الصفحة 126

هل كان يوحنا حينئذ ابن أربع سنين أو ثلاثة حتى لا يكون هذا العمل قبيحا.

القس: قد ذكرت لك عن الأناجيل الثلاثة أن يوحنا كان قبل الاتكاء في حضن المسيح بثلاث سنين يعمل في السفينة ويصيد السمك ويصلح الشباك ولا يمكن أن يكون عمره بحسب العادة حين الاتكاء أقل من أربعة عشر سنة.

عمانوئيل: يا سيدي إني لأخجل كثيرا من وجود هذا الكلام في إنجيلنا المقدس. فإن المسيح الذي جاء ليعلم الناس بأخلاق الأدب والعفاف كيف يترك الشاب يجلس في حضنه ويتكأ على صدره يا سيدي حاشا المسيح وحاشا الانجيل الحقيقي من ذلك.

يا سيدي وهل يمكن أن نعرف شيئا من أحوال متى ويوحنا.


الصفحة 127

أحوال التلاميذ الاثني عشر

القس: كانا من التلاميذ الاثنى عشر ولكن الأناجيل تذكر أن التلاميذ تشاجروا لأجل الرياسة الدنيوية فيمن يكون منهم الأكبر بعد المسيح لما أخبرهم بما يجري عليه وأنه ماض عنهم. فوبخهم المسيح على تشاجرهم ومناهم بما يرغبهم في الائتلاف " لو 22: 23 - 31 " ووبخهم المسيح على قلة إيمانهم " مت 16: 8 " وأنهم لا إيمان لهم " مر 4: 40 " وليس لهم من الإيمان مثل حبة خردل " مت 17: 20 " ووصفهم الانجيل بغلظ القلوب " مر 6: 52 " وأخبر المسيح بأنهم جميعا يشكون فيه ليلة هجوم اليهود عليه (مت 26: 31 " ويتفرقون عنه كل واحد إلى خاصته ويتركونه وحده " يو 16 - 32 " وطلب منهم أن يسهروا معه تلك الليلة فلم يفعلوا ولم يواسوه مع ما هو فيه من الدهشة والاكتئاب حتى وبخهم على ذلك مرارا ولما هجم عليه اليهود وتركوه كلهم وهربوا " مت 26: 36 - 57.

يا عمانوئيل ثم أنهم لم يصدقوا اللواتي أخبرنهم بقيام المسيح من الأموات وعدوا كلامهن كالهذيان " لو 24: 11 " حتى وبخهم المسيح على عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام " مر 16: 14 ".

يا عمانوئيل وهذا الحال منهم مدهش فإن المسيح كثيرا ما بين لهم أنه يتألم من اليهود وفي اليوم الثالث يقوم من القبر ومن الأموات " أنظر أقلا إلى مت 16: 21 و 17: 23 و 20: 19 و 26: 32 " ومثل ذلك في الأناجيل الأربعة كثير حتى إن اليهود كانوا يعلمون بكلامه هذا ويذكرونه ويخشون عاقبته (27: 63) فكيف نساه التلاميذ أو تناسوه فيا للأسف.

اليعازر: ما كنت أظن أن خاصة المسيح وتلاميذه الاثني عشر يكونون بهذا الانحطاط.


الصفحة 128
عمانوئيل: يا سيدي الوالد إن يهوذا الأصطخريوطي كان واحدا من التلاميذ الاثني عشر وكان أمين المسيح على صندوق أموال الفقراء كما في الفصل الثاني عشر والثالث عشر من إنجيل يوحنا وقد كان يسرق من أموال الفقراء (يو 16: 6) وهو الذي سلم المسيح إلى أعدائه وباع دمه الشريف بقليل من الفضة كما صرحت به أواخر الأناجيل الأربعة وأول أعمال الرسل.

يا والدي والأمر العجيب أن القديس بطرس صار ينتهر المسيح حتى قال له المسيح: إذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله بل بما للناس (مت 16: 22 و 23) وقد أنكر المسيح ليلة هجوم اليهود ثلاث مرات وابتدأ يلعن ويحلف أنه لا يعرفه " مت 26: 69 - 75) مع أن المسيح أنذره بذلك فوعد المسيح بأن لا ينكره ولو اضطر إلى الموت معه " مت 26: 35 ".

اليعازر: يا ليتني لم أسمع بهذا عن تلاميذ المسيح وخاصته إذن فكيف نطمئن بهم على الديانة المسيحية. أما إن هذه الأحوال واطمئناننا بهم على الديانة يجعلنا عارا عند الأمم.

القس: مهلا يا اليعازر فإن الأناجيل تقول: إن المسيح بعد قيامه من الأموات أرسلهم وقال لهم: إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به كما في آخر إنجيل متى. إذهبوا إلى العالم أجمع وعظوا بالإنجيل للخليقة كلها كما آخر إنجيل مرقس، وقال لهم: كما أرسلني الأب أرسلكم أنا " يو 20: 21) ولما صار يوم الخمسين امتلاؤا مع التلاميذ من الروح القدس " 1 ع 2: 3 و 4).

اليعازر: الأناجيل التي تذكر هذا التمجيد للتلاميذ أليست هي الأناجيل التي نسبت إلى قدس المسيح وحاشاه أنه يقول: بتعدد الأرباب والآلهة بالحجة الواهية مع التحريف الكبير كما مر في صحيفة 77 و 78.


الصفحة 129

من هو مرقس ومن هو لوقا وما هما

عمانوئيل: يا سيدنا القس وهل يمكن أن نعرف شيئا من أحوال (مرقس) و (لوقا).

القس: يمكن أن نعرف بعض أحوالهما من الكتب المقدسة أما مرقس الذي اسمه يوحنا (1 ع 12: 12 و 15: 37) فقد كان ابن أخت برنابا (كو 4: 11) وكان خادما مع برنابا وبولس في سفرهما (1 ع 12: 25 و 13: 5) ورجع عنهما من بمفليه إلى أورشليم (1 ع 13: 13) ولما أراد السفر من انطاكية أراد برنابا أن يأخذاه معهما وامتنع بولس من أن يأخذاه لأنه رجع عنهما من بمفلية ولم يذهب للعمل فتشاجر لذلك برنابا وبولس وتفارقا فأخذ برنابا مرقس معه وسافر إلى قبرس (1 ع 15: 37 - 40) ثم بعد ذلك كتب بولس لتيموثاوس أن يأتيه ويحضر معه مرقس لأنه نافع للخدمة (2 تى 4: 11) وكان هو ومرقس مع بولس في روميه (كو 4: 10 و 14 وفل 26) وبما أن لوقا هو كاتب أعمال الرسل يعرف أنه كان يرافق بولس في سفره إلى مقدونية ورومية. لكن يا عمانوئيل لم يجئ نص من الكتب المقدسة على أن لوقا ومرقس كانا من المائة الذين حل عليهم الروح القدس (1 ع 1: 15 و 2: 4) ولا ذكر اسماهما في عداد الأنبياء الذين كانوا في كنيسة انطاكية (1 ع 13: 1).

عمانوئيل: يا سيدي القس هل تذكر كتبنا المقدسة أن مرقس ولوقا كانا نبيين وهل تذكر لهما شيئا من المعجزات.

القس: لا يا عمانوئيل لم أجد شيئا من ذلك في كتبنا المقدسة مع كمال الفحص.


الصفحة 130
عمانوئيل: إن جمعية كتاب الهداية المطبوع بمعرفة المرسلين الأمريكان تقول في الجزء الثالث في صحيفة 95 قد كان لوقا البشير من السبعين تلميذا الذين أرسلهم المسيح ليكرزوا (يعظو) في اليهودية لو 10: 1 - 20.

القس: يا عمانوئيل اقرأ الفصل العاشر من إنجيل لوقا فإنك لا ترى فيه أسماء التلاميذ السبعين ولا اسم لوقا. فمن أين قالت جمعية الهداية إن لوقا من السبعين.

عمانوئيل: يا سيدي استدلت هذه الجمعية على هذه الدعوى هذه فقالت والدليل على ذلك اختصاص لوقا بذكر السبعين تلميذا.

القس: وأنت أيضا يا عمانوئيل تذكر هذا الكلام بفمك. هل كل من ينفرد ويختص بذكر قصة يلزم أن يكون صادقا فيها ومن رجالها.

لا يا عمانوئيل بل إن مثل هذه القصة المهمة من أعمال المسيح إذا لم تذكرها ثلاثة من الأناجيل المهتمة بتاريخ المسيح ودعوته فالأولى أن نتهم من ينفرد بها. يا عمانوئيل إن أصحاب المضحكات يذكرون أن مغفلا قال لأهله:

إن في دارنا سارقا قالت له: من أين علمت وما هو دليلك قال: إن الناس يقولون إن السارق إذا مشى في الدار لا يسمع صوته وها أنا الآن لا أسمع صوتا. يا عمانوئيل أترضى أن تكون حجتنا على نبوة لوقا هو أن الأناجيل لم تذكر قصة السبعين تلميذا.


الصفحة 131
عمانوئيل: يا سيدي وهل تسمح لي بأن أذكر لك بقية احتجاج جمعية الهداية على نبوة لوقا ملخصا.

القس: قل ما عندك وإن كنت لا أحب أن أسمعه.

عمانوئيل: يقولون إن لوقا رافق بولس إلى مقدونية وإلى رومية وإن الرسل كانوا يمنحون الروح القدس للمؤمنين وكان سيلا رفيق بولس نبيا وكان الأنبياء كثيرين وكان لفيلبس أربع بنات عذارى يتنبأن.

فينتج من كل ذلك أن لوقا كتب إنجيله بإلهام الروح القدس.

القس: هل ترضى لشرفك أن تحتج لهذه النتيجة بهذه المقدمات.


الصفحة 132
عمانوئيل: يا سيدي هل ادعى لوقا النبوة وهل ظهرت منه آية.

القس: لا يا عمانوئيل ليس لذلك أثر بل إنه افتتح إنجيله بصورة أنه مؤرخ ينقل التاريخ عن غيره من الناس فقال. (إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت كل شئ بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس.

عمانوئيل: يا سيدي إن أصحابنا يقولون إن مرقس مختص ببطرس الرسول وكان معه في رومية.

ولوقا مختص ببولس ولا بد من أن يكون بطرس اطلع على إنجيل مرقس وصدق عليه ولا بد من أن يكون بولس اطلع على إنجيل لوقا وصدق عليه فيكون هذان الإنجيلان معصومين بسبب تصديق الرسولين بطرس وبولس عليهما.

القس. واخجلاه إذ رجع أمرنا إلى الدعاوى التخمينية الوهمية في مثل قولنا: لا بد من أن يكون بطرس وبولس اطلعا على إنجيلي مرقس ولوقا وصدقا عليهما. يا عمانوئيل من أين يحصل العلم بأن مرقس ولوقا كتبا إنجيليهما في حياة بطرس وبولس ومن أن أين نعلم أن بطرس وبولس اطلعا على إنجيلي مرقس ولوقا. ومن أين نعلم إن بطرس وبولس صدقا على هذين الإنجيلين. وأيضا يا عمانوئيل ستعرف الكلام في بولس وأن تصديقه لا يفيد شيئا.


الصفحة 133
يا عمانوئيل وهناك أمر كبير مما يحول بيننا وبين تصحيح هذه الأناجيل.

وهو أن نوصل هذه الأناجيل وكتاب أعمال الرسل بالسند الصحيح إلى متي ومرقس ولوقا ويوحنا. وغاية ما عند أصحابنا المسيحيين أنهم يتشبثون لصحة سندها بأن جماعة من الأساقفة القدماء أوردوا في كتبهم كلمات من الأناجيل فمن الجيل الأول الذين أدركوا زمان التلاميذ (أكليمندس) و (هرماس) و (غناتيوس) و (بوليكاربوس) ومن الجيل الثاني (بابياس) و (يوستين) و (ابر ينيوس) و (اثيناغوروس) ومن الجيل الثالث (أورجينيوس) و (ديونيسيوس) و (غريغورس) ومن الجيل الرابع (أوسابيوس) و (هيلاريس) وقد بذل أصحابنا جهدهم في جمع أسماء هؤلاء للاستشهاد بهم كما في الجزء الأول من كتاب الهداية صحيفة 155 - 157 والجزء الثالث صحيفة 123 و 124 وغاية ما تحصل من الاستشهاد بهؤلاء هو أنه قد ورد في كتبهم كلمات تشبه بعض كلمات الأناجيل من دون نص ولا إشارة إلى أنها مأخوذة من هذه الأناجيل الموجودة.

أنظر إلى الجزء الثالث من كتاب الهداية صحيفة 181 - 202.

عمانوئيل: يا سيدي وهل يثبت الكتاب الكبير بأجمعه ويكون قطعي السند ومتواترا بواسطة أنه توجد كلمات قليلة تشبه بعض كلماته في كتب ثلاثة رجال أو أربعة؟ يا سيدي ومن هؤلاء الرجال ومن أين علمنا إن الكتب المنسوبة لهم هي لهم حقيقة.

القس: يا عمانوئيل سل هذا السؤال من أصحابنا والعجب أنك تسأله مني.


الصفحة 134
اليعازر: يا سيدي إني أتأسف كثيرا لأنه لا يوجد لأناجيلنا الموجودة سند متصل لا ظني ولا قطعي.

عمانوئيل: يا سيدي الوالد مما يسرنا ويبهجنا ويقوي إيماننا برسالة سيدنا المسيح وقداسة تلاميذه هو أن هذه الكتب لا يصلح لها سند بحيث لا يتيسر لكل أحد أن يوصل لها سندا ظنيا إلى تلاميذ المسيح وإلى تعاليم المسيح وإني ليسرني اضطراب أصحابنا في ذلك وتشبثهم بالواهيات بحيث يظهر فشلهم في دعواهم لكل باحث بحرية ضمير.

صحة الأناجيل خطر على قدس المسيح

يا سيدي الوالد ولو كانت لنسبة هذه الأناجيل صورة صحة لكنا على خطر في ادعائنا رسالة المسيح وقدسه.

اليعازر: كيف ذلك يا عمانوئيل فإنك تتكلم بشئ كبير جديد.

عمانوئيل: هل تسمح بالحرية في جوابك. وإن كنت لا تسمح لي فإني أسكت ولكن أرجو من مراحمك أن لا تسألني بعد ذلك ولا تكلمني في هذا الموضوع فتشعل في قلبي نارا لا تسمح لي أن أطفيها بالبيان.

اليعازر: تكلم با حبيبي يا عمانوئيل بكل حرية فإني أعرفك حر الضمير بريئا من وبال التقليد ورذائل العصبية.


الصفحة 135
وقد أكد لي ذلك شهادة سيدي القس باستقامتك في سيرك في طريق الحق.

عمانوئيل: أسألك يا سيدي الوالد ماذا تقول وماذا نقول: إذا قال لنا اليهود من أهل الديانة التوحيدية: إن مسيحكم يسوع (وحاشاه) لا يمكن أن يكون نبيا ولا مقدسا في ديانة توحيدية بل ولا موحدا وذلك لأنه صح عنه في أناجيل متي ومرقس ولوقا أنه يقول ويعلم بتعدد الأرباب وقد حرف جهارا لفظ المزامير لكي يلفق له حجة على تعدد الأرباب وأيضا قد صح عنه في إنجيل يوحنا أنه يقول: ويعلم بتعدد الآلهة وقد غير جهارا معنى كلام المزامير لكي يلفق حجته على دعواه تعدد الآلهة وقد مر هذا كله في صحيفة 94 و 95.

يا والدي وماذا نقول لو قال لنا أهل جميع الديانات إن مسيحكم يسوع (وحاشاه) لا يمكن أن يكون مقدسا مطلقا لأنه محرف للكلام جهارا متناقض التعليم في الإلهية. فقد علم في الأناجيل بتعدد الآلهة والأرباب وحرف المزامير كما سمعت. وعلم أيضا بوحدة الرب والإله. ففي العدد التاسع والعشرين من الفصل الثاني عشر من إنجيل مرقس قال أول كل الوصايا (إسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد) وقال في العدد الثالث في الفصل السابع عشر من إنجيل يوحنا (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته).

يا سيدي هل يمكن لمن يؤمن بمجد المسيح وقدسه إلا أن يدافع عن قدسه ببراءته من تلك الأمور الكاذبة، ويعترف بأن هذه الأناجيل لا صحة لسندها.

يا سيدي الوالد ولم تكتف أناجيلنا في تلويث قدس المسيح بما ذكرناه، بل إنها نسبت إليه أمورا لا يرضى ذو الشرف من سائر الناس أن تنسب إليهم.


الصفحة 136
فهل تسمح لي يا سيدي الوالد بأن أذكرها.

اليعازر: يا ولدي إني أحب الوقوف على الحقايق بالبحث الحر ولكني يصعب علي أن أحقق الخلل في أناجيلنا المقدسة.

القس: يا اليعازر إن حوادث الأيام وتلاعب الأهواء أخرجت أمر الأناجيل عن اختيارك والجريان على ما تحب. فإن ولدك الموفق عمانوئيل قد بين لك أنك إن صرحت على شرف الأناجيل وصحة سندها وصدقت نسبة تعاليمها إلى المسيح فقد خسرت شرف سيدنا المسيح وقدسه.

لأنها يتضح منها كونها تعاليم إنسان محرف للكلام في اللفظ والمعنى متناقض التعليم يعلم تارة بتوحيد الرب والإله ويعلم تارة أخرى بالشرك وتعدد الأرباب والآلهة بحجة واهية مزورة. وإذا خسرت شرف المسيح وقدسه فما هي حاجتك في صحة نسبة الأناجيل إلى مثل هذا الانسان.

يا اليعازر إن هواء التعصب وبائي والسلامة إنما هي بأن تعترف بخلل نسبة الأناجيل إلى سيدنا المسيح وتحفظ شرفه وقدسه لإيمانك به.


الصفحة 137
اليعازر: يا عمانوئيل إن موعظة سيدنا القس قد فتحت عيني فقل ما عندك.

عمانوئيل: إن الأناجيل قد نسبت لسيدنا المسيح أمورا لا يليق أن تنسب لقدسه وكرامة نبوته.

لا أقول ذلك فقط بل لا أرضى أن تنسب لي ولأمثالي، لأنك أيضا بعد البيان لا ترضى أن تنسب إليك، أني أذكر لك من ذلك أمورا:

الأول: جاء في الفصل التاسع عشر من إنجيل متي: وجاء إليه الفريسيون ليجربوه قائلين هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب فأجاب وقال لهم: أما قرأتهم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثى وقال لأجل ذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان قالوا له: فلماذا أوصى موسى أن يعطي كتاب طلاق فتطلق قال لهم: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم ولكن لم يكن من البدء هكذا وأقول: لكم من طلق امرأته إلا لسبب الزنا وتزوج بأخرى بزني وجاء نحوه في الفصل العاشر من إنجيل مرقس. يا والدي ما معنى قول هذا الكاتب إن الرجل وامرأته يصيران جسدا واحدا وأنهما ليسا بعد اثنين: هل نغالط حواسنا.

وهل يصير نصف جسد من تموت امرأته أو يطلقها لسبب الزنا.


الصفحة 138
وأيضا ما معنى قوله: ما جمعه الله لا يفرقه إنسان.

إذن فكيف يفرقه الانسان بسبب زنا المرأة وأيضا إن اليهود لم يقولوا. إن المجتمعين بعلقة الزواج الذي شرعه الله نحن نفرقهما على خلاف الشريعة. وتضطهد الشريعة بتفريقهما. بل يقولون: إن الله الذي شرع الزواج لمصالح النوع والاجتماع وجمع بين من الحكم فشرع الطلاق كما تقول أيها المسؤول: إن الله شرعه عند زنا الزوجة. وإنك تعترف بأن الطلاق شرعه الله بتبليغ موسى رسوله.

فما هذا الذي يبلغنا عنك في معارضة شريعته وحكمته العادلة الموجبة لاستراحة البشر، وانتفاعهم بمادة التناسل، وقطع الخصومات المقلقة والسلامة من سراية الأمراض المهلكة، والابتلاءات الشاقة.

وماذا تقول أنت: وما هي الحاجة إلى التشبثات الواهية التي لا معنى لها. فقل إني رسول الله كموسى وقد نسخ الله شريعة الطلاق. فانظروا في أمر رسالتي وحجتها وصدقي في دعواها. ولا تقل إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم.

فإنا نقول لك أين ذهبت القساوة، أما إنها تزداد يوما فيوما. هؤلاء تلاميذ المسيح الاثني عشر الذين يقول الانجيل فيهم عن قول المسيح إنهم ملح الأرض ونور العالم (مت 5: 13 و 14) وها هي الأناجيل تصفهم عن قول المسيح بقساوة القلوب وغلظها. وقلة الإيمان. وعدمه حتى بمقدار حبة خردل.


الصفحة 139
وإنهم لا إيمان لهم(1).

ما تقول أيها الكاتب إذا كان الباعث على الطلاق رقة القلب ورحمته الصميمية. رجل عرف نفسه أنه عقيم. أو انعاب منه جهاز التناسل أو سقطت قوة التناسل منه بالكلية، أو عرض له العنن الدائم وعنده امرأة شابة ولود تحن إلى النسل وإلى قضاء الوطر من الشهوة الطبيعية، فرحمها ذلك الرجل وأراد برحمته ومرؤته وعدله أن يطلقها برغبة منهما لكي تقر عينها بالنسب وحفظ النوع وتنال نصيبها في حياتها من اللذة، الطبيعية. رجل به مرض ردي سار وعنده امرأة شابة فأراد برحمته الزوجين بعلقة شرعية راعى أيضا حكمه العدل واستراحة المبتلي بقرين السوء.

ومصلحة التناسل عند عقم أحد الزوجين مثلا. وغير ذلك أن يحفظ صحتها بالطلاق لأنه لا يمكن انفصال المرأة عن الرجل على ما يقتضيه الحجر الصحي بدون وقوع المرأة في تعاسة العيش وانقطاع النسل واللذة.

رجل حكم عليه بالحبس الأبدي وعنده امرأة شابة تبقى بعده في تعاسة العيش والفقر وعدم الكافل وانقطاع النسل والحرمان من لذة الحياة فأراد برحمته ورقة قلبه أن يطلقها لكي ينقذها من هذه الابتلاءات الباهضة، ولذلك أمثال كثيرة. فماذا تقول أيها الكاتب في هذه الموارد.

هل تستثنيها من المنع عن الطلاق. أراك لم تستثن إلا زنا المرأة. فجعلت الوسيلة إلى الطلاق هتك الشرف والستر. أو يبقى الرجل مبتلى بامرأة كثيرة الزنا حيث لا يقدر أن يثبت زناها. وربما توصل الرجل إلى خلاصه من امرأته العفيفة بأن يرميها بالزنا

____________

1 ـ ذكر حال التلاميذ صحيفة 127 و 128 وفي الجزء الأول من كتاب الهدى صحيفة 30 و 31 و 32. (*)


الصفحة 140
لكي يقبل منه طلاقها. كما يذكر التاريخ ذلك عن أحد مشاهير العالم لما رأى امرأته لا تلد. يا والدي هذا من أحوال الأناجيل مع سيدنا المسيح.

يا والدي ربما كان النزاع والشقاق بين الرجل وامرأته بمنزلة مرض الشقاق لوز في المجتمع الانساني والراحة العائلية في هذه الحياة.

فكيف لا تسوغ الشريعة فصل هذا المرض وقطع سريانه الوبئ. يا والدي وما معنى قوله: (ولم يكن من البدء هكذا: فهل كل ما لم يكن في البدء يلزم أن لا تجئ به شريعة. قد كانت أخلاق آدم وحوا ملتئمة فلم يرد طلاقها. وما يدريك أنه كان ممنوعا عن طلاقها شرعا لو أراده.

الاحتجاج لأحوال القيامة

الثاني: ذكر إنجيل لوقا في الفصل العشرين أن اليهود الصدوقيين المنكرين للقيامة سألوا المسيح إن المرأة إذا مات زوجها وتزوجها أخوه ثم مات وتزوجها الأخ الثالث وهكذا إلى الأخ السابع ثم مات وماتت المرأة فلأي واحد من السبعة تكون المرأة زوجة في يوم القيامة فأجاب المسيح بأن أبناء هذا الدهر يزوجون ويزوجون ولكن الذين حسبوا أهلا للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات لا يزوجون ولا يزوجون إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضا لأنهم مثل الملائكة وهم أبناء الله إذ هم أبناء القيامة.