وأمّا كونه منه، فانّ الروايات متظاهرات، ذكرنا بعضها في الطرائف(1) أنّه قال (عليه السلام): «عليّ منّي وأنا منه» وأنّهما من نور واحد، ويوم سورة براءة أنّ الله تعالى أوحى إليه: «لا يؤدّيها عنك إلاّ أنت أو رجل منك» ورويناه عن أحمد بن حنبل(2) وغيره.
وروى ابن المغازلي في تفسير قوله تعالى: (أفَمَنْ كَانَ على بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ)(3) قال:
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بّينة من ربّه، وعليّ (عليه السلام)الشاهد منه(4).
ورويناه أيضاً عن المحدّث بالمستنصرية ابن النجار(5) بإسناده إلى ابن مردويه، بإسناده إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث الثالث والعشرين من خطي:
أنّ الشاهد منه عليّ (عليه السلام).
____________
(1) الطرائف: 65.
(2) راجع: مسند أحمد 4 / 164 و 165.
وراجع أيضاً: الفردوس 2 / 191 رقم 2952، وسنن الترمذي 5 / 30 رقم 3803، وسنن ابن ماجة 1 / 44 رقم 119.
(3) هود: 11 / 17.
(4) المناقب: 270 حديث 318.
(5) ع. ض. ط: عن المتخدم بالمنتصرية أبي النجار، والمثبت من حاشية ع.
وهو محمد بن محمود ابن النجار، المتوفى سنة 643، من مشايخ ابن طاووس، صاحب كتاب: ذيل تاريخ بغداد.
أنّ الشاهد منه في الرواية عن محمد بن عليّ بن الحسين (عليهم السلام) وعن الرماني هو عليّ ابن أبي طالب، وذكره الطبري بإسناده عن جابر مسنداً(1).
أقول:
ومَن وقف على ما نقله أهل الصدق وجد مولانا(2) عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ما زال شاهداً لمحمد (صلى الله عليه وآله) فعلاً وقولاً من البداية إلى النهاية ولم يختلف حاله(3) إلى آخر الغاية.
وقد روى أنّ المقصود بقوله جل جلاله: (وَشَاهِدٌ مِنْهُ)هو(4)علي بن أبي طالب (عليه السلام)، محمدُ بن العباس بن مروان في كتابه من ستة وستين طريقاً بأسانيدها.
[7] فصل:
فيما نذكره من الوجهة الاولة من القائمة السادسة من الجزء الثاني من الكراس الثامن من أصل المجلد الثاني من كتاب التبيان، قوله جلّ جلاله: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(5). فقال جدّي أبو جعفر الطوسي (رحمه الله):
____________
(1) التبيان: 5 / 460 ـ 461.
وراجع جامع البيان في تفسير القرآن للطبري: 12 / 11.
(2) ع. ض. ط: هو، بدلاً من: وجد مولانا، والمثبت من حاشية ع.
(3) ع. ض. ط: آخره، والمثبت من حاشية ع.
(4) حاشية ع: أنّه.
(5) الكهف: 18 / 28.
صبر واجب مفروض، وهو ما كان على أداء الواجبات التي تشق على النفس ويحتاج إلى التكليف.
والثاني: ما هو مندوب، فان الصبر عليه مندوب إليه.
والثالث: مباح جائز، وهو الصبر على المباحات التي ليست بطاعة الله(1).
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
اعلم:
أنّ ظاهر هذه الاية يقتضي تعظيم الدعاء لله بالغداة والعشيّ، وتعظيم الّذين يعملون ذلك خالصاً لوجه الله جلّ جلاله، فإنّ مقام الرسالة من أبلغ غايات الجلالة، فإذا أمر الله جلّ جلاله رسوله وهو السلطان الاعظم صلوات الله عليه وآله أن يصبر نفسه الشريفة المشغولة بالله مع الدُعاة بالعَشِيّ والغَداة، وصار المتبوع المقتدى به صلوات الله عليه وآله كالتابع والجليس والملازم لها ولاءً بطريق ما خصّهم به من إخلاص الدعاء في الصباح والمساء، فقد بالغ جل جلاله في تعظيم هذا المقام بما يقصر عن شرحه لسان الاقلام والافهام.
أقول:
____________
(1) التبيان: 7 / 35.
فإذا كان الصبر كما فسّره أنّه على ما يشقّ، فأيّ مشقّة في المباح حتّى يدخل تحت لفظ الصبر عليه؟ وكيف يكون كما ذكره غير طاعة ويشتمله أمر الشرع بالصبر عليه؟ وهل إذا اشتمل عليه حكم الشرع يبقى له حكم الاطاعة إمّا واجباً أو ندباً؟
وقد كنتُ ذكرتُ في عدّة مواضع من تصانيفي: أنّ هذا القسم الذي ذكر كثير من المسلمين(1) أنّه مباح للمكلّفين وخال من أدب الله عليه وحقّ نعمه لله فيه وتدبير لله في بعض معانيه، أنّني ما وجدتُ هذا القسم بالكلّية للعقلاء المكلّفين بالتكاليف العقلية والشرعية، وإنّما يصحّ وجوده لمن هو غير مكلّف من البشر ومن الدوابّ، وربّما لا يتوجّه إليهم أيضاً تحقيق الاباحة في الخطاب، بل يكون لفظ الاباحة لغير العقلاء المكلّفين مجازاً، لانّهم غير مخاطبين، وإلاّ فجميع ما جعل الله جلّ جلاله لعباده ذوي الالباب عليه شيء من الاوامر والاداب، وهو يخرجه عن حدّ المباح العاري من الخطاب المطلق الّذي لا يقيّد بشيء من الاسباب، لانّ الله جلّ جلاله حاضر مع العبد في كلّما يتقلّب فيه ومطّلع عليه، والعبد لا يخلو أبداً أنّه بين يديّ مولاه ومحتاج إلى الادب بين يديه، فأين الفرار من المطّلع على الاسرار حتّى يصير العبد المكلّف مستمراً يتصرّف تصرّف الحمار؟!.
[8] فصل:
فيما نذكره من الجزء الثالث من التبيان، من الوجهة
____________
(1) حاشية ع: المتكلّمين.
(وَأوْحَيْنَا إلَى أُمّ مُوسَى) أي: ألهمناها وقذفنا في قلبها، وليس بوحي نبوة(2) في قول قتادة وغيره، وقال الجبائي: كان الوحي منام(3) عبّر عنه مَن يثق(4) به من علماء بني إسرائيل.
وقوله: (أنْ أَرْضِعِيه) أي: ألهمناها إرضاع موسى.
(فَإذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَألْقِيهِ فِي اْليَمِّ) فالخوف: توقّع ضرر لا يؤمن منه.
وقال الزجّاج: معنى (أوْحَيْنَا إلَى أُمِّ مُوسَى)أعلمناها، وقوله: (فَألْقِيهِ فِي الْيَمِّ) أمر من الله تعالى لاُمّ موسى أنّها إذا خافت على موسى من فرعون أن ترضعه وتطرحه في اليم، واليّم: البحر، يعني به: النيل.
(وَلا تَخَافِي وَلاَ تحْزَنِي) نهي من الله لها عن الخوف
____________
(1) القصص: 28 / 7.
(2) في المصدر: وليس بوحي نوم ولا نبوة.
(3) في المصدر. وحاشية ع: رؤيا منام.
(4) في المصدر: مؤمن، بدلاً عن: من يثق.
ووعدها أنّه يردّه عليها بقوله: (إنَّا رَادُّوهُ إلَيْكِ)، ووعدها أيضاً أن يجعله من جملة الانبياء المرسلين بقوله: (وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)(2).
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
واعلم:
أنّ من أسرار الله جلّ جلاله في هذه الاية أنّه أرانا جلّ جلاله أنّه قوّى قلب امرأة ضعيفة وهي أمّ شفيقة وليس لها إلاّ هذا الولد الواحد على أنّه تلقي ما هو أعزّ عندها من مهجتها في البحر، ووثّقها من وعده الشريف حتّى سمعت(3) وبذلت قطعة كبدها وسويداء قلبها وروح روحها في هول البحر العنيف.
وأرانا جلّ جلاله أنّ يعقوب يكون له اثنا عشر إبناً ذكراً ففقد واحداً منهم وهو أصغرهم، وقد كان عنده علم من سلامته ونبوته(4)، يقول(5) يعقوب: (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)(6)، فجرى
____________
(1) في المصدر: أراد أن يزيل.
(2) التبيان: 8 / 131 ـ 132.
(3) حاشية ع: سمحت.
(4) ع: وثبوته.
(5) ض: بقول.
(6) يوسف: 12 / 86.
فينبغي أن لا ييأس الضعيف من فضل الله البرّ اللطيف إذا أري(2)القويّ وعاجزاً عن حال من الاحوال، أنّ الله تعالى يعطي الضعيف من القوة ما لا يعطي أهل المقامات العاليات في الاعمال.
وهذه المرأة المعظّمة أمّ موسى حجّة على مَن كلّف بمثل تكليفها أو دونه وأظهر العجز عنه، وحجّة على مَن وعده الله جلّ جلاله بوعود فلم يثق بها ولم يفعل كما فعلت أمّ موسى في الثقة بالوعد لها أنّه يعيد ولدها إليها، وفيه توبيخ وتعنيف أن يكون الرجال القوّامون على النساء دون امرأة ذات برقع وخمار في طاعة سلطان الارض والسماء.
[9] فصل:
فيما نذكره من الجزء الرابع من الوجهة الاولة من القائمة الثالثة من الكراس الثالث والعشرين من المجلّد الثاني منه، قوله جلّ جلاله: (وَقَالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هَذا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُل مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم أهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْض دَرَجَات لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ)(3)، ذكر جدّي الطوسي (رحمه الله):
____________
(1) حاشية ع: لاولي.
(2) حاشية ع: رأى.
(3) الزخرف: 43 / 31 ـ 32.
وإنّما قالوا ذلك لانّ الرجلين كانا عظيمي قومهما وذوي الاموال الجسيمة فيهما، فدخلت الشبهة عليهم واعتقدوا أنّ كلّ مَن كان كذلك كان أولى بالنبوة، وهذا غلط، لانّ الله تعالى يقسم الرحمة بالنبوة بين الخلق كما قسم الرزق في المعيشة على حسب ما يعلم من مصالح عباده، فليس لاحد أن يتحكم(6) في شيء من ذلك، فقال تعالى على وجه
____________
(1) في المصدر: ويعنون بالرجل العظيم من أحد القريتين في قول ابن عباس.
(2) في المصدر: أو حبيب بن عمرو بن عمير من الطائف وهو الثقفي.
(3) ط: عتبة.
(4) في المصدر: يريدون.
(5) من قوله: عروة، إلى هنا، لم يرد في ع. ض. ط، وأثبتناه من حاشية ع والمصدر.
(6) ع. ض. ط: يحلم، والمثبت من حاشية ع. والمصدر.
يقول عليّ بن طاووس:
لو كان التعظيم بكثرة الاموال كانت أموال المعادن في خزائن الملوك المذخورة فيها أصول الاموال أحقّ بالتعظيم من الرجال، ولو كان التعظيم لاجل أنّهم خزّان لها لكان كلّ خازن للذهب أعظم من سلطانه، وإن كان لاجل أنّهم يخرجونها في مراد من وَهَبها(4) فكان ينبغي أن يكون هذان العظيمان عندهم من أحقر من البسها(5)، لانّهم يعلمون أنّهما خرجا إلى الدنيا من بطون الامّهات فقراء إلى أبعد الغايات وجاءت هذه الاموال إليهم بعد تلك الحال، وما عرفنا أنّهم قضوا حتّى مَن أوصلها إليهم على اعتقادنا ولا على اعتقادهم، ولا جعلوا بها(6) صفات الكمال، بل أنفقوها في خراب العقول والالباب وفيما لا يقع بمثله كثير من الدواب، بعبادة الاحجار والاخشاب،
____________
(1) الزخرف: 43 / 32.
(2) في حاشية ع: أي ليس لهم ذلك بل ذلك إليه تعالى.
(3) التبيان: 9 / 195 ـ 196.
(4) ض: ذهبها.
(5) ع: اكبسها.
(6) ع: وإلاّ جعلوا بها، ض: ولا جعلوا أنها، ط: ولا حصلوا انها.
أقول:
ومَن لا يحسن أن يرعى نفسه في تدبيرها ونفعها ولا يفرق بين رفعها ووضعها، كيف دخلت الشبهة على مَن ينظر بالتحقيق إليه أنّه يصلح أن يكون رئيساً ورسولاً إلى جميع الخلائق ويكونون رعية بين يديه؟! ولو نظروا إلى نظر الله جلّ جلاله إلى أحد من المعرضين عنه لرأوه أقبح من جيفة(1) الميّت ونفروا منه ووجدوه كلّه عيباً وحقيراً وصغيراً وأعرضوا عنه.
أقول:
وأمّا التعظيم بعد الاسلام بمجرد حصول الاموال فهو أعجب من غلط الكفّار وأقبح في المحال(2)، لانّ كلّما في الوجود لمالك الرحمة والجود، وكل من أخذ من مولاه شيئاً وأنفقه في غير رضاه فهو كالسارق والسالب وأحقّ بالذم والمعايب، ولانّ مَن رجّح حجراً على خالقه وتعرّض لمغالية سالكه وقاهره الّذي هو محتاج إليه في أوّل أمره وأوسط وآخره وباطنه وظاهره كيف يكون ممدوحاً؟ بل كيف يكون سليماً؟ وهل يكون إلاّ ذميماً؟! ولانّ مَن عرف إنّما الدنيا لا تبقى عليه فكيف يتركها أن يقدمها لنفسه بين يديه ويجعلها بعده لمن لا يحملها
____________
(1) لفظ: جيفة، من حاشية ع.
(2) ع: الحال.
[10] فصل:
فيما نذكره من الجزء الخامس من التبيان، من الوجهة الاولة من رابع قائمة من الكراس السابع والعشرين من أصل المجلّد الثاني، قوله جل جلاله: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إنْ زَعَمْتُمْ أنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ للهِِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أبَدَاً بِمَا قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)(5)، قال جدّي الطوسي (رحمه الله):
وفي الاية دليل على النبوة، لانّه أخبر بأنّهم لا يتمنّون الموت أبداً وما تمنّوه، فكان ذلك إخباراً بالصدق قبل كون الشيء، وذلك لا يعلمه إلاّ الله تعالى(6).
____________
(1) ع. ض: يعاجلها، ظ: يعالجها، والمثبت من حاشية ع.
(2) حاشية ع: سكران بجهالاته وهل هو إلاّ حجر.
(3) ع. ض. ط: نفاقه، والمثبت من حاشية ع.
(4) حاشية ع: وإلاّ كسد وصار كالميزاب لبعض الجدار.
(5) الجمعة: 62 / 6 ـ 7.
(6) التبيان: 10 / 7.
يقول عليّ بن طاووس:
اعلم أنّ هذه الاية من أقوى الايات الباهرات على صدق النبي (صلى الله عليه وآله)، وهي كالمباهلة الّتي جرت مع نصارى نجران وكالتحدّي بالقرآن، بل ربّما كانت أظهر في الحجّة والنكت، لانّ بعضهم عند التحدّي التجأ إلى البهت(1) وقال: لو نشاء لقلنا مثل هذا، ولم ينقل ناقل بل ما ادّعى عارف فاضل أنّهم تمنّوا الممات وباهتوه بذلك عند نزول هذه الايات(2).
وأقول:
إنّه لو انصرفت همم المسلمين والمتكلّمين إلى الاحتجاج بها على الكافرين وبآية المباهلة التي عجز الاعداء عنها باطباق سائر الناقلين، لكان ذلك أقرب مخرجاً وأوضح منهجاً وأسرع إلى فهم القلوب والالباب وأقطع لتأويل أهل الارتياب، فإنّهم كلّفوا في هذه الاية وفي آية المباهلة ذكر كلمات يسيرة ما كانت تتعذّر على مَن يريد بها مغالبة عدوّه ودفع حروب وأخطار كبيرة كثيرة، فعجزوا عنها وهربوا منها، بل كان في نفس الثقة النبوية والحجّة المحمّدية بدعواهم إلى هذا المقدار برهان باهر أنّه على أعظم يقين من حقّه القاهر وسلطانه جلّ جلاله العزيز الناصر، وربما كان الصارف عن الاحتجاج بآية المباهلة كونها كانت بأهل البيت (عليهم السلام)، لانّ كثيراً من الناس يحسدونهم ويكرهون صرف القلوب إليهم، ولقد كشف الزمخشري في كتاب
____________
(1) ع. ض: الهب، والمثبت من حاشية ع. ط.
(2) ع. ض. ط: الاية، والمثبت من حاشية ع.
[11] فصل:
فيما نذكره من المجلّد الاول من كتاب جوامع الجامع في تفسير القرآن، تأليف الشيخ أبي عليّ الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي(2) الرضوي (رحمه الله)، من الوجهة الثانية من القائمة الخامسة من الكراس العاشر منه بلفظه:
(إنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحَاً وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(3):
(آلَ إبْرَاهِيمَ): إسماعيل وإسحاق وأولادهما.
(وَآلَ عِمْرَانَ): موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر، وقيل: عيسى بن مريم بنت عمران بن ماثان، وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة.
و (ذُرِّيَّةً): بدل من (آلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ)، (بَعْضُهَا مِنْ بَعْض): يعني أنّ الالين(4) ذرّية واحدة متسلسلة بعضها من بعض(5).
____________
(1) سيأتي فيما بعد النقل عن الكشاف بعض فضائل أهل البيت (عليهم السلام)، فراجع.
(2) حاشية ع: الطبرسي المشهدي.
(3) آل عمران: 3 / 33 ـ 34.
(4) ع. ض. ط: الاولين، والمثبت من حاشية ع.
(5) حاشية ع. المصدر: بعضها متشعب من بعض.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
وجدتُ كثيراً من الاخبار ـ وقد ذكرتُ بعضها في كتاب البهجة(3) ـ متضمّنة أنّ قوله جلّ جلاله: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)(4)، أنّ المراد بهذه الايه جميع ذرّية النبي صلوات الله عليه وآله، وأنّ الظالم لنفسه هو الجاهل بإمام زمانه، والمقتصد هو العارف به، والسابق بالخيرات هو إمام الوقت أيضاً.
فممّن(5) روينا ذلك عنه الشيخ أبو جعفر بن بابويه من كتاب
____________
(1) حاشية ع. المصدر: ومَن اصطفاه الله تعالى واختاره.
(2) جوامع الجامع: 1 / 202.
(3) ب: البهجة بثمرة المهجة.
(4) فاطر: 35 / 32.
(5) ع. ض. ط: فمن، والمثبت من حاشية ع.
ولعلّ الاصطفاء للظالم لنفسه في طهارة ولادته، أو بأن جعله من ذرّية خاصّته(8)، أو غير ذلك مما يليق بلفظ اصطفائه جلّ جلاله
____________
(1) ع: الواحد.
(2) من قوله: ورويناه، إلى هنا، لم يرد في ض، وفي ب وردت زيادة: ورويناه من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري عن مولانا الحسن العسكري.
(3) ع. ب: رباح.
(4) من قوله: ورويناه من كتاب، إلى هنا، لم يرد في ط. ع، وأثبتناه من حاشية ع. ب، وبعضه من ض.
(5) ب: ورواه.
(6) تفسير العياشي ناقص، والمطبوع منه إلى الاية 105 من سورة الكهف، وجاء في المجلّد الثاني منه ص264: أنّ المقصود من قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا...) أئمّة الهدى.
(7) ع. ض. ط: الجزار، والمثبت من ب.
(8) ع. ط: خاصّة، والمثبت من ض. حاشية ع.
تأويل آخر، وسيأتي عند ذكر هذه الاية من كتاب محمد بن العباس المعروف بابن الحجام(1) من الكراس السابع.
[12] فصل:
فيما نذكره من المجلّد الثاني من كتاب جوامع الجامع، للفضل بن عليّ الطبرسي(2) (رحمه الله)، من الوجهة الاوّلة من القائمة الثانية من ثامن كراس منه، (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ اقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الاَْمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(3)، قال الطبرسي (رحمه الله):
نداء(4) الارض والسماء بما يُنادى به العقلاء مما يدلّ على كمال العزّة والاقتدار، وأنّ هذه الاجرام العظيمة منقادة لتكوينه فيما يشاء غير ممتنعة عليه كأنّها عقلاء مميّزون قد عرفوا جلالته وعظمته، فهم ينقادون له ويمتثلون أمره على الفوز من غير ريب(5).
والبلعُ: عبارة عن النشف.
____________
(1) كذا في جميع الاصول المعتمدة، وأشرنا فيما سبق إلى أنّ الصحيح: ابن الجحام.
(2) وذكره في الفصل المتقدّم باسم: أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي الرضوي.
(3) هود: 11 / 44.
(4) ع. حاشية ض. ط: نادى، والمثبت من ض. حاشية ع. المصدر.
(5) ط. حاشية ع: ريث.
(وغِيضَ الْمَاءُ): من غاضه إذا نقصه.
(وَقُضِيَ الاَْمْرُ): أنجز الموعود في إهلاك القوم.
(وَاسْتَوَتْ): استقرّت السفينة (عَلَى الجْوُدِيِّ): وهو جبل بالموصل.
(وَقِيلَ بُعْداً): يقال أبعد بُعداً وبعداً(1) إذا أرادوا البعيد من حيث الهلاك والموت ونحو ذلك، ولذلك(2) اختصّ بدعاء السوء.
ومجيء إخباره عزّ اسمه على الفعل المبني للمفعول، للدلالة على الجلال والعظمة، وأنّ تلك الامور العِظام لا تكون إلاّ بفعل قاهر قادر لا يشارك وفي أفعاله، فلا يذهب الوهم إلى أنّ غيره يقول(3): يا أرض ويا سماء وأنّ أحداً سواه يقضي ذلك الامر(4)(5).
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
اعلم أنّ في هذه الاية محتملات في العبارة العجيبة والاشارة
____________
(1) في المصدر: يقال بعد بُعداً وبعداً.
(2) ع. ض. ط: وكذلك، والمثبت من حاشية ع. المصدر.
(3) حاشية ع: إلى أنّ غيره ربّ يقول.
(4) ع. ض. ط: يقضي ذلك لذلك، والمثبت من حاشية ع. المصدر.
(5) جوامع الجامع: 1 / 691 ـ 692.
منها:
(وَقِيلَ)، ولم يقل جلّ جلاله: قلتُ وقلنا، فلعلّ المراد أنّه(1) لمّا كان هذا الامر لا يقدر عليه سواه كان لفظ قيل مثل قلتُ أو قلنا، أو لعلّ المراد تحتّم(2) الامر وتعظيم القدر على عادة الملوك في لفظ التغلّب والقهر، أو لعلّ المراد أنّه لمّا كان الحال حال انتقام كان الخبر بها بلفظ قيل أليق(3) بوصف كامل الرحمة والانعام، أو لعلّ المراد أنّ هذا مما يزيده جلّ جلاله عظمة وجلاله إذا قال: قلت، فقال جلّ جلاله: (قِيلَ) على سبيل أنّ هذا الامر كان عندنا يسيراً في المقدور، أو غير ما ذكرناه من الامور.
ومنها:
أنّ (ابْلَعِي مَاءَكِ)، وقد كان الماء بعضه من الارض وبعض من السماء، فانّه لمّا صار في الارض فقد اختصّ بها ولم يبق مضافاً إلى غيرها.
ومنها:
أنّ أمرها ببلعه ولم يذهبه جلّ جلاله بنسف الرياح ولا بقوّة(4) حرّ الشمس ونحو ذلك من غير بلع، فانّ في ذلك تهديداً لبني آدم فيما بعد أن يعرفوا أنّ الارض تبلع ما يريد الله جلّ جلاله بلعه وإتلافه وأخذه، فهي كالعبد الامور(5).
____________
(1) أنّه، من حاشية ع.
(2) حاشية ع: تفخيم.
(3) ع. ض. ط: المبني، والمثبت من حاشية ع.
(4) حاشية ع: بتوجّر.
(5) ط: الاسود.
ومنها:
أنّ إمساك السماء بالماء(1) بعد فتح أبوابه فيه برهان عظيم على أنّه جلّ جلاله قادر لذاته في الاتيان به وإذهابه.
ومنها:
أنّ لفظ (وَغِيضَ الْمَاءُ) بعد استفحاله(2) وعلوّه على كلّ عال ومنخفض بعد رحاله على وجه واحد وذهاب متعاضد من غير تدريج ولا تأخير، عظيم في كريم وصف القدرة وكمال التدريج(3).
ومنها:
(وَقُضِيَ الاَْمْرُ) وأنّ تحت هذه اللفظة اليسيرة من كيفيّة هلاكهم ومن العجائب الكثيرة ما قد امتلات الاوراق بوصفه، فأتى به جلّ جلاله بهذه اللفظة الواحدة واحتوت على كشفه.
ومنها:
استواء السفينة على الجودي، ومن عادة السفن عند الامواج أنّها لا تقف مع الاستواء، بل هي أقرب إلى الاضطراب والاعوجاج، فكان استواؤها من الايات الباهرات، حيث لم يضرها ما كانت فيه من المياه المختلفات.
ومنها:
في (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، وما فيه من تهديد لمن سلك سبيلهم في الهوي(4) بالمرسلين، وأنّهم ما كفاهم الهلاك وشدّة البوار والدمار حتّى كانوا في باطن الامر مطرودين عن باب
____________
(1) حاشية ع: للماء.
(2) ع: استعجاله.
(3) حاشية ع: وكمال التدبير.
(4) حاشية ع: التهوين.
[13] فصل:
فيما نذكره من الجزء الثالث من جوامع(3) الجوامع، للطبرسي (رحمه الله)، من أواخر الوجهة الاولة من القائمة السابعة من الكراس الحادي عشر، (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الاَْيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالاْشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أوَّابٌ)(4).
قال الطبرسي (رحمه الله) ما هذا لفظه:
(ذَا الاَْيْدِ): ذا القوّة(5) على العباد المضطلع بأعباء النبوة، وقيل: ذا القوّة على الاعداء، لانّه رميٌ بحجر(6) من مقلاعه صدر الرجل فأنفذه من ظهره فأصاب آخر فقتله، يقال(7): فـلان أيّـد وذو أيْـد وذو آد وأيـاد كـلّ شـيء مـا يتقـوّى بـه.
(إنَّهُ أَوَّابٌ): رجّاع عن كلّ ما يكره الله إلى ما يحبّ،
____________
(1) ع. ض. ط: يتبعه، والمثبت من حاشية ع.
(2) ع. ض: والمبار.
(3) ع. ض: جامع، ط: جمع، والمثبت من حاشية ع.
(4) سورة ص: 38 / 17 ـ 19.
(5) ع. ض. ط: الايد القوّة، والمثبت من حاشية ع. المصدر.
(6) ع. ض. ط: بحجرة، والمثبت من حاشية ع. المصدر.
(7) ع. ض: فقال، والمثبت من ط. المصدر.