الصفحة 42

خطاب الله لإبراهيم ع - واختلاف العهدين

عمانوئيل: فقرأت حتى انتهيت إلى العدد الحادي والثلاثين وما بعده من الفصل الحادي عشر من سفر التكوين. فقلت: يا سيدي إن التوراة إلى الآن لم تذكر أحوال إبراهيم وإيمانه وتوحيده ونبوته وكلام الله معه حينما كان في بلاده فيما بين النهرين " الفرات والدجلة " ولم تذكر من أحواله إلا أن " تارح " أخذ إبراهيم ابنه ولوطا ابن ابنه وسارة امرأة إبراهيم فخرجوا من أور الكلدانيين ليذهبوا إلى أرض كنعان فأتوا إلى حاران وأقاموا هناك ومات تارح في حاران، ثم قالت في الفصل الثاني عشر ما ملخصه: وقال الله: لإبراهيم أخرج من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك.

فذهب إبراهيم وذهب معه لوطا وكان إبراهيم ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران فأخذ إبراهيم سارة ولوطا وكل مقتنياتهما والنفوس التي امتلكا في حاران، يا سيدي والعهد الحديد يقول في أوائل الفصل السابع من أعمال الرسل " ظهر إله المجد لإبراهيم وهو فيما بين النهرين قبلما سكن في حاران وقال له: أخرج من أرضك ومن عشيرتك إلى الأرض التي أريك، فخرج حينئذ من أرض الكلدانيين وسكن في حاران ".

يا سيدي هل كان الله خاطب إبراهيم فيما بين النهرين وأهملته التوراة وحولته إلى الخطاب في حاران؟ أم كان هذا الخطاب في حاران وحوله العهد الجديد إلى ما بين النهرين. لكن يا سيدي نفس الخطاب يبين أنه كان بين النهرين أرض إبراهيم ومحل عشيرته وبيت أبيه. فإن حاران ليست أرض إبراهيم ولا فيها له عشيرة ولا بيت أبيه بل كان هو وأبوه ولوط وسارة في حاران نزلاء غرباء. يا سيدي فلماذا يكون مثل هذه في التوراة.

القس: يا عمانوئيل قد وقع ما لا تحب فاقرأ.


الصفحة 43

شك إبراهيم في التوراة - والكلام المشوش

عمانوئيل: فقرأت حتى انتهيت إلى الفصل الخامس عشر وقرأت فيه من العدد الثامن إلى الثاني عشر وفيها " إن الله قال لإبراهيم: أنا الرب الذي أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها، فقال: أيها السيد الرب. بماذا أعلم أني أرثها، فقال له: خذ لي عجلة ثلثية وعنزة ثلثية وكبشا ثلثيا ويمامة وحمامة. فأخذ هذه كلها وشقها من الوسط وجعل شق كل واحد منها مقابل الآخر وأما الطير فلم يشقه فنزلت الجوارح على الجثث وكان إبراهيم يزجرها ". فقلت: يا سيدي إن أعطاه الأرض من أناس لآخرين من الأمور العادية في الدنيا والله يقول له: أعطيك هذه الأرض لترثها فكيف يشك إبراهيم بوعد الله ويقول له: بماذا أعلم أني أرثها. أفلا يفيده وعد الله علما.

ألم يكن مؤمنا. هل جاءت الحية الصادقة الناصحة لإبراهيم كما جاءت لحوا وقالت له: لا ترثها بل إن هذا القول كالقول لآدم بأنه يوم يأكل من الشجر موتا يموت. يا سيدي دعنا من هذا.

ولكن ما هو محصل هذه العلامة التي أعطاها الله. " بقول التوراة " لإبراهيم لكي يحصل له العلم بصدق الوعد. أفلا ترى أن كلام العلامة هو دمدمة وكلام مبتور لا محصل له ولا فائدة ولا ربط. ولم يقل الله لإبراهيم: شق هذه الحيوانات ما عدا الطير فلماذا فعل إبراهيم ذلك. أهكذا يكون كلام الله والتوراة الحقيقية؟ حاشا الله ولكتبه ولأنبيائه.


الصفحة 44

إيمان إبراهيم والحجة الواضحة في القرآن

القس: يخطر في بالي أنه جاء في القرآن في حديث إبراهيم مثل هذا الكلام فاقرأ ذلك من أواخر سورة البقرة.

عمانوئيل: فقرأت الآية 260 (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا).

القس: كيف ترى هذا الكلام يا عمانوئيل.

عمانوئيل: أراه كلاما منتظم البيان تام الفائدة عظيم الحجة جاريا في مهم المعارف يحقق إيمان ويبين مجده بطلب الاطمئنان بتأييده المعلوم بالحسن. فإن إحياء الموتى أمر كبير يحتاج الاطمئنان في الإيمان به إلى التأييدات الحسية.

لكن يا سيدي كيف يذكر القرآن هذا والتوراة تذكر غيره على ما سمعته. مع أن اليهود والنصارى يقولون إن القرآن يأخذ قصصه من التوراة. فما هو سبب الاختلاف:

القس: السبب هو أن أحد الكتابين يكتب وحي الله الحقيقي فاجعل عقلك ميزانك. واقرأ.


الصفحة 45

الملاك - والله - والتوراة

عمانوئيل: فقرأت حتى بلغت العدد السابع إلى الرابع عشر من الفصل السادس عشر من التكوين في قصة " هاجر " وبشرى الملاك لها بإسماعيل وخطابه معها فقالت التوراة: " ووجدها ملاك الرب... فقال لها ملاك الرب ". وقال لها ملاك الرب مكررا وفي الأثناء " وقال لها ملاك الرب تكثيرا أكثر نسلك ". فقلت: يا سيدي هذا القول لا يكون من الملاك فإن المكثر للنسل إنما هو الله لا الملاك فكيف تنسبه التوراة إلى الملاك. دع هذا ولكن التوراة تقول بتكرارها: إن الذي تكلم مع هاجر هو ملاك الله فكيف تقول بعد ذلك " فدعت اسم الله الذي تكلم معها " فما بال توراتنا لا تميز بين الله والملاك.

لقس: سترى في التوراة من مثل هذا كثيرا.

عمانوئيل: هل كثرة المشكلات تحل المشكل وهو كثرة الخطأ تجعله صوابا.

القس: لا. واقرأ من حيث انتهيت.


الصفحة 46

إبراهيم والله والملائكة في التوراة

عمانوئيل: فقرأت إلى أن قرأت الفصل الثامن عشر والتاسع عشر والقس يسمع ويبتسم فتأملت في المضامين فتناقضت على زيادة على أني لم أقدر أن أدرجها في المعقول. فقلت: يا سيدي أنقذني بإفادتك. فإنك تسمع أن التوراة تقول كلاما ملخصة: " وظهر لإبراهيم يهوه (الله) فرفع إبراهيم عينيه وإذا ثلاثة أناسين؟ وقال إبراهيم: يا سيدي إن كنت وجدت نعمة في عينك فلا تتجاوز عبدك؟ ليؤخذ قليل ماء فاغسلوا أرجلكم فأخذ كسرة خبز فتسندون قلوبكم؟ وعمل لهم طعاما فأكلوا؟ وبشروا سارة بالولد فضحكت لأنها كانت عجوزا.

فقال الله لإبراهيم: لماذا ضحكت سارة؟ هل يعسر على الله شئ في الميعاد أرجع إليك ويكون لسارة ابن؟ ثم قام الأناسين نحو سدوم وكان إبراهيم ماشيا معهم؟ فقال الله: هل أخفي على إبراهيم شيئا. وقال الله: إن صرخة سدوم وعمورة كثرت، أنزل وأرى هل فعلوا حسب صراخها الآتي إلي وإلا فاعلم؟، فذهب الأناسين نحو سدوم؟ وإبراهيم بعد واقف أمام الله؟ " وذكرت خطاب إبراهيم مع الله في ذلك الموقف وخطاب الله معه إلى أن قالت: وذهب الله عندما فرغ من الكلام مع إبراهيم.

ثم قالت في الفصل التاسع عشر: وجاء الملاكان الاثنان إلى سدوم. فاستقبلهما لوط وقال: ميلا إلى بيتي واغسلا أرجلكما فصنع لهما خبزا فطيرا فأكلا. وقال الأناسين للوط: " وأخبروه بإهلاك البلدة " ولما طلع الفجر كان الملائكة يعجلون لوطا. وتوانى فأمسك الأناسين بيده وأخرجوهم وكان لما أخرجوهم. قال: اهرب لحياتك. وقال لوط لهم: لا يا سيدي ها أنا عبدك وجدت نعمة في عينك. قد رفعت وجهك لا اقلب لا أقدر أن أفعل شيئا حتى تجئ إلى هناك؟؟ يا سيدي القس كيف يكون ظهور الله برؤية إبراهيم لثلاث أناسين؟

وكيف يخاطبهم إبراهيم بخطاب الواحد ويقول لهم: يا سيدي في عينك لا تجاوز عبدك؟ ثم يعود إبراهيم يخاطبهم خطاب الجماعة، أغسلوا أرجلكم. تسندون قلوبكم، وتقول التوراة: " أكلوا " يا سيدي من هم الذين أكلوا؟ هم بشر. أم ملائكة. أم هم الله جل شأنه. بدليل قول التوراة: " فقال الله لماذا ضحكت. في الميعاد أرجع إليك. وقال الله: هل أخفي. وقال الله: إن صرخة سدوم ". يا سيدي ما حاجة الله إلى النزول لكي يرى ولكي يعلم. أتراه لا يرى ولا يعلم إذا لم ينزل. فهو يسمع الصرخة ولكنه لا يرى ولا يعلم إلا أن ينزل. وأين هو لكي ينزل.


الصفحة 47
وأين ذهب الله بعد ما كلم إبراهيم. يا سيدي الأناسين الثلاثة كيف صاروا ملاكين اثنين. وكيف أكل الملاكان من ضيافة لوط. وكيف صاروا واحدا. وكيف يخاطبهم لوط بعد ذلك بقوله. يا سيدي. عبدك. عينك. ومن هو الذي يخاطبه لوط. ومن هو الذي يقول للوط رفعت وجهك. لا أقلب. لا أقدر أن أفعل شيئا. هل هو الله؟ وكيف لا يقدر.

القس: إن أصحابنا يقولون إن الأناسين الثلاثة هم أقانيم الله. فالله ظهر لإبراهيم بأقانيمه الثلاثة والله واحد ذو أقانيم ثلاثة. فإبراهيم يخاطب الله بخطاب الواحد لأن الله واحد، ويخاطبه بخطاب الجماعة باعتبار أقانيمه الثلاثة. عمانوئيل. لا أقول لهم عاجلا كيف يكون الله واحدا ثلاثة. فإنهم يقولون: أسكت يا عديم الإيمان هذا أمر وراء العقل والمعقول. وإني أؤخر الكلام في هذا، ولكن أقول عاجلا: هل لأن إبراهيم يعلم بأن الله ظهر له بأقانيمه الثلاثة قال للأقانيم الذين هم الله: اغسلوا أرجلكم. تسندون قلوبكم. وأكرمهم بعمل الطعام.

وهل لأنهم أقانيم الله أكلوا من طعام إبراهيم. هل الله يأكل؟ ثم إن الأقانيم الثلاثة كيف صاروا عند لوط ملاكين اثنين. أين صار الاقنوم الثالث. أليس الثلاثة غير الاثنين والأقانيم غير الملائكة؟ هل من المعقول أن يكون الله أو أقانيمه أو الملائكة يأكلون؟

كرامة القرآن

يا سيدي إن التوراة التي نؤمن بأنها كلام الله أوردت القصة بهذه المتناقضات والأمور الخارجة عن حد المعقول - والقرآن الذي لا يؤمن به غير المسلمين أورد هذه القصة على النحو المعقول السالم من التناقض ومن كل ما يخالف العقل. كما تراه من الآية التاسعة والستين إلى الثالثة والثمانين من سورة هود المكية. وفي الآية الرابعة والعشرين إلى الآية السابعة والثلاثين من سورة الذاريات المكية.


الصفحة 48
فقد أوضح فيها أن الذين جاؤا إلى إبراهيم هم رسل الله من الملائكة وأنهم لم يأكلوا.

القس: قال وهو مبتسم: إن أصحابنا يقولون. إن " محمدا " أخذ قصص القرآن من التوراة بتعليم اليهود وغيرهم لأنه كان لا يقرأ ولا يكتب.

عمانوئيل: " محمد " إنما هو من عرب متوحشين وثنيين لا يميزون في الإلهيات بين المعقول وغير المعقول بل إن عبادتهم للأوثان جارية على غير المعقول فلو كان " محمد " يأخذ قصص القرآن من التوراة وتعليم اليهود لجاء بهذه القصة وغيرها على ما في التوراة من التناقض وغير المعقول وزاد عليها بالاضطراب ومخالفة المعقول حسبما تقتضيه وحشية قومه ووثنيتهم وقصورهم في المعارف. ألا.

وإني تتبعت قصص القرآن التي يقول اليهود وأصحابنا: إن محمدا أخذها من التوراة والانجيل وباقي كتب العهدين فوجدت قصص القرآن كأنها تصحيح لأغلاظ قصص العهدين وتهذيب لها من مخالفة المعقول وتصفية لها من الخرافيات. أفليس هذا من العجيب المدهش. هذه كتب العهدين يؤمن أصحابنا بأنها كلام الله المقدس وهي مملؤة بما يزعج العقل والاستقامة. وهذا القرآن لا يؤمن أصحابنا بأنه كلام الله وهو الوحيد في موافقة العقل والاستقامة العظمى. وليت اليهود والنصارى لم يقولوا أن قصص القرآن أخذها " محمد ص " من العهدين، فإن هذا القول يحرك ويبعث على المقابلة بين قصص القرآن وقصص العهدين فيظهر مجد القرآن ظهور الشمس ونبقى نحن نتجرع غصص الخجل فهل تسمح لي بأن أقابل بحضرتك بين قصص القرآن وقصص العهدين.

القس: قد قابلت في درسك في قصة آدم والشجرة وإبليس. وفي قصة إبراهيم والطيور وفي هذه القصة.

ولعلما تجري المقابلة إذا استمر درسك. كن يا عمانوئيل إنك تتكلم بأمور كبيرة يسخطها عليك قومك.

عمانوئيل: قومي أهل الحق وحرية الضمير فما بالك يا سيدي لا تشفي نفسي بالبيان. تقرب الماء إلى فمي ثم تمسكه عني. القس: أريد أن تقرب إلى الحق بسيرك لكي يسهل علي إرشادك. فاكتب كل ما مضى من درسك في دفتر قلبك لكي تكون أنت الذي تصفي حساب الحقيقة وإنك كالمعاون والله خير معين.


الصفحة 49
عمانوئيل. كتبت ما مضى في قلبي وأكتب بعون الله ما يأتي وأكتب كلماتك الذهبية في رأس الصحيفة بكتابة. ثابتة كالنقش في الحجر. ومع ذلك فإني أكتبه بقلم التحرير لكي يكون نموذجا للرائي وعبرة... لكن بقي شئ وهو أن الفصل التاسع عشر يذكر في أواخره أنه لما قلب الله سدوم وعمورة وأنجى لوطا كان معه ابنتاه فسكن معهما في مغارة الجبل فتشاورت ابنتاه واتفقتا على أن تسقيا أباهما خمرا.

لكي تضطجعا معه ويواقعهما، فسقتاه خمرا واضطجعت معه الكبيرة فواقعها وهو لا يعلم، وسقتاه في الليلة الثانية واضطجعت معه الصغيرة فواقعها وهو لا يعلم، فحبلت البنتان من أبيهما وولدتا. يا سيدي هل يمكن أن يكون مثل هذا من لوط البار وهل يذكر القرآن مثل هذه القصة للوط.

القس: توراتنا تقول قد كان ذلك، ولا أدري ماذا يقول وجدانك. والقرآن لا يذكر أمثال هذا. فاقرأ.

الختان في التوراة والعهد الجديد

عمانوئيل: فقرأت إلى العدد التاسع فقرأته إلى العدد الخامس عشر من الفصل السابع عشر وقلت ليس من الصحيح أن نتجاوز هذا المقام بدون أن تفيدني تحقيق الحال فيه. فإن هذا المقام يحقق أن الختان هو عهد الله مع إبراهيم ونسله ومتعلقيه، وإن الذكر الذي لا يختن يقطع من شعبه لأنه نكث عهد الله. يا سيدي فهل هذا خاص بإبراهيم ونسله وأتباعه. أم هو شريعة عامة وعهد الله مع جميع المؤمنين.


الصفحة 50
القس: هو عهد الإيمان وشريعة المؤمنين. ولأجل انحصار المؤمنين في ذلك الوقت بإبراهيم وأتباعه صدر الحكم لهم. وقد قررته شريعة موسى تقريرا مؤكدا وجعلته شرطا في عمل الفصح والأكل منه للنزيل في بني إسرائيل ومولود الأرض والعبد المبتاع شريعة واحدة. فانظر في الفصل الثاني عشر من سفر الخروج والثاني عشر من سفر اللاويين.

ودامت عليه الأنبياء والمؤمنون إلى ما بعد ميلاد المسيح بنحو خمسين سنة. و " بولس " الرسول نفسه يشهد في رسالة رومية في العدد الحادي عشر في الفصل الرابع بأن إبراهيم أخذه علامة أي مهرا وتسجيلا لبر الإيمان الذي كان في الغرلة.

عمانوئيل: إذن فما هو الذي أوجب رفع هذه الشريعة التي هي عهد الله وعلامة الإيمان.

القس: كتب العهد الجديد تقول أبطلها الرسل وبولس فيما بعد المسيح بنحو سبع عشرة سنة. أفلم تنظر إلى الفصل الخامس عشر من أعمال الرسل والكلمات المذكورة في الرسائل المنسوبة إلى بولس.

عمانوئيل: نظرت في الخامس عشر من الأعمال فوجدته لم يكتف بإبطال الختان فقط بل إبطال عامة الشريعة الموسوية التي أوصى المسيح في الانجيل بحفظها وكان مواظبا عليها يا سيدي ولم يستندوا في إبطالها إلى أمر إلهي.

بل استندوا إلى مجرد الاستحسان والتوهين لموسى وشريعته والتسهيل على الأمم. وأما الكلام الوارد في الرسائل المنسوبة إلى بولس في رفع الختان والشريعة فلم أجد فيه إلا دمدمة متناقضة وعيبا لشريعة موسى ولا يجد الانسان في ذلك أقل مقنع.


الصفحة 51

عبد المسيح في كتابه - والختان

القس. قال بعض أصحابنا: إن الله لما كان يريد أن يدخل من أولاد إبراهيم بني إسرائيل إلى مصر وهو يعلم أن الهوى يحملهم على ارتكاب الفواحش فجعل لهم الختان لكي تكون المرأة المصرية إذا نظرت إلى هذه العلامة والتشويه في جسده امتنعت عن زناه بها. إذن فلا حاجة إلى شريعة الختان بعد خروجهم من مصر.

عمانوئيل: هذا كلام عبد المسيح الكندي في الرسالة المكتوبة في زمان المأمون على ما يقال يريد بها الاعتذار عن إبطال الختان. ولو لم يعتذر لكان خيرا لاحترامه لجلال الله وقدس أنبيائه.

أفلا يقال لعبد المسيح. إذا كان لا حاجة إلى شريعة الختان بعد الخروج من مصر فلماذا أكد الله شريعته في برية سينا بعد خروجهم من مصر بأكثر من سنة فكلم الله موسى بأن الذكر في اليوم الثامن من ولادته يختن في لحم غرلته كما في الفصل الثاني عشر من سفر اللاويين. ولماذا أمر الله يوشع، أن يختن بني إسرائيل الذين لم يختتنوا في البرية فختنهم في " الجلجال " بين الأعداء وعرضهم لخطر الهجوم عليهم وقال الله: " اليوم قد خرجت عنكم عار مصر " وهي " غرلة الشرك " كما في الفصل الخامس من كتاب يوشع وكان ذلك بعد خروجهم من مصر بأكثر من أربعين سنة.

ولماذا دام الأنبياء والمسيح ورسل المسيح على شريعة الختان إلى ما بعد المسيح بنحو سبعة عشر سنة فدامت شريعة الختان بعد الخروج من مصر بنحو ألف وأربعمائة وأربعين سنة. ولماذا لا يعتذر التلاميذ وبولس في رفع شريعة الختان بمثل ما اعتذر به عبد المسيح.. يا سيدي هذا أمر دبر بليل.

القس. إقرأ من حيث انتهيت يا عمانوئيل.


الصفحة 52

من هو ابن إبراهيم الوحيد

عمانوئيل: فقرأت حتى انتهيت إلى الفصل الثاني والعشرين وقرأت قصة امتحان الله لإبراهيم بذبح ولده. فقلت: يا سيدي إن التوراة ذكرت خطاب الله لإبراهيم ثلاث مرات بقوله: ابنك وحيدك وصرحت بأنه إسحاق. يا سيدي وهذا من المتناقض فإن إسحاق لم يكن الولد الوحيد بل كان أخوه إسماعيل موجودا معه وهو أكبر من إسحاق بنحو خمس عشرة سنة ولا يصدق لفظ الوحيد إلا في إسماعيل حينما لم يكن إسحاق مولودا.

القس: إن المسلمين يقولون: إن الله امتحق إبراهيم بذبح ولده إسماعيل وهو الوحيد.

عمانوئيل: أفلا نقول: إن المسلمين حولوا هذه القصة لإسماعيل لكي يحولوا فخرها بالتسليم لأمر الله وبالفداء لإسماعيل جد نبيهم وجد كثير منهم.

القس: إن التناقض الذي ذكرته في التوراة ووصف الولد بالوحيد يؤيد مزاعم المسلمين.

عمانوئيل: إن التوراة تصرح بأن الابن الوحيد هو إسحاق.

القس: إن سؤالك الأول يرجع إلى أن التوراة أخطأت بواحد من أمرين. أما أن تكون أخطأت بوصف الابن بالوحيد. وأما أن تكون أخطأت بتسميته إسحاق.

عمانوئيل: كيف يقع مثل هذا في التوراة.


الصفحة 53
القس: قد وقع. فإن التوراة لما تعرضت في الفصل السابع والثلاثين من التكوين لذكر الذين اشتروا يوسف من أخوته وباعوه في مصر. قالت في العدد 25 وإذا قافلة إسماعيليين مقبلة لينزلوا إلى مصر 27 فقال يهوذا تعالوا نبيعه للإسماعيليين 28 واجتاز رجال مديانيون تجار وباعوا يوسف للإسماعيليين فأتوا به إلى مصر 36 وأما المدانيون " وصححته التراجم. " المدانيون " فباعوه في مصر " لفوطيفار " خصي فرعون. قالت التوراة في الفصل التاسع والثلاثين. وأما يوسف فأنزل إلى مصر واشتراه فيها فوطيفار من يد الإسماعيليين الذين أنزلوه إلى هناك.

يا عمانوئيل فالتوراة سمتهم تارة: إسماعيليين، أي من أولاد إسماعيل بن إبراهيم من هاجر. وتارة: مديانيين، أي من أولاد مديان ابن إبراهيم من قطورة. وتارة: مدانيين. أي من أولاد مدان بن إبراهيم من قطورة أيضا. ثم سمتهم إسماعيليين. يا عمانوئيل هذا حال توراتنا. اقرأ من حيث انتهيت.

التوراة وبركة يعقوب وما جرى فيها

عمانوئيل: فقرأت حتى بلغت الفصل السابع والعشرين إلى العدد الأربعين ثم سكت. فتبسم

القس وقال: كيف أنت لماذا سكت؟ فقلت لماذا سيدي أليس قد شاركني في التعجب؟ فقال


الصفحة 54
القس: لا عليك يا عمانوئيل. قل ما عندك: عمانوئيل: يا سيدي إن إسحاق النبي أراد أن يبارك " عيسو " ابنه البكر. ولا علينا أن ذلك بأمر الله ورضاه أو ليس كذلك. ولكن ما هو الداعي لأن يقول يعقوب لعيسو: " إذهب وصد صيدا واصنع لي منه أطعمة كما أحب حتى تبارك نفسي قبل أن أموت " وما هي الحاجة لأن يؤخر البركة إلى الشبع من الصيد. هل البركة لا تكون على الجوع؟ أو أنها لا تكون إلا برشوة. هذ ا هين.

ولكن التوراة تقول: إن " يعقوب " أخذ جديين من المعز وصنع منهما أطعمة، ولبس ثياب عيسو، وزور ملاسة يديه وعنقه بأن جعل عليها جلد جدي لكي يكون مشعرا كعيسو. وقال لابيه إسحاق. أنا عيسو بكرك فعلت كما كلمتني، كل من صيدي. فقال إسحاق: هل أنت ابني عيسو فقال يعقوب: أنا هو. فأكل إسحاق من الصيد وشرب خمرا ثم بارك يعقوب ببركة الثروة القومية الروحانية.

فجاء عيسو إلى أبيه يطلب البركة التي وعده بها. فلما عرف إسحاق المكر من يعقوب ارتعد ارتعادا عظيما، وقال: من هو الذي باركته نعم ويكون مباركا. فصرخ عيسو وقال لأبيه: بم اركني أنا أيضا. فقال: جاء أخوك بمكر وأخذ بركتك. فقال عيسو: أما بقيت لي بركة. فقال إسحاق: إني قد جعلته سيدا لك ودفعت إليه جميع أخوته عبيدا.

وعضدته بحنطة وخمر. فماذا أصنع، إليك يا بني. يا سيدي القس!. التوراة تقول: إن يعقوب خادع أباه وزور عليه، وكذب عليه بلسانه أربع مرات. فقل لي، هذه البركة هل هي مربوطة بمجرد كلام إسحاق وشبعه من الصيد والخمر وإن كانت على خلاف مقصوده وإن كان مخدوعا مغرورا. وليس لله في هذه البركة إرادة ولا حكمة، ولا نظر إلى لياقة. بل ينظر الله في بركته إلى لسان إسحاق وشبع بطنه من الصيد والخمر وإن جعلها إسحاق لخداع كذوب على ما تقول التوراة.

القس: لعل تحويل البركة إلى يعقوب كان بإرادة الله.

عمانوئيل: التوراة تقول: إن الله أوحى لموسى في التوراة قصص لوط وابنتيه. ودينة بنت يعقوب، وثامار كنة يهوذا، ومصارعة يعقوب مع الله. وأطال الكلام مع موسى في تفصيل ثياب هرون، وتلوينها، وأجراسها حينما كان هرون يزعم التوراة يدعو إلى عبادة العجل. ودع عنك غير ذلك مما في العهدين من الفضول الفارغة. وفضائع الأنبياء وعائلات الأنبياء. أفلم يكن من الممكن أن يأتي الوحي إلى إسحاق من أول الأمر بأن يجعل البركة ليعقوب، ولا يترك يعقوب يكون مزورا كذابا، ولا تكون الأمور الإلهية والنبوية عرضة للاستهزاء. حاشا التوراة الحقيقية من أمثال هذا.


الصفحة 55
القس: وما عسى أن أقول لك عاجلا - إقرأ.

عمانوئيل: فقرأت حتى بلغت الفصل الثاني والثلاثين. وقرأت فيه العدد الرابع والعشرين إلى أن بلغت الحادي والثلاثين. هذا والقس، تارة يتبسم، وتارة ينتفض ى منزعجا. فقلت: ها هي التوراة تقول: إن يعقوب صارعه إنسان إلى طلوع الفجر. ولما رأى أنه لا يقدر على يعقوب ضرب على فخذه فانخلع. وقال الانسان ليعقوب أطلقني. قال. لا أطلقك إن لم تباركني. فقال ليعقوب: لا يدعى اسمك يعقوب بل " يسرائيل " أي " يجاهد الله " لأنك جاهدت مع الله ومع الناس وقدرت. وسأله يعقوب عن اسمه فقال: لماذا تسأل عن اسمي وباركه هناك. فدعا يعقوب اسم المكان " فنيئل " أي وجه الله. قائلا: لأني رأيت الإله وجوها لوجوه ونجيت نفسي. يا سيدي فالتوراة تصرح بأن الانسان الذي صارع يعقوب ولم يقدر على يعقوب هو الله الذي لم يطلقه يعقوب حتى أخذ البركة منه بالقوة والشجاعة كما أخذها من أبيه إسحاق بالمكر والكذب ولذا أعطاه الله وسام الشرف والغلبة بلقب " يسرائيل ". يا سيدي هل هذا من المعقول. ألا ترى هذه الكلمات تجعلنا معاشر الإلهيين الموحدين سخرية ومضحكة استهزاء للماديين والوثنيين. أفهكذا تكون الأمور الإلهية والنبوية. وهكذا يذكر كتاب الله.

القس: أما رأيتني عند قراءتك لهذه الكلمات تارة أتبسم وتارة أنزعج، اصبر الآن.

عمانوئيل: يا سيدي وأيضا إن الأصل العبراني يكتب " وجوها لوجوه " بالجمع والمترجمون يكتبونه " وجها لوجه " فهل ذلك لأجل أن كاتب العبراني غلط بإلحاق علامة الجمع وهي الميم إذ يكتب " فنيم أل فنيم ".

القس: حقق في الكلمة التي قبل هذا في الأصل العبراني. عمانوئيل. فنظرت في الأصل العبراني وإذا الموجود فيه " كى رايتي الوهيم فنيم أل فنيم " أي لأنه رأيت الآلهة وجوها لوجوه - فقلت. يا سيدي كأنك تقول: ليس الغلط كتبيا بل هو غلط وثني إشراكي.

فتبسم القس وقال: أنت قلت: ذلك. إقرأ ولا تعجل. عمانوئيل. فقرأت وقرأت في الفصل الخامس والثلاثين قول التوراة: فظهر الله ليعقوب إلى قولها: وصعد الله عنه في المكان الذي تكلم معه - وسمى يعقوب ذلك المكان " بيت أيل " أي بيت الله - فقلت: يا سيدي ما بال التوراة تنسب إلى الله الصعود والنزول وهل الله جسم يصعد وينزل.

القس. وهل الله جسم يتمشى في الجنة ويسمع آدم صوت تمشيه - وهل الله جسم يصارع يعقوب ولا يقدر أن يتخلص من يعقوب؟


الصفحة 56
فلا تعجل بالسؤال. واقرأ. عمانوئيل. فقرأت في الفصل الثامن والثلاثين قصة زنا يهوذا بن يعقوب بكنته ثامار زوجة بكره " عير " حيث تعرضت لزناه بها فولدت منه ولدين " فارض وزارخ ". فقلت: يا سيدي ما حاجة الوحي وكتاب الله إلى ذكر هذه الشناعة وتوهين بيت النبوة وشعب الله. والطعن بولادة الأنبياء الصالحين. كداود، وسليمان، والمسيح المولودين من ذرية فارض. وأيضا يا سيدي إن نفس التوراة في العدد الثاني من الفصل الثالث والعشرين من سفر التثنية تقول: " فكيف دخل داود في جماعة الرب مع أنه الجيل العاشر وكيف صار نبيا مقربا أوحى الله إليه الزبور.

القس: لا تعترض على كتاب الوحي بمثل هذا الاعتراض. فإن كتب وحينا تذكر أن " أمنون " بن داود عشق أخته ثامار بنت داود حتى زنا بها. وكان المرشد إلى طريقة الزنا " يوناداب " ابن أخي داود وقد سمع داود بذلك فلم يعامل أمنون بحدود الشريعة. بل إن النسخة السبعينية في ترجمة هذا المقام " وهو الفصل الثالث عشر من. كتاب صموئيل الثاني تقول. ولم يحزن داود روح أمنون ابنه لأنه أحبه لأنه بكره " ولما سمع داود أن أبشالوم شقيق ثامار قتل أمنون بكى بكاء عظيما وناح عليه كل الأيام. وتقول كتب وحينا: إن أبشالوم بن داود زنا بسراري أبيه ونسائه على السطح بمنظر بني إسرائيل ولما مات بكى عليه داود كثيرا بصراخ قائلا، من يجعل موتي أنا عوضا عنك يا أبشالوم ابني يا إبني. فانظر في سفر صموئيل الثاني في الفصل الثالث عشر.

والسادس عشر والثامن عشر. يا عمانوئيل وأما ما ذكرته كتب وحينا في قدس داود وما نسبته إليه من القصة الزنائية مع امرأة أوريا. والكيد مع أوريا وحكاية الحمل من الزنا فذلك مما تقشعر منه الجلود ولا يصدر من أكثر الفساق المتهتكين الخائنين. إلى الفصل الحادي عشر من صموئيل الثاني. فإني أحتشم قدس الأنبياء من مثل هذه الشفاعة. عمانوئيل. يا سيدي كأنك تكذب ما نسبته كتب وحينا لداود. فهل عندك ما يكذب هذه النسبة لقدس داود.

القس: أفلا يكفي في تكذيبها أنها خلاف المعقول. كيف تنسى ما قاله الشيخ وما ذكره من التمثيل صحيفة 33 إن من يفعل مثل هذه الشنيعة كيف يكون نبيا يختاره الله لإرشاد عباده وزجرهم عن مثل هذه الأفعال وما دونها. هل يريد الله أن يجعل نبوته عرضة للاستهزاء. فيخالف مجده وحكمته على خط مستقيم.

عمانوئيل: يا سيدي هل عندك غير هذا.

القس: إن الزبور وحي الله يقول: في المزمور التاسع عشر بعد المائة عن لسان داود في خطاب الله " عن شريعتك لم أمل، أما أنا فلم أترك وصاياك، من كل طريق شر منعت رجلي لكي أحفظ كلامك، عن أحكامك لم أمل لأنك أنت علمتني، أما وصاياك فلم أضل عنها ". وإن إنجيل لوقا يقول: عن وحي الله لأم المسيح في تمجيد مستقبله: إنه يجلس على كرسي داود أبيه.. ولا بد من أن يراد كرسي داود في التقوى والمقام القدسي. وهل يخفى عليك أن من تنسب إليه هذه الأفعال الشنيعة لا ينبغي أن يكون له كرسي مع كراسي الأتقياء. بل أن كرسيه مع كراسي الأشرار. فهل بمثل هذا الكرسي يمجد الله المسيح. حاشا.

عمانوئيل: ماذا يقول المسلمون وقرآنهم في هذا المقام فتبسم