كلمة الناشر
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
قال تعالى في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون). سورة آل عمران، الآية: 64.
منذ ما يزيد على نصف قرن، استوحى المرحوم العلامة الشيخ محمد جواد البلاغي هذه الآية الكريمة، ووضع كتابه (الرحلة المدرسية، والمدرسة السيارة في نهج الهدى)، وقد صدر في ثلاثة أجزاء.
وقد اتبع العلامة البلاغي (ولد سنة 1282 ه وتوفي سنة 1352 ه) فيه طريقة جديدة مبتكرة في علم المناضرة، لا شك ستنال إعجاب القارئ، وتأخذ بيده إلى حقائق ناصعة، إذ توضح بعض ما وقع في التوراة والانجيل من تحريف وتبديل، وذلك اعتمادا على استدلالات مستمدة من القرآن الكريم الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) (سورة فصلت، الآية: 46).
وما إن أصدرت دار الزهراء الكتاب بطبعته الثانية المصورة حتى نفدت الطبعة، وازداد إلحاح القراء على طلبه. وتحقيقا لرغبة القارئ الكريم، وحرصا منها على نشر كل مفيد، فقد عمدت دار الزهراء إلى إصدار الكتاب في طبعة جديدة مصححة ومنقحة، - والتي بين يديك عزيزنا القارئ - آملين أن ترضي قراءنا الكرام، وأن يحقق هذا الكتاب ما أراده مؤلفه المرحوم العلامة البلاغي من نشر لنهج الهدى، وهداية إلى الصراط المستقيم.
دار الزهراء
بيان الإشارات الواقعة في أجزاء هذا الكتاب إلى ما في العهدين
تك: إشارة لسفر التكوين. وهو الأول من أسفار التوراة.
خر: لسفر الخروج. وهو الثاني منها.
لا لسفر اللاويين. وهو الثالث منها.
عد لسفر العدد. وهو الرابع.
تث لسفر التثنية. وهو الخامس.
مز للمزامير. أي زبور داود.
مت: لإنجيل متي.
مر: لإنجيل مرقس.
لو: لإنجيل لوقا.
يو: لإنجيل يوحنا.
أع: للكتاب المسمى أعمال الرسل. أي بعد المسيح.
وكل واحد من هذه الكتب مشتمل على فصول يذكر عددها في عنوانها.
ثم أشرنا إلى الفصل بعدده بالرقم، ثم وضعنا بعد رقم الفصل نقطتين إحداهما فوق الأخرى.
ثم رسمنا بعد النقطتين عدد الفقرة المقصودة بالإشارة.
مثلا أردنا أن نشير إلى الفقرة الثالثة عشرة من الفصل الثالث والعشرين من سفر الخروج رسمنا هكذا.
خر 23: 13 وإلى الفقرة التاسعة والثلاثين من الفصل الثاني والثلاثين من سفر التثنية فهكذا تث 32: 29 وإذا جعلنا خطا عرضيا بعد الرقم الأخير فالخط بمعنى إلى. والنهاية هو الرقم الذي بعد الخط، كما إذا أردنا أن نشير إلى عدة فقرات من كل واحد من الأناجيل رسمنا هكذا. يو 10: 33 - 37 ومت 22: 42 - 46 ومر 12: 25 - 38 ولو 20: 41 - 45.
الجزء الأول
الحمد الله بارئ الخلق الهادي إلى الحق الموفق للصواب نحمده ونشكره ونوحده ونستعين به ونسأله النجاة من زلل الأهواء وتيه الضلال وعمى التقليد. وبعد فهذه سوانح موسومة " بالرحلة المدرسية: والمدرسة السيارة " رسمت فوائدها تذكرة للمدكر: خيلت فيها أني " عمانوئيل(1) ابن اليعازر(2) وقد علينا " قس " فاعددت قدومه غنيمة لتنوير فكري في المعارف، ورفع الشبهات التي تختلج في ذهني السيار في سياحة الحقائق. فقلت له يا سيدي هل يمكن أن تمنحني من فوائد روحانيتك، وتروضني في ميدان الحق، وتسمح لي بالعفو في أسئلتي واللطف والارشاد في أجوبتك: التسمية بالأب عند النصارى
القس: يا بني هذه وظيفة إرساليتي ولأجلها سهرت الليالي وبها نلت الرواتب والمراتب الدنيوية: ومنها أرجو الجلوس على مائدة المسيح في اليوم الأخير.
____________
1 ـ عمانوئيل: لفظة عبرانية تفسيرها (معنا لله).
2 ـ اليعازر عبرانية تفسيرها (الله عون). (*)
القس: سل يا عمانوئيل: وقل كل ما هو ضروري في بيان الشبهة وموضوع السؤال، ولا تتعد إلى جرأة الأهواء والمبادئ الفاسدة.
عمانوئيل: بارك علي يا سيدي بروحانيتك لئلا تحملني الأهواء على جرأة الضلال ومعاداة الحق.
القس: روح القدس يحل عليك يا بني ويأخذ بيدك إلى الصواب ويلهمك الحق.
اليعازر: يا بني مالك لا تجري على رسوم الآداب وحقوق الخطاب. أسفا على تعبي في تعليمك.
اليعازر: يا ولدي مثل هذا الرجل الكبير لا يليق بمقام روحانيته إلا أن تخاطبه بقولك " أيها الأب " كما هو الرسم الجاري عند المسيحيين، أفلا تنظر في الجرائد والمجلات والكتب قولهم " الأب فلان. الأب فلان، الآباء اليسوعيون ". ولك العذر فإن جلوسك مع المسلمين قد ضيع عليك رسوم الديانة المسيحية وآدابها.
عمانوئيل: يا والدي الرؤوف الحريص على نجاتي وتقواي.
إنك لا زلت تأمرني بالتمسك بالكتاب المقدس وآداب الانجيل، فهل ترضى لديانتي وتقواي أن أخالف الانجيل والمسيح وأرتكب أمرا نهى عنه المسيح كنهيه عن الشرك بالله.
اليعازر. ما هذا يا ولدي فهل عندك شئ جديد خفي على أجيال المسيحيين مع أنك تستند له بالإنجيل، إن هذا شئ عجيب غريب.
عمانوئيل. أيها الوالد الرؤوف قد جاء في العدد التاسع من الإصحاح الثالث والعشرين من إنجيل متى في خطاب المسيح للجموع وتلاميذه.
اليعازر: ما تقول أنت أيها الأب فيما أتى به عمانوئيل من الغرائب في الدين المسيحي. القس: يا اليعازر قد فتح نجلك الموفق عمانوئيل كنز هذه الحقيقة التي اضطهدها قومنا بالإخفاء رغما على هتاف الكتاب المقدس بها.
وإني لا زلت أتجرع من هذا الخطاب غصص الأذى، ويمنعني من النهي عنه خوفي من إخواني الروحانيين لأجل حرصهم على فخفخة هذا اللقب الذي أبان الانجيل ضلاله الساري من عوائد الأمم الوثنية، وقد ألجأتني معرفة نجلك الموفق وحريته من أسر التقليد الأعمى إلى أن أبوح لك بسري، فلا تخاطبني يا اليعازر بعد هذا بقولك " أيها الأب ".
اليعازر: يا سيدي إذا كنت ترى في ولدي معرفة وحرية ضمير فتلطف علي وعليه بتعليمه وإرشاده فيما يسأل ولك بذلك عظيم الأجر وقد وهبته لخدمة روحانيتك.
عمانوئيل: لا زال القس يبتدئني بالتعليم ويجاملني بالجواب فجرى يوما في مجلس حافل ذكر تاريخ العالم والخليقة، فأخذ فيه كل واحد طرفا حسبما سمعه من الأهواء الجديدة، فصعب على ذلك في ديانتي، وقلت اسمحوا لي أيها السادة بالاستفسار عن هذه الأمور حسب أصولنا المعقولة المحكمة عند الإلهيين.
وأما الذي تخوضون فيه فإنه يحتاج إلى تمهيد أصول معقولة على أساس رصين لا يرجع إلى تقليد وطفرة وراء الأهواء المعرقلة عن الوصول إلى الحقائق المنزهة.
الحاضرون: حقا تقول. فاستفسر كيف شئت.
عمانوئيل يا سيدنا القس أفدنا شيئا من تاريخ الكتاب المقدس في الخليقة.
عمانوئيل: نعم عندي نسخ عبرانية وعربية وغير ذلك.
القس: أحضرها واقرأ من أول التوراة في سفر التكوين.
عمانوئيل: فقرأت حتى بلغت الفصل الثاني من سفر التكوين فوجدت في العدد الثاني والثالث منه إن الله جل شأنه (استراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل. وبارك الله اليوم السابع وقدسه لأنه استراح فيه من جميع عمله الذي عمله. فقلت: يا سيدي
القس: هل يتعب الله في خلقه لكي يستريح إذا فرغ. فما بال التوراة لا تراعي جلال الله وتتجنب التعبير السخيف في نسبة الاستراحة إلى الله.
القس: هذا تسامح في التعبير ليس فيه كبير ضرر. وإنك ستلاقي من التوراة شيئا كثيرا مما هو أوحش من هذه العبارة.
فإن كنت تضجر من مثل هذا فما حالك إذا قرأت الكثير مما هو أوحش وأوحش يا عمانوئيل روض ذهنك على التحمل وعدم النفرة.
جمعية الهداية والتوراة
عمانوئيل: سمعا لأمرك يا سيدي.
ولكن عندي سؤال آخر يرتبط بقول التوراة " وبارك الله اليوم السابع وقدسه " وهو أن جمعية كتاب الهداية المطبوع بمعرفة المرسلين الأمريكان قد كتبت في الجزء الرابع في صحيفة 174 في سطر 4 أن الله لم يقل في التوراة (وبارك الله اليوم السابع وقدسه) فكيف يكون هذا الانكار من جماعة من المرسلين المبشرين الداعين إلى الهدى واجتناب الكذب؟ وكيف يكتبون هذا ويطبعونه وينشرونه في العالم؟ هل يظنون أن الناس لا ينظرون في العدد الثالث من الفصل الثاني من سفر التكوين.
أما إنهم جنوا على روحانية المسيحيين جناية عظيمة.
فإنا من ههنا أتينا: إقرأ:
عدن - والدجلة - والفرات
عمانوئيل. فقرأت في العدد الثامن إلى الخامس عشر وحاصل ما قرأته هو أن الله خلق آدم وغرس جنة بعدن شرقا ووضع آدم فيها وأنبت في وسطها شجرة الحياة وشجرة معرفة الحسن والقبيح وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة وينقسم إلى أربعة أنهر: فيشون وجيحون وحداقل " أي الدجلة " والفرات. فقلت: يا سيدي القس هل تسمح لي بأن أسألك عن هذا المكتوب.
القس: سل ما تشاء.
القس: الظاهر أنها هي.
عمانوئيل: يا سيدي الدجلة التي تخرج من جبال أرمينية وتصب في خليج فارس قريب البصرة.
والفرات الذي يخرج من بلاد " ارضروم " ويصب في خليج فارس أيضا.
كيف يصح أن يقال: إنهما يخرجان من عدن.
وكيف يتجه ذلك في المحسوس من جغرافية البلاد والأنهار المذكورة.
وكيف نقدر أن نقول إن هذا المذكور في التوراة غلط. ولا نقدر أن نقول إنه صحيح.
إقرأ يا عزيزي: نهي آدم عن الشجرة والكذب والحية والصدق
عمانوئيل: فقرأت من حيث انتهيت حتى وصلت إلى العدد الثامن من الفصل الثالث من سفر التكوين وإذا فيه ما حاصله إن الله جعل آدم في جنة عدن وقال له من جميع شجر الجنة تأكل وأما شجرة معرفة الحسن والقبيح فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتا تموت.
ثم خلق الله من آدم امرأته " حوا " وكانا عريانين وهما لا يخجلان لأنه ليس لهما شعور معرفة الحسن والقبيح. وكانت الحية أحيل حيوانات البرية فقالت لحوا أحقا قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت حوا: من شجر الجنة نأكل وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا فقالت الحية للمرأة لا تموتان، بل إن الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفي الحسن والقبيح.
فلما أكلا منه انفتحت أعينهما " أي حصل لهما شعورا المعرفة " " وعرفنا أنهما عريانان فصنعا لأنفسهما مآزر ".