على منابر المسلمين أربعين عاماً(2) ؟ ألم يكن صحابيّاً يشمله الحديث النبويُّ ؟ وأبا ذر الغفاري طرد ونفي ، وقد قال فيه الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما أظلَّت الخضراء ، وما أقلَّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر(3) .

وما المبرِّر لمعاوية في تشريعه لعن وسبّ صحابيٍّ في الخطب وعلى

____________

1- الغدير ، الأميني : 10/266 ، عن كتاب الصارم المسلول لابن تيمية : 272 .

2- بل روي ثمانين عاماً ، فقد روى عبد الله بن عثمان الثقفي ، قال : حدَّثنا ابن أبي سيف ، قال : قال ابن لعامر بن عبد الله بن الزبير لولده : لا تذكر ـ يا بنيَّ ـ عليّاً إلاَّ بخير ، فإن بني أميَّة لعنوه على منابرهم ثمانين سنة ، فلم يزده الله بذلك إلاَّ رفعة ، إن الدنيا لم تبنِ شيئاً قط إلاَّ رجعت على ما بنت فهدمته ، وإن الدين لم يبنِ شيئاً قط وهدمه .

شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 13/221 ، الجوهرة في نسب الإمام علي وآله(عليهم السلام) ، البري : 94 ، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه السلام) ، ابن الدمشقي : 2/230 .

3- تقدَّمت تخريجاته .


الصفحة 263

المنابر ؟ وهل سمعت أن عمر بن عبد العزيز جلد أحداً لسبِّه علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ وما الفرق بين عليٍّ وعثمان ؟ أضف إلى ذلك اختصاص عليٍّ بآية التطهير دون عثمان .

قال عادل : إن معاوية يحظى بشرف الخؤولة ، فهو خال المؤمنين من جهة أم حبيبة أمِّ المؤمنين .

قلت : نعم ، ولكن للمصاهرة والقرابة شرف ومنزلة الصحبة ، ولماذا حرم علي (عليه السلام) منها ؟ ولماذا انحصرت الخؤولة في معاوية ولم تشمل غيره ؟ ألم يكن لمحمّد بن أبي بكر شرف الخؤولة ؟ مع العلم أنه أفضل سيرة من معاوية ، فلو ذكر بسوء رضوا وأمسكوا ومالوا مع ذاكره ، ولو كان ذلك في معاوية غضبوا وأنكروا ولعنوا من ذكره بسوء ، وأردت الزيادة فسكتُّ خوفاً من صديقي أن ينزعج منّي .

قال عادل : نعم ، وهنا حديث متواتر مشهور ، وهو : أصحابي كالنجوم بأيِّهم اقتديتم اهتديتم(1) .

قلت : هذا الحديث يتنافي مع روح الإسلام وعظمته ، وحكمة الباري وعدالته(2) .

____________

1- ميزان الاعتدال ، الذهبي : 1/82 ، رقم : 296 ، لسان الميزان ، ابن حجر : 1/136 ، رقم : 425 ، تحفة الأحوذي ، المباركفوري : 10/155 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 20/11 ، فيض القدير ، المناوي : 6/386 ، المغني ، عبد الله بن قدامة : 3/535 .

2- قال بعضهم : وكيف يصح أن يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ) ؟ لا شبهة أن هذا يوجب أن يكون أهل الشام في صفين على هدى ، وأن يكون أهل العراق أيضاً على هدى ، وأن يكون قاتل عمّار بن ياسر مهتدياً ، وقد صحَّ الخبر الصحيح أنه قال له : ( تقتلك الفئة الباغية ) ، وقال في القرآن : (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) ، فدلَّ على أنها ما دامت موصوفة بالمقام على البقي ، مفارقة لأمر الله ، ومن يفارق أمر الله لا يكون مهتدياً . راجع : شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 20/28 ، الجزء الأول من هذا الكتاب : 517 المناظرة الثانية والسبعون .

وقال الحجّة السيِّد محمّد تقي الحكيم عليه الرحمة : والجواب عن هذه الأحاديث ونظائرها ـ بعد التغافل عن أسانيدها ، وحساب ما جاء في بعضها من الطعون ، أمثال ما ذكره ابن حزم عن حديث : أصحابي كالنجوم من أنه حديث موضوع مكذوب باطل ، وقال أحمد : حديث لا يصح ، وقال البزار : لا يصحُّ هذا الكلام عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ أن هذه الروايات لا يمكن الأخذ بظاهر بعضها ، ولا دلالة للبعض الآخر على المدّعى .

وأوَّل ما يرد على الرواية الأولى ونظائرها من الروايات الآمرة بالاقتداء بهم استحالة صدور مضمونها من المعصوم ; لاستحالة أن يعبِّدنا الشارع بالمتناقضين ، وتناقض سيرة الخلفاء في نفسها من أوضح الأمور لمن قرأ تأريخهم ، واستقرأ ما صدر عنهم من أحداث ، وحسبك أن سيرة الشيخين مما عرضت على الإمام علي (عليه السلام) يوم الشورى ، فأبى التقيُّد بها ، ولم يقبل الخلافة لذلك ، وقبلها عثمان وخرج عليها بإجماع المؤرِّخين ، وفي أيام خلافة الإمام نقض كل ما أبرمه الخليفة عثمان ، وخرج على سيرته ، سواء في توزيع الأموال أم المناصب أم أسلوب الحكم ، والشيخان نفسهما مختلفا السيرة ، فأبو بكر ساوى في توزيع الأموال الخراجيّة ، وعمر فاوت فيها ، وأبو بكر كان يرى طلاق الثلاث واحداً ، وعمر شرَّعه ثلاثاً ، وعمر منع عن المتعتين ، ولم يمنع عنهما الخليفة الأول ، ونظائر ذلك أكثر من أن تحصى .

وعلى هذا ، فأيَّة هذه السير هي السنّة ؟ وهل يمكن أن تكون كلُّها سنَّة حاكية عن الواقع ، وهل يتقبَّل الواقع الواحد حكمين متناقضين ؟! وما أحسن ما ناقش الغزالي ( المستصفى : 1/135 ) أمثال هذه الروايات بقوله : ( فإن من يجوز عليه الغلط والسهو ، ولم تثبت عصمته عنه فلا حجَّة في قوله ، فكيف يحتجُّ بقولهم مع جواز الخطأ ؟ وكيف تدَّعى عصمتهم من غير حجّة متواترة ؟ وكيف يتصوَّر عصمة قوم يجوز عليهم الاختلاف ؟ وكيف يختلف المعصومان ؟ كيف وقد اتفقت الصحابة على جواز مخالفة الصحابة ، فلم ينكر أبو بكر وعمر على من خالفهما بالاجتهاد ، بل أوجبوا في مسائل الاجتهاد على كل مجتهد أن يتبع اجتهاد نفسه ، فانتفاء الدليل على العصمة ، ووقوع الاختلاف بينهم ، وتصريحهم بجواز مخالفتهم فيه ثلاثة أدلة قاطعة ) .

راجع : الأصول العامة للفقه المقارن ، السيِّد محمّد تقي الحكيم : 138 ـ 139 .


الصفحة 264

قال : كلا .

قلت : مهلا يا أخي عادل ! على فرض التسليم بصحّة الحديث سنداً ونصّاً ،

الصفحة 265

ففيه أمرٌ بالأخذ ممن يصدر عليه الخطأ والجهل ، وهو غير معصوم ، ويجعل الكذب والافتراء والاختلاف هدى ، هذا صحيح ؟

قال عادل : كلا ، ليس كما تقول .

قلت : لقد روي عن المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) عدّة أحاديث مفادها : أنه سيكون بعدي أمور منكرة عن فتن مظلمة كقطع الليل ، وأمراء ضلال لا يستنّون بسنّته ، ويستأثرون بالفيء ، وأن جماعة من أصحابه يرتدُّون على أعقابهم ، ويؤمر بهم يوم القيامة ذات الشمال ، فهل هذا هدى أم ضلال ؟ أيجوز الاقتداء بهم أم لا ؟

قال عادل : إنهم مجتهدون ، وقال المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) : المجتهد إن أصاب فله أجران ، وإن لم يصب فله أجر واحد .

قلت : أولا : بعض الأصحاب اجتهدوا وقتلوا لاجتهادهم ، كما هو المعروف عن مالك بن نويرة الذي قتله خالد بن الوليد ، ونزا على امرأته لمَّا امتنع من إعطاء الزكاة إلاَّ لمن أمره الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بإعطائه له ، وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

وثانياً : ليس كل الصحابة مجتهدين ، بل فيهم أهل البادية ، ومنهم الأمّيُّون ، ومنهم من لم يسمع إلاَّ حكماً أو حكمين من الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وفجأة نظرت إلى ساعتي ، وإذا هي قد تجاوزت الثانية عشر منتصف الليل ، وشعرت من الأخ عادل ميله إلى الراحة ، وأن التعب أرهقني طول النهار ، فقلت : أستميحك عذراً ، تكلَّمت كثيراً ، وربما جرحت شعورك ، عفواً ، لا قصد لي في ذلك ، والله شاهد وهو خير شاهد .

فقال عادل : لا والله بالعكس ، إن الحبيب المختار (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها ، وقد استفدت الكثير ، وظهرت لي أمور كنت


الصفحة 266

أجهلها ، وربما تصوَّرت خلاف الحقيقة والواقع عنها ، والحمد لله ، على كل حال كانت فرصة سعيدة .

وأخذ بيدي واحتضنني ، وأضاف قائلا : أزعجتك هذه الأمسية ، وإن شاء الله غداً أزورك في نفسك الموعد الذي التقينا فيه في هذا اليوم .

فقلت : نعم ، وأنا في خدمتك ، ولحظات من حياتي لن تنسى .

وودَّعني شاكراً ، وانصرف إلى مكان إقامته .

اللقاء الثاني :

وفي اليوم التالي قبل الموعد المقرَّر بساعة تركت حجرتي ، وذهبت إلى الصالة منتظراً قدوم صديقي ، ولمَّا شاهدته قادماً قمت إليه مستقبلا ، وحيَّيته بحرارة ، وتبادلنا الكلمات المتعارفة والتحيَّات المتداولة ، وجلسنا على الطاولة في آخر الصالة لكي نتمتَّع بحرّيَّة أكثر في المحاورة ، ثمَّ بدأنا الحديث .

القول الثالث : الحد الوسط .

فقد قلنا سابقاً إن الصحبة لا تمنح الفرد تلك المناعة المسمَّاة بالعصمة ; لأن الملاك والمقياس للعلوِّ والمنزلة في الإسلام التقوى لا الصحبة ، بمفاد الآية الكريمة : {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وقول الحبيب (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا فضل لعربي على أعجميٍّ إلاَّ بالتقوى(1) ، ولأجل توضيح أكثر وبيان أوسع نستدل بالأدلّة التالية :

1 ـ الكتاب الكريم

لقد ورد في الكتاب العزيز عدّة آيات ، بل سور تدلُّ على عدم صدق نيَّة كلِّ الصحابة ، ونتعرَّض إلى بعضها :

____________

1- مسند أحمد بن حنبل : 5/411 ، المعجم الأوسط ، الطبراني : 5/86 .


الصفحة 267

قال تعالى : {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ}(1) وقال تعالى : {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ}(2) ، وقال تعالى : {لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ}(3) ، وقال تعالى : {وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ}(4) وقال تعالى : {أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً}(5) .

2 ـ السنّة الشريفة

روي عن علي أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنه قال : بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آخذ بيدي ، ونحن نمشي في بعض سكك المدينة فمررنا بحديقة ، فقلت : يا رسول الله ! ما أحسنها من حديقة ! قال : لك في الجنّة أحسن منها ، حتى مررنا بسبع حدائق ، كل ذلك أقول : ما أحسنها ! ويقول : لك في الجنّة أحسن منها ، فلمّا خلا الطريق اعتنقني ، ثمَّ أجهش باكياً ، قلت : يا رسول الله ! ما يبكيك ؟ قال : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلاَّ من بعدي ، قلت : يا رسول الله ! أفي سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك(6) .

____________

1- سورة التوبة ، الآية : 97 .

2- سورة التوبة ، الآية : 101 .

3- سورة التوبة ، الآية : 48 .

4- سورة التوبة ، الآية : 74 .

5- سورة آل عمران ، الآية : 144 .

6- مسند أبي يعلى الموصلي : 1/426 ح565 ، تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : 12/394 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 4/107 ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 42/323 ، تهذيب الكمال ، المزي : 23/239 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/118 .


الصفحة 268

وقال علي (عليه السلام) للزبير يوم الجمل : أما تذكر يوم كنت أنا وأنت في سقيفة قوم من الأنصار ، فقال لك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أتحبُّه ؟ فقلت : ما يمنعني ؟ قال : أما إنّك ستخرج عليه وتقاتله ، وأنت ظالم(1) .

وروى سهل بن سعد ، قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إني فرطكم على الحوض ، من مرَّ عليَّ شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً ، ليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثمَّ يحال بيني وبينهم .

قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش ، فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت : نعم ، فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها : فأقول : إنهم منّي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي .

وروى أبو هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيجلون عن الحوض ، فأقول : يا ربِّ ! أصحابي ، فيقول : إنَّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدُّوا على أدبارهم القهقرى(2) .

وغيرها من الروايات(3) التي تدلُّ على أن الصحبة ليست موجبة للعصمة في نفس الصحابي .

____________

1- المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 3/366 ، الأخبار الطوال ، الدينوري : 147 ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : 1/92 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 2/167 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 11/196 ح 31202 .

2- صحيح البخاري : 7/207 ـ 208 .

3- والتي منها أيضاً ما روي عن ابن المسيب أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : يرد عليَّ الحوض رجال من أصحابي ، فيحلَّؤون عنه ، فأقول : يا ربِّ ! أصحابي ، فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدُّوا على أدبارهم القهقرى . صحيح البخاري : 7/208 .


الصفحة 269

3 ـ ولا إجماع على عصمتهم

وقد ذكرت لك سابقاً قول بعض العلماء في عدم صحّة نسبة العصمة إلى الصحابة .

4 ـ العقل يرفض عصمتهم بلا ملاك

العقل يرفض أن يمنح مقام العصمة الذي هو أعلى مرتبة من مراتب القرب والمنزلة للعبد عند الله جلَّ جلاله ، والكرامة لديه سبحانه بلا ذريعة ولا عمل مبرِّر إلاَّ أن له صحبة مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا غير ، وهل هذا يكفي كمبرِّر وعذر لئلا يحترق بنار جهنم مهما فعل ؟ ولماذا نحن نحترق بنارها التي لا تمسُّ الصحابة دوننا لأننا حرمنا من الصحبة لا غير ؟

وهل العدل يذعن إلى هذا الملاك والمقياس ، أو أن العقل والمنطق يقبله ؟ كيف وهو أحكم الحاكمين يحكم حكماً لا يستسيغه العقل والحكمة ؟ تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ، وهو القائل : {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}(1) .

عود على أدلة الجمهور

وأمَّا الروايات التي ذكرتها حول الصحابة فقد ذكر العلماء فيها ما يوجب قدحاً ، إضافة إلى بعدها عن المقاييس والموازين والمعايير الشرعيّة .

قال : كيف ، وقد قال العظيم في كتابه : {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ

الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(2) ؟

____________

1- سورة النجم ، الآية : 31 .

2- سورة التوبة ، الآية 88 ـ 89 .


الصفحة 270

قلت : نعم ، هذه هي صفة بعض الصحابة ، وهم دعامة الإسلام وقوامه ، وبتضحياتهم ارتوت شجرة الدين ، وبسيوفهم ساد الحقُّ والعدل ، وزال الظلم والجور والشرك والكفر ، فهم اللبنة الأساسيّة في نشر هذا الدين القويم ، ولسنا بمنكرين لفضلهم ، وقد أمرنا جلَّ جلاله في كتابه الكريم بالدعاء لهم ، حيث قال : {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلاِِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالاِْيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(1) ، صدق الله العليُّ العظيم .

ولكن الكلام ليس في هؤلاء ، بل إسداء عنوان العصمة لجميع الصحابة بلا استثناء أصلا حتى المرتكب منهم للجرائم ، ومن لعنهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بلسانه كما يظهر من تعريف ابن حجر وابن حزم .

كيف يعقل هذا من الدين ، وقد نقل المؤرِّخون حوادث وحوادث استحقَّ مرتكبها الضرب والقتل واللعن ؟ بل الأصحاب فيما بينهم كانوا يتنازعون ويتشاتمون ، وهذا هو معنى قولنا بعدم عصمة جميع الصحابة ، وأين هذا من كلام الشيخ جار الله الذي ادّعى فيه أننا نكفِّر عامة الصحابة ؟ وهل يتناسب هذا مع الذوق السليم والمسلك القويم ، إذا حملنا كلامه على صدق النيّة ومحدوديَّة الاطلاع ؟ أمَّا لو كان عالماً عامداً في نسبة هذا الكلام إلينا مع علمه لما نقول وندّعي فعلى الله جزاؤه ، وهو أحكم الحاكمين .

وأمَّا مسألة السبِّ واللعن ...

قال عادل : توجد روايات عديدة تحرِّم لعن وسبَّ المسلم ، فقد روي عن علي (عليه السلام) أنه منع أصحابه من أهل الشام ، وقال : لا تكونوا لعَّانين(2) .

____________

1- سورة الحشر ، الآية : 10 .

2- الذي وردت به الرواية الآتية هو السبّ ، وليس فيها ذكرٌ للّعن ، وهناك فرق بين اللعن والسبِّ ، فقد جاء في نهج البلاغة لأميرالمؤمنين (عليه السلام) : 2/185 ، رقم : 206 : ومن كلام له (عليه السلام) وقد سمع قوماً من أصحابه يسبُّون أهل الشام أيام حربهم بصفين : إنّي أكره لكم أن تكونوا سبَّابين ، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم ، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبِّكم إياهم : اللهم احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحقَّ من جهله ، ويرعوي عن الغيِّ والعدوان من لهج به .


الصفحة 271

قلت : نعم ، كما للعصمة ملاك ومقياس ومعيار وهو التقوى ، كذلك جواز اللعن أيضاً له ملاك ، وعليه لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا سفيان بن حرب حين هجاه بأبيات ، حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم) ، اللهم إنّي لا أحسن الشعر ، ولا ينبغي لي ، اللهم العنه بكلِّ حرف ألف لعنة(1) .

وقد روي عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنه لعن في قنوت صلاته معاوية ، وعمرو بن العاص ، وأبا موسى الأشعري ، وأبا الأعور السلمي(2) .

وقد ورد أن عائشة لعنت عثمان ولعنها ، وخرجت غضبى عليه إلى مكة(3) .

____________

1- شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 6/291 .

2- شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 16/137 .

وجاء في مسند زيد بن علي (عليه السلام) : 131 عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنه كان يقنت بالمدينة بعد الركوع ، ثم قنت بالكوفة وهو يحارب معاوية قبل الركوع ، وكان يدعو في قنوته على معاوية وأشياعه .

3- روى الشيخ المفيد عليه الرحمة في كتاب الجمل : 76 عن الحسن بن سعد قال : رفعت عائشة ورقة من المصحف بين عودتين من وراء حجلها وعثمان قائم ، ثمَّ قالت : يا عثمان ! أقم ما في هذا الكتاب ، فقال : لتنتهين عمّا أنت عليه أو لأدخلن عليك جمر النار ، فقالت له عائشة : أما والله لئن فعلت ذلك بنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يلعنك الله ورسوله ، وهذا قميص رسول الله لم يتغيَّر ، وقد غيَّرت سنّته يا نعثل .

وقال اليعقوبي في تأريخه : 2/175 : كان بين عثمان وعائشة منافرة ، وذلك أنه نقصها مما كان يعطيها عمر بن الخطاب ، وصيَّرها أسوة غيرها من نساء رسول الله ، فإن عثمان يوماً ليخطب إذ دلَّت عائشة قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ونادت : يا معشر المسلمين ! هذا جلباب رسول الله لم يبل ، وقد أبلى عثمان سنّته ! فقال عثمان : ربِّ اصرف عنّي كيدهن إن كيدهن عظيم .

وجاء في كتاب المحصول ، الرازي : 4/343 ، قال : إن عثمان أخَّر عن عائشة بعض أرزاقها فغضبت ، ثمَّ قالت : يا عثمان ! أكلت أمانتك ، وضيَّعت الرعيّة ، وسلَّطت عليهم الأشرار من أهل بيتك ، والله لو لا الصلوات الخمس لمشى إليك أقوام ذوو بصائر يذبحونك كما يذبح الجمل .

وجاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 6/215 عن بعضهم أنَّ كل من صنَّف في السير والأخبار قال : إن عائشة كانت من أشدِّ الناس على عثمان ، حتى إنها أخرجت ثوباً من ثياب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنصبته في منزلها ، وكانت تقول للداخلين إليها : هذا ثوب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبل ، وعثمان قد أبلى سنّته ، قالوا : أول من سمَّى عثمان نعثلا عائشة ، والنعثل : الكثير شعر اللحية والجسد ، وكانت تقول : اقتلوا نعثلا ، قتل الله نعثلا !

وجاء في نفس المصدر : 20/17 : ولقد كان كثير من الصحابة يلعن عثمان وهو خليفة ، منهم عائشة ، كانت تقول : اقتلوا نعثلا ، لعن الله نعثلا .

وراجع رأي عائشة في عثمان وقولها فيه : هذا قميص رسول الله لم يبل ، وعثمان قد أبلى سنَّته ، وقولها : اقتلوا نعثلا ، قتل الله نعثلا ـ في المصادر التالية :

شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 20/22 ، المحصول ، الرازي : 4/343 ، تاريخ الطبري : 3/477 ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة الدينوري : 1/72 ، لسان العرب ، ابن منظور : 11/670 .


الصفحة 272

وأتذكَّر رواية لابن البطريق في كتاب العمدة ، عن عمرو بن يحيى ، عن جدِّه قال : كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً بالمدينة ، ومعنا مروان ، فقال أبو هريرة : سمعت الصادق المصدَّق (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش ، فقال مروان : لعنة الله عليهم غلمة .. الحديث(1) .

وروى الإربلي في كشف الغمّة ، عن أبي محمّد الغمام ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : اتق الضغائن التي في صدور قوم لا يظهرونها إلاَّ بعد موتي ، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون .. الحديث(2) .

____________

1- العمدة ، ابن البطريق : 451 ـ 452 ح940 ، عن صحيح البخاري : 8/88 ، مسند أحمد بن حنبل : 2/324 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 46/455 .

2- كشف الغمّة ، الإربلي : 2/25 ، المناقب ، الخوارزمي : 62 ح 31 ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : 1/405 ح4 .


الصفحة 273

وقبل التعرُّض إلى الملاك والمعيار لجواز اللعن في الشريعة المقدَّسة نقول : إن كلام الإمام (عليه السلام) في مورد لعن ( سبِّ ) أهل الشام معناه : نهى الإمام (عليه السلام)عن التعوُّد على السبِّ واللعن ، بحيث لو رأى شيئاً لا يلائم ذوقه فتح فاه باللعن والسبِّ ، وهذا مما لاغبار عليه ، وظاهر من لفظ لعَّانين(1) ، وليس معناه أن الإمام (عليه السلام) يمنع لعن من استحقَّ اللعن ، ولو أراد هذا المعنى لقال : لا تكونوا لا عنين ، وبين الكلمتين فرق كبير يعلمه من له إحاطة بدقائق اللغة .

وحان الوقت ـ يا أخي عادل ـ لنبحث عن ملاك اللعن في الكتاب العزيز .

قال عادل : هل في القرآن ما يشير إلى جواز اللعن ؟

قلت : نعم ، ففي سورة الأعراف : {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}(2) ، وفي سورة هود : {هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}(3) ، وفي سورة غافر : {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}(4) .

ومع ملاحظة هذه الموارد ندرك أن العلّة في مشروعيّة اللعن ، وأبرز مصداق لموضوعه : الظلم .

قال عادل : وما علاقة موضوع الظلم في بحثنا ؟

قلت : نعم ، سأوضح لك ، ولكن اسمح لي أن أذكر لك هذه الرواية : عن شدّاد أبي عمار قال : دخلت على واثلة وعنده قوم ، فذكروا عليّاً فشتموه ،

____________

1- قد تقدم أن الذي جاءت به الرواية : إني أكره لكم أن تكونوا سبَّابين .

2- سوره الأعراف ، الآية : 44 .

3- سورة هود ، الآية : 18 .

4- سورة غافر ، الآية : 52 .


الصفحة 274

فشتمته معهم ، فلمَّا قاموا قال : شتمت هذا الرجل ؟ قلت : رأيت القوم شتموه فشتمته معهم ، قال : ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله ؟ قلت : بلى ، قال : أتيت فاطمة أسألها عن عليٍّ فقالت : توجَّه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه عليٌّ وحسن وحسين ، أخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل ، فأدنى عليّاً وفاطمة فأجلسهما بين يديه ، وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه ، ثمَّ لفَّ عليهم ثوبه أو كساء ، ثمَّ تلاهذه الآية : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}(1) ثم قال : اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي أحقُّ(2) .

وهذا الرجل ـ أعني أميرالمؤمنين (عليه السلام) ـ في هذه المرتبة والمنزلة التي طهَّره الله من كل رجس ، ومن كل الدنس ، ومن كل رذيلة ، أليس من الظلم شتمه ولعنه وسبُّه يا أخي عادل ؟

أتعلم أنه شتم ولعن على منابر المسلمين ، وفرض على الناس لعنه وسبُّه ظلماً وعدواناً ؟

والسؤال الوارد هنا ، هل يستحقُّ ظالمه اللعن حسب ما استفدت من الآيات التي سبق ذكرها ؟

جواب هذا السؤال إليك ، ولكن عليَّ أن أدلَّك على بعض الموارد التي توضح لك الحقيقة .

روى المسعودي ، عن الطبري ، عن ابن أبي نجيح قال : لمَّا حجَّ معاوية

____________

1- سورة الأحزاب ، الآية : 33 .

2- شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : 2/67 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 22/65 ، تفسير ابن كثير : 3/492 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/167 .


الصفحة 275

طاف بالبيت ومعه سعد بن أبي وقاص ، فلمَّا فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة ، وأجلسه معه على سريره ، ووقع في علي (عليه السلام) وشرع في سبِّه ، فزحف سعد ، ثمَّ قال : أجلستني معك على سريرك ، ثمَّ شرعت في سبِّ عليٍّ ، والله لأن تكون لي خصلة واحدة من خصال كانت لعليٍّ أحبُّ إليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ... الحديث(1) .

وروي أن المغيرة بن شعبة لمَّا ولي الكوفة كان يقوم على المنبر ويخطب ، وينال من عليٍّ (عليه السلام) ويلعنه(2) .

وروي أن مروان كان يسبُّ عليّاً (عليه السلام) كل جمعة على المنبر ، وكان مروان

____________

1- وتكملة الحديث قال : والله لأن أكون صهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن لي من الولد ما لعليٍّ أحبُّ إليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله لأن يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي ما قال له يوم خيبر : لأعطينَّ الراية رجلا يحبُّه الله ورسوله ، ويحبُّ الله ورسوله ، كراراً ليس بفرار ، يفتح الله على يديه ، أحبُّ إليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله لأن يكون (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي ما قال له في غزوة تبوك : ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنّه لا نبيَّ بعدي ، أحبُّ إليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، وأيم الله لا دخلت لك داراً ما بقيت ، ثمَّ نهض . مروج الذهب ، المسعودي : 3/14 ـ 15 .

2- روى الحاكم في المستدرك ، عن زياد بن علاقة ، عن عمِّه أن المغيرة بن شعبة سبَّ علي بن أبي طالب ، فقام إليه زيد بن أرقم فقال : يا مغيرة ! ألم تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن سبِّ الأموات ، فلم تسبُّ عليّاً وقد مات ؟ قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .

المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 1/384 ـ 385 ، مسند أحمد بن حنبل : 4/369 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 5/168 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 8/76 ، وقال : رواه الطبراني بإسنادين ، ورجال أحد أسانيد الطبراني ثقات .

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : 4/70 ـ 71 : قال أبو جعفر(رحمه الله) : وكان المغيرة بن شعبة صاحب دنيا ، يبيع دينه بالقليل النزر منها ، ويرضي معاوية بذكر عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، قال يوماً في مجلس معاوية : إن عليّاً لم ينكحه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنته حبّاً ، ولكنّه أراد أن يكافئ بذلك إحسان أبي طالب إليه . قال : وقد صحَّ عندنا أن المغيرة لعنه على منبر العراق مرَّات لا تحصى .


الصفحة 276

أميراً علينا(1) .

أخي عادل ! أنشدك الله ، أليس هذا ظلم ؟ فإن كان فما جزاء الظالم ؟

وقد ذكر العلاّمة الأميني عليه الرحمة في كتابه القيِّم المعروف بالغدير ، الذي لا يستغني عنه طالب الحقيقة : قد صار لعن أميرالمؤمنين (عليه السلام) سنّة جارية في أيام الأمويين ، فكان أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها عليٌّ(عليه السلام)(2) .

____________

1- العلل ، أحمد بن حنبل : 3/176 ح4781 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 57/243 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/284 .

2- قال العلاّمة الحجّة الشيخ الأميني في كتابه القيِّم الغدير : 2/101 : لم يزل معاوية دائباً على ذلك ، متهالكاً فيه ، حتى كبر عليه الصغير ، وشاخ الكهل ، وهرم الكبير ، فتداخل بغض أهل البيت(عليهم السلام)في قلوب ران عليها ذلك التمويه ، فتسنَّى له لعن أميرالمؤمنين (عليه السلام) وسبُّه في أعقاب الصلوات في الجمعة والجماعات ، وعلى صهوات المنابر في شرق الأرض وغربها ، حتى في مهبط وحي الله ( المدينة المنورة ) .

قال الحموي في معجم البلدان : 3/191 : قال الرهني : لعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) على منابر الشرق والغرب ، ولم يلعن على منبر سجستان إلاَّ مرّة ، وامتنعوا على بني أميَّة ، حتى زادوا في عهدهم : وأن لا يلعن على منبرهم أحد ، وأيُّ شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة ؟ ا هـ .

وذكر الأميني عليه الرحمة عن العقد الفريد : 2/300 : لمَّا مات الحسن بن علي (عليهما السلام) حجَّ معاوية ، فدخل المدينة ، وأراد أن يلعن عليّاً على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقيل له : إن ههنا سعد بن أبي وقاص ، ولا نراه يرضى بهذا ، فابعث إليه وخذ رأيه ، فأرسل إليه وذكر له ذلك ، فقال : إن فعلت لأخرجنَّ من المسجد ثمَّ لا أعود إليه ، فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد ، فلمَّا مات لعنه على المنبر ، وكتب إلى عماله أن يلعنوه على المنابر ، ففعلوا ، فكتبت أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى معاوية : إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك أنكم تلعنون عليَّ بن أبي طالب ومن أحبَّه ، وأنا أشهد أن الله أحبَّه ورسوله ، فلم يلتفت إلى كلامها .

وقال الجاحظ في كتاب الردّ على الإماميّة : إن معاوية كان يقول في آخر خطبته : اللهم إن أبا تراب .. إلخ ، وكتب ذلك إلى الآفاق ، فكانت هذه الكلمات يشاد بها على المنابر إلى أيام عمر بن عبد العزيز .

وإن قوماً من بني أميَّة قالوا لمعاوية : يا أميرالمؤمنين ! إنّك قد بلغت ما أمَّلت ، فلو كففت عن هذا الرجل ، فقال : لا والله حتى يربو عليه الصغير ، ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكر له ذاكر فضلا . وذكره ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : 4/57 و13/222 .

وقال عليه الرحمة : قال الزمخشري في ربيع الأبرار على ما يعلق بالخاطر ، والحافظ السيوطي : إنه كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب (عليه السلام) بما سنَّه لهم معاوية من ذلك .


الصفحة 277

فشاهدت الدموع كالدرر تتساقط بسرعة ولهفة مذهلة .. لو قدِّر لها أن تعبِّر لفظاً لقالت : رحمك الله يا أبا الحسن ، يا أميرالمؤمنين ، يا علي بن أبي طالب ، فأنت حقّاً المظلوم الذي جهلناه ، وما عرفنا قدره ومظلوميَّته ..

وخنقتني العبرة ، فأهملت دموعي بلا مشاحة ، وبعد هنيئة خيَّم علينا صمت رهيب ، وطلبت أقداحاً من الشاي ، فأحضرت بين أيدينا ...

إلى أن قال بعدما ذكر كلاماً جرى بينهما لا يتعلَّق بالمناظرة : وحان وقت الفراق بعد أن طاب لنا المقام ، وسبحان الله الذي هو لا غيره مفرِّق الأحباب ، وتعانقنا طويلا ، وعزَّ علينا الانفصال ، ولكن الدهر ذو أحوال ، وافترقنا بعدما تعاهدنا على أن نجتمع في القريب العاجل .

وبعد أيام رجعت إلى إيران ، ودوَّنت ما دار بيننا من مقال ، وإلى حديث قادم إن شاء الله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(1) .

____________

1- وجدنا هذه المناظرة مطبوعة في كتيِّب صغير باسم : مناظرة لطيفة ، في اثنين وثلاثين صفحة ، نشر مؤسَّسة : في طريق الحق ، مطبعة سلمان الفارسي سنة 1418 هـ .