الصفحة 461

موسى(عليه السلام)، ولم يستثني من منازل ومراتب هارون من موسى إلاّ النبوّة حيث قال: "يا عليّ أمّا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي"(1)وهذا النفي والسلب هو في الحقيقة من باب "السالبة بإنتفاءِ الموضوع" . إذ لم تكن بعد رسول الله الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم) نبوّة حتّى يكون عليّ نبيّاً من بعده إذ بنبوة رسول الإسلام ختمت النبوات وبشريعته ختمت الشرائع ولقد كان لهارون ـ بنصّ القرآن الكريم ـ مقام "النبوة"(2) و"الخلافة"(3) و"الوزارة"(4) في زمان موسى، فقد أثبت حديث "المنزلة" جميع هذا المناصب الثابتة لهارون للإمام عليّ(عليه السلام) ما عدا النبوّة على أنّه إذا لم يكن المقصود من هذا الحديث هو اثبات جميع المناصب والمقامات لعليّ إلاّ النبوة، لم يكن اية حاجة إلى استثناء النبوّة .

3ـ حديث السفينة:

لقد شبّه النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) أهل بيته بسفينة نوح التي من ركبها نجا، ومن تخلفّ عنها غرق وهوى، كما قال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) : "إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق"(5).

ونحن نعلم أنّ سفينة "نوح" كانت هي الملجأ الوحيد لنجاة الناس من الطوفان في ذلك الوقت.

____________

1- صحيح البخاري: 5: 129، باب غزوة تبوك، وانظر 4: 208، باب مناقب المهاجرين، صحيح مسلم: 7: 120، 121، سنن ابن ماجة 1: 43، مسند أحمد 1: 173، 175، 177، 179، 182، 185.

2- {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} مريم (19): 53.

3- {وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} الأعراف (7): 142.

4- {وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي} طه (20): 29.

5- انظر مستدرك الحاكم 3: 151 مجمع الزوائد 9: 168، المعجم الأوسط 4: 10، الجامع الصغير للسيوطي 1: 373.


الصفحة 462

وعلى هذا الأساس فإنّ أهل البيت النبويّ وفقاً لحديث السفينة هم الملجأ الوحيد للأمّة للنجاة من الحوادث العصيبة والوقائع الخطيرة التي طالمّا تؤدّي إلى انجراف البشرية وضلالها.

4ـ حديث "أمان الأمة":

لقد وصف النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أهل بيته بكونهم سببا لوحدة المسلمين، وممّا يوجب ابتعادهم عن الاختلاف والتشتّت وأماناً من الغرق في بحر الفتنة، إذ قال(صلى الله عليه وآله وسلم): "النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمانٌ من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس"(1).

ولهذا شبّه النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أهل بيته الكرام بالنجوم التي يقول عنها الله سبحانه: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}(2).

5ـ حديث الثقلين:

إنّ حديث الثقلين من الأحاديث الإسلاميّة المتواترة، التي نقلها ورواها علماء الفريقين في كتبهم الحديثية.

فقد خاطب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الأمة الإسلاميّة قائلاً: "إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إنّ تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض"(3).

____________

1- مستدرك الحاكم 3: 149.

2- النحل (16) : 16.

3- انظر صحيح مسلم 7: 122، سنن الترمذي 5: 328، سنن الدارمي 2: 432، مسند أحمد 3: 14، 17، 26، 59 و ج4: 52، 366 و371، و ج5: 182 و189، فضائل الصحابة للنسائي ص15، مستدرك الحاكم 3: 109، 148 و533، وغيرها. ويمكن مراجعة رسالة "حديث الثقلين" من منشورات دار التقريب بين المذاهب الإسلاميّة القاهرة، مطبعة مخيمر، في هذا المجال أيضاً.


الصفحة 463

إنّ هذا الحديث، يثبت بوضوح المرجعيّة العلمية لأهل البيت النبوي جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم ويلزم المسلمين بأن يتمسّكوا في الأُمور الدينيّة بأهل البيت(عليهم السلام) إلى جانب القرآن الكريم، ويلتمسوا رأيهم .

ما هي وظائف الإمام بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم):

أثرنا في مطلع بحث الإمامة إلى أنّ خليفة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام انّما هو في نظر المسلمين من يقوم بوظائف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) "ما عدا تلقيّ الوحي والاتيان بالشريعة" ونورد هنا أبرز هذه الوظائف لتتبيّن مكانة الإمامة، وأهميتها بصورة أوضح.

ألف ـ تبيين مفاهيم القرآن الكريم، وحلّ معضلاته، وبيان مقاصده، وهذا هو من أبرز وظائف النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويقول عنها القرآن الكريم: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}(1).

ب ـ بيان الأحكام الشرعيّة، فقد كان هذا العمل من وظائف النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)حيث كان يقوم بذلك عن طريق تلاوة الآيات المتضمّنة للأحكام حيناً، وعن طريق السنّة حيناً آخر .

ثمّ إنّ بيان الأحكام من جانب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) تمّ بصورة تدريجية، ومتزامناً مع وقوع حوادث جديدة، وظهور إحتياجات حديثه في حياة الأمّة، ومثل هذا الأمر يقتضي بطبيعته أن تستمر هذه الوظيفة، لعدم انحصار الحاجات بما حدث في عصره.

ج ـ إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) محوراً للحق، وكان بتعليقاته، يمنع من تطرق أيّ انحراف، وتسرّب أيّ إعوجاج في عقائد الأمّة ولهذا لم يحدث أيّ تفرق عقائدي،

____________

1- النحل (16) : 44.


الصفحة 464

وأي تشتت مذهبيّ في عصره أولم يكن هناك أرضية لظهور ذلك.

د ـ الإجابة على الأسئلة الدينيّة والاعتقادية، فقد كان هذا العمل هو الآخر من وظائف النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) الهامّة.

هـ ـ اقامة القسط والعدل والأمن العام الشامل في المجتمع الإسلاميّ، وظيفة أخرى من وظائف النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم).

و ـ حفظ الثغور، والحدود، والثروة الإسلاميّة اتجاه الأعداء هو أيضاً من مسؤوليات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ووظائفه.

إنّ الوظيفتين الأخيرتين وان أمكن القيام بهما من قبل الخليفة الذي تختاره الأمّة، لكن من المسلّم والقطعيّ أنّ القيام بالوظائف السابقة دون بيان مفاهيم القرآن الكريم الخفيّة، الغامضة، وبيان أحكام الشّرع و...و...

يحتاج إلى قائد واع خبير يكون موضع عناية الله الخاصة، كما يكون في علمه صنو النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ونظيره، أي أن يكون حاملاً للعلوم النبوّية، ومصوناً من كلّ خطأ وزلل، ومعصوماً من كلّ ذنب وخطل; ليستطيع القيام بالوظائف الجسيمة المذكورة، وليملأ الفراغ الذي أحدثه غياب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بسبب وفاته، في الظروف الزاخرة بالأحداث الحلوة والمرّة، وبالوقائع الحرجة.

إنّ من البديهيّ أنّ تشخيص مثل هذا الشخص، والمعرفة به لإيكال منصب القيادة إليه، خارجُ عن حدود علم الأمّة ونطاق معرفتها، ولا يمكن أن يتمّ بغير رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وبالأمر الإلهيّ وتعيينهما ايّاه.

ومن الواضح أيضاً أنّ تحقّق الأهداف المذكورة يكون مع حماية النّاس، واستجابتهم واطاعتهم للقائد المعيّن، بواسطة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)ومجرّد التعيين الإلهيّ والنصّ النبويّ على الخليفة لا يكفي لتحقّق الأهداف والوظائف السالفة. "إذ لا رأى لمن لا يطاع".

وهذا جاز حتّى في القرآن الكريم والنبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه، فإنّهما مالم


الصفحة 465

يطاعا لا تتحقق أهدافهما.

إنّ الحوادث السلبيّة، وتشتّت كلمة المسلمين الذي حدث بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن بسبب انّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقم بوظيفته الحكيمة "والعياذ بالله"، ولا لأجل انّه عرض على المسلمين اطروحة ناقصة، بل حدث ما حدث من المشاكلّ الأليمة بسبب أنّ بعض أفراد الأمّة رجّحوا نظرهم على نظر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وقدّموا مصالحهم الشخصية على تنصيص الله ورسول وتعيينهما.

ولم يكن هذا هو المورد الوحيد الذي حدثت فيه مثل هذه الواقعة في التاريخ، بل لذلك نظائر عديدة في تاريخ الإسلام(1).

____________

1- راجع كتاب "النص والاجتهاد" تأليف العلاّمة السيّد عبد الحسين شرف الدين العاملي.


الصفحة 466

(107) يوسف زبير سرنجوجي

(شافعي / أوغندا)

ولد عام 1389هـ (1970م) في أوغندا بمدينة "كانكيسا"، واصل دراسته الأكاديمية حتّى المرحلة الثانوية، ثمّ توجّه نحو الدراسة الدينية، فأصبح بعدها إمام مسجد منطقته.

منطلق تحوّله المذهبي:

يقول "يوسف زبير" عندما أكملت الدراسة في المرحلة الابتدائية، التحقت بمدرسة أهل البيت(عليهم السلام) في مدينة جينجا، وكانت هذه المدرسة شيعية، وكان أساتذة هذه المدرسة يبيّنون للطلبة بين الحين والآخر بعض الحقائق التاريخية، ومن جملتها الاختلافات التي وقعت بين المسلمين بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) حول الخلافة الإسلاميّة.

وبمرور الزمان وبعد اجتيازي مرحلة النضج واستلامي مهمّة إمامة جماعة مسجد منطقتنا، واتجاهي نحو البحث والتحقيق أحببت التثبت ممّا ذكروه لنا هؤلاء الأساتذة، فخصّصت بعض الوقت للبحث حول الاختلافات التي وقعت بين المسلمين حول مسألة الخلافة الإسلامية.

وبعد البحث تعرّفت على حقائق دفعتني إلى التخلّي عن عقائدي الموروثة ، والاتجاه نحو عقائد مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ومن ذلك الحين عرفت سمو مقام أهل البيت(عليهم السلام) عند الله تعالى، وعرفت المظلومية التي واجهوها بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم). فاتخذت القرار باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فأعلنت بعد ذلك استبصاري، ثمّ


الصفحة 467

تصدّيت لمهمّة التدريس والتبليغ، وإمامة الجماعة في جامعة "غولو" الواقعة في شمال أوغندا.

تأثّره بأخلاق أهل البيت(عليهم السلام) :

يقول يوسف زبير: إنّ من جملة الكتب التي تأثّرت بها في استبصاري كتاب "أخلاق أهل البيت(عليهم السلام)" "للسيد مهدي الصدر".

وقد جاء في هذا الكتاب: "إنّ علم الأخلاق هو العلم الباحث في محاسن الأخلاق ومساوئها، والحثّ على التحلّي بالأولى والتخلّي عن الثانية.

ويحتل هذا العلم مكانة مرموقة، ومحلاً رفيعاً بين العلوم، لشرف موضوعه وسموّ غايته.

فهو نظامها، وواسطة عقدها، ورمز فضائلها، ومظهر جمالها، إذ العلوم بأسرها منوطة بالخلق الكريم، تزدان بجماله، وتحلو بآدابه، فإن خلت منه غدت هزيلة شوهاء، تشير السخط والتقزر.

ولابدع فالأخلاق الفاضلة هي التي تحقّق في الإنسان معاني الإنسانية الرفيعة، وتحيطه بهالة وضّاءة من الجمال والكمال، وشرف النفس والضمير، وسموّ العزة والكرامة، كما تمسخه الأخلاق الذميمة، وتحطّه إلى سويّ الهمج والوحش"(1).

اختلاف المناهج الأخلاقيّة:

"تختلف مناهج الأبحاث الخلقية وأساليبها باختلاف المعنيّين بدراستها من القدامى والمحدثين: بين متزمّت غال في فلسفته الخلقية، يجعلها جافّة مرهقة عسيرة التطبيق والتنفيذ، وبين متحكّم فيها بأهوائه، يرسمها كما اقتضت تقاليده الخاصة، ومحيطه المحدود، ونزعاته وطباعه، ممّا يجرّدها من صفة الأصالة والكمال، وهذا ما يجعل تلك المناهج مختلفة متباينة، لا تصلح أن تكون دستوراً

____________

1- أخلاق أهل البيت(عليهم السلام) السيّد مهدي الصدر: 5 ـ 6.


الصفحة 468

أخلاقياً خالداً للبشرية"(1).

أفضل المناهج الأخلاقية:

"الملحوظ للباحث المقارن بين تلك المناهج أنّ أفضلها وأكملها هو: النهج الإسلامي، المستمد من القرآن الكريم، وأخلاق أهل البيت(عليهم السلام)الذي ازدان بالقصد والاعتدال، وأصالة المبدأ، وسمو الغاية، وحكمة التوجيه، وحسن الملائمة لمختلف العصور والأفكار.

وهو النهج الفريد الأمثل الذي يستطيع بفضل خصائصه وميزاته أن يسمو بالناس فرداً ومجتمعاً، نحو التكامل الخلقي، والمثل الأخلاقية العليا، بأسلوب شيّق محبّب، يستهوي العقول والقلوب، ويحقق لهم ذلك بأقرب وقت، وأيسر طريق.

هو منهج يمثّل سمو آداب الوحي الإلهي، وبلاغة أهل البيت(عليهم السلام)، وحكمتهم، وهم يسيرون على ضوئه، ويستلهمون مفاهيمه، ويستقون من معينه، ليحيلوها إلى الناس حكمة بالغة، وأدباً رفيعاً، ودروساً أخلاقية فذّة، تشعّ بنورها وظهورها على النفس، فتزكّيها وتنيرها بمفاهيمها الخيّرة وتوجيههاالهادف البنّاء"(2)".

نماذج من أخلاق أهل البيت(عليهم السلام) :

اطلّع "يوسف زبير" على أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) حول المفاهيم الأخلاقية، وتجسّد هذه المفاهيم في سلوكهم، فانبهر بعظمة كلامهم وسمو أخلاقهم.

وكان من جملة المواقف التي جسّد فيها أهل البيت(عليهم السلام) الأخلاق:

1ـ حسن الخلق: ورد أنّه وقف على عليّ بن الحسين(عليه السلام) رجل من أهل بيته

____________

1- أخلاق أهل البيت(عليهم السلام) السيّد مهدي الصدر: 6.

2- المصدر السابق: 6 ـ 7.


الصفحة 469

فأسمعه وشتمه، فلم يكلّمه، فلمّا انصرف قال لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتّى تسمعوا ردّي عليه.

قال: فقالوا له: نفعل، ولقد كنا نحبّ أن تقول له ونقول، قال فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }فعلمنا أنّه لا يقول له شيئاً، قال: فخرج حتّى أتى منزل الرجل، فصرخ به، فقال: قولوا له: هذا عليّ بن الحسين قال: فخرج إلينا متوثّباً للشر، وهو لا يشكّ أنّه إنّما جاءه مكافئاً له على بعض ما كان منه.

فقال له عليّ بن الحسين(عليه السلام): "يا أخي، إنّك كنت قد وقفت عليّ آنفاً، وقلت.

فإن كنت قلت ما فيّ، فاستغفر الله منه".

وإنّ كنت قلت ما ليس في، فغفر الله لك.

قال: فقبّله الرجل ما بين عينيه، وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك، وأنا أحقّ به(1) .

2ـ الحلم وكظم الغيظ: ورد أنّ شاميّاً رأى الإمام الحسن(عليه السلام) راكباً، فجعل يلعنه! والحسن لا يرد، فلمّا فرغ، أقبل الحسن(عليه السلام)، فسلّم عليه، وضحك.

فقال: أيّها الشيخ، أظنّك غريباً، ولعلّك شبّهت.

فلو استعتبتنا أعتبناك.

ولو سألتنا أعطيناك.

ولو استرشدتنا أرشدناك.

ولو استحملتنا أحملناك.

وإن كنت جائعاً أشبعناك.

وإن كنت عرياناً كسوناك.

____________

1- إرشاد المفيد 2: 145، بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: 11: 17.


الصفحة 470

وإن كنت محتاجاً أغنيناك.

وإن كنت طريداً آويناك

وإن كانت لك حاجة قضيناها لك.

فلو حرّكت رحالك إلينا، وكنت ضيفاً إلى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كثيراً.

فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثمّ قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبُّ خلق الله إليّ، وحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل وصار معتقداً لمحبتّهم(1).

3ـ التواضع: قال ضرار حول الإمام عليّ(عليه السلام): "كان فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا، وقربه منا، لا نكاد نكلّمه هيبة له، فإن تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدين، ويقرّب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا يياس الضعيف من عدله"(2).

وقال الإمام الصادق(عليه السلام): "خرج أمير المؤمنين صلوات الله عليه على أصحابه، وهو راكب فمشوا معه، فالتفت إليهم فقال: ألكم حاجة؟

فقالوا: لا يا أمير المؤمنين، ولكنّا نحب أن نمشي معك.

فقال لهم: انصرفوا، فإن مشي الماشي مع الراكب، مفسدة للراكب ومذّلة للماشي"(3).

____________

1- مناقب آل أبي طالب 3: 184، بحار الأنوار العلاّمة المجلسي 9: 95.

2- انظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 18: 225، تاريخ مدينة دمشق 24: 401، أمالي الشيخ الصدوق: 724، كنز الفوائد للكراجكي: 270.

3- المحاسن للبرقي 2: 629، الكافي 6: 540.


الصفحة 471

4ـ القناعة: كتب المنصور العباسي إلى أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): لِمَ لا تغشانا كما يغشانا ساير الناس؟

فاجابه: ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له.

ولا أنت في نعمة فنهنيك بها، ولا تراها نقمة فنعزيّك بها، فما نصنع عندك؟

فكتب المنصور: تصحبنا لتنصحنا.

فأجاب(عليه السلام) "من أراد الدنيا لا ينصحك ومن أراد الآخرة لا يصحبك"(1).

5 ـ خشية الله تعالى: ورد في مناجاة الإمام زين العابدين(عليه السلام): "ومالي لا أبكي! ولا أدري إلى ما يكون مصيري، وأرى نفسي تخادعني، وأيامي تخاتلني، وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت.

فمالي لا أبكي!

أبكي لخروج نفسي.

أبكي لظلمة قبري.

أبكي لضيق لحدي.

أبكي لسؤال منكر ونكير إيّاي.

أبكي لخروجي من قبري عرياناً ذليلاً، حاملاً ثقلي على ظهري، أنظر مرّة عن يميني، وأخرى عن شمالي، إذ الخلائق في شأن غير شأني {لِكُلِّ امْرِئ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ}(2)(3).

____________

1- كشف الغمة 2: 427.

2- عبس: (80) : 37 ـ 41.

3- مصباح المتهجّد: 591، الصحيفة السجادية: 226 (أبطحي).


الصفحة 472

التحوّل المذهبي:

وجد "يوسف زبير" بعد اطلاعه على علوم ومعارف وأخلاق أهل البيت(عليهم السلام)، وبعد اطلاعه على النصوص الواردة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)حول تنصيبهم للإمامة الإلهية، بأنّ الأدلة والبراهين تحتّم عليه التحوّل المذهبي، والتخلّي عن مذهبه الذي تلقّاه من منطلق التقليد الأعمى من آبائه، والاتجاه نحو مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ولهذا اتّخذ "يوسف زبير" قراره النهائي وأعلن استبصاره، واعتناقه لمذهب أهل البيت(عليهم السلام).

وحاول البعض ممن حوله أن يرجعوه إلى مذهبه السابق عن طريق الاستهزاء به وشتمه ومحاربته نفسياً، ولكنّه صمد أمام جميع هذه المضايقات، وبدأ بنشر الحقائق التي توصّل إليها، وكان منطلق دعوته لزوجته وأولاده، فلم تمض فتره إلاّ واستبصر هؤلاء على يديه.

وتعرّف "يوسف زبير" ذات يوم على شخص مسيحي، فدعاه إلى الإسلام، وبيّن له علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام) فانجذب ذلك الشخص المسيحي نحو هذه العلوم والمعارف، وتوجّه نحو البحث حتّى استبصر.

كما استبصر مجموعة أشخاص آخرين أيضاً على يد "يوسف زبير" نتيجة الجهود المكثفة التي بذلها في نشر مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

وهو لا يزال مستمراً في كشف الحقائق للآخرين ودعوتهم إلى الحقّ وتقريبهم إلى مذهب التشيّع على رغم بعض العراقيل التي يضعها البعض من المخالفين في طريقه.

وقد وطنّ "يوسف زبير" نفسه لتحمّل كافة المشاكلّ في هذا السير ; لأنّه يعلم بأنّ أهل البيت(عليهم السلام) تحملّوا ما تحمّلوا في سبيل نشرهم للحق، والماضي على


الصفحة 473

سبيلهم أيضاً ينبغي أن يتحلّى بالصبر، وسيعينه الله تعالى في هذه الدنيا، ويساعده ويحعله في كنف رحمته، ثمّ يخلّده بعد الممات في جنانه، ويجعله من السعداء والفائزين، وهذه تجارة مربحة يسّرها الله تعالى للذين يتعاملون معه، ويبيعون أنفسهم وأموالهم لتكون لهم الجنة، وقد قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}(1) .

____________

1- التوبة (9): 111.


الصفحة 474

(108) إبراهيم بن محمّد الثقفي

(زيدي / إيران)

عاش في القرن الثالث الهجري حيث توفي سنة 283هـ ، كان زيدياً، ثمّ انتقل إلى مذهب الإمامية الاثني عشرية، أصله من الكوفة، ثمّ انتقل إلى إصفهان، وأقام بها، وكان سبب خروجه من الكوفة أنّه ألفّ كتاب المعرفة، وفيه المناقب المشهورة والمثالب، فاستعظمه الكوفيون، وأشاروا عليه أن يترك هذا الكتاب ولا ينشره، فقال: أي البلاد أبعد من الشيعة، فقالوا: إصفهان، فحلف: لا أروي هذا الكتاب إلاّ بها، فانتقل إليها ورواه بها ثقة منه بصحة ما رواه فيه.

ويقال: إنّ القميين كأحمد بن محمّد بن خالد وغيره وفدوا عليه إلى إصفهان وسألوه الانتقال إلى قم فأبى.

كان من العلماء المصنّفين، وهو صاحب كتاب الغارات المعروف، الذي أعتمده الأصحاب.

مؤلفاته:

له مصنفات كثيرة منها:

(1) المغازي ، (2) السقيفة ، (3) الردة ، (4) مقتل عثمان ، (5) الشورى ، (6) بيعة أمير المؤمنين(عليه السلام) ، (7) الجمل ، (8) صفين ، (9) الحكمين ، (10) النهروان، (11) الغارات ، (12) مقتل أمير المؤمنين(عليه السلام) ، (13) رسائل أمير المؤمنين(عليه السلام)


الصفحة 475

وأخباره وحروبه ، (14) قيام الحسن بن عليّ(عليه السلام) ، (15) مقتل الحسين(عليه السلام) ، (16) التوابين وعين الوردة ، (17) أخبار المختار ، (18) فدك ، (19) الحجة في فضل المكرمين ، (20) السرائر ، (21) المودّة في ذوي القربى ، (22) المعرفة ، (23) الحوض والشفاعة ، (24) الجامع الكبير في الفقه ، (25) الجامع الصغير ، (26) ما أُنزل من القرآن في أمير المؤمنين(عليه السلام) ، (27) فضل الكوفة ومن نزلها من الصحابة ، (28) كتاب في الإمامة كبير ، (29) كتاب في الإمامة صغير ، (30) كتاب المتعتين ، (31) الجنائز ، (32) الوصية ، (33) كتاب المبتدأ ، (34) أخبار عمر ، (35) أخبار عثمان ، (36) الدار ، (37) الأحداث ، (38) الحروب ، (39) الأسفار والغارات ، (40) السير ، (41) أخبار يزيد ، (42) أخبار ابن الزبير ، (43) التفسير ، (44) التاريخ ، (45) الرؤيا ، (46) الأشربة الكبير ، (47) الأشربة الصغير ، (48) زيد وأخباره ، (49) محمّد وإبراهيم ، (50) مَن قُتل مِن آل محمّد ، (51) الخطب المعرّبات ، (52) كتاب معرفة فضل الأفضل ، (53) كتاب الدلائل(1).

____________

1- أعيان الشيعة 2: 209 ـ 210.


الصفحة 476

(109) إحسان الله برتوي

(بهائي / إيران)

ولد لأبوين بهائيين، نشأ وترعرع في جو حافل بالبهائية، تربّى على عاداتهم وتقاليدهم، وصار حاله حال الكثير من البهائيين الذين لا يعرفون إلاّ القليل عن حقيقة دينهم، وهذه هي طبيعة الفرق القائمة على التقليد الموروث التي تعوّد أتباعها على عدم السؤال، والتأملّ في العقائد والأفكار خوفاً من نور العلم والحقيقة، وحتّى لا تنكشف سوآتها، ولا تنقشع ظلماتها; لأنّ ميدان الباطل هو الظلام والجهل.

في إحدى اللقاآت قابل "إحسان الله" أحد المؤمنين الذين تنوّرت أفكارهم بمصابيحُ الحقيقة، فبين له بعض الحقائق عن البهائية، وزيف عقائدهم، ثمّ بيّن له قوة العقائد الإسلاميّة وعقلانيّتها، لا سيّما الإسلام المتمثّل بخطّ أهل البيت(عليهم السلام).

وعلى أثر هذا اللقاء قام "إحسان الله" بمراجعة موروثه العقائدي، وأساسيّات دين البهائية، فوجده ديناً مزيفاً، مبتنياً على عبادة أشخاص حكمتهم شهواتهم، وقادتهم رغباتهم ونزواتهم، فلأجل ذلك تبرّأ منهم وترك دينهم، متجهّاً نحو البحث عن الدين الذي يتماشى مع الفطرة السليمة والعقل، فوجد الإسلام ـ وبالخصوص مذهب الشيعة ـ هو الفانون الإلهي الحري بالاتباع.

اعتنق "إحسان الله" الدين الإسلامي عن بصيرة ويقين، لكنّه لم يكتف إلى


الصفحة 477

هذا الحد، بل عمل جادّاً من منطلق إحساسه بالمسؤلية اتجاه أبناء مجتمعه ـ أتباع البهائية ـ ومن منطلق المبدأ الإسلامي القائل: "أحبّ لأخيك ما تحبّ لنفسك" على هداية الآخرين وتخليصهم من الظلمات والجهل، وذلك ببيان عقائد البهائية الباطلة، وبيان العقائد الإسلاميّة الحنيفة، كلّ ذلك من خلال المنطق والدليل والبرهان، وبالفعل فقد وفقه الله تعالى إلى هداية (86) بهائياً خلال (18) عاماً من التبليغ.

يقول "إحسان الله" في إحدى رسائله للجمعية الإسلاميّة في طهران: "لابد وأنتم تعلمون أنّ من يهدي الله على يديه رجلاً واحداً كيف يبلغ به الشعف والسرور في تلك الحالة.

إنّي أحد اعضاء الحمعيّة الإسلاميّة، وقد اهتديت على أثر دعوة أحد أعضاء هذه الجمعيّة الإسلاميّة، وهو الدكتور "غلام رضا فني" وقد مكنني الله تعالى طيلة (18) عاماً أن أجلب قلوب (86) بهائياً إلى الإسلام، وأحوّلهم من طريقة مزيّفة مزعومة تدعى "البابية والبهائية" إلى طريق الحقّ وصراط الإسلام" ثمّ يضيف قائلا: "إخواني الأعزاء، الدعوة إلى الحقّ وظيفة كلّ فرد من المسلمين على شريطة أن يحقق جيداً، هذا أوّلاً، وثانياً: أن يتفهّم معتقداته بصورة صحيحة، ثمّ يحاول مكافحة اللادينيّة، وهذا أمر بسيط جدّاً، حيث إنّي ولدت لأبوين بهائيين، وترعرعت في محيط حافل بالبهائية، ولكن في لقاء واحد مع أحد المخلصين تجلّت الحقيقة لدي، وتمكّنت من إبراز تلك الحقيقة التي توصّلت إليها، فهدى الله تعالى بها الكثير.

إخواني انهضوا لحماية القرآن والإسلام، فإنّ الله سيؤيّدكم وستنالون التوفيق.


الصفحة 478

أهم عقائد البهائية واساسها:

تأسّست الفرقة البهائية على يد الميرزا "حسين عليّ" الملقّب ببهاء الله لذلك سموّا أتباعه بهائيّة.

كان لهذا الرجل الكثير من الدعوات الباطلة والمزيّفة التي تعكس شراسة نفسه المنهومة في حبّ الدنيا، والجاه، والتسلّط، حاله حال أيّ إنسان غلبت شهوته عقله، ونزوته لُبّه، فسلّم زمام أمره إلى الشيطان، فأصبح في ظلمات ليس بخارج منها.

نعرض أهم دعاوى، وعقائد هذا الرجل التي هي أساس عقائد البهائيّة، وسيرى القارئ تخبّطه، أكاذيبه، فهو بعد أن كان يعتقد بنفسه أنّه خليفة أستاذه "عليّ محمّد الشيرازي" الملقب بالباب، أصبح ـ فيما بعد ـ نبياً مرسلاً تجب طاعته، ثمّ صار إلهاً تجب عبادته، فهو في تطوّر مستمر وتكامل دائم!!

البهاء وخلافة الباب:

بعد أن توفي "عليّ محمّد" وهو مؤسّس البابية، أوصى بأنّ الذي يخلفه هو "يحيى نور" وهو الأخ الأكبر "لحسين عليّ بهاء الله" ولكن رفض الأخير الوصيّة فيما بعد، وادّعى أنّ الوصاية في الحقيقة له، لذلك فقد نشبت بين الأخوين عداوات وصراعات دامية.

فأوّل دعوة ابتدأ بها "حسين عليّ البهاء" هي ادعاؤه أنّه الخليفة الشرعي للباب.

البهاء ودعوة النبوة:

بعد أن تمكّن "حسين عليّ بهاء" من دعوة الخلافة، وأصبح الزعيم المطلق للبابيّة، وجد مجرد هذا المقام لايفي بغرضه، ولا يحقق أُمنياته الشيطانية، فإلى


الصفحة 479

متى يبقى متقيداً بتعاليم أستاذه بل إلهه(1) إلى متى تبقى آراء غيره تأمره وتنهاه؟

لذا أملى عليه هواه أن يدّعي ما ادّعاه أستاذه ومعلّمه في أوّل أمره، فادّعى أنّه نبي، مرسل صاحب كتاب وشريعة نسخت ما قبلها.

قال في كتابه الأقدس: "قل يا ملأ البيان لا تقتلوني بسيوف الاعراض تالله كنت نائما أيقظني يد إرادة ربكم الرحمن وأمرني بالنداء بين الارض والسماء ليس هذا من عندي لو أنتم تعرفون".

وغير هذا من العبارات الكثيرة التي دلت على ادعائه هذا، وكذا أفعاله، وتصرفاته كلها تثبت هذا الأمر وهذا الادعاء.

البهاء ودعوة الألهية:

لم يكتف "البهاء" بدعوى النبوة، بل رفضت نفسه أن تنقاد حتّى لله تعالى هذه هي طبيعة النفوس المريضة التي سخّرها الشيطان لتكون في خدمته على الدوام، فادعى أنّه هو الإله الذي تجب طاعته، وعبادته، وهوالذي أرسل الرسل لهداية البشر.

قال في كتابه المبين وهو في السجن: "لاإله إلاّ أنا المسجون الفريد".

وقال: "قد افتخر هواء السجن بما صعد إليه نفس الله لو كنتم من العارفين".

وقال: "إنّ الذي خلق العالم لنفسه منعوه أن ينظر إلى أحد من أحبّائه إنّ هذا إلاّ ظلم مبين".

____________

1- أستاذه هو على محمّد الشيرازي الملقّب بالباب، مؤسّس البابية،، فإنّه ادّعى النيابة عن الإمام المهدي عجل الله فرجه ثمّ ادعى المهدوية ثمّ ادعى النبوة والرسالة، ثمّ ادعى الألوهية.


الصفحة 480

وقال: "إنّ الذي عمّر الدنيا لنفسه قد سكن في أخرب البلاد بما اكتسب أيدي الظالمين"(1).

هذه عقائد "حسين عليّ البهاء" التي انطلق منها، وأسّس عليها عقائده الأخرى، وهذه العقائد ـ وكما ترى ـ بدرجة من الوضوح بحيث يكفي وضوحها لإثبات بطلانها وبيان زيفها وغاية مبتدعها، فقد جمعت المحذورات من تناقض، وتضاد، وتهافت، وكأنّما النيابة، والنبوة، والألوهية، مراتب متسلسلة يمكن طيّها والوصول إلى أعلاها!!

فعندما وقف "إحسان الله" على حقيقة، وأساس عقائد البهائية، وجد نفسه يعبد إنساناً مثله، يأكلّ ويشرب، يصح ويمرض، ولا يستطيع أن يدفع السوء والبلاء عن نفسه، ولا يستطيع أن يخرج من سجنه، أو يرى أحبّته، والأبشع من هذا كلّه أنّ الإله قد مات ودفن.

عندما علم "إحسان الله" مدى زيف وبطلان هذه الفرقة وانحرافها، وغاية مؤسسها. تبرأ منهم، وترك دينهم، وعمل جاداً على فضحهم، وتخليص الأبرياء من حبائل مكرهم وخداعهم، وقد وفّقه الله تعالى لهداية الكثير ممّن أحبّ الحقيقة، واتّخذ الطريق الصحيح لمعرفتها.

____________

1- انظر كتاب: البابية والبهائية لمحمد اشتهاردي، وكتاب قصّة الباب والبهاء لمصطفى حسيني، وكتاب البهائية تاريخها وعقائدها عبد الرحمن الوكيل، وكتاب البابيون والبهائيون للدكتور همايون همتي، وكتاب البابيون والبهائيون في حاضرهم وماضيهم للسيد عبد الرزاق الحسني، وكتاب البهائية في الميزان للسيد القزويني، وكتاب نصائح الهدى والدين إلى من كان مسلماً وصار بابياً للشيخ البلاغي، وكتاب البابية والبهائية لأحمد بن حجر، وكتاب كشف الحيل لعبد الحسين آيتي .


الصفحة 481

(110) أنوشيروان المجوسي الإصفهاني

(مجوسي / إيران)

عاش أنوشيروان في القرن السادس الهجري، كان صاحب منزلة ومقام عند "خوارزم شاه" حاكم مدينة خوارزم المتوفي سنة (551هـ)، كان "أنوشيروان" يؤمن بالمجوسية، لكنّه تحوّل واعتنق الإسلام ديناً والتشيّع مذهباً بعدما رأى من الإمام عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام)ثامن أئمة الشيعة، كرامة ومنقبة بأن شافاه من المرض الخبيث الذي أصابه، فصار شيعياً موالياً لأهل البيت(عليهم السلام).

قصّة استبصاره:

يحدّثنا ابن حمزة عن قصّة استبصار "أنوشيروان" في كتابه الثاقب في المناقت ـ عند سرده لفضائل الإمام عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام)، قال: وأعجب من جميع ما ذكرناه، ما شاهدناه في زماننا، وهو أنّ أنوشيروان المجوسي الإصفهاني، كان بمنزلة عند خوارزم شاه، فأرسله رسولاً إلى حضرة السلطان سنجر بن ملك شاه، وكان به برص فاحش، وكان يهاب أن يدخل على السلطان، لما قد عرف من نفور الطبائع منه، فلمّا وصل إلى حضرة الرضا(عليه السلام)بطوس، قال له بعض الناس: لو دخلت قبّته، وزرته، وتضرّعت حول قبره، وتشفّعت به إلى الله سبحانه وتعالى، لأجابك إليه، وزال عنك ذلك.

فقال: إني رجل ذمّي، ولعلّ خدم المشهد يمنعوني من الدخول في حضرته، فقيل له: غيّر زيّك، وادخلها من حيث لا يطلّع على حالك أحد، ففعل، واستجار


الصفحة 482

بقبره، وتضرّع بالدعاء، وابتهل، وجعله وسيلة إلى الله سبحانه وتعالى، فلمّا خرج، نظر إلى يده، فلم ير فيها أثر البرص، ثمّ نزع ثوبه، وتفقّد بدنه، فلم يجد به أثراً، فغشي عليه، وأسلم، وحسن إسلامه، وقد جعل للقبر شبه صندوق من الفضّة وأنفق عليه مالاً، وهذا مشهور شائع رآه خلق كثير من أهل خراسان"(1).

الدعاء والتوسّل بأهل البيت(عليهم السلام) :

الدعاء هو القناة التي شرّعها الله تعالى للتوصّل إليه، والباب الذي فتحه لكافّة عباده، حتّى ينالوا المواهب الإلهية والألطاف الرحمانية، باب مفتوح باستمرار، لا يحدّه زمان ولا مكان، هديّة ورحمة من ربّ غفور كريم.

الدعاء عبادة كباقي العبادات، له شروط وآداب معيّنة، لابدّ للداعي أن يراعيها، حتّى ينال مراده، ويحقّق مرامه، وقد ذكرت للدعاء شروط وآداب.

من أهم تلك الشروط، والتي تؤثّر كثيراً في استجابة الدعاء: أن يجعل العبد بينه وبين الله "عزّ اسمه" واسطة لها وجاهة ومقام عنده تعالى، وتلك الواسطة هم الأنبياء والأوصياء والأولياء، الذين حازوا على المراتب، ونالوا أسمى المناصب،بما تحمّلوه من أذى في طريق بيان الحقيقة والعقيدة، في طريق هداية البشر وتخليصهم من الظلمات والتيه.

وهذه حقيقة حدّثنا عنها القرآن الكريم في عدّة مواضع، قال تعالى ـ ذامّاً للذين يرفضون أن يستغفر لهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ}(2)، وقد بيّنت لنا آية أخرى بأنّ الذين يستغفرون ويستغفر لهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يتوب الله عليهم ويرحمهم، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ

____________

1- الثاقب في المناقب: 205.

2- المنافقون (63) : 5.


الصفحة 483

الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً}(1)، وفي أمر إخوة يوسف(عليه السلام)، فإنّهم بعد اعترافهم الذنب، علموا أنّهم مرفوضون عند الله تعالى، وأنّ دعائهم واستغفارهم غير مقبول طلبوا من أبيهم أن يتوسّط لهم عند الله تعالى، ويستغفر لهم، عسى الله انّ يرحمهم ويتجاوز عن سيئاتهم {قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنّا كُنّا خاطِئِينَ * قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(2) .

وجاء في المعجم الكبير للطبراني: إنّ عثمان بن حنيف، قال لرجل ـ كانت عنده حاجة ـ : (إئت الميضأة فتوضأ، ثمّ إئت المسجد، فصل فيه ركعتين، ثمّ قل: (اللّهم إني أسألك وأتوجّه إليك بنبيّنا محمّد نبي الرحمة، يا محمّد، إنّي أتوجّه بك إلى ربّي، فتقضي لي حاجتي)، ففعل الرجل ذلك وقضيت حاجته(3).

يعكس لنا هذا النص مدى عمق ورسوخ هذه العقيدة والحقيقة في أذهان المسلمين، ومدى الاعتماد عليها والوثوق بها، والعمل على طبقها.

وهذه المنزلة وهذا المقام غير منحصر بأفراد معيّنين، بل هو لكل من أخلص عمله لله تعالى وصبر واستقام على طريق الحقيقة، وواجه المصاعب بقلب مطمئن، ولا يكون ذلك إلاّ لمن لم يَر لنفسه شيئاً في قبال الله تعالى، لمن أيقن أن كلّ ما عنده منه تعالى، فكان حبّه وبغضه في الله، وأقواله وأفعاله لله، وكيانه ووجوده لله، فجازاه الله على ذلك أحسن جزاء المحسنين، وأصبح ناجياً من النار متنعماً بنعم الجنّة، ومنجياً لغيره بإذن الله تبارك وتعالى.

وعلى رأس الأولياء الذين حازوا هذه الرتب، الأنبياء والأوصياء، وزبدة الأنبياء وفخرهم الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) وسيّد الاوصياء وعزّهم الإمام عليّ(عليه السلام)وأولاده الأئمّة(عليهم السلام) أهل البيت الذين انتشرت فضائلهم في كلّ مكان، وجرت على

____________

1- النساء (4): 64 .

2- يوسف (12): 97 ـ 98 .

3- المعجم الكبير للطبراني 9: 18.


الصفحة 484

كلّ لسان، وحدّث بها ونقلها الموافق والمخالف، حتّى أُلّفت الكتب والموسوعات في فضائلهم ومناقبهم وكراماتهم، ومقامهم الشامخ ومنزلتهم الرفيعة عند الله تعالى، من قبل من شايعهم وتابعهم ومن غير شيعتهم ومواليهم.

من الكتب التي ألّفها علماء السنّة في فضائل ومناقب أهل البيت(عليهم السلام) :

1ـ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت(عليهم السلام)، للحاكم الحسكاني.

2ـ الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمة(عليهم السلام)، لعلي بن محمّد بن أحمد المالكي المعروف بابن الصبّاغ.

3ـ نزول القرآن في مناقب أهل البيت(عليهم السلام)، لأبي نعيم الحافظ الإصفهاني.

4ـ المناقب، لابن المغازلي.

5ـ فضائل أهل البيت(عليهم السلام)، لموفق بن أحمد أخطب خوارزم الحنفي.

6ـ ينابيع المودّة لذوي القربى، لسليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي.

وغيرها من الكتب التي وصلت إلينا، أمّا التي لم تصل إلاّ عنوانها فكثيرة جدّاً.

ولكثرة ما ألّف عنهم(عليهم السلام) وكُتِبَ في فضائلهم، ومناقبهم، وشرح أحوالهم، وبيان تواريخهم، جمع الشيخ عبد الجبّار الرفاعي معجماً موسوعياً لخصوص الكتب المؤلّفة عنهم(عليهم السلام)، أسماه (معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت(عليهم السلام)) في أحد عشر مجلداً.

أمّا الكتب التي ذكرت أبواباً في فضائلهم، أو فصولا من مناقبهم وكراماتهم،فكثيرة جدّاً، يصعب إحصاؤها أو جمعها.

ففضائل أهل البيت(عليهم السلام) ومناقبهم وكراماتهم مشهورة من قبل جميع الفرق والطوائف، ومنزلتهم ومقاماتهم عند الله تعالى واضحة للجميع، ولا يكابر ولا يعاند


الصفحة 485

في ذلك إلاّ مريض أعمت العصبية عينه وأغلقت الجاهلية نوافذ فكره، فأصبح يعيش في متاهات مظلمة بعيدة عن النور والحقيقة.

الإمام عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام) :

هو الإمام الثامن من أهل البيت(عليهم السلام) من أئمّة الشيعة، وهو ابن الإمام موسى الكاظم، ابن الإمام جعفر الصادق، ابن الإمام محمّد الباقر، ابن الإمام عليّ السجاد، ابن الإمام الحسين الشهيد، ابن الإمام عليّ بن أبي طالب(عليهم السلام) وابن فاطمة الزهراء(عليها السلام) ابنة رسول الله محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم).

الكلام عن الإمام الرضا(عليه السلام) بطبيعته صعب جدّاً; لأنّ الكلام عنه كلام من بحر تتلاطم أمواجه، ويصعب أو لا يمكن الغور في أعماقه، فماذا نريد أن نقول عنه(عليه السلام) وهو العالم الرباني، وحيد دهره وفريد عصره، حكيم متألّه، عابد متنسّك، سياسي محنك قيادي مدبّر، الكلام عنه كلام عن الفضائل والمناقب، عن الكرامات والمحاسن، عن الإمامة والقيادة، عن الرياسة والريادة، كلام عن الدين عن الإسلام، عن الحقيقة والاستقامة، وقد امتلأت الكتب من فضائله، وذكر مناقبه، والاستشهاد بعلومه واحتجاجاته(عليه السلام).

قال ابن الاثير في كتاب جامع الأصول ـ عند ذكر الإمام الرضا(عليهم السلام) ـ: "إليه انتهت إمامة الشيعة في زمانه، وفضائله أكثر من أن تحصى، عليه رحمة الله ورضوانه"(1).

من فضائل الإمام الرضا(عليه السلام) :

نذكر فضيلتين من فضائله(عليه السلام) على سبيل المثال، والاّ فكراماته(عليه السلام) لا تحصى:

الفضيلة الأولى: ما نقله ابن حجر في الصواعق المحرقة، قال روى الحاكم عن محمّد بن عيسى عن أبي حبيب، قال: "رأيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)في المنام في المنزل

____________

1- جامع الاصول 13: 466 ]1913[.


الصفحة 486

الذي ينزل الحجّاج ببلدنا، فسلّمت عليه، فوجدت عنده طبقاً من خوص المدينة فيه تمر صيحاني، فناولني منه ثماني عشرة، فتأوّلت أن أعيش عدّتها، فلمّاكان بعد عشرين يوماً قدم أبو الحسن عليّ الرضا من المدينة، ونزل ذلك المسجد، وهرع الناس بالسلام إليه، فمضيت نحوه، فإذا هو جالس في الموضع الذي رأيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)جالساً فيه، وبين يديه طبق من خوص المدينة، فيه تمر صيحاني، فسلّمت عليه، فاستدناني، وناولني قبضة من ذلك التمر، فإذا عدّتها بعدد ما ناولني النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في النوم، فقلت: زدني، فقال: لو زادك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لزدناك"(1).

الفضيلة الثانية: عن ابن حبان، قال في كتاب الثقات ـ وابن حبان من كبار علماء السنّة وثقاتهم، وكتابه الثقات من الكتب المعروفة في الأوساط العلمية ـ قال: "ما حملّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس، فزرت قبر عليّ بن موسى الرضا (صلوات الله على جدّه وعليه)، ودعوت الله بإزالتها عنّي إلاّ استجيب لي، وزالت عنّي تلك الشدّة، وهذا شيء جرّبته مراراً، فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبّة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم أجمعين"(2).

فبركات الإمام الرضا(عليه السلام) وعطاياه، لم تنحصر على الشيعة، بل شملت غيرهم من باقي الطوائف الإسلاميّة، وحتّى غير الإسلاميّة، والشاهد الأوضح على هذه الحقيقة "أنوشيروان المجوسي" فعندما طلب من الإمام الرضا(عليه السلام)ـ صادقاًـ حاجته أعطاه(عليه السلام) ما يريد، وأبلغه منيته، وحقّق طلبته، وشافاه من مرضه الخبيث، بإذن الله تعالى.

فعندما رأى "أنوشيروان" ذلك من الإمام الرضا(عليه السلام) علم أنّ هذا الإنسان له منزلة وكرامة عند الخالق العظيم، لا يردّ دعاء من استجار به، وتقضى حاجة من لاذ بقبره، عندها تفتحت نوافذ فكره، واستيقظت جنود عقله، فراح متفكّرا متدبّراً:

____________

1- الصواعق المحرقة 2: 594.

2- الثقات 5: 325 ]2392[.


الصفحة 487

بأنّ من كان هذا مقامه، وهذه منزلته من الربّ المعبود، فلابد وأن تكون عقيدته صدق، وطريقه حقّ، والاّ لمّا نال هذه المرتبه السامية، وهذه الرفعة العظيمة.

وعندما استيقن "أنوشيروان" بهذا واطمأنّ به قلبه، بعد أن حكم به عقله، اعتنق الإسلام ديناً له والتشيّع مذهباً، فأصبح مسلماً، شيعياً، موالياً، عارفاً بحق الإمام ومقامه، ومنزلته، معلناً ذلك للجميع بلا شكّ ولا أدنى تردّد، وقد قدّم بعض الخدمات للضريح المطهّر، فأنشأ صندوقا خيرياً يوفر مستلزمات واحتياجات الروضة المطهّرة، هذا غير ما أنفقه من أموال على الضريخ المقدّس.


الصفحة 488

(111) جلال الدين محمّد بن أسعد الدواني الصديقي

(أشعري / إيران)

ولد "محمّد الدواني" في العقد الثالث من القرن التاسع، في قرية "دوان" التابعة لمدينة "كارون" إحدى نواحي محافظة فارس الإيرانية، ويعود نسبه إلى محمّد بن أبي بكر ابن الخليفة الأوّل .

نشأ وترعرع في أحضان والده، فأخذ منه رؤآه وأفكاره، وتربّى في تلك البيئة التي أملت عليه المعتقدات السائدة فيها، فأصبح سنّياً أشعرياً.

وقد اختلفت المصادر في تاريخ وفاته، ولكن تبيّن الشواهد والقرائن أنّه توفّي سنة 908هـ .

لم يحصر "الدواني" نفسه وعقله في دائرة المعارف والعقائد المحدودة التي أخذها عن أبيه، أو التي تعلّمها في قريته، بل هاجر إلى العديد من البلدان كي يتعرّف على علمائها، فيتكامل ويأخذ ممّا عندهم من معارف وعلوم، فسافر إلى مدن كثيرة، منها: شيراز، وتبريز، ومناطق مختلفة من البلاد العربية.

أساتذته:

أخذ "محمّد الدواني" عن أساتذة كثيرين منهم: ملاّ محيي الدين الأنصاري، وهمام الدين صاحب شرح الطوالع، وحسن البقال، وغيرهم.

تلامذته:

صار "محمّد الدواني" في مدّة قليلة صاحب فضل وكمال، وأصبح أستاذاً


الصفحة 489

معروفاً، تتلمذ على يده طلبة كثيرون منهم: إسماعيل التبريزي، وأسعد الحقّ اليزدي، وكمال الدين الحسين بن شرف الدين، والقاضي الحسين بن معين الدين، وكمال الدين عبد الصمد البغدادي، وغيرهم.

مؤلّفاته:

خلّف "الدواني" للمكتبة الإسلامية ـ بعد عمر تجاوز الثمانين تراثاً ضخماً، تجاوز الثمانين مؤلّف، بين كتاب وحاشية وشرح ورسالة، منها: رسالة في إثبات الواجب، الحاشية القديمة على شرح التجريد، الحاشية الجديدة على شرح التجريد، شرح الهياكلّ، حاشية تهذيب المنطق، إنموذج العلوم، ورسالة في تعريف علم الكلام، تفسير بعض السور والآيات، الأخلاق الجلالية، رسالة في الجبر والاختيار، حاشية حكمة العين، وغيرها.

فكان فيلسوفاً، متكّلماً، منطقياً، حكيماً، مفسّراً، خلوقاً، فقد حاز على الرتبة العالية في مختلف العلوم، فكان صاحب نظرية ورؤية، وصاحب نقد وإشكال، وصاحب شرح وبيان .

قصّة استبصاره:

تعمّق "محمّد الدواني" في المسائل العقلية والفلسفية، فصار أحد فرسان ميدانها الواسع، بل أحد مجدّديها، وألّف كتباً ورسائل كثيرة في هذا المجال، حتّى صار صاحب مدرسة من أبرز المدارس في القرن التاسع الهجري، لها مبانيها وإبداعاتها وابتكاراتها الخاصّة بها.

أعلن "الدواني" استبصاره وتشيّعه بعد أن كتب الحاشية الثانية على شرح التجريد للقوشجي، فإنّه بعد أن طرح مطالب دقيقة وأفاض فيها أنواعاً من المعارف العميقة، من كلام ومنطق وفلسفة، قال: إنّ جدّي الصديق ـ أبا بكر ـ لو


الصفحة 490

كان حيّاً لمّا فهم شيئاً من هذه الغوامض العلمية، والدقائق الحكمية، والمطالب العالية الإسلاميّة، ومن كان شأنه ذلك، فكيف يحق أن يكون خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وإماماً في ديني؟!

عندها رجع "الدواني" إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، معتنقاً له، مؤمناً به، مستبصراً بشأن عترة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وبمقامهم العلمي والتكويني.

ثمّ ألّف رسالة سمّاها "نور الهداية" أعلن فيها تشيّعه واعتناقه لمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ومن أراد أن يرى تعمّق الدواني ودقّته، ويتذوّق حلاوة استدلاله وفلسفته فلينظر في كتبه ورسائله الكثيرة التي خلفها يراعه الفذ(1).

نذكر على سبيل المثال بعض استدلالاته على إثبات وجود الله تعالى ـ حتّى لا يفوت القارئ لمس برهان الدواني ودقّته ـ، قال في رسالة إثبات الواجب الجديدة:

إنّ النظر في مفهوم الموجود يعطي أنّه لا يمكن تحقّقه إلاّ به إذ لو انحصر الموجود في الممكن لم يتحقّق موجود أصلا.

بيان الملازمة: أنّه على هذا التقدير تحقّق الممكن إمّا بنفسه بدون علّة، وهو محال بديهة، أو بغيره، وذلك الغير أيضاً ممكن على هذا التقدير، فإمّا أن يتسلسل الآحاد إلى غير النهاية أو يدور، وعلى التقديرين يكون انتفاء الآحاد بأسرها، بأن لا يوجد شيء منها ممكناً، فيكون وجود كلّ واحد من تلك الآحاد الممكنات غير مستند إلى سبب يرجح وجوده على عدمه، وهو محال; لأنّ الممكن مالم يجب لم يوجد، ولا يتحقق الوجوب إلاّ إذا امتنع جميع انتفاء العدم، وهذا الامتناع في الممكنات الصرفة بدون الواجب غير متحقّق بجواز انتفاء كلّ منها في ضمن انتفاء

____________

1- انظر: روضات الجنات 2: 239، اعيان الشيعة 9: 122. تويسركاني، مقدّمة التحقيق.