العفو ونظام الاجتماع والقرآن
القس: يا عمانوئيل هل رأيت في كتب الوحي قانونا معقولا في هذا المقام.
عمانوئيل. يا سيدي هذا القرآن الذي ينسبه المسلمون إلى الوحي ويرفضه أصحابنا. ها هو قد حاز الفضيلة في هذا المقام. فقد شرع القصاص وأبان حكمته الفائقة في المدنية والاجتماع. وندب إلى فضيلة العفو والصبر بالنحو الصالح فقال في الآية السابعة والعشرين بعد المائة من سورة النحل المكية: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) وقال في الآية التاسعة والسبعين بعد المائة من سورة البقرة: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) فإن قوله (حياة) يستلفت العقول الغافلة إلى حكمة القصاص وشريعته، وأنه وإن كان أيلاما للمعتدي لكنه أيلام بحق، وسبب لزجر الأشرار عن الجرأة على سفك الدماء البريئة والافساد في حياة البشر، فهو بهذه الحكمة حياة للبشر وروح لراحتهم في اجتماعهم.
فمن الهين أن يموت شخص المعتدي الظالم أو يتألم بشريعة القصاص كما يقطع العضو الفاسد حفظا لحياة الانسان من عدوى وباء دائه.
وقد جعل القرآن إيضاحه لهذه الحكمة الفائقة في شريعة القصاص بيانا لأن حسن العفو الخصوصي لا يصحح إبطال هذه الشريعة الراجعة إلى نظم المجتمع الانساني وحفظ حياته. وقال القرآن في سوره البقرة أيضا قبل الآية السابقة: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليك القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) فبين أن القصاص شرع مكتوب لكي يقوم بحكمته ولأجل الرحمة والتخفيف بالنحو الذي لا يبطل حكمة تشريعه سوغ لصاحب الحق تعليما بكرم الأخلاق أن يعفو عن الجاني مطلقا أو بالتنازل إلى الدية. وقد أكد القرآن ندبه للاحسان بالعفو وكظم الغيظ ولكن كله بالنحو المعقول. والطريقة المستقيمة.
اليعازر: يا عمانوئيل إني أحب أن تدرس الأناجيل من أولها على الترتيب بمحضر سيدنا القس.
وإنك وإن درست الآن كثيرا منها وذكرت من داخليتها ما فيه الكفاية ولكن درسها على الترتيب أتم في الفائدة.
عمانوئيل: وأنت ماذا تأمر يا سيدي
القس. أفلا يكفينا ما ذكرناه من أمرها.
القس: أطع أمر أبيك يا عمانوئيل فإنه يريد أن يزداد بصيرة.
نسب المسيح
عمانوئيل: فقرأت في أول إنجيل متى قوله: (كتاب ميلاد المسيح ابن داود ابن إبراهيم) ثم أخذ بذكر الآباء وتعدادهم من إبراهيم إلى يوسف النجار فقلت: يا سيدي القس أية مداخلة لنسب يوسف النجار في ميلاد المسيح من العذراء مريم وكيف يكون المسيح بهذا النسب ابن داود وابن إبراهيم.
هل يجحد متى عذراوية مريم وولادة المسيح من غير محل.
وهل يقول: إن المسيح متولد من يوسف النجار وبه يتصل نسبه إلى داود.
القس: لا يا عمانوئيل فإن متى يذكر في هذا المقام أن مريم حملت بالمسيح من الروح القدس قبل أن تجتمع مع خطيبها يوسف.
ولماذا لم يذكر نسب المسيح الحقيقي من ناحية أمه إلى داود وإبراهيم؟ يا سيدي تركنا هذا ولكن متى لم يتعرض في هذا النسب لذكر الأمهات فلماذا تعرض لولادة فارص من (ثامار) وبوعز من (راحاب) وعوبيد من (راعوث) وسليمان من التي لاوريا.
القس: يقول بعض كتبتنا إن متي نص على هذه النساء الأربع لأنهن غريبات لسن من بني إسرائيل وإبراهيم.
عمانوئيل: يا سيدي إن سليمان ولد رحبعام من (نعمة) العمونية وهي غريبة أيضا فلماذا لم يذكرها إلهام الرسول متى عند ذكر رحبعام.
القس: فما عندك يا عمانوئيل في ذلك.
دعنا من هذا يا سيدي وأيضا يقول: متى (ويوشيا ولد يكنيا وإخوته عند سبي بابل وبعد سبي بابل يكنيا ولد شألتيئيل " مع أن صريح الفصل الثالث من سفر الأيام الأول أن يكنيا هو ابن يهوياقيم ابن يوشيا كما هو صريح الفصل السادس والثلاثين من أخبار الأيام الثاني وسماه يهوياكين وصريح الفصل الرابع والعشرين من الملوك الثاني والفصل الثاني والعشرين والسابع والعشرين من أرميا وسماه كنياهو والرابع والعشرين وسماه يكنيا وكانت ولادة يهوياكين يكنيا قبل سبي بابل بنحو ثمانية عشر سنة لا عند سبي بابل.
هذا وإذا طابقنا النسب الذي ذكره إنجيل متى مع النسب الذي ذكره إنجيل لوقا في الفصل الثالث وجدنا بينهما اختلافا كبيرا.
فإن إنجيل لوقا يقول: إن يوسف النجار هو ابن هالي وأوصل آبائه إلى ناثان ابن داود وعدهم أربعين أبا.
القس: إن بعض كتبتنا يقولون: إن (هالي) هو أبو مريم أم المسيح ولكن لوقا ذكره ليوسف ابن يعقوب باعتبار أن مريم كانت مخطوبة ليوسف.
عمانوئيل: يا سيدي هذا الكتاب كيف رأى هذا الطيف الذي لم يره الأسلاف من العلماء الذين لم يزالوا متحيرين في اختلاف إنجيلي لوقا ومتى في نسب يوسف النجار. ومن أين عرف هذا الكاتب أن أبا مريم اسمه هالي.؟
فإنه يصرح في العدد الخامس بأن اليصابات زوجة زكريا هي من نسل هرون.
ويصرح في العدد السادس والثلاثين بأن اليصابات نسيبة مريم فإن مشاركتها في النسب تقتضي أن تكون مريم من بنات هرون أي نسبا ويعضد ذلك أن " اكتساين " الذي هو من بني القرن الرابع للمسيح قال: إنه صرح في بعض الكتب التي كانت توجد في عهده أن مريم من قوم لاوي.
القس: إن الفصل الأول من إنجيل لوقا يصرح في العدد الثلاثين إلى الثالث والثلاثين بأن ملاك الله قال لمريم في شأن المسيح.
إن الله يعطيه كرسي داود أبيه وهذا يقتضي أن تكون مريم من بنات داود فإن انتساب يوسف النجار إلى داود لا ربط له بالمسيح.
القس. يا عمانوئيل ما أدري مادا أقول: فإن اختلاف أناجيلنا لا يدعنا نتكلم. إقرأ يا عمانوئيل.
إنجيل متي والعهد القديم
عمانوئيل: فقرأت في أواخر الفصل الأول أن ملاك الله قال ليوسف) النجار في الحلم في شأن ولادة المسيح. وهذا كله لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا. فقلت: يا سيدي أين أجد هذا الكلام من كتب الأنبياء.
القس: تجده في العدد الرابع عشر من الفصل السابع من كتاب أشعيا فاقرأه وتأمل في سوقه ومورده.
عمانوئيل: أحضرت الأصل العبراني ونظرت في الفصل السابع من كتاب أشعيا وقلت: يا سيدي إني متتبع للعهد القديم في الأصل العبراني
وكل مقام يتعلق غرضه بخصوص العذراء يقول: (بتوله) كما في (لا 21: 3 و 13 و 14 وتث 22: 19 و 23 و 28 وقض 19: 24 و 21: 12 ومز 148 وار 31: 21 ومرا 1: 15 و 18 و 2: 10 و 13 وعا 8: 3 وغير ذلك. وها هو يقول في المقام من أشعيا (العلمه) ومعناها الفتاة والشابة ولم يقل بتوله فلماذا يجعلها إنجيل متى العذراء وأيضا يا سيدي ما سمعنا أحدا سمى المسيح عمانوئيل بل سمى (يسوع، فأين صدق الملاك وإنجيل متى.
وأيضا إن كلام أشعيا كان يخاطب به سبط يهوذا وملكهم (احاز) من أجل اتفاق ملك آرام وملك إسرائيل على محاربتهم فأعطاهم علامة بأن هذا المولود قبل أن يعرف أن يرفض الشر ويختار الخير تخلى الأرض التي يخافون من ملكها بسبب تسلط ملك أشور على آرام وإسرائيل ويبسط ملك أشور جناحيه ملء بلاد عمانوئيل كما ذكر أيضا في الفصل الثامن من أشعيا وبمقتضى الفصل السادس عشر والسابع عشر من سفر الملوك الثاني أن ملوك أشور سبوا دمشق والسامرة وأخلوهما بالسبي وقتلوا ملك آرام وسجنوا ملك إسرائيل.
يا سيدي وبالمناسبة أقول: أيضا ذكر إنجيل متى في الفصل الثاني (لأنه هكذا مكتوب بالنبي وأنت يا بيت لحم يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل) ولا يوجد في العهد القديم ما يشبه هذا الكلام إلا ما يوجد في العدد الأول من الأصل العراني في الفصل الخامس من كتاب ميخا ولكن بين الكلامين مخالفة كبيرة فإن ترجمة كتاب ميخا حرفيا تكون هكذا (وأنت بيت لحم أفراتة صغير لكونك بألوف يهوذا منك لي يخرج ليكون متسلطا بإسرائيل) وهذه المخالفة تكون من التحريف فهل كان التحريف في كتاب ميخا أو في إنجيل متى - وذكر أيضا في هذا الفصل أن ملاك الرب أمر يوسف أن يأخذ المسيح إلى مصر وكان هناك إلى حين موت هير ودس لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل (من مصر دعوت ابني).
وذكر متى أيضا في هذا الفصل أن هيرودس قتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها وحينئذ تم ما قيل بارميا النبي القائل (صوت سمع في الرامة نوح وبكاء مر وعويل كثير راحيل تبكي على أبنائها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا موجودين) وهل يخفى على سيدي أن هذا الكلام جاء في العدد الخامس عشر من الفصل الحادي والثلاثين من كتاب ارميا.
ويا للعجب يا سيدي ما هي المناسبة بين الرامة التي هي في سهم سبط إفرايم بن يوسف بن يعقوب من راحيل وبين بيت لحم التي هي في سهم يهوذا وبين القريتين نحو ثلاثين ميلا وما هي المناسبة بين راحيل والذين في بيت لحم فإنهم من سبط يهوذا من أبناء ليئة ضرة راحيل.
مع أن العدد السادس عشر والسابع عشر من هذا الفصل من أرميا يقول على الأثر إن الله أخبر بأن هؤلاء الأبناء يرجعون من أرض العدو والسبي إلى أرضهم فما هي المناسبة مع الأولاد المقتولين.
يا سيدي فهل إنجيل متى مسلط على أن ينتهب الكلام من مورد إلى آخر.
هل يكون في كتب الوحي انتهاب
القس: يا عمانوئيل قد وقع مثل هذا الانتهاب في العدد الثالث والثلاثين من الفصل الثالث عشر من أعمال الرسل حيث ذكر عن قول بولس (أقام يسوع كما هو مكتوب في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك) ونحو ذلك في العدد الخامس من الفصل الخامس من رسالة العبرانيين.
وجاء أيضا في أول رسالة العبرانيين المنسوبة لبولس حيث احتج لفضل المسيح على الملائكة بأن الله قال فيه ما لم يقل في الملائكة فقال: (لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدتك. وأيضا أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابنا).
يا عمانوئيل وإن القول المذكور في العدد السابع من المزمور الثاني لا يمكن أن ينطبق على يسوع المسيح لأن هذا القول أوحي لداود قبل ميلاد يسوع المسيح بأكثر من ألف سنة. فإن أراد ولادة المسيح النبوية حين اعتماده من يوحنا (يحيى بن زكريا) فهذا القول متقدم عليها بأكثر من ألف وأربعين سنة. وإن أراد ولادة المسيح الأزلية كما يقال فهي سابقة على اليوم الذي أوحي فيه هذا القول لداود بسبق الأزل.
وعلى كل تقدير ليس للمسيح في يوم هذا الوحي ولادة يصح أن يقول له: أنا اليوم ولدتك - فهذا القول. إنما هو لداود باعتبار ولادة الوحي فإن داود يقول في هذا المزمور: (أخبر الحق الرب قال لي أنت ابني أنا اليوم ولدتك) ولكن الغارة والانتهاب لا تصعب على كثير من الناس.
القس: المراد من المسيح في هذا المزمور هو داود نفسه.
ويشهد لذلك أن داود سمى نفسه في المزامير مسيح الله كما في العدد الخمسين من المزمور الثامن عشر. والعدد العاشر من المزمور الحادي والثلاثين بعد المائة - والمسيح هو من يمسحونه بالزيت ملكا أو كاهنا - ألا ترى أن داود قد سمى شاول ملك إسرائيل (مسيح الرب) سبع مرات كما في الفصل الرابع والعشرين والسادس والعشرين من سفر صموئيل الأول والفصل الأول من صموئيل الثاني بل سماه بذلك صموئيل النبي مرتين كما في العدد الثالث والخامس من الفصل الثاني عشر من سفر صموئيل الأول.
وجاء في المزمور الخامس بعد المائة عن قول الله: (لا تمسحوا مسحائي) وفي أول الفصل الخامس والأربعين من كتاب أشعيا (هكذا قال الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه) وأيضا في المزمور التاسع والثمانين 38 و 51 غضبت على مسيحك.
وأصحابنا يقولون: بأن داود قصد بالمسيح هنا نفسه لأنهم لا يرضون للمسيح أن يكون الله يغضب عليه وكيف يرضون بذلك وهو عندهم إله واقنوم الله.
وفي الفصل الثاني والعشرين من الأيام الأول صرح داود لسليمان بأنه هو المقصود بهذا الكلام وأن الله سماه سليمان بالصراحة وأيضا أخبر عن الله في الفصل الثامن والعشرين بقوله (وقال سليمان ابنك هو يبني بيتي ودياري لأني اخترته لي ابنا وأنا أكون له أبا) فيا للأسف على كتب العهد الجديد إذ تغتصب الحقائق من الكلام. إقرأ يا عمانوئيل ودعنا نتجرع الغصص.
سيد سيدعى ناصريا
عمانوئيل: فقرأت آخر الفصل الثاني من متى قوله وأتى وسكن في مدينة يقال لها: ناصرة لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيدعى ناصريا. - فقلت: يا سيدي هل قيل في العهد القديم إن المسيح أو أحد الأنبياء أو المبشرين سيدعى ناصريا.
القس: ليس لهذا الكلام عين ولا أثر في العهد القديم - ولا تستغرب ذلك من إنجيل متى بعد ما رأيت ما رأيت.
لا يغلط كتاب الوحي
عمانوئيل: يا سيدي وبالمناسبة أذكر أنه ذكر في الفصل السابع والعشرين من إنجيل متى (حينئذ تم ما قيل بارميا النبي القائل وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من بني إسرائيل وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب) يا سيدي وهذا الكلام لا يوجد في كتاب أرميا أصلا.
ولكن يوجد ما يشبهه في بعض الألفاظ في الفصل الحادي عشر من كتاب زكريا وهو هذا (فقلت لهم أن حسن في أعينكم أعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة فقال لي الرب: القها إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني به فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب) وأنت إذا نظرت إلى العبارتين رأيت أن عبارة متى وعبارة زكريا متضادتان في المعنى متخالفتان في أكثر الألفاظ.
فكيف يكون مثل هذا الوحي والإلهام.
كيف لا يعرف الوحي أن الكلام الذي حرفت ألفاظه وبدل معناه لا يوجد في كتاب إرميا بل هو في كتاب زكريا.
القس: بقي عندي سؤال وهو أن إنجيل متى وإنجيل لوقا قد تعرضا لتاريخ أحوال المسيح من أول حمله وولادته وطفولته إلى آخر أمره، فلماذا ينفرد كل منهما بذكر شئ مهم في تاريخ المسيح والبشرى به على نحو المعجز.
فهذا متى ذكر زيارة المجوس للمسيح في طفولته واعترافهم به وطلب هيردوس لقتله وقتل الأطفال من أجل طلبه وأخذ يوسف وأمه له إلى مصر.
وهذا لوقا لم يذكر شيئا من هذا التاريخ الكبير المجيد.
وهذا إنجيل لوقا ذكر خطاب الملائكة للرعاة وبشراهم لهم بالمسيح وذكر كلام سمعان الذي كان عليه الروح القدس في البشرى بالمسيح. وكلام (حنه) النبية. مع أن متي لم يذكر شيئا من ذلك. فلماذا يكون هذا يا سيدي.
اليعازر: ها نحن قرأنا فصلين من إنجيل متي فاعترضتنا هذه الأمور المدهشة الكبيرة فكيف حالنا من البقية من الأناجيل وباقي العهد الجديد.
مع أني لا أزال في حسرة الأسف مما ذكرتموه من تلويث الأناجيل لقدس المسيح وتحريفها لكلام العهد القديم كما ذكر فيما مر ويزيد أسفي وحيرتي إذا أضفت إلى ذلك ما ذكرتموه من الاختلاف في استشهادات إنجيل متى بالعهد القديم في الفصلين الأولين منه.
القس: يا اليعازر أما أسفك فلا، ألومك عليه ولكن لا وجه لزيادة حيرتك فإن هذه الأمور ترفع الحيرة وتعرف الانسان رشده اقرأ يا عمانوئيل.
متى صورت صارخ وخلله
عمانوئيل: فقرأت في أول الأصحاح الثالث من إنجيل متى قوله: (في تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية بالتوبة فوجدت فيه أن يوحنا هو الذي قيل عنه باشعيا النبي صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب أصنعوا سبله مستقيمة) فقلت: يا سيدنا القس ههنا سؤالان: السؤال الأول: إن (متى) كان يتكلم في آخر الفصل الثاني في أيام رجوع يوسف بالمسيح من مصر عند موت هيردوس الوالي على اليهودية وولاية ابنه ارخيلاوس وقد كان ذلك بعد ميلاد المسيح بنحو سنة وقد كان عمر يوحنا المعمدان عند ذلك نحو سنة لأنه كان حملا حينما كان المسيح حملا كما يصرح بذلك الفصل الأول من إنجيل لوقا. فهل جاء يوحنا يكرز في برية اليهودية وعمره نحو سنة، وهذا إنجيل لوقا يذكر في الفصل الثالث أن حلول كلمة الله على يوحنا وكرازته بالتوبة كانت في السنة الخامسة عشر من سلطنة طيباريوس قيصر بحيث يكون عمر يوحنا نحو ثلاثين سنة.
يا سيدي هل يكون كتاب الوحي يغلط في التاريخ هذا الغلط الكبير. أو إنه يقول: (في تلك الأيام) لفظا بلا معنى.
والسؤال الثاني: إن الكلام الموجود في العدد الثالث من الفصل الأربعين من كتاب أشعيا مخالف للكلام الذي نقله متي ففي كتاب أشعيا صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب قوموا في القفر سبيلا لإلهنا.
فلم يقل اصنعوا سبله مستقيمة. فمن أين جاء هذا الاختلاف في كتب الوحي.