وإن بعض الروحانيين جاهروا بذلك فوقعنا في التناقض في الديانة.
والآن أسألك يا سيدي. هل أقول إن شريعة موسى هي شريعة الله وفرائضه الصالحة وهي حق وكاملة ومستقيمة للسلام والحياة وإذا عمل بها
الانسان يحيا ومن لم يعمل بالصغرى منها يكون الأصغر في ملكوت السموات.
القس: نعم يا عمانوئيل هذا هو الصواب. كما ذكرت صراحته من التوراة والانجيل والمزامير وكتاب حزقيال وكتاب ناحوم.
عمانوئيل: يا سيدي إذن فماذا أصنع وماذا أقول فيما جاء في كتاب أعمال الرسل ورسائل بولس من إبطال أحكام التوراة وعيبها وتضعيفها وإنها خرافات يهودية وللفناء.
القس: يا عمانوئيل لا تصغ إلى هذا الكلام.
عمانوئيل: يا سيدي كيف لا أصغي لكتاب أعمال الرسل ورسائل بولس مع أن الديانة النصرانية وجامعتها تسلم وتعترف بأن هذه الكتب كتب وحي إلهي لا ينبغي الريب فيها. وقد ترك جميع النصارى العمل بشريعة التوراة على رغم أمر المسيح بالإنجيل وأخذوا بتعليم بولس في إبطالها ولسان الحال والمقال من كل منهم يقول المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا.
عمانوئيل: يا سيدي إنك تقول لي: إن الكتاب يقول عن الوحي الإلهي: المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون ملعون من علق على خشبة. يا سيدي ومع ذلك تلومني على الاستفسار عن هذا الكلام وما يتعلق به.
القس: يا عمانوئيل أنت ووالدك المحترم قد كشفتما عن هذا الكلام ستار الخداع أفلا يكفيكما ذلك.
عمانوئيل: يا سيدي ولماذا لا تقول أنت ما عندك وتريح نفوسنا بفوائدك.
القس: يا عمانوئيل لا يطيب أكل الثمرة حتى تنضج بأوانها - فعد يا عمانوئيل إلى درسك في التوراة.
خلو التوراة من ذكر يوم القيمة
عمانوئيل: يا سيدي إن التوراة قد سبرناها بالاستقصاء وهي كتاب كبير الحجم كثير الكلام وقد تكلمت في أمور كثيرة بكلام طويل وقد تعرضت لأمور لا حاجة إليها في إصلاح البشر. بل إنها تعرضت لأمور لا يليق بالكتاب الإلهي أن يذكرها. فذكرتها بالشرح الطويل المزعج. ومن ذلك حكايتها الطويلة في أن لوطا زنا بابنتيه. وأن يعقوب خادع إسحاق في أخذ البركة وكذب عليه مرارا.
ولكنها رغبتهم للطاعة بكثرة الحنطة والخمر والزيت وبركة السلة والمعجنة. وخوفتهم بالمرض وقلة الحنطة والخمر وإن الرجل يتزوج امرأة ويزني الآخر بها. يا سيدي فلماذا أعرضت عن ذكر القيامة وثوابها وعقابها. يا سيدي إن أمر القيامة حقيقة دينية عرفانية. والالتفات إليها يتكفل بصلاح البشر وتهذيب أخلاقهم وانتظار اجتماعهم. فكيف يليق بالكتاب الإلهي المنزل الاصلاح وكشف الحقايق أن يهمل هذا الأمر الكبير المهم ويجعله نسيا منسيا؟. يا سيدي هل يصح أن يكون مثل هذا في الكتاب الإلهي؟
القس: يا عمانوئيل هل تظن أن الله وموسى نبيه يهملون ذكر يوم القيامة في مثل التوراة التي هي كلام الله ووحيه. وكيف يتمحض الوحي الإلهي وكلام الله للسفاسف التي ذكرتها. ولمخالفات المعقول التي مرت في مكالماتنا في شؤون آدم وإبراهيم ويعقوب وهرون وغير ذلك؟
عمانوئيل: يا سيدي وإن قداستك قد ذكرت في صحيفة 23 و 24 أن العهد الجديد يبين أن التوراة قد غفلت عن ذكر أمور كثيرة من الأمور النبوية المهمة.
القس: يا عمانوئيل وقد انتقدت في تلك المكالمة على غفلة التوراة الموجودة عن ذكر القيامة فلماذا تنسى وتغفل أنت أيضا؟
اليعازر: عجبا يا سيدي أو لست تؤمن بأن التوراة كلام الله.
اليعازر: إن اليهود والنصارى في جميع أجيالهم يقولون إن هذه التوراة هي بعينها توراة موسى وكلام الله قد حفظها تاريخ الإيمان بها بعناية التواتر اليقيني. فكيف نكذب هؤلاء وفيهم ملايين عديدة من العلماء والروحانيين الأبرار. كيف نكذبهم.
هل يمكن أن لا تكون التوراة محرفة
القس: يا اليعازر أشتهي أن ألاطفك بأمثال معروفة - يقال: إن الغزال إذا رأى شيئا يخيفه ولم يشم رائحته من بعيد لم يصدق بصره ولا يهرب منه عندما يراه بل ينتظر أن يشم رائحته. ولأجل ذلك يظفر به الصيادون - ومن هذا يضرب المثل بأن فلانا مثل الغزال يكذب عينه ويصدق أنفه. ومعناه أنه يكذب علمه ووجدانه ويصدق جهله. وأيضا يحكى أن رجلا لقي رجلا من أصحابه. فأظهر له الحزن والأسف وقال له.
قد أخبرني جماعة صادقون بأنك مت ويا للأسف وأسأل الله أن يحفظ أيتامك ويبارك فيهم ويرحمك الله ويؤنس وحشتك في قبرك. فقال له: ها إنك تراني والحمد لله حيا أخاطبك وأمشي على وجه الأرض.
عمانوئيل: يا سيدي الوالد إني أجد سيدي القس من أول درسنا في التوراة إلى الآن لا يحب أن يجاهرنا ببيان الحقيقة. بل يريد أن نسير إليها بأنفسنا ونراها بعين الوجدان ونتناولها بيد الدرس الصحيح والعلم اليقين. يا والدي فلا تطلب من سيدنا القس أن يعاجلنا بالبيان فتجعله عصبيتنا كالخصم المدعي.
فتقابله أهوائنا وتقليدنا الأعمى بالجحود والتنفر من قداسته. ويكون نصيبنا الحرمان من بركات الحق ونجاة الإيمان الصحيح. يا سيدي الوالد هل تأذن لي أن أكون أنا المتكلم في هذا الموضوع بمقدار ما حصلته من درسي مع حضرة سيدي القس بمحضرك وسماعك وتصديق وجدانك. يا سيدي والآن إن أذنت لي فإني أكلمك ويكون وجدانك وسيدنا القس رقيبين علي.
اليعازر: تكلم يا ولدي بما عندك.
الشواهد الداخلية من التوراة على تحريفها
عمانوئيل: يا سيدي الوالد. ها هي نسخ التوراة الرائجة بين أيدينا. بالأصل العبراني الخطي المجرد عن الحواشي والمقدس عند اليهود بمراقبة أخبارهم. وبالأصل العبراني الخطي المزين بالحواشي والمتداول عند اليهود وأخبارهم أيضا. والأصل العبراني المزين بالحواشي المطبوع بمراقبة أخبارهم بمطابع متعددة. والتراجم الكثيرة باللغات المتعددة المطبوعة بمطابع الشرق والغرب بكثرة لا تخفى. وها هي بأجمعها قد اتفقت على الأمور التي جرت فيها مكالمتنا من أول التوراة إلى حيث بلغنا. وهي أمور لا يرضاها العقل. بل يجب أن نبرأ كتاب الله عنها - وها أنا ذا أعيد عليك الإشارة إليها في هذا المطبوع بحسب الصحائف فراجعها مكررا واستأنف التعجب.
وانظر إلى كلماتك الذهبية هناك. وأنظر صحيفة 7 و 9 كيف اجترأت التوراة الموجودة على جلال الله في شأن آدم والشجرة. و 12 في خرافة التمشي والاختباء. و 13 و 14 في خرافة المحاذرة من آدم. و 22 في خرافة برج بابل. و 53 في خرافة مصارعة يعقوب. و 57 و 58 و 59 في خرافة التعليم بالكذب. وخلف الوعد ومخادعة صفورة.
وما ذكرناه في صحيفة 63 و 64 من الغلط الكبير الذي اتفقت الحواشي والتراجم على بيان خطأه بتصحيحه - ودع ما أشرنا إلى بعضه من إهمالها لأهم الأمور بالذكر وإكثارها الكلام بالفضول الفارغة والقصص الزنائية الهاتكة لشرف الأنبياء وعائلاتهم كما مر في صحيفة 23 و 24 و 41 و 47 و 55 وأغمضنا عن جملة منها ذكره سفر التكوين في تاريخ يعقوب. يا سيدي.
هذا الكتاب المشتمل على مثل هذه الأمور هل يمكن أن يقال فيه أنه هو الكتاب الذي أوحاه الله إلى موسى وكتبه موسى بيده. يا والدي إن العقل والشعور، وجلال الله وقدسه، وكرامة الرسول وقدس الرسالة وشرف النبوة كلها تنادي " حاشا الله ولجلاله أن يكون ذلك، وحاشا للحقائق الإلهية من هذه الأمور الفاضحة،. يا سيدي ها هي الحواشي على التوراة العبرانية قد ذكرت غلطها بنقصان الحرف في أحد عشر موضعا. وأشارت إلى ذلك برسم الحرف الناقص ولفظ " حسر ". وذكرت غلطها بزيادة الحرف في أربعة مواضع. وأشارت إلى ذلك برسم الحرف الزائد ولفظ " يتير ". - وذكرت غلطها من حيث التذكير والتأنيث. والإفراد والجمع. وإبدال بعض الحروف غلطا. وسقوط بعض الحروف.
وتقديم بعضها على بعض غلطا. ونصت على ذلك في نحو ثمانين موضعا. وذكرت الصحيح ولفظ " ق " أو " قرى " - ولأجل وضوح هذه الأغلاط جر التراجم على طبق الحواشي إلا نادرا. يا والدي أفلا تكون هذه الأغلاط واعتراف اليهود والنصارى بها في أجيالهم شهادة قاطعة بأن هذه التوراة المغلطة ليست مطابقة للتوراة التي كتبها موسى. فأين تكون دعوى التواتر الفاسدة يا سيدي.
هل يساعد التاريخ على إمكان تحريف التوراة
اليعازر. يا ولدي يا عمانوئيل إنك تتكلم بفهم وتحقيق - ولكن هل لك أن تكشف لي من جهة التاريخ عن فساد دعوى اليهود والنصارى لتواتر هذه التوراة التي بأيدينا وكونها منقولة بالتواتر حرفيا عن التوراة التي كتبها موسى.
عمانوئيل: يا والدي إن التوراة والكتب المنسوبة إلى الالهام لم تظهر لعموم الناس إلا بعد الاصلاح البروتستنتي وكثرة المطابع. وأما قبل الاصلاح البروتستنتي فقد كانت رؤيتها مختصة بالروحانيين من اليهود والنصارى وأما قبل المسيح فقد كانت محجوبة بسيطرة الكتبة والربانيين.
يا والدي والمعلوم من التاريخ العمومي أن نبوخذراصر " بخت نصر " قد سبى جميع الكتبة والربانيين وعموم بني إسرائيل ما عدا الصعاليك وأحرق بيت الله. وخربه ونهب أورشليم وأحرق بيوت أعيانها.
فلاشى بذلك صورة الأمة الإسرائيلية ومقدساتها. ومكثوا على ذلك نحو سبعين سنة حتى أطلقهم كورش ملك فارس.
وأيضا يا والدي إن اليهود والنصارى متفقون في أجيالهم على أن كتب العهد القديم متواترة كتواتر التوراة.
يا والدي وفلسفة التاريخ تقتضي أن تكون كتب العهد القديم أقرب إلى صحة النقل من التوراة لكون زمانها أقرب من زمان التوراة.
مع أنها لا تضطهد الأهواء الإشراكية والعوائد الوثنية كما تضطهدها التوراة الحقيقية فلا تكون هذه الكتب هدفا لسهام الأهواء كما صارت التوراة الحقيقية.
وأيضا إن تواريخ العهد القديم مرصودة بالتواريخ العمومية فلا يمكن أن تقبل عند العموم وهي كاذبة.
عمانوئيل: يا سيدي الوالد. هذا التاريخ المتسلسل قد أخرجه كتاب الهدى في الجزء الأول في المقدمة الخامسة صحيفة 19 إلى 30 وأشار إلى موارد ذكره من العهد القديم فأنا أذكره لك مختصرا وراجع أنت كتاب الهدى.
اليعازر: يا بني دعنا من النظر إلى كتاب الهدى.
القس: يا اليعازر إن كاتب الهدى قد أخرج هذا التاريخ المتسلسل من كتب العهد القديم بكل أمانة وكل ثقة وقد أشار في كل تاريخ إلى مصدره من كتب العهدين فراجع أنت كتاب الهدى وطابقه مع المصادر التي أشار إليها. فإن وجدت منه خيانة فاذكرها لكي تعلن بها للعموم فإنه أخجلنا في كتابه ببيان ما صدر من كتابنا الروحانيين من الخلل في النقل عن الكتب المقدسة - ومن جملتهم جمعية كتاب الهداية، والمرسلين الأمريكان، وجرجيس سايل، وعبد المسيح، وهاشم العربي، والغريب ابن العجيب. كما ذكرنا صحيفة 5 و 6 و 21 و 39. يا اليعازر أنت تتكلم في طلب الحق وتستحثني على تعجيل ما عندي من بيان الحقيقة. وأنت لم تطهر قلبك من دنس العصبية - ها أنت قد نفرت من عمانوئيل حين ذكر لك كتاب كاتب باحث من المسلمين شريف الكتابة شريف البحث شريف المكالمة قد تخرج في أدب بحثه وشرف مكالمته وأمانته على أكابر المصلحين " نبيه. وقرآنه. وشريعته ".
يا اليعازر فكيف بك إذا سمعت منا في بيان الحقيقة أمورا كبيرة.
اليعازر. العفو يا سيدي لا تنزعج من جهلي فإني أقول: إن كاتب الهدى رجل مسلم. من أين تكون له الخبرة بالعهدين.
اليعازر: شكرا لك يا سيدي على تأديبك لي وإرشادك إلى الصواب فالعفو يا سيدي - وأمر عمانوئيل أن يذكر لي التاريخ.
القس: يا عمانوئيل أذكر التاريخ لوالدك فإنه حر الضمير ولكن فيه شئ من العجلة ووباء الألفة والتقليد.
تاريخ بني إسرائيل من كتب العهد القديم وغيرها
عمانوئيل: يا والدي إن بني إسرائيل خرجوا من مصر إلى برية سينا وآيات الله ودلائل رسالة موسى تتتابع عليهم ليلا ونهارا وقد تكرر عليهم الأمر بالتوحيد والنهي عن عبادة الأوثان والشرك. ومع ذلك صنعوا العجل الذهبي وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من مصر وسجدوا للعجل وذبحوا. ولما أقاموا مع موسى في شطيم وزنوا ببنات مواب دعونهم إلى ذبائح آلهتهن فسجدوا لآلهتهن وتعلقوا ببعل فغور.
ولم تمض مدة كثيرة من موت يوشع حتى تركوا الله وساروا وراء آلهة أخرى وعبدوا البعل وعشتاروت.
بعل بريث إلها. وبعد موت يائير عبدوا البعليم والعشتاروت وآلهة آرام وإله صيدون وآلهة مواب وآلهة عمون وآلهة الفلسطينيين وتركوا الله ولم يعبدوه. وقالت المزامير عنهم إنهم اختلطوا بالمشركين وعبدوا أصنامهم وذبحوا بنيهم وبناتهم للأوثان.
ولما مات سليمان تبع رحبعام ابنه سبطا يهوذا وبنيامين وانعزل عنه باقي الأسباط فملكوا عليهم يربعام فعمل عجل ذهب لكي تعبدهما رعيته وهم عشرة أسباط من بني إسرائيل.
وقال هذه آلهتك يا إسرائيل واستمر هؤلاء الأسباط على عبادة عجول الذهب.
حتى إذا ملك " أخاب " شاعت في أيامه عبادة البعل واستمروا على خطيئتهم إلى أن ملك عليهم هوشع ابن أيله وفي أيامه سباهم ملك أشور وأسكن في ديارهم غيرهم وقد كانوا سلكوا حسب فرائض المشركين وعبدوا الأصنام ورفضوا فرائض الله وصاروا باطلا وعبدوا البعل.
وعمل يهوذا الشر أكثر من جميع ما عمل آباؤهم،، وبنوا لأنفسهم أثار الشرك على كل تل مرتفع وتحت كل شجرة خضراء حتى صار منهم مأبونون ينذرون أنفسهم للأوثان لكي يلاط بهم. وفي السنة الخامسة لملك رحبعام نهب " شوشق " ملك مصر خزائن بيت الله وخزائن بيت الملك وأخذ كل شئ.
ثم ملك أبيا بن رحبعام وسار في جميع خطايا أبيه ولما ملك أسا ابن أبيا أزال أثار الشرك.
ولكن المرتفعات للأصنام لم تزل. ولإسرائيل أيام كثيرة بلا إله حق وبلا كاهن معلم وبلا توراة: ثم ملك يهوشافاط بن آسا وعمل المستقيم ولكن مرتفعات الأصنام لم تزل. ثم ملك بعده يهورام ابنه وبعده ابنه أخزيا وعملا شر الشرك على نهج بيت أخاب.
وبعد أخزيا ملكت أمه المشركة عثليا بنت عمري وهدم بنوها بيت الله وجعلوا كل أقداس بيت الله للبعليم - إلى أن قتلوا عثليا ونهض " يواش الملك " و " يهوياداع " الكاهن مجدد أبناء بيت الله وأقاموه على رسمه ومقداره.
وفي أيامه جاء يواش المشرك ملك إسرائيل ونهب كل الذهب والفضة وجميع الآنية الموجودة في بيت الله.
ثم ملك بعد أمصيا ابنه عزيا وبعده ابنه يوثام وكانا مستقيمين ولكن كان شعب اليهود يفسدون.
ثم ملك " أحاز " وسار في طريق المشركين وعمل تماثيل مسبوكة للبعليم وترك يهوذا الرب إلههم وقطع أحاز آنية بيت الله وأغلق أبواب بيت الله وغلقوا أيضا أبواب الرواق وأطفأوا السرج ولم يوقدوا بخورا ولم يصعدوا محرقة. ولما ملك " حزقيا " فتح أبواب بيت الله ودخل الكهنة إلى داخله وأخرجوا كل النجاسة التي وجدوها في الهيكل واستمروا في تطهير بيت الله ثمانية أيام.
ولما ملك " منسى " بن حزقيا عمل برجسات المشركين وبنى مرتفعات الأوثان وبنى مذابحها في داري بيت الله. ولما ذاق وبال أمره من ملك أشور رجع إلى الله فلما أنقذه الله أزال الأصنام والأوثان من بيت الله وأمر يهوذا أن يعبد الله إلههم.
يا سيدي الوالد ومع هذا التقلب في الشرك في بلاد هي عاصمة التوحيد والشريعة الموسوية والتوراة وفي شعب لا يوجد للتوحيد والتوراة والشريعة فيه أثر. قل فهل يمكن في هذا الشعب المتقلب في الشرك والعداوة لمقدسات الله أن يبقي للتوراة الحقيقية تواتر، أو أثر صحيح خصوصا مع الصراحة بأنهم تركوا التوراة وكانت لهم أيام كثيرة بلا إله حق ولا توراة.
وكيف يبقي للتوراة أثر إذا تركوا الله إلههم وجعلوا بيت الله بيتا لأصنام الشرك بل أغلقوه وأطفأوا سرجه ونجسوه بحيث احتاج تطهيره وإخراج النجاسة منه إلى ثمانية أيام مع الاستمرار على العمل بالاستعجال الملوكي وهمة جمعية الكهنة.
يا والدي إن عداوة الشرك والمشركين للتوراة الحقيقية أشد من عداوتهم لبيت الله لأن التوراة تضاد ضلالهم وتوبخهم بلسانها وبيت لله ليس له كلام يعارض أهوائهم. وها هم قد هدموه مرارا فهل يبقون أثرا للتوراة.
يا والدي هذا الشعب المشرك الذي يشيع فيه من العوائد الوثنية أن ينذروا أنفسهما للأصنام لكي يلاط بهم ويسمونهم قدسيم حتى بنوا لفحشائهم بيوتا حول بيت الله، هل يترك هذا الشعب للتوراة أثرا. يا والدي واسمع تأكيد ما أقوله وتحقيقه فيما أذكره من أمر " يوشيا ".
دعوى حلقيا إنه عثر على التوراة
ثم ملك بعد أمون ابنه " يوشيا " وكان مؤمنا وفي السنة الثانية عشر من ملكه ابتدء يطهر يهوذا وأورشليم من معابد الشرك السواري والمرتفعات والمسبوكات وقطع تماثيل الشمس وهدم بيوت المأبونين التي عند بيت الله وبعد ما طهر الأرض وبيت الله توجه لترميم البيت وتسقيف البيوت التي أخربها يهوذا منه. وعند إخراجهم الفضة المدخلة إلى بيت الله قال حلقيا الكاهن لشافان الكاتب قد وجدت سفر التوراة في بيت الله فقال شافان للملك:
قد أعطاني حلقيا سفرا وقرأ فيه شافان أمام الملك فلما سمع الملك كلام التوراة مزق ثيابه وأمر جماعة من خواصه قائلا: إذهبوا سألوا الله من أجلي وأجل من بقي من يهوذا وإسرائيل على كلام السفر الذي وجد، فإن آبائنا لم يحفظوا الله ليعملوا حسب كل ما هو مكتوب في هذا السفر.
وجمع الملك كل رجال يهوذا وكل الشعب من الصغير إلى الكبير والكهنة والأنبياء إلى بيت الله ووقف على منبره وقطع عهدا مع الله على عبادته وحفظ وصاياه وفرائضه. حسب كلام العهد المكتوب في هذا السفر.
يا والدي وهذا الكلام ينادي بالصراحة إن يوشيا لما رأى السفر الذي ادعى حلقيا إنه وجده في بيث الله وسمعا فيه، رأى شيئا لم ير مثله وسمع ما لم يكن مسموعا. وعد يوشيا والمؤمنون من يهوذ هذا السفر من الحقايق التي غفلت عنها حوادث الأيام، وأخفتها عن دواهيها زوايا الخمول حتى مزق الملك ثيابه واضطرب من أجل جهلهم لكتاب الله وما فيه، وبذل العناية التامة في الاحتفال وقراءته على جميع يهوذا والشعب لكي يطلعوا على ما أضاعه منهم الضلال ويردوا إلى العمل بالشريعة التي لم يكونوا يعرفونها ولا يجدون كتابها.