الصفحة 311

القرشي قد أجمع رأيه على خلاف ما وصى به النبيّ(صلى الله عليه وآله) من ولاية علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فكان يعتقد في قرارة نفسه أنّ الأمور ستخرج عن الإطار الشرعي المرسوم من قبل النبي(صلى الله عليه وآله)وأنّ الحزب القرشي سيسعى للاستيلاء على مقاليد الأمور شاء المسلمون ذلك أم أبوا، فأحبّ أن يأخذ زمام المبادرة بيده ليحفظ حقّ الأنصار في الحكم وهو زعيم القسم الأكبر منهم مقابل مؤامرات الحزب القرشي، وخاصّة أنّ الأنصار وتروا قريش في كثير من مواقع النبي(صلى الله عليه وآله)وحروبه وأما مطالبة بعض الأنصار في أحداث السقيفة بمبايعة علي بن أبي طالب(عليه السلام) وذهاب اثنين من الأوس ـ وهم القبيلة المنافسة للخزرج ضمن جماعة الأنصار ـ إلى عمر بالذات يدل على أنّ الأنصار كانوا يعلمون بأنّ الحقّ في إمامة المسلمين هي لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) وأنّ هناك مؤامرات كان يحوكها الحزب القرشي للاستيلاء على السلطة بأيّ ثمن كان، ممّا حدى بالأوسيين إلى الاستنجاد بعمر لئلاّ يترأس الخزرج عليهم أو على المسلمين عامّة ويذهبون بذلك بفخر الدهر وتبقى الأوس ذليلة ومفخوراً عليها من قبل الخزرج، وبذلك يكونون تحت سيطرة القبيلة المنافسة التي طالما نافسوها على النفوذ والزعامة، وخاصّة إنّ هذه السيطرة للخزرج ـ لو تمت ـ لم تكن على أساس ديني ففضّلوا أن تكون للأوس سابقة الطاعة للحزب القرشي ولا يكونوا مرؤوسين من قبل قبيلة الخزرج، وهذا ممّا يدلّ على غياب البصيرة الدينيّة وعمق التنافس القبلي بين الأوس والخزرج الذي يمتد إلى أيّام الجاهليّة، واستمرّ في زمان الرسول(صلى الله عليه وآله) الذي أصلح بينهم أكثر من مرّة في صراعاتهم وقد استغلّ الحزب القرشي بزعامة أبي بكر هذا التنافس أسوأ استغلال عندما ذكّرهم أبو بكر بخلافاتهم ليتم بذلك ترجيح زعامة قريش أمام جماعة الأنصار.


الصفحة 312

موقف الإمام علي(عليه السلام) من السقيفة:

خرج الحزب القرشي بعد انتصاره في أحداث السقيفة يزفّ أباً بكر في جلبة وضوضاء مطالباً المسلمين بمبايعته.

وكان الإمام علي(عليه السلام) وبنو هاشم لا يزالون مشغولين بتجهيز النبي(صلى الله عليه وآله) ودفنه الذي تركه أصحابه الأوفياء! مسجىً في بيته المجاور للمسجد الشريف، وذهبوا يتنازعون سلطانه في سقيفة بني ساعدة التي سادها المنطق العشائري من أولها إلى آخرها وجاؤوا بعدها ليحكّموا هذا المنطق العشائري على الدين الإسلامي الذي انطلق للعالم كلّه من مسجد الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) في المدينة المنورة.

وقد واجه الإمام علي(عليه السلام) هذا الموقف الخائن بصبر وثبات وكان همّه الأساسي هو الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من الدين والإسلام ولو بخسارة حقّه في خلافة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وفقدان سلطانه الظاهري.

وكان أول ما قام به الإمام علي(عليه السلام) هو توضيح باطل السقيفة للمسلمين، فبيّن بأنّ بيعة السقيفة إن كانت عن شورى، فأيّ شورى هذه وقد غاب عنها أغلب المسلمين من أهل المدينة نفسها، وخاصّة الإمام علي(عليه السلام) وبنو هاشم وهم الذين أقاموا عمود الإسلام وإن كانت بالقرابة فالإمام علي(عليه السلام) أولى وأقرب من أبي بكر ومن غير أبي بكر بالإضافة إلى ذلك أنّ الخلافة ليست بالصحبة ولا بالقرابة ولا حتّى بالشورى، بل هي منصوص عليها في حقّه(عليه السلام)دون غيره. ولكن الواقع تبيّن فيما بعد على لسان عمر حيث اعترف بأنّ بيعة أبي بكر كانت فلته ولم تكن عن مشورة أو أيّ مقياس مشروع آخر.

كما أنّ الإمام علي(عليه السلام) لم يكن بالمستعجل (مثل عجلة أصحاب السقيفة على باطلهم) في طلب حقّه لأنّه أمر واضح، إذ جعله النبي(صلى الله عليه وآله)إماماً للمسلمين في يوم الغدير ولم يخف الرسول(صلى الله عليه وآله) في أمر الإمام لعلي(عليه السلام) أو يتكتّم، بل(صلى الله عليه وآله) كان يدعوا إليها منذ أن دعا عشيرته الأقربين في يوم الدار إذ جعله خليفته من ذلك


الصفحة 313

اليوم الذي استهزأ عتاة قريش بالنبي(صلى الله عليه وآله) وبأبي طالب(عليه السلام) بجعل الإمام علي(عليه السلام)ـ وهو غلام آنذاك ـ أميراً على أبيه شيخ بني هاشم.

كما أنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) لم يكن مستعدّاً لترك جثمان خاتم الأنبياء وأعظمهم من أجل خلا فة زمنية.

ولهذا طالب الإمام علي(عليه السلام) أبا بكر بحقه بعد ذلك، ولكنّه اعتذر عن ذلك، فتركه الإمام علي(عليه السلام) لقلّة أنصاره وجلس في بيته، ولكن القوم لم يتركوه وأرادوا به الدواهي واحرقوا بيته وإن كانت فيه فاطمة(عليها السلام) حبيبة رسول الله(صلى الله عليه وآله) .

ومن جهة أخرى فإنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) عند مواجهته لباطل الحزب القرشي لم يغفل عن مؤامرات الآخرين كأبي سفيان رئيس الحزب الأموي الذي أتاه وعرض عليه البيعة لمحاربة أبي بكر، فرفض الإمام علي(عليه السلام) وسدّ باب الفتنة الأمويّة الذي فتحه حزب أبي بكر باسترضاء أبي سفيان بإبقاء أموال الصدقة في يده، وإشراكه في الحكم بتنصيب أولاده أمراء على الجيوش والبلدان كما أنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) أتمّ الحجّة على الأنصار الذين بايعوا أبا بكر، حيث كان يخرج بفاطمة الزهراء(عليه السلام) ليلاً إلى دور الأنصار ويطلب منهم النصرة والوفاء بما بايعوا عليه الرسول(صلى الله عليه وآله)من نصرته ونصرة أهل بيته(عليه السلام) في بيعتهم له في العقبة الأولى والثانية فضلاً عن بيعة الغدير.

كما أتمّ الإمام علي(عليه السلام) الحجّة على شيعته ومحبّيه الذين طالبه بعضهم بمجاهدة القوم، فبيّن لهم بأنّ الأمر يتطلّب على الأقل أربعين شخصاً ذوي عزم ولكن لم يتوفّر هذا العدد للإمام علي(عليه السلام) كما اختبر الإمام علي(عليه السلام)جماعته حيث طالبهم بالمجىء إليه في موعد معيّن للجهاد ومحاربة السلطة الحاكمة، فلم يأت إلى الموعد المقرّر سوى أربعة، وهذا يكشف عمق البلاء والفتنة التي وقع فيها المسلمون آنذاك، ويؤكد عليه كلام الزهراء(عليها السلام) إذ قالت في هذا المجال: (ألا في


الصفحة 314

الفتنة سقطوا) .

كما أنّ الإمام(عليه السلام) رأى بأنّ من اللاّزم عليه أن يحافظ على الدين الإسلامي ولكي لا يمحى من الأرض وتذهب جهود الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله)هدراً.

نشاطاته بعد الاستبصار

شرع "محمد باقر الحسني" بعد الاستبصاربتبليغ أحكام الإسلام الحقّة وفق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) فاهتدى على يديه الكثير من الناس إلى معرفة أهل البيت ومعرفة الاسلام الحقّ وخاصّة من أقاربه وأصدقائه، وفيهم بعض طلبة العلوم الدينيّة

وكتب "محمد باقر" بعض المقالات العلميّة في خدمة نشر مفاهيم الدين الإسلامي الصحيحة واستدلّ فيها بالبراهين الواضحة على مكانة أهل البيت(عليهم السلام)الذي لا يكمل الدين إلاّ بمودتهم وموالاتهم كما أنّه شارك في العديد من نشاطات المؤسّسات الإسلامية الدينيّة والثقافيّة منها مؤسسّة المجتبى(عليه السلام).


الصفحة 315

(74) محمد باقر العطّاس

(شافعي / أندونيسيا)

ولد سنة 1389هـ (1970م) في أندونيسيا بمدينة "بكلونجن" وكان شافعيّ المذهب نتيجة انتماء أبويه إلى المذهب، ولكنّه حينما بلغ سنّ الرشد كرّس جهوده لمعرفة الحقّ، فاندفع خلال مطالعته إلى قراءة الكتب الشيعيّة، فتوصّل خلال البحث إلى أنّ الإمامة لا تكون إلاّ باختيار من الله تعالى، وأنّ الشخص الذي لا يتبع أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)الذين اصطفاهم الله للأمّة يقع في مهاوي القياس والاستحسان والرأي في الدين وكلّ هذه الأمور تمحق الدين من جذوره.

ومن هذا المنطلق سارع "محمد باقر العطّاس" إلى التمسّك بهدي أهل البيت(عليهم السلام)الذين جعلهم الرسول(صلى الله عليه وآله)بأمر من الله سبحانه وتعالى أحد الثقلين الذين إذا تمسّك بهما المسلم فإنّه سوف يعصم نفسه من الضلال، فلهذا اعتنق مذهب أهل البيت(عليهم السلام)وخضع للاختيار الإلهي رافضاً لإطروحة الذين اتّبعوا أهواءهم في اختيار الإمامة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله).

كيف كانت البداية؟

عرف "محمد باقر العطّاس" من خلال مطالعاته الاجتماعيّة بأنّ الخلاف الأساسي بين أهل السنّة والشيعة يدور حول مسألة الإمامة، ولهذا اندفع إلى البحث عن شخصيّة الإمام عليّ(عليه السلام) وشخصيّة أبي بكر ليرى أيّهما أحقّ بالخلافة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله).


الصفحة 316

فوجد خلال البحث أحاديث هائلة تبيّن بصراحة بأنّ الله تعالى اصطفى علي بن أبي طالب للإمامة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، منها قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "يا علي أنت أخي وأنا أخوك، أنا المصطفى للنبوّة، وأنت المجتبى للإمامة، أنا وأنت أبوا هذه الأمة، وأنت وصيي ووارثي وأبو ولدي، اتباعك أتباعي، وأولياؤك أوليائي، واعداؤك أعدائي، وأنت صاحبي على الحوض وصاحبي في المقام المحمود، وصاحب لوائي في الآخرة كما أنت صاحب لوائي في الدنيا، لقد سعد من تولاّك وشقي من عاداك، وإنّ الملائكة لتتقرّب إلى الله بمحبتك وولايتك، وإنّ أهل مودتك في السماء أكثر من أهل الأرض.

يا علي أنت حجة الله على الناس بعدي، قولك قولي، أمرك أمري، نهيك نهي، وطاعتك طاعتي، ومعصيتك معصيتي، وحزبك حزبي، وحزبي حزب الله.

ثم قرأ(صلى الله عليه وآله) {وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}(1).

وورد أيضاً عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله)"إنّ الله تبارك وتعالى أصطفاني واختارني وجعلني رسولاً وأنزل عليّ سيّد الكتب، فقلت: إلهي وسيّدي إنّك أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيراً تشدّ به عضده ويصدق به قوله، وإنّي أسألك يا سيّدي وإلهي أن تجعل لي من أهلي وزيراً تشدّ به عضدي فاجعل لي عليّاً وزيراً وأخا وأجعل الشجاعة في قلبه وإنّي سألت ذلك ربّي عزوجل فأعطانيه فهو سيّد الأوصياء، اللحوق به سعادة والموت في طاعته شهادة، واسمه في التوراة مقرون إلى اسمي، وزوجته الصديقة الكبرى ابنتي، وابناه سيدا شباب أهل الجنة ابناي، وهو هما والأئمّة من بعدهم حجج الله على خلقه بعد النبيّين، وهم أبواب العلم في أمّتي من تبعهم نجا من النار،

____________

1- المائدة (5): 56، ينابيع المودة، القندوزي الحنفي : 1 / ص 370، ح6.


الصفحة 317

ومن اقتدى بهم هدى إلى صراط مستقيم لم يهب الله محبتهم لعبد إلاّ أدخله الله الجنة(1).

وورد أيضاً: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):

"نزل جبرئيل صبيحة يوم فرحاً مسروراً مستبشراً فقلت: حبيبي مالي أراك فرحاً مستبشراً، فقال: يا محمد وكيف لا أكون فرحاً مستبشراً وقد قرّت عيني بما أكرم الله أخاك ووصيّك وإمام أمّتك عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، فقلت: وبم أكرم الله أخي ووصيّي وإمام أمّتي؟ قال: باهى الله بعبادته البارحة ملائكته وحملة عرشه، وقال: ملائكتي انظروا إلى حجّتي في أرضي على عبادي بعد نبيّ محمد(صلى الله عليه وآله) فقد عفّر خدّه في التراب تواضعاً لعظمتي، أُشهدكم أنّه إمام خلقي ومولى بريّتي"(2).

ومن الشواهد الأخرى المبيّنة لإمامة الإمام علي(عليه السلام) والمؤكّدة على هذا الأمر: قوله(صلى الله عليه وآله): "أنا وعليّ حجّة الله على عباده"(3).

قوله(صلى الله عليه وآله): "من أحبّ أن يركب سفينة النجاة ويتمسّك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فليوال عليّاً بعدي، وليعاد عدوّه وليأتم بالأئمّة الهداة من ولده فإنّهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على خلقه بعدي وسادات أمتي وقادات الأتقياء إلى الجنة، حزبهم حزبي وحزبي حزب الله وحزب اعدائهم حزب الشيطان"(4).

الالتحاق بشيعة الإمام علي(عليه السلام):

إنّ الأحاديث المبيّنة لعظمة الإمام علي(عليه السلام)، زرعت الشوق في قلب "محمّد باقر العطّاس" للالتحاق بشيعة عليّ(عليه السلام)، وهم الذين قال عنهم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله):

____________

1- ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي: 1 / ص 197، ح28.

2- المصدر السابق: 1 / ص 236، ح8.

3- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: 42 / ص 309.

4- ينابيع المودّة، القندوزي الحنفي: 3 / 291،ح10.


الصفحة 318

"يا علي أنت وشيعتك تردون عليَّ الحوض رواء مرويّين مبيضّة وجوهكم، وإنّ أعداءك يردون عليَّ الحوض ظماء مقمحين"(1) .

وعندما تبلورت قناعة محمد باقر العطّاس بأحقية مذهب أهل البيت(عليهم السلام)أعلن استبصاره ثم توجّه إلى نشر الحقائق التي توصّل إليها خلال البحث الذي بذل فيه غاية الجهد لمعرفة الحق والحقيقة.

____________

1- المعجم الكبير، الطبراني: 1 / ص319، ح948 .


الصفحة 319

(75) محمد توفيق يحيى

(شافعي / أندونيسيا)

ولد في أندونيسيا ونشأ في مدينة "بانجيل" وترعرع في أسرة شافعيّة المذهب، ثمّ تعرّف من خلال مطالعة الكتب الشيعيّة على مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فتغيّرت رؤيته العقائديّة، ثمّ دفعه هذا التغيير إلى التخلّي عن انتمائه الموروث والانتماء إلى مذهب التشيّع الاثني عشري.

التعرّف الحقيقي على الإمام علي(عليه السلام):

وجد محمد توفيق يحيى خلال مطالعته للأحاديث الشريفة الواردة عن النبي(صلى الله عليه وآله)بأنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) قد وصف بالقاب عظيمة جدّاً، وهذا ما ينبىء عن سموّ مكانة الإمام عليّ(عليه السلام) وضرورة تقدّمه على غيره في خلافة الرسول(صلى الله عليه وآله).

وإنّ من الألقاب الواردة في شأن الإمام علي(عليه السلام) أنّه: أميرالمؤمنين، سيّد المسلمين، إمام المتّقين، وليّ المتقين، قائد الغرّ المحجّلين، خير الوصيّين، خاتم الوصيّين، أولى الناس بالمؤمنين، سيد ولد آدم، يعسوب المؤمنين، الصدّيق الأكبر، الفاروق الذي يفرق بين الحقّ والباطل، باب النبي الذي يؤتى منه.

وقد وردت هذه الألقاب في السنة النبوية منها:

ورد عن بريدة، قال: أمرنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن نسلّم على علي(عليه السلام)بأمير المؤمنين(1).

____________

1- مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه: 55 / ح12 ـ 13 في ألقابه.

شرح المقاصد، التفتازاني: 2 / ص 283 .


الصفحة 320

وعن عبدالله بن زرارة، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "أُوحي إليّ في عليّ ثلاث: إنّه سيد المسلمين، وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجّلين"(1).

وعن أنس، قال: بينما أنا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) "الآن يدخل سيّد المسلمين، وأميرالمؤمنين، وخير الوصيين" إذ طلع علي بن أبي طالب(2).

وعن أنس أيضاً، أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال لعليّ: "مرحباً بسيد المسلمين، وإمام المتقين"(3).

وعن أنس بن مالك، قال: بينا أنا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال الآن يدخل سيد المسلمين وأميرالمؤمنين، وأولى الناس بالنبيين" إذ طلع علي بن أبي طالب(عليه السلام)فأخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله) يمسح العرق من جبهته ووجهه ويمسح به وجه علي بن أبي طالب(عليه السلام)ويمسح العرق من وجه علي(عليه السلام)ويمسح به وجهه، فقال له علي(عليه السلام):

"يارسول الله، نزل فيّ شيء؟"

قال: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟! إلاّ لا نبيّ بعدي، أنت أخي، ووزيري، وخير من أخلف بعدي، تقضي ديني، وتنجز وعدي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه من بعدي، وتعلمهم من تأويل القرآن ما لم يعلموا، وتجاهدهم على التأويل كما جاهدتهم على التنزيل"(4).

وورد عن ابن عباس، قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) في بيته فغدا عليه علي بن أبي طالب(عليه السلام) الغداة ـ وكان يحب أن لا يسبقه إليه أحد ـ فدخل وإذا النبي(صلى الله عليه وآله) في صحن الدار، وإذا رأسه في حجر دحية ابن خليفة الكلبي.

____________

1- المستدرك، الحاكم النيسابوري: 3 / ص348 ح4726 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

2- مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه: ص59،ح23.

3- كشف الخفاء، العجلوني: 2،ص265،ح2708.

4- مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه: ص61،ص29.


الصفحة 321

فقال: السلام عليك، كيف أصبح رسول الله؟

قال: بخير يا أخا رسول الله.

قال: له عليّ: جزاك الله عنّا أهل البيت خيراً.

قال له دحيه: إنّي أحبّك، وإنّ لك عندي مدحه أزفّها إليك:

أنت أميرالمؤمنين، وقائد الغرّ المحجلين، وسيد ولد آدم يوم القيامة ما خلا النبيين والمرسلين، ولواء الحمد بيدك يوم القيامة، تُزف أنت وشيعتك مع محمد وحزبه إلى الجنان، زفّاً زفّاً، قد أفلح من تولاّك، وخسر من عاداك، بحبّ محمّد أحبوك، ومبغضوك لن تنالهم شفاعة محمد(صلى الله عليه وآله)أدن منّي صفوة الله.

فأخذ رأس النبي فوضعه في حجره وذهب، فرفع رسول الله رأسه فقال: ما هذه الهمهمة؟ فأخبره الحديث.

فقال: "ياعلي، لم يكن دحية الكلبي، كان جبرئيل، سمّاك باسم سمّاك الله به، وهو الذي ألقى محبّتك في صدور المؤمنين، ورهبّك في صدور الكافرين"(1).

وعن أبي ذر قال: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله) يقول لعلي: "أنت أول من آمن بي وصدّقني، وأنت أوّل من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة"(2).

وورد عن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "لما أسري به إلى السماء رأيت على باب الجنّة مكتوباً بالذهب: لا إله إلاّ الله، محمّد حبيب الله، عليّ وليّ الله، فاطمة أمة الله، الحسن والحسين صفوة الله، على مبغضيهم لعنة الله"(3).

____________

1- مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه: ص63، ح32.

2- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، 42 / ص41.

3- مناقب على بن أبي طالب، ابن مردويه: ص67 ح40 .


الصفحة 322

وورد أيضاً بأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال: "أنا وعليّ حجّة اللّه على عباده"(1) .

الالتحاق بشيعة الإمام علي(عليه السلام):

واصل "محمد توفيق يحيى" بحثه في رحاب العقائد حتّى توصّل في النهاية إلى أحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)فأعلن بعد ذلك استبصاره. ثمّ درس في المعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل" ليرفع مستواه العلمي، وليكون على بصيرة من أمر دينه، لأنّه أدرك بعد البحث بأنّ الإنسان لا يسعه الوثوق بعقائده الموروثة وأنّ كلّ فرد مكلّف بالبحث والتنقيب من أجل معرفة الحقّ.

____________

1- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: 42 / ص 309 .


الصفحة 323

(76) محمد رضا الحبشي

(شافعي / أندونيسيا)

ولد سنة 1395هـ (1976م) في أندونيسيا، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، ثمّ تلقّى دراسته في المدارس الحكوميّة حتّى حصل على شهادة الدبلوم.

بداية تعرّفه على مذهب التشيّع:

تعرّف "محمد رضا الحبشي" خلال دراسته في الثانوية بطالب ينتمي إلى مذهب التشيّع، ومن هنا ثار في نفسيّة "محمد رضا الحبشي" حبّ الاستطلاع من أجل معرفة آراء وعقائد صديقه الجديد، فبدأ بقراءة الكتب الشيعيّة.

وبعد مضي فترة أعلن أحد أساتذته في الثانوية استبصاره، فاستغرب "محمد رضا" من ذلك وأسرع إلى استاذه من أجل الإلمام بأسباب استبصاره.

ومن هنا بدأت مباحثات ومناظرات "محمد رضا الحبشي" تشتد وتبلغ ذروتها مع صديقه الشيعي وأستاذه المستبصر، وبمرور الزمان توصّل "محمّد رضا" إلى نفس النتائج التي توصّل إليها أستاذه، فاعلن استبصاره وانتماءه إلى مذهب التشيّع.

الإعجاب بشخصيّة الإمام عليّ(عليه السلام):

كانت معرفة "محمد رضا الحبشي" بالإمام علي(عليه السلام) قبل البحث معرفة سطحيّة وضئيلة، ولكنّه عرف بعد البحث بأنّ الإمام علي(عليه السلام) يتّسم بشخصيّة تدخّلت إلارادة الإلهية في صياغتها وشملتها العناية الربّانية لتعدّها لمهمّة حسّاسة على وجه الأرض بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله).


الصفحة 324

ورع الإمام علي(عليه السلام):

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "إنّ حافظي علي ليفخران على سائر الحفظة، لكينونتهما مع عليّ، وذلك أنّهما لم يصعدا إلى الله عزّ وجلّ بشيء منه يسخطه"(1).

علم الإمام علي(عليه السلام):

ورد عن ابن عباس، أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال: "أنا مدينة العلم وعلي بابها"(2).

وورد عن سعيد بن المسيب قال: ما كان أحد من الناس يقول: "سلوني" غير علي بن أبي طالب(3).

وورد عن عمر بن علي بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): علي أعلم الناس بالله، وأشدّ الناس حبّاً وتعظيماً لأهل لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله"(4).

وقال ابن مردويه: نابت أصحاب محمّد(صلى الله عليه وآله) نائبة، فجمعهم عمر، فقال لعلي(عليه السلام): تكلّم، فأنت خيرهم وأعلمهم(5).

وعن سعيد بن المسيب: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن(6).

زهد الإمام علي(عليه السلام):

قال رسول الله للإمام علي(عليه السلام):

____________

1- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: 13 / ص 323.

2- المستدرك، الحاكم النيسابوري: 3 / ص 339، ح4695 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وقد حسنّه الحافظان العلائي وابن حجر العسقلاني وقال ابن حجر: "إن الحديث ينتهي بمجموع طريقي أبي معاوية وشريك إلى درجة الحَسَن المحتج به". انظر كشف الخفاء، العجلوني: 1 / ص 184، ح618 .

3- أسد الغابة، ابن الأثير: 4 / ص 22. الاستيعاب، ابن عبدالبر: 3 / ص 206.

4- مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه: ص 87،ح79.

5- نفس المصدر، ص88 ، ح81 .

6- فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل: 2 / ص 647، ح1100.


الصفحة 325

"يا علي إنّ الله قد زيّنك بزينة لم يتزيّن العباد بزينة أحبّ إلى الله تعالى منها، هي زينة الأبرار عند الله عزوجل: الزهد في الدنيا..."(1).

وورد عن عمر بن عبدالعزيز أنّه قال: ما علمنا أنّ أحداً كان في هذه الأمّة بعد النبي(صلى الله عليه وآله) أزهد من علي بن أبي طالب(عليه السلام)(2).

شباهة الإمام علي(عليه السلام) بالأنبياء:

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب(3).

وورد عن الحارث الأعور، صاحب راية علي بن أبي طالب(عليه السلام)، قال: بلغنا أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان في جمع من أصحابه، فقال: "أريكم آدم في علمه، ونوحاً في فهمه، وإبراهيم في حكمته؟ فلم يكن بأسرع من أن طلع عليّ، فقال أبو بكر: يارسول الله، أقسمت رجلاً بثلاثة من الرسل؟ بخ بخ لهذا الرجل، من هو يارسول الله؟

قال النبي(صلى الله عليه وآله): "ألا تعرفه يا أبا بكر؟"

قال: الله ورسوله أعلم.

قال: أبو الحسن عليّ بن أبي طالب.

فقال أبو بكر: بخ بخ لك يا أبا الحسن ! وأين مثلك يا أبا الحسن(4).

فضائل أخرى للإمام علي(عليه السلام):

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "حقّ علي بن أبي طالب على هذه الأمة كحقّ الوالد

____________

1- أسد الغابة، ابن الأثير: 4 / ص 23.

2- مناقب علي بن أبي طالب: ابن مردويه: ص95 / ح92.

3- تاريخ دمشق، ابن عساكر: 42 / ص 313.

4- مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه: 147،ح180.


الصفحة 326

على ولده"(1).

وورد: دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية، فقال له: صف لي عليّاً. فقال: أو تعفيني يا أميرالمؤمنين، قال: لا أعفيك. قال: أما إذا لابد فإنّه كان والله، بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان واللّه غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلّب كفّه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقرّبه إلينا وقربه منّا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدين ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يميل في محرابه قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربّنا يا ربّنا ـ يتضرع إليه ـ ثمّ يقول للدنيا: إليَّ تغرّرت، إليَّ تشوّقت، هيهات هيهات، غرّي غيري، قد بتتك ثلاثاً، فعمركِ قصير، ومجلسكِ حقير، وخطركِ يسير، آه آه من قلّة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق...(2).

الالتحاق بشيعة الإمام علي(عليه السلام):

وجد "محمد رضا الحبشي" خلال دراسته وتعرّفه على شخصية الإمام علي(عليه السلام) بأنّ الدليل والبرهان يفرض عليه الالتحاق بشيعة هذه الإمام(عليه السلام)، فلم يتباطىء في تلبية نداء عقله، فاستجاب له وأعلن استبصاره ثمّ سافر إلى إيران من أجل الالتحاق بالحوزة العلميّة في مدينة قم، ودرس في هذه الحوزة ما يقارب ست سنوات، ثمّ تخصّص في علوم القرآن وهيّأ نفسه لنشر علوم ومعارف أهل

____________

1- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: 42 / ص 308.

2- حلية الأولياء أبو نعيم الأصفهاني: 1 / ص 126، ح261.


الصفحة 327

البيت(عليهم السلام)وخدمة أئمّة هذا المذهب المظلوم الذي ثمّ اضطهاده من مختلف الحكومات الجائرة على مرّ العصور الماضية.


الصفحة 328

(77) محمّد شمس العارفين

(شافعي / أندونيسيا)

ولد سنة 1392هـ (1973م) في أندونيسيا بمدينة "لوماجنك"، حاصل على الشهادة الإعدادية، ترعرع في عائلة شافعية المذهب، تعرّف على المذهب الإمامي الشيعي عبر مطالعته للكتب الشيعية، فتوصّل خلال بحثه ومقارنته بين الشيعة والسنّة أنّ مذهب أهل البيت(عليهم السلام)هو المذهب الذي يمثّل الإسلام الذي جاء به الرسول(صلى الله عليه وآله)، فأعلن استبصاره، ثمّ التحق بالمعهد الإسلامي في بانجيل، وأكمل فيه دورة دراسية كاملة، ثمّ مواصلة لدراسة علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام) رحل إلى مدينة قم المقدسّة في إيران والتحق بالمركز العالمي للدراسات الإسلامية، ليكون بعد ذلك مؤهلاً للتبليغ ونشر مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

جاء في كتاب "غدير در احساس ملّتها" مقالة له جاء فيها:

واقعة الغدير أمانة يجب أن تصل إلى الأجيال:

أودع النبي(صلى الله عليه وآله) في هذه الأمّة الأمانة الكبرى، وهي واقعة غدير خم، وأكّد على المسلمين أن يحفظوها ويعملون وفق المنهجية النبوية التي ترسم لهم السعادة في الدنيا والآخرة ولكن مع الأسف الشديد أنّ المسلمين في صدر الإسلام لم يحفظوا هذه الأمانة، فحرّفوا الواقعة وأوقعوا الأجيال في مأزق كبير. وهذا ما يحتّم علينا أن نبذل قصارى جهودنا لكي نعرِّف الأجيال بواقعة الغدير في حجمها الواقعي والصحيح الذي قُلب رأساً على عقب من قبل المغرضين .

والعجيب وقوع كل تلك التحريفات مع أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) أكّد على هذا الأمر في حين وآخر كيوم الإنذار ويوم الرزية و ... بل حتّى إنّه(صلى الله عليه وآله)أخذ البيعة منهم في يوم


الصفحة 329

الغدير.

وهنا تُطرح عدّة تساؤلات:

لماذا هذا التحريف ؟

ما هي خلفيات هذا التحريف ؟

ماذا بعد التحريف ؟

تعتبر أهم العوامل لتحريف واقعة الغدير حسد المغرضين تجاه الإمام علي(عليه السلام)، فأدّى بهم المطاف إلى إنكار ما عقدوه بالأمس، فأهملوا الواقعة وخالفوا البيعة و ...

وأمّا خلفيات هذه التحريف فالحديث عنه ذو شجون .

فحبّ الدنيا والرغبة في نيل المناصب من أهم الدوافع التي أدّت إلى تحريف المفاهيم; لأنّ ادعاء عدم العلم بواقعة الغدير أو إنكارها ممّا يضحك الثكلى؟

فإنّ الإمام علي(عليه السلام) يؤكّد لنا علم الصحابة بأنّه الخليفة المنصوب من قبل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، حيث يقول في خطبته الشقشقية: "كأنّهم لم يسمعوا قول اللّه تعالى {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً}(1)، بلى واللّه لقد سمعوها ووعوها، لكنّهم حليت الدينا في أعينهم وراقهم زبرجها ..."(2).

وعلى كلّ حال فإنّ الوظيفة الشرعية تضع على كاهلنا المسؤولية في تعريف هذه الواقعة للأجيال، وأن نوصل الأمانة الإلهيّة إلى أهلها، الأمر الذي يتطلّب منّا جهوداً مضاعفة لنيل هذا الهدف العظيم .

____________

1- القصص (28): 83 .

2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج2 / 51 حديث السقيفة .


الصفحة 330

(78) محمّد عبدالقادر الكاف

(شافعي / أندونيسيا)

ولد سنة 1392هـ (1973م) في أندونيسيا بمدينة "بانجيل" ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، أكمل دراسته الثانوية في معهد يافي، ثمّ تعرّف على بعض اتّباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)فتباحث معهم حول العديد من المسائل العقائديّة حتّى توصّل إلى أحقّية مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

ويقول "محمد الكاف": إنّ أدلّة الشيعة وبراهنيها العقائديّة هى التي زرعت القناعة في عقلي وإنّ الشعائر الحسينيّة التي كان يقيمها الشيعة في بلدنا هي التي زرعت الحماس في قلبي، ودفعتني لتقبّل جميع المصاعب في سبيل نصرة الحقّ.

ويضيف "محمد الكاف": أعلنت استبصاري عام 1413هـ (1993م)، ولمّا صلّيت أوّل صلاة وفق الفقه الشيعي ارتعدت فرائصي، وشعرت بالخشوع، وأحسست بأنّني أصلّي كما يريد الله لأنّني بلغت إلى مرحلة اليقين بأنّ أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) هم أفضل سبيل لمعرفة الشريعة الإلهية.

تأثّره بالإمام الحسين(عليه السلام):

إنّ من أهمّ القضايا التي تأثّر بها "محمد الكاف" هي مظلوميّة الإمام الحسين(عليه السلام)ولهذا قرّر أن يكون من خطباء المنبر الحسيني، فتفرغ فترة معينة لهذا الأمر، ثمّ بدأ يقرأ المجالس الحسينيّة في أندونيسيا.

ومن جهة أخرى واصل "محمد الكاف" نشاطه في نشر مذهب أهل البيت(عليهم السلام)عن طريق ترجمة الكتب الدينيّة الشيعيّة من اللغة العربيّة إلى اللغة الأندونيسية فترجم عشرات الكتب من أجل نصرة مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

مضايقات بعد الاستبصار:

يقول "محمد الكاف" استغرب أبي وأمّي من استبصاري واعتناقي لمذهب


الصفحة 331

التشيّع، وقالا لي: كيف سمحت لنفسك أن تؤمن بمذهب مليء بالأساطير والخرافات!

ولكنّني تعاملت معهم برفق، وحاولت أن أبيّن لهم الحقائق بالتي هي أحسن، وكان اصدقائي يعيبون عليّ سوء تصرّف بعض الشيعة، فكنت أبيّن لهم بأنّني انتميت إلى مذهب ا لتشيّع، وهناك فرق بين الشيعي كفرد وبين التشيّع كمذهب، وكلّ فرد هو المسؤول عمّا يصدر عنه ولا ينبغي تحميل سوء فعله على انتمائه المذهبي، فإذا أساء أحد الشيعة فهو المسؤول عن إساءته، ولا ينبغي أن نقول بأنّ هذا الشيعي أساء فالتشيع سيىء، لأنّ الفرد قد يكون ملتزماً بمذهبه وقد لا يكون.

ولهذا ينبغي للإنسان الواعي أن يعرف الحقّ عن طريق الدليل والبرهان، وأن لا يكون سبب انتمائه المذهبي هذا الشخص أو ذاك الشخص، ولهذا قال الإمام علي(عليه السلام):؟ الحقّ لا يعرف بالرجال أعرف الحقّ تعرف أهله"(1).

وبهذا الوعي الرفيع تمكّن "محمد الكاف" من الصمود أمام جميع العقبات التي واجهها في طريقه إلى الاستبصار وما بعد الاستبصار وهو لا يزال في خدمة أهل البيت(عليهم السلام).

____________

1- فيض القدير، المناوي: 1 / ص 28.


الصفحة 332

(79) محمّد بن عبدالله الكاف

(شافعي / أندونيسيا)

ولد في أندونيسيا، ونشأ في أسرة مسلمة تنتمي إلى المذهب الشافعي، فتلقّى تعاليمه الدينيّة وراثة من الأجواء التي ترعرع فيها، واستمرّ تمسّكه بعقائده الموروثة حتّى استبصر أحد أصدقائه فصار هذا الأمر محفزّاً عنده للبحث ومعرفة المذهب الذي ضحّى صديقه بكلّ شيء من أجل الانتماء إليه وتحمّل ما تحمّل من مصائب ومحن ولكنّه بقي صامداً على اختياره وتغييره للانتماء المذهبي.

لم يرغب "محمّد عبدالله" أن يشوّش ذهنه ويبلبل أفكاره في بداية الأمر عن طريق الإلمام بعقائد المذهب المخالف للمذهب الذي كان عليه، فتوجّه إلى تعميق الصلة مع معتقدات مذهبه وكان هدفه الخروج من حالة التقليد إلى حالة الاتّباع عن علم، ولم يشكّ "محمد عبدالله" أنّه على حقّ وأنّ مذهب صديقه على باطل، وكان يودّ أن يتمكّن بعد الإلمام الكامل بعقائده ليتمكّن من إرجاع صديقه إلى الهدى وطريق الحقّ.

وأمّا صديق "محمد عبدالله" فإنّه وجد الأرضيّة المناسبة في قلب "محمد عبدالله" لتقبّل الحقّ، لأنّه وجد قلب صاحبه نقيّاً طاهراً ليس فيه شائبة من شوائب التعصّب والعناد والأنانيّة، فبدأ يبيّن له بعض الحقائق ويكشف له بعض الملابسات الموجودة في عقيدة أهل السنّة.

وأمّا "محمد عبدالله" فإنّه كان يتمالك نفسه عندما يسمع النقد من قبل صديقه بالنسبة إلى مذهبه، وكان يحاول أن يهدّىء نفسه، وكان يقول لنفسه:


الصفحة 333

لا يحقّ لك التعصّب لعقيدة لا تمتلك عليها دليلاً سوى التقليد الأعمى، وكان يحثّ نفسه على البحث من أجل تشييد معتقداته الموروثة على أساس الأدلّة والحجج والبراهين.

وبالفعل جنّد "محمّد عبدالله" نفسه لهذا الأمر، ولكنّه واجه العديد من العقبات، ووجد الكثير من المفاهيم الدينيّة التي كان يعتقد بها فيما سبق لا تنسجم مع العقل، وهذا ما دفعه إلى التأمّل فيها والتشكيك بصحّتها.

مسألة الكسب في الأفعال البشريّة:

كان "محمّد عبدالله" يعتقد بأنّ الله تعالى هو الذي يخلق أفعال العباد، وهو الذي يخلق في العبد قدرة عند خلقه لفعل العبد، وأنّ هذه القدرة التي يخلقها الله غير مؤثرة، وليس للإنسان أي تأثير في إيجاد فعله وإنّما فعل العبد يخلقه الله ويكسبه العبد، والكسب ـ كما هو مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري ـ هو مقارنة خلق الله تعالى لفعل العبد مع القدرة التي يمنحها تعالى للعبد، من غير أن يكون لقدرة العبد أيّ تأثير أو مدخل في وجود الفعل، لأنّ العبد ليس إلاّ محلاّ للفعل الذي يخلقه الله تعالى فيه(1).

ولكن وجد "محمد عبدالله" بعد التأمّل وإعمال العقل بأنّ هذه النظرية تعني عدم وجود دور للإنسان في أفعاله، وإذا كان اللّه خالقاً لفعل العبد وهو الخالق لقدرة العبد ويصدر فعل العبد بقدرة الله تعالى من دون أن تكون لقدرة العبد أي تأثير، فكيف يمكن نسبة الفعل إلى العبد، وكيف يمكن أن يتحمّل الإنسان مسؤوليّة فعله إذا لم يكن له أيّ دور في وقوع فعله.

ووجد "محمّد عبدالله" بأنّ الأشعري ومن تبعه يحاولون أن ينفون عن أنفسهم القول بالجبر ويجتهدون لإثبات الاختيار ونسبة الفعل إلى الإنسان عن طريق القول بالكسب، فهم يقولون بأنّ الله تعالى يخلق فعل الإنسان ولكن

____________

1- انظر: المواقف، للإيجي: 3 / 214.


الصفحة 334

الإنسان هو الذي يكسب هذا الفعل وهو محاسب على هذا الكسب. ولكن التفت "محمّد عبدالله" خلال بحثه إلى أمر مهم وهو أنّ أهل السنّة يقولون بأنّ الله خالق كلّ شيء، ومن جهة أخرى فالكسب شيء، فلابدّ من القول بأنّ الله تعالى هو الخالق للكسب، فلا يبقى للعبد أيّ دور في الأفعال التي تصدر منه.

الاتّجاه نحو التشيّع:

إنّ الاهتزاز العقائدي الذي شهده "محمّد عبدالله" دفعه في نهاية المطاف إلى عدم الاكتفاء بما ورد في دائرة مذهبه، بل وسّع نطاق بحثه وتوجّه ليعرف آراء باقي المذاهب الإسلامية فيما يخصّ المسائل التي لم يجد الحلّ الصحيح لها في مذهبه.

ومن هنا توجّه "محمّد عبدالله" نحو مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ولم تمضّ فترة من مطالعته لأفكار ومبادىء هذا المذهب إلاّ وشعر أنّه قد وجد ضالّته، ووجد الكثير من الحلول التي كان يعيش حالة التعطّش إزاءها وعرف فيما يخصّ مسألة الكسب، بأنّ الله تعالى منح العبد القدرة على الفعل، والإنسان يخلق فعله بالقوّة التي منحها الله تعالى له، ولهذا يكون الإنسان هو المسؤول عن أفعاله الاختيارية، ولا يوجد إشكال في نسبة الخلق إلى الإنسان، لأنّه تعالى يقول في محكم كتابه {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}(1) وهذه الآية تثبت وجود خالق غير الله تعالى، ولكن مع هذا الفارق وهو أنّ الله تعالى هو الخالق المستقل ومن دونه لا يخلق شيء إلاّ بإذن الله تعالى.

ثمّ سافر "محمّد عبدالله" إلى إيران لمواصلة دراسته، وانتسب إلى الحوزة العلميّة في مدينة قم، وجنّد كلّ قواه لمعرفة الحقّ وطلب العلم ونشر الحقيقة بقدر وسعه بين أبناء مجتمعه.

____________

1- المؤمنون (23): 14 .


الصفحة 335

(80) محمد عدلاني

(شافعي / أندونيسيا)

ولد في أندونيسيا بمدينة "أوجونغ بندنغ"، وتلقّى إنتماءه وفق مذهب الشافعي من أسرته والأجواء التي ترعرع فيها، ثمّ واصل دراسته الأكاديميّة حتّى حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة.

واصل "محمد عدلاني" من جهة أخرى مطالعاته في رحاب العقيدة من أجل تمتين أسسه العقائديّة، فتوصّل من خلال البحث إلى نتائج مخالفة لموروثاته العقائديّة، فاستمرّر بالبحث حتّى وصل من خلال الأدلّة والبراهين إلى أحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام) فلم يتردّد بعد ذلك في تغيير انتمائه المذهبي، فتخلّى عن مذهبه السابق واعتنق مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ثمّ هاجر إلى مدينة قم المقدّسة لدراسة علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام).

عظمة منزلة الإمامة:

عرّف "محمّد عدلاني" بعد استبصاره بأنّ السبب الأساسي الذي كان يمنعه من الاستبصار هو عدم معرفته بعظمة منزلة الإمامة، ولكنّه بعد البحث توصّل من خلال الأدلّة العقليّة والنقليّة والحجج والبراهين القاطعة إلى أنّ أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) لم يجعلوا الإمامة أصلاً من أصول مذهبهم اعتباطاً، وإنّما ذلك لما تمتاز به الإمامة من الأهميّة القصوى.

ويتعرّف كلّ باحث بعد أن تأخذ الأدلّة القاطعة بيده وتدفعه إلى الاستبصار بأنّ الإمامة منزلة عظيمة حاولت السلطات الجائرة على مّر العصور الإسلامية أن تمنع الناس من التعرّف عليها ولكن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) حاولوا أن يعرّفوا الناس


الصفحة 336

ذلك.

ومن الروايات التي تحدّثت عن مضامين عظمة الإمامة عند الشيعة هو ما جاء عن ثامن الأئمة أهل البيت الإمام الرضا(عليه السلام) حيث ورد عن أحد أصحابه قال :

كنا في أيام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) بمرو، فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم الجمعة في بدء مقدمنا فتذاكر [فأدار] الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي ومولاي الرضا(عليه السلام)، فأعلمته ما خاض الناس فيه، فتبسم(عليه السلام)، ثمّ قال: يا عبدالعزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم، إنّ الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه(صلى الله عليه وآله)حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شيء بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه كملاً فقال عزّ وجلّ: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْء}(1) وأنزل في حجّة الوداع وفي آخر عمره(صلى الله عليه وآله): {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}(2) وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض(صلى الله عليه وآله)حتّى بينّ لأمته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحقّ وأقام لهم عليّاً(عليه السلام) علماً وإماماً وما ترك لهم شيئاً تحتاج إليه الأمّة إلاّ بيّنه، فمن زعم أنّ الله عزّ وجلّ لم يكمل دينه، فقد ردّ كتاب الله عزّ وجلّ، ومن ردّ كتاب الله تعالى فهو كافر، هل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الأمّة فيجوز فيها اختيارهم؟! إن الإمامة أجلّ قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً باختيارهم، إن الإمامة خصّ الله بها إبراهيم الخليل(عليه السلام) بعد النبوّة، والخلّة مرتبة ثالثة وفضيلة شرّفه بها وأشاد بها ذكره فقال عزّ

____________

1- الأنعام: (6): 38.

2- المائدة (5): 3.


الصفحة 337

وجلّ: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}(1) فقال الخليل(عليه السلام): سروراً بها {وَمِن ذُرِّيَّتِي}قال الله عزّ وجلّ: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة، ثمّ أكرمه الله عزّ وجلّ بأن جعلها في ذريّته أهل الصفوة والطهارة، فقال عزّ وجلّ: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}(2) فلم يزل في ذرّيته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتّى ورثها النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقال الله عزّ وجلّ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}(3) فكانت له خاصّة فقلّدها(صلى الله عليه وآله)عليّاً بأمر الله عزّ وجلّ على رسم ما فرضها الله عزّ وجلّ، فصارت في ذرّيته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله عزّ وجلّ: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ}(4) فهي في ولد عليّ(عليه السلام) خاصّة إلى يوم القيامة إذ لا نبيّ بعد محمّد(صلى الله عليه وآله)فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟! إنّ الإمامة هي منزلة الانبياء وإرث الأوصياء، إنّ الإمامة خلافة الله عزّ وجلّ وخلافة الرسول ومقام أميرالمؤمنين وميراث الحس والحسين(عليهما السلام)، إنّ الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين، إنّ الإمامة اُس(5) الإسلام النامي وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف، الإمام يحلّ حلال الله ويحرّم حرام الله ويقيم حدود الله ويذبّ عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة المجللة

____________

1- البقرة (2): 124.

2- الأنبياء (21): 72 ـ 73.

3- آل عمران (3): 68.

4- الروم (30): 56.

5- الاُس مثلثة: أصل البناء كما في القاموس.


الصفحة 338

بنورها للعالم وهي بالأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار، الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب(1) الدجى والبيد القفار ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الظماء، والدالّ على الهدى والمنجى من الردى، والإمام النار على اليفاع(2) الحار لمن اصطلى به، والدليل في المسالك من فارقه فهالك، الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل، والشمس المضيئة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة، الإمام الانيس الرفيق والوالد الشفيق والأخ الشقيق ومفزع العباد في الداهية. الإمام أمين الله في أرضه وحجّته على عباده وخليفته في بلاده الداعي إلى الله والذاب عن حرم الله، الإمام المطهّر من الذنوب المبرّأ من العيوب مخصوص بالعلم موسوم بالحلم نظام الدين وعزّ المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين، الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفعل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضّل الوهّاب، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟! هيهات هيهات! ضلّت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وحسرت العيون وتصاغرت العظماء وتحيّرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألباء وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله فأقرّت بالعجز والتقصير وكيف يوصف كلّه أو ينعت بكنهه أو يفهم من شيء أمره أو يوجد من يقام مقامه ويغني غناه، لا كيف وأنّى وهو بحيت النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا! أظنّوا أن يوجد ذلك في غير آل الرسول(صلى الله عليه وآله)؟ كذّبتهم والله أنفسهم ومنّتهم الأباطيل فارتقوا مرتقى صعباً دحضاً، تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم، راموا إقامة

____________

1- الغياهب جمع الغيهب: شدة السواد والظلمة، الدجى: الظلمة.

2- اليفاع: ما ارتفع من الأرض وفي بعض النسخ "البقاع".


الصفحة 339

الإمام بعقول جائرة بائرة ناقصة وآراء مضلّة، فلم يزدادوا منه إلاّ بعداً {قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}(1) لقد راموا صعباً، وقالوا إفكاً {ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيداً}(2) ووقعوا في الحيرة، إذ تركوا الإمام عن بصيرة {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}(3) ورغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم، والقرآن يناديهم: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}(4) وقال الله عزّوجلّ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}(5) وقال عزّ وجلّ: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ}(6) وقال عزّوجلّ: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَا}(7) أم {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ}(8) أم {قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ}(9) و {قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}(10) بل هو {فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(11) فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل راع لا ينكل، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة،

____________

1- التوبة (9): 30.

2- النساء (4): 167.

3- العنكبوت (29): 38.

4- القصص (28): 68.

5- الأحزاب (33): 36.

6- القلم (68): 36 ـ 41.

7- محمد (47): 24.

8- التوبة (9): 87.

9- الأنفال (8): 21 ـ 23.

10- البقرة (2): 93.

11- الحديد (57): 21.


الصفحة 340

مخصوص بدعوة الرسول وهو نسل المطهّرة البتول لا مغمز فيه في نسب ولا يدانيه ذو حسب، فالنسب من قريش والذروة من هاشم والعترة من آل الرسول(صلى الله عليه وآله) والرضا من الله شرف الأشراف والفرع من عبد مناف، نامي العلم كامل الحلم. مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عزّوجل ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله، إن الأنبياء والأئمّة صلوات الله عليهم يوفّقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق كلّ علم أهل زمانهم في قوله تعالى: {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(1)؟! وقوله عزّوجلّ: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}(2) وقوله عزّ وجلّ في طالوت: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(3) وقال عزّوجل لنبيّه(صلى الله عليه وآله): {وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(4) وقال عزّ وجلّ في الأئمّة من أهل بيته وعترته وذريّته: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً * فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً}(5) وإنّ العبد إذا اختاره الله عزّ وجلّ لأمور عباده شرح الله صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاماً، فلم يعي بعده بجواب ولا يحيد فيه عن الصواب، وهو معصوم مؤيّد موفّق مسدّد قد أمن الخطايا والزلل والعثار، يخصّه الله بذلك ليكون حجّته على عباده وشاهده على خلقه: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(6) فهل يقدرون على مثل هذا؟! فيختاره أو

____________

1- يونس (10): 35.

2- البقرة (2): 269.

3- البقرة (2): 247.

4- النساء (4): 113.

5- النساء (4): 54، 55.

6- الحديد (57): 21.