ولما انتهيت إلى هنا أطبقت التوراة متضجرا ووضعتها على الأرض مبهوتا قد أخذتني الحيرة التي كانت تعتريني كلما قرأت هده الكلمات المهولة.
القس: مالك يا عزيزي لا تقرأ. مالي أراك مبهوتا.
عمانوئيل: هل تسمح لي أن أسأل بحرية مطلقة فإني أعد حضوري بحضرتك غنيمة لاستفاداتي ولمداواة علل الشكوك التي شغلت فكري وأتعبته منذ زمان طويل.
إني بحسب ديانتي اعتبر هذه التوراة كتاب الله الذي جاء به رسوله موسى عليه السلام وحينما يقع نظري فيها على كثير من مضامينها المقلقة تقوم قيامتي في الحيرة.
اليعازر: يا قليل الإيمان هل يكون في كتاب الله شك وحيرة. أسفا على أني تركتك تجالس بعض المسلمين وتنظر في كتبهم، فإن هذا هو الذي كدر عليك موارد الإيمان التي صفاها لك السلف.
عمانوئيل: أيها السيد الوالد إني كنت في طفولتي أتثاقل من الذهاب إلى المكتب فكنت أنت توبخني على التثاقل وتقول لي: ويلك أتريد أن تبقى غبيا.
وأما إذا انفتحت عيني فاسمح لي يا والدي الرؤوف بأن أتبصر في الحقائق.
القس: يا عزيزي اليعازر إن الشكوك لا يحسن أن تقابلها بالتوبيخ. بل الواجب مداواتها بالبيان الشافي وإزاحة علتها بالبحث عن الحقيقة. فدع عمانوئيل يبحث عن الحقائق ليكون إيمانه على أساس ثابت تقر به عيناك.
عمانوئيل: أيها الوالد إن توبيخك لي يبين أنك قد أحسست قبلي أن فيما قرأناه معركة شكوك.
فشاركني يا والدي في استيضاح الحقائق فإن الحقيقة بنت البحث.
اليعازر: تكلم يا ولدي بما تريد وإياك واللجاج في العناد.
عمانوئيل: هل عند الله جل شأنه كذب وغش وخداع؟؟
القس: حاشا وكلا.
عمانوئيل. كيف يقول الله لآدم: وأما شجرة معرفة الحسن والقبيح فلا تأكل منها لأنك بيوم تأكل منها موتا تموت.
وقد أكل آدم من الشجرة فلم يمت. وكيف لا يكون هذا الكلام من التوراة كذبا على الله وافتراء.
فهل يرضى سيدي القس وسيدي الوالد أن تكون الحية أصدق من الله فإن التوراة تقول إن الحية قالت لحوا: لا تموتان بل يعلم الله إنه بيوم أكلكما من الشجرة تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفي الحسن والقبيح.
يا سادتي وإن رؤيا يوحنا تذكر في العدد التاسع من الأصحاح الثاني عشر أن الحية القديمة هو المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم.
فوافضيحتاه يا سادتي.
القس: الموت الذي خوف الله به آدم ليس هو الموت الجسماني بل هو الموت الروحي فإن آدم لما تعدى الوصية استوجب سخط خالقه وهذا هو الموت الروحي.
عمانوئيل: يا سيدي قد رأيت هذا الكلام في كتاب جمعية الهداية المطبوع بمعرفة المرسلين الأمريكان في الجزء الثاني صحيفة 131 ولكن نفس التوراة تبين غلط هذا الاعتذار البارد. فإنها تقول: إن آدم قبل أكله من الشجرة كان لا يعرف الحسن والقبيح حتى إنه لا يميز أنه عريان ولا يخجل.
فليس له حينئذ حياة روحية بل إن ذلك همجية وموت روحي. وإن من يكون على مثل هذا الحال لا يدرك قبح المخالفة ولا يصح السخط عليه. وكيف يصح السخط على من لا يعرف الحسن لكي يعرف حسن الطاعة ويرغب فيها. ولا يعرف القبيح والشر لكي يعرف قبح المخالفة للوصية. يا سيدي بل مقتضى التوراة أن أكل آدم من الشجرة أوجب له الحياة الروحية حيث صار كالله عارف الحسن والقبيح والخير والشر، وصار قابلا بمعرفته لأن يشرق في قلبه نور العرفان والإيمان والرغبة في الطاعة - فالعفو يا سيدي - من هذا الجواب الساقط. وإني واثق بأنك تعرف غلطه ولكن لك في ذكره غرض لم أعرفه عاجلا. ويا ليتني عرفته.
عمانوئيل: يا سيدي وهذا الجواب أيضا لجمعية كتاب الهداية وإن نفس التوراة أيضا تبين غلطه فإنها توضح أن آدم لم يخلق للبقاء بل قد وقعت المحاذرة والتدابير الاحتياطية لئلا يأكل من شجرة الحياة فيعيش إلى الأبد ولأجل ذلك طرد من الجنة وأقيمت الحراسة على شجرة الحياة خوفا من أن يأكل آدم فتدوم حياته. كما ستسمعه. فالتوراة تقول. إن آدم من يوم خلق قد غرس التقدير في جسمه بذور الفناء.
والموت التقديري لازم له ومقدر على استعداد طبيعته قبل أكله من الشجرة.
القرآن ميزان الحق
القس: إن قرآن المسلمين يذكر بعض قصص التوراة فهل هو يذكر في قصة آدم مثل ما ذكرته التوراة.
ولم يذكر القرآن أن آدم وامرأته كانا قبل ذلك عريانين وهما لا يعلمان ولا يخجلان لأنهما ليس لهما شعور يعرفان به الحسن والقبيح. بل ذكر في سورة الأعراف الآية 26 أنهما قبل ذلك كان عليهما لباس فنزع عنهما لباسهما وبدت لهما سؤاتهما. فالقرآن في هذه القصة على ضد التوراة ينسب الكذب والخداع إلى الشيطان وأخرج من القصة كل خرافة.
القس: قد رأيت هذا كله في القرآن وعرفته.
اليعازر: يا سيدي إذن فماذا تقول في هذا الاختلاف بين التوراة والقرآن.
القس: ما عليك سما أقول دعه كامنا في قلبي ولعلما أعرف في بعض الأوقات صفاء أفكارنا فأتكلم. إقرأ يا عمانوئيل من حيث انتهيت.
الله ليس بجسم ولا يخفى عليه شئ
عمانوئيل: فقرأت في الفصل الثالث من التكوين من العدد (الثامن إلى الثاني عشر فوجدت ما حاصله أن آدم وحوا سمعا صوت الإله متمشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ عن الله في شجر الجنة. فنادى الله آدم: أين أنت؟ فقال آدم سمعت صوتك فاختبأت لأني عريان.
فقال الله: من أعلمك أنك عريان. هل أكلت من الشجرة.. وحين قرأت هذا أخذتني الحيرة أيضا وسكت مطرقا.
اليعازر. أراك قد عاودتك الوساوس الشيطانية يا عمانوئيل. أسفا على إيمانك.
القس: دع هذا الكلام يا اليعازر واترك ولدك يحقق بحريته. وماذا يفيده توبيخك وأسفك إذا بقي يتجرع غصص الشكوك. فدعه يبوح بما عنده فلعلما يرتاح من علل الشكوك. تكلم يا عمانوئيل. عمانوئيل. يا سيدي ألا تسمع كلام التوراة يقول: إن الله جسم يتمشى وله صوت، ويختبئ عنه آدم، ويقول لآدم: أين أنت من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة؟
عمانوئيل: يا سيدي هل وظيفة الكلام النبوي أن يجري على المضامين الخرافية السخيفة، وعلى غير المعقول. فهل من اللائق بالعلم والأدب وجلال الله وشرف النبوة أن نسامح الكلام النبوي فيما لا نسامح فيه كلام الآدميين.
القس: إقرأ من حيث انتهيت يا عمانوئيل. فلعلما ترتاح بعد هذا من نفس قرائتك لكتاب الله وترتفع شكوكك ويشرق في قلبك نور الإيمان.
الله هو القادر الواحد القهار
عمانوئيل: فقرأت في الفصل الثالث من العدد الثاني والعشرين إلى الرابع والعشرين. وفيه: إن آدم لما أكل من الشجرة قال الله " جل شأنه ": هو ذا آدم صار كواحد منا عارف الحسن والقبيح والآن يمد يده فيأخذ من شجرة الحياة أيضا فيأكل ويعيش إلى الأبد. فأخرجه الله من الجنة وأقام شرقيها لهيب سيف متقلب لحراسة طريق الشجرة. فلما انتهيت إلى هنا وضعت التوراة على الكرسي وقمت متضجرا قائلا واويلاه حتى متى أغيظ سيدي الوالد بالكلام. بل أسكت وليغل قلبي بنيرانه. يا ليتني لم أكن قرأت.
عمانوئيل: اسمحا لي بالعذر يا سيدي القس ويا سيدي الوالد فإني منذ صرت أتلو التوراة بتفهم وتعقل صرت أتجرع غصص الإشكالات المهولة ولا أجد من يشفي علتي. ولما سعدت بلقاء سيدي القس رجوت أن يكشف عني غمامة الشكوك. فإذا أصغى إلي بسمعه برهة من الزمان فقد صفا لي الوقت لاستيضاح الحقائق على ناموس الحرية والصواب. ولكن سيدي الوالد يريد أن يكدر علي هذا الصفاء وأنا لا أريد أن أغيظه فما هي حيلتي.
اليعازر: هل تظن يا ولدي أنه يهون علي أن تتجرع الغصص وتعاني الكروب. ولكني أخشى أن تكون شكوكك هذه من ضلال الأوهام. بيد أني واثق بمراقبة حضرة القس لك لكي يردعك عن شطحات الكلام وزيغ البحث فتكلم.
عمانوئيل: ما هو المعنى المعقول اللائق بجلال الله في التوراة عن قول الله " هو ذا آدم صار كواحد منا في معرفة الحسن والقبيح " ومن هم الجماعة الذين يعنيهم الله بقوله منا. فهل ترى التوراة تعلم بتعدد الآلهة. أفلا يقلقني هذا الكلام مع قول الأصل العبراني ههنا " ويأمر يهوه الوهيم " أي آلهة. فإن الياء والميم في اللغة العبرانية علامة الجمع. وإن مضمون الكلام الذي قرأته من التوراة هو أن الله جلت عظمته قد خاف من عاقبة آدم إذ صار كواحد من الآلهة. فصار الله يحاذر منه على الجمهورية واستقلالها بالسياسة حتى أعمل الاحتياطات اللازمة لئلا يغلبه آدم على شجرة الحياة فيزيد الخطر والتهديد على المملكة.
يا سيدي كيف لا أجزع وهذا حال التوراة التي نعتبرها كلام الله لرسوله موسى.
القس: مهلا يا عمانوئيل لا تتكلم بحرارة فإن الله سينور ضميرك بنور الهدى، ولعلما تحل هذه العقدة من قلبك بسماع كلمتين من الحقيقة حينما يسمح الوقت ببيانهما.
عمانوئيل: يا والدي أسألك بحنوك الأبوي لو كنت أنت لا تدري بوجود هذه الأمور في التوراة وجئتك أنا وقلت لك إن بعض الكتب تنسب إلى جلال الله هذه الأمور التي ذكرناها في قصة آدم. أفلست تقول إن هذا كفر من ضلالات الوثنية.
القرآن ميزان الحق
اليعازر: نعم. ولكني مقتنع بأن التوراة كلام الله فاللازم علي أن أغض النظر عن هذه الأمور. يا عمانوئيل أنظر في قرآن المسلمين، هل تجد فيه ذكرا لهذه الأمور التي اعترضت بها.
عمانوئيل: قد تصفحته مرارا فوجدته منزها عنها وعن أمثالها. وها هو حاضر في الوجود لكل من يقرأه.
اليعازر: إن هذا يكثر منه عجبي.
سر نديب وآدم
عمانوئيل. رأيت في كتب الجغرافيا والتاريخ أن في جزيرة سرنديب " سيلان " جبلا يسمى بالإنكليزية " أدمس بيك " وأيضا بين الجزيرة وقارة آسيا صخور عظيمة منتظمة في البحر يتعسر عبور السفائن مما بينها تسمى بالإنكليزية " أدمس بريدج " فما شأن آدم في ذلك.
القس: إن المسلمين يذكرون عن تقاليدهم أن آدم أهبط من الجنة في جزيرة سرنديب وعبر منها إلى قارة آسيا. واسم الجبل والجسر تذكار تاريخي متسلسل شاهد لما يقوله المسلمون.
عمانوئيل: يا سيدي إذا لم يطابق ما يقوله، المسلمون مع ما تذكره التوراة فهل يسوغ لي أن أقول إن أقوال المسلمين خرافية.
اليعازر: قم يا ولدي إلى غرفتك وأرح فكرك.
عمانوئيل والكتب
عمانوئيل: قمت متفكرا فيما قاله القس أخيرا وجلست بحيث أسمع مكالمة والدي مع غبطة القس. فقال يا سيدنا القس إن حال عمانوئيل يقلقني وأمره يريبني فإنه زيادة على مجالسته للمسلمين وجدته يوما وعنده كتاب يسمى " إظهار الحق " وهو يطالعه بالإمعان والرغبة فسألته عنه فقال: هو كتاب لعالم كبير من المسلمين فساءني ذلك. وذاكرت بعض الأخوة فقال: اشتر له كتاب هاشم العربي ترجمة مقالات جرجيس سايل مع التذييلات وكتاب " الهداية " للجمعية المصرية المسيحية المطبوع بمعرفة المرسلين الأمريكان وكتاب الرحلة الحجازية للشيخ غريب ابن الشيخ عجيب فاشتريتها له وأمرته بمطالعتها. وصرت أترصد حاله بمطالعتها فلم أجد منه ابتهاجا بها. بل وجدته عند مطالعتها يولول ويدمدم في نفسه.
القس: لم يكن من الصالح شراؤك له هذه الكتب فإن فيها من التعصب، ومخالفة الواقع، وعدم المعرفة بما في الكتب المقدسة شيئا كثيرا يزعج صاحب المعرفة والشعور الحر، ويجعل الديانة المسيحية على خطر.
اليعازر: ثم بعد أيام وجدت عنده كتبا يطالعها بارتياح وابتهاج.
ولما سألته عنها قال لي: ما كنت أحسب أنه يكون في المسلمين عالم هكذا عارف بالكتب المقدسة جميل المباحثة طيب المكالمة. وها أنا ذا واثق بأنه لا يوجد في أخبار اليهود وروحانية المسيحيين مثل هذا الرجل في علمه بالكتب المقدسة. فقلت له دعنا من هذا التمجيد الفارغ. ما هي الكتب ولمن هي؟ وفي أي موضوع تبحث؟ فقال: هي كتاب " الهدى " جزء آن، و " رسالة التوحيد والتثليث " الجميع لكاتب الهدى النجفي. في الرد على هاشم العربي. وجمعية الهداية. وعبد المسيح الكندي.. والآن يا سيدي ما أدري ماذا أصنع مع ولدي الوحيد عمانوئيل. وها هو كما تراه. وكأني عن قريب قد خسرت ديانته المسيحية بانقلابه إلى الديانة الإسلامية الوحشية الوثنية.
عمانوئيل: فسمعت القس يقول. لا. لا. يا اليعازر إن الديانة الإسلامية لا يمكن لأحد أن يقول. إنها وحشية وثنية. فأطرق والدي ثم قال: والآن ماذا أصنع يا سيدي مع ولدي عمانوئيل.
والآن أرى الدواء الناجح لولدك أمرين: أحدهما: أن يتلمذ على روحاني واسع العلم، حسن الاطلاع، جيد الانصاف، شريف المكالمة، لين العريكة، حر الضمير، عارف بفلسفة التعليم، برئ من التعصب لم يستعبده الهوى، ولا تأخذه في الحق لومة لائم، ولا طمع في رتبة أو راتب. وثانيهما: أن توضع على ولدك يد بركة وقداسة لكي يحل عليه روح القدس فيفهمه الحق بالتوفيق والتسديد.
اليعازر: ها أنا ذا أقول قولا لا تحسبه يا سيدي تمجيدا تمليقا لحضرتك بل أقوله عن اعتقاد صميمي وهو: إن الدواء الناجح الذي تذكره لولدي لا أراه موجودا إلا عند روحانيتك وقداستك. فأرجو الترحم علي وعلى ولدي بالإقامة لأجلنا، بل لأجل الديانة المسيحية إذ تقوم بنجاح كبير بالتبشير في هذا القطر العظيم. فإني أرجو أن يكون لك نجاح كبير في اجتلاب المسلمين إلى المسيحية.
القس: يا اليعازر ما سمعت لمرسل مسيحي نجاحا يذكر في تبشيره بين المسلمين. ومن المدهش أني لم أجد بين الهندوس مبشرا مسلما. ومع ذلك أرى الهندوس يتقاطرون على الديانة الاسلامية على رغم كثرة المبشرين فيهم من المسيحيين وملاطفاتهم بالعنايات الصحية ونشر الكتب المقدسة بلغاتهم وموافقتنا لهم في أمر الثالوث والأقانيم وتجسد الإله. مع تأييد ذلك بسلطة السياسة.. وهكذا يبلغني عن سودان " إفريقيا) بمصادر وثيقة. أفليس هذا من العجيب.
اليعازر: ما هو السبب والسر في ذلك.
القس: إن كنا لا نعرفه فدعنا لا نعرفه حالا.
عمانوئيل: لم أزل مصغيا إلى كلمات والدي وغبطة القس وكانت كل كلمة من كلمات القس تغرس في ضميري غرسا صالحا آمل أن أجتني ثمره الطيب في وقت قريب.
القس: إقرأ يا عمانوئيل من حيث انتهيت.
قصة ولدي آدم، والتوراة وخللها، وتراجمها وتحريفها
عمانوئيل: فقرأت حتى وصلت إلى العدد الثامن من الفصل الرابع من سفر التكوين وفي أوله بالترجمة الحرفية " وقال قاين إلى هابيل أخيه وكان بكونهما في الحقل. وقام قاين إلى هابيل أخيه وقتله ". فقلت يا سيدي هذا كلام مبتور المعنى مختل النظام ظاهر النقيصة والسقط. فماذا قال قاين لأخيه؟ وماذا كان بكونهما في الحقل؟
القس. أنظر في الأصل العبراني المطبوع. والكتاب المقدس
عند اليهود وطابقهما مع ما ذكرت فربما كان التغيير من الترجمة.
عمانوئيل: نظرت في الأصل العبراني فكان ما ذكرناه من الترجمة ترجمة حرفية بتمام المطابقة. القس. أنظر يا عمانوئيل في الحواشي.
عمانوئيل: ليس في الحواشي إشارة إلى هذا العدد الثامن إلا قولها " بلا پاسوقا " يا سيدي وماذا تنفع الحواشي. فهل ندم الله على إنزال التوراة على موسى ناقصة فأنزلها بعد ذلك تامة على كاتب الحواشي.
عمانوئيل: فقرأت " ويأمر قاين ال هابيل أخيو. ويهى بهيوتم بشدة. ويقم قاين أل هابيل أخيو ويهرجو ".
القس: ماذا عندك من التراجم.
عمانوئيل: عشر نسخ: 1 - عربية طبع وليم واطس في لندن سنة 1857 على النسخة المطبوعة في روميه سنة 1671. 2 - أخرى توافقها في الترجمة سقطت ورقتها الأولى أظنها طبع بيروت. 3 - عربية فرغ من اصطناع صفائحها في بيروت في تموز سنة 1870. 4 - الطبعة الثامنة في المطبعة الأمريكانية في بيروت سنة 1897. 5 - الطبعة الثانية عشر سنة 1905. 6 - طبع دي سارا هو جسون سنة 1811. 7 - فارسية طبع رچارد واطس في لندن سنة 1839. 8 - طبع وليم واطس في لندن سنة 1856. 9 - طبع تومس كنستبل في أدن برغ سنة 1845. 10 - ترجمة بروس طبع لندن سنة 1901.
القس: أنظر في هذه التراجم ماذا تقول وماذا تذكر. " عمانوئيل " في النسخة الأولى والثانية " وقال قاين لهابيل أخيه لنخرج إلى الحقل ولما صارا في الحقل قام قاين على هابيل أخيه وقتله ". ونقل إظهار الحق عن التراجم العربية المطبوعة سنة 1831 و 1848 م أنها تقول " وقال قاين لهابيل أخيه تعال نخرج إلى الحقل. إلى آخره ". فزادت هذه التراجم من عندها قولها " لنخرج إلى الحقل: تعال نخرج إلى الحقل " وحرفت فيما بقي لتجعل الكلام له شئ من الفائدة. وقد أنزلت توراة جديدة بزيادة وتحريف.. وفي النسخة الثالثة والرابعة والخامسة " وكلم قاين هابيل وحدث إذ كانا في الحقل أن قاين قام على هابيل أخيه فقتله " وعلى نهجها جرت النسخة الثامنة والتاسعة والعاشرة وهذه التراجم الثلاثة حرفت وبدلت.
فإن الأصل العبراني " ويامر " وترجمته " وقال " وأما قولهم " وكلم " فأصله في اللغة العبرانية " ويدبر " وزادوا قولهم " إن " تعديلا للكلام وهي زيادة تحريفية. والترجمة السادسة رأت أنها إن قالت في الترجمة " وكلم " كان تحريفا فاضحا، وإن قالت: " وقال " كان الكلام ناقصا مبتورا بالمرة. فقالت وقاول قاين هابيل أخاه " فوقعت باشد التحريف وبقي الكلام مبتورا. فإنه يقال لهذه النسخة على ماذا قاول قاين هابيل هل قاوله على تحريف التوراة؟! والنسخة السابعة قالت: " وقاين برادر خودرا كفت كه بيا " فزادت قولها " كه بيا " وحرفت في الباقي. يا سيدي وإن هذا التلاعب والتحريف في التراجم مما يشهد بأنهم رأوا خلل الأصل العبراني فأرادوا أن يؤلفوا توراة جديدة. لكن يا سيدي إن التراجم التي زادت على العبراني قولها: " لنخرج إلى الحقل. تعال نخرج إلى الحقل " قد اتبعت بهذه الزيادة للنسخة السامرية والنسخة اليونانية. أفلا يكون هذا عذرا لها.
القس: هل ندم الله على إنزال التوراة ناقصة على موسى فأنزلها بعد ذلك تامة على كاتب السامرية واليونانية.
عمانوئيل: ما هو السبب في خلل الأصل العبراني ونقصانه حتى صار ملعبة للمترجمين.
القس: ما أدرى عاجلا ماذا أقول لك ولكن اقرأ وليسمع اليعازر.