يا والدي ما هو وجه الحجة على عدم التزاوج في القيامة بأن القائمين من الموت لا يستطيعون أن يموتوا أيضا.
فهل يمتنع الزواج عقلا أو عادة على من لا يموت من نوع الانسان؟ وما معنى نسبة الموت إلى استطاعتهم؟ وما معنى كونهم مثل الملائكة؟
هل يريد أنهم حينئذ أرواح مجردة؟ يا والدي وهذا إنكار للقيامة من الأموات والمعاد الجسماني الذي عليه العهد الجديد. وما معنى كون أبناء القيامة أبناء الله؟ هل يريد أن غير الأبرار لا يقومون من الأموات؟ إذن فأين صراحة الأناجيل والعهد الجديد بأن الأشرار أيضا يقومون للدينونة.
وهل يريد أن الأبرار والأشرار يكونون أبناء الله؟ إذن فأين ما تذكره الأناجيل والعهد الجديد من دينونة الأشرار والجزاء حسب الأعمال وجهنم النار التي لا تطفى. يا والدي فهل يتكلم الرسول بمثل هذه الحجج الواهية.
اليعازر: إن إنجيل متى في الفصل الثاني والعشرين وإنجيل مرقس في الفصل الثاني عشر لم يذكرا في جواب المسيح للصدوقيين إلا قوله (لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة السماء).
وهذا هو الذي نحن بصدده لكن يا والدي يبقى السؤال أيضا على إنجيل متى ومرقس بأنه ما معنى كون القائمين في القيامة كملائكة السماء.
الاحتجاج للقيامة
الأمر الثالث: ذكر إنجيل متى وإنجيل مرقس وإنجيل لوقا في الفصول المذكورة أن المسيح احتج للقيامة على الصدوقيين الذين ينكرونها فقال وأما من جهة أن الموتى يقومون أفما قرأتم في كتاب موسى في أمر العليقة كيف كلمه الله قائلا: أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب.
ليس هو إله أموات بل إله أحياء. وزاد في لوقا قوله: (لأن الجميع عنده أحياء) يا والدي ألا ترى أنه يتوجه على هذا الاحتجاج ردان كبيران يخجلان عوام الناس أما الرد الأول فنقول فيه: لماذا لا يكون الله إله الأموات أو ليس الله إله كل شئ سواء كان حيا أو فاقد الحياة. أليس في المزمور المائة والسابع والأربعين أن الله إله صهيون (مدينة داود) أليس من المزمور الخمسين أن الله إله الآلهة وفي الفصل الثاني من سفر دانيال والحادي عشر من رؤيا يوحنا إن الله إله السماء.
القس: يا عمانوئيل إذا أغمضنا النظر عن الرد الأول فإنه يمكن أن يريد من حياة إبراهيم وإسحاق ويعقوب بقاء نفوسهم بعد الموت لا قيامهم من الأموات.
عمانوئيل: يا سيدي إن الاحتجاج إنما هو للقيامة من الأموات لا لبقاء النفس بعد الموت فلماذا يذهل هذا المحتج عن وجه كلامه.
يا سيدي ولماذا نغمض النظر عن الرد الأول.
يا سيدي هل يكون احتجاج المسيح للقيامة من الأموات محتاجا إلى قوله: سامحوني في الرد الأول. وسامحوني في الذهول الثاني.
يا سيدي أخجل كثيرا إذا نظرت إلى نقل أناجيلنا لهذا الاحتجاج الواهي عن المسيح في أمر القيامة.
من احتجاج القرآن على القيامة
يا سيدي أنظر إلى احتجاج القرآن على القيامة بمثل قوله في سورة مريم المكية: (ويقول الانسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا * أولا يذكر الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا). (الآيتان: 67 و 68). وقوله في سورة يس (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) (الآيتان: 78 - 79) هذا الاحتجاج الذي يمشي مع الفيلسوف في فلسفته. ومع العامي في وجدانه.
وها هو القرآن يخبر عن حال النفس أخبارا يسطع بالاحتجاج الكافي عفى بقاء النفس بعد الموت فإنه يقول في سورة الزمر المكية: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) (الآية: 42) فنبهنا بذكر النوم العادي لكل البشر في كل الأيام إلى أن النفس يمكن بقاؤها مع اجتجاجها عن تصرفها المعتاد بالبدن كما في حالة النوم وبذلك يلفت أنظارنا إلى حالة الاغماء.
إحتجاج في الانجيل عن المسيح
الأمر الرابع: ذكر في الفصل الثامن من إنجيل يوحنا أن الفريسيين قالوا للمسيح أنت تشهد لنفسك وشهادتك ليست حقا فقال لهم: في ناموسكم مكتوب شهادة رجلين حق. أنا هو الشاهد لنفسي ويشهد لي الأب الذي أرسلني. يا والدي هل يوجد في الناموس أن المدعي يكون شاهدا لنفسه.
هل يقول: هذا واحد من عوام الناس وأوباشهم. يا والدي وينضم إلى هذه الاحتجاجات الواهيات ما ذكرته الأناجيل من أن المسيح (وحاشاه) احتج عله ربوبيته وألهيته وتعدد الأرباب والآلهة بتلك الاحتجاجات التحريفية الكذبية كما تقدم في صحيفة 89 و 90. وما تقدم في صحيفة 148 من أن المسيح كان يجلس يوحنا الحبيب في حضنه ويتركه يتدلل عليه ويتكأ على صدره ويوحنا إذ ذاك في غضارة الشباب ونعومة الجسد.
أهكذا تكون عفة الرسل وتأديبهم لتلاميذهم وتعليمهم للناس العفة.
إنجيل لوقا والمسيح
وهذا إنجيل لوقا يذكر في الفصل السابع أن امرأة خاطئة جاءت إلى المسيح ووقفت عند قدميه باكية وابتدأت تقبل قدميه وتبلهما بالدموع وتمسحهما بشعر رأسها وتدهنهما بالطيب. حتى صاحب البيت أنكر هذا العمل من امرأة خاطئة مع شاب عمره نحو الثلاثين سنة ولكن المسيح (وحاشاه) صار يوبخه ويشكر محبتها الكثيرة. يا والدي هل هذا العمل من تعليم التوبة والقداسة والعفة أو كما يقال (إن الغرام لأهله فصاح).
الأناجيل وقدس المسيح
وهذا إنجيل يوحنا في الفصل السابع ينسب الكذب إلى المسيح (وحاشاه) حيث يذكر أن أخوة المسيح قالوا له اصعد إلى هذا العيد فقال: لا أصعد إلى هذا العيد ثم صعد متخفيا. يا والدي إنك كثيرا ما تنهاني عن شرب الخمر وتشرح لي مضرتها الكبيرة في الشرف والعفة والهدى والقداسة والوقار. وتذكر لي مذمة العهد القديم لشربها وتوبيخ شاربيها وتمجيد العهد الجديد ليوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا) بأنه لا يشرب مسكرا.
إذن فما بال أناجيلنا تذكر أن المسيح (وحاشاه) كان شريب خمر وأنه قال فيها في آخر عمره قول العاشق المودع لها المتأسف على فراقها: أنظر يا والدي إلى الفصل الحادي عشر والسادس والعشرين من إنجيل متى والسابع والثاني والعشرين من إنجيل لوقا والرابع عشر من إنجيل مرقس.
يا والدي هل يسرك أن تكون أناجيلنا صادقة متصلة السند إلى الوحي والإلهام وهي تلوث قدس المسيح بهذه العظائم.
وأزيدك يا والدي إن العدد الحادي والثلاثين من الفصل الخامس من إنجيل يوحنا ينسب إلى المسيح قوله: إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقا وفي العدد الرابع من الفصل الثامن من نفس إنجيل يوحنا أيضا ينسب إلى المسيح قوله. إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق يا والدي أليس هذا من التناقض الذي لا يرضاه عوام الناس لأنفسهم.
عمانوئيل: يا سيدي وهل رأيت كتاب الهدى صحيفة 228 من الجزء الأول.
وهل كلام جمعية الهداية إلا من أسباب خجلنا أيضا إذ لم يكن فيه شئ من الربط ومعرفة وجه الكلام بل كان محشوا بالتناقض.
وأزيدك يا والدي إن العدد الثلاثين من الفصل الثاني عشر من إنجيل متى والعدد الثالث والعشرين من الفصل الحادي عشر من إنجيل لوقا ينسبان إلى المسيح قوله: (من ليس معي فهو علي ومن لا يجمع معي فهو يفرق).
يا والدي والعدد الأربعين من الفصل التاسع من إنجيل مرقس والعدد الخمسين من إنجيل لوقا ينسبان أيضا إلى المسيح قوله فيمن لم يتبعه ولم يؤمن به (من ليس علينا فهو معنا) ألا تنظر يا والدي إلى التناقض بين هذين الكلامين. وأيضا إن الفصل التاسع من إنجيل متى والعاشر من إنجيل مرقس والثامن عشر من إنجيل لوقا جاء فيها أن بعض الناس قالوا للمسيح أيها المعلم الصالح. فأنكر عليه ذلك.
ومناقض أيضا لما يذكره الفصل العاشر من إنجيل يوحنا مكررا عن قول المسيح (أما أنا فإني الراعي الصالح).
يا والدي هل ترضى بأن يكون كلام المسيح متناقضا. لكن يا للأسف أرى أناجيلنا ترضى بذلك. وأيضا ذكر إنجيل لوقا في الفصل الثامن عشر من أوله إلى العدد الثامن أن المسيح علم تلاميذه بالصلاة كل حين ولا يمل وضرب لهم مثلا بقاض ظالم مع امرأة لا ينصفها من خصمها فأزعجته بالإلحاح فأنصفها لأجل إلحاحها. فالله ينصف سريعا مختاريه الصارخين إليه نهارا وليلا.
وضرب أيضا في الفصل الحادي عشر مثلا بمن يلج في الطلب ويعطى لأجل لجاجته.
وذكر في الفصل الحادي والعشرين أن المسيح أمر تلاميذه بالتضرع إلى الله كل حين. وقد نص في الفصل السادس والعشرين من إنجيل متى على أن المسيح في ليلة هجوم اليهود عليه قد عاود الصلاة لأنها تعبر عنه كأس المنية في ثلاثة مواقف.
يا سيدي وهذا الذي ذكرته الأناجيل الثلاثة من تعليم المسيح وعمله مناقض لما ذكر في العدد السابع والثامن من الفصل السادس من إنجيل متى في بعض التراجم العربية عن تعليم المسيح وقوله: (وحينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلا كالأمم فإنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يستجاب لهم فلا تتشبهوا بهم لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه) وفي الترجمة التي طبعها (وليم واطس) في لندن سنة 1857 على النسخة المطبوعة في رومية سنة 1671 هكذا: (وإذا صليتم فلا تكثروا الكلام مثل الوثنيين: إلى آخره. وفي ترجمة (هنري مارتن) في طبعات متعددة (هر كاه نماز ميكني مانند مردم قبائل كلمات زائدة مكوئيد إلى آخره).
يا والدي وهذا الكلام الأخير الذي ذكره إنجيل متى يستنتج منه أمور أربعة: أولها: إن تعليمه يناقض التعليم المتقدم عن إنجيل لوقا بالإلحاح بالصلاة وضرب الأمثال لذلك. ثانيها: إنه يناقض ما ذكرته الأناجيل من عمل المسيح ليلة هجوم اليهود عليه. ثالثها: فساد حجته وتعليله فإنه احتج وعلل منعه من تكرار الصلاة الكلامية بأن الله يعلم ما يحتاجون قبل أن يسألوه.
يا والدي وإنك لتعلم إن هذا التعليل يقتضي أن لا يتكلم أحد في الصلاة لحاجته لأن الله يعلم بضمير صاحب الحاجة وطلبته قبل أن يتكلم. بل يقتضي أن لا يصلي أحد لحاجة حتى في ضميره لأن الله يعلم ما يحتاجه قبل أن يسأله.
وإن هذا التعليل لو كان صحيحا معقولا في الأمور الدينية لوقف أمام المسيح نفسه في ليلة هجوم اليهود وقال له: لماذا هذا الجهاد واللجاجة في الصلاة لأجل النجاة من كأس المنية فإن الله يعلم ما تحتاج إليه قبل أن تسأله.
عمانوئيل: إذن يا والدي فأنت تبين أن هذا التعليم الأخير وتعليله ليس بصحيح ولا يمكن أن يكون نبويا ووحيا إلهيا. ورابعا.
إن إنجيل متى يذكر أن المسيح لما علم بهذا التعليم ونهى عن تكرار الكلام في الصلاة علم بالصلاة الربانية.
وإن إنجيل لوقا يذكر في الفصل الحادي عشر أن المسيح لما علم تلاميذه الصلاة الربانية صار يضرب لهم المثل لاستجابة الصلاة بأنه إذا جاء إنسان إلى صديقه في نصف الليل وطلب منه حاجة فإن الصديق مهما تثاقل واعتذر فإنه يقوم ويقضي الحاجة من أجل لجاجة الطالب ثم قال: اسألوا تعظوا، إقرعوا يفتح لكم. فإنجيل متي يقول: إن المسيح حينما علم بالصلاة الربانية علم بالنهي عن اللجاجة وتكرار الكلام بالصلاة.
وإنجيل لوقا يقول. إن المسيح حينما علم بالصلاة الربانية علم باللجاجة وضرب مثلا مضمونه ومفهومه أنه يعلم باللجاجة في الصلاة وطلب الحاجة.
الأمثال
اليعازر: يا ولدي إن القاعدة الأدبية في ضرب المثل عند العوام والخواص أن يراعي مناسبة المثل لمورد التمثيل والتشبيه. ويعيبون المثل الذي لا يناسب ويعدونه من سوء الفهم وبساطة المغفلين القاصرين. ألا تسمع المثل الذي يضربه الناس لسوء الفهم وقلة الادراك وهو أن بعض المغفلين أراد أن يشهي ضيفه لأكل الرطب بمدح الرطب وبيان نضجه بشدة سواده فقال له:. كل هذه الرطبة فإنها مثل الخنفساء ألا ترى دبسها يكاد يسيل مثل المخاط.
يا ولدي فما بال إنجيل لوقا يريد أن يعرفنا رحمة الله ورأفته في استجابة الدعاء فيضرب له المثل مرة بقاض ظالم يقضي حاجة المرأة من أجل ضجره من لجاجتها. ومرة برجل متثاقل متضجر من حاجة صاحبه ولكنه يتكلف قضاءها من أجل ضجره من اللجاجة.
عمانوئيل: يا والدي إن أناجيلنا لم تقتصر في سوء التمثيل على هذا بل إن إنجيل متى في الفصل الحادي والعشرين وإنجيل مرقس في الفصل الثاني عشر وإنجيل لوقا في الفصل العشرين ذكرت من تعليم المسيح إشارته إلى حال الناس المتمردين ومعاملتهم مع المسيح ومن قبله من الرسل الذين أرسلهم الله لأجل تكميل العباد ودلالتهم على أسباب سعادتهم. فضرب المسيح لذلك مثلا حاصله: إن إنسانا غرس كرما وبنى حائطه وبرجه ومعصرته وسلمه إلى كرامين وغاب عنهم فأرسل بعض عبيده ليأخذوا من ثمر الكرم فضربوهم وقتلوا، ثم أرسل آخرين ففعلوا بهم مثل ذلك فقال صاحب الكرم ماذا أفعل أرسل ابني الحبيب لعلهم يهابون فقتلوا ذلك الابن.
يا سيدي الوالد إن الله لم يرسل رسله ليأخذوا من ثمار النعم التي أنعم الله بها على عباده بل أرسل رسله ليكلموهم ويسعد العباد أنفسهم بثمار تلك النعم ولا يناسب جلال الله أن يضرب له المثل بقول صاحب الكرم قول المتحير: (ماذا أفعل) ولا بقول صاحب الكرم المتوهم (أرسل ابني الحبيب لعلهم يهابون) فيخيب رجاءه وينكشف وهمه ويسقط تدبيره وتستمر حيرته.
اليعازر: يا عمانوئيل إن أناجيلنا قد تضمنت الدعوة إلى الإيمان بالله وتوحيده وإلى التوبة وخوف الله وعبادته وعلمت كثيرا بحسن الأخلاق وحسن السلوك مع الناس والهدو والوداعة فلماذا لا تكون هذه التعاليم الصالحة شاهدة بأن الأناجيل كلها من وحي الله وتعاليم المسيح.
عمانوئيل: يا والدي إن الذي يريد أن يكتب كتابا ينسبه إلى تعاليم المسيح وكتابة تلاميذه الصالحين عن الوحي الإلهي لا بد من أن يكتب فيه شيئا صالحا يشبه أن يكون موافقا للمعروف والمسموع من تعليم المسيح والوحي الإلهي والديانة التي يريد الكاتب أن يكتب فيها.
ولا يمكن لمثل هذا الكاتب في خطأه وعمده أن يتمحض كتابه لغير التعاليم الصحيحة. ولكن بعض التأثيرات لا بد من أن تظهر ذاتها ومقدارها للشعور على قدر جودته وسلامته من العصبية الموروثة.
وها هي الأناجيل لا يزيد الواحد منها على مقدار مجلة شهرية أو أسبوعية وقد سمعت من كل واحد منها ما لوث به قدس المسيح من التعليم بتعدد الأرباب وتعدد الآلهة والاحتجاج لذلك بالحجة الواهية ومن لوثت به قدسه من الاحتجاجات الساقطة. وسوء التمثيل، ومنافيات العقل والقداسة، وتناقض الكلام والتعليم، وإن الاستقصاء في الدرس ليكشف عن أكثر من ذلك.
يا والدي دع عنك نسبة هذه الأناجيل إلى الالهام وتعاليم المسيح وما ذكرته من القدح بإيمان التلاميذ الأحد عشر فإنها مجتمعة ومنفردة تركتنا بحسب خللها الداخلي لا نقدر أن ننسبها لكتبة عارفين لقدس المسيح. عارفين للاحتجاج، عارفين لمواقع التمثيل، عارفين لآداب العفة وحقوق الوالدين.
القس: يا عمانوئيل إنك تتسرع في البيان وتهتك الحجاب دفعة واحدة. وربما لا يكون هذا صالحا في حكمة الارشاد وكشف الحقيقة.
فإن الحالات الموروثة لا ينبغي أن تعالجها بالشدة وتتابع البيان.
وإن الضمير المقهور بالموروثات لا يتحمل هذه الأمور إذا ألقيت عليه دفعة واحدة. بل الواجب أن تلاطف النفوس بخفيف البيان التدريجي، وحسن الإشارة إلى الحقيقة، إلى أن تضع أقدامها في طريق الحقايق فتسير في طلبها سير المشتاقين، مراعية صفاء الوقت.
وإنك أنت الذي صفيتنا بحكمتك الفائقة ولطف إشارتك حتى ملأت قلوبنا من الشوق إلى الحقيقة وأوضحت لنا طريقها ودربتنا في جآدتها.
وحينئذ أفلا نجد في السير إلى المقصود المحبوب. وهل يتوانى العطشان عن السير إلى المورد البارد العذب؟
وما علي من الناس إذا كنت أسعى لنجاتي؟ ومن أين لي مثل صبرك. وإنك أن تصبر فلأجل أنك على بصيرة من أمرك، قد بلغت المقصود ووردت المنهل تنتظر فرصة الوقت في إظهار الحق وإرشاد الجاهلين. وإنا قد وثقنا الوقت من التمتع بالحرية العامة التامة.
فلماذا لا نتكلم متمتعا أيضا أنت بحرية قداستك يا سيدي.
عمانوئيل: العفو يا سيدي فإني قلت: (ما علي من الناس) حينما أسعى أنا ووالدي لأجل تبصرنا في معرفة الحق.
وخلاصنا من هلكات الأوهام بتثبيت معارفنا على أساس الحقيقة. وأما نظرنا إلى إرشاد الناس. فإنما يحسن منا بعد أن نحكم أساسياتنا في الدين.
القس: عد إلى كلامك يا عمانوئيل وفقك الله وسددك.
تعليم الانجيل وضرورة المدنية والاجتماع
عمانوئيل: وأما قولك يا والدي: (إن الأناجيل علمت كثيرا بحسن الأخلاق وحسن السلوك مع الناس والهدو والوداعة). فلا يخفى أن تعليم المسيح بذلك الذي نقله التلاميذ لا يمكن أن تكون حقيقته الفائقة كما هو مكتوب. فإن التعليم الصحيح من هذا ما يجري على حدود الحقيقة ولا يضيعها بالإفراط كما تضيع بالتفريط. وهذا إنجيل متى يذكر في الفصل الخامس عن المسيح أنه قال: (سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا.
ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا) وذكر نحوه إنجيل لوقا في الفصل السادس. يا والدي وأنت ترى ما في هذا التعليم من المبالغة والافراط المضر بنظام الاجتماع. وهل يخفى على العارف أن الاجتماع لا ينتظم مع تمام الخضوع للشر والأشرار.
بل لا يستغني حسن الاجتماع عن شئ من مدافعة الشر والأشرار وإرهابهم بقانون القصاص والتأديب مع الوصية بفضيلة العفو وملاطفة العواطف بحيث يعطي كل مقام حقه من صالح الدفاع والسياسة وفضيلة العفو وجميل الصبر. فلا يصح في القانون الأساسي في النبوة العامة أن يعلم بمحض الصرامة والشدة في أعمال القصاص بدون إشارة إلى فضيلة العفو كما جرى في التوراة الرائجة حيث علمت بالقصاص كما في الفصل الحادي والعشرين من سفر الخروج والرابع والعشرين من سفر اللاويين والتاسع عشر من سفر التثنية ولم تشر إلى العفو ولا إلى فضيلته كما لا يصح أن يعلم بمثل ما ذكرناه في الانجيل الرائج من رفض شريعة التوراة في القصاص مع التعليم بهذا الخضوع الواهي والمسكنة السخيفة بهذه المبالغة.