المقدّمة
بعد سقوط النظام البعثي في العراق، سعى مركز الأبحاث العقائدية ـ الذي اُسّس بمباركة ودعم سماحة المرجع الديني الأعلى زعيم الحوزة العلميّة آية الله العظمى السيّد علي الحسيني السيستاني دام ظلّه الوارف، وبإشراف الأخ الكريم سماحة حجّة الإسلام والمسلمين السيّد جواد الشهرستاني ـ إلى إعادة الروح في مكتبات العتبات المقدّسة في العراق، والتي قضى عليها وأبادها النظام البعثي الجائر.
فكان أوّلها مكتبة الروضة الحيدريّة في النجف الأشرف، ثمّ مكتبة الروضة الحسينيّة ومكتبة الروضة العبّاسية في كربلاء المقدّسة، إذ قام المركز بتجهيز هذه المكتبات بكلّ ما تحتاج إليه من كتب وأجهزة كومبيوتر، ومقاعد، ومناضد، وقفصات لحفظ الكتب، وسجّاد وغيرها.
وبعد أن انتهينا من افتتاح مكتبة الروضة العبّاسية في الرابع من شهر شعبان المبارك في السنة الماضية ـ 1427 هـ ـ توجّهنا بحمد الله تعالى إلى مكتبة الجوادين (عليهما السلام) العامّة في مدينة الكاظميّة المقدّسة لتزويدها بالكتب وما تحتاج إليه من مستلزمات.
ومن أجل دعم الحركة العلميّة في هذه المكتبات قام المركز بإحياء مجموعة من الكتب وطبعها بالتعاون مع المسؤولين فيها، منها هذا الكتاب الماثل بين أيدينا، الذي جعلناه يحمل الرقم الأوّل من إصدارات مكتبة الجوادين (عليهما السلام) العامّة في مدينة الكاظميّة المقدّسة.
وهذه المكتبة
«مكتبة الجوادين (عليهما السلام) العامّة» في مدينة الكاظميّة المقدّسة، التي أسّسها المرحوم المغفور له العلاّمة السيّد هبة الدين الحسينىّ الشهرستانىّ (ت 1386 هـ)، قد مرّت بعدّة مراحل:
فكانت أوّلاً في منزل مؤسّسها في مدينة بغداد، وذلك قبل نشوب الحرب العالمية الثانية سنة 1939م.
ثمّ انتقلت إلى مدينة الكاظميّة المقدّسة، عند انتقال مؤسّسها إلى هذه المدينة في الشهر السادس من سنة 1940م.
وفي الشهر التاسع من سنة 1940م نقلها السيّد الشهرستاني إلى القاعة الكبيرة الواقعة في الركن الجنوبي الشرقي من الصحن الكاظمي المقدّس، وذلك بعد موافقة مديرية الأوقاف التابعة لمجلس الوزراء، وموافقة رئيس الوزراء آنذاك رشيد عالي الگيلاني.
وهذه القاعة مربّعة الشكل طول ضلعها سبعة أمتار، تعلوها قبة كبيرة عليها نقوش إسلاميّة رائعة الصنع، وكُتبت حولها سورة الدهر.
وقد اتّخذ السيّد الشهرستاني هذه القاعة مقرّاً له، إذ كان يلقي دروسه
وفي مطلع سنة 1941م أوقف السيّد الشهرستاني هذه المكتبة وقفاً عاماً، بعد أن نقل إليها كتبه الخاصّة ونفائس المخطوطات التي جمعها خلال خمسين سنة من حياته العلميّة المباركة، وقد أوكل إدارتها وتنظيم شؤونها وكذلك توليتها بعد وفاته إلى ولده العلاّمة النسّابة السيّد جواد.
ولأهمّية هذه المكتبة العلمية ومكانة مؤسّسها بين أهل العلم والأدب، اقترح بعض العلماء على السيّد المؤسّس بإلقاء دروس منظّمة فيها للاستفادة منها، فشرع (رحمه الله) بإلقاء دروس في تفسير القرآن، وقد قامت إذاعة بغداد بنقل هذه الدروس بشكل مباشر.
وخصّصت لها وزارة المعارف سنة 1945م نصيباً من مساعداتها الماليّة، وكذلك خصّصت مديرية الأوقاف العامّة حصّة مالية لمساعدة المكتبة سنويّاً.
وفي مطلع سنة 1947م أهدى نظام حيدر آباد الدكن في الهند وملكها يومذاك ستمائة كتاب من الكتب الإسلاميّة المطبوعة عندهم باللغة الأوردية والهندية.
وفي سنة 1948م زار مدينة الكاظميّة المقدّسة الأخوان الراجا حيدر خان والراجا محمود آباد، وهما من كبار الشيعة في الهند، وأهديا إلى المكتبة خزانات لحفظ الكتب على نسق جميل، فوُضعت بدل الخزانات القديمة البالية.
واستمرّ العمل في هذه المكتبة المباركة على هذا النسق، إلى أن قامت وزارة الأوقاف سنة 1982م بضمّ قطعة الأرض الملاصقة للمكتبة، ورصدت مبلغاً لتعميرها.
وفي سنة 2001م، وضمن حملات الإعمار التي قامت بها وزارة الأوقاف العراقية لسور الصحن الكاظمي الشريف، فقد تمّ أيضاً بعض أعمال الترميم لهذه
وبعد وفاة مؤسّس هذه المكتبة السيّد هبة الدين الشهرستاني سنة 1386هـ = 1967م قام بإدارتها والإشراف عليها منفرداً ولده العلاّمة النسّابة السيّد جواد، الذي عمل كلّ ما بوسعه في المحافظة عليها وتطويرها، وقد بذل الكثير من ماله الخاص في سبيل ذلك، إلى أن وافاه الأجل في الثامن من رجب سنة 1426هـ = 14/8/2005م، ودفن إلى جوار والده في هذه المكتبة المباركة.
وكان المرحوم السيّد جواد الشهرستاني قد عهد إدارة هذه المكتبة سنة 2000م إلى الدكتور السيّد شادمان محمّد نظيف البرزنجي، يساعده في ذلك ولداه السيّد أياد والسيّد مصطفى الشهرستاني، والشيخ عماد الكاظمي.
وقد زرنا هذه المكتبة المباركة في السادس عشر من شهر صفر في السنة الماضية ـ 1427 هـ ـ واجتمعنا مع المهندس السيّد محمّد علي الشهرستاني ـ المسؤول على توسعة هذه المكتبة ـ والسيّد أياد الشهرستاني، والشيخ عماد الكاظمي، ووقفنا عن قرب على سير العمل فيها.
ومؤسس هذه المكتبة:(*)
هو السيّد محمّد علي ابن السيّد حسين العابد ابن السيّد محسن الصرّاف ابن السيّد مرتضى الفقيه ابن السيّد محمّد العالم ابن السيّد علي الكبير ابن الفقيه البصري سيف الدين منصور ابن أبي المعالي شيخ الإسلام نقيب البصرة.
وينتهي نسبه إلى أبي عبد الله الحسين «ذي الدمعة» ابن زيد الشهيد ابن الإمام زين العابدين (عليه السلام).
____________
*) اقتبسنا هذه الترجمة ممّا كتبه الأخ العزيز الشيخ عماد الكاظمي عن هذه المكتبة ومؤسسها.
ولد (رحمه الله) في مدينة سامراء يوم الثلاثاء، الرابع والعشرين من شهر رجب سنة 1301هـ، وهو من أسرة عريقة عُرفت بالعلم والفضل والتقوى والصلاح، إذ كان لهذه الأُسرة الأثر الكبير في تكوين شخصيّته العلميّة.
بدأ بتعلّم القراءة والكتابة وله من العمر خمس سنوات.
وفي الثامنة من عمره بدأ بدراسة المقدّمات من المنطق والبلاغة وعلوم العربية، ثمّ شرع بدراسة الفقه والأُصول.
وفي السابعة عشر من عمره انتقل مع والده إلى مدينة كربلاء المقدّسة بعد وفاة المرجع الديني الكبير السيّد محمّد حسن الشيرازي.
وفي التاسعة عشر من عمره توفّي والده، فانتقل إلى مدينة النجف الأشرف لإكمال دراسته العلميّة، وبقي فيها حوالي خمس عشرة سنة.
من أساتذته:
والده، والشيخ علي سيبويه، والشيخ عباس الأخفش، والسيّد علي الشهرستاني، والشيخ محمّد حسين محمّد تقي النوري، والسيّد محمّد حسين الشهرستاني.
ومن تلامذته:
الشيخ جعفر النقدي، والشيخ محمّد رضا الشبيبي، والشيخ علي الشرقي، وغيرهم من رجال العلم والفكر.
وعُرف في مدينة النجف الأشرف بالفيلسوف; لتدريسه الفلسفة التي كانت لا تُدرّس إلاّ بشيء محدود.
وألّف عدداً كبيراً من الكتب في شتّى مجالات العلوم الإسلامية، وقد أحصى بعض المعاصرين مؤلّفاته بثلاثة وخمسين مخطوطاً وأكثر من خمسة وعشرين
1 ـ الانتقاد والاعتقاد.
2 ـ تفسير آية الكرسي.
3 ـ توحيد أهل التوحيد.
4 ـ الجامعة في تفسير سورة الواقعة.
5 ـ الدلائل والمسائل.
6 ـ الدين في ضوء العلم.
7 ـ رواشح الفيوض في علم العروض.
8 ـ فيض الباري في إصلاح منظومة السبزواري.
9 ـ المحيط في تفسير القرآن العظيم.
10 ـ المعارف العالية.
11 ـ المعجزة الخالدة.
12 ـ مواقع النجوم.
13 ـ نهضة الحسين (عليه السلام).
14 ـ الهيئة والإسلام.
15 ـ وجوب صلاة الجمعة.
16 ـ وقاية المحصول في شرح كفاية الأُصول.
إضافة لذلك كلّه فقد أنشأ الكثير من الجمعيات الإسلامية التي عملت على نشر الثقافة الإسلامية في أوساط الشباب، كما أصدر مجلّة (العلم) التي كان لها دور كبير في بثّ الوعي الديني في المجتمع، وأسّس أيضاً هذه المكتبة العامرة التي خطّط لها أن تكون مؤسسة علمية ثقافية في الصحن الكاظمي المقدّس.
وأخيراً فقد انتقل هذا العالم الكبير إلى جوار ربّه فجر يوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر شوّال سنة 1386 هـ الموافق لليوم السادس من شهر شباط سنة 1967م، وشيّع جثمانه الطاهر من مسجد براثا إلى مدينة الكاظميّة المقدّسة ودفن في هذه المكتبة المباركة، وأُقيمت له مجالس التأبين في النجف وكربلاء وبغداد وغيرها.
وهذا الكتاب
هو أحد الكتب الرائعة التي جادت بها أنامل مؤلّفه المصلح السيد هبة الدين الشهرستاني، نُعرّف به في عدّة نقاط:
الأولى:
بيّن فيه مؤلّفه أولاً معنى الخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) «وأنّها النيابة عنه في الولاية على الأُمّة، في جميع شؤونها، إلاّ الوحي، فهي أُخت النبوّة وشريكتها في البيعة والعهد والرياسة العامة».
ثمّ شرع ببيان من هو الأولى بالخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، وكيف وصل يزيد بن معاوية إلى الحكم، بزعم أنّه الخليفة.
وبدأ ببيان عدم صلاحيّة يزيد لهذا المنصب الحسّاس، وأهليّة الإمام الحسين (عليه السلام) له، وهو صاحبه الشرعي بعد وفاة أخيه الإمام الحسن (عليه السلام).
وأوضح أهمية الحركات الإصلاحيّة في المجتمع، وكون حركة الإمام الحسين (عليه السلام) رمزاً لكلّ الحركات، وبيّن آثار هذه الحركة المباركة على العالم الإسلامي في الماضي والحاضر.
ثم أخذ يشرح كيفية هجرة الإمام الحسين (عليه السلام) وحركته من المدينة المنوّرة الى مكة المكرّمة، قاصداً الكوفة عاصمة أبيه، ثمّ إجباره على النزول في كربلاء المقدّسة، وما جرى له من محاورات مع أخيه محمّد بن الحنفية وابن الزبير وابن عباس وغيرهما، وكيفية سيطرة ابن زياد على الكوفة وقتله لمسلم بن عقيل وهاني بن عروة، ومقابلته (عليه السلام) مع الحرّ الرياحي.
ثمّ أخذ بسرد الأحداث التاريخية التي جرت على الإمام الحسين (عليه السلام) منذ نزوله أرض كربلاء المقدّسة إلى استشهاده مع أهل بيته وصحبه الكرام يوم عاشوراء سنة 61هـ.
كما أوضح المؤلف مصير ماجرى على عيال الإمام بعد مصرعه (عليه السلام)، ودور عقيلة بني هاشم الحوراء زينب (عليها السلام) في مواصلة رسالة أخيها، سواء في الكوفة أو الشام، وتأثير خُطبها على المسلمين.
وأخيراً ذكر تاريخ العزاء الحسيني، ابتداءً من العصر الأموي، ومروراً بعصر الدولة البويهيّة، وانتهاءً بعصر المؤلّف، أي قبل وفاته سنة 1386 هـ.
الثانية:
أهمّية هذا الكتاب تتجلّى بوضوح من الكلمات المُشرقة التي قالها عنه الإمام الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء، إذ قال:
«كتاب نهضة الحسين (عليه السلام)، الأثر الجليل الذي مازلتُ أُنوّه به وأحثّ عليه منذ أن رأيته قبل برهة، لا رعاية لحقوق الصداقة والإخوّة، بل عناية بحقوق الحقّ والمروءة، فإنّه من الآثار الخالدة التي هي من كتب الدهر، لا من كتب العصر. ومن الجاريات مع الأبد، لا الساريات إلى آمد. ومثل هذه الكتب هي التي تُنضج الأفكار، وتُنشط العزائم،
الثالثة:
اعتمد في كتابه هذا على أُمهات المصادر الرئيسية عند علماء المسلمين والتي أُلّفت في القرنين الثالث والرابع، منها:
«الإمامة والسياسة»، و «المعارف»، لابن قتيبة الدينوري (ت 276 هـ).
و «تاريخ الأُمم والملوك» لابن جرير الطبري (ت 310 هـ).
و «العقد الفريد» لابن عبد ربّه الأندلسي (ت قبل 328 هـ).
و «الأخبار الطوال» للدينوري (ت 328 هـ).
و «الكافي» للشيخ الكليني (ت 328 هـ).
و «مقاتل الطالبيين» لأبي فرج الأصفهاني الأموي (ت 336 هـ).
و «مروج الذهب» للمسعودي (ت 345 هـ).
الرابعة:
ذكر المؤلّف سبب تأليفه لهذا الكتاب قائلاً:
«فقد حدا بي إلى تأليف كتابي هذا غفلة الجمهور عن تاريخ الحركة الحسينية وأسرارها ومزايا آثارها ـ وهي النواة لحركات عالميّة ـ حتى إنّ بعض الأغيار إذ وجد هياج العالم، وحداد الأُمم، ومظاهرات العرب والعجم، اندفع قائلاً: ماهذا؟ ولماذا؟ وهل الحسين إلاّ رجل خرج على خليفة عصره ثمّ لم ينجح؟
نعم! سنعرّفه: ماهذا؟ ولماذا؟ ومن الحسين الناهض؟ ومن المعارض؟ وماهي غايات الفريقين؟ كلّ ذلك بهذا الكتاب الذي جمع المحاكمات التاريخية إلى النظرات الاجتماعية والمرويات الموثّقة من كتب التواريخ».
الخامسة:
طبع هذا الكتاب سنة 1389 هـ = 1969م،كما هو مُثبت في آخره، إذ علّق عليه نجل المؤلّف المرحوم المغفور له العلاّمة النسابة السيد جواد هبة