فلق الحبّة وبرأ النسمة! إنّه لعهد النبي الأُميّ(صلى الله عليه وسلم) إليّ أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضي إلاّ منافق"(1).
وروى الحاكم في مستدركه على الصحيحين بسنده إلى عمرو بن شاس الأسلمي وكان من أصحاب الحديبية قال: "خرجنا مع علي(رضي الله عنه) إلى اليمن، فجفاني في سفره ذلك حتّى وجدت في نفسي، فلمّا قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتّى بلغ ذلك رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: فدخلت المسجد ذات غداة ورسول اللّه(صلى الله عليه وآله)في ناس من أصحابه، فلما رآني أبِدني(2) عينيه ـ قال يقول حدد إليّ النظر حتّى إذا جلست قال: "يا عمرو، أما والله لقد آذيتني"، فقلت أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول اللّه، قال: "بلى من آذى عليّاً فقد آذاني"(3).
وروى الحاكم أيضاً بسنده إلى عبد اللّه بن بريدة عن أبيه قال: "كان أحبّ النساء إلى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة، ومن الرجال علي"(4).
وورد عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: "من لقي الله تعالى وهو جاحد ولاية علي بن أبي طالب(عليه السلام) لقي الله وهو عليه غضبان، لا يقبل الله منه شيئاً من أعماله، فيوكل به سبعون ملكاً يتفلون في وجهه، ويحشره الله تعالى أسود الوجه أزرق العينين" قلنا: يابن عباس، أينفع حبّ علي بن أبي طالب في الآخرة؟
قال: قد تنازع أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حبّه حتى سألنا رسول الله، فقال:
____________
1- صحيح مسلم: 1 / ح131 . 2- أبِد، بكسر الباء: غضب . 3- المستدرك على الصحيحين: الحاكم النيسابوري: 3 / ح 4677 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد: 9 / ح14736، وقال: "رواه أحمد والطبراني باختصار والبزار أخصر منه، ورجال أحمد ثقات". 4- المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري: 3 / ح4794. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، ووافقه الذهبي في التخليص .
"دعوني حتّى اسأل الوحي"، فلّما هبط جبرئيل(عليه السلام) سأله، فقال: "أسأل ربّي عزوجل عن هذا"، فرجع إلى السماء ثم هبط إلى الأرض، فقال:
"يا محمّد، إنّ الله تعالى يقرأ عليك السلام، وقال: أحبّ عليّاً، فمن أحبّه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني، يا محمّد، حيث تكن يكن علي، وحيث يكن عليّ يكن محبّوه وإن اجترحوا"(1).
وعن أبي سعيد الخدري، قال: أقبلت ذات يوم قاصداً إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقال لي: "يا أبا سعيد"، فقلت: لبّيك يا رسول الله، قال:
"إنّ لله عموداً تحت العرش يضيء لأهل الجنّة كما تضيء الشمس لأهل الدنيا، لا يناله إلاّ عليّ ومحبّوه"(2).
وورد عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)، قال: "يا علي، لو أنّ عبداً عبدالله مثل مادام نوح في قومه، وكان له مثل جبل أُحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله، ومدّ في عمره حتّى حجّ ألف عام على قدميه، ثمّ قُتل بين الصفا والمروة مظلوماً، ثمّ لم يوالك يا علي، لم يشمّ رائحة الجنّة ولم يدخلها"(3).
النهي عن بغض الإمام علي(عليه السلام):
ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) الكثير من الأحاديث الشريفة الناهية والمحذّرة من بغض الإمام علي(عليه السلام) منها: عن ابن عباس قال: نظر رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى علي، فقال: "لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق، من أحبّك فقد أحبّني ومن أبغضك فقد أبغضني وحبيبي حبيب الله، وبغيضي بغيض الله ويل لمن أبغضك بعدي"(4).
____________
1- مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه: 71. 2- المصدر السابق. 3- مناقب الخوارزمي: 67 / ح 40. 4- مجمع الزوائد، الهيثمي: 9 / ح 14760، وقال: "رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات".
وورد عن حديث بن عمرو، قال: حضر معاوية الحسنُ بن علي، وعبدالله ابن جعفر، وعقيل بن أبي طالب، وعمرو بن العاص، وسعيد، ومروان، ومن حضر من الناس وفيهم أبو الطفيل الكناني والشاميّون يشيرون إليه ويقولون: "هذا صاحب علي" إذ قال معاوية: "يا أخا كنانة من أحبّ الناس إليك؟
فبكى أبو الطفيل ثمّ قال: ذاك إمام الأمّة وقائدها وأشجعها قلباً، وأشرفها أباً وجدّاً، وأطولها باعاً، وأرحبها ذراعاً، وأكرمها طباعاً، وأشمخها ارتفاعاً.
فقال معاوية: يا أبا الطفيل، ما هذا أردنا كلّه.
قال: ولا أنا قلت العشر من أفعاله، ثمّ أنشأ يقول:
صهر النبيّ بذاك الله أكرمه | إذ اصطفاه وذاك الصهر مدّخرُ |
فقام بالأمر والتقوى أبو حسن | بخ بخ هنالك فضل ماله خطر |
لا يسلم القرن منه إن ألمَّ به | ولا يهاب وإن أعداؤه كثروا |
من رام صولته وافى منيته | لا يدفع الثكل عن أقرانه الحذر |
وقال فيه أبياتاً أخرى، ثمّ نظر إلى معاوية والحسن إلى جنبه وقال:
كيف يزكّى من جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأمّه فاطمة بنت رسول، وخاله القاسم ابن رسول الله، وخالته زينب بنت رسول الله؟! ومن أحبّه أحبّ رسول الله، ومن أبغضه أبغض رسول الله، ومن أبغض رسول الله أبغض الله، ومن أبغض الله كفر!(1).
عن سعد بن أبي وقاص، قال: كنت جالساً في المسجد أنا ورجلين معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله)، غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوّذت بالله من غضبه، فقال: "ما لكم ومالي؟ من آذى علياً فقد آذاني"(2).
____________
1- المناقب للخوارزمي: ص 332، ح 355. 2- مجمع الزوائد ، الهيثمي: 9 / ح 14783. وقال "رواه أبو يعلى والبزار باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، غير محمود بن خداش وقنان وهما ثقتان".
وورد عن محمد بن عبدالله الأنصاري، عن جابر الأنصاري عن عمر بن الخطاب، قال: كنت أجفو عليّاً، فلقيني رسول الله(صلى الله عليه وآله): فقال: إنّك آذيتني يا عمر!"
فقلت: أعوذ بالله ممّن آذى رسوله!
قال: إنّك قد آذيت عليّاً، ومن آذى عليّاً فقد آذاني(1).
وورد عن سعيد بن جبير قال: بلغ ابن عباس أنّ قوماً يقعون في علي(عليه السلام)، فقال لابنه علي بن عبدالله: خذ بيدي فاذهب بي إليهم [وكان ذلك بعد ما حجب بصره].
فأخذ ولده بيده حتّى انتهى إليهم، فقال: أيّكم الساب لله؟!
فقالوا: سبحانه اللّه! من سبّ اللّه فقد أشرك .
فقال: أيّكم الساب رسول الله؟!
فقالوا: من سبّ رسول الله فقد كفر.
فقال: أيّكم الساب لعليّ؟!
قالوا: قد كان ذاك.
فقال لهم: فأشهد، لقد سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: "من سبّ عليّاً فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله، ومن سبّ الله كبّه الله على وجهه في النار..."(2).
تساؤلات كانت إجابتها سبباً للاستبصار:
وقع هذا التساؤل في ذهن "جعفر الصادق الجفري": لماذا اهتمّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)هذا الاهتمام الكثير بالإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)؟
لماذا هذا التأكيد من الرسول(صلى الله عليه وآله) على ولاية الإمام علي(عليه السلام) ومحبّته و...؟
ومن هذا المنطلق توجّه "جعفر الصادق الجفري" إلى البحث، حتّى توصّل
____________
1- مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه: ص 81 / ح66. 2- المناقب للخوارزمي: ص 136، ح154. وروى ما يشابه هذا في: كنزل العمال: 11 / ح 3290.
إلى هذه النتيجة بأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله)كان يمّهد بذلك لإمامة علي بن أبي طالب(عليه السلام)بعده.
واستمرّ "جعفر الصادق الجفري" في بحثه حتّى توصّل إلى هذه النتيجة بأنّ الإمامة أمر إلهي ولا يحقّ للناس التدخّل في هذا الأمر بل الأمر لله يؤتي الإمامة من يشاء.
وقد شاء الله تعالى أن تكون الإمامة في الإمام علي(عليه السلام) وفي ذرّيته من بعده، وهي الذريّة التي اصطفاها الله تعالى كما اصطفى آل عمران وآل ابراهيم من قبل.
ومن هنا التحق "جعفر الصادق الجفري" بمذهب أهل البيت(عليهم السلام) وأعلن تشيّعه، ثمّ توجّه إلى نشر الحقائق الجديدة التي توصّل إليها.
وكان "جعفر الصادق يجمع أصدقاءه ويتحدّث معهم حول علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام) وبهذه الطريقة تمكّن من أن يؤثّر على البعض منهم حيث استبصروا على يده وأعلنوا ولاءهم لمذهب أهل البيت(عليهم السلام).
(17) حامد السقّاف
(شافعي / أندونيسيا)
ولد في أندونيسيا ونشأ في مدينة "ميدان"، فأملت عليه الأجواء الأسريّة المحيطة به الانتماء إلى المذهب الشافعي، فتقبّل مذهبه الموروث حتّى ترعرع ونمت عنده هواية البحث، فرفع البحث مستواه العلمي حتّى أدرك بأنّ الإمام علي(عليه السلام) أحقّ بالاتّباع بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله).
الانبهار بشخصيّة الإمام علي(عليه السلام):
إنّ من أهمّ الأمور التي دفعت حامد السقّاف إلى الاستبصار هي انبهاره بعظمة شخصيّة الإمام علي(عليه السلام) وإلمامه بالخصائص التي يمتاز بها الإمام علي(عليه السلام)على غيره من الصحابة.
ومن هذه الخصائص: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "ما أنزل الله آية فيها "يا أيها الذين آمنوا" إلاّ وعليّ على رأسها وأميرها"(1).
وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه بسنده عن ابن عباس، قال: نزلت في عليّ ثلاثمائة آية(2).
ولا يخفى بأنّ بني أميّة وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان بالغوا في سبّ الإمام علي(عليه السلام) وأهل بيته على منابر المسلمين حتّى أنّ قوماً من بني أميّة أنفسهم قالوا لمعاوية: يا أميرالمؤمنين إنّك قد بلغت ما أمّلت، فلو كففت عن لعن هذا الرجل (أي: الإمام علي(عليه السلام))، فقال ، لا والله حتّى يربوا عليها الصغير، ويهرم عليها
____________
1- الدر المنثور، السيوطي: ج 1 / ص 196، تاريخ دمشق، ابن عساكر: 42 / 362. 2- تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: 6 / 219، ح 3275.
الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلاً(1).
ولكن مع هذا لم يستطع هؤلاء إخفاء عظمة الإمام علي(عليه السلام)، فإنّ الإمام على الرغم من لعنه على المنابر طيلة العديد من السنوات فإنّه لم يزده الله بذلك إلاّ رفعة وعظمة.
وقال ابن عبد ربه في كتابه "العقد الفريد": قال بعض العلماء لولده يا بني إنّ الدنيا لم تبن شيئاً إلاّ هدمه الدين، وإنّ الدين لم يبن شيئاً فهدمته الدنيا، ألاترى أنّ قوماً لعنوا علياً، ليخفضوا منه، فكأنّما أخذوا بناصيته جرّاً إلى السماء(2).
اتّباع خط الإمام عليّ(عليه السلام):
إنّ العديد من البحوث التي خاضها "حامد السقّاف" بيّنت له بأنّ الحقّ مع الإمام عليّ(عليه السلام) وأنّ الإمام علي(عليه السلام)أحقّ بالاتباع من غيره بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله).
ومن هذا المنطلق، اتّخذ "حامد السقاف" قراره النهائي، فأعلن اتّباعه للإمام علي(عليه السلام) فأرشده هذا الاتّباع إلى الالتزام بهدي أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) والسير على خطاهم والالتحاق بسفينتهم، وتلقّى العلوم والمعارف منهم.
ومن هنا توجّه "حامد السقّاف" إلى دراسة علوم أهل البيت(عليهم السلام) فانتسب إلى المعهد الإسلامي في "بانجيل"، وواصل دراسته في هذا المعهد حتّى تمكّن من إنهاء الدراسة فيها.
ولا يزال حامد السقاف مواصلاً للبحث لأنّه أدرك بأنّ ارتقاء مستواه العلمي له تأثير كبير في سلوكه العملي وأنّ هذا العلم بمثابة الغذاء والشحنة التي تمنحه القوّة للاستقامة في درب الحقّ، فلهذا قرّر أن لا يترك طلبه للعلم إلى آخر عمره.
____________
1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 4 / ص 57. 2- العقد الفريد لابن عبد ربه: 5 / 115.
(18) حامد الهدار
(شافعي / أندونيسيا)
ولد في أندونيسيا بمدينة "بندووسو" ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، ثمّ واصل دراسته فلمّا بلغ إلى مرحلة دراسيّة يعتدّ بها سافر إلى مصر والتحق بجامعة الأزهر حتّى تخرّج منها، ثمّ تعرّف خلال بحوثه على مظلوميّة أهل البيت(عليهم السلام)فجذبه ذلك إلى التعرّف على مذهبهم، فسافر بعد التخرّج من جامعة مصر إلى إيران والتحق بالحوزة العلميّة.
وتوصّل "حامد الهدار" من خلال مطالعاته أنّ الحقّ مع أهل البيت(عليهم السلام)وينبغي لكلّ مسلم يودّ أن يتلقّى معارفه الدينيّة من منبع سليم أن يجعل أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)مصدره الوحيد لمعرفة الشريعة الإسلاميّة.
الإمام علي(عليه السلام) يوم الشورى:
استبصر "حامد الهدار" بعد أن بذل غاية جهده لمعرفة الحقّ، وأصبح ممّن قد لبّى مناشدة الإمام علي(عليه السلام) يوم الشورى، والتي ورد فيها عن أبي الطفيل عامر ابن واثلة قال: كنت على الباب يوم الشورى، فارتفعت الأصوات بينهم، فسمعت عليّاً(عليه السلام)يقول: بايع الناس أبا بكر وأنا والله، أولى بالأمر وأحق به، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفّاراً، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثمّ بايع أبو بكر لعمر وأنا والله، أولى بالأمر منه، فسمعت وأطعت; مخافة أن يرجع الناس كفّاراً، ثمّ أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان إذن لا أسمع ولا أطيع، إنّ عمر جعلني في خمس نفر أنا سادسهم لأيم الله، لا يعرف لي فضل في الصلاح ولا يعرفونه لي كما
نحن فيه شرع سواء. وأيم الله، لو أشاء أن أتكلّم ثمّ لا يستطيع عربهم ولا عجمهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك أن يردّ خصلة منها.
ثمّ قال: أنشدكم الله أيّها الخمسة، أمنكم أخو رسول الله(صلى الله عليه وآله) غيري؟ قالوا : لا.
قال: أمنكم أحد له أخ مثل أخي المزّين بالجناحين، يطير مع الملائكة في الجنّة؟ قالوا: لا.
قال: أمنكم أحد له عمّ مثل عمّي حمزة بن عبدالمطلب، أسد الله وأسد رسوله غيري؟ قالوا: لا.
قال: أمنكم أحد له له ابن عم مثل ابن عمّي رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ قالوا: لا.
قال: أمنكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، سيّدة نساء هذه الاُمّة؟ قالوا: لا.
قال: أمنكم أحد له سبطان مثل الحسن والحسين سبطي هذه الاُمّة، ابني رسول الله(صلى الله عليه وآله) غيري؟ قالوا: لا.
قال: أمنكم أحد قتل مشركي قريش غيري؟ قالوا: لا.
قال: أمنكم أحد وحّد الله قبلي؟ قالوا: لا.
قال: أمنكم أحد صلّى القبلتين غيري؟ قالوا: لا.
قال: أمنكم أحد أمر الله بمودّته غيري؟ قالوا: لا.
قال: أمنكم أحد سكن المسجد يمرّ فيه جنباً غيري؟ قالوا: لا.
قال: أمنكم أحد رُدّت عليه الشمس بعد غروبها حتّى صلّى العصر غيري؟ قالوا: لا.
قال: أمنكم أحد قال له رسول الله(صلى الله عليه وآله) حين قرّب إليه الطير فأعجبه، فقال: "اللهمّ أئتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير" فجئت وأنا لا أعلم ما كان من قوله، فدخلت فقال: "وإليّ يا رب، وإليّ ياربّ" غيري؟ قالوا: لا.
قال: أفيكم أحد كان أقتل للمشركين عند كلّ شديدة تنزل برسول الله منّي؟ قالوا: لا.
قال: أفيكم أحد كان أعظم عناء عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) منّي حتّى اضطجعت على فراشه، ووقيته بنفسي وبذلت مهجتي غيري؟ قالوا: لا.
قال أفيكم أحد كان يأخذ الخمس غيري وغير زوجتي فاطمة؟ قالوا: لا.
قال: أفيكم أحد كان له سهم في الخاص وسهم في العام غيري؟ قالوا: لا.
قال: أفيكم أحد يطهّره كتاب الله غيري حتّى سد النبيّ أبواب المهاجرين وفتح بابي إليه حتّى قام إليه عماه: حمزة والعبّاس فقالا: يارسول الله، سددت أبوابنا وفتحت باب عليّ؟ فقال النبي(صلى الله عليه وآله): "ما أنا فتحت بابه ولا سددت أبوابكم، بل الله فتح بابه وسدّ أبوابكم"، قالوا: لا.
قال: أفيكم أحد تمّم الله نوره من السماء حين قال: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}(1)غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أفيكم أحد ناجى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ست عشر مرّة غيري حين قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}(2)؟ قالوا: اللهمّ لا .
قال: هل فيكم أحد ولي غمض رسول الله غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال أفيكم أحد آخر عهده برسوله(صلى الله عليه وآله) حين وضعته في حفرته غيري؟ قالوا: لا(3).
وورد هذه المناشدة في سند آخر ذكرها ابن مردويه فقال:
حدّثنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن أبي دارم، قال: حدّثنا المنذر بن محمّد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبان بن تغلب، عن عامر بن واثلة، قال: كنت على الباب يوم الشورى وعليّ(عليه السلام) في البيت فسمعته
____________
1- الروم (30): 38. 2- المجادلة (58): 12. 3- المناقب للخوارزمي: ص31،ح31.
يقول: استخلف أبو بكر وأنا في نفسى أحق بها منه، فسمعت وأطعت، وأنتم تريدون أن تستخلفوا عثمان إذن لا أسمع ولا أطيع. جعلني عمر في خمسة أنا سادسهم، ولا يعرف لهم عليّ فضل فنحن سواء، أما والله لأحاجنّهم بخصال لا تستطيع عُربهم ولا عجمهم، المعاهد منهم والمشرك أن ينكر منها خصلة واحدة.
ثمّ قال: أنشدكم بالله أيّها النفر جميعاً أمنكم من أمنه رسول الله(صلى الله عليه وآله) غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أيّها النفر جميعاً أمنكم أحد وحّد الله عزّوجلّ قبلي؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أيّها النفر جميعاً أمنكم أحد هو المصلّي القبلتين قبلي؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أيّها النفر جميعاً أمنكم أحد له عمّ مثل عمّي حمزة بن عبدالمطلب أسد الله وأسد رسول الله غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أمنكم مَن سيّد الشهداء عمّه غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله هل فيكم من له ابن عمّ مثل ابن عمّي رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله سيّدة نساء هذه الأمّة غيري؟ قالوا: لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم أحد له سبطان مثل الحسن والحسين سبطي هذه الاُمّة ابني رسول الله(صلى الله عليه وآله) غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم أحد غسّل رسول الله(صلى الله عليه وآله) غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم أحد أمر الله بمودّته غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله منكم أحد سكن المسجد يمرّ فيه جنباً غيري؟ قالوا: اللهمّ لا .
قال: أنشدكم بالله أمنكم أحد ردّت عليه الشمس بعد غروبها غيري؟ قالوا:
اللهمّ لا.
قال: أمنكم أحد قال له رسول الله(صلى الله عليه وآله) حين قرّب إليه الطائر المشوي فأعجبه: "اللهمّ ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معني من هذا الطير" غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أمنكم أحد كان أقتل للمشركين عند كلّ شديدة نزلت برسول(صلى الله عليه وآله)منّي؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أمنكم أحد له مثل الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أمنكم أحد كان أعظم عناء منّي عن رسول الله حتّى اضطجعت على فراشه ووقيته بنفسي وبذلت له دمي؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم أحد كان يأخذ الخمس غيري وغير فاطمة؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم من كان له سهم في الخاص وسهم في العام غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم أحد يظهر بابه غيري حين سدّ النبي(صلى الله عليه وآله) أبواب المهاجرين جميعاً وفتح بابي حتّى قام إليه عمّاه حمزة والعبّاس فقالا: يا رسول الله، سددت أبوابنا وفتحت باب علي(عليه السلام) فقال (صلى الله عليه وآله): "ما أنا فتحت بابه، ولا أنا سددت أبوابكم، بل الله فتح بابه وسدّ أبوابكم"؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم أحد تمّم الله تعالى نوره من السماء حتّى قال {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}(1) غيري قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم أحد ناجى الله ست عشرة مرّة غيري حين قال:
____________
1- الروم (30): 38.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}(1)؟ قالوا: اللهم لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم أحد ولي تغميض رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) غيري؟
قالوا: اللهم لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم أحد تولّى دفن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حتى وضعه في روضته غيري؟
قالوا: اللهم لا .
قال: أنشدكم بالله أمنكم من نصّبه رسول الله يوم غدير خم للولاية غيري؟
قالوا: اللهم لا .
قال أنشدكم بالله أمنكم من جعله رسول الله(صلى الله عليه وآله) من نفسه كهارون من موسى غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم مَن أعطاه النبيّ(صلى الله عليه وآله) الراية، ففتح الله على يده خيبر غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أمنكم أحد نادى عليه جبرئيل(عليه السلام): أن لا فتى إلاّ عليّ ولا سيف إلاّ ذوالفقار غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أمنكم أحد أخا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ووزيره غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أمنكم أحد قال له رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو منّي وأنا منه غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أمنكم أحد أنزل الله تعالى فيه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ والَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِين يُقِيمُون الصَّلَوة وَيُؤْتُونَ الزَّكَوة وهُمْ رَكِعُونَ}(2) غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أمنكم أحد هو قسيم الجنّة والنار غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
____________
1- المجادلة (58): 12. 2- المائدة (5): 55.
قال: أمنكم أوّل وارد على رسول الله(صلى الله عليه وآله) على الحوض غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم أحد يشري نفسه ابتغاء مرضات الله غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم المؤدّي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم مَن نزل فيه: {وَالسَّبِقُونَ السَّبِقُونَ * أُولَئكَ المُقَرَّبُونَ}(1) فكنت سابق هذه الاُمّة تدرون غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم من يقضي دين رسول الله(صلى الله عليه وآله) غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال: أنشدكم بالله أمنكم مَن نزل فيه: {وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنينَ الْقِتَالَ}(2) قال: بعليّ بن أبي طالب هل تدرون ذلك غيري؟ قالوا: اللهمّ لا.
قال أنشدكم بالله هل تعلمون تفسير هذه الآية: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً}(3) فالفاسق الوليد بن عتبة والمؤمن أنا غيري؟ قالوا: اللهمّ لا(4).
الالتحاق بصف الإمام علي(عليه السلام):
إنّ الأدلة والبراهين التي توصل إليها "حامد الهدار" كلّها ألزمته أن يتّبع الإمام عليّاً(عليه السلام) بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فلم يجد بُداً سوى تلبية نداء الحقّ والالتحاق بصفّ الإمام علي(عليه السلام) فأعلن استبصاره وقلبه مطمئن بأنّه قد تحرّر من التقليد الأعمى وأنّه مع الحقّ.
____________
1- الواقعة (56): 10 ـ 11. 2- الأحزاب (33): 25. 3- السجدة (32): 18. 4- مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه: ص 131،ح162.
(19) حسن بن شعيب
(شافعي ـ أندونيسيا)
ولد في مدينة "فروا كرتا" بأندونيسيا، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب.
اعتنق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) بعد سماعه بمذهبهم على لسان علماء الدين ومنهم خطباء المنبر الحسيني المهتمّين بنشر معارف أهل البيت(عليهم السلام).
كما أنّه طالع العديد من كتب الشيعة ومصادرهم وقارنها بما كان قد قرأه من كتب أهل السنّة، فعرف أنّ الحقّ مع أهل البيت(عليهم السلام) وهم أدرى بالذي فيه، فما كان منه إلاّ أن يتّبع الحقّ ويهتدي إلى الصراط المستقيم.
ويسعى "حسن بن شعيب" حالياً في هداية أبناء قومه إلى التمسّك بتعاليم الدين الحقّة إذ فتح باب بيته لإقامة المجالس العلمية وأداء المراسم المذهبية وخاصّة العزاء الحسيني ممّا أكسبه احترام الكثيرين من أبناء الشيعة والسنّة.
العزاء الحسيني وانفتاح آفاق جديدة أمام المسلمين:
إنّ كلّ من يحضر مشاهد العزاء الحسيني أو يسمع بها من كافّة فرق المسلمين يتعاطف مع قضية الإمام الحسين(عليه السلام) ـ ولا يختصّ هذا الأمر بالشيعة فقط ـ ويشدّه هذا التعاطف إلى معرفة واقع قضيّة كربلاء الدامية ممّا يؤدي إلى انفتاح الآفاق أمام الأذهان، وزوال الظلمات المتراكمة في كتب التاريخ التي حاول بعضها تضييع وقائع الحقيقة، وتشويش قضايا الحقّ، وهذا ما حدث لكثير من المسلمين من الفرق الأخرى غير الشيعة عندما سمعوا أو قرأوا أو حضروا مراسم العزاء الحسيني، ونذكر هنا بعض الأمثلة:
جمعٌ كثير من مسلمي شمال افريقية
يتحدث الخطيب السيد مسلم الجابري قائلاً:
"لمّا كنتُ أواصل دراساتي العليا في پاريس سنة 1401هـ (1981م) وافقَتْ أيّام العشرة الأُولى من محرّم، فدعونا المسلمين من شمال إفريقية المتواجدين في باريس للحضور ليلة تاسوعاء وعاشوراء في المركز الإسلامي الإيراني، فحضرَ جمع كبير منهم، فأسمعناهم مقتل الحسين(عليه السلام) بصوت المرحوم الشيخ عبدالزهراء الكعبي، فكان الجميع ينصتون ويبكون تفاعلاً مع المأساة الحسينية، وكانوا يقولون: إنّ هذا الأمر لم نعلم به، واظهروا تعاطفهم مع الإمام الحسين(عليه السلام) واشمئزازهم من القتلة المجرمين"(1).
2 ـ الأستاذ المصري المستبصر معروف عبدالمجيد:
يقول: "ذات يوم كنت أبحث عن إذاعة القاهرة وفي يدي مذياع صغير، وأنا جالس وحدي في غرفتي. كنت أعيش حينها خارج مصر، وكان الشوق إليها يغمر قلبي ويستولي على مشاعري، ولم تكن الفضائيات قد ظهرت بعد.
وفجاءة، تناهى إلى أذني صوت رخيم عذب، فأوقفت مؤشر المذياع، كان الأداء مختلفاً تماماً عن أداء كلّ ما سمعته من قبل، فازدادت دهشتي، كان الرجل يتحدث عن الإمام الحسين(عليه السلام) وعن الكارثة المريعة التي وقعت في كربلاء لا أدري في أي شهر من الشهور كنا، وربما كنا في شهر محرم.
في تلك الأيام لم أكن قد عرفت بعدُ البكاء على الحسين(عليه السلام) ومعنى هذا البكاء، ولكنني وجدت نفسي قد غمرها حزن شديد، فأجهشت بالبكاء، وفاضت الدموع من عيوني بغزارة وحرارة دون إرادة، ورحت أبكي بمرارة وحرقة لم أعهدها من قبل، إل أن انتهى الحديث الذي استولى على جوانحي قادماً عبر الأثير، وقد تجسّدت أمامي مصيبة أهل البيت الأطهار(عليهم السلام). أعلن المذيع بأنّ الإذاعة هي إذاعة طهران، ولكنه لم يذكر اسم المتحدّث، ولعلّه بالطبع كان قد ذكره
____________
1- دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلامية: 114، نقلا عنه.
في البداية، فشعرت بالأسف الشديد لأنّني كنت في شدة الشوق لمعرفة صاحب هذا الصوت القادم من خلف الحجب والأستار.
ومضت أيام وشهور وسنوات إلى أن فاجأني الصوت نفسه قادماً من نفس الإذاعة، ولكنني كنت هذه المرّة في طهران..!
قررّت أن أكشف هذا اللغز العجيب، وأن أعرف صاحب الصوت الحسيني. لم يطل بي البحث، وما لبثت أن علمت أنّه عميد المنبر الحسيني الخطيب البارع والشاعر الأديب الشيخ الدكتور أحمد الوائلي(قدس سره). وكان أن انفتحت أمام بصيرتي آفاق جديدة واسعة على قتيل العبرات الإمام الحسين(عليه السلام)"(1).
الأستاذ المغربي المستبصر إدريس الحسيني:
يقول في كتابه لقد شيّعني الحسين:
"وقع بين يدي كتابين يتحدّثان عن فاجعة كربلاء وسيرة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) الأمر هنا أشدّ مرارة من ذي قبل إنّني ولأوّل مرّة أجد كتاباً يحمل لهجة من نوع خاص. مناقضة تماماً لتلك الكتب التي عكفت على قراءتها.
فاجعة الطف!: هذه وحدها الحدث الذي أعاد رسم الخريطة الفكريّة والنقيّة في ذهني. إنّ هذا الظلم الذي أشكو منه اليوم ليس جديداً على الأمّة. فلقد سبقه ظلم أكبر. وعلى أساس هذا الظلم القديم قالت لي أفكاري إنّ هؤلاء الظالمين اليوم يسلكون طريقاً أسّسه رجالات كانوا يشكّلون حجر عثرة أمام مسيرة الأئمة من آل البيت(عليهم السلام).
إنّ الأمة التي قتلت الحسين(عليه السلام) وسبت أهله الطاهرين. لا يمكنني الثقة بها مطلقاً. ولا يمكنني أن أؤوّل هذه الأحداث لصالح الفكر السائد. مثلما لا استطيع تأويل الدم الطاهر بالماء الطبيعي. إنّ هذه الدماء التي سالت، ليست مياه نهرية. إنّما هي دماء أشرف من أوصى بهم النبي(صلى الله عليه وآله) في هذه الأمة، افقدتني الأمةُ الثقة في
____________
1- المصدر السابق: 112 ـ 113، في رسالة بعث بها إلى المؤلف.
نفسها. ومهما قالوا فإنّهم لن يقنعوني بأنّ دم الحسين(عليه السلام) لم يرق بيد مسلمين حكموا الأمة الإسلاميّة. وكان تعامل أئمة السنة والجماعة معهم، تعاملاً حسناً!.
الأمة التي لم ترع أبناء الرسول(صلى الله عليه وآله) بعده، لا يمكن أن ترع سنّته بعده. قل ما شئت. قل إنّ المسلمين في العهد الأول، اجتهدوا في قتل أهل البيت(عليهم السلام) وقل إن هذه الأفكار التي وردت في كتب الشيعة دخيلة، ولا حقيقة لها في التاريخ الإسلامي. لكن هل يستطيع واحد من المسلمين، من المحيط إلى المحيط، أن يدّعي أنّ الحسين(عليه السلام) لم يمت شهيداً مظلوماً بأمر من أميرالمؤمنين "يزيد بن معاوية" وبفتوى رسميّة من "شريح القاضي" وسيوف الجيش الأموي الحاقد. في بيئة ترعرع فيها فكر العامة. وعلى إثر حدث فريد من نوعه في تاريخ الإسلام. هو حدث تحويل الخلافة إلى ملك عضوض(1)، حيث ينصب (يزيد بن معاوية) غصباً على المسلمين وأنّ العام الذي اضطر الحسن(عليه السلام) أن يتنازل فيه عن الخلافة لمعاوية، حقنا للدماء. سمي عام الجماعة.
كلا والف كلا... فلا أحد يستطيع ذلك. لأنّ التاريخ أبى إلاّ أن يبقى أميناً لقضايا المستضعفين ولو كره المفسدون!"(2).
ملحمة كربلاء مدخل إلى الحقيقة والتشيّع:
يواصل الأستاذ إدريس الحسيني كلامه في مكان آخر من كتابه، فيقول:
"مازلت أذكر اليوم الذي عشت فيه مأساة كربلاء بتفاصيلها، حيث ما تزال ظلالها الحزينة ترافق ظليّ إلى اليوم. وتفاصيلها لا يتسع لها هذا الكتاب، فهي تطلب في غيره، والآثار النفسية التي تركتها في أعماقي، مازلت أجرعها كالسموم، ولا أملك أن أنقلها كما أحسّها واستشعرها في كياني، لقد وجدت نفسي فجأة في هيئة أخرى، وفي شرياني جرى دم، هو مثل تلك الدماء التي اريقت على
____________
1- أي من خلافة مغتصبة إلى ملك عضوض أنكى وأمّر منه . 2- لقد شيعني الحسين، إدريس الحسيني: 65.
رمال الطفوف.
ما إن خلصت من قراءة "مذبحة" كربلاء، بتفاصيلها المأساوية، حتى قامت كربلاء في نفسي وفكري، ومن هنا بدأت نقطة الثورة، الثورة على كل مفاهيمي ومسلّماتي الموروثة، ثورة الحسين داخل روحي وعقلي.
أجل، ليس من وظيفة هذا الكتاب التعرّض لتلك التفاصيل، وإنّما نريد أن نعطي مجرّد إشعاعات متفرقة عن تلك المذبحة، لفضح التاريخ الرسمي الملفق!
الأوراق، كل الأوراق مع هذا التاريخ الجريح، القابع خلف اللاشعور التاريخي المكتوب بريشة "أهل الزلفى" المقرّبين.
لقد جاء أهل الشام والكوفة بالسيف، وجاء الحسين بالدم، وانتصر الدم على السيف، بل وانتصر على التاريخ "البلاطوي" فكان الحسين نوراً لم تغطّه ظُلَم التحريف!
لقد شيعني الحسين(عليه السلام) من خلال المأساة التي شاهدها هو وأهل البيت(عليهم السلام)، شيّعني بدمائه العبيطة وهي تنساب على الرمل الأصفر بأرض الطفوف، وبصراخ الأطفال ونواح النساء. يومها ناديت، وقد انسكبت من عيني دمعة حزينة، حزينة ورقيقة، قلت والقلب تُمزقه الأحزان:
ويرثي ربابك دنيا الشجون | ودمع النواح وفيض الدما |
وأي شيء صنع الأعداء بموته، سوى أن حفروا قبورهم، ودقوا نعوشهم بالمسامير، ليدخلوا مقبرة التاريخ صاغرين، وما زلت أراه ـ أبا عبدالله ـ كبيراً في عين التأريخ، لقد نوّر الحياة بدمه الزكي العطر.
وما إن أقرأ عن تفاصيل كربلاء حتى تأخذني الجذبة بعيداً، ثم تعود انفاسي إلى أنفاسي، والحسين ألفاه لديها، قد تربع بدمائه الطاهرة. فياليتني كنت معه، فأفوز فوزاً عظيماً، وفي تلك الجذبة هناك من يفهمني، وقد لا يفهمني من لا يرى للجريمة التأريخية وقعاً في نفسه وفي مجريات الأحداث التي تلحقها.
فكربلاء مدخلي إلى التاريخ، إلى الحقيقة، إلى الإسلام، فكيف لا أجذب إليها، جذبة صوفي رقيق القلب، أو جذبة أديب مرهف الشعور، وتلك هي المحطة التي أردت أن أنهي بها كلامي عن مجمل معاناة آل البيت(عليهم السلام)وظروف الجريمة التاريخية ضد نسل النبي(صلى الله عليه وآله)"(1).
____________
1- لقد شيعني الحسين: 297 و 313 ـ 315.
(20) حسن بن محمد الكاف
(شافعي / أندونيسيا)
ولد سنة 1369هـ (1950م) في أندونيسيا بمدينة "كلونجن" حاصل على الشهادة الإعدادية، نشأ في أسرة شافعيّة المذهب، ولكنه تحوّل سنّة 1406هـ (1986م) من مذهبه الموروث إلى مذهب أهل البيت(عليه السلام) .
سبب استبصاره:
كان سبب استبصار "حسن بن محمد الكاف" قراءته لكتاب "المراجعات" وهو كتاب قيّم عبارة عن حوار جرى بين عالمين بارزين من علماء الفريقين عن طريق المراسلات وهذان العالمان هما السيد عبدالحسين شرف الدين والشيخ سليم البشري.
وتوصّل "حسن بن محمد الكاف" من خلال إمعان النظر في كتاب "المراجعات" إلى النتيجة التي توصّل إليها الشيخ سليم البشري، وتعرّف على حقائق كثيرة منها عدم اهتمام كتب أهل السنّة بذكر فضائل أهل البيت(عليهم السلام).
وقرأ في كتاب "المراجعات": "أمّا عدم إخراج تلك النصوص فإنّما هو لشنشنة نعرفها لكلّ من أضمر لآل محمد حسيكة، وأبطن لهم الغلّ من حزب الفراعنة في الصدر الأول، وعبدة أولي السلطة والتغلّب، الذين بذلوا في إخفاء فضل أهل البيت، وإطفاء نورهم كلّ حول وكلّ طول، وكلّ ما لديهم من قوّة وجبروت، وحملوا الناس كافّة على مصادرة مناقبهم وخصائصهم بكلّ ترغيب وترهيب، وأجلبوا على ذلك تارة بدراهمهم ودنانيرهم وأخرى بوظائفهم ومناصبهم، ومرّة بسياطهم وسيوفهم، يدنون من كذّب بها، ويقصون من صدّق بها،
أو ينفونه أو يقتلونه.
وأنت تعلم أنّ نصوص الإمامة وعهود الخلافة لمِمّا يخشى الظالمون منها أن تدمّر عروشهم، وتنقض أساس ملكهم، فسلامتها منهم ومن أوليائهم المتزلّفين إليهم، ووصولها إلينا بالأسانيد المتعدّدة، والطرق المختلفة، آية من آيات الصدق، ومعجزة من معجزات الحقّ، إذ كان المستبدّون بحقّ أهل البيت، والمستأثرون بمراتبهم التي رتّبهم الله فيها، يسومون من يتهّمونه بحبّهم سوء العذاب، يحلقون لحيته، ويطوفون به في الأسواق، ثمّ يرذلونه ويسقطونه ويحرمونه من كلّ حق، حتّى ييأس من عدل الولاة ويقنط من معاشرة الرعيّة، فإذا ذكر علياً ذاكر بخير برئت منه الذمة، وحلّت بساحته النقمة، فتستصفى أمواله، وتضرب عنقه، وكم استلوا ألسنة نطقت بفضله، وسملوا أعيناً رمقته باحترام، وقطعوا أيدياً أشارات إليه بمنقبة، ونشّروا أرجلاً سعت نحوه بعاطفة، وكم حرّقوا على أوليائه بيوتهم، واجتثوا نخيلهم، ثمّ صلبوهم على جذوعها، أو شردوهم عن عقر ديارهم، فكانوا طرائق قدداً وكان في حملة الحديث وحفظة الآثار قوم يعبدون أُولئك الجبابرة وولاتهم من دون الله عزّوجلّ، ويتزلفون إليهم بكل ما لديهم من تصحيف، وتحريف، وتصحيح وتضعيف، كالذين نراهم في زماننا هذا من شيوخ التزلف، وعلماء الوظائف، وقضاة السوء، يتسابقون إلى مرضاة الحكام، بتأييد سياستهم عادلةً كانت أو جائرة، وتصحيح أحكامهم، صحيحة كانت أو فاسدة، فلا يسألهم الحاكم فتوى تؤيد حكمه، أو تقمع خصمه، إلاّ بادروا إليها على ما تقتضيه رغبته، وتستوجبه سياسته، وإن خالفوا نصوص الكتاب والسُنَّة، وخرقوا إجماع الاُمّة، حرصاً على منصب يخافون العزل عنه، أو يطمعون في الوصول إليه، وشتَّان بين هؤلاء واُولئك، فإنّه لا قيمة لهؤلاء عند حكوماتهم، أما اُولئك فقد كانت حاجة الملوك إليهم عظيمة، إذ كانوا يحاربون الله بهم ورسوله، ولذا كانوا عند الملوك والولاة اُولي منزلة سامية، وشفاعة مقبولة; فكانت لهم بسبب ذلك صولة ودولة،
وكان يتعصّبون على الأحاديث الصحيحة إذا تضمّنت فضيلة لعلي أو لغيره من أهل بيت النبوة، فيردّونها بكلّ شدة، ويسقطونها بكل عنف، وينسبون رواتها إلى الرفض ـ والرفض أخبث شيء عندهم! ـ هذه سيرتهم في السنن الواردة في علي، ولا سيما إذا تشبث الشيعة بها، وكان لاُولئك المتزلفين من يرفع ذكرهم من الخاصّة في كلّ قطر، ولهم من يروّج رأيهم من طلبة العلم الدنيويّين، ومن المرائين بالزهد والعبادة، ومن الزعماء وشيوخ العشائر، فإذا سمع هؤلاء ما يقولون في ردّ تلك الأحاديث الصحيحة اتّخذوا قولهم حجّة، وروّجوه عند العامّة والهمج، وأشاعوه وأذاعوه في كلّ مصر، وجعلوه أصلاً من الاُصول المتّبعة في كلّ عصر.
وهناك قوم آخرون من حملة الحديث في تلك الأيّام، اضطرّهم الخوف إلى ترك التحديث بالمأثور من فضل علي وأهل البيت، وكان هؤلاء المساكين إذا سألوا عما يقوله اُولئك المتزلفون في ردّ السنن الصحيحة المشتملة على فضل علي وأهل البيت يخافون ـ من مبادهة العامة بغير ما عندهم ـ أن تقع فتنة عمياء صماء بكماء، فكانوا يضطرون في الجواب إلى اللواذ بالمعاريض من القول، خوفاً من تألب أُولئك المتزلفين، ومروّجيهم من الخاصّة، وتألب من ينعق معهم من العامّة ورعاع الناس، وكأن الملوك والولاة أمروا الناس بلعن أميرالمؤمنين، وضيقوا عليهم في ذلك، وحملوهم بالنقود، وبالجنود، وبالوعيد والوعود، على تنقيصه وذمه، وصوّروه للناشئة في كتاتيبها بصورة تشمئزّ منها النفوس، وحدّثوها عنه بما تستك منها المسامع، وجعلوا لعنه على منابر المسلمين من سنن العيدين والجمعة، فلولا أنّ نور الله لا يطفأ، وفضل أوليائه لا يخفى، ما وصلت إلينا السنن من طريق الفريقين صحيحة صريحة بخلافته، ولا تواترت النصوص بفضله، وإنّي والله لأعجب من الفضل الباهر الذي اختص به عبده وأخا رسوله علي بن أبي طالب، كيف خرق نوره الحجب من تلك الظلمات المتراكمة، والأمواج المتلاطمة، فأشرق
على العالم كالشمس في رائعة النهار"(1).
الاستبصار والدفاع عن التشيّع:
أعلن "حسن محمّد الكاف" استبصاره بعد اقتناعه بالأدلّة المذكورة في كتاب المراجعات، ثمّ توجه بحماس نحو نشر مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ودرء الشبهات المثارة ضدّ هذا المذهب وإلفات نظر إخوانه إلى الحقائق التي توصّل إليها عن طريق البحث .
____________
1- المراجعات، السيد عبدالحسين شرف الدين: المراجعة رقم: 64.
(21) حسن تونو
(شافعي / أندونيسيا)
ولد في أندونيسيا بمدينة "جمبر"، حاصل على شهادة الثانوية، نشأ في أسرة شافعيّة المذهب، ثمّ تعرّف على مذهب أهل البيت(عليهم السلام)فدفعه ذلك إلى البحث والمقارنة بين مذهبه السنّي والمذهب الشيعي، فاكتشف من خلال البحث حقائق غيّرت رؤيته الدينيّة، وأدّت به إلى تغيير انتمائه المذهبي والاستبصار بمذهب أهل البيت(عليهم السلام).
الانبهار بعظمة منزلة الإمام علي(عليه السلام):
إنّ من أهمّ الاستفسارات التي دفعت "حسن تونو" إلى البحث هي سبب اهتمام الشيعة بالإمام علي(عليه السلام) بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتفضيله على غيره من الصحابة.
فتوجّه "حسن تونو" إلى البحث عن هذه الحقيقة حتّى اكتشف نصوصاً نبويّة دفعته إلى معرفة هذا السبب.
وإنّ من الأحاديث النبويّة الدالة على عظمة الإمام علي(عليه السلام):
عن جابر بن عبدالله قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول لعلي(عليه السلام): يا علي الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة، ثم قرأ رسول الله(صلى الله عليه وآله) {وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَاب وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَان يُسْقَى بِمَاء وَاحِد}(1).
____________
1- المستدرك على الصحيحين الحاكم النيسابوري، 2 / ح 2999. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. الدر المنثور، السيوطي: 4 / ص 85. تاريخ دمشق، ابن عساكر 42 / ص 64 ـ 65 ـ 66. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: 9 / ص 189.
الاصطفاء الإلهي للإمام علي(عليه السلام) بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله):
إنّ الأحاديث النبوية أيضاً تشير إلى حقيقة أخرى حول الإمام علي(عليه السلام)وهي مسألة الاصطفاء الإلهي لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ثمّ للإمام علي(عليه السلام)من بين جميع الخلائق، وقد ورد هذا المعنى في أقوال رسول الله(صلى الله عليه وآله) منها:
ورد عن علي بن علي الهلالي، قال: دخلت على النبي(صلى الله عليه وآله) في شكاته التي قبض فيها، فإذا فاطمة عند رأسه، فبكت حتّى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله(صلى الله عليه وآله)طرفه إليها، فقال: حبيبتي فاطمة ما يبكيك؟
قالت: أخشى الضيعة بعدك.
قال: يا حبيبتي أما علمت أنّ الله اطّلع إلى أهل الأرض اطّلاعة فاختار منها أباك، ثمّ اطّلع إليها اطّلاعة فاختار منها بعلك، وأوحى إليّ أن أنكحك إيّاه؟(1).
اتّباع مذهب الحق:
اكتشف "حسن تونو" من خلال مطالعاته ومتابعته للأحاديث النبويّة حقائق هائلة دفعته إلى التمسّك بالإمام عليّ(عليه السلام) والالتحاق بشيعته، ثمّ سافر بعد الاستبصار إلى إيران ودرس في الحوزة العلميّة حوالي مدة احدى عشر سنة، وتلقّى في هذه الفترة علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام)ودرس فقه مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) وأصولهم وفلسفتهم ثمّ عاد إلى بلاده وشرع بالدعوة ونشر مذهب العترة من آل الرسول(صلى الله عليه وآله).
____________
1- أُسد الغابة: 4 / 42، حرف العين، ترجمة أبو علي الهلالي وفي مجمع الزوائد، الهيثمي، باختصار: 8 / ح 13194.
(22) حسن حافظ
(شافعي / أندونيسيا)
ولد في أندونيسيا ونشأ في مدينة "باكلونجن" وترعرع في أسرة مسلمة تنتمي إلى العقيدة الأشعرية والمذهب الشافعي، ولهذا كان يعتقد "حسن حافظ" بالتوحيد الإلهي وفق رؤية المذهب الأشعري واستمر التزامه وتمسّكه بالعقائد الأشعرية حتّى استبصر أحد أصدقائه فتفاجأ من مبادرة صديقه إلى تغيير انتمائه المذهبي، وظنّ أنّ هذا التغيير حالة طارئة سرعان ما تزول ويعود صديقه إلى مذهبه السابق، ولكنّه وجد بأنّ صديقه يزداد ثباتاً على مذهبه الجديد يوماً بعدم يوم فأحبّ أن يصغي إلى كلام صديقه، ليطّلع على الأسباب التي دفعته إلى التحوّل المذهبي علّه يرشده إلى الحقّ ويستطيع أن يعيده إلى مذهب أهل السنّة ولم تمض فترة إلاّ ووجد "حسن حافظ" أنّه لابدّ له من الالتحاق بالمذهب الذي قد انتمى إليه صديقه! كيف لا وهو مذهب قائم على الأدلة العقليّة والوجدانيّة منها:
تنزيه الفعل الإلهي عن العبث:
كان يعتقد "حسن حافظ" بأنّ الأفعال الإلهيّة خالية عن الأغراض، ولا يوجد للفعل الإلهي غرض وغاية(1) ولكنّه ـ بعد مطالعته لكتب أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)وجد بأنّ إنكار وجود الغرض في الفعل الإلهي قضيّة مخالفة للقرآن الكريم، لأنّ القرآن ملئ بالآيات الصريحة والواضحة بأنّه تعالى يفعل لغرض
____________
1- الأربعين في أصول الدين، الفخر الرازي: 350.
وغاية، ولا يفعل اللغو والعبث أبداً منها قوله تعالى:
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ}(1).
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً}(2).
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ}(3).
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً}(4).
{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً}(5).
ومن جهة أخرى يلزم نفي الغرض عن الفعل الإلهي "تجويز تعذيب أعظم المطيعين لله تعالى كالنبي(صلى الله عليه وآله)بأعظم أنواع العذاب، وإثابة أعظم العاصين له، كإبليس وفرعون بأعظم مراتب الثواب، لأنّه إذا كان يفعل لا لغرض وغاية ولا لكون الفعل حسناً، ولا يترك الفعل لكونه قبيحاً، بل مجاناً لغير غرض، لم يكن تفاوت بين سيّد المرسلين وبين إبليس في الثواب والعقاب، فإنّه لا يثيب المطيع لطاعته ولا يعاقب العاصي لعصيانه، فهذان الوصفان إذا تجرّدا عند الاعتبار في الإثابة والانتقام لم يكن لأحدهما أولويّة الثواب، ولا العقاب، دون الآخر"(6).
اتّخاذ القرار النهائي:
عاش "حسن حافظ" حالة الشكّ والترديد حول اتّخاذ قراره النهائي بشأن تغيير انتمائه المذهبي بعد معرفته بأحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)فكان عقله يأمره باتّباع ما يدعمه الدليل والبرهان ولكن كانت نفسه تهوّل عليه الأمر وتمنعه من
____________
1- الأنبياء (21): 16. 2- ص (38): 27. 3- الذاريات (51): 56. 4- المؤمنون (23): 115. 5- آل عمران (3): 191. 6- نهج الحق وكشف الصدق، العلاّمة الحلي: 94.
ترك تراث آبائه وأجداده.
ودام هذا الصراع بين العقل والنفس فترة محدودة حتّى تمكّن العقل من الانتصار على النفس نتيجة تلقّيه الدعم من قبل التسديد الإلهي وهنا حسم "حسن حافظ" حالة الشكّ والترديد واتّخذ قراره النهائي والتحق بركب مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
(23) حسن الحبشي
(شافعي / أندويسيا)
ولد في أندونيسيا ونشأ في مدينة "جاكرتا" بين أوساط أسرة شافعيّة المذهب، فأصبح من أتباع المذهب الذي ورثه من آبائه، ولكنّه وجد بعد اتّساع آفاق رؤيته الدينيّة وقراءته لكتب الحديث والتاريخ بأنّه من أتباع مذهب لم يكتسب قوّته إلاّ من خلال دعم السلطات الحاكمة له على مرّ العصور، فقرّر أن يشيّد عقيدته على ضوء الأدلّة والبراهين فتوجّه نحو البحث المعمّق، فكشف له البحث حقائق دفعته في نهاية المطاف إلى الاستبصار والتحوّل إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
الحقّ والعقيدة:
فتح "حسن الحبش" قلبه للحقّ وسار في بطون الكتب باحثاً عن جهة يسلّم لها قلبه بعد أن سلّم قلبه لله ورسوله، فألزمته السنّة النبويّة بأن يحبّ الإمام علي(عليه السلام)بعد محبته لله ورسوله، وتعرّف "حسن الحبشي" على الكثير من الأحاديث النبويّة المشيرة إلى هذه الحقيقة منها:
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) حول الإمام علي(عليه السلام) يوم خيبر: "لأعطيّن الراية غداً رجلاً يفتح على يديه، يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله"(1).
وقال أيضاً رسول الله(صلى الله عليه وآله): ادعوا لي سيّد العرب ـ يعني علي بن أبي
____________