السادسة:
تاريخ تأليف الكتاب، هو الرابع والعشرون من شهر رمضان سنة 1343 هـ، كما أثبته مؤلّفه في آخر مقدّمته له.
وهذا التاريخ ـ وكذلك مقدّمته ـ يدّل على أنّ مؤلّفه العلاّمة السيّد هبة الدين الشهرستاني كان من ضمن أولئك الأعلام الذين نادوا بضرورة إصلاح الشعائر الحسينية وتخليصها من الشوائب التي لحقتها عبر العقود والقرون المتأخرة.
ففي هذه السنة أيضاً ـ 1343 هـ ـ كتب السيد مهدي القزويني الكاظمي البصري (ت 1358 هـ) عدّة مقالات في صحيفة الأوقات البصرية يدعو فيها الى إصلاح الشعائر الحسينية، وفيها أيضاً ألّف كتابه المعروف «صولة الحقّ على جولة الباطل»(1).
وفيها أيضاً ألّف السيد محسن الأمين العاملي (ت 1371 هـ) كتابيه: «إقناع اللائم على إقامة المآتم»(2) و «المجالس السنيّة في مناقب ومصائب العترة النبوية»(3)، وفيها نشر مقالاته في الصحف البيروتية مدافعاً عن آراء السيد مهدي القزويني الكاظمي التي نُشرت في صحيفة الأوقات البصرية.
ثمّ قام السيد الأمين ببيان آرائه حول الشعائر الحسينية وضرورة إصلاحها في رسالة مستقلة سماها «التنزيه في أعمال الشبيه» أثبت فيها لزوم تنزيه مجالس العزاءومحافلها عن الأعمال غير المشروعة، ووجوب التحرّز عن إدخال بعض
____________
1) الذريعة 15: 98/646.
2) الذريعة 2: 275/1115.
3) الذريعة 19: 360/1610.
وقد طبعت هذه الرسالة أوّلاً بمطبعة العرفان(1)، ثمَّ توالت طبعاتها، وتُرجمت إلى عدّة لغات(2).
وما إن انتشرت هذه الرسالة حتى أحدثت ثورة عارمة، ليس في الشام فحسب، بل في العالم الإسلامي عموماً، وعمّت دعوتها المسلمين في كلّ مكان، ووجد فيها الموافقون لآراء السيّد الأمين ومنهم العلامة السيّد هبة الدين الشهرستاني ـ فرصتهم للتعبير عن رأيهم ورفع أصواتهم عالياً وكأنّهم كانوا ينتظرون من يقوم بهذا الدور على مستوى عال، فجاءت هذه الرسالة لتكون لهم درعاً واقياً، لا سيّما أنّ صاحبها علم من الأعلام لا يشكّ أحد في ولائه وإخلاصه وتفانيه من أجل الدين الحنيف.
ووجد فيها المخالفون لآرائه خطراً يهدّد مستقبل هذه الشعائر، فعارضوها عن طيب نفس وخُلوص نيّة وهم يعتقدون أنّ واجبهم الديني يُحتمّ عليهم ذلك.
واستغلّها البعض الآخر ذريعة لتمرير ألاعيبهم على الناس، واستثمار مصالحهم وحساباتهم الشخصية، فما هي ردود الفعل على هذه الرسالة؟.
جاءت ردود الفعل على رسالة «التنزيه» من مختلف طبقات المجتمع: علماء، وفضلاء، وخطباء، وشعراء، وعامة الناس، واختلفت هذه الردود حسب مستوى الناس وثقافاتهم.
فمنهم من اكتفى بكلمات الاستغفار والدعوة لصاحب الفتوى بالهداية.
____________
1) الذريعة 4: 455/1027.
2) أعيان الشيعة 10: 380.
وتجاوز البعض الحدود فأتّهم السيّد الأمين بتهم باطلة.
وتجاسر آخرون عليه وعلى مؤيّديه بالسبّ واللعن.
فأحاول في هذه الأوراق أن أُبيّن ردود الفعل من المعارضين والمؤيّدين،وعلى عدّة مستويات:
رجال الدين:
عارض السيد الأمين عدد كبير من رجال الدين، وفي مقدمتهم مراجع دين، ومجتهدون، وكتّاب معروفون، منهم:
1 ـ المرجع الديني الكبير الميرزا حسين النائيني (ت 1355 هـ)، عارضه في النجف الأشرف بإصدار فتوى بالجواز(1).
2 ـ المرجع الديني الكبير الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (ت 1373 هـ)، عارضه في النجف الأشرف بإصدار فتوى بالجواز(2).
وكانت لفتوى هذين المرجعين أثر كبير في نفوس الناس في العراق وخارجه، حيث استغلّها بعض المغرضين لتأليب الرأي العامّ على السيد الأمين.
3 ـ المجتهد الكبير الشيخ عبد الحسين صادق العاملي (ت 1361 هـ)، عارضه في النبطية بإصدار فتوى بالجواز(3)، اضافة لكتابته رسالة «سيماء الصلحاء».
4 ـ المجتهد الكبير السيّد عبد الحسين شرف الدين (ت 1377 هـ)، عارضه
____________
1) معارف الرجال 2: 284، هكذا عرفتهم 1: 207.
2) معارف الرجال 2: 272، هكذا عرفتهم 1: 207.
3) معارف الرجال 2: 41، هكذا عرفتهم 1: 207.
وكانت لفتوى هذين العلمين أثر كبير في لبنان.
5 ـ المجتهد والكاتب المعروف المجاهد الشيخ محمّد جواد البلاغي (ت 1352 هـ)، وكانت معارضته فعليّة، فلم يُسمع منه أي كلام ضدّ السيد الأمين، بل كان هذا الشيخ الجليل على ضعفه وكبر سنه يخرج أمام مواكب العزاء يضرب على صدره ورأسه وقد حلّ أزراره وطيّن جبهته، وكان له مجلس عزاء كبير جداً يُقيمه في كربلاء المقدّسة يوم عاشوراء، لازال الناس يتحدّثون عنه(2).
قال معاصره المؤرّخ الشيخ جعفر محبوبة (ت 1377 هـ).
«وكم له أمام المناوئين للحسين (عليه السلام) من مواقف مشهودة، ولولاه لأمات المعاندون الشعائر الحسينية والمجالس العزائية، ولكنه تمسّك بها والتزم بشعائرها وقام بها خير قيام»(3).
وقال الشيخ محمّد هادي الأميني (ت 1421 هـ) بعد أن حكى قول الشيخ جعفر محبوبة السابق:
«فحين أفتى بعض العلويّين في الشام ـ وتبعه علويّ آخر في البصرة ـ بحرمة الشعائر الحسينية، وزمّر وطبّل على هذه الفتوى كثير من المغرضين المعاندين، شُوهد هذا الشيخ الكبير على ضعفه وعجزه أمام الحشد المتجمهر للعزاء يمشي وهو يضرب على صدره وقد حلّ أزراره وخلفه اللطم والأعلام، وأمامه الضرب بالطبل، ومن آثاره إقامة المآتم في يوم عاشوراء في كربلاء، فهو أول من أقامه هناك، وعنه أُخذ حتى توسع
____________
1) معارف الرجال 2: 51، هكذا عرفتهم 1: 207.
2) شعراء الغري 2: 436.
3) ماضي النجف وحاضرها 2: 62.
علماً بأنّ العلاّمة البلاغي كانت تربطه بالسيد محسن الأمين علاقة وطيدة وصداقة قديمة منذ أيام دراسة السيد الأمين في النجف الأشرف ـ وقد ذكر السيد هذه العلاقة معتزاً بهما في كتابه «أعيان الشيعة» وأشرنا إلى هذا الموضوع مفصلاً في ما كتبناه عن حياة العلاّمة البلاغي الذي سيطبع قريباً ضمن موسوعة مؤلّفات العلاّمة البلاغي.
6 ـ الحجّة الشيخ إبراهيم المظفّر، عارضه بتأليف رسالة مستقلّة في ذلك، وكذلك الأسماء الواردة بعده كلّهم عارضوا السيد الأمين بتأليف رسائل، يأتي الحديث عنها قريباً.
7 ـ الحجّة الشيخ عبد المهدي الحلّي.
8 ـ الحجّة الشيخ عبد المهدي المظفّر.
9 ـ الحجّة السيد علي نقي اللكهنوي.
10 ـ الحجّة الشيخ محمّد جواد الحجامي.
11 ـ الحجّة الشيخ محمّد حسين المظفّر.
12 ـ الحجّة الشيخ مرتضى آل ياسين.
13 ـ الحجّة السيد نور الدين شرف الدين(2).
ومن المراجع ورجال الدين الذين أيّدوا السيد محسن الأمين في فتواه:
1 ـ المرجع الديني الكبير السيد أبو الحسن الاصفهاني (ت 1365 هـ)، أيّده
____________
1) معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام 1: 353.
2) أعيان الشيعة 10: 380.
2 ـ المجتهد المجاهد الشيخ عبد الكريم الجزائري (ت 1382 هـ)، أيّده باصدار فتوى بالحرمة، وقد أثّرت فتواه كثيراً في أوساط الشباب(2).
3 ـ المجتهد المجاهد السيّد هبة الدين الشهرستاني (1386 هـ)، أصدر فتوى بالحرمة، وقد أثرت فتواه في بعض مدن إيران(3).
4 ـ المجتهد الحجّة الشيخ جعفر البديري (ت 1369 هـ)، أيّده وسانده كثيراً(4).
5 ـ الحجّة السيّد حسن الحسيني البعلبكي (ت 1391 هـ)، أيّده كثيراً عندما كان في النجف الأشرف، وكذلك في لبنان(5).
قال الأستاذ جعفر الخليلي: «ومنهم ـ أي الذين أيّدوا السيّد الأمين ـ الجريء العامل، والموالي المؤيّد بالعقيدة، السيد حسن البعلبكي،وهو صهر لاُخت السيّد محسن الأمين»(6).
6 ـ الحجّة الشيخ عبد المهدي الحجّار (ت 1358 هـ).
7 ـ الحجّة الزاهد الشيخ علي القمي (ت 1371 هـ) وقد أظهر تأييده علناً وفي المجالس والمحافل(7).
____________
1) أعيان الشيعة 2: 331، هكذا عرفتهم 1: 207.
2) هكذا عرفتهم 1: 209.
3) أعيان الشيعة 10: 261، هكذا عرفتهم 1: 212.
4) هكذا عرفتهم 1: 209.
5) هكذا عرفتهم 10: 229.
6) هكذا عرفتهم 3: 231.
7) هكذا عرفتهم 1: 209.
قال الاُستاذ جعفر الخليلي: «وكان من أبرز دعاة التحريم ـ بعد طبقة العلماء الكبرى من النجفيين ـ الشيخ محمّد الگنجي، الذي سخّر قلمه ولسانه وكلّ نشاطه في شجب الضرب بالسيوف، وقد شجّعت جرأته الكثيرين على الإلتفاف حوله»(1).
9 ـ الحجّة الشيخ محسن شرارة (ت 1365 هـ) أيّده بالكتابة في الصحافة.
قال الأستاذ جعفر الخليلي: «أمّا البارزين من غير النجفّيين ـ أي الذين أيّدوا السيد الأمين ـ فقد كان الشيخ محسن شرارة، وكان من العناصر المليئة بالإيمان وحرارة الدعوة في تحريم هذه التقاليد، وهو رجل لم ينل بعد يومذاك درجة الاجتهاد، فالتفّ حوله من أهل بلده من العامليين جماعة»(2).
رسائل اُلّفت حول هذا الموضوع
تضمّ حوزة النجف الأشرف ـ التي أسّسها الشيخ الطوسي (ت 460 هـ) قبل ألف عام تقريباً ـ علماء كبار، ومراجع دين أتقياء، وكتّاباً لامعين، يصلُون الليل بالنهار في عمل دؤوب، لا يعرفون الملل والضجر، همّهم الأول والأخير مرضاة الله سبحانه وتعالى، وذلك عبر المحافظة على الدين الإسلامي الحنيف وصونه عن أىّ تغيير يطرأ عليه، أو أىّ أفكار دخيلة تصل إليه.
وما إن وصلت إلى النجف الأشرف رسالة «التنزيه» حتى انقسم الكتّاب فيها إلى معارضين وهم الأكثر، ومؤيّدين وهم القلّة القليلة، فألّف بعضهم رسائل ردّاً على رسالة الأمين منها:
____________
1) هكذا عرفتهم 3: 230.
2) هكذا عرفتهم 3: 231.
2 ـ رسالة «إقالة العاثر في إقامة الشعائر» للحجة السيّد علي نقي اللكهنوي، طُبعت في النجف الأشرف سنة 1348 هـ(2).
3 ـ رسالة السيّد نور الدين شرف الدين، التي نشر بعضها في الصحف اللبنانية على شكل مقالات(3).
4 ـ رسالة «الشعائر الحسينية»، للحجّة الشيخ محمّد حسين المظفّر، طُبعت في مطبعة النجاح ببغداد سنة 1348 هـ(4).
5 ـ رسالة «كلمة حول التذكار الحسيني» للحجة الشيخ مهدي الحجّار(5).
6 ـ رسالة «نصرة المظلوم»، للحجّة الشيخ إبراهيم المظفّر(6).
7 ـ رسالة «النظرة الدامعة» للحجّة الشيخ مرتضى آل ياسين الكاظمي(7).
8 ـ رسالة «النقد النزيه» للشيخ عبد الحسين قاسم الحلّي، طبعت في النجف الأشرف سنة 1347 هـ(8).
9 ـ إرشاد النبيه إلى خرافات التنزيه، لمحمّد علي النجفي.
____________
1) الذريعة 1: 512/2510.
2) الذريعة 2: 263/1072.
3) أعيان الشيعة 10: 380.
4) الذريعة 14: 191/2136.
5) شعراء الغري 12: 207.
6) الذريعة 24: 178/921.
7) الذريعة 24: 196/1030.
8) الذريعة 14: 279/1437.