الصفحة 139


شبهات وردود



الحلقة الثانية
الرد على الشبهات التي أثارتها نشرة الشورى
حول النص على الإمام علي (عليه السلام)





الصفحة 140

الصفحة 141

مقدمة الطبعة الثانية


صدرت الطبعة الأولى من هذه الحلقة في رجب الأصب سنة 1417 هـ. ق وتلقتها الأوساط العلمية والثقافية بالرضا والقبول، وكانت قد انطوت على اخطاء طباعية استدركتها فى هذه الطبعة مع أضافات وإعادة صياغة بعض المطالب مع اضافة فصل خاص رددت فيه على شبهات الدكتور الشرقاوي المنشورة في العدد الخامس من نشرة الشورى، أرجو ان تنال رضا القارئ الكريم.


المؤلف       
شوال / 1417 هـ. ق


الصفحة 142

الصفحة 143

المقدمة


وبعد فهذه الحلقة الثانية من شبهات وردود وقد كرستها لشبهات أثارتها نشرة الشورى حول النص على علي (عليه السلام)، وكانت أهم هذه الشبهات هي:

انه لو كان هناك ثمة نص على علي (عليه السلام) لاحتج به علي (عليه السلام) نفسه!!

وانه لو كان هناك نص فان الصحابة اكبر من ان يتصور في حقهم انهم يخالفون النبي (صلى الله عليه وآله)!!

وانه لو كان هناك نص فلماذا بايع علي (عليه السلام) الخلفاء الثلاثة برضاه!!

وقد عنيت هذه الحلقة بشكل خاص باحتجاج علي (عليه السلام) بحديث الغدير، وبإبراز شاهد لمخالفة الصحابة للنص تتفق عليه مصادر السنة والشيعة بل ان تفاصيله في كتب السنة اكثر بكثير مما ذكر في كتب الشيعة وهو موقف الصحابة من حج التمتع سواء أثناء تبليغ النبي (صلى الله عليه وآله) له أو بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) حيث تجمع المصادر السنية فضلا عن الشيعية ان الصحابة وبخاصة القرشيين منهم استنكروا على النبي (صلى الله عليه وآله) أمر متعة الحج وناقشوه عليها وأغضبوه ثم استجابوا لأمره فيها على مضض، وانهم لما صارت السلطة بيدهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله) نهوا عنها، وقد أمر بها القرآن والرسول وخضع لهم بقية المسلمين الا علي (عليه السلام) وأصحابه. هذا مع ان كلام الله تعالى وحديث النبي في هذا المورد يتعلق بقضية عبادية، فيكف يكون أمرهم حينما يتعلق الأمر بقضية الموقع الأول في المجتمع الإسلامي بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله).

وتناولنا مضافا إلى ذلك شبهة كان من حقها ان تبحث في الحلقة الأولى وهي قول صاحب النشرة (ما دام في الأرض مسلمون ويحتاجون إلى دولة وإمام فلماذا يحصر عدد الأئمة باثني عشر).


الصفحة 144
أرجو ان أكون قد وفقت في عملي هذا وان يغتفر لي القارئ الكريم النقص الذي قد يلوح هنا وهناك سواء في هذه الحلقة أو التي قبلها راجيا منه ان ينبهني عليه لتلافيه في طبعة أخرى.

اللهم اجعله لي ذخرا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم انك سميع مجيب.


سامي البدري       
قم / 1رجب / 1417 هجـ.


الصفحة 145

الحلقة الثانية


الفصل الأول
الأئمة الإثنا عشر حجج إلهيون


قوله: مادام في الأرض مسلمون ويحتاجون إلى دولة وإمام فلماذا يحصر عدد الأئمة باثني عشر

أقول: الإمامة المحصورة باثني عشر بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) ليست هي منصب الحكم بل هي منزلة الحجة على الخلق بالقول والفعل والتقرير ومن لوازم هذه المنزلة حصر حق الحكم بصاحبها في زمان حضوره اما في عصر الغيبة فإن منصب الحكم حق للفقهاء العدول.





الصفحة 146

الصفحة 147

نص الشبهة


قال صاحب النشرة:

(ما دام في الأرض مسلمون ويحتاجون إلى دولة وإمام وكان محرما عليهم اللجوء إلى الشورى والانتخاب كما تقول النظرية الإمامية وكان لابد أن يعين الله لهم إماما معصوما منصوصا عليه فلماذا إذن يحصر عدد الأئمة في اثني عشر واحدا فقط(1)).

الرد على الشبهة


اقول:

اولا:

ان المستشكل أراد بمصطلح الإمام معنى الحكم والرئاسة التنفيذية في المجتمع كما هو واضح من كلامه هنا وفي موارد متعددة من النشرة.

ثانيا:

ان الإمامة التي حصرت باثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) ليست هي إمامة الحكم بل هي الإمامة الدينية التي كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خاصة بوصفه حجة الله تعالى بقوله وفعله وتقريره(2) وكون حق الحكم خاصا به في زمانه لا يجوز لغيره ان يمارسه الاّ بإذنه.

____________

(1) الشورى العدد العاشر ص 19.

(2) ويترتب على هذه الإمامة ان الله تعالى لا يقبل عمل امرىء ما لم يكن موافقا في التفاصيل مع قول الحجة وفعله وتقريره ويترتب عليها الشفاعة أيضا، فشفاعة الرسول لا تنال إنسانا لا يقتدي بسنته، ويترتب على ذلك أيضا ان صاحب هذه المنزلة يؤيده الله تعالى بخوارق العادات يجريها على يديه حين يتوقف فتح طريق الهداية عليها.


الصفحة 148
وكذلك الأمر في أوصيائه الاثني عشر فهم حجج الله تعالى على خلقه بعد نبيه الأكرم بقولهم وفعلهم وتقريرهم وكون حق الحكم خاصا بهم في زمانهم لا يجوز لغيرهم ان يمارسه ا لا بإذنهم ومن هنا اشترطت فيهم العصمة والنص.

وفي ضوء ذلك فان إمامة أهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام) كما يعتقد بها الشيعة ليست هي الإمامة التي يعتقدها الزيدية أو المعتزلة أو السنة فهؤلاء يعتقدون بالإمامة على أنها حكم وإجراء حدود وتولية أمراء وتطبيق أحكام الشريعة في المجتمع حسب.

ويفترق الزيدية عن غيرهم بقولهم: ان الذي له حق إجراء الحدود هم عليوالحسن والحسين (عليهما السلام) ومن دعا إلى نفسه وحمل السيف من ذرية الحسن والحسين بعدهما.

أما أهل السنة والمعتزلة فقد أنكروا ان تكون هناك نصوص تدل على حصر حق الحكم بأهل البيت (عليهم السلام) بالشكل الذي قال به الزيدية فضلا عما قال به الشيعة.

وفي قبال الزيدية والمعتزلة والسنة قالت الشيعة بإمامة أهل البيت لا بمعنى الحكم بل بالمعنى الذي يجعل منزلتهم بمنزلة الأنبياء أي كونهم حججا إلهيين تجب طاعتهم سواء بايعهم الناس على الحكم أو لم يبايعوهم، لا فرق بينهم وبين النبي (صلى الله عليه وآله) إلا في النبوة والأزواج(1)، أما الحكم وإجراء الحدود فنسبته إليهم كنسبته إلى الرسول من حيث اختصاصه به وعدم جواز تصدي الغير له مادام حاضرا(2).

وهذا المعنى للإمام أي كونه حجة الله تعالى في دينه هو المأثور عن هشام بن الحكم في مناظراته.

قال الشامي لهشام:

____________

(1) روى الكليني في الكافي ج1: 270 عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول الأئمة بمنزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا انهم ليسوا بأنبياء ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي (صلى الله عليه وآله) فأما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ".

(2) انظر كلام القاضي عبد الجبار في كتابه المغني الجزء المتم للعشرين ق1: 36، 39، 89-90 حيث أشار إلى ان الشيعة ينظرون إلى أئمتهم كحجج لله تعالى، وانظر أيضا الشافي في الإمامة للسيد المرتضىج1: 309-310، والشيخ المفيد في كتابه الجمل ط. المؤتمر العالمي: 73-74هـ.ش. والعلامة الحلي في كتابه أنوار الملكوت في شرح ياقوت الكلام لإبراهيم بن نوبخت ص 204.


الصفحة 149
" يا غلام سلني في إمامة هذا (وأشار إلى الإمام الصادق (عليه السلام))... قال هشام للشامي يا هذا أربك انظر لخلقه أم خلقه؟ فقال الشامي بل ربي انظر لخلقه. قال ففعل بنظره لهم ماذا؟

قال أقام لهم حجة ودليلا، كيلا يتشتتوا، أو يختلفوا، يتآلفهم ويقيم أودهم(1) ويخبرهم بفرض ربهم.

قال فمن هو؟

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قال هشام فبعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

قال الكتاب والسنة.

قال هشام فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنا؟(2).

قال فسكت الشامي.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام) للشامي ما لك لا تتكلم؟

قال الشامي ان قلت لم نختلف كذبت، وان قلت ان الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت، لأنهما يحتملان الوجوه، وان قلت قد اختلفنا وكل واحد منا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة، إلاّ انَّ لي عليه الحجة.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام) سله تجده مليا.

فقال الشامي يا هذا من انظر للخلق أربهم أو أنفسهم؟

فقال هشام ربهم انظر لهم منهم لأنفسهم.

فقال الشامي فهل أقام لهم من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم؟

قال هشام في وقت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو الساعة؟

____________

(1) الأَوَدُ: العِوَج (لسان العرب).

(2) ادعى صاحب النشرة ان هشام بن الحكم كان يناظر من اجل الإمامة بمعنى الحكم بينما نصوص مناظراته كما يرى القارىء الكريم تدور حول من له مقام الرسول بكونه حجة في قوله وفعله وتقريره وكونه الفيصل في الاختلاف الفكري والفقهي.


الصفحة 150
قال الشامي في وقت رسول الله رسول الله (صلى الله عليه وآله) والساعة من؟

فقال هشام هذا القاعد الذي تشد إليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء والأرض وراثة عن أب عن جد(1).

قال الشامي فكيف لي ان اعلم ذلك قال هشام سله عما بدا لك.

قال الشامي قطعت عذري فعليَّ السؤال.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام) يا شامي أخبرك كيف كان سفرك، وكيف كان طريقك، كان كذا وكذا.

فاقبل الشامي يقول صدقت، أسلمت لله الساعة.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام) بل آمنت بالله الساعة، ان الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والإيمان عليه يثابون.

فقال الشامي صدقت فأنا الساعة اشهد ان لا اله إلا الله وان محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانك وصيُّ الأوصياء "(2).

وهذا المعنى للإمامة الذي ناظر من أجله هشام طفحت به أحاديث الأئمة (عليهم السلام).

روى الكليني عن داود الرقي عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: " ان الحجة لا تقوم لله

____________

(1) يشير قول هشام (رحمهم الله) هذا إلى ما اشتهر عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه كان يخبر بوقوع الملاحم استنادا إلى كتب آبائه (عليهم السلام) ومن ذلك ما اخبر عن مستقبل حركة الحسنيين في زمانه وانه لا يملك أحد منهم وان ذلك مذكور عنده في كتاب فاطمة (عليها السلام) أصول الكافي 1: 242، وبصائر الدرجات: 169-170. وفي هذا الأخير عن معلى بن خنيس قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ اقبل محمد بن عبد الله بن الحسن فسلم ثم ذهب ورقَّ له أبو عبد الله ودمعت عينه فقلت له: لقد رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع قال (رققت له لانه ينسب في أمر ليس له، لم أجده في كتاب علي من خلفاء هذه الأمة ولا ملوكها) وفي مقاتل الطالبيين ص 206 قال الصادق (عليه السلام) لعبد الله بن الحسن ان هذا الأمر ليس إليك ولا إلى ولديك وإنما هو لهذا / يعني السفاح / ثم لهذا / يعني المنصور / ثم لولده من بعده لا يزال فيهم حتى يؤمروا الصبيان ويشاوروا النساء. فقال عبد الله والله يا جعفر ما أطلعك الله على غيبه فقال الصادق (عليه السلام): لا والله ما حسدت ابنك وان هذا -يعني أبا جعفر يقتله على أحجار الزيت ثم يقتل أخاه بعده بالطفوف وقوائم فرسه بالماء. وقد اشتهر ذلك عن الإمام الصادق، انظر تاريخ الطبري (طبعة دار المعارف) 7: 598 وأيضا صفحة 600، ومقاتل الطالبين 347 وابن خلدون في مقدمتهج1 ص595 ومن الجدير ذكره ان علم الإمام بالمغيبات وغيرها لا ينحصر من خلال قراءة تلك الكتب الموروثة بل هو محدَّث من قبل الملائكة بإذن الله (الكافي ج1: 270) هذا مضافا إلى كونه مؤيدا بروح القدس الذي به يعلم الإمام مادون العرش وما تحت الثرى (الكافي ج1: 272).

(2) الكافي ج1: ص171 الرواية 4.


الصفحة 151
على خلقه إلا بإمام حتى يعرف "(1).

وروى أيضا عن عبد الله بن سليمان العامري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " ما زالت الأرض إلا ولله فيها الحجة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله "(2).

وروى أيضا عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " سمعته يقول ان الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام كي ما ان زاد المؤمنون شيئا ردَّهم وان نقصوا شيئا أتمَّه لهم "(3).

وروى أيضا عن بشير العطار قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " نحن قوم فرض الله طاعتنا(4) وانتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته "(5).

وروى الكليني أيضا عن صفوان بن يحيى قال قلت للرضا (عليه السلام) قد كنا نسألك قبل ان يهب الله لك أبا جعفر (عليه السلام) فكنت تقول يهب الله لي غلاما، فقد وهبه الله لك فاقر عيوننا، فلا أرانا إليه يومك، فان كان كون فإلى من؟

فأشار بيده إلى أبي جعفر (عليه السلام) وهو قائم بين يديه.

فقلت جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين؟

فقال: " وما يضره من ذلك فقد قام عيسى (عليه السلام) بالحجة وهو ابن ثلاث سنين "(6) وفي نسخة إرشاد المفيد وأعلام الورى (ابن اقل من ثلاث سنين).

____________

(1) الكافي ج1 ص 177.

(2) الكافي ج1 ص178.

(3) الكافي ج1 ص178.

(4) روى الكليني في الكافي ج1: 276 عن بريد قال، قال أبو جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) النساء: 63 إيانا عنا خاصة، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا. وفي تفسير فرات الكوفي عن الحسين انه سأل جعفر بن محمد (عليه السلام) عن قوله الله تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) قال: أولي الفقه والعلم قلنا: اخاص أم عام قال بل خاص لنا. وفيه أيضا عنه (عليه السلام) قال أولي الأمر في هذه الآية هم آل محمد (صلى الله عليه وآله)) ص 108 تحقيق محمد الكاظم ط1410 هج وفي الكافي ج2 باب دعائم الإسلام ح2 وح9 (ان الولاية التي أمر الله عز وجل بها ولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله) ثم ذكر قوله تعالى (أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم)) وفي أصول الكافي ج1: 189 الحديث 16 عن الحسين بن علاء قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الأوصياء طاعتهم مفترضة قال نعم هم الذين قال الله عز وجل (أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) وهم الذين قال الله عز وجل (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) أقول: في ضوء هذه النصوص يتضح ان (اولي الامر) في الاية مصطلح خاص اريد به أوصياء الرسول الاثني عشر (عليه السلام) خاصة.

(5) الكافي ج1 ص186.

(6) الكافي ج1. ص 321 الرواية رقم 10.


الصفحة 152
والإمامة بهذا المعنى عرضها القرآن الكريم للأنبياء السابقين قال تعالى (وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة / 124.

وقال تعالى (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) الأنبياء / 73.

فالإمام في كلا الآيتين هو الهادي إلى دين الله والحجة على خلقه بقوله وفعله وتقريره.

وفي ضوء ذلك يتضح:

ان الذي ذكرته الأحاديث النبوية من حصر الإمامة بعد النبي باثني عشر إنما هو منزلة خاصة لا يراد بها موقع الحكم وإجراء الحدود بل أريد بها موقع من هو بمقام الرسول في كونه حجة لله تعالى في القول والفعل والتقرير وكون الحكم وإجراء الحدود من خصائصه في زمانه، وقد ألحقت أحاديث أخرى الزهراء (عليها السلام) بالأئمة فهي حجة في قولها وفعلها وتقريرها دون خصوصية الحكم.

وبواسطة هؤلاء الحجج حفظ الله شريعة نبيه من التحريف وصارت ميسرة لكل من أرادها.

مشيئة الله تعالى في آل محمد (صلى الله عليه وآله):

وقد يقال لِمَ حُصِر الحجج بعد النبي باثني عشر ولِمَ حُصر بأسرة النبي (صلى الله عليه وآله)؟

والجواب:

ان حصر حجج الله تعالى بعد نبيه الأكرم بأسرة النبي (صلى الله عليه وآله) وبعدد محدود منهم، وهم علي والزهراء والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين (عليهم السلام)، نظير حصر حججه تعالى بعد نوح وإبراهيم ويعقوب وعمران في ذريتهم كما في قوله تعالى: (ولَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وإِبْرَاهِيمَ وجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ والكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَد وكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) الحديد / 26 وقوله: (إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ ونُوحًا وآلَ إِبْرَاهِيمَ وآلَ عِمْرَانَ

الصفحة 153
عَلَى العَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض وَ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ) آل عمران / 33-34.

وقد شاءت حكمة الله تعالى ان يجعل في الحجج من بعد محمد (صلى الله عليه وآله) امرأة حجة وهي فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) كما جعل بعد موسى امرأة حجة وهي مريم بنت عمران.

وشاءت حكمة الله تعالى أيضاً ان يجعل من ذرية فاطمة (عليها السلام) خاتم أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله) وهو الحجة بن الحسن العسكري كما جعل من ذرية مريم (عليها السلام) من قبلُ حجته عيسى (عليه السلام) خاتم أصفيائه من آل عمران وبني إسرائيل.

بل شاءت حكمة الله تعالى ان يجعل المهدي من آل محمد (صلى الله عليه وآله) نظيرا لعيسى من آل عمران من ناحية الاختلاف في ولادته والامتحان بغيبته فقد اختلف بنو إسرائيل في ولادة المسيح بعد ان كانوا ينتظرونه جميعا للنصوص الثابتة عن أنبيائهم وفي كتبهم(1)، فآمنت طائفة لما ولد وأنكرت طائفة ذلك إلى اليوم.

واختلف بنو إسماعيل (أمة محمد (صلى الله عليه وآله)) في ولادة المهدي المنتظر من ولد فاطمة (عليها السلام) بعد ان اخبر النبي (صلى الله عليه وآله) عنه وبشر به(2) فآمنت طائفة لما ولد سنة 255 هجـ، وهي لا تزال مؤمنة به ألى اليوم، وأنكرت طائفة ذلك إلى اليوم أيضا.

وامتُحن أنصار عيسى بغيبته، فمنهم من قال قتل، ومنهم من قال أنجاه الله من كيد الظالمين واتصل بخواص تلاميذه لفترة يوجههم ثم غيَّبه الله تعالى ليظهره آخر الزمان.

وكذلك امتحن شيعة المهدي (عليه السلام) بغيبته فمنهم / وهو قليل جدا وفي وقته / من قال انه مات في الغيبة(3)، وقال الأغلب بحياته في غيبته الطويلة التي غاب فيها بعد

____________

(1) جاء في سفر اشعياء / وهو من أسفار الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى / الإصحاح التاسع الفقرة 14 قوله (ولكن الرب نفسه يعطيكم آية. ها العذراء تحبل وتلد إبنا وتدعو اسمه عمانوئيل) وعما نوئيل لفظة عبرية معناها (الرب معنا) ومن الواضح ان النص يشير إلى مريم (عليها السلام) التي حملت من غير رجل وقد أيدها الله تعالى لما ولدت عيسى بان انطقه في المهد ليكون آية لأمه ولبني إسرائيل ومع ذلك فقد كذبت طائفة كبيرة من اليهود ذلك وأنكروا ولادة المسيح المنتظر من العذراء إلى اليوم.

(2) روى أبو داود في سننه عن أبي الطفيل عن علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (لو لم يبق من الدهر إلا يوم، لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا) وفيه أيضا عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة.) ج2 / 422 ط 1.

(3) وقد مر الكلام على هذا القول في الشبهة الأولى وقد ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد والشيخ الطوسي في الغيبة أقوالا أخرى انقرض أصحابها.


الصفحة 154
غيبته(1) القصيرة وهم ينتظرون ظهوره ليحقق الله تعالى به وعده الذي وعده لنبيه الخاتم.

وشاءت حكمة الله أيضا ان يجعل في آل محمد (صلى الله عليه وآله) حجة لله في سن دون العاشرة من عمره وهو أبو جعفر محمد الجواد (عليه السلام) ليكون نظيرا ليحيى في آل عمران آتاه الله الحكم صبيا.

وشاءت حكمة الله ان يجعل أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله) اثني عشر وان يجعل الثاني عشر منهم المهدي يحقق الله تعالى على يده وعده لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) ويرث المؤمنون برسالته الأرض كلها (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ) الأنبياء / 105 وان يكون ذلك نظيرا لأوصياء موسى الاثني عشر وما جعله على يد الثاني عشر من أوصيائه وهو داود من تحقق للوعد الذي وعده لموسىوبني إسرائيل من وراثة ارض فلسطين وما حولها.

وشاءت حكمة الله ان يجعل اغلب أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله) من ذرية أخيه ووزيره وأول أوصيائه علي (عليه السلام) وان يكون ذلك نظيرا لما جعله الله تعالى من كون اغلب أوصياء موسى (عليه السلام) بعده في ذرية أخيه ووزيره هارون (عليه السلام)(2).

____________

(1) قال الفضل بن الحسن الطبرسي (رحمهم الله) في كتابه أعلام الورى ان أخبار الغيبة قد سبقت زمان الحجة بل زمان أبيه وجده وخلدها المحدِّثون من الشيعة في أصولهم المؤلفة أيام السيدين الباقر والصادق (عليه السلام) وآثروها عن النبي والأئمة واحدا بعد واحد... وليس يمكن أحدا دفع ذلك ومن جملة ثقاة المحدثين والمصنفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراد وقد صنف كتاب المشيخة الذي هو في أصول الشيعة اشهر من كتاب المزني وأمثاله قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة ومن جملة ما رواه عن إبراهيم الخارقي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول لقائم آل محمد غيبتان واحدة طويلة والأخرى صغيرة قال: فقال لي نعم يا أبا بصير إحداهما أطول من الأخرى ثم لا يكون ذلك (يعني ظهوره) حتى يختلف ولد فلان ويظهر السفياني ويشتد البلاء) ص 416. وروى الشيخ الصدوق في إكمال الدين عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمد بن يحيى العطار جميعا قالوا حدثنا احمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم واحمد بن أبي عبد الله البرقي ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب جميعا قالوا حدثنا أبو علي الحسن بن محبوب السراد عن داود بن الحصين عن أبي بصير عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقا وخلقا تكون له غيبة وحيرة حتى تضل الخلق عن أديانهم فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا) ص 287، البحار 51 صفحة 72.

(2) قضية التناظر بين آل محمد (صلى الله عليه وآله) وآل عمران وآل هارون والحجج الإلهيين في الأمم الماضية مسألة

=>