وتكفير بعضهم لبعض، ولا سيّما في هذا العصر الذي أصبحت فيه نتيجة هذه المباحث رأياً مجرّداً وعقيدة محضة لمن اعتقد، وليس هناك أيّ مانع من وجوب وقوف الإماميّة والسنّة في صفّ واحد ما داموا لم يتركوا التمسُّك بالكتاب والسنّة. فمن لم يرَ الخير والفضل والعدل في بعض الصحابة أو في معتقدهم، بل ولم يعرف ذلك الصحابي ولم يسمع عنه لا يكون مسؤولاً عن ذلك، ولا يضرّ بإسلامه أبداً ولا يؤاخذه الله تعالى به يوم القيامة، لأنّه لم يكلّف عباده بمعرفة الصحابة والإيمان بهم وبعدالتهم كلّهم، ولم يجعل ذلك ركناً من أركان دينه، وحكماً من أحكام شريعته.
وكذلك في أزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله) فإنّهنّ ـ ولا شكّ ـ تشرَّفن بما تتشرّف به غيرهنَّ من النساء، وإنّ لبعضهنّ مكانة مرموقة في العبادة والخير وكثرة الصدقة والفهم والحكمة، ومنهنّ من أطعن أمر الله في قوله عزّ من قائل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}(1)، فلم يغادرن البيت، حتى أنّ جميعهنّ حججن غير سودة وزينب بنت جحش، فإنّهما قالتا: لا تحرّكنا دابّة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)لأنّه حجّ بنسائه حجّة الوداع، وهذه منقبة وفضيلة كبيرة لاُمّهات المؤمنين أيّة منقبة، فهنيئا لهنَّ بتلك الكرامةِ، حيث لم يدخلن أنفسهنّ في الفتن والحروب الدامية الني حدثت بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)وحفظن الرسول في اُمّته.
نعم، الإماميّة تستنكر ما صدر عن إحدى اُمّهات المؤمنين في الفتن التي أدّت إلى التقاتل والتنافر، بل أسفرت عن قتل جماعة من الصحابة المهاجرين والأنصار، وفتحت على المسلمين أبواب الفتن، وأدّت إلى قيام حكومة غاب عنها الإسلام فمن تصفّح التاريخ استنكر ذلك ورأى عواقب ما صدر منها من عظيم المصائب التي حلّت بالمسلمين وإن حمل على الاجتهاد!
ثمّ ألسنا نقرأ التأريخ ونعرف أن سيّدنا محمد بن أبي بكر أخاها كان يعيب
____________
1- الأحزاب (33): 33.
ذلك ويستنكر عليها أعمالها لمّا عاد بها من حرب الجمل وفتح الهودج فرآها، ثمّ قال لها: (ذوقي عقق) يعني بذلك أنّ أولاد اُمّ المؤمنين عقُوها، هكذا يروي التاريخ، ثمّ روي أنّها ركبت بغلة فخرجت تصلح بين غلمان لها ولابن عبّاس، فأدركها ابن أبي عتيق، وقال لها: (يعتق ما نملك إن لم ترجعي)! فقالت: ما حملك على هذا يا ابن أبي عتيق؟ قال: لم ينقضِ عنّا يوم الجمل حتّى يأتينا يوم البغلة(1)".
حريّة التفكير والبحث:
هل من الممكن أن نمنع حريّة المسلمين في دراسة تأريخهم؟ أو نطالبهم بغضّ النظر عن قراءة الفترة الحرجة بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله)حفاظاً على كرامة بعض أصحابه وأزواجه! ولو فعلنا ذلك فهل يستجيب الباحثون لذلك. وخاصّة في هذا العصر المسمى بعصر الحريّات، وعصر البحث والتقدّم العلمي؟ يجيب على ذلك "الحبشي" قائلاً:
"ولا يمكن منع الباحثين ـ وخاصّة الشباب الذين يتطلّعون إلى حرّية التفكير والبحث والتنقيب ـ من البحث في ذلك بعد ما سجل التاريخ ما لا نحبّ ممّا يمسّ كرامة اُمّ المؤمنين عائشة، كما لا يمكن منع الباحثين من الأخذ بالحكم على هؤلاء، بموجب ما في الكتاب والسنّة.
فالاعتراف بخطئها أولى من الإصرار على تبرئتها بالرغم من المصادر والوثائق التاريخيّة والأحاديث النبويّة. فمتابعة الدليل والبرهان والأخذ بالحقّ أولى من القول بلا دليل والمكابرة في الأمور الجليّة. فالجيل المعاصر يردُّ كلَّ قول لا يدعمه دليل، ولا يقبل إلاّ ما أدّى إليه إعمال الفكر الحرّ، وتبرئة اُمّ المؤمنين من أوزار الجمل كذلك ليست من العقائد ا لإسلاميّة حتّى تُطلب ممّن لا يرى الاعتقاد بها.
____________
1- تهذيب الكمال، المزي: 16 / 67.
وليت شعري، إن كان الفريقان في حرب الجمل وصفّين مجتهدين، فمن الباغي منهما؟ اللّهمّ إلاّ إذا كنّا نريد أن نضع الصحابة في موضع المعصومين، فلا يصدر منهم خطأ، بل نفسّر أخطاءهم بالاجتهاد فيثابون على هذا، ويُثاب معاوية على قتل عمّار، ويثاب فلان على فعله... الخ والنبي(صلى الله عليه وآله) يخالفنا في ذلك بقوله: "لو كانت فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"(1) إذن، فالصحابيّة التي يحبُّها بل هي أحبّ النساء إليه، بل قال عنها: "إنّها بضعة منّي" لو سرقت لقُطعت يدها، يعني: لو خالفت الشريعة فإنّي أجري عليها حكم الله، فكيف نبرّر أخطاء اُناساً أخطأوا ثمّ نتحاشى من هذا ونقول: إنّ هذا اجتهاد!
كيف يجوز الاجتهاد قبال الإمام علي بن أبي طالب وهو الخليفة الذي بايعه المسلمون كلّهم، لا يشذّ منهم أحد؟ بينما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (علي مع القرآن، والقرآن مع علي، لا يفترقان حتّى يردا عليَّ الحوض)(2). وهل الاجتهاد الممنوع في مقابل النصّ سوى هذا؟؟ وفي مسألة كهذه التي هي من القضايا التي قياساتها معها، ومع هذه الوثائق التاريخيّة لا يليق لمسلم أن يطلب من غيره الحكم لطرف معيّن، ويسير في بحثه وتنقيبه سيراً ينتهي به إلى نتيجة قبل البحث، بل يجب أن يطلب من الباحثين ترك العصبيّة، وتشجيعهم على حرّية التفكير".
الاختلاف لا يفسد للودّ قضيّة:
يعتبر حسين الحبشي من أقطاب دعاة الوحدة بين المسلمين، وقد بذل جهوداً جبّارة في هذا المجال، والتقى بالكثير من علماء المسلمين وعمل معهم في سبيل وحدتهم ولذا نراه يؤكّد دائماً:
"إنّ إختلاف الآراء في مثل هذه المسائل لا يمنع التقريب واتّحاد
____________
1- صحيح البخاري 8: 16، كتاب الحدود، باب اقامة الحدود على الشريف والوضيع. 2- المستدرك للحاكم: 3 / 4628، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي في التلخيص.
المسلمين، ولا يمكن حسم هذه الاختلافات مادام التاريخ في معرض المطالعة والبحث، وكلّ من يراجع التاريخ خاصّة في العصر الحاضر ولم يقنع بتبرئة اُمّ المؤمنين عائشة ومعاوية وعمرو بن العاص ومروان بن الحكم، ولم يؤمن بجواز اجتهادهم، لا ينبغي تحميل رأي آخر لهم، ولا ينبغي عتابه على رأي أدّى إليه اجتهاده، ولا يجوز هجرانه وترك موالاته، فمن يرى تصويب كلّ اجتهاد، أو يرى حمل فعل المسلمين على الاجتهاد، ويرى مرتكبي إراقة الدماء المحترمة وهتك الأعراض، ونهب الأموال في صدر الإسلام; مجتهدين معذورين، يجب عليه أن يرى من نظر في التاريخ وظهرت له خيانة زيد أو خطأ عمرو; مجتهداً ومعذوراً أيضاً، بل هذا أولى بالعذر ممّن سبقه".
(28) حسين محمد الكاف
(شافعي / أندونيسيا)
ولد سنة 1386هـ (1967م)، في مدينة "شربون" باندونيسيا، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب ذات أصول يمنية في منطقة "حضر موت"، ومن السادة "آل باعلوي". ثم درس العلوم الإسلامية في المعهد الإسلامي "يابي"، وهو من أحسن المعاهد الإسلامية المترامية في البلاد الأندونيسية الشاسعة، وبرنامجه الدراسي مرتّب وفق تعاليم المذهب الشافعي. إلاّ أنّ المجال مفتوح للاطّلاع على المذاهب الإسلاميّة الأخرى، إذ فيه مكتبة كبيرة تحتوي على كتب متنوعة من شتّى الفرق والاتّجاهات الإسلاميّة، كما أنّ إدارة المعهد تشجّع الطلاب على مطالعة الكتب لكافّة الفرق الإسلاميّة ودون الاكتفاء بكتب فرقة إسلاميّة خاصّة.
استبصاره:
كان "حسين محمد الكاف" يحبّ المطالعة كثيراً، ويقرأ الكتب خارج المنهج الدراسي باستمرار وخاصّة الكتب المدوّنة باللغة العربيّة في الصعيد الأدبي والديني، وقد قرأ عدّة كتب مختلفة للشيعة والسنّة. ومن الكتب التي قرأها وشدّت انتباهه هو كتاب: "أبو طالب مؤمن قريش"، وقد آثار هذا الكتاب في نفسه حبّ الاستطلاع عن أهل البيت(عليهم السلام)وشيعتهم ومحبيهم، وقد وقع في يده أيضاً كتاب "التحفة الاثنا عشرية" وهو كتاب تهجّم مؤلفة على الشيعة الاثني عشريّة، ومؤلفه هندي يسمّى شاه عبدالعزيز الدهلوي، وقد جمع فيه الكثير من التهم والافتراءات التي ما أنزل الله بها من سلطان، ونسبها إلى الشيعة مثل خيانة الأمين جبرائيل(عليه السلام)وألوهية علي(عليه السلام)وتحريف القرآن، وغير ذلك...
وقد أدّى كثرة التهم المنسوبة إلى الشيعة وشناعتها بـ "حسين محمد الكاف" إلى البحث عن الشيعة والتحقق من أمرهم، وقد بحث عن كتب أخرى فوجد كتاب "المراجعات" في مكتبة أبيه فقرأه من أوّله إلى آخره، وسكنت نفسه لما وجد فيه من مطالب مستندة وصحيحة موجودة في كتب السنة ترد على الكثير من الشبهات المثارة في المسائل الخلافيّة بين السنّة والشيعة.
ثم واصل "حسين محمد الكاف" البحث والسؤال من العلماء حول هذه المسائل الخلافية وصحّة ما يورده كلّ طرف ودقّة مستنداته، وقد هيّأ الله تعالى له أحد العلماء العاملين المخلصين حيث كان يجيب على إشكالاته بدقّة، ويوضّح له المسائل من تاريخ نشوئها إلى تبين رأي كلّ طرف فيها، وما هو الرأي الصحيح الأقرب إلى النصوص الشرعيّة.
وبمرور الأيام ومتابعة البحث تبيّن لـ "حسين محمد الكاف" أحقيّة مذهب آل البيت(عليهم السلام) وقوّة أدلتهم وأولويته في الاتّباع، فما كان منه إلاّ أن أعلن استبصاره والتحق بسفينة النجاة واهتدى إلى الصراط المستقيم.
السياسة وحقائق الدين والتاريخ:
لعبت السياسة دوراً كبيراً بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وقدّمت المصالح القريبة المنظورة على قواعد الإسلام وثوابته، فانقلبت الموازين الإسلاميّة وخرقت الحدود الإلهية شيئاً فشيئاً نتيجة اتّباع الأهواء باسم "المصلحة" و "خوف الفتنة" و "جمع الكلمة".
ولم يقتصر اتّباع المصالح على ترك القواعد الشرعيّة لأجل الأمور العامة، بل تجاوز الأمر إلى الاعتداء على الحريم الشخصي للأفراد وهم أحياء، ثمّ وصل الأمر إلى تشويه تاريخهم وهم أموات، وخاصّة في عهد المُلك الأموي الذي أشترى الضمائر بالأموال، فحرّف التاريخ والسيرة والحديث لمصلحة الدولة الظالمة، وحارب أهل الحقّ وشوّه تاريخهم لمنفعة أبناء الشجرة الملعونة على
لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله)(1)، فسوّدت الصحائف بسابقتهم زوراً وبهتاناً، وعقدت الفصول والأبواب لفضائلهم التي لا وجود لها.
فهذا معاوية بن أبي سفيان أصدر الأوامر بعد أن توطّد له الحكم بمحاربة الشيعة ومحبّي آل البيت(عليهم السلام) الذين يروون فضائلهم فابرء الذمّة منهم، ولم يجوّز لهم شهادة ومحى أسماءهم من الديوان واسقط عطائهم ورزقهم، وأمر بالتنكيل بهم وهدم دورهم ولم يكتفي بذلك بل سلّط على العراق موطن الشيعة الأوائل أمثال زياد بن أبيه، وسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة ممّن ارتكبوا الجرائم الفظيعة بحقّهم(2)، ثم أضاف إلى جرائمهم تشويه سيرة أهل البيت المعصومين(عليهم السلام).
وفي المقابل خصّص الأموال الجزيلة لمن يروي في فضائل عثمان، فاستجاب أهل الأطماع والأحقاد له فألّفوا له من الفضائل المزعومة ما شاء إلى أن أصدر أمره التالي: (إنّ الحديث في عثمان قد كثر، وفشا في كلّ مصر، وفي كلّ وجه وناحية فإذا جاء كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين. ولا تتركوا خبراً يرويه أحداً من المسلمين في أبي تراب، إلاّ وأتوني بمناقض له في الصحابة فإنّ هذا أحبُّ إليّ، وأقرُّ لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب، وأشدّ إليهم من مناقب عثمان وفضله)(3).
نعم، لعبت السياسة دوراً رهيباً في قلب الحقائق وطمس القيم، وتضافر معها التعصّب المذهبي عند الخواص والقشرية في التفكير عند العوام فدامت هذه الأباطيل ولا زال يلوكها إلى الآن من يدّعي التديّن، ويزعم الصلاح.
أبو طالب مؤمن قريش في ضحضاح من نار!!
شاءت السياسة الأمويّة أن تحارب الدين الإسلامي بكل ما أوتيت من
____________
1- الدر المنثور، السيوطي: 5 / 310، روح المعاني، الآلوسي: 15 / 107 . 2- شرح النهج، لابن أبي الحديد: 3 / 15. 3- شرح النهج 11: 45 .
قوة(1)، فافرغت حقدها الجاهلي على النبي وآله(صلى الله عليه وآله) أحياءً وأمواتاً، ومن مصاديق هذه السياسة اتّهام أبي طالب عمّ النبي الذي حاماه ودافع عنه بأنّه كان كافراً ومات على الكفر للتنقيص من شأن الإمام علي(عليه السلام) والتعريض بالرسول(صلى الله عليه وآله)نفسه الذي كان يذكره دائماً بخير، وتسكيناً للحقد الذي تراكم في صدورهم على أبي طالب لنجاح سياسته في الدفاع عن الرسول(صلى الله عليه وآله) أمام طغاة قريش ممّا أدّى إلى نجاح الدعوة وقيام الدين.
أبو طالب الذي كان على دين إبراهيم(عليه السلام) قبل البعثة النبويّة ولم يسجد للأصنام، ولم يشرب الخمر ولم ينكح المحارم، ولم يتعرَّ عند الطواف بالبيت سبع مرات، وكان ينهى عن وأد البنات، ويقطع يد السارق ويحرّم الزنا وأن يستقسم بالازلام، وأن يؤكل ماذبح على النصب، ويسنّ الوفاء بالنذر(2).
أبو طالب الذي شارك أباه عبدالمطلب الزعامة في حياته، وخلفه بعد مماته، وشاركه في حفظ الرسول(صلى الله عليه وآله)والحدب عليه(3).
أبو طالب الذي ساد قريش وهو خالي الوفاض من المال(4)، ومع ذلك كان يقوم بسقاية الحاج حتّى كان يستقرض من أجل ذلك من أخيه العبّاس مرّة بعد مرّة إلى أن أخذ السقاية منه لعدم استطاعته على سداد ديونه فسمحت نفس أبو طالب بذلك(5) فلم تكن السقاية إلاّ أقل مناقبه.
هذه هي بعض صفات أبو طالب التي تدين لها القلوب بالحبّ وتحيطها النفوس بالإكبار التي هيّأته لحماية الرسالة في مهدها ودفع الأخطار عنها، يتهّم
____________
1- انظر ما رواه مطرف بن المغيرة بن شعبة في هذا الصدد عن أبيه المغيرة من أصرار معاوية على دفن معالم الدين بما فيها الأذان الذي يشهد لمحمد(صلى الله عليه وآله) بالرسالة كل يوم خمس مرات، مروج الذهب 2: 342، شرح النهج 1: 462، 2: 357. 2- السيرة الحلبية، الشافعي 1: 5 و 134 بحار الأنوار، المجلسي 6: 38، ينابيع المودة، القندوزي الحنفي 2: 90 . 3 و 4 ـ السيرة الحلبية 1: 137، و 153. 5- المصدر السابق 1: 17، شرح النهج 3: 461، الكامل ، ابن الأثير 2: 14.
بالكفر ـ والعياذ بالله ـ وهو الذي يعرف النبي(صلى الله عليه وآله) حقّ المعرفة، ورأى منه المعجزات والكرامات منذ الطفولة، وعرف فيه الصدق والأمانة، وهو الذي لم يرض بفراق النبي(صلى الله عليه وآله) له حتّى أخذه معه إلى الشام، ورأى في الطريق بحيرا الراهب النصراني الذي ذكّره بمكانة النبي(صلى الله عليه وآله)وحذّره من كيد اليهود له فيرجع به أبو طالب إلى مكة(1).
أبو طالب الذي سعى في زواج الرسول(صلى الله عليه وآله) من خديجة ووقف يحميه في كلّ المواقف من يوم الإنذار إلى يوم مراجعة قريش له في شأن النبي محمد(صلى الله عليه وآله)للكفّ عن دعوته وقد أنشد فيه أبو طالب شعراً مخاطباً النبي(صلى الله عليه وآله)
واللهِ لن يصلُوا إليك بجمعِهم | حتى أُوسَّدَ في التُّرابِ دفينا |
فاصدع بأمركَ، ما عليك غضاضة | وابشر بذاك، وقرَّ منه عيونا |
ودعوتني وعلمت: أنكَ ناصحي | ولقد صدقت، وكنت ـ ثمّ ـ أمينا |
ولقد علمتُ بأنَّ دين محمدَ | من خير أديان البريّة دينا |
إلى يوم تهديده لقريش بالقتال الشديد عندما فقد النبي(صلى الله عليه وآله) فخاف عليه أن تكون قريش قد اغتالته وعندها قال لهم: "والله! لو قتلتموه ما ابقيت منكم أحداً، حت نتفانى نحن وانتم"
وإلى أيام الشعب حيث الحصار الظالم الذي فرضته قريش على بني هاشم لدعمهم النبي(صلى الله عليه وآله) وحمايته، فكانت صحيفة المقاطعة في بنودها الجائرة: أن يكونوا يداً واحدة على بني هاشم، وحرباً عليهم لا يهادنونهم، فلا يتناكحون وإيّاهم، ولا يبيعون إليهم ولا يبتاعون منهم، ولا يقبلون منهم صلحاً أبداً إن أرادوا وليس يثنيهم عن عهدهم هذا، إلاّ أن يُسلم بني هاشم إليهم محمّداً(صلى الله عليه وآله) ويخلّوا السبيل بينهم وبينه، ثم علّقوا صحيفتهم في الكعبة.
وقد جابههم أبو طالب بعدم التنازل رغم المعاناة الشديدة وكان الحارس
____________
1- السيرة الحلبية، الشافعي 1 / 140، تاريخ الطبري 2: 24022.
الأمين له في النهار والليل حيث كان يسهر الليالي لحمايته خوفاً من اغتياله.
ظل يدافع عنه إلى احتضاره حيث جمع قريش وأوصاهم بالرسول(صلى الله عليه وآله)ونصرته وعدم التخاذل عنه وأن لا يفوتوا حظّهم بمؤازرته للآخرين فيسعد الآخرون به ويشقوا هم.
وقد قال الرسول(صلى الله عليه وآله) بعد وفاته: "ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه، حتّى مات أبو طالب"(1).
وقال أيضاً يخاطبه: "يا عمّ! ما أسرع ما وجدتُ فقدك...!" ولم يبق للرسول(صلى الله عليه وآله)مأوى في مكة بعد وفاته حيث انهدَّ منه الحصن الذي يقيه المكاره.
وقد أتاه الأمر الالهى بعد وفاة أبو طالب: "أُخرج منها ـ أي مكة ـ فقد مات ناصرك" وأبو طالب هذا يقال عنه أنّه كافر!!! ويروون حديثاً أنّه كان في غمرات من النار ونقله الرسول(صلى الله عليه وآله) إلى ضحضاح، فيا للكذب، ويا لحقد السياسة الأمويّة الأعمى.
أبو طالب الذي يذكره الرسول دائماً بكل خير، ويشهد له الإمام علي(عليه السلام)بالإيمان، ثم يشهد له الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام)بالإيمان أيضاً بل حتى بعض الصحابة والتابعين والكثير من العلماء القدماء منهم والمحدثين وكيف يكون كافراً من يقول:
ألم تعلموا أَنّا وجدنا محمداً | نبياً ـ كموسى ـ خُطَّ في أولِ الكتب |
ومن يقول:
ولقد علموا أن ابننا لا مكذبٌ | لدينا ولا يعبأ يقول الأباطلِ |
وأبيض يُستسقى الغمام بوجههِ | ثمالُ اليتامى عصمة للاراملِ |
أبو سفيان عدو رسول الله(صلى الله عليه وآله) له الفضل على الإسلام!!
في المقابل نجد أنّ السياسة ترفع من شأن أبي سفيان الذي لم يسلم إلاّ
____________
1- الكامل ، ابن الأثير 2: 630، البحار 6: 430 و 528.
ظاهراً وتحت وطأة السيف بحيث يعقد له باب في أبواب الفضائل، ولم لا مادامت الفضائل توزع مجاناً عناداً ضد الإمام علي(عليه السلام) وآل علي.
ثم لم يكتفوا بذلك حتى جعلوا له الفضل على الإسلام في حديث موضوع، فعن ابن عباس قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله): (ومن مثل أبي سفيان؟! لم يزل الدين به مؤيداً قبل أن يسلم!! وبعدما أسلم ومَن مثل أبي سفيان؟! إذا أقبلت من عند ذي العرش أريد الحساب، فإذا أنا بأبي سفيان معه كأس من ياقوته حمراء، يقول اشرب يا خليلي!. أُعار بأبي سفيان، وله الرضا بعد الرضا رحمه الله!)(1).
يقولون هذا عنه وكأنّه لم يكن رأس المشركين يوم أحد، والرافع عقيرته أعل هبل، اعل هبلُ ومجهز جيش الأحزاب.
أليس هو القائل لرسول الله(صلى الله عليه وآله): "ماأيقنت أنّك رسول الله، حتّى الساعة"(2).
والقائل عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): "ما أدري بما يغلبنا محمد"(3).
حقائق التاريخ وحركة الاستبصار:
إنّ المسلمين اليوم من كلّ المذاهب والفرق لو تركوا التعصّب المذهبي، وحكّموا عقولهم في دراسة تاريخهم لعرفوا واقع الإسلام وعظمة أهل البيت(عليهم السلام)ولا تّخذوهم قادة لهم على سبيل النجاة، ولتبرؤوا من الظالمين من أمثال بني أميّة.
وقد سعدت بمعرفة حقائق التاريخ ثلّة من المسلمين آمنت بربّها ورسوله(صلى الله عليه وآله)ولم تتعصّب تعصّباً يعمي قلوبها، ولا يزال هذا السبيل مفتوحاً إلى يوم القيامة وهو يطلب المهتدين إليه.
وقد اهتدى بالفعل إلى هذا الطريق الكثير من المسلمين وغيرهم طوال
____________
1- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: 23 / 464 . 2- الإصابة، ابن حجر: 3 / 332 ترجمة 4066. 3- نفس المصدر .
التاريخ وخاصّة في عصرنا الحديث الذي كثرت فيه وسائل الاتّصال وتوفرت الأجواء للجميع ليتعرفوا بسهولة على الحقّ وكان منهم "حسين محمد الكاف" حيث اهتدى إلى سبيل أجداده الطاهرين بعد دراسته للتاريخ الإسلامي وتعرّفه على الحقّ والحقيقة.
ونحن لا نتعجب من بني أميّة في محاربتهم للإسلام لأنّهم كانوا يقاتلون في سبيل الملك والتآمر على الناس فارتكبوا الجرائم من أجل الحصول على الملك والحفاظ عليه.
ولكن العجب كلّ العجب ممّن يدعي الإيمان في القرن الحادي والعشرين ولا يقبل بإيمان مثل أبي طالب، بل يصدر حكم الإعدام على من قال بإيمان أبي طالب كما حصل مع "الشيخ عبدالله الخنيزي" حين أصدر كتابه: أبو طالب مؤمن قريش لكن الله سبحانه نجّاه من شرّهم.
نشاطاته:
لم يكتف "حسين محمد الكاف" بما توصّل إليه من نتائج وفّقته للاهتداء إلى مذهب آل البيت(عليهم السلام)، بل هاجر في طلب العلم إلى إيران، للدراسة في الحوزة العلميّة في مدينة قم المقدّسة، ومكث فيها عدّة سنوات يطلب العلم وينهل من معارف أهل البيت(عليهم السلام).
ثمّ عاد إلى وطنه لنشر معارف أهل البيت(عليهم السلام)، فأنشأ مع بعض أصدقائه المؤمنين مؤسّسة الإمام الجواد(عليه السلام)الإسلامية في مدينة (باندونك) الواقعة في (جاوة الغربية) والتي تهتم بتبين معارف الدين الحق المأخوذة من علوم أهل البيت(عليهم السلام)، وذلك من خلال عقد الندوات العلمية وإصدار النشريّات الشهريّة، وترجمة الكتب إلى اللغة الأندونيسيّة، وغير ذلك من النشاطات الثقافيّة المتنوّعة.
(29) حسين العيدروس
(شافعي / أندونيسيا)
ولد في أندونيسيا، ونشأ في مدينة "جاكرتا" في أسرة أشعريّة العقيدة وشافعيّة المذهب، فتلقّى تعاليمه الدينيّة من أبيه وأمه تقليداً ومن دون بحث، ولكن لمّا بلغ سنّ الرشد ارتقى وعيه، وبدأ يفكّر بغربلة عقائده وتشييد مرتكزاته الفكريّة وفق الأسس الصحيحة .
واستمر "حسين العيدروس" في بحثه حتّى بلغه نبأ استبصار أحد اصدقائه، فأسرع إليه من أجل معرفة الأسباب التي دفعه إلى التخلّي عن المذهب السنّي والاتّجاه نحو مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
ومن هذا المنطلق جرت العديد من الحوارات بين "حسين العيدروس" وصديقه المستبصر، فمهّدت هذه الحوارات الأرضية المناسبة لتعرّف "حسين العيدروس" على مذهب أهل البيت(عليهم السلام) والخروج من الدائرة الضيّقة التي كان يعيش فيها إلى دائرة معرفيّة أوسع وأشمل.
تنزيه الله تعالى عن فعل القبيح:
كان "حسين العيدروس" يتصور بأنّ الخلاف القائم بين السنّة والشيعة يقتصر على مسألة الخلافة فقط، ولكنّه وجد بعد ذلك بأنّ الخلاف لا يدور حول هذه الدائرة فقط، بل له دائرة واسعة تشمل حتّى التوحيد الإلهي.
ومن الاختلافات الموجوده بين السنّة والشيعة هي أنّ السنّة يقولون بأنّ القبيح ما قبّحه الشرع، والقبيح ما نهى الله تعالى عنه، ولهذا لا يمكن تصوّر القبيح في فعل الله تعالى، لأنّه تعالى لا يأمره أحد ولا ينهاه أحد، فلهذا يفعل الله تعالى ما يشاء ويحكم ما يريد، ولو كان ذلك ممّا يقبّحه العقل من قبيل إرساله تعالى الرسل الكذّابين، ولهذا قال الفضل بن روزبهان وهو أحد علماء أهل السنة:
"لا حسن ولا قبح بالعقل عند الأشاعرة، بل جرى عادة الله تعالى بعدم إظهار المعجزه على يدّ الكذابّين، لا لقبحه في العقل، وهو يرسل الرسل الصادقون، ولو شاء الله أن يبعث من يريد من خلقه، فهو الحاكم في خلقه ولا يجب عليه شيء ولا شيء منه قبيح، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد"(1).
ولازم هذا القول عدم الجزم بصدق الأنبياء، بل لازم ذلك جواز صدور الكذب منه تعالى، وذلك لأنّه تعالى يفعل ما يشاء من دون أي ضابطة أو شرط، فيلزم منه عدم الوثوق بوعد الله تعالى ووعيده، فينتفي الجزم بما أخبر الله من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية.
ولهذا أصرّ أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) على أنّ الله تعالى منزّه عن فعل القبيح وذكر معظم علماء الشيعة بأنّ الله تعالى لا يفعل القبيح لعلمه بقبحه واستغنائه عنه(2).
وأكّد أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) بأنّ الله تعالى يفعل ما يشاء ولكنّه حكيم، والحكيم لا يفعل القبيح ولهذا قال تعالى: {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}(3).
____________
1- دلائل الصدق، الشيخ محمد حسن المظفر: 349. 2- الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد، للشيخ الطوسي: 88. 3- البقرة (2): 205.
وقال تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}(1).
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْم وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}(2).
وقال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَـلاّم لِّلْعَبِيدِ}(3).
ويكمن ـ في الواقع ـ خطأ الأشاعرة في تحديد معنى القبيح، فذهبوا إلى أنّ القبيح إنّما يقبح للنهي والله تعالى ليس بمنهى عنه، فلا يقع منه شيء قبيح.
ولكنّهم لم ينتبهوا لحقيقة أنّ القبيح لو كان قبيحاً للنهي، لوجب فيمن لا يعرف النهي ولا الناهي أن لا يعرف شيئاً من القبائح.
كما لو كان القبيح يقبح للنهي لوجب أن يكون الحسن أيضاً يحسن للأمر، فيلزم عليه أن لا توصف أفعاله تعالى بالحسن، لأنّه تعالى كما لا ينه عن شيء فإنّه عزّوجل لم يؤمر بشيء.
نبذ التقليد والاتّباع عن بصيرة:
إنّ البحوث العميقة التي غاصها "حسين العيدروس" بيّنت له الكثير من الحقائق، فوجد أنّه قد وصل إلى المرحلة التي يستطيع فيها أن يحدّد بنفسه السبيل الذي أراد الله تعالى أن يتقرّب العباد به إليه، وعرف بأنّه قادر على التحرّر من التقليد الأعمى والاتّباع العشوائي لنهج آبائه وأجداده.
ومن هذا المنطلق قرّر أن يستخلص الحقائق التي توصّل إليها، ليصل إلى النتيجة المطلوبة التي تحدّد له الحصيلة النهائية حول انتمائه المذهبي ولم تمض فترة قصيرة إلاّ وقرّر "حسين العيدروس" أن يتخلّى عن مبادئه الموروثة وأن
____________
1- الزمر: 7. 2- هود (11): 117. 3- فصلت: 46.
يلتحق بركب سفينة أهل البيت(عليهم السلام)، ثمّ سافر بعد ذلك إلى إيران والتحق بالحوزة العلميّة في مدينة قم، ثمّ عاد إلى بلده بعد أن أتمّ دراسته لنشر علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام) بين أبناء منطقته.
(30) حكمة الهدى الكاف
(شافعيّة / أندونيسيا)
ولدت سنة 1397هـ (1977م) في مدينة بكلونجن بأندونيسيا، ونشأت في أسرة شافعية المذهب، ثمّ واصلت دراستها حتّى حصلت على شهادة الدبلوم.
وكانت "حكمة الهدى" من جهة أخرى تهوى المطالعة في الصعيد الديني، ومن هذا تمكّنت أن تتحرّر من التقليد الأعمى لمذهبها الموروث، واستطاعت أن تشيّد لنفسها مبادىء مبتنية على الأدلّة والبراهين المقنعة.
وبمرور الزمان اكتشفت حكمة الهدى بأنّ الحق مع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)فأعلنت استبصارها وانتماءها إلى مذهب التشيّع .
فاطمة الزهراء(عليها السلام) ميزان لمعرفة الحقّ:
توصّلت "حكمة الهدى" من خلال مطالعتها للسيرة الإسلامية إلى أنّ فاطمة الزهراء(عليها السلام)تمتلك منزلة عظمى عندالله تعالى، وأنّها سيّدة نساء العالمين، وكان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يحبّها كثيراً، وكان يقول: "أحب أهلي إليّ فاطمة"(1).
ولم يكن حبّ الرسول(صلى الله عليه وآله) للزهراء من منطلق عاطفي فحسب، بل كان للمنزلة التي تمتلكها الزهراء عند الله تعالى بحيث وصلت إلى مرتبة قال رسول
____________
1- سنن الترمذي: 5 / ح 3819 وقال: هذا حديث حسن صحيح.
الله(صلى الله عليه وآله)لها: "إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك"(1).
مظلوميّة الزهراء(عليها السلام):
توصّلت "حكمة الهدى" إلى نتائج غير متوقّعة من خلال مطالعتها للسيرة الإسلامية وبحثها في الصعيد العقائدي، وكانت هذه النتائج هي السبب في استبصارها.
ومن النتائج التي يتوصّل إليها الباحث عن سيرة الزهراء(عليها السلام) هي:
قال رسول الله لفاطمة الزهراء: إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك(2).
وقالت الزهراء(عليها السلام) لأبي بكر وعمر: إنّي أشهد الله وملائكته أنّكما اسخطتماني وما ارضيتماني، ولئن لقيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) لأشكونكما إليه!... ثمّ قالت الزهراء(عليها السلام)لأبي بكر: والله لأدعونّ الله عليك في كل صلاة أصلّيها!(3).
خطبة الزهراء(عليها السلام):
إنّ مظلوميّة الزهراء(عليها السلام) تبقى صرخة خالدة بوجه من ظلمها وقد أكدّت الزهراء(عليها السلام)على مظلوميّتها في العديد من المواقف، منها خطبتها في مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله)ومحاكمتها لأبي بكر أمام الملأ.
فقد ورد أنّه لمّا بلغ فاطمة أنّ أبا بكر أظهر منعها فدكاً لاثت خمارها على رأسها، وأشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشية رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتّى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملآءة، ثمّ أنت أنّه أجهش لها القوم
____________
1- مجمع الزوائد، الهيثمي: 9 / ح15204. وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن . 2- المصدر السابق. 3- الامامة والسياسة، ابن قتبية: 1 / 20.
بالبكاء، ثمّ أمهلت هنيهة حتّى إذا سكنت فورتهم افتتحت كلامها بحمد الله، والثناء عليه، ثمّ قالت: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(1) فإن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي، دون رجالكم، فبلّغ الرسالة، صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركين، ضارباً لحدتهم، يجذ الأصنام، وينكث الهام، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، حتّى تفرّى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وتمّت كلمة الإخلاص {وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَة مِّنَ النَّارِ}(2)، نهزة الطامع، ومذقة الشارب، وقبسة العجلان، وموطىء الأقدام، تشربون الطرق وتقتاتون القد، أذلّةً خاسئين، حتّى استنقذكم الله ورسوله بعد اللتيا والّتي، وبعد أن مَني ببهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحرب، وفغرت فاغرة، قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفي حتّى يطأ صماخها بأخمصه، ويطفىء عادية لهبها بسيفه، وأنتم في رفاهيّة آمنون وادعون، حتّى إذا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه، أطلع الشيطان رأسه، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة ملاحظين، ثمّ استنهضكم فوجدكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، ووردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لمّا يندمل، إنّما زعمتم خوف الفتنة {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}(3)، ثمّ لم تلبثوا حيث تسرون حسواً في ارتغاء، ونصبر منكم على مثل حز المدى، وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْم يُوقِنُونَ}(4)، يا معشر المسلمين، أأبتز إرث أبي؟! أبى الله
____________
1- التوبة (9): 128. 2- آل عمران (3): 103. 3- التوبة (9): 49. 4- المائدة (5): 50.
أن ترث أباك ولا أرث أبي! لقد جئت شيئاً فريّاً، فدونكها مرحولة مخطومة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمّد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون.
ثمّ انكفأت إلى قبر أبيها تقول:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة | لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب |
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها | واختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا(1) |
اعتناق الحق:
لم تتردّد "حكمة الهدى" لحظة واحدة بعد معرفتها بأحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام) بأن هل تنتمي لهذا المذاهب أو لا تنتمي إليه، بل اتّخذت قرار الاستبصار بعد القناعة بأحقيّة هذا المذهب.
ومن هنا فتحت "حكمة الهدى" صفحة جديدة في حياتها ملؤها السكينة والاستقرار والطمأنينة والراحة النفسية في ظل تطبيق تعاليم أئمة أهل البيت(عليهم السلام).
____________
1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16 / 211.
(31) حياتي محمد
(شافعية / أندونيسيا)
ولدت سنة 1972 م في مدينة "بونتيانك" بأندونيسيا، ونشأت في أسرة شافعيّة المذهب، درست في المعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل".
استبصارها:
توفّفت لاعتناق مذهب آل البيت(عليهم السلام) سنة 1406هـ (1986م) أيّام الدراسة الثانوية في المعهد الإسلامي في "بانجيل" متأثّرة ببعض صديقاتها من الطالبات اللاتي رأت فيهن بعض التصرفات الغريبة كما بدا لها الأمر لأول وهلة حيث وجدت عباداتهن تختلف عن البقية، مثل الوضوء والصلاة التي يختلف شكلها وأجزاؤها ويجمعن فيها بين الظهرين والعشائين وانتظار زوال الحمرة المشرقية في الإفطار في صيام شهر رمضان، وكانت تعتقد "حياتي محمد" بأن هذه الأعمال من صديقاتها في المعهد باطلة وخاصّة أنّ بعضهن كن يتستّرن في عباداتهن ولا يظهرنها أمام الآخرين وهل التستّر إلاّ دليل على الباطل، وإلاّ فإن الحقّ يكون في العلن ولا يكون معه خوف كما كانت تعتقد.
البحث عن الحق ومواصلة المسيرة في الاستبصار:
دخلت "حياتي محمد" في نقاشات طويلة مع صديقاتها حول هذه الأمور،
وبدأت تتعرّف شيئاً فشيئاً على الأدلّة لهذه الأعمال، كما قرأت بعض الكتب التي حصلت عليها منهنّ "كالمراجعات" "والفصول المهمّة" و "ثمّ اهتديت" وغيرها حيث وقفت على التناقضات الكثيرة في مذهبها السابق وخاصّة في كتب الحديث والسيرة، التي وجدت فيها الأحاديث المتضاربة والعجيبة حتى والخرافية في كتب الصحاح، كما تعرّفت على سيرة بعض الصحابة الذين انتهكوا الحرمات ولم يلتزموا بتعاليم الدين ومع ذلك يبجلهم علماء السنّة ويعتبروهم من مصادر التشريع التي لا يجوز المساس بها.
ومن هنا وجدت "حياتي محمد" أنّ عقائد الشيعة هي الصحيحة وأنّ تفسيرهم للتاريخ الإسلامي هو الأمر الواقع، فأعلنت استبصارها وولائها لأهل البيت(عليهم السلام)والتحقت بصديقاتها في التمسّك بحبل النجاة.
لم تكتف الأخت "حياتي" باهتدائها بل سعت كثيراً في هداية أهلها، وبالفعل وفّقت في هداية والديها وإخوانها بعد أن مرِّت بمراحل مختلفة لا تخلو من الصعوبة في سبيل هدايتهم وهو شيء طبيعي في عملية التغيير الفكري وخاصّة الاعتقاد المذهبي الذي له رسوخ في النفس الإنسانية ولا يمكن تبديله بسهولة ثمّ هاجرت في سبيل طلب العلم إلى إيران للدراسة في الحوزة العلمية في مدينة قم المقدّسة حيث انتسبت إلى جامعة الزهراء(عليها السلام)المختصة بالنساء .
دواعي كتمان الإيمان والعمل:
إنّ الانسان المؤمن يؤدي عباداته عادة ما علناً، ويصرّح بإيمانه ويفتخر به; لكنه قد يواجه بعض الأسباب والظروف الاجتماعية التي تمنعه من إعلان الإيمان والعمل وفق متطلّباته أمام الناس بصورة واضحة.
ومن هذه الأسباب هو عدم تفهّم المجتمع الذي يعيش فيه المؤمن لهذه
العبادات سواء من حيث الشكل أو المحتوى، أو أنّ هذا المجتمع يراها باطلة، لأنّه يمارس عباداته بطريقة أخرى قد تختلف قليلاً أو كثيراً، ومن هنا يضطرّ المؤمن العاقل إلى إخفاء بعض عباداته وممارساته ويفعلها بصورة سرية اتّقاء للشرّ لأنّ من طبيعة عامّة الناس في المجتمعات المختلفة عدم تقبّل التصرّفات المخالفة لما يمارسونه من عادات وتقاليد، وحتّى العبادات والأعمال الدينية الأخرى لا يرتضى عامّة الناس أن يروا مجموعة من الناس أو حتّى شخص واحد يؤدّي طقوسه الدنيّية بشكل مختلف، وسرعان ما يتلقون ذلك على أنّه أمر خارج عن عرف المجتمع وقوانينه، وقد يتطوّر الحال فيرون في الأمر بدعة جدَيدة تستحق العقاب والهجران، أو التكفير والتفسيق وما يتبعه من إكراه وعنف .
من هنا سمح الشارع الحكيم البصير بعباده للمؤمنين كتم إيمانهم في بعض الحالات، وعدم ممارسة عباداتهم بشكل علني أمام المجتمع الرافض لها، أو الجاهل بتشريعها. وقد عُرف هذا الأمر في الدين الاسلامي باسم التقيّة .
هل تشبه التقية النفاق:
قد يقول البعض بأنّ التقية والنفاق شيء واحد; وذلك لاشتراكهما بصفة إظهار الإنسان لشيء هو خلاف ما يبطن.
والواقع خلاف ذلك، فإنّ التقية ثبات القلب على الإيمان وإظهار خلافه باللسان أو بالعمل، لضرورة مقبولة شرعاً وعقلاً. أمّا النفاق فهو عكس ذلك بالضبط، فهو ثبات القلب على الباطل وإظهار الحقّ على اللسان أو من خلال العمل في الظاهر، والفرق واضح بأدنى تأمّل.
كما أنّ التقيّة لا تكون من غير ضرورة أو مصلحة يعترف بها الشرع، أمّا النفاق فهو لا يعرف هذه الأمور، فهو مرض في قلوب الذين يحسبون كلّ صيحة
عليهم، فهل بعد هذا يقال إنّ التقيّة مثل النفاق!
والقرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة بيّنا أهميّة رفع العسر والحرج والضرر، وقد وضع الفقهاء جملة من القواعد الفقهية المبيّنة لذلك، وهذا يدخل في إطار التقيّة وبيان أحكامها، وفي المقابل حذّرا من النفاق وبيّنوا مساوئه ولم يعدّ القرآن الكريم من أتقى إلاّ بكل خير. بينما أوعد المنافقين بالعذاب المهين.
ولو جاز القول بأنّ التقيّة نفاق، فكيف نوفّق بين جواز التقية الثابت بنصّ القرآن الكريم، وحرمة النفاق الثابتة أيضاً بنصّ القرآن الكريم!.
(32) حيدر يوسف
(شافعي / أندونيسيا)
ولد سنة 1393هـ (1974م)، في مدينة لمبونع بأندونيسيا، ونشأ في أسرة شافعية المذهب، ثمّ أنهى الدورة الدراسيّة في المعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل".
استبصاره:
توفق لاعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) بعد اطّلاعه عليه وقراءة كتبه ومناقشة العلماء والسؤال منهم حول صحة الموضوعات المذكورة فيها والتثبّت من ورودها في المصادر الإسلامية وقد وجد "حيدر يوسف" بعد البحث المستمر والمناقشات المطوّلة أنّ مذهب أهل البيت(عليهم السلام)هو الأحقّ بالاتّباع لقوّة أدلّته، واستناده إلى القرآن والسنّة النبويّة الشريفة، إضافة إلى وجود هذه الأدلّة في كتب أهل السنة التفسيريّة والحديثية والتاريخيّة وغيرها; فما كان منه إلاّ أن يعلن ولاءه لأئمّة أهل البيت(عليهم السلام)ويتمسّك بحبلهم.
ثمّ هاجر "حيدر يوسف" إلى مدينة قم المقدّسة في إيران للدراسة في حوزتها العلمية وحمل علوم الإسلام الحقّة، ومن ثمّ العودة إلى الوطن لنشر معارف أهل البيت(عليهم السلام) بين الناس لهدايتهم إلى سبيل الرشاد.
الوهابية وزيارة القبور:
صادف "حيدر يوسف" بعض الوهابية الذين يمنعون المسلمين من زيارة قبور أقربائهم فضلاً عن زيارة قبور الأولياء والصالحين والعلماء، بل حتّى زيارة
الأنبياء بصورة عامة أو حتى النبي محمّد(صلى الله عليه وآله) بصورة خاصّة حيث يقولون: إنّ زيارته تكون لأجل مسجده، الذي لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجده والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى كما ورد في رواية عن النبي(صلى الله عليه وآله).
وقد تعجب "حيدر يوسف" من هذا الأمر الذي يخالف الفطرة، وسيرة المسلمين مما حداه إلى البحث عن حقائق هذا الأمر لمعرفة الحق من الباطل.
أدلّة زيارة القبور:
يذهب بعض الوهابية إلى عدم وجود دليل على زيارة القبور، والصلاة عندها وقراءة القرآن فيها بل ويعدّون ذلك من الشرك بالله الواحد الأحد، ومن يقوم بزيارة القبور لابدّ أن يكون مشرّعاً متجاوزاً على مقام الله سبحانه والرسول(صلى الله عليه وآله)في التشريع، ولكن الواقع خلاف ذلك حيث روى المسلمون على اختلافهم حلّية زيارة القبور وذكر الله وعبادته فيهاه ومن الأدلّة على مشروعيّة زيارة القبور:
1 ـ قول الله تعالى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ}(1).
حيث تدلّ الآية بالمفهوم على جواز الصلاة على المؤمن والقيام على قبره، ولا يختصّ ذلك أثناء الدفن فقط، بل يشمل كلّ الأوقات، وذلك للعموم الزماني الوارد فى الآية نفسها (أبداً)، وهذا ما فسّر الآية به كلّ من السيوطي حيث قال في تفسيره: "ولا تقم على قبره لدفن أو زيارة"(2). والآلوسي البغدادي حيث قال: "والمراد: لا تقف عند قبره للدفن أو للزيارة"(3)، والشيخ البروسي حيث قال: "أي
____________
1- التوبة (9): 84. 2- تفسير الجلالين، سورة التوبة، تفسير الآية. 3- روح المعاني 10: 155.
ولا تقف عند قبره للدفن أو للزيارة والدعاء"(1) فضلاً عن البيضاوي في تفسيره(2).
2 ـ قول الرسول(صلى الله عليه وآله): "زروا القبور فإنّها تذكركم الآخرة"(3).
3 ـ قول الرسول(صلى الله عليه وآله): "كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّها تزهّد في الدنيا وتذكركم الآخرة"(4) وربّما كان النهي بسبب أنّ أكثر الأموات آنذاك كانوا من المشركين فاتى النهي لمنع الارتباط معهم ولما كثر موتى المؤمنون رخصّ النبي(صلى الله عليه وآله)في ذلك. وربّما كان النهي للمنع عن قول الهُجر الذي كان مرسوماً في الجاهلية، وربما كان النهي هو أنّ زيارة القبور تذكر الموتى والقتلى وتورث الجبن عن الجهاد، ولمّا قوي الإسلام رخصّ في الزيارة.
4 ـ زار النبي(صلى الله عليه وآله) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، وقد ورد أنّه استاذن ربّه في ذلك، وقال: استاذنت ربي في أن أزور قبرها، فأذن لي، فزوروا القبور فإنّها تذكّركم الموت(5).
وبهذه الأدلّة يثبت بطلان كلام الوهابية في عدم تشريع الزيارة.
أما ما استدلّوا به على منع السفر للزيارة في حديث شدّ الرحال، فعلى فرض صحّة الحديث فهو لا يمنع زيارة القبور ومقامات الأولياء لأنّه يرشد إلى عدم وجود فائدة كبيرة في زيارة المساجد إلاّ هذه المساجد الثلاثة ولا تدخل
____________
1- روح البيان 3: 378. 2- أنوار التنزيل 1: 416. 3- صحيح مسلم: 2 / ص 559، ح 976. سنن ابن ماجة: 1 / ح 1569 قال الألباني: صحيح. 4- صحيح مسلم: 1 / ح 977. سنن الترمذي: 3 / ح 1054. قال الألباني: صحيح. 5- سنن النسائي: 4 / ح 2034. قال الألباني: صحيح. سنن ابن ماجة: 1 / ح 1572. قال الألباني: صحيح. صحيح ابن حبان: 7 / 3169. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
القبور ومقامات الأولياء فيها، ثمّ إنّ المساجد بنفسها لم يحرم السفر إليها وإنّما النهي هنا إرشادي بمعنى عدم الجدوى لو صحّ الحديث. وقد صحّ عن النبي(صلى الله عليه وآله)أنّه: "كان رسول الله يأتي مسجد قبا راكباً وماشياً فيصلّي فيه ركعتين"(1).
وعليه فإنّ دين الإسلام لا يخالف الفطرة، وسيرة العقلاء من المسلمين وغيرهم في زيارة قبور موتاهم فضلاً عن أكابرهم، وليقل السلفية والوهابية ما شاؤوا فليس لهم دليل من نقل أو عقل يُعتمد عليه، وإنّما هي مغالطات ما أنزل الله بها من سلطان.
____________
1- صحيح البخاري: 1 / ص 287، ح 1191.
(33) خالد الوليد (خالد بهشتي)
(شافعي / أندونيسيا)
ولد سنة 1388هـ (1969م)، في مدينة "بلمبانج" بأندونيسيا، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، يحمل شهادة جامعيّة.
استبصاره:
توفّق سنة 1410هـ (1990م) لاعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) وذلك بعد مطالعته للكتب الشيعيّة ومقارنتها بمعلوماته عن الإسلام بصورة عامّة والمذهب السنّي بصورة خاصّة. وقد وجد "خالد الوليد" قوّة في أدلّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)لاستنادها بشكل مباشر إلى القرآن والسنّة النبويّة الشريفة وقبول المسلمين لها ووردها في كتبهم ومصادرهم الأصليّة.
ومن هنا أعلن ولاءه لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) وسار في ركابهم ولم يكتف بذلك بل هاجر في طلب علوم آل محمد(صلى الله عليه وآله) إلى مدينة قم المقدّسة في إيران، ليدرس في حوزتها العلميّة وليعود بعد ذلك إلى وطنه فينشر المعارف الحقّة بين الناس ويهديهم إلى سبيل الرشاد غيّر اسمه إلى "خالد بهشتي" براءة من عدو الإسلام خالد بن الوليد، وهذه هي صفات المحبّبين الحقيقيّين الذين يحبّون من فرض الله حبّهم، ويتبرؤون من أعدائهم لأنّه لا يمكن الجمع في الحبّ بين الولي وعدوّه، وهذا من الأشياء البديهية التي لا يغيرها حديث مدّعى أو قول مفترى.
خالد بن الوليد سيف الله أم مجرم حرب!:
خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي أحد عتاة مجرمي قريش الذي شاءت له الخلافة المغتصبة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يكون سيف الله المسلول على أعدائها
ولو كانوا مسلمين وعرباً، وهي التي تدّعي العروبة والاسلام.
ونحن عندما نقرأ تاريخ خالد محققين فيه نجده تاريخاً مشيناً ملئياً بالجرائم والخزي والعار لكن أبت أقلام أتباع الخلاف ـ الذين أُشربوا حبّها كحبّ العجل في بني اسرائيل إلاّ أنّ تجعل منه أسطورة عربيّة إسلاميّة وهو منها براء، فهو الذي تربّى في أحضان الكفر وحارب الإسلام، وهو ابن الوليد بن المغيرة الذي نزلت فيه العديد من الآيات القرآنية التي تذّمه وتصفه بالعداء للرسول(صلى الله عليه وآله)، وقد وصفته إحداها بالعتل الزنيم(1)، فابن العتل الزنيم هذا الذي حارب المسلمين في بدر وأُحد والخندق أيّام كفره وجاهليّته، والذي كان في معركة حنين مع الفاريّن، وانهزم بجيش المسلمين في معركة مؤتة حتّى حصبه أهل المدينة بالحجارة وقالوا له "رجعت فارّاً" في سبيل الله بعد تسليمه وخضوعه لشوكة الإسلام. ناهيك عن جرائمه التي تبرأ منها النبي(صلى الله عليه وآله) مع بني جذيمة الذين قتلهم وهم مسلمون لقتلهم عمّه الفاكه بن المغيرة في الجاهلية، وكذلك قتله النساء والأطفال في فتح مكّة وقد نهى النبي(صلى الله عليه وآله) يومها عن القتال، وكذلك قتله بني خثعم وهم سجود للّه كلّ ذلك ويأبى أمثال سيف بن عمرو التميمي(2) وابن تيمية(3)، وأتباعهم في العصر الحديث من المعاندين والمغفلّين إلاّ أن يزعموا أن "عقمت النساء أن تلد مثل خالد" وأن يكون بطل حروب الردّة وحروب فتح العراق والشام. وهي بطولات كاذبة اخترعها مزوّروا التاريخ من أتباع امبراطورية الخلافة المغتصبة، وأكثرها فتكات
____________
1- راجع التفاسير في شأن نزول الآيات الكثيرة من سورة القلم وسورة المدثر وسورة الكافرون وكذلك بعض آيات سورة الحجر وعبس تنبئك بمخازي الوليد وعشيرته بني مخزوم في محاربة الإسلام . والزنيم هو الذي لا أصل له، أي ابن زنا والوليد ألحقه المغيرة به بعد ثماني عشرة سنة! 2- انظر كتابات العلاّمة العسكري حول كذبه في كتابه مائة وخمسين صحابي مختلق . 3- له كتاب ينصر فيه خالد بغضاً لآل البيت وشيعتهم اسمه (فارس الإسلام أبو سليمان خالد بن الوليد).