الصفحة 191

(42) سالم ابن الشيخ أبي بكر

(شافعي / أندونيسيا)

ولد سنة 1393هـ (1974م) في مدينة "فرواكرتا"، بأندونيسيا، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، أكمل الدورة الدراسيّة للمعهد الإسلامي في "بانجيل"، ثمّ درس بعد استبصاره في الحوزة العلميّة في سوريا.

استبصاره:

نبتت بذرة التشيّع في قلب "سالم" في المعهد الإسلامي في "بانجيل"، حيث تأثّر بالمحاضرات التي كان يلقيها بعض الأساتذة الشيعة، إضافة إلى المناقشات العلميّة الجذّابة مع أصدقائه الطلبة من الشيعة وغيرهم.

ثمّ طالع العديد من الكتب التي توضّح مواقف مذهب أهل البيت(عليهم السلام) من القضايا المختلفة، فوجد أنّ حججهم قويّة تأخذ على المسلم طريقه إلى اتّباع الحقّ، وتورثه اليقين.

منطلق البحث:

درس "سالم" الكثير من المسائل الخلافيّة بين الفريقين في العقائد والفقه والسيرة والتاريخ وغيرها ومن المسائل التي لفتت نظره هي مسألة الوضوء المختلف فيه بين السنّة والشيعة وتعجب من إمكانية الخلاف في هذه المسألة الواضحة التي مارسها النبي يومياً أمام المسلمين فترة طويلة جداً، وقد عرف فيما بعد أنّ الخلاف فيها ـ كما في بقية المسائل ـ هو نتيجة اجتهاد الحزب القرشي الذي سيطر على الخلافة أمام النصّ القرآني الواضح، وسنّة الرسول(صلى الله عليه وآله) المستمرة لفترة طويلة.


الصفحة 192

المسح على الأرجل أو غسلها في الوضوء:

لا خلاف بين الشيعة الإمامية الاثنا عشرية على وجوب المسح على الأرجل على التعيين في الوضوء، ولهم أدلّتهم على ذلك من الكتاب العزيز والسنّة النبوية أما الآخرون فقد اختلفوا:

فمنهم من قال بوجوب الغسل للرجلين على التعيين، وهو قول الأئمة الأربعة، والقول المشهور بين أهل السنة.

ومنهم من قال بالتخيير بين الغسل والمسح، فللمكلّف أن يغسل رجليه وله أن يمسحهما، وهذا قول الحسن البصري، ومحمد بن جرير الطبري(1).

ومنهم من قال بوجوب الجمع بين المسح والغسل، وهو قول داود بن علي الاصفهاني من أئمة أهل الظاهر، والناصر للحقّ من أئمة الزيدية(2).

ومنهم من وافق الشيعة بوجوب المسح، وهو قول أنس بن مالك، وعكرمة الذي يؤيد فيه أستاذه ابن عباس، وكذلك هو قول الشعبي(3).

والمهم هو البحث عن المسح على وجه التعيين، وهو قول الإمامية.

والغسل على وجه التعيين، وهو قول جمهور أهل السنة.

آية الوضوء في سورة المائدة:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}(4).

وهذه الآية هي آية الوضوء الوحيدة في القرآن الكريم، ومعلوم أنّ سورة المائدة نزلت دفعة واحدة في أواخر أيّام الرسالة المحمّدية العظيمة، فلا يتصوّر

____________

1- نقله عنهما الرازي في تفسيره الكبير 4 / 305.

2- نقله عنهما الرازي في تفسيره الكبير 11 / 161.

3- نقله عنهم الرازي في تفسيره الكبير 11 / 161.

4- المائدة (5): 6.


الصفحة 193

فيها النسخ، وهي من الآيات المحكمات الواضحة المعنى التي لا يتصوّر فيها اللبس، وقد أذعن بهذه الحقيقة بعض علماء أهل العامة وتمرّد آخرون.

ومحلّ الشاهد في الآية هو كلمة "وأرجلكم"، وفيها قراءتان مشهورتان هما الجر (أرجلِكم)، والفتح (أرجُلكم) وعلى القرائتين يكون حكم الأرجل هو المسح، وأما قراءة الجر (أرجلِكم) فواضح; لأنّ الواو عاطفة، تعطف الأرجل على الرؤوس، والرؤوس ممسوحة، فالأرجل أيضاً ممسوحة، قال تعالى (وأمسحوا برؤوسكم وأرجُلِكم).

وأما على قراءة النصب (أرجُلكم)، فتكون الواو عاطفة، وأرجلكم معطوفة على محلّ الجار والمجرور (برؤوسكم) وهو منصوب، والعطف على المحلّ مذهب مشهور في علم النحو. ولا خلاف فيه بين النحاة، وعليه تكون الأرجل محكومة بالمسح أيضاً.

وقد أذعن بهذا الرأي بعض علماء العامّة كالرازي في تفسيره(1)، وابن قدامة في المغني في الفقه الحنفي، والسندي في حاشيته على سنن ابن ماجة وقد ناقش بعض العلماء الآخرين من العامّة في دلالة الآية على مسح الأرجل فقالوا مثلاً إنّ قراءة النصب إنّما هي لعطف الأرجل على الوجوه والأيدي لكن المحققين من علماء السنة ردّوا هذا الكلام، وقالوا: إنّ الفصل بين المتعاطفين بجملة غير معترضة خطأ في اللغة العربية، والقرآن الكريم منزّه من كلّ خطأ.

وقالوا أيضاً: إنّ قراءة الجر ليست بالعطف على لفظ برؤوسكم، وإنّما هو كسر على الجوار وعليه لا يكون الحكم المسح ويسقط الاستدلال.

والكسر على الجوار في اللغة العربية موجود، ويمثّلون له بقولهم: هذا جحر ضب خرب ومعلوم أن "خرب" صفة للحجر، وإعرابها الرفع، لكن كسرت

____________

1- التفسير الكبير، 4 / 305.


الصفحة 194

لجوارها لكلمة (ضب) المجرورة.

وقد ردّ المحققين من علمائهم هذه المناقشة أيضاً، ومنهم الرازي، قال في تفسيره:

وهذا باطل من وجوه:

الأول: إنّ الكسر على الجوار معدود في اللحن الذي قد يتحمّل لأجل الضرورة في الشعر، وكلام الله يجب تنزيهه عنه.

وثانيهما: إنّ الكسر (على الجوار) إنّما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله: جحر ضب خرب، فإنّ من المعلوم بالضرورة أنّ الخرب لا يكون نعتاً للضب بل للجحر، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل.

وثالثها: إنّ الكسر بالجوار إنّما يكون بدون حرف العطف، وأما مع حرف العطف فلم تتكلّم به العرب"(1).

منشأ الاختلاف في الوضوء:

قلنا إنّ الوضوء عملية ظاهرة حسيّة مارسها الرسول(صلى الله عليه وآله) لفترة طويلة، ولا يتوقع فيها الاختلاف، وهذا ممّا يحفّز على البحث التاريخي إذا أردنا معرفة كيفيّة حصول الخلاف بين المسلمين في هذا الأمر.

والباحث في التاريخ الإسلامي بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) يجد أنّ مسألة مسح الأرجل لم يحصل فيها خلاف يذكر في زمن أبي بكر وعمر، نعم حكم عمر بجواز المسح على الخفين وهذه مسألة خلافية، ولكنّها مسألة أخرى غير المسح على الأرجل.

وكان بداية الخلاف في قضية المسح في زمان عثمان الذي عمل بالمسح في سنين حكمه الأولى، لكنّه رأى أن يجتهد مقابل النص فحكى عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)أنّه غسل رجليه وعارضه في هذا بعض الصحابة، وكان هذا الأمر من ضمن

____________

1- التفسير الكبير 4 / 305.


الصفحة 195

الأمور التي نقمها المسلمون على عثمان، ورأوا أنّه يغيّر في الدين، ممّا أدى إلى مقتله في نهاية المطاف.

وقد انتشر هذا الرأي بين المسلمين فيما بعد، وسعى بنو اميّة أيام حكمهم لنشر هذه البدعة اتّباعاً لسنّة عثمان وإرغاماً لأنوف بني هاشم، ومحاربة منهم للدين المحمدي الأصيل(1).

اتباع الحقيقة:

وجد "محمد شمس" بأنّه تمكّن أن يصل إلى الكثير من الحقائق عن طريق بحوثه العقائدية فواصل بحثه حتّى توصّل إلى حقائق دفعته في نهاية المطاف إلى تغيير انتمائه المذهبي من المذهب السنّي إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ثمّ أعلن استبصاره سنة 1414هـ (1994م) وتوجِّه بعدها إلى تبيين الحقائق التي توصّل إليها إلى من يرى الصلاح في ا خبارهم بذلك، ثمّ واصل مطالعاته وبحوثه من أجل تعميق معرفته بعلوم أهل البيت(عليهم السلام).

____________

1- لاحظ كتاب "وضوء النبي من خلال ملابسات التشريع" للسيد على الشهرستاني.


الصفحة 196

(43) سقاف الجفري

(شافعي / أندونيسيا)

ولد في أندونيسيا بمدينة "صولو"، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، ثمّ دفعه حبّ الاستطلاع إلى التعرّف على المذهب الشيعي، فكانت ثمرة مطالعاته أنّه توصّل إلى حقائق دفعته إلى التمسك بهدي أهل البيت(عليهم السلام) واتّخاذهم قدوة لنفسه.

أولوية اتّباع الإمام علي(عليه السلام) بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله):

اطّلع سقاف الجفري خلال بحثه على أحاديث بيّنت له عظمة منزلة الإمام علي(عليه السلام)، ومن الاحاديث المبينّة لضرورة اتّباع الإمام علي(عليه السلام)بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله):

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): الحق مع علي وعلي مع الحق، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"(1).

الإمام علي(عليه السلام) أولى الناس بعد الرسول(صلى الله عليه وآله)

ذكر ابن مردويه: من عدّة طرق عن بريدة، قال: بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعثين على أحدهما علي بن أبي طالب(عليه السلام)وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعليّ على الناس، وإذا افترقتما فكل واحد منكما على جنده. فلقينا بني زيد من اليمن فاقتتلنا فظفر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذريّة، فاصطفى عليّ(عليه السلام) من السبي امرأة لنفسه.

قال بريدة: وكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) يخبره بذلك، فلمّا أتيت النبيّ دفعت الكتاب إليه فقرىء عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله،

____________

1- تاريخ دمشق، ابن عساكر: 42 / ص 449.


الصفحة 197

فقلت: يارسول الله، هذا مكان العائذ بك، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، ففعلت ما أُرسلت به.

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "يا بريدة، لا تقع في عليّ، فإنّه منّي، وأنا منه، وهو وليّكم بعدي.

إيه عنك يا بريدة! فقد أكثرت الوقوع بعليّ، فوالله لتقع برجل هو أولى الناس بكم بعدي".

قال بريدة: يارسول الله استغفر لي.

فقال النبي(صلى الله عليه وآله): "حتّى يأتي عليّ" فلمّا جاء عليّ طلب بريدة أن يستغفر له، فقال النبيّ لعليّ: "إن تستغفر له، أستغفر له" فاستغفر له.

وفي الحديث زيادة: أنّ بريدة امتنع من مبايعة أبي بكر بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله)وتبع عليّاً لأجل ما كان سمعه من نص النبيّ بالولاية بعده(1).

وذكر ابن مردويه، بإسناده عن زيد بن أرقم، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "ألا أدلّكم على ما إن سالمتم عليه لم تهلكوا؟! إنّ وليّكم وإمامكم عليّ بن أبي طالب"(2).

معرفة الحقيقة:

عرف "سقاف الجفري" خلال بحثه بأنّ رضا الله تعالى يكمن في اتّباع الإمام علي(عليه السلام) بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولهذا قرّر أن يكون من شيعة الإمام علي(عليه السلام)ومن أتباع أهل البيت(عليهم السلام) فأعلن استبصاره بعد وصوله إلى القناعة الكاملة بأحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)وبدأ بنشر علوم ومعارف عترة الرسول(صلى الله عليه وآله) بين الناس ويدعوهم إلى اتّباع الحق.

____________

1- مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه: ص 119 / ح 146، مجمع الزوائد، الهيثمي: 9 / ح14732.

المستدرك، الحاكم النيسابوري: 3 / ح 4637.

2- مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه: ص 120 / ح 147.


الصفحة 198

(44) سقاف السقاف

(شافعي/ أندونيسيا)

ولد في أندونيسيا ونشأ في مدينة "صولو"، وكان أبواه من أتباع مذهب أهل السنة وفق المذهب الشافعي، فقلّد أبويه في الصعيد العقائدي والفقهي حتى بلغ سنّ الرشد، وحينما أتمّ المرحلة المتوسّطة درس المرحلة الثانوية في المعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل"، فتعرّف في هذا المعهد على مذهب أهل البيت(عليهم السلام)فقرأ بعض الكتب الشيعيّة فانجذب إليها وتعرّف من خلالها على حقائق دفعته في نهاية مطاف البحث إلى تغيير انتمائه من المذهب السنّي إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

ولاية الإمام علي(عليه السلام) بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله):

تعرّف "سقاف" خلال بحثه على العديد من الأحاديث الدالّة على ولاية الإمام علي(عليه السلام) بعد النبي(صلى الله عليه وآله) منها:

عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله) جيشاً واستعمل عليهم علي ابن أبي طالب(عليه السلام) فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقالوا: إذا لقينا رسول الله(صلى الله عليه وآله) أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدؤوا برسول الله(صلى الله عليه وآله) فسلّموا عليه ثمّ انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلّموا على النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقام أحد الأربعة، فقال: يارسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه


الصفحة 199

رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثمّ قام الثالث، فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثمّ قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله)والغضب يُعرف في وجهه، فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي(1).

ودلالة هذا الحديث واضحة على إمامة عليّ(عليه السلام) بعد النبي(صلى الله عليه وآله) وكلمة "بعدي" ترفع أي اشكال ولا يبقى مجال لقائل أن يقول بأنّ الولي لها معاني عديدة منها المحب والصديق والناصر والجار والحليف و... لأنّ أظهر معنى للولي وأشهرها هو مالك الأمر والمتصرّف بالشؤون وكلمة "بعدي" في هذا الحديث قرينة واضحة على أنّ المعنى المقصود من الولي هو الولاية بمعنى الخلافة والتصرّف في الشؤون فيكون معنى الحديث: إنّ عليّاً أولى الناس بكم بعدي.

توسيع آفاقه المعرفية:

لم يقتصر "سقاف" في بحثه على دليل واحد أو دليلين، بل واصل بحثه ليصل إلى مرحلة القطع بأنّ الإمامة منصب إلهي ولا يجوز للعباد أن يكون لهم رأي مقابل النصّ الإلهي.

وبالفعل وصل "سقاف" بعد البحث المعمّق إلى هذه النتيجة، فأعلن

____________

1- المستدرك، الحاكم النيسابوري: 3 / ص 324 ح 4637. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه. وأقرّه الذهبي في التلخيص.

صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان: 9 / ص 41،ح6890.

قال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي.

سنن الترمذي: 6 / ص 78، ح 3712.

قال الألباني: صحيح.

مسند أبي يعلى الموصلي: 1 / ص 184 ح 350.

قال حسين سليم أسد: رجاله رجال الصحيح .


الصفحة 200

استبصاره ثمّ هاجر إلى إيران لطلب العلم والتحق بالحوزة العلميّة في مدينة قم.


الصفحة 201

(45) سلمان دارالدين

(شافعي / أندونيسيا)

ولد سنة 1391هـ (1972م) في مدينة "جاكرتا" في أندونيسيا، ونشأ في أسرة تنتمي إلى المذهب الشافعي، فتلقّى عقائده من الأجواء التي ترعرع فيها، وبقي متمسكاً بما ورثه من آبائه حتّى وقعت بيده مجموعة كتب شيعيّة لفتت انتباهه إلى حقائق كان غافلاً عنها فيما سبق.

ومن هنا اثيرت في ذهنيّة "سلمان دارالدين" مجموعة تساؤلات عقائدية دفعته إلى المزيد من البحث في الصعيد العقائدي، وبمرور الزمان تعرّف "سلمان" على أهميّة مسألة الإمامة ودورها الأساسي في الإسلام، حيث تبيّن له من خلال مطالعة كتب الحديث من مصادر أهل السنّة بأنّ الإمامة أصل أساسي أكّدت عليه الشريعة الإسلامية، ولكن التيارات السياسيّة التي استلمت دفّة الحكم الإسلامي بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) ولا سيّما حكومة بني أميّة وبني العبّاس حاولت إخفاء حقيقة أهمّية الإمامة وإبعاد الناس عنها من أجل تحقيق مآربها ومصالحها الذاتية.

مواجهة التساؤلات الصعبة:

إنّ "سلمان" كان نبهاً بحيث استطاع أن يخترق جميع الحجب والعقبات التي وضعتها الأيدي الأثيمة لمنع الناس من التعرّف على الإمامة واهميّتها ودورها في صيانة الشريعة من التحريف وممانعة الأمة من اتّباع السبل المنحرفة. ولكن التساؤل الذي يدعوا الباحث إلى الاستفسار هو أنّ القرآن الكريم على


الصفحة 202

الرغم من إشارته إلى فضل أهل البيت(عليهم السلام)والحثّ على مودّتهم لماذا لم يُشر بصراحة على إمامتهم وخلافتهم من بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله).

وكان يعي "سلمان دارالدين" بأنّ البحث في الصعيد العقائدي يتطّلب التريّث، وينبغي للباحث أن لا يستعجل في الحكم بمجرّد أن تثار أيّ شبهة في ذهنه، بل عليه أن يتّجه نحو البحث وأن يترك الحكم بيده، لأنّ الاستعجال في هذا المقام قد يدفع الباحث إلى النتائج الخاطئة.

البحث عن الإمامة في القرآن:

يتجلّى للباحث عن الإمامة في القرآن الكريم بأنّ منهجية القرآن بصورة عامّة مهتمة بمستقبل الأمة الإسلاميّة فهو يتحدّث عن الأمم السابقة من قبيل اليهود والنصارى وباقي الأمم الماضية لتتعّظ الأمة الإسلامية من تلك الأمم، وتحاول الاجتناب عن الأخطاء التي ارتكبتها تلك الأمم.

ولهذا قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قلنا يارسول الله اليهود والنصارى، قال: فمن؟!"(1).

إذن فمنهجيّة القرآن ذكر ما جرى على الأمم السابقة حتّى يتعرّف المسلمون على تاريخ الماضين فيستفيدوا من تجاربهم، وقد صرّح القرآن الكريم بهذه الحقيقة في جملة من الآيات القرآنية، منها قال تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ}(2).

وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن

____________

1- صحيح البخاري، 2 / ص 404، ح 3456.

2- آل عمران (3): 137.


الصفحة 203

قَبْلِهِمْ}(1).

وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}(2).

سنّة الاصطفاء الإلهي

إنّ دراسة تاريخ الأمم السابقة تدفع الباحث الاسلامي إلى معرفة السنن الالهية الثابتة والتي منها سنة الاصطفاء الالهي لبعض الآل وقد أشار القرآن في العديد من الآيات إلى هذه الحقيقة منها:

قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(3).

وقال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(4).

وقال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً}(5).

الاصطفاء الإلهي لآل محمد(صلى الله عليه وآله)

إنّ معرفة الباحث بأنّ الله تعالى اتّبع منهجية ذكر السنن الإلهية الثابتة في الأمم السابقة ومعرفته من جهة أخرى باهتمام الرسول(صلى الله عليه وآله)بأهل بيته(عليهم السلام) يكشف بأنّ الله تعالى اصطفى آل محمد(صلى الله عليه وآله) كما اصطفى آل ابراهيم وآل عمران وجعل آل

____________

1- يوسف (12): 109.

2- الحج (22): 46.

3- آل عمران (3): 33 ـ 34.

4- البقرة (2): 124.

5- النساء (4): 54.


الصفحة 204

محمد(صلى الله عليه وآله)وهم أهل بيته(عليهم السلام) ذريّة بعضها من بعض، وعاتب الله تعالى من يحسد آل محمد(صلى الله عليه وآله)على هذا الاصطفاء وعلى ما آتاهم الله من فضله، وبيّن الباري عزّوجل بأنّ مسألة الاصطفاء من سننه الثابتة.

وإنّ ما يمكن استنباطه من ربط هذه الحقائق بعضها مع بعض هو أنّ الله تعالى وإن لم يذكر إمامة أهل البيت(عليهم السلام) في القرآن بصراحة ولكنّه لم يذكر اصطفائه لآل إبراهيم وآل عمران إلاّ ليرشد ذوي الألباب من المسلمين إلى هذه الحقيقة.

اكتشاف الحقيقة:

عرف "سلمان دارالدين" من خلال بحوثه المعمّقة منزلة أهل البيت(عليهم السلام)ومكانتهم السامية وتبيّن له أنّهم هم الذين اصطفاهم الله تعالى ذرّة بعضها من بعض، ومنحهم منزلة الإمامة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فلهذا لم يجد سبيلاً سوى التمسّك بمنهجهم واتّباع هديهم فأعلن استبصاره عام 1412هـ (1992م)، ثمّ سافر إلى مدينة قم المقدّسة لينتهل من علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام) وليكون على بصيرة من أمر دينه .


الصفحة 205

(46) صاحب العزيز زهري

( شافعي / أندونيسيا )

ولد في أندونيسيا بمدينة "لوماجنك"، وتلقّى معارفه الدينيّة من الأجواء المحيطة به، فأصبح شافعي المذهب حتّى تمكّن عن طريق توسيع دائرة معرفته بباقي المذاهب الإسلامية أن يرفع مستواه الفكري وأن يتمكّن من اختيار مذهبه وفق الأدلّة والبراهين، فأعلن استبصاره والتزامه بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)سنة 1410هـ (1990م) .

سبيل تعرّفه على مذهب التشيع:

تعرّف "صاحب العزيز" على مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عن طريق قراءة الكتب الشيعية، وكان الداعي له إلى ذلك أنّه رأى بأنّ الاقتصار على كتب مذهبه الموروث يؤدّي به إلى النظر من زاوية واحدة إلى الحقائق ويدفعه إلى ضيق الأفق في الرؤية، في حين ينبغي للباحث أن يوسّع دائرة نظرته إلى الحقائق وينبغي له الإلمام بآراء المذاهب الأخرى ، لئلاّ تتحجّر أفكاره على موروثاته العقائديّة فحسب .

ومن هذا المنطلق بادر "صاحب العزيز" إلى قراءة كتب باقي المذاهب ومنها مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، فتعرّف عند مطالعته للكتب الشيعية على حقائق لم يطّلع عليها من قبل، فجذبته هذه الحقائق إلى المزيد من المطالعة والبحث في كتب مذهب أهل البيت(عليهم السلام) .

سنّة الاصطفاء الإلهي للأئمّة(عليهم السلام):


الصفحة 206

تعرّف "صاحب العزيز" عن طريق متابعته لبحثه العقائدي الشمولي إلى أنّ الباري عزّ وجلّ اصطفى أهل البيت(عليهم السلام) ذريةً بعضها من بعض، وأنّ تنصيب اللّه تعالى أهل البيت(عليهم السلام) للإمامة لم يكن من منطق توارثها اتّباعاً لمعايير الأحساب والأنساب، وإنما كان ذلك اجتباءً واصطفاءً جرياً على سنة اللّه في الماضين حيث اصطفى اللّه تعالى من قبل آل عمران وآل إبراهيم وجعلهم أئمّة يهدون بأمره .

ويجد الباحث عند مطالعته لتاريخ البشرية بأنّ الاصطفاء كان هو النظام الإلهي السائد في اختيار أئمّة الهدى ولم يكن للناس في ذلك أيّ خيار، فإن استجاب العباد لهذا الاصطفاء الإلهي فقد اهتدوا وإن امتنعوا عنه ـ كما هو دأب البشرية على مرّ العصور ـ فإنّ هذا الامتناع لا يغيّر من الحقّ شيئاً .

ولا يشكّ أحد بأنّ الاصطفاء والاختيار الإلهي لقادة مسيرة البشريّة نحو الرقي والصلاح أفضل من الاختيار البشري، لأنّ الناس قد تتبع المعايير الخاطئة في هذا السبيل ، وقد تميل بهم الأهواء عن الحقّ، لأنّهم ـ بصورة عامّة ـ يفضّلون كلّ من نال الحظّ الأوفر من الجاه والثروة ، وتميل لاتّباع أصحاب القوّة المادّية والمترفين في الأرض، كما حدث ذلك عندما اصطفى اللّه تعالى النبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال البعض: { لَوْلا نُزِّلَ هذَا القُرآنُ عَلى رَجُل مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيم }(1) . وكما اعترض البعض عندما اصطفى اللّه تعالى طالوت للملك، وذكر اللّه تعالى هذا الاعتراض في محكم كتابه ليتّعظ المسلمون به، فقال تعالى: { وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المالِ قالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ }(2) .

____________

1- الزخرف(43): 31 .

2- البقرة(2): 247 .


الصفحة 207

اصطفاء اللّه تعالى أهل البيت(عليهم السلام) للإمامة:

إنّ العديد من النصوص الواردة عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) تبيّن بصراحة بأنّ اللّه تعالى اصطفى أهل بيت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) للإمامة، ولم يعلن اللّه عزّ وجلّ كمال الدين الإسلامي إلاّ بعد أن أمر رسوله بأن يبيّن للمسلمين في واقعة غدير خم أنّ الإمام علي(عليه السلام) هو الولي لهذه الأمة من بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما بلّغ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ما أُنزل إليه في أمر إمامة الإمام علي(عليه السلام) نزلت هذه الآية: { اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً }(1) .

فإذا كان الأمر كذلك فكيف يحقّ لأحد أن يكون له الخيار في تحديد الإمام بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قال تعالى: { وَما كانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إِذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }(2) .

البحث هو السبيل لمعرفة الحق:

أدرك "صاحب العزيز" من خلال إعمال عقله بأنّ التقليد الأعمى للموروث العقائدي قد يدفع الإنسان إلى اتّباع السبل الضالّة والمنحرفة، وأنّ السبيل الوحيد لمعرفة الحقّ هو البحث وتأسيس العقيدة وفق الأدلّة والبراهين .

ومن منطلق البحث توصّل "صاحب العزيز" إلى خطأ الكثير من موروثاته العقائديّة ، وبيّن له البحث الكثير من الحقائق التي كانت خافية عليه، وبمرور الزمان توصّل إلى أحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فتخلّى عن مذهبه السابق واعتنق برحابة صدر المذهب الشيعي .

ثمّ واصل "صاحب العزيز" بحثه العقائدي في المعهد الإسلامي في مدينة

____________

1- المائدة(5): 3 .

2- الأحزاب(33): 36 .


الصفحة 208

"بانجيل"، حتّى تخرّج منه، فرأى بأنّ مواصلته لدراسة مبادئ أهل البيت لم تمنحه إلاّ المزيد من التقرّب إلى مذهبهم، ثم قرّر ايصال ما توصّل إليه إلى الآخرين، فشرع بالتدريس في نفس المعهد الذي تخرّج منه، وبدأ ببيان علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام)إلى تلاميذه وكرّس جميع جهوده لخدمة الحقيقة والعمل في سبيل اللّه تعالى في صعيد الدعوة إلى الدين الإسلامي الحنيف والنقي الذي قدّمه أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) محفوظاً من جميع ألوان التحريف الذي قام به بنو أميّة وبنو العبّاس .

ويعيش "صاحب العزيز" حالياً مطمئنّ القلب ومرتاح الضمير نتيجة تحرّره من عقائده الموروثة الخاطئة وتوصّله إلى العقيدة المبتنية على الأدلّة والبراهين القاطعة، وهو لا يزال يواصل الدعوة إلى اللّه عزّ وجلّ عن طريق تنوير بصائر الناس بعلوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام) .


الصفحة 209

(47) صالح لفدي

( شافعي / أندونيسيا )

ولد في أندونيسيا، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب.

كيفية استبصاره:

اعتنق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) نتيجة تأثّره بالمناقشات العلمية التي أجراها مع بعض الشيعة من أساتذته وزملائه في الدراسة، حيث رأى قوّة الاستدلال وصواب المنطق وعدم مخالفة القرآن والسنّة الصحيحة . وأما المسائل الخلافيّة الكثيرة التي لهم مع المذاهب الأخرى، فذلك أمر طبيعي نتيجة لافتراق المسلمين بعد وفاة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولهم فيها أدلّتهم القويّة من القرآن والسنّة النبويّة الشريفة، كما أنّ لكلّ من المذاهب الإسلاميّة الأخرى أدلّتها وهي تختلف فيما بينها، ولكن للمذهب الشيعي بُعد إضافي في هذه المسألة وهو مظلوميّته من قبل الحكّام على طول التاريخ الإسلامي، وقد تصدّى الحكّام المتسلّطين على رقاب المسلمين لمحاربته بكلّ شدّة وفي جميع المجالات ومنها التشويش عليه وعلى عقائده وأحكامه بكلّ ما أوتوا من قوّة في أجهزتهم الإعلاميّة الضخمة والمتنوّعة وبكل وسائل التزوير والكذب وتحريف النصوص و ...

ومن المسائل الخلافية التي وقعت بين المسلمين وجلبت انتباه "صالح لفدي" في مناقشاته ودراساته هي مسألة الشفاعة والتوسّل بالأنبياء والأولياء والشهداء والصالحين وعموم المؤمنين .


الصفحة 210

الشفاعة بين النفي والاثبات

هناك آيات كثيرة، وأحاديث مستفيضة قد ثبّتت معنى الشفاعة للأنبياء(عليهم السلام)وخاصّة الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)وأهل بيت النبي الكرام وهم الأئمة المعصومون(عليهم السلام)، وقد اتّفق المسلمون على أصل الشفاعة منذ زمن الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا، ولكن ظهرت متأخراً فرقة تنفي الشفاعة أصلاً أو تحاول تحديدها وتضييقها إلى أضيق الحدود، لأسباب عديدة منها فقدان العلم والمعرفة لأنّ الشفاعة والتوسّل من المسائل الدقيقة التي تحتاج إلى فهم عميق رغم بساطة معناها اللغوي; حيث تتداخل معها عقائدياً وفقهياً معان أُخرى تختلف أحكامها حسب الظاهر، أو على الأقل ترد فيها شبهات قد لا يستطيع الكثيرون حلّها فيقعون في الخطأ.

هل الشفاعة تنافي العدالة الإلهية:

يذهب البعض إلى أنّ الشفاعة نوع من الوساطة غير العادلة ، وأنّها إذا اُدخلت في الحساب ضاع العمل وتجرّأ الناس على ارتكاب المعاصي اتّكالا عليها .

والصحيح أنّ الشفاعة نوع من الرحمة الإلهية للمذنبين وحالها حال التوبة التي يغفر بها الذنوب ولا يمكن لعاقل أن يدّعي بأنّ ذلك ينافي العدالة الإلهية، فهي نافذة أمل إضافية مفتوحة أمام العباد المذنبين تمنع استيلاء اليأس والقنوط على مشاعر الناس حتّى لا يرتكبوا المزيد من الذنوب بعد اليأس من النجاة .

كما أن للشفاعة حدوداً وشروطاً لا يمكن أن تعطى لكلّ من هبّ ودب، بل لها قوانينها الخاصّة بها، فلا يمكن الاتّكال عليها مطلقاً وارتكاب الذنوب بسببها، بل هي نوع من المغفرة مثل سائر أنواع التوبة والعفو، فالعبد ليس على يقين بأنّه


الصفحة 211

سيحصل عليها بمجرّد طلبها، بل لا بدّ له من الاجتهاد والعمل بالطاعات; لأنّ اللّه سبحانه وتعالى كما هو غفور رحيم، فهو جبّار شديد العقاب .

هل طلب الشفاعة نوع من الشرك:

يقول البعض: بأنّ طلب الشفاعة وخاصّة من الأموات هو شرك باللّه سبحانه الذي يختصّ بالشفاعة ولا يجوز أن يدّعى معه أحد . وطلب الشفاعة لا يختلف عما يفعله المشركون في الجاهلية الذين كانوا يعظّمون الأصنام لتقرّبهم إلى اللّه زلفى، ثمّ يطلبون منها حاجاتهم .

والصحيح أنّ مقام الشفاعة لمّا أعطاه اللّه سبحانه وتعالى لمن أذن له ذلك من المقربين إليه، جاز للآخرين طلب الشفاعة منهم، وإلاّ كانت الشفاعة للمقرّبين لا معنى لها، وصحيح أنّ الشفاعة كلّها للّه سبحانه وتعالى، لكن ذلك لا يمنع أن يعطيها لمن يريد، والمقربون حينما يشفعون للعبيد المذنبين بإذن اللّه تعالى لا يعني ذلك تعدّياً على التوحيد الإلهي وإشراك الآخرين فيه، بل هو عين التوحيد ، لأنّه مظهر لإرادة اللّه سبحانه وخضوع تام له، حيث أبى اللّه سبحانه وتعالى أن يعبد إلاّ من حيث شاء هو، فلابدّ لنا أن نسلّم لإرادته ولا نقترح عليه أن تجري الأمور بيننا وبينه مباشرة بدون وساطة، وقد قال اللّه سبحانه: { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ }(1) فلابدّ أن تخضع رغبات العباد لإرادته سبحانه، ولابدّ أن يتواضع العباد لمن اختارهم اللّه وكرّمهم ، فلا يجوز لهم التكبّر عليهم أبداً، ولعلّ هذه هي بعض الحكمة من تشريع الشفاعة وإعطائها لعباده المقرّبين .

كما أنّ تشبيه طلب الشفاعة من الأولياء المختارين بطلب الحاجات من الأصنام قياس مع الفارق، فالأولياء أذن اللّه لهم بالشفاعة، وهم لا يشفعون بالاستقلال، والأصنام لم يقبل اللّه سبحانه توسيطها وعبادتها وتعظيمها .

____________

1- المائدة(5): 35.


الصفحة 212

ثمّ إنّ موت الولي ومفارقة روحه بدنه وانقطاع عمله في هذه الدنيا، لا يعني أنّه ميّت عند اللّه سبحانه وتعالى، بل هو حيّ يرزق، ويسمع الدعاء والكلام ويرد الجواب حيث إنّ الحياة البرزخية ثابتة بلا شك ولها اتّصال وتسلّط على عالم الدنيا .

واللّه سبحانه يقول: { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ }(1) .

إذن فأصل القضيّة هو الخضوع المطلق لما يريده اللّه سبحانه من حيث يريد ويشاء وإلاّ يكون الإنسان من أتباع الشيطان الذي أبى أن يسجد لآدم، لأنّه رأى نفسه أفضل منه فهو من نار وآدم من طين، وهو قد عبد اللّه لمدّة طويلة، وكان في مستوى الملائكة، فلماذا يجب أن يسجد لمن اختاره اللّه دونه، حسب منطقه الشيطاني الذي رأى أنّ هذا الاصطفاء الإلهي غير صحيح، أو على الأقل أراد أن لا يخضع لشيء لا يعرف حكمته حسب فهمه القاصر .

سرعة التكامل بعد الاستبصار:

عرف "صالح لفدي" بعد بحثه في الصعيد العقائدي بأنّه كان يعيش حالة الحرمان من الفوائد الكثيرة التي كان في غفلة عنها.

ولكنّه تمكّن بعد الاستبصار أن يستفيد من جميع الفرص التي أتاحها اللّه تعالى له للارتقاء في سلّم الكمال.

____________

1- آل عمران(3): 169 ـ 170.


الصفحة 213

(48) طه المساوي

( شافعي / اندونيسيا )

ولد في أندونيسيا بمدينة "سمارنخ" ثمّ نشأ في أسرة شافعية، فتلقّى منها انتماءها الموروث حتّى سمى وعيه الديني فتعرّف على مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عن طريق قراءته للكتب الشيعيّة .

ومن منطلق البحث المقارن الذي أجراه "طه المساوي" بين مذهبه ومذهب أهل البيت(عليهم السلام) توصّل إلى أحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)وعرف بأنّ الإمام علياً(عليه السلام)أحقّ من غيره بالخلافة بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، فأعلن استبصاره سنة 1412هـ (1992م)، ثمّ التحق بالمعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل" ثمّ سافر إلى مدينة قم المقدّسة في إيران والتحق بالحوزة العلميّة من أجل مواصلة دراسته الدينيّة وفق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) .

اهتمام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بمسألة الإمامة:

إنّ من الأمور التي اكتشفها "طه المساوي" عند بحثه المقارن هي أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) كان مهتمّاً منذ الوهلة الأولى بمستقبل دعوته ومسألة الخلافة من بعده، ومن إحدى المواقف المبيّنة لهذا الأمر حديث الدار الذي جاء فيه:

"عن عبد اللّه بن عباس عن علي بن أبي طالب، قال: لما نزلت هذه الآية على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } دعاني رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال لي: يا علي إنّ اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أنّي متى أبدؤهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمتّ عليه حتّى جاء جبرائيل، فقال: يا محمد إنّك إلاّ تفعل ما تؤمر به يعذبك ربّك، فاصنع لنا صاعاً من طعام ...


الصفحة 214

ثم تكلّم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا بني عبد المطلب انّي واللّه ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إنّي جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّ وخليفتي فيكم؟

قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت ...: أنا يا نبيّ اللّه أكون وزيرك، فأخذ برقبتي ، ثم قال: ["إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا"] .

فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع"(1) .

ويبيّن هذا الحديث بوضوح اهتمام رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر الوزير والخليفة من بعده منذ الوهلة الأولى التي بدأ فيها الدعوة إلى نبوّته، وهذا ما يبيّن أهميّة مسألة الإمامة وتقارنها مع التوحيد والنبوّة، ولولا ذلك فما هو الداعي ليعيّن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)في بداية دعوته الإمام علياً(عليه السلام)وزيراً وخليفة له وهو يعلم بأنّ هذا الأمر سيثير استهزاء أقربائه ويدفعهم إلى الابتعاد عن دعوته .

ولكن كانت مسألة خلافة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) تبلغ من الأهميّة جدّاً بحيث غضّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الطرف عن تبعاتها وأعلنها بكلّ جرءة في بداية دعوته إلى نبوّته .

والجدير بالانتباه أنّ حسّاسية هذه المسألة بلغت حدّاً بحيث حذفت عبارة "وصيّ وخليفتي فيكم" في بعض مصادر أهل السنة، بل إنّ الطبري نفسه قد حذفها في تفسيره بعد أن أوردها في تاريخه ـ فورد هذا الحديث على سبيل المثال في كتاب البداية والنهاية كما يلي:

"... فأيّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي وكذا وكذا، قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت ...: أنا يا نبيّ اللّه أكون وزيرك عليه، فأخذ

____________

1- تاريخ الطبري: 2 / ص319 .


الصفحة 215

برقبتي، فقال: إنّ هذا أخي وكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا ..."(1) .

ولكن هذه الأساليب لن تجدي في إخفاء الحقيقة عن ذوي البصائر الذين يجاهدون في سبيل معرفة الحقّ، وكان من جملة هؤلاء "طه المساوي" الذي سعى لمعرفة الحقيقة . فأعانه اللّه تعالى على ذلك وهداه سواء السبيل .

____________

1- البداية والنهاية: 3 / 36 .


الصفحة 216

(49) عبد الرحمن بارقبة

( شافعي / أندونيسيا )

ولد في أندونيسيا وترعرع في مدينة "بكلونجن"، ونشأ في أوساط أسرة شافعية المذهب، فتمسّك بالمذهب الشافعي وعمل به حتّى تعرّف على مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فعرف بأنّ هذا المذهب أحقّ بالاتّباع من غيره، فقرّر أن يغيّر انتماءه المذهبي وفق ما أملت عليه الأدلّة والبراهين .

تساؤلات عقائديّة:

بدأت رحلة "عبد الرحمن" في الصعيد العقائدي من تساؤلات عقائديّة دفعته إلى البحث، وكانت من جملة هذه التساؤلات التي طرأت على باله تخصّ علّة افتراق الأمّة بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وكان التساؤل الثاني بأنّه لماذا يتّبع مذهب أهل السنة دون المذاهب الأخرى ؟

وكان "عبد الرحمن" يعي بأنّ التقليد في الدين للآباء لا يغني عن الحقّ شيئاً، ويجب على كلّ إنسان أن يتوجّه نحو البحث ، ليصل بنفسه إلى المذهب الذي يستند على الأدلّة والبراهين .

بداية الرحلة العقائدية:

إنّ التساؤلات التي طرأت على بال "عبد الرحمن" دفعته إلى البحث عن سبب نشوء الفرق، فغاص في بطون الكتب التاريخيّة والعقائديّة من أجل اكتشاف هذا السبب، ولم تمض فترة إلاّ عرف "عبد الرحمن" بأنّ السبب الأساسي الذي أدّى إلى نشوء الاختلاف بين المسلمين هي مسألة الخلافة ، فدرس آراء وحجج معظم الطوائف الإسلاميّة ، ثمّ وجد بأنّ الحلّ يكمن في معرفة ما قال رسول


الصفحة 217

اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) حول الخلافة من بعده .

ومن هنا وجد "عبد الرحمن" نفسه يقترب شيئاً فشيئاً إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، لأنّه وجد جميع النصوص النبويّة تبيّن بصراحة خلافة الإمام علي(عليه السلام)من بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا ما يعتقده أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) .

ولاية الإمام علي(عليه السلام) من بعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم):

إنّ النصوص الواردة عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) حول ولاية الإمام علي(عليه السلام) من بعد النبي كثيرة منها:

وقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً حول الإمام علي(عليه السلام) أمام الصحابة: "علي وليّكم من بعدي"(1) .

وقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: "إنّ علياً مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي"(2).

ووجد "عبد الرحمن" أيضاً نصوصاً أُخرى صحيحة السند تثبت بأنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) نصّب الإمام علياً(عليه السلام)للولاية والخلافة من بعده، وهذا ما يدل على أنّ خلافة الإمام علي(عليه السلام) كانت بأمر من اللّه تعالى ولا يحقّ لأحد مخالفة ذلك .

اعتناقه لمذهب التشيع:

إنّ الأدلة الهائلة التي توصّل إليها "عبد الرحمن بارقبة" فرضت عليه ترك مذهبه الموروث والمبادرة إلى اعتناق مذهب التشيّع، فلم يتردّد لحظة واحدة في تغيير انتمائه المذهبي، فأعلن استبصاره بكلّ جرأة ثمّ هاجر إلى إيران وانتسب إلى الحوزة العلمية في مدينة قم المقدّسة لينهل من علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام)،

____________

1- خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، النسائي: ص60/ح 90 .

2- المستدرك، الحاكم النيسابوري: 3 / ص324 ح4637.

وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقرّه الذهبي.

صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان: 9 / ص 41 ح6890. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي .


الصفحة 218

وليكن بعد ذلك من الدعاة في سبيل اللّه تعالى .


الصفحة 219

(50) عبد الرحمن الحسني

( شافعي / أندونيسيا )

ولد سنة 1393هـ (1974م) في أندونيسيا بمدينة "صولو" ، ثمّ نشأ في أسرة غذّت عقله بعقائد وأفكار ومبادئ فرقة أهل السنّة وفق المذهب الشافعي، فترعرع "عبد الرحمن الحسني" في هذه الأجواء حتّى بلغ مرحلة الرشد، فأحبّ أن يشيّد مرتكزاته الفكريّة وفق الأسس والدعائم المتينة، فعمّق صلته بالبحث وبادر إلى دراسة المذهب السنّي، ولكنّه واجه العديد من الفراغات في عقيدة أهل السنّة، وتراكمت في ذهنه العديد من الأسئلة التي لم يجد لها جواباً في مذهبه، وكان يجد أنّ شبهاته تزداد بمقدار تعمّقه في معرفة أصوله ومبادئه، كما أنّ الأسئلة الكثيرة التي كانت مختزنة في ذهنه أولدت فيه حالة من التعطّش الفكري لمعرفة الحقّ والحقيقة .

بداية الاهتمام بمذهب التشيّع:

وقعت ذات يوم جملة من كتب مذهب أهل البيت(عليهم السلام) بيد "عبد الرحمن"، فوجد بعد مطالعتها أنّ مباني المذهب السنّي قد تزعزعت في نفسه، فلم يستغرب لذلك، لأنّه كان يعي بأنّ المذهب السنّي لا يمتلك القوّة الذاتية للأخذ بيد أهله، وأنّ معظم أتباعه يتمسّكون به تقليداً لآبائهم وأسلافهم.

ومن هذا المنطلق واصل "عبد الرحمن" بحثه عن طريق مساعدة تلك الكتب الشيعية، فتعرّف عن طريق التراث الشيعي على حقائق جديدة لم يطّلع عليها من قبل، ووجد جميع أجوبة الأسئلة التي لم يجد إجابتها من قبل، ثمّ دفعه التعطّش الفكري إلى المزيد من البحث، وكان "عبد الرحمن" يركّز في بحثه على


الصفحة 220

معرفة الأصول والأسس، وكان يقوم بعملية المقارنة بين عقائد مذهب أهل السنّة وعقائد مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فكانت النتيجة التحاقه بركب مذهب أهل البيت(عليهم السلام) فأعلن "عبد الرحمن" استبصاره بعد اقتناعه الكامل بأحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ثمّ لم يترك بعد ذلك بحثه، بل بادر بعدها ليقوم بتصحيح أفكاره على ضوء مذهب أهل البيت(عليهم السلام) .

دور قدرة الإنسان في أفعاله:

كان "عبد الرحمن" يعتقد قبل استبصاره بأنّ أفعال الإنسان الاختيارية تقع بقدرة اللّه تعالى وليس لقدرة الإنسان أيّ تأثير في فعله، بل أجرى اللّه عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختياراً عندما يقوم الإنسان بالفعل .

فالاستطاعة ـ في الواقع ـ من اللّه تعالى يخلقها في العبد مقارنة مع خلقه للفعل الذي يصدر من العبد(1) .

ولكن وجد "عبد الرحمن" بأنّ قدرة الإنسان في أفعاله الاختيارية إذا لم يكن لها أيّ تأثير فإنّ خلقه تعالى لها يكون أمراً عبثاً لا فائدة فيه .

وعرف "عبد الرحمن" بعد اطلاعه بأصول ومبادئ مذهب أهل البيت(عليهم السلام)بأنّ عموم قدرته تعالى لا تعني قيامه عزّ وجلّ بكلّ شيء بصورة مباشرة، بل شاء اللّه تعالى أن يمنح بعض مخلوقاته القدرة على التأثير بإذنه .

أما قوله تعالى: { قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاّ ما شاءَ اللّهُ }(2) فإنّ هذه الآية لا تدلّ على نفي قدرة الإنسان، بل العكس إنّها تثبت وجود القدرة في الإنسان ، ولكنها تبيّن بأنّ هذه القدرة ليست مطلقة وإنّما تعمل بإذن اللّه تعالى ولا تكون قدرة الإنسان إلاّ في إطار مشيئة اللّه عزّ وجلّ .

وهذا هو المعنى الذي يمكن استنتاجه من قول "لا حول ولا قوة إلاّ باللّه"،

____________

1- بحر الكلام للنسفي: 166 .

2- الأعراف(7): 188 .