وكان يجد هاشم في كلّ يوم من الحقائق الجديدة التي لم يكتشفها من قبل، وكان هذا الأمر يدفعه إلى المزيد من التمسّك بمذهب أهل البيت(عليهم السلام).
وحاول العديد من أبناء قومه أن يعيدوه إلى مذهبه السابق، ولكنّهم لم يتمكّنوا من ذلك، لأنّ استبصاره لم يكن من دوافع متزلزلة، ليعود مرّة أخرى إلى مذهبه السابق، بل كان منطلقه الدليل والبرهان، وكان هاشم لا يجد في كلام من يحاول إرجاعه إلى مذهبه السابق سوى التطميع والترغيب والترهيب المادّي فلم يؤثّر هذا الأمر فيه، وبقي ثابتاً على درب الاستقامة ومناضلاً في سبيل الدعوة إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) حتّى النهاية .
(88) هاشمي العطّاس
(شافعي / أندونيسيا)
ولد سنة 1391هـ (1972م) في أندونيسيا بمدينة "بكلونجن" ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، ثمّ تعرّف على مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عن طريق مطالعة الكتب، فكشف له البحث حقائق هزّته من الأعماق وبيّنت له أموراً لم يكن مطلّعاً عليها فيما سبق، بل لم يكن متوقّعاً لها أبداً ولكن البحث أخذ بيده وعرّفه على الحقيقة ثم تركه ليتّخذ القرار بنفسه في اتّباع ما ورثه من آبائه أو اتّباع الحقّ الذي تعرّف عليه جديداً.
الحيرة في اتخاذ القرار:
رأى "هاشمي العطّاس" بأنّ المسلمين تفرّقوا إلى فرقتين أساسيّتين بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وكان هذا الخلاف يدور حول مسألة الخلافة، فبايع البعض أبا بكر بعد نزاع حاد جرى في السقيفة، وذهب آخرون إلى أنّ مبايعة أبي بكر أمر مخالف للنصوص الواردة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) سبق وأنّه عيّن الإمام عليّاً(عليه السلام)للخلافة من بعده، فكيف يحقّ للبعض مبايعة أبي بكر وترك الإمام علي(عليه السلام)مشغول بدفن رسول الله(صلى الله عليه وآله).
فتحيّر "هاشمي العطّاس" في اتّباع أي الطائفتين، أيتّبع الأكثريّة الذين بايعوا أبا بكر أم يتبع الأقليّة الذين بقوا مع الإمام علي(عليه السلام).
وكان يعلم "هاشمي العطّاس" بأنّ الكثرة والقلة لا تعتبر مقياساً لمعرفة الحقّ، وإنّما الأمر يتطّلب البحث والتحقيق فواصل بحثه في هذا المجال.
مفارقة علي(عليه السلام) مفارقة لله ورسوله(صلى الله عليه وآله):
واصل "هاشمي العطّاس" بحثه في الصعيد العقائدي من أجل معرفة الحقّ حتّى تعرّف على أحاديث نبويّة حدّدت له السبيل وأخرجته من حالة الشكّ والترديد ومن هذه الاحاديث قال النبي(صلى الله عليه وآله): "يا علي من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك يا علي فقد فارقني"(1).
إيذاء علي(عليه السلام) إيذاء للنبيّ(صلى الله عليه وآله):
وجد "هاشمي العطّاس" أحايث أخرى أيضاً تحذّره من الابتعاد عن السبيل الذي سلكه الإمام علي(عليه السلام) بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) ومن هذه الأحاديث:
عن عمرو بن شاس الأسلمي ـ وكان من أصحاب الحديبية ـ قال: خرجنا مع علي(عليه السلام) إلى اليمن، فجفاني في سفره ذلك حتى وجدت في نفسي، فلما قدمت اظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله(صلى الله عليه وآله) في ناس من أصحابه فلما رآني أبدني عينيه ـ يقول: حدد إلي النظر ـ حتى إذا جلست قال: يا عمرو أما والله لقد آذيتني فقلت: أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله، قال: بلى من آذى عليّاً فقد آذاني(2).
مشايعة الإمام علي(عليه السلام):
لم يجد "هاشمي العطّاس" سبيلاً سوى اتّباع الإمام علي(عليه السلام) والالتحاق بركبه ومشايعته بعد أن شاهد الأدلّة والبراهين القاطعة التي أبصرته بالحقيقة وبيّنت له الواقع وكشفت له الستار عن وجه الحق، فأعلن استبصاره ثمّ درس في المعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل" حتّى أنهى دورة دراسيّة كامله في هذا المعهد ثمّ سافر إلى مدينة قم في إيران والتحق بالحوزة العلميّة ليزداد علماً وبصيرة بمعارف
____________
1- المستدرك، الحاكم النيسابوري: 3 / ص 336،ح 4682. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. مجمع الزوائد الهيثمي: 9 / ص 130، ح 14771. وقال: رواه البزّار ورجاله ثقات. 2- المستدرك الحاكم النيسابوري ، 3 / ص 335، ح 4677. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص.
أهل البيت(عليهم السلام).
(89) هداية الله الحبشي
(شافعي / أندونيسيا)
ولد في مدينة "بانجيل" بأندونيسيا، ونشأ في أسرة شافعية المذهب.
درس في المعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل"، ودرس في مدينة مكة المكرمة، وكذلك في مدينة قم المقدسة بعد استبصاره. ثمّ صار أستاذاً في المعهد الإسلامي في بانجيل.
استبصاره:
استبصر "هداية الله الحبشي" في أوائل القرن الخامس عشر الهجري وذلك بعد مطالعته لكتب الشيعة ومقارنتها بمثيلاتها من كتب أهل السنة، فوجد قوّة الاستدلال والاعتماد على القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة في كتب الشيعة كفيلة بأن تفرض على قارئها أتّباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
واكتشف "هداية الله الحبشي" أن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) كما يدّعه بعض المتطرفين من أنّه مبتدع من قبل عبدالله بن سبأ الذي قيل إنّه كان يهوديّاً ـ وأمثاله من المغمورين الذين لا يعرف التاريخ عنهم كثيراً، وإن نسب إليه مروّجي فتنته وأسطورته دوراً هائلاً لا يقوم به حتّى العمالقة والفطاحل.
عبدالله بن سبأ بين الأسطورة والواقع:
ورد بأنّ اسمه "عبدالله بن سبأ"، ولم يزيدوا على ذلك، فهل سبأ اسم أبيه؟ أو أسم قبيلته التي ينتسب إليها؟ لا يعرف ذلك!!
ولم تذكر المصادر التاريخيّة أنّ له زوجة أو أولاد أو أخوة أو أعمام أو أخوال ولا يعرف عن أمه شيء سوى أنّها سوداء.
وابن السوداء الذي ذكره المؤرّخون قد يكون شخصاً آخراً غير عبدالله بن سبأ كما قال بذلك بعضهم ممن يدافع عن وجود ابن سبأ وعن دوره.
وقد اختلف في أنّه من حميرَ أو من همدان، وهل أنّه يهودي أو رومي الأصل؟ وهل أنّ الإمام عليّاً(عليه السلام)أحرقه مع جماعة آخرين لمّا قال بربوبيّة الإمام علي(عليه السلام)، أو أنّه تاب فنفاه الإمام إلى المدائن؟
وقيل إنّه أسلم في أواخر أيّام عثمان، وأنّه طاف البلاد الإسلاميّة من البصرة إلى الكوفة والحجاز والشام ومصر يؤلّب الناس على عثمان، ويحرّض على فعله، ثمّ استطاع بمكائده أن يثير الفتنة التي أدّت إلى قتل عثمان!
وذكروا له دوراً في حرب الجمل، ثمّ اختفى دوره ولم يسجّل له شيء يذكر بعد ذلك.
إنّ مثل هذه الشخصيّة ـ التي ذكر مروّجي فتنتها أنّه خدع بعض الصحابة العظام كأبي ذر وعمار وغيرهما كثير ـ لا يُعرف عنها الكثير، والمعروف عنها مختلف فيه أشدّ الاختلاف، فهل يعقل أنّ لها مثل هذا الدور المنسوب إليها؟ هذا إذا فرضنا وجوده، فقد توصّل بعض المحققين من السنّة والشيعة أنّه شخصيّة موهومة لا وجود لها.
الدور المزعوم لعبد الله بن سبأ ودوافعه:
زعم البعض بأنّ عبدالله بن سبأ استطاع بمكره وحيلته أن يندس بين شيعة الإمام علي(عليه السلام) ويظهر القول برجعة النبي(صلى الله عليه وآله)، وأميرالمؤمنين علي أبي طالب(عليه السلام)بعد الموت وأنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) هو الوصيّ، وأنّه دابّة الأرض.
وقد أرادوا بذلك أن يشوّهوا هذه المفاهيم الإسلامية الصحيحة ويكيدوا لشيعة الإمام علي(عليه السلام); بأنّ المؤسّس لأفكارهم هو رجل يهودي!!
ونسوا وهم يفترون هذه الفريّة نظريّة عدالة الصحابة التي روّجوها، فجعلوا الصحابة أدوات يقودها رجل يهودي يتظاهر بالإسلام إلى حيث يشاء ويثير الفتنة ذات النتائج الهائلة في وقت قصير، وصدق من قال أنّ حبل الكذب قصير، فسرعان ما ينسى الكذاب كذبه، ويأتي بكذب جديد يتناقض مع الكذب الأول، ومن الدوافع الأخرى لفرية عبدالله بن سبأ يمكن القول بما يلي:
1 ـ الدفاع عن عثمان وولاته وتبرير أعمالهم.
2 ـ الدفاع عن عائشة وطلحة والزبير، وتصيحح مواقفهم في حرب الجمل.
3 ـ النيل من الإمام علي(عليه السلام) وشيعته بشكل مباشر أو غير مباشر.
4 ـ مدح أهل الشام وأميرهم معاوية; لأنّ ابن سبأ المزعوم لم يستطع أن يندس بينهم.
وهناك دوافع ومآرب أخرى اتبعاها مروّجوا هذه الفتنة العمياء.
براءة الشيعة من عبدالله بن سبأ:
إنّ عبدالله بن سبأ سواء كان موجوداً أم لا، وسواء كان له دور سيىء في أحداث الفتنة أم لا، فإنّ ذلك لا يؤثّر على مذهب أهل البيت(عليهم السلام)وشيعتهم قيد أنملة، وهذا المذهب بعيد كلّ البعد عن عبدالله بن سبأ، ومن قال بأنّ له ارتباط بعبدالله بن سبأ فقد افترى فرية عظيمة واكتسب موبقة تجرّه إلى النار، وهو مطالب بالدليل والبرهان، وهيهات منه الدليل كما هو الحال في بقية القضايا الأخرى.
إنّ علماء الشيعة وعوامهم يتبرأون من عبدالله بن سبأ ويصرّحون بكفره ولعنه والبراءة منه.
كما أنّ كتب مذهب أهل البيت(عليهم السلام) لا تروي أقواله ولا تذكر سيرته لا من قريب ولا من بعيد.
وإنّ مذهب الشيعة الإمامية مذهب متكامل من جميع الجهات وهو منقول عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) وهذه كتبهم تشهد بذلك.
وعليه فكيف يمكن نسبة هذا المذهب العظيم إلى رجل ذكر مسائل أربع فقط من مسائلهم التي تعدّ بالآلاف، ولهم في هذه المسائل الأربع أدلّتهم من القرآن الكريم والسنّة الشريفة.
إنِّ المروّج لهذه الفتنة كذّاب مفتر أراد الكيد بالشيعة، وليس هذا أوّل كيد يواجهونه وليس هو الأخير، و المشتكى إلى الله، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتّقين.
نشاطات هداية الله الحبشي:
عمل هداية الله على هداية أبناء بلده إلى تعاليم أهل البيت(عليهم السلام) أداءً للواجب التبليغي الذي ألقاه الله سبحانه على عاتق المتفقّهين في الدين كما أنّه قام بالإضافة إلى التدريس وتربية الأجيال بترجمة بعض الكتب الدينيّة المفيدة إلى اللغة الأندونيسيّة، إضافة إلى النشاطات التبليغيّة الموسميّة الأخرى.
(90) هري كوسوما
(شافعي / أندونيسيا)
ولد سنة 1375هـ (1956م) في أندونيسيا بمدينة "كولنجن" وتلقّى معتقداته الدينّية من أسرته التي كانت تنتمي إلى المذهب الشافعي، وبقي على انتمائه المذهبي الموروث حتّى تعرّف على شخص مستبصر يُدعى أحمد حافظ، فاستغرب "هري كوسوما" من ترك هذا الشخص مذهبه السنّي وتغيير انتمائه إلى مذهب طالما وجد علماء مذهبه يحذّرون من الاقتراب منه ويلصقون به مختلف الأوصاف التي يشمئز منها الإنسان.
من هنا اندفع "هري كوسوما" من منطلق حبّ الاستطلاع لمعرفة الأسباب التي دفعت صاحبه إلى التخلّي عن مبادئه وتحملّه جميع ردود الفعل القاسية وصموده إزاء التيارات المعاكسة وتوجّهه نحو المذهب الشيعي.
المنهج الصحيح في تقييم المخالفين:
بيّن "هرى كوسوما" في لقاءاته مع صاحبه المستبصر انطباعه السيىء عن المذهب الشيعي، وحاول بشتّى الطرق أن يعيده إلى مذهبه السابق، ولكنّه وجد صاحبه المستبصر يتعامل معه بهدوء ويطلب منه التأنّي في تقييم أصول ومبادىء الآخرين. وكان ممّا أكّد عليه صاحبه في ذلك الحوار هو أنّ الإنسان من حقّه أن يكوّن لنفسه انطباعاً إزاء الآخرين، ولكنّه ينبغي أن يسعى ليكون انطباعه مستند إلى الدليل والبرهان، ولا يحقّ للإنسان أن يجعل مزاجه المتأثّر بالأجواء المحيطة هو المعيار والميزان لبلورة انطباعه إزاء الآخرين.
وبيّن ذلك المستبصر لصاحبه "هري كوسوما" بأنّ أفضل طريقة لتقييم
الآخرين هو التعرّف على أفكارهم ثمّ المبادرة إلى تقييمها وفق القرآن والسنّة والعقل، ويلزم ذلك أن يتعرّف الباحث على أفكار ومعتقدات الآخرين من مصادرهم الموثوقة وأن لا يكتفي بما يقوله المخالفون لهم.
أدرك "هري كوسوما" بعد اصغائه إلى كلام صاحبه المستبصر بأنّ الحقّ معه، وأدرك بأنّه قد استعجل في حكمه على الشيعة، وكيف يحقّ له انتقاد من لا يعرف عنهم شيئاً، وكيف يحقّ له أن يكوّن في نفسه انطباعاً سيّئاً إزاء من لا يعرف عنهم إلاّ ما قاله المخالفون ضدّهم، وكيف يحقّ له أن ينطلق من منطلق العاطفة ولا يجعل للعقل أيَّ دور في تقييمه للآخرين.
ومن هنا خصّص "هري كوسوما" لنفسه وقتاً ليتعرّف من خلال صاحبه على أصول ومبادىء التشيّع، وكان "هري كوسوما" مطمئناً بأنّه على الحقّ وصاحبه على الباطل، ولكنّه أراد أن يدخل هذه المرة مع صاحبه من منطلق الدليل والبرهان ليثبت له بأنّ الشيعة تخالف صريح القرآن الكريم!
مسألة خلق الله لأفعال العباد:
كان يعتقد "هري كوسوما" بأنّ الشيعة تخالف صريح القرآن في عدّة أُمور منها قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيء}(1) وهذه الآية تبيّن بصراحة بأنّ الله تعالى خالق كلّ شيء، ومن هذا الشيء هو فعل العباد، ولكن الشيعة تقول غير ذلك.
ومع ذلك رضي "هري كوسوما" أن لا يكتفى في تقييمه للمذهب الشيعي بما يقال عنه، فبادر إلى البحث في الكتب الشيعيّة ليرى كيف تجرّأ الشيعة على مخالفة القرآن الكريم.
وطّن "هري كوسوما" نفسه إلى الإصغاء لأدلّة الشيعة فيما يذهبون إليه، وإذ به يجد نفسه أمام مدرسة فكريّة عملاقة تحاول أن تنظر إلى الأمور من زوايا متعدّدة لئلاّ تقع في أسر النظر الأحادي أو النظر من آفاق ضيّقة.
____________
1- الزمر (39): 62.
وكان جواب الشيعة عن مسألة خلق الله لأفعال العباد هي أنّ الباحث ينبغي أن ينظر إلى الحقائق بنظرة شموليّة ليتمكّن من معرفة الحقائق كما هي عليه في الواقع، ومنها قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيء} فهذه الآية تدلّ على أن الله تعالى خالق كلّ شيء ولكنّنا ينبغي أن لا نستنتج من هذه الآية بأنّ الله تعالى هو الخالق لكلّ شيء بصورة مباشرة لأنّه تعالى نسب الخلق إلى غيره في الآيات القرآنيّة الأخرى منها قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}(1)، ومنها قوله تعالى: {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ}(2) ومنها قوله تعالى للسامري وأصحابه: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً}(3). وهذه الآيات تدل بوضوح على صحة نسبة فعل الخلق إلى غير الله تعالى.
ومن هنا نستنتج بأنّ الآيات القرآنيّة الكريمة التي تنسب خلق كلّ شيء إلى الله تعالى، ليست إلاّ في مقام بيان قدرة الله التامّة على الخلق ونفوذ أمره الشامل لجميع الكون بلا استثناء ولا يوجد تنافي بين هذه الشموليّة مع قدرة البشر على خلق أفعالهم، لأنّ قدرة البشر نابعة من الله تعالى.
وبعبارة أخرى إنّ نسبة الخلق إلى الله تعالى لا يعني أنّه السبب المباشر للخلق، بل قد يكون الخلق صادراً من الإنسان، ولكنّه ينسب إلى الله عزّوجل، لأنّه تعالى صاحب القدرة التي منحها للعبد، ومثال ذلك في القرآن فعل التوفّي، فهذا الفعل نُسب في بعض الأحيان بصورة مطلقة إلى الله تعالى فقال عزّ وجلّ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}(4) ونسب تارة إلى ملك الموت فورد قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}(5) ونسب في أحيان أخرى إلى الملائكة، فورد
____________
1- المؤمنون (23): 14. 2- الصافات (37): 125. 3- العنكبوت (29): 17. 4- الزمر (39): 42. 5- السجدة (32): 11.
قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ}(1) ولا يحق لأحد عند قراءته للآية الأولى أن يدّعي بأنّ الله تعالى هو الذي يتوفّي الأنفس فقط ولا يحقّ نسبة التوفي إلى غيره، لأنّ الآية الثانية والثالثة نسبت فعل التوفي إلى غير الله تعالى. وما يمكن استنتاجه في هذا المجال أنّ فعل التوفّي يتمّ بيد الملائكة أو بيد مَلك الموت، وإنّ نسبة هذا الفعل إلى الله تعالى هو لأنّه تعالى منح قدرة هذا الفعل لملك الموت أو الملائكة، وهذا من قبيل أن يُقال بأنّ القائد الفلاني بنى هذه المدرسة، فنسبة البناء للقائد لا تعني أنّه قام بالبناء بصورة مباشرة لأنّ البناء تمّ على يد العمّال بل تعني أنّ أمر البناء تمّ بأمره وبالإمكانيات التي وفّرها للعمّال.
وهكذا في مسألة الخلق، فنسبة خلق كلّ شيء إلى الله تعالى لا تعني أنّه يخلق كلّ شيء بصورة مباشرة، وإنّما ينسب الخلق إلى الله تعالى، لأنّه صاحب القدرة التي منحها للعبد فتمكّن العبد أن يخلق بها بإذن الله تعالى.
وأما الإصرار على لزوم التمسّك ببعض الآيات القرآنية وإهمال الآيات الأخرى، فإنّه لا يدلّ على تبعيّة الإنسان المطلقة للقرآن، وإنّما يدلّ على أن الإنسان وصل إلى نتيجة معينّة فأحبّ أن يدعم قوله بالقرآن الكريم، فانتقى من القرآن ما يتلاءم مع فكرته وترك الباقي لعدم الانسجام مع الرأي الذي يودّ أن يذهب إليه، وقد قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْض}(2).
كما أنّ الذي يصرّ على الالتزام بالأخذ بظاهر قوله تعالى: {اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيء} فينبغي أن يقول بأنّ الله خالق لعلمه ولقدرته وسائر صفاته الذاتيّة، لأنّ علمه تعالى شيء وقدرته تعالى شيء آخر وسائر صفاته أشياء، وإذا كان {اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيء} فيلزم ذلك أنّه خالق لهذه الصفات.
____________
1- الأنفال (8): 50. 2- البقرة (2): 85.
ولكن أهل السنّة لا يقولون بذلك لأنّ ذلك يستلزم المحذور، فنفوا خلقه تعالى لعلمه وقدرته بل خلقه للأمور الممتنعة وإن كانت هذه الأمور أشياء.
ولا ينفي أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) نسبة خلق الله تعالى لأفعال العباد اعتباطاً وإنّما ذلك لوجود محذور فيه، منه قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "لو كان خالقاً لها لما تبرأ منها، وقد قال سبحانه: {أَنَّ اللّهَ بَرِيٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ}(1) ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم وإنّما تبرّء من شركهم وقبائحهم(2).
ومن هذا المنطلق تبلورت قناعة "هري كوسوما" بأحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)فأعلن استبصاره سنة 1414هـ (1994م) وتوجّه بعد ذلك إلى تغيير كلّ ما يرتبط بانتمائه المذهبي.
____________
1- التوبة (9): 3. 2- تفسير الميزان، العلامة الطباطبائي: 1 / ص 101.
(91) يوسف بافقيه
(شافعي / أندونيسيا)
ولد سنة 1397 هـ (1977 م) في مدينة "سمارا" بجاوة الوسطى في اندونيسيا، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب. أكمل الإعداديّة، ثمّ التحق بالمعهد الإسلامي في مدينة "بانجيل" وبعد انهاء دورته التحق بالحوزة العلميّة في مدينة قم المقدّسة في إيران.
استبصاره:
اعتنق يوسف بافقيه مذهب أهل البيت(عليهم السلام) سنة 1418هـ (1998م)، وكان ذلك بعد مطالعة لكتب الشيعة، والمناقشة مع العلماء من الفريقين حول مضامينها.
وكان أوّل ماحفّزه على قراءة كتب الشيعة هو التناقض الموجود في مواقف وأقوال بعض علماء أهل السنّة، حيث إنّه وجد في المسألة الواحدة أقوالاً عديدة متضادّة ومتناقضة أحياناً، والأنكى من ذلك هو مواقف علماء أهل السنّة من هذه الأقوال، حيث إنّهم ينصرون هذا القول ويتمسّكون به في بعض الأحيان ثم ينصرون القول المقابل في أحيان أخرى ويقولون هو الصحيح، ثمّ يعودون إلى نصرة القول الأوّل، وهكذا دأبهم التذبذب حسب اختلاف الحالات والأهواء.
ومن هذه المواقف المتضادّة، بل المتناقضة، موقفهم ازاء الإمام علي(عليه السلام)حيث إنّهم يمجدونه في بعض الأحيان ويصحّحون ما صحَّ من أحاديث فضائله ومناقبه ويذمّونه تارة لمواقفه من الشيخين وثالثهم عثمان، ومواقفه في مواجهته مع عائشة والزبير وطلحة ومعاوية وعمرو وأمثالهم، تراهم في حين آخر يفصلون بينه وبين شيعته ومحبّيه بادّعائهم خديعة عبدالله بن سبأ ـ الذي ادعوا يهوديّته
وقالوا بأنّه خدع الإمام عليّاً(عليه السلام)ودفعه إلى إشعال حرب الجمل، وكبرت كلمة تخرج من أفواهم ومع ذلك فإنّهم يدّعون أنّهم هم الذين يحبّونه دون سواهم، ويتهّمون غيرهم بالإفراط والتفريط وقد اتّهموا شيعة أهل البيت(عليهم السلام) بأنّهم غالوا في حبّه وأنّ أهل السنة هم الذين اتّبعوا الجادّة الوسطى والطريقة المثلى في موالاة أهل البيت(عليهم السلام).
وهذا الحبّ وهذه الموالاة عجيبة منهم، فإنّك تراهم ناصروا كلّ ظالم من المتسلّطين على رقاب الأمّة من معاوية الذي حارب الإمام عليّاً(عليه السلام) إلى يزيد الذي قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، وجعلوا كلّ الصحابة عدولاً من أجل تضييع حقّ الإمام عليّ(عليه السلام) في خلافة المسلمين التي جعلها الرسول(صلى الله عليه وآله) له دون غيره.
كما أنّهم قاطعوا وهجروا أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، فتراهم يروون عن كلّ كذّاب وضعيف ويهودي تظاهر بالإسلام ككعب الأحبار وغيره، ولا يروون عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) إلاّ النزر اليسير، ودونك البخاري ومسلم حيث يؤكدان صحّة ما نقول.
يقول "يوسف بافقيه" مثل هذه التناقضات أرّقت ضميري وسلبتني راحتي وجعلتني أسهر الليالي من أجل معرفة حقيقة أهل البيت(عليهم السلام)، والحمد لله الذي هداني إلى معرفتهم، واكتشاف مذهبهم.
اتّهام الشيعة بالتأثّر باليهود:
زعم بعض أهل السنّة بأنّ عبدالله بن سبأ اليهودي الذي قالوا إنّه أسلم في خلافة عثمان استطاع خديعة الصحابة والمسلمين بصورة عامّة في الأمصار، وتمكّن من تهييجهم ودفعهم إلى الفتنة التي أدّت إلى مقتل عثمان!!.
وقد ادّعوا أنّه قال برجعة النبي(صلى الله عليه وآله)، ورجعة الإمام علي(عليه السلام)، وأنّه أوّل من كذّب وادّعى ا لوصيّة للإمام علي(عليه السلام)، لما كانت ليوشع بن نون من قبل موسى(عليه السلام)، وأنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) هو دابة الأرض، وزعموا أنّ هذا الكلام لاقى هوىً في قلوب
الشيعة فاتّبعوه!
ثمّ نقل هذا الكلام بعض رواة التاريخ، ومصنّفي الفرق لقصور أو تقصير، ثمّ تلاقفها جماعة من مدّعي اتّباع السلف كابن تيميّة، الذي وصف الشيعة بأقذع الأوصاف استناداً إلى الدور الأسطوري لعبدالله بن سبأ، فذكر في كتابه منهاج السنّة أوجه التشابه بين الروافض (ويقصد بهم الشيعة الإمامية الاثنا عشرية على الخصوص) واليهود فذكر أموراً ما أنزل الله بها من سلطان وحاول فيها أن يوجد شبه بينهما ولو كان ذلك عن طريق جمع المتناقضات والمتنافرات.
وحاول ابن تيميّة في عمله هذا أن يكيد للشيعة بنفوذ أفكار اليهود في عقائدهم، ولكن من غرائب الأمور أنّ ابن تيمية هو ممّن يدافع عن اليهود وعن التوراة ويقول بأنّه غير محرف ومضامينه غير متناقضة مع العقل وأنّها تشبه القرآن، وكلام ا لرسول(صلى الله عليه وآله)وذلك عندما يتعلق الأمر بالتجسيم للذات الإلهيّة المنزهة عن ذلك.
ويقول إنّ التشبيه والتجسيم الذي ينفيه معظم المسلمين هو ممّا ورد في التوراة الصحيحة التي لم تحرّف وأنّ القرآن قد نزل على طبق التوراة في أمور التشبيه والتجسيم.
هذا فضلاً عمّا يتمسّك به علماء السنّة من الرخصة في الحديث عن اليهود وكتبهم ككعب الأحبار ـ الذي كان صاحباً للخليفة عمر ـ وغيره.
كما أنّ عمر نفسه كان يقرأ كتب اليهود ويعارض الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) بها حتّى نهاه النبي(صلى الله عليه وآله) عن ذلك.
نشاطاته:
قام "يوسف بافقيه" بانتهاز الفرص المتاحة له في التبليغ لمذهب أهل البيت(عليهم السلام)وقام بأداء واجبه التبليغي بإنذار الناس وتفقيههم وهدايتهم.
وقام "يوسف" في هذا الصدد ببعض النشاطات الثقافيّة الدينيّة منها:
ترجمة بعض الكتب المفيدة من اللغة العربيّة إلى اللغة الأندونيسيّة و القيام بالتدريس في بعض المعاهد الدينيّة، والقيام بأداء الواجب التبليغي في المناسبات الدينيّة.
(92) يوسف أنس
(شافعي / أندونيسيا)
ولد في أندونيسيا، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، ثمّ تحوّل من مذهبه إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وذلك بعد رحلة طويلة وشاقّة في عالم الكتب التي تبحث في تاريخ المسلمين وعقائدهم وسيرة الرسول(صلى الله عليه وآله) والأئمّة من أهل بيته(عليهم السلام)، وكذلك سيرة صحابة الرسول(صلى الله عليه وآله)وتاريخهم إضافة إلى المناقشات والحوارات المستمرّة مع أصدقائه الطلبة وأساتذته في الدراسة حول أسباب وقوع الخلاف بين المسلمين، وعوامل انقسامهم إلى مذاهب شتّى.
فوجد "يوسف أنس" بعد البحث المستمر والمضني أنّ ما يقوله الشيعة في المسائل الخلافيّة لا يخالف الصواب ولا يجانب الحقّ، بل لهم الأدلّة القويّة على كلّ ما يقولونه وأن آراءهم مستنبطة من القرآن والسنّة الشريفة، وأنهم يتبّعون أقوال أئمّة أهل البيت(عليهم السلام).
ومن المسائل التي واجهها "يوسف أنس" في مناقشاته وبحوثه هي مسألة عصمة الأنبياء والرسول(صلى الله عليه وآله)والأئمّة من آله(عليهم السلام) التي يقول بها أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ومقارنتها مع ما يقوله بقيّة المذاهب في شأن عصمة الأنبياء والأولياء(عليهم السلام).
عصمة الأنبياء والأئمة(عليهم السلام):
اتفق معظم المسلمين على عصمة الأنبياء(عليهم السلام)، وإن اختلفوا في سعة دائرة هذه العصمة وضيقها. فجوّز البعض على الأنبياء(عليهم السلام) الذنوب حتّى الكبيرة منها قبل النبوّة، بل حتّى بعد ا لنبوّة على سبيل السهو لا العمد.
وأمّا مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) فإنّها تنزّه الأنبياء جميعاً عن الذنوب والمعاصي والخطأ والنسيان والسهو قبل النبوّة وبعدها، فهي تقول بعصمتهم(عليهم السلام)في جميع مراحل حياتهم بفضل اللطف الإلهي، وترى أنّ ذلك من الضروريّات لضخامة الدور الموكول إليهم في هداية البشر إلى الصراط المستقيم.
وبدون هذه العصمة لا يستطيع الأنبياء تبليغ رسالاتهم، لعدم حصول الوثوق بأقوالهم والاقتداء بأفعالهم فيما لو جاز عليهم الخطأ والنسيان والغفلة، فضلاً عن الذنوب والعياذ بالله; لأنّ ذلك يؤدّي إلى حصول النفرة والاشمئزاز منهم، ويشملهم حينئذ الخطاب الوارد في القرآن الكريم {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ}(1).
وهذا ما يقوله أيضاً أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) في الأئمّة الاثني عشر من آل الرسول(عليهم السلام) فهم يقولون بعصمتهم مثل عصمة الأنبياء، لأنّ الإمامة تشبه النبوّة في تلقيها مهمّة الحفاظ على الشريعة وهي تتمّ بتنصيب من قبل الله تعالى، وليست مجرّد قيادة سياسيّة للمجتمع بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) ولهذا لم تشترط المذاهب الأخرى العصمة في الخلفاء بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله)، واكتفت فيهم بالعدالة الظاهريّة، بل قالت بطاعتهم وإن كانوا أفسق الفاسقين، وأكبر المجرمين!
الإمامة عند الشيعة والسنّة:
ترى المذاهب السنية بأن الإمامة أو الخلافة هي مجرّد قيادة سياسيّة
____________
1- البقرة (2): 44.
للمجتمع بعد وفاة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)، وبالتالي لا تحتاج إلى النص عليها من الشارع المقدّس وكذلك لا تحتاج إلى العصمة، وترى أنّ الأمر متروك للأمّة فهي تختار للخلافة من تجده أهلاً للقيام بهذه المهمّة، بل تكون خلافة الخليفة مشروعة ولو تسلّط بالقهر والقوّة على الحكم، ومن هنا تجب طاعته والانقياد تحت لوائه سواء حاز بعض الشروط كالعدالة الظاهرية أم لم يحزها.
ومن هنا يرون بأنّ الإمامة والقيادة أمر فرعي، وليست من أصول الدين التي تحتاج إلى النظر والمعرفة، كما هو حال التوحيد والنبوّة.
أما مذهب أهل البيت(عليهم السلام) فهو يرى بأنّ الإمامة مهمّة إلهيّة مثل النبوّة، وتكملة لمسيرها، وهي مستمرة إلى يوم القيامة، وبالتالي تحتاج الإمامة إلى النصّ الشرعي في تعيين الإمام، كما تحتاج إلى العصمة على نفس المستوى لدى الأنبياء والرسل ولنفس الأسباب.
إنّ الإمام في مذهب أهل البيت(عليهم السلام) يمثّل المرجعيّة الدينيّة التي بيدها هداية الناس إلى مقاصد الشريعة وإنّ لهذه الهداية أبعاد مختلفة تكوينيّة وتشريعيّة، وتشمل جميع الأصعدة العقائديّة والأخلاقيّة الشرعيّة والقياديّة، ولهذا تكون أقوال الإمام وأفعاله وتقريراته حجّة شرعيّة منجزّة ومعذِّرة كحجيّة أقوال الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)وأفعاله وتقريراته.
إذن فالإمامة في مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ليست مجرّد قيادة سياسيّة، بل هي إمامة إلهية وهي أعمق من القيادة السياسيّة بكثير، وهي تحتاج إلى العصمة وبدونها لا تكتسب المشروعيّة.
(93) عبدالقادر الحبشي
(شافعي / أندونيسيا)
ولد في أندونيسيا، بمدينة "جاكرتا"، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب ثمّ اطّلع على مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عن طريق مطالعة لبعض الكتب الشيعيّة، فتوصّل من خلال مطالعاته وبحثه إلى حقائق زعزعت كيانه العقائدي ثمّ أطاحت بمرتكزاته الفكريّة السابقة وشيّدت له بنية معرفيّة جديدة تستقي من ينبوع معارف أهل البيت(عليهم السلام).
معرفة عظمة الإمام علي(عليه السلام):
وجد "عبدالقادر الحبشي" خلال مطالعته لتاريخ صدر الإسلام بأنّ المنزلة التي يحظى بها الإمام علي(عليه السلام)بخلاف ما كان يصوّرها له علماء مذهبهم.
وتوصّل إلى هذه الحقيقة بأنّ الإمام علي(عليه السلام) كان أقرب الناس من رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وقد وردت نصوص نبويّة كثيرة مبيّنة لهذه الحقيقة منها:
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "إنّ أخي ووزيري وخير من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب"(1).
وقد ورد عن أبي سعيد الخدري، عن سلمان الفارسي، قال: قلت يارسول الله ، لكل نبيّ وصيّ فمن وصيّك؟
____________
1- المناقب للخوارزمي: ص 112،ح121.
فقال: هل تعلم من وصيّ موسى؟
قلت: نعم، يوشع بن نون
قال: لم؟
قلت: لأنّه كان أعلمهم.
قال: فإنّ وصيي وموضع سرّي، وخير من أترك بعدي، وينجز عدّتي، ويقضي ديني علي بن أبي طالب(1).
وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) أيضاً: "علي منّي مثل رأسي من بدني"(2).
وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "خير من يمشي على الأرض بعدي علي بن أبي طالب"(3).
وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعلي: أنت خير أمتي في الدنيا والآخرة"(4).
الالتفات إلى الحقيقة الكبرى:
وجد "عبدالقادر الحبشي" بعد مواصلته للبحث في الصعيد العقائدي بأنّ تأكيد الرسول(صلى الله عليه وآله) على الإمام علي(عليه السلام)لم يكن من منطلقات اعتباطيّة، بل يكمن في ذلك سرّ وهو أنّ الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) كان يريد إفهام الناس بأنّ الإمام عليّاً(عليه السلام)يمتاز بمنزله خاصّة عند الله تعالى، وأنّ الله تعالى يأمرهم باتّباعه والسير على خطاه من بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله).
____________
1- المعجم الكبير، الطبراني: 6 / 221، ح 6063. 2- المناقب للخوارزمي: ص144،ح167. 3- مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه: 111،ح127. 4- المصدر السابق.
فلبّى "عبدالقادر الحبشي" الأمر الألهي وغيّر معتقداته السابقة بعد أن اطّلع على الحقّ وعلى ما يريده الله تعالى ثمّ أعلن استبصاره ثمّ بدأ بتوعية من حوله وإخبارهم ببعض الحقائق الخافية عنهم.
(94) محمّد بنِ مسعود السلمي
السمرقندي العياشي
(سنّي / أوزبكستان)
أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش، ويُعرف بالعياشيء وهو من أهل "سمرقند"، من توابع "أوزبكستان"، وقيل: أصله عربي تميمي، فيكون سمرقندياً من حيث الوطن.
كان في بداية حياته من أتباع المذهب السنّي، فبقي على معتقده هذا وبعد فترة زمنيّة صار من علماء أهل السنة، فأكثر من رواية أحاديثهم، بل صنف كتباً من رواياتهم، ولكنّه لسعة علمه وكثرة اطلاعه لم تبقى عينيه محجوبة عن نور الحقيقة طويلاً، ولم يبق في السراب الذي يحسبه الضمآن ماءً، بل تشرّف وتنوّر قلبه بمعرفة الحقّ المتمثل بمذهب آل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان ذلك في بداية حياته وحداثة سنّه.
عصره الذي عاش فيه:
عاش "محمّد بن مسعود العياشي" في النصف الثاني من القرن الثالث، والنصف الأوّل من القرن الرابع، وذلك لأنّ الكشّي الذي عاش في النصف الأوّل من القرن الرابع روى عنه كثيراً في رجاله، وورد في كتاب رجال الكشي:
"أنّ العياشي كتب إلى الفضل بن شاذان"، والفضل توفّي سنة 260هـ.
منزلته والثناء عليه:
إنّ من يراجع كتب الرجال يجد أنّ مؤلّفي هذه الكتب وصفوه بأوصاف، ولقبّوه بألقاب، وقلّدوه أوسمةً قلّما ذكروها لغيره من الرواة والعلماء، وممّا ذكروه في حقّه:
قالوا: من فقهاء الشيعة، ثقة، صدوق، جليل القدر، واسع الأخبار، بصير بالروايات، مطّلع عليها، غزير العلم، نقّاد الرواية والرجال، فكانت كتبه لها شأن من الشأن، فصار عين من عيون الطائفة، بل أوحد دهره وزمانه، وأكثر أهل المشرق علماً وفضلاً وأدباً وفهماً ونبلاً، فنال مرتبة شيخ الطائفة بل رئيسها وكبيرها في زمانه.
شيوخه وتلامذته:
إنّ هكذا شخصيّة عملاقة، وهكذا عالم متبحّر لابدّ أن تزيد مشايخه وتكثر أساتذته، فقد أحصت له بعض كتب الحديث والرواية أكثر من عشرين شيخاً، منهم على سبيل المثال: إبراهيم بن محمّد بن فارس، ومحمّد بن أحمد المروزي وإسحاق بن محمّد البصري، كلّهم من أصحاب الإمام الهادي(عليه السلام)، وعبد الله الطيالسي، والفضل بن شاذان النيسابوري.
وبطبيعة الحال فإنّ لهذه الشخصية تلاميذة كثيرين، وقد أحصت بعض الكتب أربعين تلميذاً وراوياً، منهم: حيدر بن محمّد السمرقندي وابنه جعفر بن محمّد بن مسعود العياشي، وأحمد بن عيسى بن جعفر العلوي وأبو نصر أحمد بن يحيى، والكشّي صاحب الرجال المعروف، وغيرهم.
إنجازاته العلمية:
تبحّر "العياشي" في علوم كثيرة، وغاص في بحارها المتلاطمة، فكان فقيهاً
محقّقاً وعارفاً مدقّقاً ومؤرّخا كبيراً ومفسّراً بارعاً، وخلّف وراءه كتباً قيّمة في علوم مختلفة، في الفقه والتفسير وعلوم القرآن والمعارف العامّة والإمامة والرجال والاحتجاجات والمناظرات والأخلاق والتاريخ والسيرة والنجوم.
إنجازاته الثقافية:
نقلت مصارد التراجم أنّه أنفق للعلم كلّ تركة أبيه التي ورثها منه، وكان فعله هذا منشأ استغراب بعض من ترجم له ونقل هذا عنه.
ولكن العياشي العالم بل الزعيم وكبير طائفة الشيعة أتباع أهل البيت(عليهم السلام)الذين أمروا الناس بالتعليم والتعلّم، والمطالعة والمذاكرة وبالتحقيق والمتابعة، ليس من الغريب على هكذا رجل أن ينفق كلّ ما ورثه من أبيه في هذا الطريق، وإنّ كان ماورثه ليس بالمال القليل، فإنّ التركة كانت 300 ألف دينار وكان هذا مبلغاً ضخماً جداً آنذاك، ولكن عندما نضعه أمام إنجازاته ونشاطاته التي قام بها سنجد هذا المبلغ بسيطاً; لأنّ داره لم تكن داراً عادية، بل نقلت لنا المصادر أنّها كانت مملوءة بالناس بين ناسخ أو مقابل أو قارئ أو معلّق.
فإذا أردنا أن نفسّر هذه الكلمات بمصطلحات اليوم فلابدّ أن نقول: إنّ بيته كان مطبعة لطباعة الكتب الدينية والعلمية، وكان مركزاً تحقيقياً يتمّ فيه عمليات المقابلة والتصحيح والشرح والتعليق، وكان مكتبة عامّة وعامرة لمطالعة أنواع الكتب في مختلف العلوم.
ونقلت لنا المصادر أيضاً: أنّ داره كانت مدرسة للمشتغلين ومعهداً علمياً لطلبة العلوم الدينية، وكان فيها مجلس للخاص وآخر للعام.
وهذا يعني أنّ بيته كان جامعة علمية لطلاب العلم والمعرفة، وكان مركزاً ثقافياً اعتاد الشيعة ارتياده ونزوله، بل وكُلّ أهل العلم، وقد تخرّج منه مئات العلماء والرواة.
وكان في داره مجلس للخاص ومجلس للعام، فلم يفتح داره للشيعي فحسب، بل فتحها للسنّي أيضاً، ولكلّ محبّ للعلم وكلّ من يريد الاطلاع والمعرفة، وبذلك يكون قد فتح باباً للتعرّف على الشيعة ومذهبهم; لأنّه يعلم من خلال تجربته التي خاضها والتي أوصلته إلى الحقيقة بأنّ مذهب أهل البيت(عليهم السلام)يجذب كلّ من يتعرّف عليه، ففتح هذا الباب عسى أن تنجذب روحاً تائهة إلى نور المعرفة، فتذوّق حلاوة الحقيقة، كما انجذبت روحه من قبل فصارت نوراً مشعّاً بمعارف أهل البيت(عليهم السلام).
مؤلّفاته:
ترك "العياشي" تراثاً ضخماً من كتب ورسائل في مختلف العلوم، وقد أحصت بعض المصادر كتبه فبلغت أكثر من 200 كتاباً، منها:
(1) ابتداء فرض الصلاة ، (2) إثبات المسح على القدمين ، (3) الأجوبة المسكتة ، (4) احتجاج المعجزة ، (5) الاستخارة ، (6) ، ردّ الكيسانية ، (7) الأنبياء والأئمة ، (8) الأوصياء ، (9) البيوع ، (10) التجارة ، (11) التفسير ، (12) التقيّة ، (13) التنزيل ، (14) الجمع بين الصلاتين ، (15) الجنّة والنار ، (16) الجهاد ، (17) الحدود ، (18) الخمس ، (19) دلائل الأئمة(عليهم السلام) ، (20) الرهن ، (21) الزكاة ، (22) الزهد ، (23) الصلاة ، (24) الصلاة على الأئمة(عليهم السلام) ، (25) صلاة الغدير ، (26) الصوم ، (27) الطبّ ، (28) العالم والمتعلّم ، (29) الغيبة ، (30) فرض طاعة العلماء ، (31) فضائل القرآن ، (32) القضاء وآداب الحكّام ، (33) القول بين القولين ، (34) المتعة ، (35) محبة الأوصياء ، (36) معرفة الناقلين ، (37) النجوم والفال والقيافة والزجر، وغيرها(1).
____________
1- مصادر الترجمة: فهرست ابن النديم: 244، رجال الشيخ الطوسي: 440 ]6282[ فهرست الشيخ الطوسي: 396 ]605[، رجال النجاشي: 350 ]944[ خلاصة الأقوال: 246 ]836 [القسم الأوّل، رجال ابن داود: 184 ]1502[، القسم الأوّل، مستدركات أعيان الشيعة 6:307، الذريعة 4:295، وغيرها.
ما وصل من كتبه:
لم يصل من تراث "العياشي" الضخم هذا إلاّ كتاباً واحداً، بل جزء كتاب، وهو الجزء الأوّل من تفسيره، وقد تناقلته أيدي العلماء جيلاً بعد جيل، فكان عند الحاكم الحسكاني، وجعله أحد مصادر كتابه شواهد التنزيل، وكان عند الشيخ الطبرسي، وجعله أحد مصادر تفسيره أيضاً، ثمّ عند الشيخ ابن شهرآشوب، ونقل عنه في كتابه مناقب آل أبي طالب، وكان عند السيّد ابن طاوس، ونقل عنه في بعض مؤلّفاته، وعدّه الكفعمي من جملة مصادر كتابه جنّة الأمان (المصباح) ومن عصر إلى عصر كان هذا الكتاب أحد مصادر كتب التفسير(1).
قال الطهراني في الذريعة: موجود نصفه الأوّل إلى آخر سورة الكهف في الخزانّه الرضوية وفي تبريز عند الخياباني إلى أن قال: ولكنه مع الأسف محذوف الأسانيد(2)
____________
1- مستدركات أعيان الشيعة 6:307. 2- الذريعة 4:295.
(95) تاتانيا فاليريفنا
(مسيحية / أوكرانيا)
ولدت عام 1389هـ (1970م) في "كييف" عاصمة أوكرانيا، ونشأت في أسرة تعتنق المذهب الأرثوذكسي، ثمّ توفّرت لها فرصة التعرّف على الحقّ المتمثّل بمذهب أهل البيت(عليهم السلام) عن طريق زوجها الشيعي الذي كان من أهل لبنان وكان يسكن في منطقة "الشياح" (جنوبي بيروت)، فاستسلمت لنداء الحقّ واستبصرت.
وفيما يلي تبيّن "تاتانيا" بعض وجهات نظرها بعد الإستبصار في اللقاء الصحفي الذي أجرته معها مجلّة نور الإسلام:
س ـ نرجوا إعطائنا أولاً فكرة عن محيطك ونشأتك قبل اعتناقك الإسلام.
ج ـ أرحّب بكم وبمجلة (نور الإسلام) أوّلاً، وأجيب على سؤالكم الكريم بأنّني أدعى تاتانيا فاليريفنا جابر، ولدت في أسرة ذات مستوى ثقافي جيّد، فقد كان أبي يعمل مسؤولاً في مصنع لقطع السيارات، وكانت أمّي تعمل محاسبة في شركة للحاسبات الإلكترونية، والدي من روسيا البيضاء، ووالدتي أوكرانيّة، وجدّي يوغسلافي، وجدّتي بولونية، وقد جمعت بذلك بين أصول مختلفة، وقد ولدت في (كييف) عاصمة أوكرانيا سنة 1389هـ (1970م)، وأنا البنت الكبرى لعائلة من ثلاثة أولاد، وكانت علاقتي بأسرتي حميمة، وكنّا نعيش
كأيّ أسرة شرقية، تعتنق المذهب الارثوذكسي كدين تقليدي، حيث يذهب أكثر الناس هناك إلى الكنيسة انسجاما فقط مع التقاليد والعادات، وليس بسبب الإيمان بتلك الشعائر والطقوس; لأنّ المفاهيم الماركسية كانت قد أوجدت جوّاً معادياً لأيّة عقيدة دينية!
وبموجب تلك الأنظمة التي كانت سائدة، كان يحظر على الطلاب المسيحيين من الشبيبة الروسية أن يذهبوا إلى الكنيسة لغرض العبادة، بل كان يسمح لهم بذلك على اعتبار أنّ الكنائس هي كالمتاحف، أماكن للزيارة والاستطلاع وليست للصلاة.
س ـ وماذا عن المجتمع الذي نشأت فيه ونظرته للدين؟
ج ـ إنّ المجتمع الذي نشات فيه كان مجتمعاً ماركسياً ـ لينينياً، تقوم النظرة فيه على دكتاتورية البروليتاريا، وكان الحزب الشيوعي يوجّه الشبيبة (الكومسومول) توجيهاً خاصّاً يصنع منهم ماركسيين فيما بعد.
وقد ساد هذا الطابع وشمل كلّ جوانب الفكر والمجتمع حتّى الفن، وكانت التربية تقوم على الإلحاد وكنت واحدة من بين آلاف الأعضاء المنتمين إلى حركة الشبيبة (الكومسومول)، وكنت أعمل على نشر المبادئ السائدة آنذاك لدى النظام قبل تعرّفي على الإسلام.
وقد كانت الثقافة التعليمية في المدارس تستخدم الآيديولوجية القائمة على أساس الإلحاد، ولم أكن أعرف إلاّ هذه التعاليم التي تدور حول ماركس ولينين والنظام الشيوعي الذي كان يتحتّم علينا الإخلاص له. وكنّا نتلقّى بعض المعلومات الدينية التي تنظر إلى الدين كحركة اجتماعية مرّت وعبرت، كشكل من أشكال الوعي الاجتماعي، هذه نقطة أساسية أولى. والنقطة الثانية تقوم