الصفحة 194
لكن أؤلئك المذنبين من شيعة أهل البيت، لم يتكلوا على أعمالهم في دخول الجنة، وإنما كانوا يطمعون بشفاعة أئمتهم عليهم السلام، التي كانوا يطمعون بها في الدنيا وفي الموقف العظيم، والتي تؤهل الموالين إلى دخول الجنة، ولكنهم كانوا ينتظرون انتهاء الحوار بين أئمتهم وبين أعدائهم الظالمين لهم، وفي هذه الأثناء كانوا ينظرون إلى أصحاب النار أعداء الإرادة الإلهية وأعداء وصي رسول الله الذين ظلموا وآذوا الله ورسوله في أهل البيت، {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين} أي ربنا وإن كنا مقصرين في كثير من الأعمال فلقد كنا من المؤمنين الذين أطاعوا إرادتك وطبقوا وصية رسولك ووالينا أمير المؤمنين وعادينا أعداءه، ربنا فلا تجعلنا مع أولئك الظالمين الذين ظلموا محمدا وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام.

{ونادى أصحاب الأعراف} والمنادي هنا هم آل محمد الذين هم أصحاب الأعراف وسادته {رجالا يعرفونهم بسيماهم} لأن أصحاب الأعراف أهل العلم والمعرفة، يعرفون محبيهم من مبغضيهم، فينادون على رجال من عتاة مبغضيهم وعلى ظالميهم وظالمي شيعتهم، يعرفونهم بعلامات معينة منها سواد وجوههم، فيقولون لهم {ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون} أي ما الذي استفدتم من جمعكم الذي جمعتموه ضد أمير المؤمنين علي عليه السلام في المعارك التي جمعتم وحشدتم ضده، وما أغنى عنكم جمعكم الذي جمعتم ضد الإمام الحسن وضد الإمام أبي عبد الله الحسين في كربلاء، وما أغنت عنكم جموعكم التي جمعتموها ضد أهل البيت وضد فكرهم وثقافتهم المحمدية البيضاء، وقد كنتم استكبرتم وترفعتم عن طاعة الله في إرادته، وتركتم وصية نبيكم في إمامة أمير المؤمنين، ونقضتم كل العهود التي قطعتموها لرسول الله، ثم لم تستكفوا بذلك بل إنكم ظلمتم أهل البيت وقتلتموهم، وظلمتم أتباعهم، واستهزأتم بهم، وكفرتموهم وصددتم الناس عنهم وعن سبيلهم. لكنهم صبروا وثبتوا على إيمانهم مقابل ظلمكم وحشودكم وجمعكم، إنهم اليوم هنا بعد رحلة طويلة من الإيمان والإخلاص والولاء والطاعة والإلتزام بالثقلين وبحب أصحاب

الصفحة 195
وسادة الأعراف أهل البيت عليهم السلام، ثم يقول الأئمة عليهم السلام للظالمين والمنافقين، وهم يشيرون إلى المؤمنين أشياعهم {أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمته} أي أيها الظالمون لمحمد وأهل بيته وشيعتهم، أهؤلاء أي شيعة أهل البيت، الذين استهزأتم بهم، وحكمتم عليهم بالكفر، واستبعدتم أن تنالهم رحمة الله تعالى، هاهم انظروا إليهم، هؤلاء هم شيعة محمد وأهل بيت محمد.

ثم يتوجه أصحاب وسادة الأعراف بالكلام إلى شيعة أهل البيت عليهم الصلاة والرحمة و السلام، قائلين لهم {ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}.

وهنا ينتهي هذا المشهد الرائع من سورة الأعراف الذي يقسم فيه أمير المؤمنين علي عليه السلام الناس يوم القيامة، فيدخل المحبين إلى الجنة والمبغضين الظالمين إلى النار، فكما وصفت الأحاديث التي ذكرنا جملة منها أنه عليه السلام قسيم الجنة والنار، وكانت هذه الآيات من سورة الأعراف تؤكد نفس المعنى وبشكل أوسع.

أئمتنا من أهل البيت وفدنا إلى الله:

ثم إن كل الناس يوم القيامة يأتون على الحوض، يتقدمهم أئمتهم الذين كانوا يقتدون بهم في الدنيا، فمن كان إمامه في الدنيا علي بن أبي طالب عليه السلام، فإنه في يوم القيامة أيضا إمامه يرد عليه الحوض ويعرفه، ويقدمه ويسقيه، فإمامه هو صاحب الأمر على الحوض، وهو الساقي بأمر الله عليه، الذي يقرب من تمسك به ووالاه واهتدى بهديه في الدنيا كما أمر الله تعالى ورسوله الكريم. ويذود من خالف أمر الله وترك وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وترك التمسك بولايته وإمامته عليه السلام في الدنيا أثناء رحلة الثقلين إلى الحوض.

قال تعالى في سورة الإسراء الآية: 71 {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم}.


الصفحة 196
روى السيوطي في الدر المنثور قال أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} قال: إمام هدى وإمام ضلالة.

وروى السيوطي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (اجعلوا أئمتكم خياركم؛ فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا من توفدون).

فالقضية يوم القيامة ليست الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وآله، فكل المسلمين يوم القيامة يقبلون على الله تعالى وهم مؤمنون بنبوة محمد، ولا يختلف في ذلك أحد، وإنما القضية يومئذ في مضمون الرسالة المحمدية وهو الإمامة وما يتعلق بها، وهي القضية التي اختلف المسلمون فيها، وهو ما بينته الآية السابقة والحديث المذكور.

أحوال المخالفين على الحوض:

تلك كانت بعض أحوال من أقبل على الله يوم القيامة مطيعاٍ لإرادة الله تعالى متمسكا بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله ملتزما بإمامة أمير المؤمنين علياً عليه السلام والأئمة من ولده، راكبا سفينة أهل البيت عليهم السلام مستنيراً بمصابيح الهدى مقتديا بأعلام الورى محبا لهم ولأوليائهم، معاديا لأعدائهم، لا يخشى في الله لومة لائم.

وأما بالنسبة لأحوال المخالفين، الذين لم يطيعوا الله تعالى في إرادته، ولم يلتفتوا إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وآله، وتركوا التمسك بأهل البيت وإمامتهم، ونقضوا عهودهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله قبل بيعة الغدير وبعدها، فإن حالهم مختلف عن حال المؤمنين، وسيكون ورودهم على الحوض وكشف أحوالهم هناك صدمة شديدة لمن والاهم، واقتدى بتركهم ورفضهم ولاية أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، كما أمر الله تعالى وأوصى رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.


الصفحة 197
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله كثيرا ما ينبه المسلمين لتلك الحقيقة في كل الأحوال وفي الحل والترحال، وهي حقيقة الورود على الحوض، وأهمية ذلك اليوم العظيم وعلاقة الورود على الحوض والشرب منه مع أهل البيت والتمسك بهم وولايتهم ومتابعتهم والإقتداء بنورهم وهديهم.

ومما يدلل على أهمية أية موضوع، كثرة التحدث عنه ولفت النظر إليه، وهذا ما أكدت عليه مئات الروايات التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي ربطت موضوع الحوض وعلاقته بولاية أهل البيت عليهم السلام، وأن العنوان الكبير لصحائف الناس يوم القيامة وعلى الحوض هو حب علي وولايته أو بغض علي ومعاداته.

فقد روى في كنز العمال، والسيوطي في الجامع الصغير، والمناوي وغيرهم كثير عن أنس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب).

ولذلك فإنني سوف أتعرض لبعض الروايات التي تتعلق بالمعنى الذي ذهبنا إليه.

وتبين كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله يربط عشرات الأوامر والنواهي بقضية الحوض والورود عليه أو التحذير من عدم الورود عليه وإليك جملة منها على سبيل المثال وليس الحصر.

روى السيوطي في الجامع الصغير عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله (عفوا تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، ومن اعتذر إلى أخيه المسلم من شيء بلغه عنه فلم يقبل عذره لم يرد علي الحوض).

وروى الحاكم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال (إنه سيكون أمراء من بعدي فلا تصدقوهم بكذبهم، ولا تعينوهم على ظلمهم، فإنه من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فلن يرد علي الحوض).

وروى في كنز العمال عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (صنفان من أمتي لا يردان علي الحوض ولا يدخلان الجنة: القدرية والمرجئة).

وروى في كنز العمال عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (اسمعوا قلنا سمعنا قال: اسمعوا ثلاثا، إنه سيكون عليكم أمراء

الصفحة 198
يكذبون ويظلمون فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولا أنا منه ولن يرد على الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وهو وارد علي الحوض).

وروى في كنز العمال عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ليتني أرى إخواني وردوا علي الحوض، فأستقبلهم بالآنية فيها الشراب فأسقيهم من حوضي قبل أن يدخلوا الجنة، قيل: يا رسول الله، ألسنا أخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني من آمن بي ولم يرني).

وروى السيوطي في الجامع الصغير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لتزدحمن هذه الأمة على الحوض ازدحام إبل وردت لخمس).

وروى الحاكم في المستدرك عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال،قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم (أولكم واردا على الحوض، أولكم إسلاما، علي بن أبي طالب).

وروى البخاري في صحيحه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للأنصار (إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على الحوض، قال أنس: فلم نصبر).

كانت تلك بعض الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو يحث الناس على أن يهتموا بقضية الورود على الحوض في الآخرة، حيث أظهر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، ارتباط الحوض ارتباطا وثيقا مع أمير المؤمنين عليه السلام ومع أهل البيت ومع أهم قضية محورية عند المسلمين وهي ولاية أهل البيت وإمامتهم، ولذلك قال في حديث الثقلين عن الكتاب والعترة الطاهرة من أهل البيت عليهم السلام أنهما لن يفترقا ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، وأن القضية الأساسية في ذلك الموقف العظيم، هي مظلومية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

وقد ورد في صحاح ومسانيد أهل السنة والجماعة وبشكل لايقبل التأويل ما يبين ذلك المعنى ويؤكد عليه.


الصفحة 199
فقد روى البخاري في صحيحه، عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة).

وأما لوصف حال من يذاد عن الحوض من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله، وحال من غير وبدل ونقض عهده مع رسول الله صلى الله عليه وآله في ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ولم يتمسك بإمامته وإمامة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، بل وعمل على طمس حقوقهم وأحقيتهم، وظَلَمَهُم وآذاهُم، وعمل على الفصل والتفريق بين الكتاب والعترة الطاهرة، وصد عن سبيل إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، فإليك جملة يسيرة مما ورد عند أهل السنة والجماعة من أحاديث تبين حقيقة أمر أولئك.

روى الطبري في جامع البيان عن قتاده، في قوله تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} ... الآية، لقد كفر أقوام بعد إيمانهم كما تسمعون، ولقد ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: والذي نفس محمد بيده، ليردن علي الحوض ممن صحبني أقوام، حتى إذا رفعوا إلي ورأيتهم اختلجوا دوني، فلأقولن رب أصحابي أصحابي، فليقالن إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. وقوله: {وأما الذين أبيضت وجوههم ففي رحمة الله} هؤلاء أهل طاعة الله والوفاء بعهد الله، قال الله عز وجل: {ففي رحمة الله هم فيها خالدون}.

وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يرد علي الحوض رجال من أصحابي، فيحلَّؤون عنه، فأقول: يا رب أصحابي؟ فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى).

وروى مسلم في صحيحه عن أنس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي، اختُلِجوا دوني، فأقولن أي رب أصيحابي أصيحابي، فيقالن لي، إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك).

وروى البخاري في صحيحه عن أبي حازم قال: سمعت سهل بن سعد يقول:

سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ليردنَّ عليَّ أقوام أعرفهم

الصفحة 200
ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم). قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدِّثهم هذا، فقال: هكذا سمعت سهلاً؟ فقلت: نعم، قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال: (إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدَّلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدَّل بعدي).

وروى أحمد في المسند عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (فأقول أصحابي أصحابي فقيل إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك قال فأقول بعدا بعدا أو قال سحقا سحقا لمن بدل بعدي).

وروى البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنكم محشورون حفاة عراة غرلا، ثم قرأ {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين}. وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإن إناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيقول: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح: {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم - إلى قوله - الحكيم}.

لاحظوا الروايات بشكل دقيق ومنصف، إنها تبين نوعية أولئك الذين يذودهم أمير المؤمنين عليه السلام عن الحوض في القيامة، إنهم كانوا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذين رآهم في حياته وعاش معهم وصحبهم، وهم الذين عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم الثامن عشر من ذي الحجة يوم خطبة الغدير، عندما نصب رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليا عليه السلام إماما لكل المسلمين من بعده، فبايعه المسلمون على ذلك، لكن الكثير من الصحابة انقلب على تلك البيعة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وغيروا وبدلوا ونقضوا عهودهم، وأنكروا ما عاهدوا الله ورسوله والمؤمنين عليه، وعملوا على التفريق بين الكتاب والعترة، وأعلنوا ذلك عندما رفعوا شعار حسبنا كتاب الله، ونسوا حظا مما ذكروا به، ورفضوا إمامة أمير المؤمنين عليه السلام التي كانت عن إرادة إلهية صريحة لطالما بينها رسول الله صلى الله عليه وآله من بداية بعثته وحتى آخر لحظة من حياته.


الصفحة 201
قال تعالى في سورة المائدة الآية 13 {ونسوا حظا مما ذكروا به}. روى الطبري وغيره في معنى الآية عن الحسن، قال: تركوا عرى دينهم ووظائف الله جل ثناؤه التي لا تقبل الأعمال إلا بها.

وروى السيوطي والطبراني وغيرهما كثير عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعافاة في الله، والحب في الله، والبغض في الله عز وجل).

أما فيما يتعلق بنقض العهود وعرى الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد وردت عشرات الآيات والأحاديث في ذلك أقدم جملة مختصرة جدا منها.

روى الحاكم في المستدرك عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، وليكونن أئمة مضلون، وليخرجن على أثر ذلك الدجالون الثلاثة. ( وروى أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك والسيوطي وصححه عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (لتنتقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضا الحكم، و آخرهن الصلاة).

وقال تعالى في سورة البقرة الآية: 27 {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون}.

ولذلك كانت تلك الأحاديث التي ذكرنا قسما منها، تبين حال أولئك الصحابة المبدلين ومن اقتدى بهم ممن جاء بعدهم، حيث تصف الأحاديث طرد أولئك عن الحوض، لأنهم رفضوا الورود عليه في الدنيا وفرقوا الناس عنه، وصدوا عن سبيله، فهم اليوم يذادون عن الحوض في الآخرة ويحال بينهم وبينه، وتتكشف أحوالهم على حقيقتها في ذلك الموقف العظيم، حيث ينادى على الملأ هناك، أن هؤلاء غيروا وبدلوا بعد رسول الله، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم، سحقا سحقا.


الصفحة 202
والعجيب في الأمر أن كل تلك الأحاديث التي تدعوا للتمسك بأهل البيت عليهم السلام، والتي تربط بين الحوض وأهل البيت، وتلك التي تبين حال المخالفين، قد سمعها ووعاها أولئك الصحابة ومن تبعهم، لكنهم أصروا على محاربة الإرادة الإلهية ووصية رسول الله، وكان همهم العمل على فصل وتشتيت أمر الله والصد عنه، ولولا إرادة الله تعالى والتأكيد من رسول الله كما في حديث الثقلين على أن الكتاب والعترة لن يفترقا ولن يتفرقا حتى يردا على رسول الله وهو على الحوض، لنجح أولئك في إرادتهم، وانتهى أمر الدين إلى أبد الآبدين.

لكن تمسك أهل البيت وشيعتهم بالكتاب والعترة الطاهرة معا والعمل على حمايتهما والدفاع عنهما، هو الذي أظهر حقيقة تلك الإرادة الإلهية وإظهارها في كل زمان ومكان، فإن القوة لله جميعا وهو فوق كل ذي علم عليم، وبقيت الحقيقة واضحة المعالم، بأن كتاب الله تعالى وأهل البيت عليهم السلام لن يتفرقا حتى يردا على الحوض معا، ولن تفلح شعارات المبغضين، ولا مخططات الحاسدين، ولا كل ما فعلوا للصد عن سبيل أهل البيت عليهم السلام، ولينصرن الله من ينصره، ويقف معه لنصرة إرادته، ورفع شأن من رفع الله شأنهم، يوالي من والوا، ويعادي من عادوا، وسوف يكون إن شاء الله تعالى من الواردين على الحوض، الشاربين منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا.

وإني سائلكم كيف تخلفوني فيهما

قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي ثم أمتي، ثم أسألهم ما فعلتم بكتاب الله وأهل بيتي).

بعد أن بين رسول الله صلى الله عليه وآله الإرادة الإلهية، وأوصى المسلمين بالتمسك والعمل بها، وحث على حب ومودة أهل البيت عليهم السلام واتباعهم والإقتداء بهم، وعين للأمة وبأمر من ربه اثني عشر إماما معصوما من أهل

الصفحة 203
البيت، أولهم أمير المؤمنين وآخرهم الإمام المهدي عليهم جميعا أفضل الصلوات وأتم التسليم، وأمر الناس بمتابعتهم والإقتداء بهديهم، وبين أنهم سبيل النجاة، ومن تمسك بهم وركب سفينتهم فإنه لن يضل أبدا، ثم بين رسول الله صلى الله عليه وآله بعد كل ذلك البيان الواضح أن الإرادة الإلهية في أن الكتاب والعترة الطاهرة لا يمكن لهما أن يتفرقا، ولا يستطيع أحد مهما فعل أن يفرقهما.

ثم يكمل رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ذلك البيان الشافي وصيته من خلال حديث الثقلين، فيبين أنه يوم القيامة وعندما يرد الكتاب والعترة الطاهرة من أهل البيت على رسول الله على الحوض، حيث أنهما أول الواردين، سوف يسأل المسلمين في ذلك الموقف العظيم وبتكليف من الله تعالى عن الكتاب والعترة، حيث يكون السؤال الأساسي والمصيري هناك، كيف أخلفتموني في أهل بيتي؟ وماذا فعلتم بوصيتي؟. هل أطعتم إرادة الله تعالى وطبقتموها؟. ماذا فعلتم من بعدي في أهل بيتي؟. من منكم أيها المسلمون والاهم ووالى أولياءهم، وعادى أعداءهم؟. من منكم نصرهم ونصر أولياءهم؟. من منكم عادى أهل البيت وظلمهم وآذاهم، ووالى أعداءهم؟. من منكم خذل أهل البيت ولم ينصرهم، بل وصد عن سبيلهم؟. من منكم حارب إرادة الله تعالى ووصية رسوله في ولاية وإمامة أهل البيت؟. من منكم أوفى بعهده مع الله تعالى، ومن منكم نقض عهده وأنكره؟.

إذن علينا أن ننتبه إلى أن السؤال سوف يتركز على حب وولاية وإمامة أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، وعن البراءة من أعدائهم، لأنه وكما ذكرنا في البحث السابق أن أمير المؤمنين عليه السلام هو قسيم الجنة والنار، وأن عنوان صحيفة المؤمن حب علي عليه السلام، وأن حبه إيمان وبغضه كفر ونفاق، وأنه عليه السلام أول من يجثو للخصومة يوم القيامة، يخصم أعداءه ومبغضيه وظالميه الذين سلبوا حقه وأنكروه، ورفضوا الإعتراف بحقوقه وأحقيته، وتركوا نعمة الله عليهم وقابلوها بالجحود والنكران والكفر.


الصفحة 204
إنهم سوف يسألون هناك عن وليهم وإمامهم وولي نعمتهم، عن أمير المؤمنين وعن فاطمة الزهراء وعن الحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام، وعن الأئمة من أهل البيت التسعة المعصومين من ذرية الحسين عليهم السلام، ولن يكون هنالك مجال لنكران الحقيقة وطمسها وإخفاءها عن الناس، بل إن الحقيقة هناك هي التي ستطغى على أجواء ذلك الموقف العظيم، فمن أحسن في الدنيا فقد أحسن لنفسه ومن أساء فعليها، وما الله بغافل عما فعل ويفعل الظالمون.

ولقد بينت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة موضوع السؤال هناك من خلال نصوص متعددة ترتبط كلها ارتباطا وثيقا بعبارات حديث الثقلين، نبين بعضا منها حتى يستطيع القارئ رؤية الإرتباط الوثيق بينها، وتعظم القناعة في محورية حديث الثقلين ومركزيته في العقيدة والأحكام الإسلامية.

يقول الله تعالى في سورة الصافات. الآيات 22 -35 {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم، وقفوهم إنهم مسؤولون، ما لكم لا تناصرون، بل هم اليوم مستسلمون، وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون، قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين، قالوا بل لم تكونوا مؤمنين، وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين، فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون، فأغويناكم إنا كنا غاوين، فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون، إنا كذلك نفعل بالمجرمين، إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون}.

روى القمي في تفسير قوله تعالى {احشروا الذين ظلموا}.

قال الذين ظلموا آل محمد صلوات الله عليهم حقهم، وأزواجهم أي وأشباههم وروى الديلمي في مسند الفردوس، والحسكاني في شواهد التنزيل، عن أبي سعيدالخدري، عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال (وقفوهم إنهم مسؤولون عن ولاية علي بن أبي طالب).

وروى بن حجر في الصواعق المحرقة عن الديلمي، قال: {وقفوهم إنهم مسؤولون}، أي عن ولاية علي و أهل البيت عليهم السلام، لأن الله أمر نبيه صلى الله عليه و آله و سلم أن يُعَِرفَ الخلق أنه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجرا إلا

الصفحة 205
المودة في القربى، و المعنى انهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي صلى الله عليه و آله و سلم، أم أضاعوها و أهملوها فتكون عليهم المطالبة و التبعة.

وروى الإمام الواحدي قال (إنهم مسؤولون عن ولاية علي وأهل البيت، فيكون الغرض من قوله، وانكم مسؤولون، تهديد أهل الخلاف لوليه ووصيه).

وقال تعالى في سورة التكاثر الآية 8 {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم}.

روى القمي عن الإمام الصادق عليه السلام قال (تسأل هذه الامة عما أنعم الله عليهم برسول الله صلى الله عليه وآله ثم بأهل بيته).

وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث له قال: (أن النعيم الذي يسأل عنه، رسول الله صلى الله عليه وآله ومن حل محله من أصفياء الله، فإن الله أنعم بهم على من اتبعهم من أوليائهم).

وروى العياشي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سأله أبو حنيفة عن هذه الآية فقال له (ما النعيم عندك يا نعمان؟. قال القوت من الطعام والماء البارد. فقال لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه، حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها، ليطولن وقوفك بين يديه. قال فما النعيم جعلت فداك؟. فقال نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين، وبنا ألف الله بين قلوبهم وجعلهم إخوانا بعد أن كانوا أعداء، وبنا هداهم الله للاسلام وهو النعمة التي لا تنقطع، والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم به عليهم وهو النبي صلى الله عليه وآله وعترته عليهم السلام).

وفي رواية أنه عليه السلام قال له (بلغني أنك تفسر النعيم في هذه الآية بالطعام والطيب والماء البارد في اليوم الصائف، قال نعم، قال لو دعاك رجل وأطعمك طعاما طيبا وسقاك ماءا باردا ثم امتن عليك به، إلى ما كنت تنسبه؟. قال إلى البخل. قال أفيبخل الله تعالى؟. قال: فما هو؟. قال حبنا أهل البيت).

وفي العيون عن الإمام الرضا عليه السلام قال: ليس في الدنيا نعيم حقيقي. فقال له بعض الفقهاء ممن حضره فيقول الله تعالى {ثم لتسئلن يومئذ عن

الصفحة 206
النعيم}. أما هذا النعيم في الدنيا وهو الماء البارد؟. فقال له الإمام الرضا عليه السلام وعلا صوته: كذا فسرتموه أنتم وجعلتموه على ضروب، فقالت طائفة هو الماء البارد، وقال غيرهم هو الطعام الطيب، وقال آخرون هو طيب النوم، ولقد حدثني أبي عن أبيه عن أبي عبد الله عليهم السلام (إن أقوالكم هذه ذكرت عنده في قول الله عز وجل {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم}، فغضب وقال إن الله عز وجل لا يسأل عباده عما تفضل عليهم بذلك، ولا يمن بذلك عليهم، والإمتنان بالإنعام مستقبح من المخلوقين، فكيف يضاف إلى الخالق عز وجل ما لا يرضى المخلوق به؟. ولكن النعيم، حبنا أهل البيت وموالاتنا، يسأل الله عنه بعد التوحيد والنبوة لأن العبد إذا وفى بذلك، أداه إلى نعيم الجنة الذي لا يزول).

وروى الكليني في الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام في هذه الاية قال (إن الله عز وجل أعز وأكرم من أن يطعمكم طعاما فيسوغكموه، ثم يسألكم عنه، ولكن يسألكم عما أنعم عليكم بمحمد وآل محمد عليهم السلام).

وروى الكليني في الكافي عن أبي خالد الكابلى قال: (دخلت على أبي جعفر عليه السلام فدعا بالغداء فأكلت معه طعاما ما أكلت طعاما قط أنظف منه ولا أطيب، فلما فرغنا من الطعام قال: يا أبا خالد، كيف رأيت طعامك أو قال طعامنا؟. قلت جعلت فداك ما رأيت أطيب منه ولا أنظف قط، و لكنى ذكرت الآية التي في كتاب الله عز وجلّ لتسئلن يومئذ عن النعيم، قال أبو جعفر عليه السلام لا إنَّما تسألون عما أنتم عليه من الحق).

ومما يدل على أن النعيم هو ما أنعم الله علينا بمحمد وآل محمد، والنعمة هي ولاية أمير المؤمنين وإمامته، وإمامة وولاية الأئمة من ولده عليهم السلام، هو قوله تعالى في سورة المائدة الآية 3 {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.

وقوله تعالى في سورة إبراهيم الآية 28 {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار}.


الصفحة 207
روى السيوطي في الدر المنثور قال أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط، وابن مردويه والحاكم وصححه من طرق، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: {ألم ترى إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا} قال: هما الأفجران من قريش، بنو أمية وبنو المغيرة. فأما بنو المغيرة، فقطع الله دابرهم يوم بدر. وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين.

وروى السيوطي في الدر المنثور قال أخرج ابن مردويه عن علي عليه السلام، أنه سئل عن {الذين بدلوا نعمة الله كفرا} قال: بنو أمية وبنو مخزوم.

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة الآية 211 {ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب}.

وقال تعالى في سورة المائدة الآية 7 {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور}.

وقال تعالى في سورة الأعراف الآيتان: 6 - 7 {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين، فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين}.

أي أنه سوف يسألهم عن عهودهم التي قطعوها وعن شهادتهم بما أشهدوا أنفسهم عليه، وأنه سوف يسأل الأنبياء والرسل وهو أعلم، هل بلغتم إرادتي للناس، وينطبق السؤال هنا أيضا على آية التبليغ عندما قال تعالى في سورة المائدة الآية 67 {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين}. ومعلوم أن الآية نزلت لإعلان ولاية وإمامة أمير المؤمنين عليه السلام، حيث بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الولاية وأعلنه من خلال حديث الولاية المشهور، ثم نزلت بعد ذلك التبليغ آية إكمال الدين وتمام الحجة.

ولا تعنى آية التبليغ كتمان شيء من أمور الدين، وإنما من أجل إقامة الحجة على الناس في ولاية وإمامة علي عليه السلام، فلله الحجة البالغة، وسؤال الأنبياء لايعني التقصير وإنما من أجل الإشهاد وإقامة الحجة على الناس، ومن أجل تبيان عظمة وأهمية ما يريد الله تبليغه على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.


الصفحة 208
ولذلك فإن الله تعالى يخاطب أنبياءه ورسله بما يشاء من أجل تبليغ الرسالة، ويشبه ذلك قوله تعالى في سورة المائدة الآية 116 {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب}.

فلم يكن سؤال عيسى بن مريم عليه السلام توبيخا أو تهمة له، لأن الله تعالى يعلم وهو علام الغيوب أن نبي الله عيسى عليه السلام لم يقل للناس ذلك ولا يمكن له أن يقول ذلك، وقد أجاب نبي الله عيسى عليه السلام بقوله {إن كنت قلته فقد علمته} فرد ذلك إلى علمه تعالى، وقد كان الله عالما به أنه لم يقله ولكنه سأله عنه تقريعا لمن اتخذ عيسى إلها، ومن أجل أن تكون الحجة أبلغ وأقوى.

وقد استشهد رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الآيات عندما أراد أن يحذر أصحابه وينبه أسماعهم إلى واقع السؤال والحال كيف يكون عند الحوض، فأظهر صلى الله عليه وآله أنه سوف يطالب بأصحابه، وكأنه لا يدري حالهم، فيتفاجأ بانقلابهم من بعده، فيقول سحقا سحقا ويستشهد بما حصل مع نبي الله عيسى، وهذا الإخبار بهذه الطريقة هو من أجل إقامة الحجة والبرهان.

روى الحاكم والبخاري ومسلم وغيرهم كثير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يؤخذ بناس من أصحابي ذات الشمال، فأقول: أصحابي، أصحابي. فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم، فلما توفيتني، كنت أنت الرقيب عليهم}.

ونعود إلى الموضوع والآية التي تعنى بالسؤال، فقد روى السيوطي قي الدر المنثور قال أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} قال: نسأل الناس عما أجابوا المرسلين، ونسأل المرسلين عما بلغوا {فلنقصن عليهم بعلم} قال: يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلم بما كانوا يعملون.


الصفحة 209
وقال تعالى في سورة الحجر الآيتان: 92 - 93 {فوربك لنسألنهم أجمعين، عما كانوا يعملون}.

روى القرطبي في الجامع قال، قوله تعالى: {فوربك لنسألنهم أجمعين} أي لنسألن هؤلاء الذين جرى ذكرهم عما عملوا في الدنيا. وفي صحيح البخاري: وقال عدة من أهل العلم في قوله {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون}. عن لا إله إلا الله.

قلت: وهذا قد روي مرفوعا، روى الترمذي الحكيم قال: حدثنا الجارود بن معاذ قال حدثنا الفضل بن موسى عن شريك عن ليث عن بشير بن نهيك عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون} قال: عن قول لا إله إلا الله، قال أبو عبدالله: معناه عندنا عن صدق لا إله إلا الله ووفائها، وذلك أن الله تعالى ذكر في تنزيله العمل فقال: {عما كانوا يعملون} ولم يقل عما كانوا يقولون.

ومعلوم أن الله تعالى قد قرن بين كلمة التوحيد وأهل البيت عليهم السلام، وجعل الإيمان بولاية أهل البيت وحقهم وأحقيتهم شرطا أساسيا لقبول كلمة التوحيد، فلا يقبل الإسلام إلا بشهادة التوحيد مقترنا معها الشهادة بالرسالة لمحمد صلى الله عليه وآله، ومعنى الشهادة بالرسالة طاعة رسول الله في كل ما يقول أو يأمر، فما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.

روي في مصادر أهل السنة والشيعة حديث السلسلة الذهبية عن الإمام الرضا عليه السلام عن أبيه عن أجداده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: سمعت جبرئيل عليه السلام يقول: سمعت الله عزوجل يقول: لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن (من) عذابي، فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها وأنا من شروطها.

وفي رواية أخرى (ولاية علي بن أبي طالب حصني، فمن دخل حصني أمن عذابي).


الصفحة 210
ومعنى الحديثين أن التوحيد وولاية أهل البيت عليهم الصلاة والسلام هما حصن الله تعالى، وأن موضوع الولاية يساوي في المستوى منزلة التوحيد.

قال تعالى في سورة القصص الآيات: 62 - 67 {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون، قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون، وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون، ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين، فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون، فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين}.

ذكر القرطبي في الجامع عند قوله تعالى {ماذا أجبتم المرسلين} أي يقول الله لهم ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين لما بلغوكم رسالاتي. {فعميت عليهم الأنباء يومئذ} أي خفيت عليهم الحجج، قاله مجاهد، لأن الله قد أعذر إليهم في الدنيا، فلا يكون لهم عذر ولا حجة يوم القيامة و"الأنباء" الأخبار؛ سمى حججهم أنباء لأنها أخبار يخبرونها {فهم لا يتساءلون} أي لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج؛ لأن الله تعالى أدحض حججهم؛ قاله الضحاك وقال ابن عباس: "لا يتساءلون" أي لا ينطقون بحجة.

قارن أخي الكريم بين الآيات التي تحمل في موضوعها ومضمونها معنى السؤال وحقيقته وحقيقة المسؤول عنه مع عبارة وإني سائلكم كيف تخلفوني فيهما الواردة في حديث الثقلين، تجد ارتباطا واضحا بينا في موضوع السؤال ومضمونه وإن السؤال المحوري هناك عن أهل البيت عليهم السلام، وسيقول لهم رسول الله صلى الله عليه وآله كيف أخلفتموني فيهما أي بالثقلين كتاب الله تعالى والعترة الطاهرة المطهرة من أهل البيت عليهم السلام.

ثم إليك أخي الكريم آية المودة والتي ترتبط أيضا بموضوع ومضمون السؤال في مواقعه المختلفة. وذلك واضح من قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله، بان قل لهم يا محمد أنني لا أسألكم أجرا على الرسالة، وإنما سوف أسألكم عن مودة أهل بيتي وأسالكم عن حبهم وولايتهم وإمامتهم، وأسألكم كيف أخلفتموني فيهم، فحبهم وولايتهم وإمامتهم هو أجر الرسالة.