ثم انظر إلى الحديث الآتي، الذي يحدد معنى الإستغفار والغفران والمغفرة بأنه الدخول في ولاية أهل البيت عليهم السلام والتمسك بهم وبهديهم وطاعتهم والإعتراف بإمامتهم بعد رسول الله وبشكل واضح.
فقد روى في مجمع الزوائد عن أبي سعيد الخدري قال، سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول (إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له (. ورواه الطبراني في الكبير والأوسط. ورواه في كنز العمال عن أبي ذر.
ومعنى الحديث أن من دخل في ولايتهم عليهم السلام غفر له، مما يؤكد معنى الإستغفار بأنه الأمان بأهل البيت والنجاة من العذاب بمتابعة أهل البيت، والهداية بالإقتداء بأهل البيت، والمغفرة بالدخول تحت طاعتهم.
وإليك الآية التالية التي تبين ترابط معنى المغفرة والتوبة والعمل الصالح والهداية والإهتداء بولاية أهل البيت عليهم السلام وإمامتهم.
قال تعالى في سورة طه الآية 82 {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى}.
روى الطبري في الجامع قال حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: أخبرنا عمر بن شاكر، قال: سمعت ثابتا البناني يقول في قوله: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} قال: إلى ولاية أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
كلمات الله:
وقال تعالى في سورة البقرة الآية 37 {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}.
قال تعالى في سورة النساء الآية 171 {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه}.
روى السيوطي في الدر المنثور قال أخرج ابن النجار عن ابن عباس قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال: (سأل بحق محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، ألا تبت علي فتاب عليه).
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس أن آدم عليه السلام قال: (اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد، سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم. اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم. فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم).
وروى في بحار الأنوار عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما نزلت الخطيئة بآدم و أخرج من الجنَّة أتاه جبرئيل عليه السلام فقال يا آدم أدع ربك، قال يا حبيبي جبرئيل ما أدعو؟ قال قل ربِّ أسألك بحق الخمسة الذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان إلا تبت علي ورحمتني، فقال له آدم يا جبرئيل سمِّهم لي، قال قل اللهم بحق محمد نبيك وبحق على وصي نبيك وبحق فاطمة بنت نبيك وبحق الحسن والحسين سبطي نبيك إلا تبت علي فارحمني، فدعا بهن آدم فتاب الله عليه، وذلك قول الله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، وما من عبد مكروب يخلص النية ويدعو بهن إلا استجاب الله له.
وهم عليهم السلام أيضا الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، فمن اتبعهم اهتدى ومن اهتدى كان على الحق ومع الحق، ومن تركهم وترك ولايتهم وهداهم ضل، ومن ضل كان على الباطل ومع الباطل، ولا يعرف الحق إلا بهم، فهم الحق وأهل الحق.
قال تعالى في سورة الأنفال الآية 8 {ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون}.
وقال تعالى في سورة يونس. الآية: 82 {ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون}.
وقال تعالى في سورة الشورى الآية 24 {ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور}.
الوسيلة إلى الله تعالى:
ولتوضيح معنى الإستغفار والغفران والمغفرة وكلمات الله المرتبطة ارتباطا وثيقا بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وولاية أهل البيت وإمامتهم، يجب أن نبين معنى الوسيلة إلى ذلك.
قال تعالى في سورة المائدة الآية 35 {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة}.
وقال تعالى في سورة الإسراء الآية 57 {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}.
والوسيلة هي القربة، والتقرب إلى الله تعالى بمحابه وبما يرضيه، وهي الإيمان كما ورد في عدد من الروايات.
فلقد روى العديد من علماء أهل السنة وكذلك الشيعة أن الوسيلة هم الأئمة المعصومين من أهل البيت عليهم السلام.
فقد روى الحاكم في المستدرك عن عثمان بن حنيف رضي الله تعالى عنه -:
أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ادع الله تعالى أن يعافيني. قال: إن شئت أخرت ذلك وإن شئت دعوت. قال: فادعه.
قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء، ويصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء:
اللهم أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمن، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك في حاجتي هذه، فتقضيها لي، اللهم شفعه في وشفعني فيه. ورواه الترمذي، وفي كنز العمال ومجمع الزوائد.
والتوسل بالنبي وأهل البيت عليهم السلام مشروع في حياة النبي وبعد وفاته.
فقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقى عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه. فقال له عثمان بن حنيف: إئت الميضأة فتوضأ، ثم إئت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح إلي حين أروح معك. فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته فيّ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أو تصبر؟ فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ائت الميضأة
ولقد توسل الأعرابي برسول الله صلى الله عليه وآله بعد وفاته وعلى مرآى ومسمع الصحابة ولم يعترض عليه أحد، ومع أنه أعرابي أي أنه ليس متبحرا في علوم الدين، لكنه فهم مشروعية التوسل من الآية القرآنية مباشرة.
قال تعالى في سورة النساء الآية 64 {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}.
روى القرطبي في الجامع لأحكام القرآن عن علي عليه السلام قال: قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أيام، فرمى بنفسه على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحثا على رأسه من ترابه؛ فقال: قلت يا رسول الله فسمعنا قولك، ووعيت عن الله فوعينا عنك، وكان فيما أنزل الله عليك {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ... الآية}، وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي. فنودي من القبر أنه قد غفر لك.
وروى السيوطي في الدر المنثور قال أخرج البيهقي عن أبي حرب الهلالي قال: حج أعرابي إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أناخ راحلته، فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر، ووقف بحذاء وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، جئتك مثقلا بالذنوب والخطايا، مستشفعا بك على ربك لأنه قال في محكم تنزيله {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}. وقد جئتك بأبي أنت وأمي مثقلا بالذنوب والخطايا، أستشفع بك على ربك أن يغفر لي ذنوبي وأن تشفع في، ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول:
يا خير من دفنت في الترب أعظمه | فطاب من طيبهن القاع والأكم |
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه | فيه العفاف وفيه الجود والكرم |
وروى ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي فديك قال: سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فتلا هذه الآية {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا
ثم إن الصحابة قد توسلوا بأشخاص معينين كما يروي ذلك البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب. فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال فيسقون.
ولقد بينت في كتابي الإبتلاء سنة إلهية على بساط العبودية أن النبي والأئمة من أهل البيت عليهم السلام، هم الوصلة بين العبودية والربوبية وهم الوسيلة إلى الله تعالى، وهم من أعظم أبواب القبول عند الله تعالى فراجعه في محله.
حقيقة الإيمان:
ثم قضية أخرى هامة جدا ترتبط بحديث الثقلين، وكذلك مرتبطة في كل النصوص التي تتعلق بولاية وإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهي قضية الإيمان، فهو والأئمة من ولده الإيمان كله، هذا ما أكدته الآيات والأحاديث وأقدم بعضها من أجل الإستدلال على أن الإيمان هو ولاية علي والأئمة المعصومين من ولده.
فلقد ربط رسول الله صلى الله عليه وآله حب وولاية علي عليه السلام بالإيمان، وبغضه وترك موالاته بالنفاق.
روى مسلم في صحيحه وأحمد في المسند والترمذي في السنن عن زر بن حبيش قال قال علي رضي الله عنه (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم إلي، أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق).
وفي النسائي وغيره (أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. ( وروى في كنز العمال عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي، حبه إيمان وبغضه نفاق والنظر إليه رأفة).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي يوم برز لعمرو بن عبد ود العامري: برز الإيمان كله إلى الشرك كله.
وقال فيه بعد ما قتله: ضربة علي لعمرو يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين.
روى في تفسير القمي، قال: حدثني جعفر بن محمد معنعنا عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن لعلي بن أبي طالب عليه السلام في كتاب الله أسماء لا يعرفها الناس. قلنا: وما هي؟ قال: سماه الإيمان فقال: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين} الآية.
وبإسناده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في قوله تعالى {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين}. قال: فالإيمان في بطن القرآن علي بن أبي طالب عليه السلام. فمن يكفر بولايته فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين.
وبناءً على ذلك كان أمير المؤمنين الإيمان كله، فكأن الآيات والأحاديث تشير إشارة صريحة على أهمية إمامة وولاية أمير المؤمنين عليه السلام، حيث ربطت موضوع ولايته وإمامته بالإيمان.
ومن أجل أن يتوضح المعنى أكثر فإنني أضيف بعض الروايات التي تبين ارتباط العشرات من الآيات القرآنية بقضية الإيمان وبولاية وإمامة أمير المؤمنين علي وأهل بيته عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام.
فقد روى في كنز العمال عن ابن عباس قال) ما أنزل الله سورة في القرآن إلا كان علي أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما قال لعلي إلا خيرا. (وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال: ما نزلت (يا أيها الذين آمنوا) إلا كان علي بن أبي طالب رأسها وأميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وآله فما ذكر علي إلا بخير. ورواه الطبراني وأبو نعيم.
السر في ترابط النصوص مع حديث الثقلين:
إن كل ما ذكرت من آيات وأحاديث توضح ما ذهبنا إليه من أن حديث الثقلين وما يتعلق في إمامة وولاية أهل البيت عليهم السلام تتداخل وتترابط في معاني ومضامين آيات عديدة جدا وتتلازم معها، وذلك أبلغ تصريح وأوضح بيان لحقيقة ما خلفه رسول الله صلى الله عليه وآله فينا من بعده، وكذلك بالنسبة لموضوع الإمامة والولاية أيضا.
وعليه فإن وصية رسول الله المتَضَمنَةُ في حديث الثقلين، صارت واضحة المعالم من خلال تطابق وتلازم وتصاقب الآيات والأحاديث مع بعضها، مع ملاحظة أنها غير متناقضة ولا يدخلها الخلل أو الإختلاف، بل هي مرتبطة ببعضها ارتباطا وثيقا، يدل دلالة واضحة على القدرة الإلهية المتينة، في كلام الوحي الصادر من رب العزة سبحانه وتعالى. وأنها كلها من نبع واحد ومصدر واحد وهو الشارع المقدس، وهذه من المعجزات الواضحة التي يعجز عنها كل البشر، فكل ما روي في علي بن أبي طالب والأئمة من أهل البيت عليهم السلام سواء كان ذلك في الآيات القرآنية أو في الأحاديث النبوية، ومن أي اتجاه أخذتها أو بحثتها أو دققت النظر فيها، فإنها قطعا ستوصلك إلى موضوع محوري أساسي وهو حديث الثقلين بكل ما يحمله من معاني ومضامين. وكما قلت فإن في ذلك دلالة واضحة على أنها من مصدر واحد وهو الله تعالى.
بينما لو نظرت إلى ما ذكرته كتب الصحاح والسنن من فضائل مصطنعة ووضعية في حق كثير ممن لم يجعل الله لهم فضائل أو مناقب، من الأمراء السفهاء أو الحكام الظلمة أو من خلال وضع أحاديث تحتوي على أحكام تلبي رغبات ذوي السلطة والنفوذ، وتبرر ارتكابهم للعديد من المخالفات، أو ربما
ولأجل كل ذلك فإنك لن تجد في معاني كل تلك الأحاديث ومضامينها ما يدل على ترابطها ودقة إحكامها وتوثيقها، لأنها من وضع الوضاعين المتملقين لمن كان يبغض أهل البيت عليهم السلام، أقول ذلك لأصحاب العقول السليمة والبصائر المتفتحة.
وأنني أدعوا كل مسلم منصف أن يطبق الميزان الذي وضحته الآن، حتى يتبين له صحة ما ذهبت إليه، وحتى تظهر له التناقضات الواضحة التي تخالف معاني النبوة ومنازل الرسالة الإلهية، التي كانت سببا رئيسيا في ظهور الخلافات والتخلف بين المسلمين. والميزان هو أن كل ما جاءنا عن الله تعالى لايمكن له أن يتناقض أو يدخله النقص أو الخلل، ولا يمكن أن يؤدي إلى الخلاف والنزاع والحيرة، لأنه من الله الخالق المدبر.
وأما إذا وجد الخلل والتناقض في الأحكام، أو تناقض الأحاديث مع الآيات فإن ذلك يعنى أن المتناقض ليس من الله تعالى بل من وضع البشر. ولذلك كان رسول الله دائما يحذرنا من هذا التناقض قائلا إذا وجدتم حديثي يخالف كتاب الله فاعلموا أنني لم أقل ذلك.
فقد روى في الكافي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: "خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى فقال: (أيها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله، فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله، فلم اقله).
وروى البيهقي عن الأصبع بن محمد بن أبي منصور أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: الحديث على ثلاث فأيما حديث بلغكم عني تعرفونه بكتاب الله فاقبلوه، وأيما حديث بلغكم عني لا تجدون في القرآن موضعه، ولا تعرفون موضعه فلا تقبلوه، وأيما حديث بلغكم عني تقشعر منه جلودكم، وتشمئز منه قلوبكم وتجدون في القرآن خلافه فردوه.
وروى البيهقي أيضا عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه سيأتي ناس يحدثون عني حديثا فمن حدثكم حديثا يضارع القرآن فأنا قلته، ومن حدثكم حديثًا لا يضارع القرآن فلم أقله.
فليس من المعقول أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقراءة البسملة في الصلاة ثم تأتي أحاديث أخرى صحيحة تنفيها، وليس من المعقول أن يأمر القرآن الكريم بمسح القدمين في الوضوء ويفعل ذلك رسول الله وعشرات الصحابة ثم يأتي حديث آخر يوجب الغسل. وليس من المعقول أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بالوصية وتأتي أحاديث تنفي عنه أنه أوصى. وليس من المعقول أن يحرم الله ورسوله على المسلم الإنتحار ثم تجد حديثا في صحيح البخاري يتهم رسول الله بأنه هم بالإنتحار عدة مرات. وليس من المعقول أن يحرم الإسلام على المسلم أن يمس أو يختلي بامرأة أجنبية لا تحل له ثم يأتي حديث يقول أن رسول الله أباح رضاعة الكبير. وليس من المعقول أن يستبدل حديث الثقلين ولا يعمل به من أجل حديث منقطع السند من وضع أولئك الوضاعين، أو من أجل الحقد والبغض لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهناك المئات من المسائل والفضائل والأحكام المتناقضة التي إن دلت على شيء فإنها تدل على عدم صدورها من قبل الشارع المقدس. ولا مجال هنا للتفصيل أكثر في التناقض والأمور الخلافية حتى لا نخرج عن صلب الموضوع. لكنك بمراجعة بسيطة لصحيح البخاري أو صحيح مسلم تستطيع اكتشاف كل تلك التناقضات بكل سهولة ويسر.
بينما وكما لاحظنا شدة الترابط والدقة في إبراز الموضوع من جوانب عديدة بين الحديث الصادر عن رسول الله قطعا وبين كل الآيات القرآنية والأحاديث
وكذلك إذا نظرت إلى علم الأئمة سلام الله تعالى عليهم فإنك تجدها كلها صادرة من مشكاة واحدة ولاتتناقض ولا يتطرق إليها الخلل، فكل إمام منهم كان يقول حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي عن رسول الله عن جبرئيل عن الله تعالى، ولم يختلف إمام عن إمام في شيء، بينما لو نظرت إلى من لم يأخذ علمه عن الله تعالى ولا من رسول الله وأهل البيت، تجد أن كل واحد منهم يختلف ويتناقض مع الذي قبله وهكذا دواليك.
إن من نظر وتفكر وتدبر في القوانين الإلهية، وفي النظام الكوني الرباني أو في نظام الحياة بشكل عام، فإنه يستبعد التناقض والإختلاف فيها، لأنها صادرة من الله الخالق المدبر الذي خلقها ودبر شؤونها على وجه إعجازي يدل على قدرته تعالى وإحكام صنعه.
قال تعالى في سورة الملك الآية 3 {الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور}.
وكذلك كلام الله تعالى وقرآنه المجيد لا يمكن أن يتناقض أو يدخله النقص أو الخلل لأنه من الله تعالى خالق الكون والإنسان والحياة.
وكذلك ينبغي أن تكون أحكام الشريعة الصادرة من رب العزة الخالق المدبر، فإن العقل السليم يقتضي أن تكون محكمة واضحة، بعيدة عن التناقضات كل البعد، لتكون شريعة كاملة واضحة بينة، تدل ومن خلال أحكامها على أنها من الله تعالى وتدل على قدرة الله تعالى، وتدل على علم الله ومعرفته بما يحتاج إليه الناس.
قال تعالى في سورة النساء الآية 82 {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.
ولذلك حث القرآن الكريم في مئات الآيات الإنسان على النظر والتفكر والتدبر في بديع صنع الله تعالى، حتى يصل إلى حقائق الإيمان.