طالب(عليه السلام) .
فقالت عائشة: ألست سيد العرب؟
فقال: أنا سيد ولد آدم وعلي سيّد العرب، فلما جاء أرسله إلى الأنصار، فاتوه فقال لهم: يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعده أبداً؟
قالوا: بلى يارسول الله.
قال: هذا علي فاحبوه بحبي واكرموه بكرامتي، فإنّ جبريل أمرني بالذي قلت لكم من الله عزوجلّ(1).
الإمام علي(عليه السلام) أحبّ الخلق إلى الله ورسوله(صلى الله عليه وآله):
وجد "حسن الحبشي" خلال بحثه بأنّ الكثير من الأحاديث النبوية تبيّن بصراحة بأنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) كان أحبّ الخلق إلى الله ورسوله ومن هذه الأحاديث :
عن سفينة وكان خادماً لرسول الله(صلى الله عليه وآله) قال:
"أهدي لرسول الله(صلى الله عليه وآله) طوائر، فصنعت له بعضها، فلما أصبح أتيته به، فقال: "من أين لك هذا؟" فقلتُ: من التي أتيت به أمس، فقال: "ألم أقل لك لا تدّخرن لغد طعاماً، لكلّ يوم رزقه" ثم قال: "اللهم أدخل عليّ أحبَّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير" فدخل علي(رضي الله عنه)، عليه، فقال: "اللهم واليّ"(2).
وروى الترمذي في جامعه بسنده إلى أنس بن مالك، قال: "كان عند النبي(صلى الله عليه وآله)طير فقال: "اللهمّ ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير"، فجاء
____________
1- حلية الأولياء: 1 / 63، كنز العمال، المتقي الهندي: 11 / ح 33003. المعجم الكبير، الطبراني: 3 / ح 3749. 2- مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / ح 1427. وقال: "رواه البزار والطبراني باختصار، ورجال الطبراني رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة وهو ثقة".
عليّ، فأكل معه"(1).
من أحبّ علياً فقد أحب الله:
إنّ البحوث التي أجراها "حسن الحبشي" كشفت له حقائق لم يطّلع عليها من قبل، ولا سيما ما يرتبط بأهل البيت وبالخصوص الإمام علي(عليه السلام)، فقد وجد "حسن الحبشي" أحاديث نبويّة تبيّن بصراحة بأنّ من أحبَّ الإمام عليّاً(عليه السلام) فلقد أحبَّ الله ومن أبغضه فقد أبغض الله، ومن هذه الأحاديث:
عن عوف بن أبي عثمان، قال: قال رجل لسلمان: ما أشدّ حبّك لعلي(عليه السلام): قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، يقول: "من أحبّ علياً فقد أحبّني ومن أبغض علياً فقد أبغضني"(2).
وورد عن ابن عباس، قال: نظر النبي(صلى الله عليه وآله) إلى عليّ(عليه السلام) فقال: يا عليّ أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوّك عدوّي، وعدوّي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي(3).
استغراب ودهشة:
____________
1- الجامع الكبير، الترمذي: 6 / ح 3721. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني عنه: "حسن". انظر مشكاة المصابيح: 3 / ص 1791. بتحقيق الألباني. وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: 3 / ص 1042: "وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جداً قد أفردتها في مصنّف ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل". وقد صحّحه الحاكم في مستدركه: 3 / 4708. 2- المستدرك، الحاكم النيسابوري: 3 / ح 4744. وقال: "صحيح". ووافقه الذهبي في التلخيص. 3- المستدرك، الحاكم النيسابوري: 3 / ح4698. وقال: "صحيح على شرط الشيخين، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة، وإذا تفرّد الثقة بحديث فهو على أصلهم صحيح" . وقال المزيّ في تهذيب الكمال في ترجمة أبي الأزهر 1 / ص106: "وقال الحافظ أبو بكر: وقد رواه محمّد بن حمدون النيسابوري ، عن محمّد بنعلي بن سفيان النجار، عن عبد الرزاق، فبرئ أبو الأزهر من عهدته، إذ قد توبع على روايته، والله أعلم".
استغرب "حسن الحبشي" خلال دراسته لتاريخ صدر الإسلام وتعرّفه على عظمة الإمام علي(عليه السلام) بأنّ الصحابة لماذا تركوه واتجهوا إلى بيعة غيره؟ وبقي هذا السؤال حائراً في ذهنه وقد ورد عن ابن عباس قال: مشيت مع عمر بن الخطاب في بعض أزقة المدينة فقال: يا بن عباس أظن القوم استصغروا صاحبكم إذ لم يولّوه أمورهم، فقلت: والله ما استصغره رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذ اختاره لسورة براءة يقرأها على أهل مكة، فقال لي: الصواب تقول، والله لسمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول لعلي بن أبي طالب: من أحبّك أحبّني، ومن أحبّني أحب الله، ومن أحبّ الله ادخله الجنة(1).
من حبّ علي إلى اتّباع علي:
أحب "حسن الحبشي" الإمام عليّاً حبّاً شديداً من خلال تعرّفه على فضائله ومنزلته ومكانته من الله تعالى، وتوسّع هذا الحب بمرور الزمان حتّى دعاه إلى اتّباع الإمام علي والالتحاق بشيعته والانتماء إلى مذهبه المتمثل بمذهب التشيّع.
ثمّ واصل "حسن الحبشي" بحثه حول أسباب تخلّف القوم عن الإمام علي(عليه السلام)بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فانكشف له الأمر في نهاية المطاف بعد مواصلة مطالعته لأحاديث رسول الله(صلى الله عليه وآله).
وقد ورد عن حيان الأسدي سمعت عليّاً(عليه السلام) يقول: "قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّ الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملّتي، وتقتل على سنّتي، من أحبّك أحبّني، ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا ـ يعني لحيته من رأسه ـ "(2).
____________
1- تاريخ دمشق، ابن عساكر: 47 / ترجمة رقم 5493 ص 292. 2- المستدرك ، الحاكم النيسابوري: 3 / ح 4744، وقال: "صحيح"، ووافقه الذهبي في التلخيص .
الهجرة إلى طلب العلم:
سافر "حسن الحبشي" بعد الاستبصار إلى مدينة قم في إيران، والتحق بالحوزة العلميّة، ليغترف من بحار علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام)وليقتبس من أنوار كلامهم ما يرشده إلى الحقّ والصواب وما ينقذه من التيه والضلال والانحراف الفكري والعقائدي.
وبذل "حسن الحبشي" غاية جهده في الدرس ليعود إلى بلده وهو قادر على إرشاد الآخرين إلى الحقّ وهدايتهم ـ بإذن الله ـ إلى ما هو خير لهم في الدنيا والآخرة .
(24) حسن العطاس
(شافعي / أندونيسيا)
ولد في أندونيسيا، ونشأ في مدينة "بكلونجن"، وترعرع في أسرة شافعيّة المذهب، ثمّ توجّه بعد ذلك إلى البحث وتمسّك بأسباب الهداية حتّى توصل في نهاية المطاف إليها، فأعلن استبصاره سنة 1393هـ (1974م).
مأساة فاطمة الزهراء بعد وفاة أبيها:
إنّ من أهمّ الأمور التي يتأثّر بها الباحث عند قراءته لتاريخ صدر الإسلام هي مظلوميّة ابنة الرسول(صلى الله عليه وآله) بعد وفاة أبيها وهجوم أعوان الخليفة على بيتها.
قال ابن قتيبة الدينوري في كتابه الإمامة والسياسة: "وإنّ أبا بكر تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرّم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي(عليه السلام)فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها !
فقيل له: يا أبا حفص، إنّ فيها فاطمة؟
فقال وإن!!(1).
وذكر الشهرستاني عن إبراهيم بن سيار بن هانيء النظام: أن عمر كان يصيح: احرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)(2).
ثم هجم عمر بن الخطاب ومن معه على دار الزهراء.
ذكر المؤرخ المسعودي: "فوجهوا إلى منزله [ أي: منزل الإمام علي(عليه السلام) ]
____________
1- الإمامة والسياسة: ابن قتيبة: 19. 2- الملل والنحل، للشهرستاني: 1 / 57.
فهجموا عليه، وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرهاً، وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى اسقطت محسناً.
وذكر الشهرستاني عن إبراهيم بن سيار بن هانى النظام، قال: إنّ عمر ضرب بطن فاطمة(عليها السلام) يوم البيعة حتى القت الجنين من بطنها(1).
وذكر الذهبي: قال في ترجمة أحمد بن محمد بن السري بن أبي دارم المحدث: قال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ ـ بعد أن أرخ موته ـ: كان مستقيم الأمر عامة دهره، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه: أن عمر رفس فاطمة حتى اسقطت بمحسن(2).
وذكر الجوني: روى بسنده عن ابن عباس عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ في حق فاطمة(عليها السلام)ـ: وإنّي لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصب حقها، ومنعت ارثها، وكسر جنبها، واسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية، فتذكر انقطاع الوحي من بيتها مرة، وتتذكر فراقي أخرى، وتستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي التي كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة، وعند ذلك يؤنسها الله تعالى..."(3).
فضائل فاطمة الزهراء:
إنّ من أهم الأمور التي تهز مشاعر الإنسان المؤمن عند تعرّفه على مظلومية ابنة رسول الله فاطمة الزهراء بعد وفاة أبيها هي أن يعرف عظمة الزهراء(عليها السلام) وما قال الرسول(صلى الله عليه وآله)في حقها، منها:
____________
1- الملل والنحل ، الشهرستاني: 1 / 57 . 2- ميزان الاعتدال، الذهبي: 1 / 139 ترجمة رقم: 552. 3- الأمالي، الشيخ الصدوق: 176 .
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): أفضل نساء العالمين خديجة بنت خويلد وفاطمة(عليها السلام)بنت محمد(صلى الله عليه وآله) ومريم بنت عمران(عليها السلام) وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون(1).
وقوله(صلى الله عليه وآله) للزهراء: "ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين أو سيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء المؤمنين"(2).
ومن الأحاديث المبيّية لمحبة النبي(صلى الله عليه وآله) لفاطمة(عليها السلام):
عن عائشة قالت: كانت إذا دخلت على النبي(صلى الله عليه وآله) قام إليها وقبّلها وأجلسها في مجلسه..."(3).
واضف إلى ذلك صرّح رسول الله(صلى الله عليه وآله) بمحبته لابنته الزهراء قائلاً: "أحب أهلي إليّ فاطمة"(4).
وقال رسول الله: "فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، ويريبني ما رابها"(5).
وقال(صلى الله عليه وآله): "إنّ الله يرضى لرضاك، ويغضب لغضبك"(6).
ما يدعوا إلى الاستبصار:
وصل "حسن العطاس" بصورة طبيعية بعد معرفته بفضائل الزهراء وبعد معرفته بمظلوميّتها من قِبل الذين استولوا على دفّة الحكم بأنّ بعض الصحابة الذين كان يقدّسهم لم يكونوا بذلك المستوى الذي كان يتوقّعه منهم، بل وجدهم أناس
____________
1- المستدرك، الحاكم النيسابوري: 3 / ح 4212. وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه" ووافقه الذهبي في التلخيص. مسند أحمد: 19 / ح12391 قال شعيب الأرنؤوط: "إسناده صحيح". 2- مسند أبي داود الطيالسي: 1 / ح1373، مستدرك الحاكم النيسابوري: 3 / ح4800 وقال: "هذا إسناد صحيح" ووافقه الذهبي. السنن الكبرى للنسائي: 4 / ح7078. 3- سنن أبي داود، السجستاني: 4 / ح5217 قال الألباني: "صحيح". 4- المستدرك الحاكم النيسابوري: 3 / ح3613 وقال: "صحيح الإسناد". 5- صحيح البخاري: 3 / 5230. 6- مجمع الزوائد، الهيثمي: 9 / ح15195. وقال: "رواه الطبراني وإسناده حسن"، المستدرك ، الحاكم النيسابوري: 3 / ح4789 وقال: "صحيح الإسناد".
صدرت منهم الكثير من الأخطاء، ولهذا لا ينبغي لنا بعد معرفتنا بأخطائهم في بعض الموارد أن نواصل اتّباعهم في هذه الموارد.
ومن هذا المنطلق هذّب "حسن العطاس" معتقداته وأفكاره الموروثة ونقّحها من الشوائب العالقة بها، ثم أعلن استبصاره سنة 1393هـ (1974م) وفتح صفحة جديدة من حياته في ظلّ نور معارف أهل البيت(عليهم السلام).
(25) حسن المساوي
(شافعي / أندونيسيا)
ولد في أندونيسيا بمدينة "بكلونجن"، حاصل على الشهادة الثانوية، نشأ في أسرة تعتنق المذهب الشافعي، فأمضى فترة من حياته على هذا المذهب تقليداً لآبائه وأسلافه حتّى ارتقى مستواه الفكري، فأحبّ أن يكون على بصيرة من دينه، فتوجّه إلى البحث.
اجتياز الطريق الشائك:
كان يعلم "حسن المساوي" أنّ طريق كسب البصيرة في الدين شائك واجتيازه مجهد ما لم يبعد عن نفسه غيوم العصبية وغبار الجهل، فحاول قدر وسعه أن يتناول المسائل العقائديّة بروح بنّاءة ونفس موضوعي، فكانت ثمرة بحثه أنّه توصّل إلى أنّ الإمامة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) عهد إلهي اصطفى له الباري عزّ وجلّ عترة الرسول(صلى الله عليه وآله)، وأنّ أهل البيت(عليهم السلام) هم سفن النجاة وباب حطّة وهم عدل الكتاب.
فضائل أهل البيت في الأحاديث النبويّة:
إنّ من أهمّ الأمور التي دعت "حسن المساوي" إلى الانجذاب نحو أهل البيت(عليهم السلام)ومذهبهم هو الكم الهائل من الأحاديث النبويّة الواردة التي تحثّ المسلمين على محبّتهم وموالاتهم وتحذّر كلّ من يبغضهم، ومن هذه الأحاديث :
عن ابن عباس(رضي الله عنه) عنهما قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "أحبّوا الله لما يغذوكم به
من نعمه، وأحبّوني لحبّ الله، وأحبوا أهل بيتي لحبّي"(1).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل إلاّ أدخله الله النار"(2).
وعن علي بن أبي طالب(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "شفاعتي لأمّتي من أحبّ أهل بيتي"(3).
وعن الإمام علي(عليه السلام) أيضاً، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة: المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عندما اضطرّوا إليه، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه"(4).
وعن عبدالرحمن بن عوف قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): أيّها الناس: إنّي لكم فرط وإنّي أوصيكم بعترتي خيراً، موعدكم الحوض"(5).
وعن أبي ذر الغفاري، أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال: "مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق"(6).
____________
1- المستدرك، الحاكم النيسابوري: 3 / ح 4774: قال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي في التلخيص. 2- صحيح ابن حبّان: 15 / 435 ح 6978. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن. المستدرك، الحاكم النيسابوري: 3 / ح 4775. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وأقرّه الذهبي في التلخيص. 3- جمع الجوامع، السيوطي: 5 / 46 ح 13327. 4- كنز العمال، المتقي الهندي: 12 / ح 34175. 5- الدر المنثور. السيوطي: 3 / ص 385. 6- المستدرك، 2 / ح 3362. وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال ابن حجر الهيتمي في صواعقه: 2 / ص 445: "وجاء من طرق عديدة يقوّي بعضها بعضاً: إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا. وفي رواية مسلم: ومن تخلّف عنها غرق...". وقال السمهودي بعد أن ذكر طرقاً عديدة للحديث: "وهذه الطرق يقوّي بعضها بعضاً". انظر جواهر العقدين: 1 / ص 123. وقال الحافظ السخاوي في "استجلاب ارتقاء الغرف" ص 228: "رواه الطبراني في المعجم الصغير" و "الأوسط" وبعض هذه الطرق يقوّي بعضها بعضاً".
الغاية من التأكيد على فضائل أهل البيت(عليهم السلام):
وجد "حسن المساوي" خلال بحثه بأنّ إصرار رسول الله(صلى الله عليه وآله) على بيان فضائل أهل البيت(عليهم السلام) والتأكيد على مقامهم ومنزلتهم وحثّ الناس على التمسّك بهديهم والالتحاق بركبهم أمر ملفت للنظر.
ولا يخفى بأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) لا يتكلّم اعتباطاً لأنّه مرسل من قبل الله عزّوجل، ولهذا لابدّ من وجود حكمة في تأكيده(صلى الله عليه وآله) على أهل البيت(عليهم السلام).
ومن هذا المنطلق واصل "حسن المساوي" بحثه، فوجد بأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله)قد خصّ الإمام عليّاً(عليه السلام) أيضاً بعناية خاصّة، واهتمّ به أكثر من باقي الصحابة، وذكر في حقّه أقوال تدعو الباحث إلى التأمّل في مضامينها والتأمّل في دلالتها، منها :
عن عمران بن الحصين قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "علي منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة بعدي"(1).
وعن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال: "كان أحبّ النساء إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)فاطمة ومن الرجال علي"(2).
اتّباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام):
____________
1- المستدرك، الحاكم النيسابوري: 3 / ح 3637. وقال: "صحيح على شرط مسلم، وأقرّه الذهبي في التلخيص". وفي السلسلة الصحيحة للألباني: 5 / ح 2223، قال: "صحيح". وفي صحيح ابن حبّان بترتبب ابن بلبان: 15 / ح 6929، قال شعيب الأرنؤوط: "إسناده قوي". وفي مسند أبي يعلى الموصلي: 1 / ح 355، قال حسين سليم أسد: رجاله رجال الصحيح. 2- المستدرك، الحاكم النيسابوري: 3 / ح 4794، وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي في التلخيص.
وجد "حسن المساوي" بأنّ حصيلة البحث الذي قام به تدعوه إلى التمسّك بهدي أهل البيت(عليهم السلام)، ولهذا عزم على أتباعهم والسير وفق منهجهم، ولم يسمح لنفسه أن تغرّه المظاهر وكثرة العدد، لأنّه لمّا وجد الحقّ ماثلاً أمام بصيرته لم يجد بدّاً سوى التمسّك به.
نشر معارف أهل البيت(عليهم السلام):
وجد "حسن المساوي" بعد تعرّفه على الحقيقة، بأنّ الوظيفة الشرعيّة تحكم عليه أن يأخذ ـ قدر وسعه ـ بأيدي الذين لا يعلمون فينوّر أبصارهم بما بلغه من العلم.
ومن هذا المنطلق أصبح "حسن المساوي" أستاذاً في معهد الإمام الهادي الإسلامي في مدينة "بكلونجن"، وذلك بعد أن سافر إلى إيران والتحق بالحوزة العلميّة في مدينة قم، ودرس فيها سنوات مديدة.
كما قام الأستاذ "حسن المساوي" بترجمة بعض الكتب الإسلاميّة، ووطّن نفسه لاستضاءة بصائر الشباب المعاصر، وتنوير عقولهم بمعارف أهل البيت(عليهم السلام).
(26) حسين الحامد
(شافعي / أندونيسيا)
ولد سنة 1394هـ (1975م) في أندونيسيا بمدينة "بندواسا"، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، فبقى على مذهبه التقليدي، ثمّ أكمل الثانوية، ثمّ تعرّف على أستاذ جليل يدعى"السيد حمزة الحبشي" فتتلمذ على يده ليدرس عنده الفقه والحديث.
اختلاف زوايا الرؤية:
يقول "حسين حامد": واصلت دراستي عند "السيد حمزة الحبشي"، وكنت اتلقى منه دروس الفقه والدروس المختصّة بعلم الحديث، ولكنّني شعرت بمرور الزمان بوجود اختلاف بين الآراء المشهورة عندنا وبين آراء الأستاذ.
وبمرور الزمان بدأت تتضّح الفوارق، وبدأنا ندرك وجهة نظر الأستاذ إلى بعض المسائل ولا سيّما الأمور العقائديّة، واستمر الأمر على هذا المنوال ونحن نصغي إلى الأدلة التي يذكرها الأستاذ دعماً لما يذكره حتّى جاء إلى منطقتنا مجموعة من أساتذة الحوزة العلميّة في مدينة قم من إيران، والقوا علينا بعض المحاضرات حول أهل البيت(عليهم السلام) وذكروا فضائلهم من مصادر أهل السنّة وذكروا بعض الحقائق التاريخيّة المرتبطة بالصحابة.
بداية زوال الحجب:
يقول "حسين الحامد": بدأت الأمور تتّضح لي بمرور الزمان، وعرفت بعد ذلك بأنّ أستاذنا "السيد حمزة الحبشي" يميل نحو مذهب أهل البيت(عليهم السلام) بل هو
من أتباعهم، ومن هذا المنطلق بدأت رحلتي في البحث، وعزمت على معرفة الحقيقة، فشرعت بقراءة الكتب السنيّة والشيعيّة والحوار مع أهل السنّة المتشدّدين والحوار من جهة أخرى مع أصدقائنا المستبصرين.
وكان قراري أن لا أستعجل في اتّخاذ القرار، وأن اتريث في الأمر، واحتاط في أمر ديني.
وكنت على يقين بأنّني على الحقّ، وأنّ البحث الذي سأبحثه لا يزيدني إلاّ إيماناً وثباتاً وتمسّكاً بما كنت اعتقده فيما سبق. وكان هدفي من البحث هو أن أوسّع آفاق معرفتي، وأتعرّف على باقي المذاهب الإسلامية لأتعرّف على سبب انشقاقهم من الصف الإسلامي المتمثّل بخطّ أهل السنّة والجماعة.
المفاجأة:
يقول "حسين الحامد": واصلت بحثي ببطء واستمرّ حواري مع أصدقائي، ولكننّي لم أجد عندهم ما يزعزع معتقداتي السابقة، واستمرّ الأمر على هذا المنوال حتّى جاء "السيد هارون الحدّاد" وهو أحد أقاربنا، وكان متأثراً بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فسألته عن سبب ميوله لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) فتحدّث معي حول ابنة الرسول(صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء(عليها السلام) ومظلوميّتها بعد وفاة أبيها والمعاملة القاسية التي جوبهت بها من قبل بعض الصحابة والإجحاف الذي حصل بحقّها، فاهتزّ وجودي من الأعماق وترك كلام قريبي أثراً بالغاً في نفسي، فشعرت بانهيار عقيدتي بعدالة الصحابة واستغربت أشدّ الاستغراب من موقف أبي بكر وعمر بن الخطاب من ابنة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فأصابني الذهول وقريبي يبيّن لي ما جرى على الزهراء(عليها السلام):
روى بسند صحيح أنّه "حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت
رسول الله(صلى الله عليه وآله) ! والله ما من أحد أحبّ إلينا من أبيك وما أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك; إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلمّا خرج عمر جاءوها فقالت: تعلمون أنّ عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقنّ عليكم البيت وأيم الله ليمضينّ لما حلف عليه(1)...".
وجاء في تاريخ اليعقوبي أنّه بلغ أبا بكر وعمر أنّ جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب(عليه السلام) في منزل فاطمة(عليها السلام) بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)فاتوا في جماعة حتى هجموا على الدار..(2).
فلمّا سمعت [فاطمة] أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يارسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة؟!(3).
ونادت الزهراء: "والله لتخرجنّ أو لأكشفنّ شعري ولأعجّن إلى الله!!(4).
ونادت الزهراء: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله ! والله لا أكلّم عمر حتّى ألقى الله(5).
وقال عمر لمن كان في دار الإمام علي(عليه السلام): والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها!
فقيل له: يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة!
فقال: وإن!!(6).
إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن(7).
____________
1- مصنّف ابن أبي شيبة الكوفي: 8 / باب (43) ماجاء في خلافة أبي بكر، حديث 4. 2- تاريخ اليعقوبي: 2 / 85. 3- الإمامة والسياسة، ابن قتيبة: 19 ـ 20، أعلام النساء، كحالة: 4 / 114 ـ 115. 4- تاريخ اليعقوبي: 2 / 85. 5- السقيفة وفدك، الجوهري 74. 6- الإمامة والسياسة، ابن قتيبة: 19، أعلام النساء، كحالة: 4 / 114. 7- ميزان الاعتدال، الذهبي: 1 / 139، ترجمة رقم 552.
مواصلة البحث:
تأثّر "حسين الحامد" تأثّراً بالغاً بما سمعه حول محنة الزهراء(عليها السلام)، فدفعه هذا التأثّر إلى البحث من أجل التعرّف على الحقيقة.
ويقول "حسين الحامد": واصلت بحثي في الصعيد العقائدي، وزاد اهتمامي بقراءة الكتب الشيعيّة من أجل التعرّف على مبادئهم العقائديّة فتأثّرت بكتاب "المراجعات" للسيّد العلاّمة عبدالحسين شرف الدين وكتاب "ثمّ اهتديت" للدكتور التيجاني السماوي.
واستمرّ بحثي فترة طويلة حتّى أعلنت استبصاري في مدينة بندواسا، ثمّ التحقت بمعهد الهادي ودرست فيه ثلاث سنوات ونصف، ثمّ سافرت إلى ايران والتحقت بالحوزة العلميّة في مدينة قم المقدّسة، ودرست مدّة سبع سنوات وتخصّصت في الفقه والأصول، وأودّ أيضاً أن أكون دائماً مع علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام) وأن لا أنفصل عنها أبداً إلى آخر حياتي.
(27) حسين الحبشي
(شافعي ـ أندونيسيا)
ولد في سنة 1339هـ (1921م) في مدينة "سورابايا" باندونيسيا، ونشأ في أسرة مهاجرة شافعية المذهب تعود أصولها إلى السادة اليمنيّين في "حضرموت" حيث يتّصل نسب أبيه إلى الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) باثنين وثلاثين واسطة من طريق علي بن جعفر العريضي.
ثمّ درس العلوم الإسلامية في مدرسة "الخيرات" وهي أقدم مدرسة إسلامية في "سورابايا" حيث أقامها السادة اليمنيون، وأكمل دراسته في "ماليزيا" عند أحد العلماء المعروفين.
عمل مدّرساً في إحدى المدارس بمدينة "بوندواسا"، كما عمل في مجال التبليغ والدعوة والإرشاد. وأسس "المعهد الإسلامي" في مدينة "بانجيل" الذي خرّج العديد من الكوادر الإسلامية الواعية.
اعتناقه لمذهب أهل البيت(عليهم السلام):
لم يكن "حسين الحبشي" من المتعصّبين أو ذوي الفكر المحدود والمغلق، بل كان من العلماء الواعين المنفتحين على العالم الإسلامي وعلمائه من كلّ الطوائف حيث كانت له علاقات ودّية مع أمثال سيّد قطب والندوي والقرضاوي ومحمد بن علوي المالكي المكّي وغيرهم.
وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أقام علاقات قويّة مع علماء إيران وتعرّف على مذهب الشيعة ثمّ درس أصول ومبادىء هذا المذهب فاقتنع به
واتّخذه مذهباً يدين للّه به; لكنّه لم يعلن ذلك على الملأ لظروفه الخاصّة وكان أبرز ما دفعه إلى التشيّع هو روح التحقيق في المسائل الدينيّة وعدم الاكتفاء بالتقليد لآراء الآخرين.
نشاطاته:
1 ـ كان رجلاً ذا همّة عالية في نشر التعاليم الإسلاميّة وتطبيقها، وكان يعتقد بأنّ الإسلام ليس مجرّد محاضرات، وتلقينات في العقائد، بل هو منهاج متكامل للحياة، وقد دعا إلى مراعاته بشكل عملي في حياة المسلمين، وقد دفع أثماناً غالية في هذا الصعيد حتّى أنّه أدخل السجن.
2 ـ ركّز "حسين الحبشي" جهوده على توعية المسلمين بممارسات تبليغيّة مختلفة كالخطابة التي برع فيها وعُرف بتأثيره القوي على مستمعيه في مختلف أنحاء أندونيسيا بل وماليزيا وسنغافورة، كما كانت له دروس أسبوعية في التفسير والحديث في المسجد الجامع بمدينة "بانجيل".
3 ـ أسّس المعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل" الذي خرّج الكثير من الكوادر الإسلامية الشابّة والتي كان لها دور كبير في توعية الناس، ونشر أحكام الإسلام والتشيّع في أنحاء أندونيسيا، وكانت سياسته في المعهد هو التدريس وفق المذهب الشافعي السائد في البلاد، وكان مع ذلك منفتحاً على المذاهب الأخرى بما فيها التشيّع، كما كان يترك حريّة الاختيار للطالب في اختيار مذهبه أو تغيير عقيدته مع المحافظة على الوحدة وعدم الاختلاف.
4 ـ كان له نشاط كبير في الردّ على الثقافة الغربية التي غزت بلاد المسلمين، كما حارب نشاط البعثات التبشيريّة المسيحيّة التي أنتشرت بشكل مكثف في البلاد الأندونيسيّة وكانت جهوده مؤثّرة في نزع أشكال الصليب المختلفة التي نشرها الصليبيّون على المباني والبيوت والأبواب.
5 ـ وقف بشدّة أمام الانحرافات الدينيّة والفكريّة، فعندما روّج وعّاظ السلاطين عدم وجوب الحجاب على النساء وجواز مصافحتهن من قبل الرجال وارتكب ذلك بعض هؤلاء المتظاهرين بزيّ رجال الدين، أعلن حرمة ذلك وحذّر الناس من نزع الحجاب وردّ الشبهات التي أوردها هؤلاء الوعّاظ لتعليل السفور والخلاعة.
6 ـ كان من دعاة الوحدة بين المسلمين وعدم التفرقة بينهم، وبذل جهوداً جبّارة في هذا المجال في حياته العمليّة، وواجه أنواع الجفاء والإجحاف من المغرضين والجهلة كما دعا إلى عدم تكفير أيّة طائفة من طوائف المسلمين.
7 ـ كانت له اليد الطولى في إرسال الطلبة المستبصرين للدراسة في الحوزة العلميّة في قم المقدّسة وكانت جهوده في هذا المجال مثمرة جدّاً.
8 ـ كان له نشاط سياسي فعّال في أوائل قيام الدولة الأندونيسية وخلاصها من الاستعمار حيث انتمى إلى الحزب الإسلامي الوحيد المسموح به في ذلك الوقت، وشارك في الانتخابات وفاز بمقعد في المجلس الدستوري الأندونيسي، ولكن هذا الحزب أنهار وانحل نتيجة ضغوط الدولة أيام "سوكارنو" وخيانة بعض منتسبيه، ممّا سبّب إلى ابتعاده عن الأحزاب السياسيّة وتركيز جهوده على الجانب الديني والاجتماعي.
9 ـ حاول إنشاء حي إسلامي متكامل في إحدى مناطق "كوالاالامبور" العاصمة الماليزية بحيث تمارس فيه النشاطات الإسلامية بحرّية، وتطبّق فيه تعاليم الإسلام وتنشر أحكامه. لكن هذا المشروع لم ير النور حيث وافاه الأجل المحتوم ولم يمهله لتنفيذ هذه الفكرة البديعة.
مؤلفاته
كان لحسين الحبشي تأليفات متنوعة ذات قيمة كبيرة رغم نشاطاته التبليغية الكثيرة نذكر منها:
1 ـ الأخوّة الإسلامية بين السنّة والشيعة (ردّاً على الندوي في كتابه صورتان متضادّتان) نشره بالعربيّة والأندونيسيّة.
2 ـ المذهب الذي يحرّم التمذهب.
3 ـ هل يمكن أن لا نتمذهب.
4 ـ قاموس الكوثر (عربي ـ أندونيسي).
5 ـ القاديانيّة والمؤامرة.
6 ـ القواعد الفقهية.
7 ـ تفسير سورة عبس (دفاع عن رسول الله(صلى الله عليه وآله))
8 ـ الحوار مع النصارى
9 ـ لكي لا تكون فتنة (ردّ على بعض الشبهات حول الأئمة(عليهم السلام) في كتاب الكافي)
10 ـ ترجمة انجيل برنابا.
وفاته:
انتقل إلى رحمة الله تعالى في اليوم الثاني من شهر شعبان سنة 1414هـ ، ودفن جثمانه الطاهر في معهده الشريف بمدينة "بانجيل" بعد تشييع الآلاف من المسلمين له الذين أتوا من أرجاء البلاد الأندونيسية والماليزية والسنغافورية، وودّعوه بالبكاء والدعاء.
بقي ذكره حيّاً، وصار رمزاً للوحدة بين المسلمين ونموذجاً لأبناء بلده في العلم والعمل والجهاد.
وقفة مع كتابه "رداً على الندوي في صورتيه المتضادّتين"
كتب "حسين الحبشي" هذا الكتاب لتفنيد آراء الشيخ الندوي في كرّاسه المسمّى (صورتان متضادّتان لنتائج جهود الرسول الأعظم الدعوية والتربوية وسيرة الجيل المثالي الأوّل) والذي شكّك فيه في تصوّرات وآراء أتباع أهل
البيت(عليهم السلام)، حيث قارن بين نظرتين إحداهما كما زعم للشيعة والأخرى لأهل السنّة.
وقد هاجم "الشيخ الندوي" آراء الشيعة في عدالة الصحابة، وسلامة القرآن من التحريف ومسألة الإمامة والعصمة، ومسألة البداء وغيرها. وقد ركّز كما قد يظهر من عنوان كرّاسه على مسألة عدالة الصحابة بأجمعهم دون استثناء في حتميّة مثالية فريدة في التاريخ سماها "حسين الحبشي" بـ (الحتميّة الندويّة)!.
وقد كرّر "الشيخ الندوي" الاتّهامات المعروفة ضدّ الشيعة التي سبقه فيها الكثيرون، وأجاب عنها علماء مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) طوال القرون السالفة، ولم يأتِ بشيء جديد إلاّ من حيث الشكل الأدبي لتصوراته وعباراته، والتي لا تخلو من الزخرفة والتنميق والوقاحة في نفس الوقت، كما سيتبيّن ذلك.
ثمرة الدعوة:
يقول الشيخ الندوي في الصحفة الحادية عشر: (لابدّ من أن تثمر الدعوة في حياة الرسول نفسه، وأن تنتج جيلاً جديداً لا يشبه الأجيال القديمة ولا يقبل انتكاصاً ولا انتكاساً.
إنّ ظهور معجزة التأثير والهداية في حياة الرسول(صلى الله عليه وآله)، وظهور الثورة في الاخلاق والعقائد، وبروز نماذج إنسانيّة عمليّة ـ هي من أروع ما شاهده التاريخ من نماذج وأجملها ـ كلّ ذلك يشقّ الطريق للإسلام، وتترامى بفضله وتأثيره أُمم وأقطار في أحضان الإسلام، ويتكوّن مجتمع كامل حيّ يعتبر مجتمعاً مثاليّاً نموذجيّاً من كلّ جهة.
ويجب أن يتحقَّق كلّ ذلك في حياة الرسول، وعلى أثر وفاته، حيث إنّ الدين الذي لا يستطيع أن يقدِم أمام العالم عدداً وجيهاً من نماذج عمليّة ناجحة بنّاءة، ومجتمعاً مثاليّاً في أيام الداعي وحامل رسالته الأوّل; لا يعتبر ناجحاً، كما أنّ الشجرة التي لم تؤت ثمارها اليانعة الحلوة، ولم تتفتح أزهارها العطرة الجميلة
أيام شبابها وفي موسم ربيعها (وهو عهد النبوة) لا تعتبر شجرة مثمرة سليمة، وكيف يسوغ لدعاة هذه الدعوة والدّين وممثليهما الذين ظهروا بعد أن مضى على عهد النبوّة زمن طويل، أن يوجّهوا إلى الجيل المعاصر والعالم الحاضر، دعوة إلى الايمان والعمل والدخول في السلم كافّة، والتغيير الكامل في الحياة، وهم عاجزون ـ في ضوء مذهب الشيعة (...؟!!) وأقاويلهم ـ عن تقديم نتائج حيّة باهرة للألباب، مسلّمة عند المؤرّخين، للمجهودات التي بُذلت في العهد الأوّل وفي فجر تاريخه في سبيل إبراز اُمّة جديدة، وإنشاء جيل مثالي، يمثّل التعاليم النبويّة أصدق تمثيل، ويبرهن على تأثيرها ونجاحها).
وقد أجاب الحبشي على هذا الكلام بشكل مفصّل، نقتطف من جوابه بعض الفقرات، منها أنّه قال مشيراً إلى كلام الشيخ الندوي:
"إنّه والله اُسلوب شعري بليغ رائع، لو كان مطابقاً ـ حقّاً ـ لما يرويه التاريخ وروته كتب الصحاح والسنن والمغازي إنّنا لا يمكن أن نتكلّم في التاريخ حسب هوانا، بل لابدّ من أن نكون واقعيّين نروي ما روته الصحاح (صحاحنا ومسانيدنا وكتب سيرنا ومغازينا).
نحن لا نشكّ في أنّ الداعي وحامل رسالته الأوّل سيّدنا الحبيب محمّد(صلى الله عليه وآله)قد أدّى الأمانة، ونصح الأمّة وجاهد في الله حقّ جهاده، وإنّه (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) لم يألُ جهداً في لمّ شعثهم وضمّ شاردهم بأحسن وأفضل طريقة يتصوّرها الإنسان، وناهيك بلين الجانب والزهد وكلّ خلق يجعله(صلى الله عليه وآله) كالمرآة لمن حوله، بل وقد طبّق كلّ تعاليمه في الأخلاق والشريعة تطبيعاً كاملاً، وتلك الطريقة إلى جانب القرآن هي التي جعله الله من خلالها اُسوة للناس كافّة، ونبراساً لمن يريد أن يهتدي بهديه(صلى الله عليه وآله) وصدق الله العظيم إذ قال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي
ضلال مُّبِين}(1).
وطبيعي أنّ من بين الذين وجّه إليهم النبيّ(صلى الله عليه وآله) هذه الدعوة كثيراً منهم تقبّلوها وأخلصوا في إيمانهم وأحبّوه ونصروه وآزروه، واتّبعوا النور الذي اُنزِل معه، لكنّنا لا نستطيع أن نقول مثل ما يقول الندوي: (إنّ الجيل كلّه أثمرت فيهم الدعوة بالحتميّة، فصاروا نماذج إنسانيّة رائعة تشقّ الطريق للإسلام) وأعتقد أنّ كلّ اُمم الأنبياء فيهم العصاة والمتمرّدون، والذين يرفضون الدعوة كليّاً، وفيهم الذي آمن ثمّ كفر، وفيهم من يخفي الكفر ويظهر الإيمان بينهم.
وعلى الإجمال، فيهم الصالحون وفيهم دون ذلك، لكن بالنسبة لسيّدنا محمّد(صلى الله عليه وآله)فهوأفضل من يقتدي به الإنسان، وأكثرهم نتيجة في تربيته، واُمّته أكثر الاُمم وفاءً بعهده، كما أنّهم ـ في حياته ـ أكثر الاُمم تضحيةً، ثمّ إنّ الإسلام ـ حسب ما في الآيات القرآنيّة والأحاديث الصحيحة ـ يشقُ الطريق بنفسه; بقرآنه وبسيرة الاُسوة الحسنة الذي ابتعثه الله للبشر كافّة فقط لا غيره".
انتشار الإسلام والحتميّة الندويّة:
واصل حسين الحبشي جوابه قائلاً: "نعم، إنّ الإسلام يشقُّ الطريق بنفسه، وبسيرة نبيّه لا غير، فيدخل الإسلام قلب الإنسان الذي يريد الله هدايته; لأنّ الإسلام قد ملأ كلّ جوانبه، تعالوا نقرأ ما كتبه المفكّر الفرنسي (روجيه غارودي): (إنّ الإسلام هو المنطق، وهو العقل، وهو القلب، وهو الصيغة الفريدة للإجابة عن تساؤلات البشر، وإخراجهم من حيرتهم وحلّ مشكلاتهم، كأفراد ودول ومجتمعات...) إلى أن قال: (بدا لي أنّ الإسلام حامل إجابة عن أسئلة حياتي... الخ).
وهل المنطق السليم يشترط (الحتميّة) في تحقيق الدعوة لجميع أفراد الصحابة كي يكونوا جيلاً مثاليّاً فريداً في التاريخ؟ لأنّه إذا لم يكن كذلك، صار
____________
1- الجمعة: 2 .
الإسلام (القرآن) كالشجرة التي لم تؤتِ ثمارها... كما يقول الشيخ الندوي: (وإذا لم تتفتّح أزهارها المعطّرة الجميلة أيّام شبابها، فهي إذاً شجرة غير سليمة). أليس يكفي أن تخرّج المدرسة النبويّة ـ على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام ـ فئة قليلة في كمّها عظيمة في كيفها؟ أليس كافياً أن يظهر في الألف مائة بطل ومحارب لنقول بأنّ الذي علَّمهم الفروسيّة قد انتجت ثمرة تعليمه أم يجب أن نقول: إنّ المائة في المائة كلّهم نتجوا؟"
وأضاف حسين الحبشي في ردّ الحتمية الندويّة قائلاً:
"قد نصطدم بالحوادث والوقائع التي جرت بين الصحابة، والتي روتها صحاحنا وكتبنا من أهل السُنّة، والتي تدلُّ على بطلان الاستنتاج الذي عبّر عنه الاُستاذ الندوي في (نموذجيّة الجيل الأوّل ومثاليّته، سواء في أيّام الداعي الأوّل(صلى الله عليه وآله)وسلّم أو بعد وفاته)، إذ حصلت حسب نصوص صريحة انتكاسات لا نستطيع ردّها ولا الجواب عنها".
وأورد "حسين الحبشي" نماذج عديدة من هذه الانتكاسات (حوالي 25 نموذجاً) ليثبت بأنّ مارآه الندوي مائل إلى الشطط. ولم نوردها هنا طلباً للاختصار.
ثمّ أضاف:
"من الصعب أن نجد توجيهاً أو تسويغاً لتلك الحوادث وأعمالهم تلك، يمكننا أن نثبت من خلاله ادّعاءنا بأنّهم كلّهم مثاليّون وقدوة للناس، وأنّهم شقّوا الطريق للإسلام، فتترامى بفضلهم وتأثيرهم اُمم وأقطار في أحضان الإسلام على حدّ قول المفكّر الإسلامي، الاستاذ الندوي.
هذا، ولم نتكلّم بعد فيمن قَتل أو على الأقل كان سبباً في قتل عمّار بن ياسر في حرب صفّين ثمّ قتل حجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي صبراً؟ وقد سمع الناس قول النبيّ(صلى الله عليه وآله) في عمّار: ويح عمار! تقتله الفئة الباغية
يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار(1). ولم نذكر قتلة الخليفة عثمان، إقرأ يوم الدار.
أرى أنّ الأولى والأسلم أن لا نجتهد برأينا الذي قد يتعارض مع نصوص الكتاب والأحاديث الصحيحة، لكنّنا نأخذ بقول صاحب الرسالة نفسه (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) بأنّ من صحابته الأبرار والصلحاء المبشَّرين بالجنّة، ومنهم دون ذلك، ولا سيّما إذا بالغنا في القول فقلنا مثل ما يقول الشيخ الندوي: لابدّ من أن تثمر الدعوة في حياة الرسول نفسه وأن تنتج جيلاً جديداً لا يصبح كالأجيال القديمة، ولا يقبل انتكاساً ولا انتكاصاً، إلى آخر ما قال".
تأسيس حكومة وراثيّة تعريضاً بصاحب الرسالة(صلى الله عليه وآله):
واصل الشيخ الندوي كلامه وقال: "كذلك من البديهيات اللازمة أن يكون هذا الداعي الأوّل، والمرسل من الله وحامل رسالته، متميّزاً عن مؤسّسي الحكومات والفاتحين والغزاة والقادة السياسيّين، والزعماء الماديّين في طبيعته وأذواقه وسلوكه وعمله ومقاصده ونتائجه تميُّزاً واضحاً، ويكون هناك تناقض بَيّن بينه وبين هذه الطائفة، إنّ محور الجهود التي يبذلها مؤسّسوا الحكومات وفاتحو البلدان، وزعماء العالم، من أصحاب الطموح ومجرّبي الحظوظ، وهدفهم الأعلى ـ أو النتيجة الحتميّة الطبيعيّة على أقلّ تقدير ـ إنّما هو قيام مملكة خاصّة، وتأسيس حكومة وراثيّة.
إنّها ظاهرة طبيعيّة وحقيقة تاريخيّة على مرّ القرون والأجيال، يشهد بذلك تاريخ ازدهار الأسر الروميّة والبيزنطيّة، والساسانيّة والكيانيّة، واُسرتي "سورج بنسي" و "جندر بنسي"... إلى آخر ما يقوله".
وقد أجاب الشيخ الحبشي عن كلامه هذا بالقول:
____________
1- صحيح البخاري: 1 / ح 436.
"إنّ هذا الكلام تعريض لما ينطق به الرسول(صلى الله عليه وآله) حينما أوصى الصحابة بالطاعة بعده لعلي بن أبي طالب حين قال: من كنت مولاه فعليَّ مولاه(1) وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي(2).
إنّ هذا التعريض يعارض اعتقادنا بأنّ كلَّ ما ينطقه النبيّ وحي، نحن ـ وكلّ مسلم طبعاً ـ ننزّه رسول الله(صلى الله عليه وآله)من أن تكون نيّته من كلماته في تفضيل عليّ يوم الغدير وغيره هو من باب التمهيد لتأسيس حكومة وراثيّة.
نحن طبعاً نفهم جيّداً بأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) حين ينطق بفضل علي بن أبي طالب على كلّ أصحابه فيصرّح قائلاً: نفسه من نفسه... إلى آخره، وآخاه مرّتين، ليس من باب التمهيد لتأسيس حكومة وراثيّة، نعوذ بالله من هذا الاعتقاد.
ثمّ هل نقول مثل هذا استكثاراً لأنّ عليّاً لا يستحقُّ كلَّ هذه الفضائل؟ ألسنا نروي في كتب سُننا وصحاحنا أنّ عليّاً هو أعلم الصحابة، وأشجعهم، وأزهدهم، وأعبدهم، وأفصحهم، وأشدّهم سياسة، وأرجحهم عقلاً وكياسة، وأسدُّهم رأياً، وأوّلهم إسلاماً، وأكثرهم جهاداً، وأجمعهم لصنوف الفضائل، ولم يكن عليٌّ صحابيّاً كسائر الصحابة، بل امتاز عنهم بفضائل لم يشاركه فيها أحد من الصحابة، قال خزيمة بن ثابت:
____________
1- سنن الترمذي: 5 / ح 3713، قال الألباني: صحيح. سنن ابن ماجة: 1 / ح 121، قال الألباني: صحيح. مسند أحمد: 5 / ح 22995، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح. المستدرك للحاكم: 3 / ح 6272، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي في التلخيص. 2- سنن الترمذي: 5 / ح 3712، قال الألباني: صحيح. صحيح ابن حبّان: 15 / ح 6929، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي. المستدرك للحاكم: 3 / ح 3637، وقال: "صحيح على شرط مسلم وأقرّه الذهبي في التلخيص". مسند أبي يعلى الموصلي: 1 / ح 355، قال حسين سليم أسد: رجاله رجال الصحيح.
من فيه ما فيهم لا يمترون به | وليس في القوم ما فيه من الحسن |
سبقهم جميعاً إلى الإسلام، وعبدالله وليس في الأرض من يعبده إلاّ ثلاثة وهو أحدهم، والآخران سيّدنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسيّدتنا خديجة الكبرى، وسبق الناس إلى الجهاد في سبيل الله، وحامى عن دين الله، وقابل أعداء الله في كل يوم عصيب، وواسى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وفداه بنفسه، وشاركه في كلّ شدّة ومحنة منذ طفولته إلى وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)وقام الإسلام بسيفه، فكان ينيّمه أبو طالب في مضجع رسول الله(صلى الله عليه وآله)أيام حصار الشعب ليكون فداءً له(صلى الله عليه وآله) إن رام أحدٌ الفتك به، وكان أطفال قريش يؤذون النبيّ في أوّل البعثة، فقال علي للنبي: إذا خرجت فأخرجني معك. فكان يحمل عليهم ويقضمهم، فيرجعون إلى أهلهم باكين ويقولون: قضمنا علي بن أبي طالب، وبات على فراشه ليلة الغار، وأدّى أمانته، وحمل الفواطم إلى المدينة، وهزم الذين كانوا يحاولون إرجاعه، وقتل مقدّمهم، وكان عليه المدار يوم بدر واُحد والخندق وخيبر وغيرها، ولا موقف من مواقف الرسول(صلى الله عليه وآله) إلاّ وله فيه موقف مشهود، كما قال الشريف الرضي:
ومن قَبلُ أبلى ببدر وغيرها | ولا موقف إلاّ له فيه موقف |
ولم يُسمع لسواه ممَّن فُضّلوا عليه مثل هذه الشجاعة، وكان نفس النبيّ(صلى الله عليه وآله)بنصّ القرآن، وصدق الله العظيم إذ قال: {وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ}(1) إذ لم يدعُ النبيُّ(صلى الله عليه وآله)أحداً من المسلمين إلاّ وهو، واختاره أخاً لنفسه لمّا آخى بين أصحابه، قال الصفي الحلي:
لو رأى مثلَك النبيُّ لآخى | وإلاّ فأخطأ الانتقاد |
وكان ثاني أهل الكساء، ولعمري أفضل الخلق من حواه الكساء، ولم يعمل بآية النجوى غيره من الصحابة، وكان من النبي بمنزلة هارون من موسى، وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، ووليّ كلّ مؤمن ومؤمنة، وباب مدينة علمه، وحين سُدَّت
____________
1- آل عمران (3): 61.
الأبواب في المسجد سُدَّت كُلُّها إلاّ بابه(1).
أفبعد هذا نستكثر على علي بن أبي طالب أن يقال: إنّ فيه كلّ هذه الفضائل، ولا سيّما إذا كان قائلها سيّدنا محمّد(صلى الله عليه وآله).
أيجدر بنا أن نعرّض في قائلها بأنّه يمهّد بأقواله لقيام حكومة وراثيّة من ذوي قرباه كالساسانيّة، وهكذا بالحرف الواحد (كذلك من البديهيّات اللازمة أن يكون هذا الداعي الأوّل والمرسل من الله متميّزاً عن مؤسّسي الحكومات والفاتحين والقادة السياسيّين ـ إلى أن قال ـ وزعماء العالم من أصحاب الطموح ومجرّبي الحظوظ وهدفهم الأعلى إنّما هو قيام مملكة خاصّة وتأسيس حكومة وراثيّة).
فضائل علي(عليه السلام) والخوف من الساسانية:
يواصل "الشيخ الحبشي" ردّه على كلام "الشيخ الندوي" الذي يعرض فيه بالرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) بأنّه يمهد لقيام حكومة وراثية من ذوي قرباه كالساسانية قائلاً:
"ما علاقة هذا الكلام في معرض ذكر فضائل الصحابة رضي الله عنهم؟ من الصعب علينا أن نتغاضى عن صدور مثل هذا التعريض على النبي(صلى الله عليه وآله): لأنّه أعطى علياً مثل هذه الفضائل وأعطاه ولاية كلّ مؤمن ـ كما في حديث الغدير وغيره من الفضائل:
ما علاقة تلكم الفضائل بالفرس والساسان؟ وهي في نفسها حقائق ثابتة، واعترف بها جلّ الصحابة تقريباً؟
أليست كتبنا وصحاحنا تروي بأنّ الخليفة أبا بكر احتجّ في ساعة الانتخاب
____________
1- راجع حول هذه الفضائل للإمام علي(عليه السلام) مستدرك الحاكم،ج3، باب مناقب أهل البيت، وباب فضائل عليّ، والاستيعاب والاصابة وغيرهما من كتب التراجم، وراجع كتاب احقاق الحق والمراجعات وكتب المناقب والفضائل لأهل السنّة.
بأنّه من المهاجرين السابقين الذين هم أوّل الناس إسلاماً وأمسّهم رحماً برسول الله(صلى الله عليه وآله)مع علم الجميع بأنّ عليّاً والعباس أقرب رحماً إلى رسول الله، فهل أسأنا الظنَّ بأبي بكر؟ وهل عرَّضنا بالخليفة الأوّل لاحتجاجه بالقربى، وهو يعلم أنّ غيره أقرب، بأنّه يمهّد لنفسه قيام حكومة تيميّة وراثيّة؟
ثمَّ ما رأى الشيخ في تولية النبي(صلى الله عليه وآله) عليّاً على اليمن، وجعل قضاءه إليه، وتأميره على الجيش المرسَل إليها، وعلى الجيش المرسَل إلى ذات السلاسل، وتولية أخيه جعفر رئاسة المهاجرين إلى الحبشة وجيش مؤتة؟ وإمارة الجيوش أهمّ إمارة، فهل النبي(صلى الله عليه وآله)يمهّد بهذا لقيام حكومة كسرويّة؟
ثمّ ما قولنا في سحب النبيّ(صلى الله عليه وآله) أمانة تبليغ الناس سورة براءة من أبي بكر وتحويلها بأمر الله إلى عليٍّ قائلاً: (لا يبلّغها عنّي إلاّ رجل منّي)(1) إلى آخر ما قاله(صلى الله عليه وآله)؟ وهل يمكن أن تطغى علينا فكرة التخوُّف من الساسانيّة، سيَّما إذا كانت مصطنعة هكذا لنقول بأنّ الولاية والفضائل يجب أن تُصرف على أهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله)وإن كان فيهم أكفاء الأكفاء؟!
وإذا كان الكفاءة هي المدار في اُمور الحكم والولاية، فهل في الناس كفؤ لعلي بن أبي طالب؟ الذي شهد له الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بأنّه إن وليهم ليحملنَّهم على المحجّة البيضاء!! وكان يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو حسن(2)".
مقترحات الشيخ الندوي والتقريب:
اقترح "الشيخ الندوي" على الجعفريين أنّه يجب عليهم تغيير نظرتهم في بعض الصحابة وبعض أمّهات المؤمنين وأزواجه إن ارادوا التقريب!
ورغم إنّ مثل هذه المقترحات تثير ردود الفعل القويّة عادةً لما فيها من
____________
1- مسند أبي يعلى الموصلي: 1 / ح 104، قال حسين سليم أسد: رجاله ثقات. مجمع الزوائد للهيثمي: 3 / ح 5464. قال: رواه أحمد ورجاله ثقات. 2- الإصابة لابن حجر: 4 / 568 .
تعسّف واستعلاء إلاّ أنّنا نرى "الشيخ الحبشي" هنا يرد بهدوء وبطريقة موضوعيّة قائلاً:
"إن أراد بذلك أن يترك الإمامي اجتهاده، فنحن نعلم أن ترك مؤدّى الاجتهاد والاعتقاد بخلافه غير جائز، ولا ينبغي لمجتهد بل لمقلّد أن يطلب من غيره ترك ما ادّى إليه اجتهاده.
وإمّا التقريب، فليس معناه ترك السنّي أو الإمامي لمذهبه، بل معناه أن لا يؤاخذ كلُّ واحد منهم الآخر فيما لا يتنافى مع الإسلام في شيء، ويأخذ كلّ منهما ـ في مقام التجاوب والتفاهم ـ بالأصول الإسلاميّة الجامعة المشتركة بين الجميع، وأن لا يُدخلوا في ا لدين ما ليس منه، فإنّ عقيدة الإماميّة ـ كما نفهمها ـ لا تتجاوز في ذلك عقيدة بنت الرسول سيّدة نساء العالمين وسلمان وأبي ذر والمقداد وحُذيفة وعمّار ونظائرهم.
فالواجب على الإماميّة وغيرهم أن يتّبعوا في تلك المسائل اجتهادهم الحر في الكتاب والسنّة والتاريخ الصحيح، إذ لا يجوز السير على خلاف الاجتهاد إذا أدّى إلى غلط فلان وخيانة فلان، فإن كان في الكتاب والسنّة وتاريخ الإسلام أدلّة كثيرة قويّة على عدم عدالة بعض الصحابة وعدم مبالاتهم بمصالح الإسلام والمسلمين بأفعالهم التي تنافي الشريعة، فلا ينبغي مطالبة غير المعتقدين في إيمان هؤلاء وعدالتهم بترك هذه الأدلّة.
وإذا كان لا يمكن تخليص الكتاب والسنّة وتاريخ عصر الرسالة والخلفاء وبني أُميّة وبني العبّاس من هذه الأدلّة، ولا يمكن تخليص التاريخ من مثل حرب الجمل وصفّين، فإنّه لا يجوز عتاب من يجتهد في ذلك، ولا يجوز منع المسلمين من مطالعة التاريخ، والنظر في تلكم الأدلّة، كما لا يجوز سدّ باب التقريب بمطالبة ذلك. نعم، لا بأس أن يطالب أحد المذاهب من الآخر تجديد النظر في أدلّته.
والواجب على الفريقين أن لا يجعلوا المسائل سبباً للعداوة والبغضاء