فراش الموت وكان في البيت معه رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، فقال عمر: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لا تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قاله عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): قوموا(1). حتّى أنّ ابن عبّاس كان يقول: الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من لغطهم واختلافهم(2).
ويبيّن هذا الموقف من عمر بن الخطاب ومن كان معه من الصحابة بأنّهم لا يهمّهم أن يكتب لهم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)كتاباً لا يضلّوا بعده، وكأنّهم لا يخشون الضلال !.
وإذاكان الأمر كذلك فإنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بيّن في حديث الثقلين المعروف بأنّه ترك لأمّته الثقلين كتاب اللّه وعترته أهل بيته وبيّن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الحديث بأنّ التمسّك بهذين الثقلين يؤدّي إلى الأمن من الضلال .
فإذا كان بعض الصحابة لا يهمّهم أن يكتب لهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كتاباً لا يضلّوا بعده فإنّهم بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)أيضاً لا يهمّهم أن يتركوا سيّد العترة علي بن أبي طالب ويتمسّكوا فقط بكتاب اللّه(3) كما قال عمر من قبل: "حسبنا كتاب اللّه" .
ومن هنا يتبيّن بأنّ مخالفة البعض لوصيّة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في شأن الإمام علي(عليه السلام)أمر قد وقع في زمن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ولهذا يكون من الطبيعي وقوعه بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) .
____________
1- صحيح البخاري: 4/ ص10 ح5669 . 2- نفس المصدر. 3- بل حتّى كتاب اللّه تعالى لم يتمسّكوا به! فأين تطبيقهم لقوله تعالى "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"؟!.
التعمّق في دراسة علوم أهل البيت(عليهم السلام):
إنّ البحوث التي أجراها "عبد اللّه بن الحسن الكاف" في مسألة الإمامة ، ومنها دراسته لرزيّة الخميس وغيرها من البحوث كشفت له الغطاء عن العديد من الحقائق حتّى دفعه هذا الأمر إلى الاستبصار، ومع ذلك لم يتوقف في البحث، لأنّ العلوم التي تلّقاها من مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)غرست في قلبه الشوق لطلب المزيد، فلهذا انتسب إلى المعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل" ليتعمّق في دراسة علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام) وليعد نفسه جندياً مخلصاً للذب عن حمى الحقيقة والدفاع عن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) .
(58) عبد اللّه السقاف
( شافعي / أندونيسيا )
ولد في أندونيسيا ونشأ في مدينة "ميدان" ، وترعرع في أوساط أسرة تنتمي إلى المذهب الشافعي، ثمّ استبصر بعد إلمامه بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وكان منطلق تعرّفه على مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عن طريق إثارة شبهات عقائدية دفعته إلى البحث، فلم يجد في دائرة مذهبه جواباً شافياً لها ، فأحبّ أن يوسّع نطاق بحثه ، فتوجّه إلى كتب مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ليرى إجابتهم على الشبهات العلميّة التي أثيرت في نفسه، فتفاجأ ممّا رأى في الكتب الشيعية من حقائق لم يطّلع عليها من قبل ، ومن هنا بدأت رحلته المذهبيّة حتّى انتهت إلى تحوّله من المذهب السنّي إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
معنى التشيّع:
إنّ الإجابات الشافية التي وجدها "عبد اللّه السقاف" عند مذهب التشيّع دفعته إلى التعرّف على هذا المذهب وكيفيّة نشوئه وكيفيّة بدايته، فتوصّل خلال بحثه هذا إلى نتائج لم يتوقّعها من قبل .
إنّ الشيعة في اللغة تعني الصحبه والأتباع ، وهي في اصطلاح المتكلّمين تعني اتّباع الإمام علي(عليه السلام) وبنيه.
وقد وردت كلمة الشيعة بمعناها اللغوي في القرآن الكريم في قوله تعالى:
{ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لاَبْراهِيمَ * إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْب سَلِيم }(1)، وقوله تعالى: { وَدَخَلَ المَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَة مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ }(2).
وقد وردت كلمة الشيعة بمعناها الاصطلاحي في السنّة النبويّة الشريفة منها: روى الطبري في تفسيره بسنده عن أبي الجارود عن محمّد بن علي في قوله تعالى: { أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّةِ } فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): "أنت يا علي وشيعتك"(3) .
وقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً للإمام علي(عليه السلام): "أنت وشيعتك تردون عليَّ الحوض رواء مرويّين مبيضّة وجوهُكم، وإنّ عدوّك يردون على الحوض ظِماء مقمحين"(4).
وروى أحمد بن حنبل في الفضائل بسنده عن عمرو بن موسى عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال: شكوت إلى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)حسد الناس إياي فقال: "أما ترضى أن تكون رابع أربعة أوّل من يدخل الجنّة، أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وعن شمائلنا، وذرارينا خلف أزواجنا وشيعتنا من ورائنا"(5).
ومن هذا المنطلق سُمّي الذين اتّبعوا بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام علياً(عليه السلام)واقتدوا بنهجه بالشيعة ، ويعتقد الشيعة بأنّ الإمام علياً(عليه السلام) أفضل الخلق بعد رسول اللّه وهو الإمام بعد الرسول بنصّ منه(صلى الله عليه وآله) ، وقد اصطفى اللّه تعالى أولاده للإمامة من بعده ذرّية بعضها من بعض كما اصطفى آل عمران وآل إبراهيم(عليهم السلام).
____________
1- الصافات(37): 83 ، 84 . 2- القصص(28): 15 . 3- جامع البيان، الطبري: 15/ ص293 ح29208 . 4- مجمع الزوائد، الهيثمي: 9/ص125 ح14749 . 5- فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل: 2/624، ح 1068 .
إذن فالشيعة هم الذين شايعوا الإمام علياً(عليه السلام) وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً، وذهبوا إلى أنّ الإمامة لم يترك أمرها لهذه الأمّة ، بل هي مسألة أصوليّة قد تدخّلت اليد الإلهيّة الغيبية فيها، وأنّ الإمام يتعيّن بالنصّ من النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) .
نشأة التشيّع:
تثبت الأدلة القاطعة بأنّ التشيّع ظهر أيام رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان من أبرز شيعة الإمام علي(عليه السلام) أبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود، كما أنّ النصوص النبويّة التي ذكرناها تثبت وجود التشيّع في زمن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّ مصطلح الشيعة كان سائداً في الأوساط الإسلاميّة .
ولكن لم يبرز هذا الأمر إلاّ بعد وفاة النبيّ حيث تمّت البيعة ـ بأيِّ شكل من الأشكال ـ لغير الإمام علي(عليه السلام)، فاعترض الإمام عليّ وشيعته على هذا الأمر ، ثمّ وجد الإمام علي(عليه السلام) بأنّ المصلحة الإسلاميّة تقتضي السكوت عن حقّه، لأنّ دخوله في الصراع مع من غصبوا منه الخلافة ، قد يؤدّي إلى الإضرار بأصل الإسلام .
وخلاصة ما يتوصّل إليه الباحث في هذا المجال هو أنّ التشيّع قد نشأ في زمن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحاول رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعم هذا المذهب وأكّد في العديد من المواقف على اتّباع الإمام عليّ(عليه السلام) من بعده والتمسّك بهديه والالتفاف حوله والسير تبعاً لمنهجه.
فقد روى الحاكم في مستدركه عن زيد بن أرقم قال: "خرجنا مع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى انتهينا إلى غدير خم. فأمر بروح فكسح في يوم ما أتى علينا يوم كان أشدّ حرّاً منه، فحمد اللّه وأثنى عليه وقال:
"يا أيّها الناس إنّه لم يبعث نبىّ قط إلاّ ما عاش نصف ما عاش الّذي كان
قبله، وإنّي أوشك أن أدعى فأجيب، وإنّي تارك فيكم ما لن تضلّوا بعده، كتاب اللّه عزّ وجلّ، ثمّ قام فأخذ بيد علي(رضي الله عنه) فقال: "يا أيّها الناس من أولى بكم من أنفسكم"؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم [قال: "ألست أولى بكم من أنفسكم"؟ قالوا: بلى] قال: "من كنت مولاه فعليّ مولاه"(1)، ولكنّ الظروف التي كانت حاكمة في تلك الأجواء أدّت إلى إعراض الكثير عن وصايا الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأدّى الأمر إلى وقوع الخلافة بيد غير من نصّبه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) .
اتّخاذ الموقف بعد معرفة الحق:
وجد "عبد اللّه السقاف" بعد معرفته للحقّ بأنّ جميع الأدلّة والبراهين تفرض عليه اتّباع الإمام عليّ(عليه السلام)والالتحاق بشيعته، ولم يواجه "عبد اللّه السقاف" أيّ مشكلة في الصعيد العلمي والفكري لتغيير انتمائه المذهبي ، ولكن كانت مشكلته الأساسية في كيفيّة تغلّبه على الجانب العاطفي وكيفية مواجهته لأبناء مجتمعه بعد إعلان الاستبصار .
ولكن جميع هذه العقبات لم تمنعه من اتّباع الحق، فأعلن استبصاره ثمّ التحق بالمعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل" ليزداد علماً ومعرفة بأصول ومبادئ مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، وطلباً للمزيد من المعرفة هاجر "عبد اللّه السقاف" إلى سوريا والتحق بالحوزة العلمية في دمشق، وكرّس هناك جميع جهوده لطلب علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام) .
وقرّر "عبد اللّه السقاف" بعد ذلك أن يصرف جميع أوقاته في خدمة مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، لأنّه رأى بأنّ هذا المذهب ظُلم على مرّ العصور وقد اضطهدته السلطات الجائرة بشتّى الأساليب القاسية ولهذا يتطلّب هذا المذهب من أبنائه
____________
1- المستدرك، الحاكم النيسابوري: 4/ ص253 ح6381. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص.
المزيد من الجهد لإزالة الشبهات المثارة حوله ونشره في مختلف أنحاء العالم .
(59) عبد اللّه العريضي
( شافعي / أندونيسيا )
ولد في مدينة "بمكاسن" بأندونيسيا، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، أتمّ المرحلة العالية في معهد دار اللغة والدعوة ، ثمّ عمل مدرساً ومبلّغاً لأحكام الدين الشريف.
عوامل استبصاره:
كان "عبد اللّه العريضي" معجباً بالثورة الإسلامية التي حصلت في إيران وبقائدها الإمام الخميني(رحمه الله)، ولمّا علم أنّه شيعي اثنا عشري موال لأهل البيت(عليهم السلام)، بدأ بالتحقيق حول هذا المذهب، وشرع بالسؤال من أخيه الأكبر الذي استبصر قبله، فأعطاه أخوه كتاب "المراجعات" للعلاّمة شرف الدين الذي يورد مناظرات علميّة حصلت بينه وبين شيخ الأزهر سليم البشري، وقد أعجب "عبد اللّه العريضي" بهذا الكتاب ، ورأى أنّ أدلّته قويّة وحججه بالغة، وهي موجودة في كتب أهل السنّة أنفسهم، فبدأ يشكّ بمذهبه الذي رأى أنّ الأدلة من القرآن والسنّة تخالفه ولا تدعمه .
ومن ثم قرأ بعض الكتب الأخرى ومنها كتاب "الإسلام الصحيح" للسيد محمد أمير القزويني، فوجد أنّ الحجة قد تمّت عليه، وليس له عذر بعد ذلك إلاّ اللجوء إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) الذين أمر القرآن الكريم بمودّتهم; ولأنّ الحقّ أحقّ أن يُتّبع، فأعلن استبصاره، وعقد العزم على الولاء التام لأئمة أهل البيت(عليهم السلام)
وكان ذلك سنة 1982م .
مودّة أهل البيت(عليهم السلام) في القرآن:
إنّ من الآيات الملفتة للنظر والجديرة بالتأمّل في القرآن هي آية المودّة ، وهي قوله تعالى: { قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبى }(1); وذلك لأنّها تبيّن ما هو الواجب علينا تجاه نبيّنا(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أجهد نفسه في أداء رسالة ربّ العالمين، حتّى خاطبه القرآن المنزّل منه سبحانه { طه * ما أَنْزَلنا عَلَيْكَ القُرآنَ لِتَشْقى }(2) .
وقد بيّنت آية المودّة الكريمة بأنّ الأجر الذي لابدّ للمسلمين من دفعه في مقابل ما قام به الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في هدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور هو المودّة لقربى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) . ومن الطبيعي ينبغي لأداء هذا الواجب على كلّ مسلم أن يعرف أوّلا من هم المقصودون من القربى في الآية الكريمة حتّى يجعل مودّته خالصة إليهم، ويكون قد أدّى أجر الرسالة .
وقد أجاب على هذا السؤال الفخر الرازي صاحب "التفسير الكبير" حيث قال:
"وروى صاحب الكشاف: أنّه لمّا نزلت هذه الآية، قيل يارسول اللّه من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ فقال: "عليّ وفاطمة وابناهما"، فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) . وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد من التعظيم...."(3).
____________
1- الشورى(42): 23 . 2- طه(20): 1 ـ 2 . 3- التفسير الكبير، الفخر الرازي: 9/ ص595.
ما هو السبب في طلب الأجر؟
قد يرد هذا السؤال في الذهن ، وهو: لماذا يُطلب الأجر على أداء الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)للرسالة؟ ألم يكن أداء الرسالة وظيفته؟! أوَ ليس معنى ذلك أنّه لا يقوم بذلك مخلصاً للّه سبحانه إذا طلب الأجر؟!! كما أنّ الأنبياء السابقين صرّحوا بأنّهم ما طلبوا الأجر من أحد من العالمين وإنّما يطلبونه من اللّه سبحانه وتعالى فحسب كما صرح القرآن الكريم(1) بذلك . ونحن نعلم مقام رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن، وأنّه أفضل الرسل، فهل يمكن القول بأنّ هذا الطلب كان لمنفعة الرسول ولمجرّد حبّه لأهل بيته(عليهم السلام) وقرابته؟
طبعاً الجواب واضح فلا يمكن لحبّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) لأهل بيته(عليهم السلام) وحده أن يكون هو السبب في نزول هذه الآية القرآنيّة الكريمة، بل يمكننا تلمّس الأسباب من الملاحظات التالية:
1 ـ إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يطلب الأجر وإنّما هو أمر من اللّه سبحانه إذ السؤال مبدوء بالأمر الإلهي بقوله تعالى { قل } .
2 ـ لا يختلف الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) عن الأنبياء السابقين في طلب الأجر من اللّه سبحانه، وطلبه للمودّة لا يرجع منفعته إليه، بل إلى الأمّة كما صرّح القرآن الكريم بذلك بقوله تعالى: { قُلْ ما سَأَلتُكُمْ مِنْ أَجْر فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْء شَهِيدٌ }(2) .
وهذا يدلّ على أنّ مودّة أهل البيت(عليهم السلام) تنفع المسلمين في الهداية .
3 ـ شأن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) هو شأن الطبيب الذي يقول لمريضه الذي جاء عنده وعالجه، أنّه لا يريد من المريض أجراً إلاّ أن يتناول الدواء ، فالأجر في الواقع
____________
1- الشعراء(26): 109، 127، 145، 164، 180 . 2- سبأ(34): 47 .
ليس للطبيب، بل لمنفعة المريض .
تلمّس الحكمة في الأمر الإلهي بمودّة القربى:
مع الاعتقاد الراسخ بأنّ اللّه تعالى حكيم، بل هو أحكم الحاكمين، فمن المستحيل عليه سبحانه أن يأمر باللغو والعبث، وأمره بمودّة القربى هو دافع قوي للإنسان المسلم في اتّباع سيرتهم وسمتهم، فالمحبّ يتّبع محبوبه ويحذو حذوه في كلّ خطوة يخطوها، وعليه ففي الآية إشارة واضحة إلى كون الذين وجبت مودّتهم هم الذين يجب اتّباعهم مع الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) .
ومع ضميمة عدّة نصوص أُخرى كحديث الثقلين الذي يوضّح أنّ أهل البيت(عليهم السلام) هم عدل القرآن الكريم وأنّ التمسّك بهما معاً هو الذي يعصم المسلمين من الضلالة. وكآية التطهير التي تبيّن بأنّ اللّه تعالى قد أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وغيرها من النصوص التي لا تعد ولا تحصى، نستطيع أن نعي حكمة الأمر بمودّتهم(عليهم السلام) .
إنّ مودّة ومحبّة أهل البيت(عليهم السلام) ليست محبّة عادية لأشخاص عاديّين، بل هي مودّة خاصّة لأشخاص اصطفاهم اللّه تعالى كما قد يتّضح من قوله تعالى: { قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً }(1) فمودّة القربى تساوي مشيئة اتّخاذ السبيل إلى اللّه تعالى . وفي آية أُخرى تساوي مودّتهم الذكرى للعالمين، قال تعالى: { قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ }(2)وعليه فأهل البيت(عليهم السلام) هم وسيلة الهداية باتّخاذ السبيل إلى اللّه تعالى والتذكّر فيه .
____________
1- الفرقان(25): 57 . 2- الأنعام(6): 90 .
نشاطاته:
1 ـ واجه "عبد اللّه العريضي" بعد استبصاره العديد من المشاكل، وثارت ضدّه الفتن في معهد "دار اللغة" حيث كان يدرس ويُدرّس فيه، وقد استدعاه مدير المعهد قائلا له: سمعت أنّك غيّرت مذهبك؟؟
فأجابه عبد اللّه: لا، بل أصلحت مذهبي،
قال المدير: أكان آباؤنا على ضلال؟
فأجاب عبد اللّه: أنا لا أقول بذلك، ولكنّني لا أُسأل عنهم يوم القيامة، فلهم ما كسبوا ولنا ما اكتسبنا،
فغضب المدير وأخرجه من المعهد .
2 ـ لم تهدأ الفتنة بإخراجه من المعهد وقد دفعه ذلك إلى الهجرة إلى جزيرة كلمنتان الشرقية، حيث بدأ هناك بالتبليغ ، لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) حتّى استبصرت على يديه أكثر من 150 عائلة، وتمسّكت بولاء أهل البيت(عليهم السلام)، ودعاه ذلك إلى تأسيس مؤسّسة "المنتظر"(عج) الاجتماعيّة لخدمة هؤلاء المستبصرين وقضاء حاجاتهم الماديّة والمعنويّة .
3 ـ هاجر في سبيل طلب العلم إلى مدينة قم المقدّسة للدراسة في الحوزة العلميّة وللتزوّد من معين علوم أهل البيت(عليهم السلام) .
(60) عبد المؤمن زمزمي
( شافعي / أندونيسيا )
ولد في أندونيسيا ونشأ في مدينة "شربون" ، وترعرع في أسرة شافعيّة المذهب، فغذّته الأجواء المحيطة به عقائد مذهب أهل السنّة، فتلقّى هذه المعتقدات الموروثة حتّى بلغ أشدّه، فتوجّه نحو البحث فوجد الكثير من الثغرات في أصول عقائده، فدفعه ذلك إلى توسيع نطاق بحثه، فتوجّه إلى دراسة باقي المذاهب الإسلاميّة، منها مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فطالع العديد من الكتب الشيعيّة، فكانت النتيجة أنّه عرف في نهاية مطاف بحثه المقارن بأنّ الحقّ مع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)فتخلّى عن انتمائه المذهبي الموروث واعتنق بكلّ ترحاب مذهب أهل البيت(عليهم السلام) .
في رحاب تاريخ صدر الإسلام:
سلّط "عبد المؤمن زمزمي" أضواء بحثه على أحداث التاريخ الإسلامي قبل وبعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فوجد أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) حاول قبل رحيله أن يبعد بعض الصحابة إلى خارج المدينة ، فقام بتجنيد جيش أسامة إلى الشام .
ويجد الباحث بعد التأمّل لمعرفة أسباب تأكيد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على خروج بعض الصحابة بأنّه أراد توفير الأجواء المناسبة لخليفته علي بن أبي طالب(عليه السلام) وإبعاد مخالفيه، ولكنّهم خالفوا أمر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فعسكروا خارج المدينة ، لئلاّ تفوتهم الفرصة !
فلمّا توفّى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) هرع هؤلاء إلى المدينة لينفذوا مخطّطاتهم المعاكسة.
أوّل موقف لعمر بن الخطاب بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله):
إنّ الموقف الغريب الذي يجده الباحث من عمر بن الخطاب عند سماعه نبأ وفاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه أنكر بأن يكون النبي(صلى الله عليه وآله) قد مات ، وهدّد كلّ من يقول بذلك وأخذ ينادي ويقول بأن النبي(صلى الله عليه وآله) لم يمت وإنّما ذهب إلى معاد ربّه كما فعل موسى وسوف يرجع ليقطع أعناق وأيدي من يقول أنّه مات .
وبقيت هذه القضية مثارة حتّى جاء أبو بكر، ورفع صوته: { وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ }ثمّ أضاف: "من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات، ومن كان يعبد اللّه فإنّ اللّه حيّ لا يموت"، فتراجع عمر عن إنكاره وفاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)(1) .
وهنا يقع الاستفسار بأنّ عمر بن الخطاب لماذا أثار هذه القضيّة؟ وقد أجاب الشهيد السيد محمد باقر الصدر عن هذا الاستفسار في كتابه "فدك في التاريخ" بأنّ عمر بن الخطاب أراد أولا أن يكسب الوقت حتى يأتي أبو بكر من داره بالسنح ، وثانياً أراد أن يختلق قضية تكون كلمة الفصل فيها لأبي بكر ، فيكون بذلك رجل الموقف والمرحلة !(2).
ومن جهة أُخرى يجد الباحث بأنّ زعماء الأنصار وصلوا إلى هذه القناعة بأنّ قريش قررت تجاوز وصيّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّها عزمت على تنحية الإمام علي(عليه السلام)عن منصبه الإلهي وبسط نفوذها باسم الإسلام، ولهذا اجتمع زعماء الأنصار في
____________
1- صحيح البخاري: 2/ ص454/ ح3667 ـ 3668. 2- فدك في التاريخ، الشهيد الصدر: ص71 ـ 77.
سقيفة بني ساعدة وعقدوا العزم على الانفراد بأمر الخلافة دون قريش، وكان مرشّحهم سعد بن عبادة الخزرجي.
وفي هذا الخضم وصل نبأ اجتماع الأنصار إلى أسماع قريش ولا سيّما أبي بكر وعمر فجاءا بسرعة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح إلى سقيفة بني ساعدة وزعموا أنّهم أحقّ بالخلافة، فوجد الأنصار أنفسهم في وضعيّة محرجة فقام أحدهم ، وقال: "أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر قريش رهط بيننا، وقد دفّت إلينا دافّة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يغصبونا الأمر" .
فقال أبو بكر: يا معشر الأنصار إنّكم لا تذرون فضلا إلاّ وأنتم له أهل، وإنّ العرب لا تعرف هذا الأمر إلاّ لقريش، هم أوسط العرب داراً ونسباً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين (وأخذ بيد عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح).
فلما قضى أبو بكر كلامه قام رجل من الأنصار وقال: ... منّا أمير ومنكم أمير، وارتفعت الأصوات واللغط . . .
فقال سعد بن عبادة: هذا أوّل الوهن .
وقال عمر: هيهات لا يجتمع اثنان في قرن ! واللّه لا ترضى العرب أن تؤمّركم ونبيّنا من غيركم، ولا تمتنع العرب أن تولّي أمرها من كانت النبوة فيهم، ولنا بذلك الحجّة الظاهرة، من ينازعنا سلطان محمّد ونحن أولياؤه وعشيرته .
فقال الحباب بن المنذر: يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم فاجلوهم عن هذه البلاد وتولّوا عليهم هذه الأمور، فأنتم واللّه أحقّ بهذا الأمر منهم، فإنّه بأسيافكم دان الناس لهذا الدين ...
فقال عمر: إذن ليقتلك اللّه !
فقال: بل إياك يقتل !
... قال أبو بكر: هذا عمر وأبو عبيدة فإن شئتم فبايعوا .
فقالا: واللّه لا نتولّى هذا الأمر عليك وأنت أفضل المهاجرين ... ابسط يدك نبايعك فلما ذهبا يبايعانه سبقهما بشير بن سعد فبايعه .
فناداه الحباب بن المنذر: عقتك عقاق ! أنفست على ابن عمك الامارة؟
فقال: لا واللّه ولكني كرهت أن أنازع القوم حقّهم .
ولما رأت الأوس ما صنع بشير وما تطلب الخزرج من تأمير سعد ، قال بعضهم لبعض: ... واللّه لئن وليتها الخررج مرّة لازالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم فيها نصيباً أبداً، فقوموا فبايعوا أبا بكر، فبايعوه ... وأقبل الناس يبايعون أبا بكر من كلّ جانب وتخلّف بعض الأنصار عن بيعة أبي بكر ، وقالوا: لا نبايع إلاّ عليّاً .
وأمّا موقف الإمام علي(عليه السلام) فإنّه بقي وبنو هاشم والزبير ستة أشهر لم يبايعوا أبا بكر حتى استشهدت فاطمة الزهراء(عليها السلام) فبايعوه(1) .
بيعة أبي بكر فلتة:
إنّ أوّل ما يستنتج الباحث عند إلمامه بما جرى في سقيفة بني ساعدة هو أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة، وهذا ما يعترف به عمر بن الخطاب حيث قال: "إنّي قد عرفت أنّ أناسا يقولون: إنّ خلافة أبي بكر فلتة، وإنّما كانت فلتة ولكن اللّه وقى شرّها، إنّه لا خلافة إلاّ عن مشورة"(2).
____________
1- صحيح البخاري: 3/ ص80، ح4240 ـ 4241 . 2- مصنف ابن أبي شيبة الكوفي: 8/ ص570، ح1 .
وقال الداودي: "معنى فلتة" أنّها وقعت من غير مشورة مع جميع من كان ينبغي أن يشاور"(1).
ومن هنا لو يقارن الباحث بين الأدلّة التي تثبت مشروعيّة خلافة الإمام علي(عليه السلام) وبين الطريقة التي جاء بها أبو بكر إلى الحكم فإنّه سيتوصّل إلى أنّ الإمام علياً(عليه السلام) أحقّ بالاتّباع من غيره، ويجب أن يكون كلّ مسلم من خلافة أبي بكر موقف الرافض لها والمعترض عليها، وذلك لأنّها لم تكن مشروعة بأيّ نحو من الأنحاء .
ورفض أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) لها ـ وهو الوارث الطبيعي والشرعي لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ لهو أحكم دليل على أنّ خلافة أبي بكر لم تكن على الموازين الدينية التي جاء بها الإسلام . وهذا ما يكشف عن حقيقة ينبغي أن يتأمّل فيها كلّ مسلم مهتمّ بأمر دينه.
الالتحاق بركب الإمام علي(عليه السلام):
وجد "عبد المؤمن زمزمي" بأنّ جميع الأدلّة والبراهين تدعوه لترك مذهب الخلفاء والالتحاق بمذهب أهل البيت(عليهم السلام) .
وكان هذا التحوّل في الصعيد المذهبي أمراً صعباً لـ "عبد المؤمن زمزمي"، ولكنّه تمكّن بعد مجاهدة نفسه أن يتّخذ قراره النهائي ، وكان ذلك سنة 1412هـ (1992م)، فأعلن استبصاره وتحوّله إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) .
ثمّ انتسب إلى المعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل" حتّى تخرّج منه ، ثمّ قرّر بعد ذلك أن يتّبع منهج التدريس من أجل توعية الآخرين وكشف الحقائق لهم، فأصبح أستاذاً في المعهد الإسلامي الذي تخرّج منه .
____________
1- فتح الباري، ابن حجر العسقلاني: 12/ ص182.
ومن جهة أُخرى شرع "عبد المؤمن" بالتأليف، فألّف كتاباً حول مراحل التوحيد باللغة الأندونسيّة، ليعرّف الباحثين على آراء مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) حول التوحيد وليدرء عن الأذهان الشبهات التي لم تتمكن مدرسة أهل السنّة من الاجابة عليها نتيجة إفراطها في التمسّك بظواهر النصوص الدينيّة ، وعدم استعانتها بمعارف أهل البيت(عليهم السلام)لتفسير الآيات المتشابهة ولم تستعن بالعقل في فهمها للأحاديث الشريفة التي يتطلّب إدراكها المزيد من الفكر والتأمّل .
(61) علي رضا الحبشي
( شافعي / أندونيسيا )
ولد في أندونيسيا ، ونشأ في مدينة "بانجيل"، وترعرع في أحضان عائلة شافعيّة المذهب، ثمّ قام بجولة فكريّة في رحاب المذاهب الإسلاميّة، فأمضى برهة من عمره في "مكة المكرمة" من أجل دراسة مذهب أهل السنّة وتوسيع دائرة معرفته بالأمور الدينيّة، حتّى سمع بالمذهب الشيعي، فصمّم أن يتعرّف على أصوله ومبادئه العقائديّة.
دراسته للمذهب الشيعي:
بادر "علي رضا الحبشي" انطلاقاً لتوسيع دائرة معارفه الدينيّة إلى مطالعة الكتب الشيعيّة من أجل التعرّف على رؤى هذا المذهب .
ومن هذا المنطلق عرف "علي رضا الحبشي" بأنّ المؤهل لقيادة الأمّة بعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ينبغي أن يكون للأعلم بكتاب اللّه والأفهم بسنّة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)والأكثر إخلاصاً للّه والأورع والأتقى في دين اللّه تعالى، لأنّ الذي يتولّى خلافة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) سيكون هو المتصدّي لبيان القرآن الكريم لمن لا يعرفون بيانه من المسلمين والطوائف الجديدة التي تدخل في الإسلام، وسيكون هو المتولّي لبيان سنّة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)والأحكام الشرعيّة .
ولكن وجد "علي رضا الحبشي" بأن الذين تصدّوا للخلافة لا يمتلكون
هذه الميزة، لأنّ التاريخ المرتبط بصدر الإسلام يبيّن بأنّ الإمام علياً(عليه السلام) كان أعلم منهم بالقرآن الكريم وأفهم منهم بالسنّة وأكثر منهم جهاداً في سبيل اللّه تعالى وأرقى منهم منزلة في جميع الأصعدة .
ومن هذا المنطلق واصل "علي رضا الحبشي" بحثه في هذا المجال، حتّى توصّل إلى أنّ الأمة أخطأت في اختيارها لخليفة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ واصل "علي رضا" بحثه، فرأى بأنّ الإمام علياً(عليه السلام) لم يكن الأعلم والأفهم والأتقى والأصلح فحسب بل هو الذي نصّبه الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)بأمر من اللّه تعالى لأمر خلافته، ولكن الناس خالفت هذا الأمر، ولهذا اعترضت عليهم فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)وقالت لهم: "بأيّ عروة تمسّكوا! لبئس المولى ولبئس العشير ولبئس للظالمين بدلا، استبدلوا واللّه الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ }ويحهم { أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }أما لعمر اللّه لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوها طلاع القعب دماً عبيطاً، وزعاقاً ممقراً هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبّ ما أسّس الأوّلون، ثمّ طيبوا عن أنفسكم نفساً، واطمئنّوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فياحسرة عيلكم! وأنّى لكم وقد عُمِّيت عليكم، أنلزِمكموها وأنتم لها كارهون"(1) .
اتّباع الحقّ:
وجد "علي رضا الحبشي" بعد البحث بأنّ جميع الأدلّة تدعوه إلى أن يكون من شيعة الإمام علي(عليه السلام) وأن يكون من أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) فلم يسمح
____________
1- شرح النهج لابن أبي الحديد: 16 / 234 .
لتعصّبه أن يصدّه عن اتّباع الحقّ فسحق تعصّبه الأعمى وانقاد إلى الحقّ، لأنّه وجد أنّ الحقّ أحق أن يتّبع ومن لا يتّبع الحقّ فإنّه لا يظلم إلاّ نفسه، وإنّ اللّه تعالى لا يهدي القوم الظالمين .
ثمّ توجّه "علي رضا الحبشي" بعد الاستبصار إلى نشر علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام)، فأصبح أستاذاً في المعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل" ليقوم بتهذيب عقائد طلبته ويقوم بارشادهم إلى الحق والصواب .
(62) علي رضا العطّاس
( شافعي / أندونيسيا )
ولد سنة 1397هـ (1977م) في مدينة "جوكجاكرتا" بأندونيسيا، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب ثمّ درس في "المعهد الإسلامي" في "بانجيل"، و"معهد الهادي" في "بكلونجن" ثمّ واصل دراسته في الحوزة العلميّة في مدينة "قم" في إيران .
دوافع استبصاره:
استبصر "علي رضا العطّاس" على أثر مواصلته للبحث في الصعيد العقائدي وكثرة حواراته مع بعض أساتذته وزملائه في الدراسة في المعهد الإسلامي فأدّى به ذلك إلى تغيّر الكثير من مسلّماته التي كان يعتقد بها في المذهب السابق والتي تلقّاها من أهله ومجتمعه، ثمّ اندفع إلى قراءة الكتب ومراجعة المصادر للتحقيق من الأقوال المنسوبة، والاطّلاع على آراء أئمّة مذاهب المسلمين، فوجد "علي رضا العطّاس" أنّ أدلّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)قويّة جدّاً تأخذ على المسلم الملتزم طريقه وذلك لاعتمادها على القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة، وانسجامها مع العقل السليم، وعدم مخالفتها للمنطق المستقيم، فدفعه ذلك إلى التمسّك بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)وركوب سفينة النجاة، رغم ما أدّى به ذلك إلى مخالفة المجتمع في الكثير من عاداته الراسخة التي لا أساس لها في الدين، واضطراره إلى كتمان مذهبه عن كثير من الناس الذين لا
يستطيعون أن يستوعبوا التحوّل في العقائد، والابتعاد عن عقائد الآباء التي تعوّدوا عليها منذ الصغر.
ومن هذه العادات التي لفتت نظره هي صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك التي يلتزم بها أهل السنّة في أندونيسيا وغيرها بشكل كبير، رغم أنّها ليست ممّا جاء بها الإسلام ولم يمارسها الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) مطلقاً، ولكن وجد "علي رضا العطّاس" صعوبة في تركها في بادئ الأمر نظراً لتعوّده عليها منذ الصغر، لكنه لم يستسلم لإغراءته النفسيّة في منهج العبادة والتدين .
صلاة التراويح بدعة صريحة رغم جاذبيّتها الظاهريّة
إنّ صلاة التراويح هي صلاة النوافل جماعة في ليالي شهر رمضان المبارك،وإنّما سمّيت بالتراويح لوجود الاستراحة فيها بعد كلّ أربع ركعات .
وقد اهتمّ الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) كثيراً بقيام الليل في ليالي شهر رمضان، وكان يؤدّي النوافل فيها بكثرة ولكن بصورة الفرادى، وقد نهى عن الاتيان بها جماعة.
ولكن أتى عمر بن الخطاب ذات يوم إلى المسجد في ليلة من شهر رمضان في زمن خلافته وكان ذلك في السنة الرابعة عشر من الهجرة فرأى الناس يقيمون النوافل، وهم ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد وقارئ مسبح، ومحرم بالتكبير ومحلّ بالتسليم، فلم يعجبه هذا الأمر، فأمر بجمع الناس على إمام واحد يؤمهم في الصلاة وأصدر في ذلك حكماً مبرماً، وكتب بذلك إلى البلدان، ونصب للناس في المدينة إمامين يصليان بهم التراويح، إماماً للرجال وإماماً للنساء. ولما تمّ الأمر ووقع ما يريد قال: نِعم البدعة هذه(1).
____________
1- صحيح البخاري: 1/ ص494، ح2010 .
وقال العيني: "إنّما دعاها بدعة لأنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يسنّها لهم..."(1).
فعمر بن الخطاب ـ في الواقع ـ يقرّ بأنّ ما قام به بدعة لم يسنّها الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يعلم بأنّ ما ارتآه في هذا المجال مخالف للسنّة النبويّة الشريفة التي لا تصاب بالعقول، ولكنه مع ذلك أظهر البدعة وأدخل ما ليس من الدين فيه، وقد حاول محبّي عمر أن يبرّروا عمله بشتّى الطرق وإن كان ذلك على حساب الدين وعلى حساب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه هي آفة الدين .
صلاة التراويح بين عمر والإمام علي(عليه السلام)
عندما استلم الإمام علي(عليه السلام) زمام الخلافة في انتخاب جماهيري ضخم لم يحظ به حتّى الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه في إدارة الدولة الإسلاميّة الفتيّة، لم يرق ذلك لقريش التي خافت زوال سلطانها، فحاربته بكلّ الوسائل كما حاربت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل، فتوجّه الإمام علي(عليه السلام) إلى مواجهة الفتن وإماتة البدع وإحياء سنّة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)التي ضاع الكثير منها أيّام الخلفاء الثلاثة .
وعندما استقرّ حكم الإمام عليّ(عليه السلام) في الكوفة طالبه الناس بإقامة صلاة التراويح جماعة فرفض ذلك ونهاهم عن الاجتماع في صلاة النوافل، وعرّفهم بأنّ ذلك من البدعة، فضجّ الناس وجعلوا يقولون أبكوا رمضان، وارمضاناه، واعمراه، فقال عند ذلك: "دعوهم وما يريدون، يُصلِّ بهم من شاؤوا"(2).
ومن هنا يتبيّن الفرق بين عمر والإمام عليّ(عليه السلام) . فعمر يعلم بأنّ أداء صلاة التراويح ليست من الإسلام، ولكنّه سنّها لإظهار هيبة الدولة بالاستفادة من الشعائر الدينيّة وإن كانت محرّفة، بينما نجد الإمام علياً(عليه السلام) كان هدفه الأساسي حفظ الدين وإحياء السنّة وإماتة البدعة، ولم يكن يفعل ذلك بالقوّة، فالدين ليس
____________
1- عمدة القاري، العيني: 11/ ص178 . 2- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي: 8/ ص47، ح10066 .
فيه إكراه فهو يبيّن للناس السنّة النبويّة، ويميّز لهم البدعة، فإن أبوا ذلك لم يقطع عادتهم بالعنف وإعمال قوّة الدولة، وهذا ما لا تجده في أرقى أنظمة الحكم طوال التاريخ . ومن هنا حقّ لعليّ(عليه السلام) أن يصرّح بأنّه يخاف ظلم رعيّته، بينما كانت الرعايا ولازالت دائماً تخشى ظلم سلاطينها وحكّامها على مرّ العصور .
ومن هنا يتّضح أيضاً بأنّ الناس لابدّ لهم من إمام إلهي يهديهم إلى الحقّ ويقيم فيهم أحكام الدين، وإلاّ لو ترك الأمر للناس لاتبّعوا أهواءهم وضلّوا عن جادّة الصواب، وهذا لا يعني قيادة الناس بالطريقة العمرية الخشنة التي قد تجمع الناس لمدّة معينة على الطاعة بالقوّة، لكنّها تخرّب أصل الدين وتدفع الناس بعد ذلك إلى المعيشة في حالة ردّ فعل إزاء الضغوطات السابقة .
نشاطات علي رضا العطاس:
استفاد "علي رضا" من العلم الذي كسبه بعد استبصاره ثمّ اندفع إلى زكاة هذا العلم بنشره وتبليغه للناس كلّما سنحت له الفرصة بذلك .
ثمّ ألف كتاباً في مجلّدين باللغة الأندونيسيّة عنوانه "إجابة الشيعة" وردّ فيه على الأسئلة والشبهات المفترضة وحاول أن يوضّح في هذا الكتاب رأي أهل البيت(عليهم السلام) . كما أنّه ترجم عدّة كتب ومقالات دينيّة مفيدة إلى اللغة الأندونيسيّة منها كتاب "السير إلى اللّه" للشيخ مصباح اليزدي .
(63) علي بن عقيل
( شافعي / أندونيسيا )
ولد في أندونيسيا، ونشأ في أسرة مسلمة تنتمي إلى المذهب الأشعري في العقائد والمذهب الشافعي في الفقه والأصول، وبقي على مذهب آبائه وأسلافه في أجواء هادئة وكان يحسب بأنّ العقيدة التي ينتمي إليها عقيدة حقّة وقد بذل الآباء غاية جهدهم لاستخلاصها من الواقع وأراحوا من بعدهم من عناء ومشقّة البحث، فلا داعي للأبناء أن يبذلوا الجهد مرّة أُخرى .
التقليد أم البحث؟:
كان لـ "علي بن عقيل" صديق مستبصر يدعى "علي الحبش"، وكان يختلف معه في الرأي ، ويعتقد بأنّ التقليد أمر مذموم في الإسلام وينبغي للناس أن يخصّصوا وقتاً لأنفسهم للبحث عن عقائدهم، لأنّ العقيدة ليست من الأمور التي تقلّد، ولو أغلق الإنسان باب البحث على نفسه فإنّ أصحاب الديانات الباطلة سيبقون على باطلهم، ولكن البحث هو الذي يحرّر الإنسان من أسر الضلال وهو الذي يدفع الإنسان للوصول إلى الحقيقة .
ومن هذا المنطلق اقتنع "علي بن عقيل" بفكرة صديقه، وبدأ من ذلك الحين بالبحث في الصعيد العقائدي والمبادرة إلى غربلة مرتكزاته الفكريّة.
صعوبات نبذ التقليد:
واجه "علي بن عقيل" الكثير من الصعوبات والمشاكل في معرفته للحقّ عن طريق البحث، وكان يحسب بأنّه سيصل إلى الحقيقة بسهولة، ولكنّه وجد بعد
ذلك بأنّ الطريق صعب جداً، وتكمن صعوبته أولا: من ناحية الملابسات الموجودة في المسائل العقائديّة ، وثانياً وجد بأنّه توصّل بعد البحث إلى نتائج معاكسة للآراء المشهورة التي كانت سائدة في أوساطهم الاجتماعيّة، فأيقن من الناحية العقليّة بأنّ مجتمعه خاطئ في هذا المجال ، وعليه أن يتّبع طريقاً آخر ، ولكنّه وجد بأنّ النفس لا تسمح له بالتخلي عن العقائد المشهورة، وتهدّده من جهة أُخرى بأنّ مخالفته للمشهور يؤدّي إلى خسرانه الكثير من المصالح الدنيويّة .
وفي خضم هذه الصراعات النفسيّة التي كان يعيشها "علي بن عقيل" تساءل في نفسه بأنّ صديقه كيف تمكّن أن يتحوّل من المذهب السني إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)؟ ولكنّه في نفس الوقت وجد في نفسه القدرة على هذه الخطوة الجبّارة التي خطاها صديقه في اجتيازه للعقبة التي يضعها أبناء مجتمعه، وعلم "علي بن عقيل" بأنّ الإنسان الذي يتّبع الحقّ ويسير وفق النتائج التي أملتها عليه الأدلّة والبراهين خلال البحث ويترك التقليد الأعمى فإنّه إنسان حرّ وجدير بالإجلال والتقدير، وأمّا الإنسان الذي يخشى من أبناء مجتمعه ولا يترك عقائده التي أخذها عن تقليد ولو تبيّن له بطلانها فإنّه شخص جبان ومستضعف وهو محاسب عند اللّه تعالى .
الإصغاء إلى قول المخالفين:
حاول "علي بن عقيل" أن يهيمن على عواطفه ، وأن يعيش حالة التماسك في الصعيد النفسي وأن يواصل البحث ليتعرّف على الأدلّة والبراهين التي دفعت صديقه إلى تغيير انتمائه المذهبي .
وبمرور الزمان توصّل "علي بن عقيل" إلى نفس النتائج التي توصّل إليها صديقه، فشعر بارتياح نتيجة تحرّره من أسر التقليد والاتّباع الأعمى الذي كان مهيمناً على وجوده، وشعر بارتقاء مستواه الفكري وقدرة اختياره للمباني الفكريّة والأسس العقائديّة حسب ما تملي عليه الأدلّة والحجج والبراهين .
تغيير الرؤية التوحيديّة:
إنّ الأدلّة والبراهين التي توصّل إليها "علي بن عقيل" أدّت إلى تغيير رؤيته الكونيّة ومنها عقيدته باللّه تعالى، لأنّه كان يعتقد بأنّ اللّه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد(1) ويجوز له أن يدخل النار من يشاء ولو كان ذلك الشخص هو أعظم المطيعين وهو رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويجوز له أن يدخل من يشاء إلى الجنة كإبليس وفرعون ونمرود وجميع الطواغيت، لأنّ اللّه تعالى يفعل ما يشاء ولا يُسأل عما يفعل !
وقد علم "علي بن عقيل" بعد البحث بأنّ العدل الإلهي ليس قيداً لأفعال اللّه تعالى، لأنّ الحريّة الإلهية منزّهة عن النقص والظلم والقبائح، وقولنا "يجب على اللّه كذا" لا يعني كونه تعالى مأموراً لغيره وأنّ غيره حاكم وآمر عليه، بل يعني ذلك أنّنا نكتشف عن طريق التأمّل في صفاته تعالى بأنّه حكيم، والحكيم لا يفعل القبيح، لأنّ فعله للقبيح يخلّ بحكمته .
وأما قوله تعالى { لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ }(2) فلا تعني أنّ اللّه تعالى يفعل ما يشاء ولو كان ذلك مخالفاً للحكمة، بل تدل هذه الآية بأنّه لا يوجد آمر وناهي عليه حتّى يسأله عن فعله كما يُسئل الناس، كما تدلّ هذه الآية بأنّه لا معنى للسؤال عن فعله تعالى لأنّه حكيم ، والحكيم لا يفعل إلاّ ما تقتضيه الحكمة .
ومن هذا المنطلق عرف "علي بن عقيل" سبب اهتمام الشيعة بالعدل الإلهي، وعرف بأنّ سبب اهتمامهم هو تنزيه الأفعال الإلهيّة عن القبائح وعن الإخلال بالواجب في حكمته، وعرف "علي بن عقيل" بأنّ العدل الإلهي له من
____________
1- قال الشهرستاني: "أما العدل فعلى مذهب أهل السنة أنّ اللّه تعالى عدل في أفعاله، بمعنى أنه متصرف في مُلكه وملكِه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد" . الملل والنحل: 1 / 42 . 2- الأنبياء(21): 23 .
الأهمية بحيث لا يمكن إثبات النبوة من دون إثباته، لأنّه تعالى لو لم يكن عادلا ، فكيف يمكن الوثوق بصدق قوله عندما يعطي المعجزة بيد بعض أنبيائه، ولكنّ الإيمان بأنّ اللّه تعالى عادل هو الذي يزرع الطمأنينة في قلوبنا بأنّه تعالى لا يفعل القبيح ولا يرسل أنبياءه إلاّ بالصدق(1) .
ومن جهة أخرى فلولا العدل لما امكن من إثبات المعاد، لأنّ العدل الإلهي هو الذي يفرض علينا أنّه تعالى سيحاسب المجرمين والمعاندين، ولكنّنا لو قلنا بأنّ اللّه تعالى يفعل ما يشاء ولو كان ذلك خلاف الحكمة، فلا يمكننا الإيمان بالمعاد، لأنّه تعالى قد يشاء أن يدخل من يشاء النار ، وأن يدخل من يشاء الجنة أو أن لا يعقد المعاد أبداً، وأن لا يهتمّ بما فعله العباد في الدنيا .
ومن هنا عرف "علي بن عقيل" سبب اهتمام الشيعة بالعدل، ولم يتردّد في التحاقه بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)عندما تبيّن له أنّ الحقّ معهم، فأعلن اسبتصاره وبدأ صفحة جديدة من حياته وكان عنوان هذه الصفحة اتّباع الثقلين: القرآن الكريم والعترة النبويّة الطاهرة.
____________
1- انظر نهج الحق وكشف الصدق، العلاّمة الحلّي: 72 .
(64) علوي بن شعيب
( شافعي / أندونيسيا )
ولد في أندونيسيا، ونشأ في مدينة "فرواكرتا" فغذّته الأجواء التي ترعرع فيها عقيدة أهل السنّة وفق المذهب الشافعي، وبقي على هذا الانتماء المذهبي حتّى تعرّف عن طريق توسيع دائرة مطالعاته وقراءة الكتب الشيعيّة بوجود الكثير من الثغرات في مذهبه الموروث ، فدفعه ذلك إلى المزيد من البحث حتّى توصّل إلى أحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، فتخلّى عن مذهبه السابق واعتنق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) .
موقف الإمام علي(عليه السلام) من بيعة أبي بكر:
لم يكن "علوي بن شعيب" مطّلعاً على حقائق ما جرى بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)والاختلاف الذي وقع في أمر الخلافة، وكان يظن بأنّ الناس اجتمعت بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) على خلافة أبي بكر ولكنه وجد بعد اطّلاعه على الحقائق بأنّ التاريخ يذكر بأنّ الإمام علياً(عليه السلام) لم يبايع أبا بكر إلاّ بعد ستة أشهر(1) .
وجاء في تاريخ اليعقوبي: "وكان المهاجرون والأنصار لا يشكّون في علي، فلما خرجوا من الدار قام الفضل بن العباس، وكان لسان قريش، فقال: يا معشر قريش، إنّه ما حقّت لكم الخلافة بالتمويه، ونحن أهلها دونكم، وصاحبنا أولى بها منكم .
وقام عتبة بن أبي لهب فقال:
____________