الصفحة 147

الباب الثاني
فيما وقفناه من كتب تفاسير القرآن الكريم
وما يختصّ به من تصانيف التعظيم
وفيه فصول


الصفحة 148

الصفحة 149

[1] فصل:

فيما نذكره من المجلّد الاول من كتاب التبيان، تفسير جدّي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضوان الله جلّ جلاله عليه، وهذا المجلّد قالبه نصف الورقة الكبيرة، وفيه خمسة أجزاء من قالب الربع، فممّـا نذكره من القائمة الاوّلة من الكراس الرابع، قوله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(1).

قال جدّي أبو جعفر الطوسي:

واستدلّ بهذه الاية قوم من أصحابنا على جواز الرجعة، فان استدلّ بها على جوازها كان ذلك صحيحاً، لانّ مَن منع منه وأحاله فالقرآن يكذّبه، وإن استدلّ به على وجوب الرجعة وحصولها فلا يصحّ، لانّ إحياء قوم في وقت ليس بدلالة على إحياء آخرين في وقت آخر، بل ذلك يحتاج إلى دلالة أخرى(2).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

اعلم أنّ الذين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهم: «إنّي مخلّف فيكم

____________

(1) البقرة: 2 / 56.

(2) التبيان: 1 / 54، مع اختلاف.


الصفحة 150
الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»(1)، لا يختلفون في إحياء الله جلّ جلاله قوماً بعد مماتهم في الحياة الدنيا من هذه الامّة، تصديقاً لما رواه المخالف والمؤالف عن صاحب النبوة صلوات الله عليه:

أمّا المخالف، فروى الحميدي في كتابه الجمع بين صحيح البخاري ومسلم في الحديث الحادي والعشرين من المتفق عليه من مسند أبي سعيد الخدري قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لتتبعنّ سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتّى لو دخلوا جُحر ضب لتبعتموهم» قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟

قال: «فمن»(2).

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الحديث التاسع والاربعين من أفراد الاربعين(3) من مسند أبي هريرة أنّه قال:

قال النبي (صلى الله عليه وآله): «لا تقوم الساعة حتّى تأخذ أمّتي ما أخذ القرون شبراً بشبر وذراعاً بذراع».

فقيل: يا رسول الله كفارس والروم!

____________

(1) سنن الترمذي: 5 / 328 حديث 3874، المعجم الكبير للطبراني: 5 / 154 حديث 4922، مسند أحمد: 4 / 370.

(2) راجع: صحيح البخاري: 4 / 206 و 9 / 126، مسند أحمد: 2 / 327 و 3 / 84 و 89.

وراجع أيضاً: كنز العمال: 11 / 133 رقم 30923.

(3) في حاشية ع: البخاري، عوضاً عن: الاربعين.


الصفحة 151
قال: «ومَنِ الناسُ إلاّ أولئك»(1).

ومن ذلك ما ذكره الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللهُ)(2) ما هذا لفظه:

وعن حذيفة: «أنتم أشبه الامم سمتاً ببني إسرائيل، لتركبن طريقهم حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة، حتّى أنّي لا أدري أتعبدون العجل أم لا»(3).

أقول:

فإذا كانت هذه بعض رواياتهم في متابعة الامم الماضية وبني إسرائيل واليهود، فقد نطق القرآن الشريف والاخبار المتواترة: أنّ خلقاً من الامم الماضية واليهود لمّا قالوا: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً)(4) فأماتهم الله ثمّ أحياهم، فيكون على هذا في أمّتنا مَن يحييهم الله في الحياة الدنيا، كما جرى في القرون السالفة وفي بني إسرائيل.

أقول:

ولقد رأيت في أخبار المخالفين زيادة على ما تقوله الشيعة من الاشارة إلى أنّ مولانا علياً (عليه السلام) يعود إلى الدنيا بعد ضرب ابن ملجم وبعد

____________

(1) راجع: صحيح البخاري: 9 / 126، مسند أحمد: 2 / 336 و 367.

وراجع أيضاً: كنز العمال: 14 / 207 رقم 38415، العمدة: 533 رقم 903.

(2) المائدة: 5 / 44 و 45 و 47.

(3) الكشاف: 1 / 496، وفيه: «غير أنّي لا أدري أتعبدون العجل أم لا».

(4) البقرة: 2 / 55.


الصفحة 152
وفاته كما رجع ذو القرنين، فمن الروايات في ذلك ما ذكره الزمخشري في كتاب الكشاف في حديث ذي القرنين، فقال ما هذا لفظه:

وعن عليّ (عليه السلام): «سخّر له السحاب ومدّت له الاستار(1) وبسط له النور»، وسئل عنه فقال: «أحبّ الله فأحبّه»، وسأله ابن الكواء: ماذو القرنين أملك أم نبي؟ فقال: «ليس بملك ولا نبّي، لكن كان عبداً صالحاً ضرب على قرنه(2)في طاعة الله فمات ثمّ بعثه الله فضرب على قرنه الايسر فمات فبعثه الله وسمّي ذو القرنين، وفيكم مثله»(3).

أقول:

قول مولانا علي صلوات الله عليه: «وفيكم مثله» إشارة إلى ضرب عبد الرحمن بن ملجم له، وأنّه على هذه ـ رواية الزمخشري ـ يبعث بعد الممات، وهذا أبلغ من رواية بعض الشيعة في الرجعة المذكورة في الروايات.

أقول:

ورأيت أيضاً في كتب أخبار المخالفين عن جماعة من المسلمين: أنّهم رجعوا بعد الممات قبل الدفن وبعد الدفن وتكلّموا

____________

(1) في المصدر: الاسباب.

(2) في المصدر: قرنه الايمن.

(3) الكشّاف: 2 / 580.


الصفحة 153
وتحدّثوا ثمّ ماتوا، فمن الروايات عنهم فيمن عاش بعد الدفن(1): ما ذكره الحاكم النيسابوري في تاريخه(2) في المجلد الثاني منه:

في حديث حسام بن عبد الرحمن النيسابوري عن أبيه عن جدّه: ـ وكان قاضي نيسابور ـ دخل عليه رجل فقيل له: إنّ عند هذا حديثاً عجيباً!

فقال: يا هذا ما هو؟

فقال: اعلم أنّي كنتُ رجلاً نبّاشاً أنبش القبور فماتت أمرأة فذهبت لاعرف(3) قبرها، فصلّيت عليها، فلمّا جنّ الليل قال: ذهبت لانبش عنها وضربت يدي إلى كفنها لاسلبها فقالت: سبحان الله رجل من أهل الجنة تسلب امرأة من أهل الجنة، ثمّ قالت: ألم تعلم أنّك ممن صلّيت عليّ وأنّ الله عزّوجلّ قد غفر لمن صلّى عليّ.

أقول أنا:

فاذا كان هذا قد رووه ودوّنوه عن نبّاش القبور فهلاّ كان لعلماء أهل البيت (عليهم السلام) أسوة به، ولايّ حال تقابل روايتهم (عليهم السلام)بالنفور؟! وهذه المرأة المذكورة(4) دون الذين يرجعون لمهمّات الامور! ولو ذكرتُ

____________

(1) حاشية ع: بعد دفنه.

(2) هذا الكتاب مفقود، وبقي منه قطعة صغيرة ملخّصة مترجمة باللغة الفارسية مطبوعة باسم تاريخ نيشابور، طبعة فاكسميلي سنة 1965 م.

(3) حاشية ع: لاتعرف.

(4) حاشية ع: المذكورة بالرجعة.


الصفحة 154
كلّما وقفتُ من رواياتهم عليه خرج كتابنا عن الغرض الذي قصدنا إليه.

والرجعة التي تعتقدها علماؤنا وأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم تكون من جملة آيات النبي صلوات الله عليه وآله ومعجزاته، ولايّ حال تكون منزلته عند الجمهور دون موسى وعيسى ودانيال؟! وقد أحيى الله جلّ جلاله على أيديهم أمواتاً كثيرة بغير خلاف عند العلماء بهذه الامور.

[2] فصل:

فيما نذكره من الوجهة الاولى من القائمة الرابعة من الكراس العاشر من أصل المجلّد الاول من الجزء الثاني من التبيان، قوله تعالى: (فَلمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجنُوُدِ قَالَ إنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَر فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَانَّهُ مِنِّي إلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ)(1).

ذكر جدّي الطوسي (رحمه الله):

إنّ الذين صبروا مع طالوت على القنوع بغرفة واحدة ثلثمائة وبضعة عشر، عدّة أهل بدر(2).

وسنذكره من غير التبيان جملة من قصّة طالوت، فيقال:

إنّ الله تعالى أوحى إلى اشموئيل(3) من بني إسرائيل: أن

____________

(1) البقرة: 2 / 249.

(2) التبيان: 2 / 295.

(3) ع. ض: اشمويل.


الصفحة 155
يأمر طالوت بالمسير إلى جالوت من بيت المقدس بالجنود، لم يتخلّف عنه إلاّ كبير لهرمه أو مريض لمرضه أو ضرير لضرره أو معذور لعذره، وذاك أنّهم لمّا رأوا التابوت قالوا: قد أتانا التابوت وهو النصر لا شكّ فيه فتسارعوا إلى الجهاد.

فقال طالوت: لا حاجة لي في كلّما أرى، لا يخرج معي رجل يأتينا لم يفرغ منه ولا صاحب تجارة يشتغل بها ولا رجل عليه دين ولا رجل تزوّج بامرأة لم يبن بها ولا أبتغي إلاّ الشبان البسيط الفارغ.

فاجتمع ثمانون ألفاً على شرطه يخرج بهم، وكان في حرّ شديد فسألوا قلّة المياة بينهم وبين عدوّهم وقالوا: إنّ المياه لا تحملنا وادع الله أن يجري لنا نهراً.

فقال لهم طالوت بأمر اشموئيل (عليه السلام)(1): إنّ الله مبتليكم يختبركم ليرى طاعتكم وهو أعلم بنهر، وهو نهر بين الاردن وفلسطين عذب.

فكان الذين قنعوا بالغرفة الواحدة ثلثمائة وثلاثة عشر وكفت كلّ واحد منهم غرفته لشربه وحمله ودوابه، والذين خالفوا وشربوا اسودّت شفاههم وغلبهم العطش وجبنوا عن لقاء العدوّ ووقفوا(2) على شطّ النهر ولم يدركوا الفتح

____________

(1) ع. ض: اشمويل.

(2) ض. ط: ورجعوا.


الصفحة 156
وانصرفوا عن طالوت.

وحضر داود (عليه السلام) وقال: أنا أقتل جالوت، وكان الامر كذلك فانّه رماه بحجر فقتله.

أقول:

أليس من العجب أنّ قوماً قد خرجوا بعد أن شاهدوا تابوت النصر وقد عزموا على الجهاد والحرب والصبر وانحلّ ذلك العزم بالشربة إلى زيادة على غرفة من الماء ولم يكن لهم أسوة بسلطانهم ولا قوة بآية حمل التابوت ملائكة(1) السماء، وقد كانت الجاهلية والذين يحاربون(2) من الكفار ما عندهم تصديق بدار القرار ولا عذاب النار وإنّما يطلبون مجرد الحياة الفانية وهم يخاطرون بأنفسهم ورؤوسهم لاجل ذكر جميل أو مال أو هيئة(3)، فيا عجباه لمن يدّعي أنّه على تحقيق ويقين ويضعف عن ضال معوّل على ظنّ ضعيف وتخمين.

[3] فصل:

فيما نذكره من الوجهة الثانية من القائمة الخامسة من الكراس السادس عشر من أصل المجلّد الاول أيضاً من الجزء الثالث من التبيان بلفظه:

قوله: (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكَانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً)(4).

____________

(1) حاشية ع: بملائكة.

(2) حاشية ع: يحاربونهم.

(3) حاشية ع: وآمال واهية.

(4) النساء: 4 / 39.


الصفحة 157
آية واحدة بلا خلاف، معنى قوله: (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ) الاية: الاحتجاج على المتخلّفين عن الايمان بالله واليوم الاخر بما عليهم فيه ولهم، وذلك أنّه يجب على الانسان أن يحاسب نفسه فيما عليه وله، فإذا ظهر له ما عليه في فعل المعصية من استحقاق العقاب اجتنبها وماله في تركها من استحقاق الثواب عمل في ذلك من الاختيار له والانصراف عنه، وفي ذلك دلالة على بطلان قول المجبّرة في أنّ الكافر لا يقدر على الايمان، لانّ الاية نزلت على أنّه لا عذر للكفار في ترك الايمان، ولو كانوا غير قادرين لكان فيه أوضح العذر لهم ولَما جاز أن يقال: (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ)، لانّهم لا يقدرون عليه، كما لا يجوز أن يقال لاهل النار: ماذا عليهم لو خرجوا منها إلى الجنة من حيث لا يقدرون عليه ولا يجدون السبيل إليه، وكذلك(1) لا يجوز أن يقال للعاجز: ماذا عليه لو كان صحيحاً، ولا للفقير: ماذا عليه أن يكون(2)غنياً(3).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

إنّ من العجب أن يكون الكفّار يصدّقون بما يسمعون(4) من

____________

(1) في حاشية ع، والمصدر: ولذلك.

(2) في حاشية ع، والمصدر: لو كان.

(3) التبيان: 3 / 198 ـ 199.

(4) حاشية ع: يسمعونه.


الصفحة 158
أخبار البلاد ولو كان المخبر بها من الاحاد ويصدّقون مَن يخبرهم بخوف ضرر عليهم من أضعف الظنون ويتحرّزون من ذلك ويتحفظون ويصدّقون الكَهنَة والقافة وأصحاب الزجر والفال ويرجعون إلى قولهم في مهمّات الاحوال، ويكون محمد صلوات الله عليه وآله والانبياء (عليهم السلام) في الدلالة على مخرجهم من العدم إلى الوجود ومن يرون(1) تصرفه جلّ جلاله فيهم باهراً ظاهراً بالحياة والموت والشباب والهرم والصحة والسقم والغنى والفقر والنوم واليقظة وكلّما يعجزون عن دفعه عنهم ويعلمون ضرورة أنّه ما هو منهم فلا يلتفتون إلى قول محمد صلوات الله عليه وآله وسائر الانبياء (عليهم السلام) وشواهد تصديقهم حاضرة فيهم من العقول والاحلام، ويحذرهم محمد (صلى الله عليه وآله)مما لا طاقة لهم بأهواله ولا صبر على احتماله من العذاب الدائم في النيران ومن أعظم الهوان(2) فلا يأخذون بالجزم والاستظهار، وقد تحرّزوا ممّا هو دونه من الاخطار ودون صدقه (عليه السلام) من أهل الاحبار، وكيف صار عندهم دون كاهن ضعيف وقايف سخيف وراجز بالاوهام وصاحب فال ومنام؟!

أقول:

وكم قد دخلوا فيما يغلب ظنّهم بضرره(3) أو يعلمون بخطره لاجل بعض الشهوات وأقدموا على قتل أنفسهم في الحروب لاجل

____________

(1) حاشية ع: مرور.

(2) ع: الاهوان.

(3) ع. ض: تقرره، ط: بغرره، والمثبت من حاشية ع.


الصفحة 159
ثناء يكون بعد الممات، فهلا كان الكفّ عن محاربة محمد (صلى الله عليه وآله)وعداوته كبعض ما دخلوا فيه لوعوده العاجلة والاجلة برسالته؟! وما كان قد جاءهم بالجنود والعساكر في مبدأ أمره حتّى تنفر النفوس من اصطلامه وقهره، وإنّما جاء وحيداً فريداً(1) باللطف والعطف وحسن التوصل والكشف، فهلاّ تبعوه أو تركوه فلا يؤذوه؟!

[4] فصل:

فيما نذكره من الوجهة الثانية من القائمة الثانية من الكراس الحادي والعشرين من أصل المجلّد الاول من التبيان، قوله: (يا أَيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)(2)، فذكر جدّي أبو جعفر الطوسي (رحمه الله):

عن الباقر والصادق صلوات الله عليهما: «إنّ الله تعالى لمّا أوحى إلى النبي (عليه السلام) أن يستخلف علياً كان يخاف أن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه قال الله بعده الاية(3) تشجيعاً له على القيام بما أمره بأدائه»(4).

يقول عليّ بن طاووس:

وقد رويت ذلك أيضاً من طرق الجمهور في كتاب الطرائف(5)،

____________

(1) في ض بدلاً من: فريداً، جاء: وبدأ.

(2) المائدة: 5 / 67.

(3) في حاشية ع، والمصدر: فأنزل الله تعالى هذه الاية.

(4) التبيان: 3 / 588.

(5) الطرائف: 139 حديث الغدير.


الصفحة 160
والجزء الاول من كتاب الاقبال(1)، فمن أراد الوقوف على ما حرّرناه وذكرناه فلينظره من حيث دللنا عليه.

واعلم:

أنّ كلّ قول يقال فيها غير هذا المعنى المشار إليه فهو بعيد مما يدل العقل عليه، لانّ هذه الاية يقتضي ظاهرها أنّ الذي أمر الله جلّ جلاله النبي صلوات الله عليه وآله كالرسالة على السواء، وأنّه إن لم يبلّغه فما كان صنع شيئاً ولا قام بالرسالة عن مالك الارض والسماء، فهو شاهد أنّ الامر الذي يُراد منه يجري مجرى نفسه الشريفة الذي لا عوض عنه، وهذه صفة مَن يكون قائماً مقامه في العباد والبلاد وحافظاً لكلّ ما دعى إليه ودلّ عليه إلى يوم المعاد.

وذكرنا في كتاب الاقبال(2) أنّه راجع الله جلّ جلاله في تأخير خلافة عليّ (عليه السلام) والنصّ عليه كما راجع موسى (عليه السلام) في النبوة وهي أعظم من الامامة وقال: (إنِّي قَتَلتُ منهم نَفْساً فَأخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ)(3)، وكان عليّ (عليه السلام) قد قتل نفوساً كثيرة، فإذا كان بقتل نفس واحدة يجوز المراجعة في تبليغ النبوات فهو عدم(4) فيما تضمّنته هذه الاية من تعظيم النصّ وضمان السلامة من المخافات.

وأشرنا إلى الكتب المجلّدات وكثير من الروايات في

____________

(1) الاقبال: 2 / 240 الفصل الثالث من الباب الخامس.

(2) الاقبال: 2 / 241 ـ 245.

(3) القصص: 28 / 33.

(4) حاشية ع: عذر.


الصفحة 161
الطرائف(1)من طرق المخالف بالنص الصريح على مولانا علي بن أبي طالب صلوات الله عليه يوم الغدير وما جرى من النفور.

وقد تضمّن كتاب المعرفة(2) لابراهيم بن محمد بن إسحاق الثقفي شرحاً واضحاً لتلك الامور، وكيف وقع معاقدة جماعة على التنفير بناقة النبي صلوات الله عليه وآله بعد نصّه على مولانا عليّ سلام الله عليه ليقتل قبل وصوله المدينة الشريفة، وشرحتُ ذلك شرحاً بالطرق المحقّقة المنيفة.

أقول:

ويحسن أن نذكرها هنا بعض الروايات بتأويل قوله جلّ جلاله: (يَا أَيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)(3):

فمن ذلك من الخزانة الحافظية من الجزء الاول فيما نزل من القرآن في رسول الله صلوات الله عليه وآله وعليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) ما هذا لفظه:

محمد بن إسحاق بن إبراهيم البغدادي، قال: حدثنا أحمد ابن القاسم، قال: حدثنا يعقوب، عن الحكم بن سليمان، عن يحيى بن يعلى، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم الشيباني قال:

سمعت عبدالله بن العباس يقول: لمّا أمر الله

____________

(1) الطرائف: 139 حديث الغدير.

(2) وعنه في تقريب المعارف لابي الصلاح الحلبي: 313 ـ 314.

(3) المائدة: 5 / 67.


الصفحة 162
نبيه صلى الله عليه وسلّم بأن يقوم بغدير خم فيقول في عليّ ما قال، قال: «أي ربّ إنّ قريشاً حديثوا عهد بالجاهلية ومتى أفعل هذا يقولوا فعل بابن عمه كذا وكذا».

فلمّا قضى حجّه رجع إليه جبرائيل (عليه السلام) فقال: (يَا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصمُكَ مِنَ النَّاسِ)(1).

فقام رسول الله أخذ بيد عليّ فقال: «مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه اللهم وال مَن والاه وعاد من عاداه».

وجاء هذا الخبر من طرق كثيرة.

هذا آخر لفظه من أصله.

ومن ذلك ما رواه أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الفقيه القزويني في كتابه كتاب التفسير:

قال: حدثنا علي بن سهل(2)، قال: حدثنا أحمد بن محمد الكوفي وأجاز إلى أحمد بن محمد فيما كتب إليّ، حدثنا أحمد بن محمد العلقمي، قال: حدثنا كثير بن عباس(3)، عن زياد بن المنذر، عن محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام): «قوله عزّوجلّ: (يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ

____________

(1) المائدة: 5 / 67.

(2) حاشية ع: عليّ بن أبي سهل.

(3) ط: عيّاش.


الصفحة 163
إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)(1) الاية، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى لمّا أنزل: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(2) في ولاية عليّ بن أبي طالب، أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقوم فينادي بذلك في ولاية عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)وكان الناس فيهم بعد ما فيهم.

فضاق برسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك ذرعاً واشتدّ عليه أن يقوم بذلك كراهية فساد قلوبهم.

فأنزل الله جلّ جلاله: (يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ)(3).

فلمّا نزلت هذه الاية قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ وذلك بغدير خم ـ فقال: «يا أيّها الناس إنّ الله أمرني بالوصف»(4).

فقالوا: سمعنا وأطعنا.

فقال: «اللهم اشهد»، ثمّ قال: «إنّ الامّة لا تحلّ ولا تحرّم، لا تحلّ شيئاً ولا تحرّم شيئاً، ألا كلّ مسكر حرام، ألا ما

____________

(1) المائدة: 5 / 67.

(2) المائدة: 5 / 55.

(3) المائدة: 5 / 67.

(4) حاشية ع: بالوضوء.


الصفحة 164
أسكر كثيره فقليله وكثيره حرام، أسمعتم؟».

قالوا: سمعنا وأطعنا.

قال: «أيّها الناس مَن أولى الناس بكم؟».

قالوا: الله ورسوله.

قال: «يا علي قم»، فقام عليّ (عليه السلام)، فقال: «مَن كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال مَن والاه وعاد مَن عاداه، أسمعتم؟».

قالوا: نعم سمعنا وأطعنا.

قال: «فليبلّغ الشاهد الغائب» الخبر.

ومن ذلك أبو العباس بن عقدة ـ وقد زكّاه الخطيب في تاريخ بغداد(1) ـ في كتاب تفسيره في سورة المائدة برجاله وأسانيد جماعة:

أنّه لمّا نزلت هذه الاية (إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(2) شقّ ذلك على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأهل بيته وخشي أن تكذبه قريش، فأنزل الله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)(3) الاية، فقام بذلك في غدير خم.

____________

(1) ووضع له ترجمة مفصّلة، تاريخ بغداد 5 / 14 ـ 23.

(2) المائدة: 5 / 55.

(3) المائدة: 5 / 67.


الصفحة 165
ورواه من طريق آخر فزاد فيه:

فلمّا شرط العصمة أخذ بيد علي فقال: «من كنت مولاه فعليٌ مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه».

ومن ذلك ما رواه مسعود بن ناصر السجستاني في كتاب الدراية باسناده إلى ابن عباس، بنحو ما قدّمناه.

ولو ذكرنا كلّما وقفنا عليه طال على مَن يريد إقصاه.

وقد رواه محمد بن العباس بن مروان من أحد وثلاثين طريقاً.

[5] فصل:

فيما نذكره من الجزء الخامس من التبيان، من الكراس الثلاثين من أصل المجلّد من الوجهة الثانية من القائمة السابعة، سورة براءة، ذكر (رحمه الله) فيما ذكره عن المبرد:

أنّ سبب ترك (بِسْم اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم) من أول هذه السورة لانّها نزلت برفع الامان(1).

واعلم:

أنّ هذا القول إن كان يستند إلى حجّة أو رواية يعمل عليها في تفسير القرآن يوجب الاعتماد عليها، وإن كان لمجرد الاستحسان فانه قد قال الله تعالى جلّ جلاله: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)(2)، (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة)(3)، ولم يسقط من أولهما: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم).

____________

(1) التبيان: 5 / 167.

(2) المطففين: 83 / 1.

(3) الهمزة: 104 / 1.


الصفحة 166
وإن يمكن أن يقال: إنّه لمّا علم(1) الله جلّ جلاله أنّ المسلمين يختلفون في البسملة هل هي آية من كلّ سورة أو أنّها زائدة في كتابه المجيد، فأسقط جلّ جلاله التسمية من سورة براءة ليدلّ على أنّه لو كان ذكر (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم) من غير القرآن لاجل افتتاح السور كان قد كتبت في براءة، فلمّا كان وجود المصحف الشريف قد تضمّن إثبات البسملة في كلّ سورة وأسقط من براءة كان ذلك دالاً أو منبّهاً على أنّ البسملة آية من كلّ سورة كتبت في أوّلها، ثمّ ولو كان إثباتها زيادة كان يتهيّأ أن يسقطها أحد من العلماء في مصحف قديماً أو حديثاً ولا يجعل مع القرآن آيات ليست منه كما ادّعاه الجاهلون بفضلها ومحلّها.

ورويت حديث براءة وولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)بها عن محمد بن العباس بن مروان بأسانيد في كتابه من مائة وعشرين طريقاً.

[6] فصل:

فيما نذكره من المجلّد الثاني من التبيان، من الوجهة الثانية من القائمة الثالثة من أول كراس من الجزء الاول، قوله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ عَلى بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ)(2)، فذكر جدّي الطوسي (رحمه الله):

إنّ بعض المفسرين قال: الشاهد منه جبرئيل، وقال آخر: الشاهد منه لسان النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وقال آخر: الانجيل، وربما

____________

(1) ع. ض: وإنما إن كان يمكن أن لما علم، والمثبت من حاشية ع.

(2) هود: 11 / 17.


الصفحة 167
قيل: القرآن(1).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

إنّ كلّ ما وجدته قد حكاه عنهم بعيد من مفهوم الاية:

أمّا مَن قال جبرئيل (عليه السلام)، فإنّ جبرئيل ما كان يتلوه (عليه السلام)، بل كان قبل النبي (عليه السلام)ولم يكن منه.

وأمّا مَن قال لسانه، فبعيد، لانّ لفظ يتلوه ما كان يقتضيه.

وأمّا مَن قال الانجيل، فالذي يتلو يكون بعده والانجيل قبله، والقرآن فليس هو منه صلوات الله عليه وآله.

وإنّما روينا من عدّة جهات عن الثقات، ومنها من طريق الجمهور عن الثعلبي في تفسيره(2) وعن الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب(3):

أنّ الشاهد منه هو عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

وينبّه على صحّة هذا الحال قوله تعالى: (يَتْلُوهُ)، وهو أوّل ذَكر تبعه على تصديق الرسالة فكان تالياً له (عليهما السلام)، وهو أخوه يوم المؤاخاة والاخ كالتالي لاخيه، وهو بمنزلة هارون من موسى (عليهما السلام) وكان هارون تالياً لموسى وهو يتلوه بعد وفاته في حفظ شريعته وإظهار آياته

____________

(1) التبيان: 5 / 460 ـ 461.

(2) المسمّى: الكشف والبيان في تفسير القرآن، وهو مخطوط.

وعنه في تذكرة الخواص: 16.

(3) المناقب: 270 حديث 318.