الصفحة 28

جمعية كتاب الهداية - والصدق - والأمانة

عمانوئيل: يا سيدي هذا المقام قد ذكرني شيئا أضحكني كثيرا فإني رأيت في كتاب جمعية الهداية المطبوع بمعرفة المرسلين الأمريكان في الجزء الثاني صحيفة 42 من الطبعة الثانية.

إن هذه الجمعية الرسولية التبشيرية المقدسة الناهضة للتهاجم على المسلمين وقرآنهم قد قالت ما هذا نصه، " ثم إن مراعاة القرآن للسجع مقدمة عنده على الحقائق. فقال قابيل: لأنه على وزن. هابيل " ثم أخذوا بالانتقاد على ذلك. وربما اغتررت بادئ بدء بسمعة مجدهم لكن الحقيقة كشفت عن أنه لا يوجد في القرآن لفظ قابيل ولا لفظ هابيل أصلا. فضحكت يا سيدي من إيقاع التسرع والتعصب لهم في هذه الورطة الكبيرة. ولكني خجلت كثيرا يا سيدي من رجوع هذا الوبال على مجد روحانيتنا وإرسالية المسيحيين.

القس: إن التعصب يورط بأكثر من هذا. ولتكن غيرتك لمجد الحق والصدق لا للفخفخة القومية. إقرأ يا بني.


الصفحة 29

حديث بابل - والبلبلة

عمانوئيل: فقرأت حتى بلغت الفصل الحادي عشر من سفر التكوين فوجدت في العدد الرابع منه إلى الثامن ما حاصله " إن بني آدم اجتمعوا بعد الطوفان لكي يبنوا لهم مدينة حصينة عالية لئلا يتبددوا فنزل الله لينظر المدينة. وقال الله. هذا شعب واحد ولسان واحد وهذا ابتدائهم بالعمل والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه. تعالوا ننزل ونبلبل لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض ". فأطبقت التوراة متبسما ناظرا إلى وجهي والدي والقس أنتظر ابتدائهما بالكلام.

اليعازر: يا ولدي أرى من سيماء عينيك أن صدرك مملوء كلاما. تكلم يا ولدي بكل حرية من جانبي من هذا اليوم وما بعده.

عمانوئيل: يا سيدي كيف يحتاج الله في علمه إلى النزول لكي ينظر المدينة؟ وكيف يحتاج في قدرته إلى النزول لكي يبلبل؟ وما حاجته في قدرته إلى الاستعانة؟ ومن أين ينزل وإلى أين ينزل؟ ولمن قال: تعالوا ننزل؟ وبمن يستعين على حياطة مملكته من التهديد؟ أفلا تعجبون من هذه المضامين السخيفة.

القس: مثل هذا في الكتاب المقدس كثير فلا تضطرب منه.

عمانوئيل: عجبا يا سيدي هل كثرة المشكلات ترفع الحيرة من المشكل. وكأنك لا تريد أن تعاجلني ببيان الحقيقة. وإلى متى أصبر. وكأني بسيدي عنده بيان كبير ثقيل على التعصب صعب على الأهواء ينتظر به الفرصة وسماحة الوقت.

القس: لعل الأمر كما تظن فلا تزعجني بالاستعجال.


الصفحة 30

نار نمرود في بابل - وإبراهيم النبي

عمانوئيل: يقول المسلمون: إن في أرض بابل أضرم الوثنيون نارا عظيمة لإحراق إبراهيم الخليل، وألقوه فيها، فأنجاه الله منها،

وجعلها عليه بردا وسلاما. كما يذكره قرآنهم في سورة الأنبياء في الآية الثامنة والستين إلى السبعين، وفي سورة الصافات في الآية الخامسة والتسعين والسادسة والتسعين. وها هي التوراة لا تذكر من ذلك شيئا مع أن ذكر ذلك من الأمور المهمة في تاريخ إبراهيم وبيان آيات الله.

والمجد النبوي وعناية الله بأوليائه. فلأجل خلو التوراة من حكاية النار هل يمكن أن تقول إنها حكاية خرافية.

القس: لا. لا يمكن ويكفي عاجلا أن العهد الجديد المقدس يوضح لنا أن التوراة قد أهملت كثيرا من الأمور المهمة في التاريخ النبوي وخصوص تاريخ إبراهيم. فمن ذلك إن التوراة لم تذكر أن موسى ارتعد عندما كلمه الله أول الأمر في عليقة النار. والعدد الثاني والثلاثون من الفصل السابع من كتاب أعمال الرسل يذكر أن موسى ارتعد. ولم تذكر التوراة أن موسى قال في التكليم الثاني في جبل سينا. أنا مرتعب ومرتعد " والعدد الحادي والعشرون من الفصل الثاني عشر من رسالة العبرانيين يذكر ذلك مع أن ارتعاد موسى وارتعابه في تلك الأحوال مما يلزم أن تذكره التوراة في تاريخ النبوة ومجد الله.. ولم تذكر التوراة أن موسى جعل في تابوت العهد كوزا من ذهب فيه المن وعصا هرون التي أفرخت لوزا.


الصفحة 31
مع أن هذا من أهم الأمور في تاريخ النبوة وآثارها. والعدد الرابع من الفصل التاسع من رسالة العبرانيين يذكر ذلك... وفي العدد الثامن عشر إلى الثاني والعشرين من الفصل الخامس من سفر التكوين ذكرت التوراة " حنوك " بالعبرانية " وأخنوخ " في الترجمة ولم تذكر نبوته ولا شيئا من أقواله النبوية مع أنها أهم أحواله بالذكر. وذكر ذلك في العدد الرابع عشرين من رسالة يهودا... هذا وإن التوراة لم تذكر أهم أحوال إبراهيم وهو تاريخ حياته ونبوته وإيمانه، في وطنه فيما بين النهرين " والمظنون أنه في الجنوب الشرقي للسماواة " وإنما ابتدأت التوراة بذكر خطاب الله لإبراهيم في حاران.

وأمره بالخروج منها. مع أن العدد الثاني إلى الخامس من الفصل السابع من كتاب أعمال الرسل ذكر نبوة إبراهيم فيما بين النهرين وخطاب الله له هناك وأمره بالخروج من هناك - يا عمانوئيل - وأدهى من هذا كله أن التوراة أطالت كلامها مع نبي إسرائيل في الوعظ والترهيب والترغيب والبشرى والتخويف. ولم تذكر يوم المعاد وحشر العباد للجزاء، ولا الجنة المعدة للأتقياء ولا جهنم المعدة للأشرار، ولم تطر ذكرا لشئ من ذلك لا في هذه المقامات ولا في مقام المعارف والتعليم الديني - بل غاية ما رغبت فيه للطاعة هو كثرة الحنطة والخمر وبركة المعجنة.

وغاية ما خوفت منه هو قلة الحنطة والخمر. وإن الرجل يتزوج امرأة ويطأها غيره. يا عمانوئيل إن توراتنا العزيزة مشغولة عن بعض الحقائق بما قرأته وتحيرت فيه وبما ستقرأه وتتحير فيه لا أنت وحدك بل كثير من الناس. فلتوراتنا العذر الكبير. ويا للأسف. ودع الشيخ " غريب " المتمسلم يقول في رحلته الحجازية صحيفة 48 إن التوراة لم تترك صغيرة ولا كبيرة من أعمال وأحوال إبراهيم إلا وحكته مفصلا. دعه وخطأه.

عمانوئيل: يا سيدي وما هو عذر التوراة عن غفلتها عن ذكر نار إبراهيم المهمة في تاريخ النبوة وكرامتها.

القس: الذي أقوله عاجلا على سبيل الاجمال هو عذرها عن غفلتها عن الأمور التي استدركها عليها العهد الجديد. مع أنها أمور مهمة في النبوات.

ولا أحب أن أجاهر وأكاشفك عاجلا بهذه الأعذار حتى تكون أنت تجاهر وتكاشفني. وإنك قد تدرجت في معرفة العذر باعتراضاتك المتقدمة.


الصفحة 32
عمانوئيل: يا سيدي تركتني برموزك هذه معلقا بين السماء والأرض. فترحم علي بالصراحة المريحة.

القس: سوف تستقر قدماك على اليقين الثابت فلا تعجل. عمانوئيل. يا سيدي وهل من المعقول ما يذكره القرآن في شأن إبراهيم والنار.

القس. عجبا. وإنك مثل كثير من أصحابنا تعترض ولا تدرب بما في كتب ديانتك. ألم تقرأ في كتاب دانيال في الفصل الثالث أن بختنصر ألقى شدرخ، وميشخ، وعبد نغو، في النار التي قتلت بحرها جماعة ممن ألقى هؤلاء الثلاثة فيها. وأنجى الله هؤلاء الثلاثة في وسط النار المتوقدة وخرجوا منها بعد مدة ولم تكن للنار قوة على أجسادهم وشعرة من رؤسهم لم تحترق وسراويلهم لم تتغير. يا عمانوئيل وإن كتب اليهود لتذكر نار إبراهيم ونجاته منها. ولهذه الحادثة آثار تاريخية قديمة تمثل واقعة النار مع إبراهيم. فإن في نواحي بابل مدينة " بورسيبا " التي تسمى الآن " برس " وهي قديمة جدا ويستدل من الآثار والتقليد البابلي القديم أن فيها كانت بلبلة الألسن. بل إن كلمة بورسيبا معناها في اللغة الاشورية " برج اللغات "

بل يعرف من كتابه بختنصر التي وجدت سنة 1845 في أخربة برج بورسيبا أن بانيه أول الملوك وأن بينه وبين بختنصر اثنين وأربعين زمنا. يا عمانوئيل وإلى الآن في بورسيبا آثار قديمة جدا تعرف إبراهيم في النار الخليل وقبة في الموضع الذي يذكر أن نمرود طرح فيه إبراهيم في النار والقبة على تل كبير أسود رمادي إنه رماد بال بمر الدهور الطويلة. فهذه الآثار كافية في تحقيق نار نمرود وإبراهيم تحقيقا علميا وتاريخيا.

عمانوئيل: لماذا لا يكون هذا التل الرمادي من آثار بركان هاج في زمان ثم انطفى.

القس: البركان لا بد من أن يكون مخرجه جبل أو تلعة أرضية ولا يوجد لذلك أثر إلا التل الذي هو رماد عارض على الأرض. وثانيا لو كان هذا البركان قبل الطوفان لانمحى أثره بالطوفان وعمران بورسيبا. ولو كان بعد الطوفان لذكر في التاريخ. وأيضا ليس بين الطوفان وعمران بورسيبا إلا زمان قليل فكيف تعمر بورسيبا وهياكلها حول البركان. ولو أنه كان منطفيا لما أبقى العمران آثاره. نعم أبقى البابليون الرماد من آثار النار أمام هياكل الأصنام تذكارا لخدمتهم للأصنام وعنايتهم بحياطة العبادة الأصنامية - يا عمانوئيل اقرأ من حيث انتهيت.


الصفحة 33

اضطراب نسخ التوراة والأناجيل في النسب

عمانوئيل: فقرأت حتى بلغت العدد الثاني عشر من الفصل الحادي عشر من التكوين. فقلت يا سيدي: إن إنجيل لوقا قد ذكر " قينان " واسطة في التوالد بين " أرفكشاد وشالح " وقال في الفصل الثالث: " شالح بن قينان بن أرفكشاد " وكذا التوراة السبعينية حتى إنها نصت على مقدار عمر قينان قبل ولادة شالح وبعدها. وهذه التوراة العبرانية وتراجمها ذكرت سلسلة التوالد من " سام " ابن نوح إلى إبراهيم فذكرت أن " سام " ولد أرفكشاد وعاش أرفكشاد خمسا وثلاثين سنة وولد شالح. يا سيدي فهل غلط النقصان من العبرانية وتراجمها. أم غلط الزيادة من إنجيل لوقا والتوراة السبعينية واليونانية. يا سيدي والكل يرجع وباله علينا.

القس: قد ذكرت الاعتذار عن هذا الاختلاف جمعية كتاب الهداية في الجزء الثالث صحيفة 212.

عمانوئيل: يا سيدي قد باحثهم في ذلك صاحب كتاب " الهدى " في الجزء الثاني صحيفة 36 - 38 فهل رأيت كتاب الهدى في هذا المقام أما أن اعتراضاته ميزان الحقيقة. أصحيح هذا القول مني يا سيدي؟

القس: نظر إلي متبسما وقال: رأيت اعتراضاته بإمعان. ولكن لا يسمح لي الوقت بأن أقول ما تقوله أنت. ولا عليك من تمجيد الكتاب وانظر إلى مجد المكتوب في العلم والشرف.


الصفحة 34

إجتماع مع واحد من علماء النجف

عمانوئيل: إجتمعنا مع شيخ من علماء النجف. الشيخ: أيها القس هل ينظر الروحانيون من النصارى في كتب العهد القديم التي ينسبها اليهود والنصارى إلى وحي الله. وفي كتب العهد الجديد التي ينسبها النصارى إلى الوحي وهل ينظرون في العهد القديم باللغة العبرانية لغته الأصلية. القس: لا بد لهم من هذا. هل يمكن لعلمائكم أيها المسلمون أن لا تنظروا في القرآن وهل يمكن لعلمائكم من العجم والترك والهند أن لا ينظروا في القرآن بلغته العربية. الشيخ: عجبا فإني وجدت كثيرا من روحانييكم كأنهم لم يقرأوا العهد القديم لا عربيه ولا عبرانيه.

القس: كمن هؤلاء من روحانيينا، فإن هذا شئ لا ينبغي أن يكون من الروحانيين. الشيخ: الذين اطلعنا عليهم من هؤلاء هاشم العربي. وجمعية كتاب الهداية. والمرسلون الأمريكان بمصر.

القس: كيف يكون ذلك. وهؤلاء علماء كتبة. تجردوا للدعوة والتبشير والكتابة في مقابلة المسلمين. وقد احتفل المسيحيون بكتاباتهم الراقية في هذا الموضوع وحيوهم بالاستحسان العام. الشيخ: أترى أن هؤلاء العلماء الكثيرين لم يقرأوا في توراتهم في العدد الثالث عشر من الفصل السادس والأربعين من سفر التكوين أن أحد أولاد يساكر بن يعقوب اسمه " شمرون ". ولم يقرأوا في العدد الثالث والعشرين من الفصل السادس والعشرين من سفر العدد أن من أولاد شمرون بن يساكر كان مع موسى عشيرة الشمرونيين وهم عدد كثير يبلغون الألوف.

القس: لا بد لهم من أن يقرأوا هذا في التوراة ويعرفوه منها.


الصفحة 35

السامري في العربية شمروني في العبرانية وغيرها

الشيخ: إذن فلماذا لا يفهمون أن " السامري " المذكور في القرآن الكريم هو واحد من عشيرة الشمرونيين الذين كانوا مع موسى. فإن " سامري " في اللغة العربية تعريب " شمروني ".

القس: إنهم لا يعرفون أن سامري تعريب شمروني وإنما يعرفون أن " سامري " هو المنسوب إلى أرض السامرة المسماة باسم البلدة التي بناها " عمري " ملك إسرائيل بعد أيام سليمان بأكثر من خمسين سنة وسماها سامرة. فيكون بناؤها وحدوث النسبة إليها بعد واقعة العجل بنحو خمسمائة وسبعين سنة. فلأجل ذلك لا يمكن أن يكون سامري في أيام موسى، ولذا قالت جمعية كتاب الهداية في الجزء الأول صحيفة 37: " إن ذكر السامري يدل على جهل تام بالتاريخ ويعلم توقيع البلدان ولا نعلم من أين أتى هذا السامري هل نزل من السماء أو طلع من الأرض - ولم يكن للسامرة في زمان موسى اسم ولا رسم " وقالت في الجزء الثاني صحيفة 55: " لم يكن في عصر موسى شئ يقال له سامرة أو سامري فهو من التخيلات البعيدة المستحيلة كما يدل عليه تاريخ بني إسرائيل بل تواريخ العالم قاطبة). وقال هاشم العربي في تذييلاته المستقلة صحيفة 55: " لا يمكن أن يكون في بني إسرائيل على عهد موسى سامري وإن هذا المنعت لم ينعت به إلا بعد جلاء بابل ".. نعم يا شيخ إذا ثبت أن لفظ سامري هو تعريب شمروني فلا بد من أن نقول: إن السامري المذكور في القرآن هو من عشيرة الشمرونيين الذين كانوا مع موسى. فيسقط اعتراض أصحابنا.

الشيخ: عجبا أيها القس وأنت تقول هذا أيضا أفلا تدري أن المدينة التي تسمى باللغة العربية سامرة قد ذكرت في أسفار الملوك الأول، والثاني، وأشعيا، وأرميا، وعاموس، وميخا، وعزرا، ونحميا، أكثر من ستين مرة فلم تسميها في الأصل العبراني إلا " شمرون " وكذا في التراجم اليونانية والانكليزية والفرنسوية بل في كل ترجمة ما عدا أغلب العربية والفارسية وكذا في تراجم إنجيل لوقا، ويوحنا، وأعمال الرسل. وذكر لفظا السامري والسامرية والسامريين في أناجيل متي ولوقا ويوحنا في نحو تسعة مواضع وكل ترجمة مما عدا العربية والفارسية تذكرها بلفظ شمروني ونحوه، انظر التراجم العبرانية واليونانية والانكليزية والفرنسوية وغيرها. فلا ينبغي لمن يدعى العلم أن يجهل أن " سامري " تعريب " شمروني " وأنه ليس في الدنيا بلدة أو محل أو نسبة يقال لها في العبرانية: سامرة أو سامري. فالسامري الذي في القرآن الكريم هو الشمروني المنسوب إلى شمرون بن يساكر لا إلى شمرون التي بناها عمري.. ولا ينبغي للجاهل أن يفتح فمه ويجري قلمه بالجرأة القبيحة على القرآن الكريم. فإن الجاهل لا يستهزئ إلا بنفسه.

القس: إني أعرف ما تقوله من قبل ذلك وهذا الذي تذكره أنت قد وجدته أنا في العهدين في اللغة العبرانية وسائر اللغات المختلفة ما عدا بعض النسخ العربية والفارسية، بل إن النسخ الفارسية بترجمة " وليم كلن " لم تذكر سامرة بل إنما ذكرت شمرون، وكذا في بعض التراجم العربية القديمة فمن الواضح وضوح الشمس أن سامري تعريب " شمروني " وأن السامري الذي يذكره القرآن هو الشمروني من عشيرة الشمرونيين الذين تذكرهم التوراة في جند موسى. يا شيخ بعض صفات الانسان تفعل به وتفعل. فلا تنزعج من جرأة الجمعية والعربية على مجد قرآنكم. عمانوئيل. يا شيخ هل تسمح لي بأن أتكلم شيئا في هذا المقام بحرية تامة.

الشيخ: تكلم يا عمانوئيل بحرية من عبودية التعصب والتقليد الأعمى.


الصفحة 36

التوراة - وهارون - والعجل

عمانوئيل: إن القرآن يقول: إن الذي صنع العجل الذهبي الوثني ودعا بني إسرائيل لعبادته هو السامري " الشمروني " وهو من سبط يساكر ابن يعقوب. والتوراة تقول في الفصل الثاني والثلاثين من سفر الخروج ما ملخصه: إن بني إسرائيل قالوا لهرون. إجعل لنا آلهة يسيرون أمامنا فقال لهم: إنزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وأطفالكم وآتوني بها فأتوا بها إلى هرون فأخذ ذلك وصيره عجلا مسبوكا، فقالوا. هذه آلهتك يا إسرائيل، فلما نظر هرون بنى مذبحا أمام العجل " لإجراء رسوم عبادته الوثنية وتقديم قرابين العبادة له ". ونادى هرون غدا حج للرب. فاصعدوا في الغد على المذبح الذي بناه هرون محرقات وقدموا ذبايح سلامة فأجروا رسوم العبادة والحج للعجل كما أمرهم هرون.. يا شيخ وهرون هو أخو موسى من سبط " لاوي " لا من سبط يساكر. فكيف يصح ما في القرآن مع مخالفته للتوراة. الشيخ: لا أقابلك الآن بما في توراتك الموجودة من الخلل الداخلي والخارجي.. ولكن أقول لك: إن هرون أخا موسى إذا كان هو المؤسس في بني إسرائيل لضلال الشرك بالله. والعبادة الوثنية للعجل الذي صنعه كما تزعمون. فكيف يختاره الله نبيا ويكلمه بالشرايع بعد واقعة العجل كما تقول توراتكم. تارة، مع موسى كما في الفصل الحادي عشر والرابع عشر من سفر اللاويين والثاني والرابع والتاسع عشر من سفر العدد. وتارة، منفردا كما تكرر في الفصل الثامن عشر من سفر العدد..

وكيف يختاره الله لكرامة الكهنوت والامامة في الدين والشريعة ويخصه بالكرامات الكبيرة قبل واقعة العجل وبعدها. بل إن توراتكم تقول: إنه حينما كان هرون يصنع العجل ويدعو لعبادته والشرك بالله كان الله يكلم موسى في اختيار هرون للكهنوت والإمامة. وفي تقديسه وتمجيده في تفصيل ثيابه للكهنوت المقدس بكلام طويل ذكرته توراتكم في الفصل الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من سفر الخروج. يا عمانوئيل إن بين المكان الذي كلم الله فيه موسى في تقديس هرون وبين المكان الذي صنع فيه هرون العجل ودعا إلى عبادته لم يكن إلا مسافة ميل أو ميلين. فإذا قلت: إن الله جل شأنه لا يعلم بما صنع هرون. قلنا: إذن فلماذا دام بعد أن علم على تقديس هرون وتكليمه بالشريعة مع موسى ومنفردا. وإذا قلت. إن الله كان يعلم. قلنا: فكيف يختاره ويقدسه حينما كان هرون يؤسس العبادة الشركية الوثنية ويدعو إليها، وكيف دام الله على تقديسه واختياره وتكليمه.


الصفحة 37

سليمان والعهد القديم

عمانوئيل: كان الله حينئذ يعلم بعمل هرون وهو الذي أعلم موسى أن شعبه فسدوا وعملوا لهم عجلا وسجدوا له ودعوه إلها. كما نص على ذلك نفس الفصل الثاني والثلاثين من سفر الخروج. ولكن يا شيخ هذا لا يضر. فإن كتب وحينا المقدسة تذكر أن الله اختار سليمان ابن داود نبيا وأوحى إليه أسفار الحكمة. والجامعة. ونشيد الانشاد. وكرمه بأن جعل بناء بيت المقدس على يديه دون أبيه داود الذي كان يريد ذلك. وأظهر الله مجده بأن قال لداود كما في العدد السادس من الفصل الثامن والعشرين من سفر الأيام الأول: سليمان ابنك هو يبني بيتي ودياري لأني اخترته لي ابنا وأنا أكون له أبا " ونحوه من الفصل الثاني والعشرين من السفر المذكور. وفي السابع من سفر صموئيل الثاني.

هذا مع أن كتب وحينا المقدسة تقول كما في الفصل الحادي عشر من سفر الملوك الأول. إن سليمان خالف الشريعة وتزوج بالنساء المشركات فأملن قلبه وراء آلهة أخرى فذهب سليمان وراء عشتاروت آلهة الصيدونيين، وملكوم رجس العمونيين، وبنى مرتفعة لكموش رجس الموابيين، ولمولك رجس بني عمون، وعمل لسائر نسائه المشركات مثل ذلك. وكررت " كتبنا نسبة هذا العمل الإشراكي لسليمان في العدد الثالث عشر من الفصل الثالث والعشرين من سفر الملوك الثاني - يا شيخ فمقتضى كتب وحينا المقدسة أن الله يختار للنبوة والقداسة من يعلم أنه يشرك ويدعو إلى عبادة الأوثان ويبني لها مشاعر العبادة.

فحال هرون مع الله كحال سليمان. الشيخ: يا عمانوئيل لا تنزعج من المثال الذي أضربه لك. فإن الأمور تبينها أمثالها. إذا أراد واحد من الناس أن يجعل في بيته وكيلا مؤدبا ورقيبا على أزواجه وبناته وأخواته لكي يؤدبهن على الحياء والعفة ويمنع عنهن إفساد المفسدين والتهتك بالفحشاء. فهل يوكل عليهن امرأة يعلم أنها تكون زانية تغوي نساءه على الزناء ودوامه. وهل يبقى على اختيارها وتمجيدها حتى إذا رأى تأثيرها في إغواء نساءه على الزنا. وحتى إذا رآها ناصبة على بيته راية القيادة للزنا لكي ترغب نساءه على تكرار الزنا ودوامه.

عمانوئيل: يا شيخ لقد أزعجتني من هذا المثال وقد اضطربت روحي من مجرد سماعه. الشيخ: هذا مثال ما في كتبكم التي تنسبونها إلى الوحي. هل أنت والناس أكمل من الله القدوس العزيز الحكيم. إذن فكيف ترضى أن يقال في جلال الله أنه يختار لإنقاذ عباده من الشرك والفساد رجلا يعلم أنه يشرك ويدعو إلى العبادة الوثنية ويعمل أوثانها ويبني مشاعر عبادتها؟ عمانوئيل: حقا تقول في كل ما ذكرت وأنا واثق بأن الكلام الذب يذكر هذه المتناقضات في شأن هروت وسليمان لا يمكن أن يكون من وحي الله والكتاب المقدس النبوي ولا من كتابة مؤمن عارف بجلال الله.

اليعازر: يا شيخ إن قرآنكم يذكر نبوة هرون ويقول. إنه عبد العجل حينما كان أخوه موسى على الجبل.

عمانوئيل: يا سيدي الوالد أين يقول القرآن ذلك، أما أن القرآن يبرئ هارون من ذلك فإنه يقول في الآية الثاني والتسعين والحادية والتسعين من سورة طه المكية (ولقد قال لهم هارون يا قوم إنما فتنتم به) يعني العجل (وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين) في الآية المائة والخمسين من سورة الأعراف المكية عن قول هارون لموسى: إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء) الذين نهيتهم عن عبادة العجل (ولا تجعلني مع القوم الظالمين). فأين يا والدي قول القرآن: إن هارون عبد العجل.


الصفحة 38

كتاب ثمرة الأماني للنصارى

اليعازر: أنا ما رأيت القرآن ولكني اعتمدت في نقلي على كتاب ثمرة الأماني في اهتداء كامل العيتاني المطبوع بالمطبعة الانكليزية الأمريكانية ببولاق مصر سنة 1911 وقد ذكر ذلك صحيفة 79.

عمانوئيل: يا والدي إني رأيت هذا الكتاب والأقرب عندي أنه رواية من بعض المبشرين وقد افترى هذا الكتاب فيما ينقله على القرآن. كما افترى صحيفة 78 بقوله: إنا نقرأ في القرآن أن داود أخذ نعجة أخيه، وإن إبراهيم كان عابد وثن. يا والدي ها هو القرآن يذكر مسألة النعجة بين الخصمين الذين اختصما إلى داود فانظر إلى الآية الثانية والعشرين والثالثة والعشرين من سورة ص المكية: ويذكر أن إبراهيم ما كان من المشركين كما في سورة البقرة الآية 129 وآل عمران 60 و 89 والأنعام 162 والنحل 121 و 124.

اليعازر: كيف تقول: إن كتاب ثمرة الأماني هو رواية لبعض المبشرين مع أنهم نصوا في الكتاب على أنه قصة حقيقة وكتبوا على ظهر الكتاب " الحق أغرب من رواية ".

عمانوئيل: يا والدي هذا الحق الغريب لماذا يكذب على القرآن ثلاث مرات كما ذكرناه. سامحنا مضادته للقرآن. ولكن لماذا يكذب على التوراة وينسب إليها النهي عن تكرار اسم الله في عباداته بذكره. انظر صحيفة 83 و 84 يا والدي إذا قالت التوراة في العدد السابع من الفصل العشرين من سفر الخروج. وفي العدد الحادي عشر من الفصل الخامس من سفر التثنية في الأصل العبراني " لا تشأ أت شم يهوه الاهيك لشو أكى لا ينقه يهوه أت أشير يشأ أت شمو لشوأ " فهل يا والدي تنهي بذلك عن عبادة الله بذكر اسمه العظيم. ألا وإن التراجم قد اضطربت في ترجمة هذا الكلام أشد الاضطراب. ففي جملة منها " لا تحلف باسم الرب إلهك كاذبا لأنه لا يزكي الرب من حلف باسمه كاذبا " وفي بعضها ما نقله كتاب ثمرة الأماني " لا تنطق باسم الرب إلهك باطلا لأن الرب لا يبري من نطق باسمه باطلا " يا والدي هب أن هذا هو الترجمة الصحيحة فهل يقول ذو شعور بأنه نهى عن تكرار اسم الله في عبادة الذكر والتسبيح. مع أن الترجمة الحقيقية هكذا " لا تعتمد اسم الله إلهك لسوء لأن الله لا يبرئ الذي يعتمد اسمه لسوء " يا والدي هل ترى الكاتب لهذا الكتاب والطابع له لم ينظرا في مزامير داود لكي يعرفا فضل تسبيح الله وإدمان ذكره: ألم يقرأ فيها أقلا: اهتفوا أيها الصديقون بالرب. لساني يلهج بعدلك اليوم كله بحمدك. يا سيد افتح شفتي فيخبر فمي بتسبيحك. رنموا بمجد اسمه. باسمك يبتهجون اليوم كله. إدعوا باسمه. إفتخروا باسمه القدوس.

إرحمني كحق محبي اسمك. إنما الصديقون يحمدون اسمك أبارك اسمك إلى الدهر وإلى الأبد. أسبح الرب في حياتي وأرنم لا إله ما دمت موجودا. سبحوه حسب كثرة عظمته.. يا والدي. أما إني إلى الآن ما سمعت أحدا ولا رأيت كاتبا يعترض على كثرة ذكر اسم الله في عبادته وذكره جل اسمه إلا شبلي شميل في أواخر الجزء الثاني من كتابه. يا والدي وإن كتاب ثمرة الأماني يعيب على المسلمين إدمانهم لذكر الله وتسبيحه وعلى الخصوص قولهم لا إله إلا الله فصار يستهزئ بهم في ذلك فدعه يستهزئ ويكره ذكر اسم الله وتسبيحه وتوحيده. ولكن لماذا يكذب على التوراة. يا والدي أما أن الطابعين لهذا الكتاب وأمثاله قد جنوا علينا جناية كبيرة بطبع هذه الكتب ونشرها. وما عرفت صدقا في هذا الكتاب إلا قوله في صحيفة 87 بأن سر التثليث فوق عقولنا وأنا لا نستطيع فهمه. ولكن الكاتب كأنه لم يجد بركة في الصواب، فعد مما هو من وراء الادراك. يوم الدين. ووجود ذات الله. وإزليته. وأنه علة كل علة.


الصفحة 39
وعلمه بكل شئ. وخلقه السموات والأرض. فيا للأسف على الشعور الديني. يا والدي لما سمعت بهذا الكتاب اشتقت إليه كثيرا وقلت في نفسي كتاب يكتب في اهتداء مسلم إلى النصرانية وينشره المبشرون لا بد من أن يكون فيه من الدلائل التي اهتدى بها كامل شئ يرغم المسلمين على التنصر. ولما نظرت فيه وجدته مشتملا على الأكاذيب التي سمعتها. وإن كاملا دخل المكاتب وسافر في السفائن في سواحل اليمن وعمان ووصل إلى البصرة وباع نسخا من العهدين. ولم يتعد هذه الخطة. فأسفت على شوقي إليه واغتراري باسمه وصرفي وقتا في مطالعته. وكل هذا أهون من خجلي من المسلمين من أجله. الشيخ: يا عمانوئيل كيف وجدت مقدمة المؤلف للكتاب المذكور وتعريضه بالقرآن ورسوله صحيفة 3، يا عمانوئيل هل في القرآن ودين الاسلام أمور صبيانية وخرافات وضلالات منسدلة على أصل التوحيد وملتفة عليه منذ اثني عشر قرنا كما يقول كاتبكم هذا. هلموا واحضروا العهد القديم والجديد ونحضر القرآن ونجعل التوحيد الحقيقي حكما وننظر الخرافات الصبيانية والضلالات الوثنية أين تكون.

عمانوئيل: يا شيخ إن خجلي من هذا السؤال كثير وإن بعض الأخلاق تفعل بالانسان وتفعل. العفو يا شيخ أرجوا الاعراض عن هذا المسلك الذي قطع به السيد الوالد كلامنا. ولنعد إلى كلامنا الأول وسامحني في سؤالي.

خرافة الغرانيق

الشيخ: سل واستوضح لكي ترفع عن طريق عرفانك كل حجر عثرة.

عمانوئيل: إن نبيكم لم قرأ في مكة بمحضر المشركين سورة (النجم الآيتان: 18 و 19) وتلا قوله: (أرأيت اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى) قال على الأثر: " تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى " فكيف يا شيخ يبعث الله رسولا لدعوة الإيمان بالله وتوحيده وهو يعلم أنه يمجد الأوثان بمحضر المشركين ويقدسها بالصفات السامية. الشيخ: هل رأيت حكاية الغرانيق في القرآن. هل وجدتها في الأحاديث المتواترة. هل وجدت روايتها متصلة السند بالرجال الثقات إلى من شاهد الواقعة. هل وجدتها في جوامع المسلمين الصحاح أو الحسان. هل وجدت المسلمين يعترفون بها. هل وجدت رواتها مرضيين بالاتقان والديانة عند عموم المسلمين.

عمانوئيل: لم أجد شيئا من ذلك. بل وجدت جميع الشيعة من المسلمين يعدونها خرافة كفرية.

ومن أهل السنة يقول النسفي إن القول بها غير مرضي. ويقول البيضاوي إن القول بها مردود عند المحققين. ويقول الخازن في تفسيره: إن العلماء وهنوا أصل الفقه وذلك أنه لم يروها أحد من أهل الصحة ولا أسندها ثقة بسند صحيح أو سليم متصل وإنما رواها المفسرون والمؤرخون " أي بعضهم " المولعون بكل غريب، الملفقون من الصحف كل صحيح وسقيم. والذي يدل على ضعف هذه القصة اضطراب روايتها وانقطاع سندها. وأنكرها القاضي عياض وقال نحو قول الخازن. وفي السيرة الحلبية إن هذه القصة طعن فيها جمع وقالوا إنها باطلة وضعها الزنادقة. وقال الرازي في تفسير هذه القصة باطلة موضوعة لا يجوز القول بها. وقال البيهقي: رواة رواة هذه القصة كلهم مطعون فيهم. وقال النووي نقلا عنه: وأما ما يرويه الإخباريون والمفسرون أن سبب سجود المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وآله هو ما جرى على لسانه من الثناء على آلهتهم فباطل لا يصح منه شئ لا من جهة النقل ولا من جهة العقل. وفي سيرة السيد أحمد دحلان أن قصة الغرانيق أثبتها بعض المحدثين والمفسرين ونفاها آخرون وقالوا إنها كذب لا أصل لها. والذين أثبتوها اختلفوا فيها والمحققون على أنها ليست من كلام النبي (ص) بل من كلام الشيطان ألقاها إلى أسماع المشركين ولم يسمعها المسلمون.


الصفحة 40
وقيل إن بعض المشركين نطق بتلك الكلمات في خلال قراءة النبي (ص). " يا شيخ " وإن من المفسرين من يريد أن يبين سعة اطلاعه ومعرفته بأسباب نزول القرآن فيتشبث لذلك حتى بالواهيات فذكروا قصة الغرانيق سببا لنزول قول القرآن في مكة في الآية الثانية والخمسين من سورة الحج مكية نزلت في مساء واقعة الغرانيق في السنة الخامسة من البعثة بالنبوة. مع أن سورة الحج مدنية بأجمعها كما هي رواية ابن عباس وابن الزبير وقتادة والضحاك وغيرهم. دع عنك الرواية ولكن سورة الحج لا يمكن أن تكون مكية فإن فيها ذكر الصد عن المسجد الحرام ولم يكن ذلك إلا بعد الهجرة. وفيها الأمر بالأذان بالناس في الحج وأنهم يأتون رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق.

ولم يكن ذلك إلا بعد الهجرة بسنين. وفيها الإذن بالقتال ولم يكن ذلك إلا بعد الهجرة. وفيها الأمر بالجهاد ولم يكن ذلك إلا بعد الهجرة. " يا شيخ " وقد رأيت ما ذكره من اضطراب هذه الحكاية وتناقض نقولها في الجزء الأول من كتاب الهدى صحيفة 124 إلى 128 وذكرت ما ذكرته هنا إضافته لذلك. الشيخ: يا عمانوئيل إذن كيف تقول: إن نبيكم قال: تلك الغرانيق العلى.

عمانوئيل: سامحني يا سيدي فإني في أول الأمر وجدت ذلك في كتاب جمعية " الهداية " المطبوع بمعرفة المرسلين الأمريكان في الجزء الأول صحيفة 62 وقد أبدوها بصورة الحقيقة الواضحة حيث قالوا: قال ابن عباس وجميع المفسرين سواء كانوا متقدمين أو متأخرين. وساقوا الحكاية. ووجدت الحكاية أيضا في الرحلة الحجازية للشيخ غريب ابن الشيخ عجيب. وقال فيها قال المفسرون. فحسبت من ذلك اعتمادا على أمانتهم أن المفسرين والمسلمين قد أجمعوا على صحة هذه الحكاية. ولكن بعض الأمور نبهتني على أنه لا ينبغي الاعتماد على كل ناقل فتتبعت الحكاية فوجدتها خرافة باطلة كما شرحته لك.

وزيادة على ذلك وجدت كتب السير تصرح بأنها تروي الضعيف والسقيم والمنقطع والمعضل كما قاله الحلبي في أول سيرته، وقال في عيون الأثر: سيرة الحافظ والذي ذهب إليه كثير من أهل العلم الترخص أي التساهل في الرقائق أي أخبار المغازي والحكايات. وقال الزين العراقي:


وليعلم الطالب أن السيراتجمع ما صح وما قد أنكرا

الشيخ: يا عمانوئيل ما هو الذي نبهتك على عدم الاعتماد على نقل أصحابك.


الصفحة 41

الجمعية - هاشم العربي - الغريب ابن العجيب

عمانوئيل: الذي نبهني هو ما ذكرناه صحيفة 5 و 6 من أن جمعية كتاب الهداية قالت: لم يقل الله في التوراة " وبارك الله في اليوم السابع وقدسه " مع أن هذا الكلام بعينه موجود في التوراة. وما ذكرناه صحيفة 21 من دعوى الجمعية المذكورة أن القرآن ذكر لفظ قابيل لأنه على وزن هابيل: مع أن هذين الاسمين لا وجود لهما في القرآن أصلا. ورأيت هاشم العربي في الصحيفة الحادية عشر من الطبعة الأولى لتذييله لتعريب مقالة " سايل " والغريب ابن العجيب في رحلته صحيفة 97 يقولان: " وأيضا ورد في التكوين أن إسماعيل لما مات أبوه إبراهيم أتى فدفنه " وقد زادا من عندهما على التوراة لفظة " أتى " زيادة واضحة لأجل غرض فاسد، مع أنه لا توجد لفظة " أتى " ولا ما في معناها لا في الأصل العبراني ولا في التراجم بأقسامها. وإنما الموجود في العدد الثامن والتاسع من الفصل الخامس والعشرين من سفر التكوين أن إبراهيم مات بشيبة صالحة شيخا وشبعان وانضم إلى قومه ودفنه إسحاق وإسماعيل ابناه في مغارة المكفلية. " الشيخ " إن تراجمكم تقول: " شيخا وشعبان أياما " فلماذا أسقطت أنت لفظة " أياما ".

عمانوئيل: يا شيخ هل تريد أن أكون مثل المترجمين أزيد على التوراة ما ليس فيها، أما أنه لا توجد في الأصل العبراني لفظة " أياما " ولا معناها. ونص الأصل العبراني هكذا " ويكت إبرهام بشيبة طوب زقن وشبع ويأسف أل عميو " ومعنى الكلام " شيخا وشبعان " أي غنيا. الشيخ: هل يوجد أيضا في التراجم زيادة اتفقت عليها مثل هذه الزيادة على الأصل العبراني.

عمانوئيل: نعم يوجد ي خصوص أسفار التوراة الخمسة أكثر من ستين كلمة. قد أشارت إليها النسخة الثالثة المذكورة في صحيفة 19 فطبعت هذه الزيادات في أثناء التوراة بحرف صغير. ولكن هذه الزيادات منها ما هو تصحيح لنقصان عبارة التوراة. ومنها ما هو زيادة من عند المترجمين.

القس: عد إلى قراءتك يا عمانوئيل من حيث انتهيت.