الصفحة 247
هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)؟

فقال: «ما يقول فيها قومك يا أبا إسحاق؟» ـ يعني: أهل الكوفة ـ.

قال: قلت: فما تقول(1) أنت جعلت فداك؟

فقال: «هي لنا خاصّة يا أبا إسحاق، أمّا السابق في الخيرات فعليّ بن أبي طالب والحسن والحسين والشهيد منّا(2) والمقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل، وأمّا الظالم لنفسه ففيه جاء في التائبين(3) وهو مغفور له.

يا أبا إسحاق بنا يفكّ الله عيوبكم(4)، وبنا يحلّ الله)رباق(5) الذلّ من أعناقكم، وبنا يغفر الله ذنوبكم، وبنا يفتح الله، وبنا يختم لا بكم، ونحن كهفكم كأصحاب الكهف(6)، ونحن سفينتكم كسفينة نوح، ونحن باب حطّتكم كباب حطّة بني إسرائيل»(7).

____________

(1) ط: قال: قلت: يقولون: إنّها لهم، قال: فما يخوفهم إذا كانوا من أهل الجنة، قلت: فما تقول.

(2) في تأويل الايات: والامام منّا، وفي ب: والشهيد منّا أهل البيت وأمّا.

(3) حاشية ع. ط: ففيه ما في الناس.

(4) في تأويل الايات: رقابكم، وفي حاشية ع: غائبكم.

(5) في تأويل الايات: وثاق.

(6) في تأويل الايات: ككهف أصحاب الكهف.

(7) ونقل هذا الحديث أيضاً الاسترابادي في كتابه تأويل الايات الظاهرة: 470 ـ 471، عن كتاب محمد بن العباس بن مروان.


الصفحة 248

أقول:

وروى تأويل هذه الاية من عشرين طريقاً، وفي الروايات زيادات أو نقصان، وأحقّ الخلائق بالاستظهار في صلاح السرّ والاعلان ذريّة النبيّ وعليّ وفاطمة (عليهم السلام).

فقد رويتُ في مناظرة الرضا لزيد: أنّ البارّ المحسن من العترة له ثوابان والمسي له عقابان.

وهو موافق بحال أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) في صريح القرآن.

[30] فصل:

فيما نذكره من أواخر الوجهة الاولى من القائمة التاسعة من الكراس الثاني عشر من الجزء الثامن أيضاً من كتاب محمد ابن العباس بن مروان، في تأويل قوله تعالى: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)(1)، أنّها نزلت في مولانا عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، رواه من نحو ثلاثين طريقاً، أكثرها وأجلّها من رجال أهل الخلاف، نذكر منها طريقاً واحداً بلفظها:

حدّثنا محمّد بن جرير الطبري، قال: حدّثنا عبدالله بن أحمد المروزي، قال: حدّثنا الوخاط بن يحيى بن صالح(2)، قال: حدّثنا علي بن حوشب الفزاري، قال: حدّثنا مكحول:

في قوله تعالى: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)، قال: قال رسول

____________

(1) الحاقة: 69 / 12.

(2) كذا في ط، وفي ع. ض: الوحاط، وفي حاشية ع: الوحاطي، ولفظ: الوحاط لم يرد في كتاب تأويل الايات.


الصفحة 249
الله (صلى الله عليه وآله): «سألت الله أن يجعلها أُذن عليّ».

قال: وكان عليّ (عليه السلام) يقول: «ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله)شيئاً إلاّ حفظته ولم أنسه»(1).

[31] فصل:

فيما نذكره من الوجهة الاولى من القائمة الرابعة من الكراس السادس عشر من هذا الجزء الثامن من كتاب محمد بن العباس ابن مروان، في تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ اْلبَرِيَّةِ)(2)، وأنّها في مولانا عليّ (عليه السلام) وشيعته، رواه مصنّف الكتاب من نحو ستة وعشرين طريقاً، أكثرها برجال الجمهور(3)، ونحن نذكر منها طريقاً واحداً بلفظها:

حدّثنا أحمد بن محمد المحدود(4)، قال: حدّثنا الحسن ابن عبيد بن عبد الرحمن الكندي(5)، قال: حدّثني محمد ابن سليمان، قال: حدّثني خالد بن السيري(6) الاودي، قال: حدّثني النضر بن إلياس، قال: حدّثني عامر بن واثلة

____________

(1) ونقل هذا الحديث أيضاً الاسترابادي في كتابه تأويل الايات الظاهرة: 690 عن كتاب محمد بن العباس بن مروان.

وراجع: جامع البيان في تفسير القرآن للطبري 29 / 35.

(2) البينة: 98 / 7.

(3) ب: المخالفين.

(4) ع: المحدور.

(5) ب: عن الحسن بن عبدالله بن عبد الرحمن الكندي.

(6) ع. ب: السري.


الصفحة 250
قال:

خطينا أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر الكوفة ـ وهو أجيرات مجصّص ـ فحمد الله وأثنى عليه وذكر الله لما هو أهله وصلّى على نبيّه، ثمّ قال:

«أيّها الناس سلوني سلوني، فو الله لا تسألوني عن آية من كتاب الله إلاّ حدّثتكم عنها متى نزلت بليل أو بنهار أو في مقام أو في مسير أو في سهل أو في جبل، وفيمن نزلت أفي مؤمن أو في منافق، وما عني بها أخاصّ أم عامّ(1)، ولئن فقدتموني لا يحدّثكم أحد حديثي».

فقام إليه ابن الكواء، فلمّا بصر به قال: «متعنتاً لا تسأل تعلّماً هات سل، فإذا سألت فاعقل ما تسأل عنه».

فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول الله جلّ وعزّ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوَلئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)؟

فسكت أمير المؤمنين، فأعادها عليه ابن الكواء، فسكت، فأعادها الثالثة.

فقال عليّ (عليه السلام) ورفع صوته: «ويحك يابن الكواء أولئك نحن وأتباعنا يوم القيامة غرّاً محجّلين رواءً مرويّين يعرفون بسيماهم».

[32] فصل:

فيما نذكره من كتاب التفسير، مجلّدة واحدة قالب

____________

(1) ب: وما عني به أخاصة أم عامة.


الصفحة 251
الربع، مختصر كتاب محمد بن العباس بن مروان، ولم يذكر مَن اختصره، ونذكر منه رواية واحدة، تفسير آية من سورة الرعد، وهي من الوجهة الاولة من القائمة الثانية من الابتداء في سورة الرعد:

حدّثنا أحمد بن محمد بن موسى النوفلي وجعفر بن محمد الحسيني ومحمد بن أحمد الكاتب ومحمد بن الحسين البزاز، قال(1): حدّثنا عيسى بن مهران، قال: أخبرنا محمد ابن بكّار الهمداني، عن يوسف السراج، قال: حدّثني أبو هبيرة العماري من ولد عمّار بن ياسر، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب قال:

«لمّا نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله): (طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآب)(2) قام(3) المقداد بن الاسود الكندي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)فقال: يا رسول الله وما (طُوبَى)؟

قال: شجرة في الجنة لو سار(4) الراكب الجواد لسار في ظلها(5) مائة عام قبل أن يقطعها، ورقها برود خضر،

____________

(1) ط: قالوا.

(2) الرعد: 13 / 29.

(3) ب: أتى.

(4) حاشية ع: لو يسير.

(5) حاشية ع: طلبها.


الصفحة 252
وزهرها رياض صفر، وأفناؤها سندس واستبرق، وثمرها حلل خضر، وصمغها(1) زنجبيل وعسل، وبطحاؤها ياقوت أحمر، وزمردها أخضر(2)، وترابها مسك وعنبر، وحشيشها زعفران ينيع، والارجوان(3) يتأجّج من غير وقود ويتفجّر من أصلها السلسبيل والرحيق والمعين، وظلّها مجلس من مجالس شيعة عليّ بن أبي طالب يجمعهم(4).

فبينما هم يوماً في ظلّها يتحدّثون إذ جاءتهم الملائكة يقودون نجباً قد جبلت من الياقوت، لم ينفح فيها الروح(5)، مزمومة بسلاسل(6) من ذهب، كأنّ وجوهها المصابيح نضارة وحسناً وبرها خزّ أحمر ومرعزاً(7)

____________

(1) ب: وطعمها.

(2) ط: وزمرد أخضر.

(3) كذا في ط، وفي ع. ض: والانجوح، وفي ب: والنوم، وفي مورد آخر من ب: وألنجوح، وفي تفسير فرات: والخوخ.

(4) حاشية ع: يألفونه.

(5) ب: ثمّ نفخ الروح فيها.

(6) ع. ض: بسلاهل.

(7) حاشية ع: ومرطهاخرّ أحمر ومرعزاً، ب: وبرها حشو أحمر ومرعزّ، وفي تفسير فرات: وبرهاخزّ أحمر ومرعزيّ أبيض.


الصفحة 253
أبيضاً مختلطان لم ينظر الناظرون إلى مثلها حسناً وبهاءاً من غير مهانة تجب من غير رياضة، عليها رحال ألوآنها(1)من الدرّ والياقوت مفضّضة باللؤلؤ والمرجان صفائحها من الذهب الاحمر ملبّسة بالعبقريّ والاُرجوان.

فأناخوا تلك النجاتي(2) إليهم، ثمّ قالوا لهم: ربّكم يقرئكم السلام فتزورونه فينظر إليكم ويجيبكم(3) ويزيدكم من فضله وسعته فإنّه ذو رحمة واسعة وفضل عظيم.

قال: فيتحوّل(4) كلّ رجل منهم على راحلته، فينطلقون صفّاً واحداً معتدلاً لا يفوت منهم شيء شيئاً ولا يفوت أذن ناقة ناقتها ولا بركة ناقة بركتها، ولا يمرّون بشجرة من شجرة(5) الجنة إلاّ أتحفتهم بثمارها ورحلت لهم عن طريقهم كراهية أن تنثلم طريقهم وأن تفرّق بين الرجل ورفيقه.

فلمّا رفعوا إلى الجبّار تبارك وتعالى قالوا: ربّنا أنت السلام

____________

(1) ب: ألواحها.

(2) ب: النجائب.

(3) ع: ويحييكم، ب ويحبكم وتحبونه.

(4) ب: فيحمل.

(5) حاشية ع: أشجار.


الصفحة 254
ومنك السلام ولك يحقّ الجلال والاكرام.

قال: فقال: أنا السلام ومنّي السلام ولي يحق الجلال والاكرام، فمرحباً بعبادي الّذين حفظوا وصيّتي في أهل بيتي وراعوا حقّي وخلفوني(1) بالغيب وكانوا منّي على كلّ حال مشفقين.

قالوا: أما وعزّتك وجلالك ما قدرناك حقّ قدرك وما أدّينا إليك كلّ حقّك، فأذن لنا بالسجود.

قال لهم ربّهم عزّوجلّ: إنّي قد وضعتُ عنكم مؤونة العبادة وأرحتُ لكم أبدانكم، فطالما أنصبتم لي الابدان وعنتّم لي الوجوه، فالان أفضيتم إلى رَوحي ورحمتي، فاسألوني ما شئتم وتمنّوا عليَّ أعطكم أمانيكم، وإنّي لم أجزكم اليوم بأعمالكم ولكن برحمتي وكرامتي وطولي وعظيم شأني وبحبّكم أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله).

فلا يزالوا يا مقداد محبّي عليّ بن أبي طالب في العطايا والمواهب حتّى أن للمقصّر من شيعته ليتمنّى في أمنيته مثل جميع الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم القيامة.

قال لهم ربّهم تبارك وتعالى: لقد قصّرتم في أمانيّكم ورضيتم بدون ما يحقّ لكم، فانظروا إلى مواهب ربّكم:

فإذا بقباب وقصور في أعلا علّيّين من الياقوت الاحمر

____________

(1) ب: وخافوني.


الصفحة 255
والاخضر والابيض والاصفر يزهر نورها، فلو لا أنّه مسخر مسجد إذاً للمعت الابصار منها، فما كان من تلك القصور من الياقوت الاحمر(1) مفروش بالسندس الاخضر، وما كان منها من الياقوت الابيض فهو مفروش بالرباط الصفر، مبثوثة بالزبرجد(2) الاخضر والفضّة البيضاء والذهب الاحمر، قواعدها وأركانها من الجوهر، ينور من أبوابها وأعراضها نور شعاع الشمس عنده مثل الكواكب الدريّ في النهار المضي، وإذا على باب كلّ قصر من تلك القصور جنّتان مدهامّتان فيهما من كلّ فاكهة زوجان(3).

فلمّا أرادوا الانصراف إلى منازلهم حوِّلوا على براذين من نور بأيدي ولدان مخلّدين بيد كلّ وليد منهم حكمة برذون من تلك البراذين، لجمها وأعنّتها من الفضّة البيضاء وأثفارها من الجوهر، فإذا دخلوا منازلهم وجدو الملائكة يهنّئونهم بكرامة ربّهم.

حتّى إذا استقرّوا قرارهم قيل لهم: هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّاً؟

قالوا: نعم، ربّنا رضينا فارض عنّا.

____________

(1) الاحمر، لم يرد في ع. ض.

(2) حاشية ع: بالزمرد.

(3) حاشية ع: فيهما عينان نضّاحتان فيهما من كلّ فاكهة زوجان.


الصفحة 256
قال: برضاي عنكم وبحبّكم أهل بيت نبيّي حللتم داري وصافحتم الملائكة، فهنيئاً هنيئاً عطاءاً غير مجذوذ ليس فيه تنغيص.

فعندها قالوا: الحمد لله الّذي أذهب عنّا الحزن وأدخلنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصب ولا يمسّنا فيها لَغوب إنّ ربّنا لغفور شكور».

قال لنا أبو محمد النوفلي أحمد بن محمد بن موسى، قال لنا عيسى بن مهران: قرأت هذا الحديث يوماً على قوم من أصحاب الحديث، فقلتُ أبرأ إليكم من عهدة الحديث، فان يوسف السراج لا أعرفه.

فلمّا كان من الليل رأيت في منامي كأنّ إنساناً جاءني ومعه كتاب وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من مخول(1) بن إبراهيم وحسن بن الحسين ويحيى بن الحسن بن فرات(2)وعليّ بن القاسم الكندي، من تحت شجرة طوبى، وقد أنجز لنا ربّنا ما وعدنا ربّنا، فاحتفظ بما في يديك من هذه الاية(3)، فانّك لم تقرأ منها كتاباً إلاّ أشرقت له الجنّة(4).

____________

(1) ع: مجود، ض. ط: محمود، والمثبت من ب.

(2) ع. ض: القرار، والمثبت من ب. حاشية ع.

(3) حاشية ع. ب: الكتب، بدلاً من الاية.

(4) ومثله في تفسير فرات: 211 ـ 215 رقم 287.


الصفحة 257

[33] فصل:

فيما نذكره من الجزء الاول من ذكر ما نزل من القرآن في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي عليّ وأهل البيت(عليهم السلام)(1) وفي شيعتهم وتأويل ذلك وفي آخر قائمة من المجلّدة: قرئ(2) في العشر الاول من المحرم سنة ستّ وأربعمائة، بخط جيّد وكاغذ عتيق كأنّه رقّ أو خراساني، لم يذكر اسم مصنّفه، قالبه أكبر من الربع ودون النصف، من الوجهة الاولى من القائمة السابعة والثلاثين بلفظه:

(وَكَأيِّنْ مِنْ نَبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ)(3) الاية محمّد بن عمير، قال: حدّثنا محمد بن جعفر، قال: حدّثنا سويد بن سعيد، قال: حدَّثنا عقيل بن أحمد، قال: حدّثنا أبو عمرو(4) بن العلاء، عن الشعبي قال:

انصرف عليّ بن أبي طالب من وقعة أحد وبه ثمانون جراحة تدخل فيها الفتائل، فدخل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو على نطع، فلمّا رآه بكى وقال: «إنّ رجلاً يصيبه هذا في سبيل الله لحقّ على الله أن يفعل به ويفعل».

فقال عليّ مجيباً له ـ وبكى ثانية ـ: «وأمّا أنت(5) يا رسول

____________

(1) ب: ما نزل من القرآن في أهل البيت.

(2) ع. ض. ط: أي، والمثبت من حاشية ع.

(3) آل عمران: 3 / 146.

(4) ب: أبو عمر.

(5) حاشية ع: بأبي وأمّي، بدلاً من: وأمّا أنت.


الصفحة 258
الله، الحمد لله الّذي لم يرني ولّيتُ عنك ولا فررتُ، ولكنّي كيف حرمتُ الشهادة؟».

فقال له: «إنّها من ورائك إن شاء الله تعالى».

ثمّ قال له النبي (صلى الله عليه وآله): «إنّ أبا سفيان قد أرسل يوعدنا ويقول: ما بيننا وبينكم حمر(1) الاسد».

فقال عليّ (عليه السلام): «لا، بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، لا أرجع عنهم(2) ولو حُملتُ على أيدي الرجال».

فأنزل الله عزّوجلّ: (وَكَأيِّنْ مِنْ نَبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِما أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) الاية(3).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

فهل عرفت أنّ أحداً من الحاضرين من سائر المسلمين على هذه الصفات؟ وهل كان يجوز في العقل والنقل أن يقدّم عليه من كان حاضراً في ذلك اليوم ولم ينقل عنه أنّه أصابه جراحة واحدة من الجراحات ولا جَرَحَ أحداً ولا كابد هؤلاء من أهوال تلك المقامات؟! أفيجوز أن يقاتل قوم عن نبوتهم(4) ورسالتهم ودولتهم وشريعتهم

____________

(1) ب: حمراء.

(2) حاشية ع: فقال عليّ (عليه السلام) بأبي أنت وأمّي يا رسول الله والله لا أرجع عنه.

(3) ومثله في الاختصاص: 158.

(4) ط: بنوتهم.


الصفحة 259
فإذا صفت من الاكدار والاخطار زاحمهم عليها وتقدّم عليهم فيها مَن لم يواسِهم ولم يدخل معهم في نبوتها والمدافعة عنها؟! كيف يخفى أنّ أهلها مظلومون عند أهل الاعتبار.

[34] فصل:

فيما نذكره من كتاب التفسير، مجلّد واحد(1)، تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد القزويني، نذكر منه حديثاً واحداً من تفسير سورة الكهف من الوجهة الاوّلة من القائمة الثانية من الكراس الرابعة:

بإسناده عن محمد بن أبي يعقوب(2) الجوال الدينوري، قال: حدّثني جعفر بن نصر بحمص، قال: حدّثنا عبد الرزّاق، عن معمّر، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال:

أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بساط من قرية يقال لها بهندب(3)، فقعد عليه عليّ (عليه السلام) وأبو بكر وعمر وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد.

فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا عليّ قل: يا ريح احملينا».

فقال عليّ (عليه السلام): «يا ريح احملينا»، فحملتهم حتّى أتوا أصحاب الكهف.

____________

(1) حاشية ع: مجلّدة واحدة.

(2) ب: محمد بن يعقوب.

(3) كذا في ع، وفي حاشية ع: بهندو، وفي ض: بهتدب، وفي ب: بهندن.

وفي معجم البلدان: 1 / 771، بهندف... بليدة من نواحي بغداد.


الصفحة 260
فسلّم أبو بكر وعمر فلم يردوا عليهما السلام، ثمّ قام عليّ فسلّم فردّوا عليه السلام.

فقال أبو بكر: يا عليّ ما بالهم ردّوا عليك وما ردّوا(1) علينا.

فقال لهم عليّ: «فقالوا: إنّا لا نردّ بعد الموت إلاّ على نبيّ أو وصيّ نبيّ».

ثم قال عليّ: «يا ريح احملينا»، فحملتنا، ثمّ قال: «يا ريح ضعينا»، فوضعتنا، فوكز(2) برجله الارض فتوضّأ عليّ وتوضّأنا، ثمّ قال: «يا ريح احملينا» فحملتنا.

فوافينا المدينة والنبي صلّى الله عليه وسلّم في صلاة الغداة وهو يقرأ: (أَمْ حَسِبْتَ أنَّ أصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً)(3).

فلمّا قضى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصلاة قال: «يا عليّ أتخبروني(4) عن مسيركم أم تحبّون أن أخبركم؟».

قالوا: بل تخبرنا يا رسول الله.

فقال أنس: فقصّ القصّة كأنّه معنا.

____________

(1) حاشية ع: ولم يردّوا.

(2) حاشية ع. ب: فركز.

(3) الكهف: 18 / 9.

(4) ع. ض: أخبروني، والمثبت من ط.


الصفحة 261

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

هذا الحديث رويناه من عدّة طرق مذكورات، وإنّما ذكرناه ها هنا لانّه من رجال الجمهور، وهم غير متّهمين فيما يفعلونه(1) لمولانا عليّ (عليه السلام) من الكرامات.

[35] فصل:

فيما نذكره من مجلّد آخر من جهة(2) كتاب فيه ذكر الايات الّتي نزلت في أمر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)وتفسير معانيها، مستخرجة من القرآن العظيم، وأوّله خطبة أوّلها: الحمد لله المستحقّ الحمد بالائه، ولم يذكر إسم مصنّفه، فنذكر منه حديث البساط برواية وجدناها في هذا الكتاب، فيحتمل أن يكون رواية واحدة فرواها أنس بن مالك مختصرة ورواها جابر بن عبدالله مشروحة، ويحتمل أن يكون قد كان حمل البساط لهم دفعتين روى كلّ واحد ما رآه، وهو من الوجهة الثانية من القائمة السادسة من الكرّاس السادس منه بلفظه:

حدّثنا محمّد بن أحمد، قال: حدّثنا أحمد بن الحسين، قال: حدّثنا الحسن بن دينار، عن عبدالله بن موسى، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، عن أبيه محمّد ابن عليّ، عن أبيه، عن جابر بن عبدالله الانصاري رحمة الله عليه قال:

خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً ونحن في مسجده فقال:

____________

(1) ط: ينقلونه.

(2) حاشية ع: ترجمة.


الصفحة 262
«مَن ها هنا؟».

فقلتُ: أنا يا رسول الله وسلمان الفارسي.

فقال: «يا سلمان اذهب فادع لي مولاك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)».

فقال جابر: فذهب سلمان ينتدب(1) به حتّى استخرج عليّاً من منزله.

فلمّا دنى من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قام إليه فخلا به وأطال مناجاته، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يقطر عرقاً كهيئة اللؤلؤ ويتهلّل(2)حسناً.

ثمّ انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مناجاته، فجلس فقال له: «أسمعت يا عليّ ووعيت؟».

قال: «نعم يا رسول الله».

قال جابر: ثمّ التفتَ إليّ وقال: «يا جابر أدع لي أبا بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف الزهري»، فذهبتُ مسرعاً فدعوتهم.

فلمّا حضروا قال: «يا سلمان إذهب إلى منزل أمّك أمّ سلمة وآتني ببساط الشعر الخيبري».

قال جابر: فذهب سلمان فلم يلبث أن جاء بالبساط.

فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) سلمان فبسطه ثم قال لابي بكر وعمر

____________

(1) ب: يبتدر.

(2) ض: ويتهلهل.


الصفحة 263
وعبد الرحمن: «اجلسوا كلّ واحد منكم على زاوية من البساط»، فجلسوا كما أمرهم.

ثمّ خلا رسول الله (صلى الله عليه وآله)بسلمان، فناجاه وأسرّ إليه شيئاً، ثم قال له: «اجلس في الزاوية الرابعة»، فجلس سلمان.

ثمّ أمر علياً أن يجلس في وسطه، ثم قال له: «قُل ما أمرتك، فو الّذي بعثني بالحق نبيّاً لو قلت على الجبل لسار»(1).

فحرّك عليّ (عليه السلام) شفتيه، فاختلج البساط، فمرّ بهم.

قال جابر: فسألت سلمان فقلت، أين مرّ بكم البساط؟

قال: والله ما شعرنا بشيء حتّى انقض بنا البساط في ذروة جبل شاهق وصرنا إلى باب كهف.

قال سلمان: فقمتُ وقلتُ لابي بكر: يا أبا بكر قد أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تصرخ في هذا الكهف بالفتية الّذين ذكرهم الله في محكم كتابه، فقام أبو بكر وصرخ بهم بأعلا صوته، فلم يجبه أحد.

ثم قلتُ لعمر: قُم واصرخ في هذا الكهف كما صرخ أبو بكر، فصرخ عمر فلم يجبه أحد.

ثمّ قلتُ لعبد الرحمن: قُم واصرخ كما صرخ أبو بكر وعمر، فقام وصرخ بهم فلم يجبه أحد.

____________

(1) ب: لو شئت قلت على الجبال لسار.


الصفحة 264
ثم قمتُ أنا وصرختُ بهم بأعلا صوتي فلم يجبني أحد.

ثم قلتُ لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام): قُم يا أبا الحسن واصرخ في هذا الكهف، فإنّه أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن آمرك كما أمرتهم، فقام عليّ (عليه السلام) فصاح بهم بصوت خفيّ فانفتح باب الكهف، ونظرنا إلى داخله يتوقّد نوراً ويتألّق إشراقاً، وسمعنا ضجّة ووجبة شديدةً، فملئنا رعباً، وولّى القوم هاربين، فناديتهم: مهلاً يا قوم وارجعوا، فرجعوا وقالوا: ما هذا يا سلمان؟

قلت: هذا الكهف الذي ذكره(1) الله جلّ وعزّ في كتابه، والذي رأيتم هم الفتية الذين ذكرهم الله عزّوجلّ، هم الفتية المؤمنون، وعليّ (عليه السلام) واقف يكلّمهم فعادوا إلى موضعهم.

قال سلمان: وأعاد عليّ (عليه السلام) عليهم السلام، فقالوا كلّهم: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته وعلى محمّد رسول الله خاتم النبوّة منّا(2) السلام أبلغه منّا(3) وقل له: قد شهدنا لك بالنبوّة الّتي أمرنا الله قبل وقت مبعثك بأعوام كثيرة، ولك

____________

(1) حاشية ع: وصفه.

(2) حاشية ع: ومنّا.

(3) ب: منّا السلام.


الصفحة 265
يا عليّ بالوصية.

فأعاد عليّ (عليه السلام) سلامه عليهم، فقالوا كلّهم: وعليك وعلى محمد منّا السلام، نشهد بأنّك مولانا ومولى كلّ مَن آمن بمحمد (صلى الله عليه وآله).

قال سلمان: فلما سمع القوم أخذوا بالبكاء والنحيب وفزعوا واعتذروا إلى أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)وقاموا كلّهم إليه يقبّلون رأسه ويقولون: قد علمنا ما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومدّوا أيديهم وبايعوه بإمرة المؤمنين وشهدوا له بالولاية بعد محمد (صلى الله عليه وآله).

ثمّ جلس كلّ واحد مكانه من البساط، وجلس عليّ (عليه السلام) في وسطه، ثمّ حرّك شفتيه فاختلج البساط فلم نشعر(1) كيف مرّ بنا أفي البرّ أم في البحر حتّى انقض بنا على باب مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قال: فخرج إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: «كيف رأيتهم يا أبا بكر؟»(2).

قالوا: نشهد يا رسول الله كما شهد أهل الكهف، ونؤمن كما آمنوا.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الله أكبر، لا تقولوا (سُكِّرَتْ أبْصَارُنَا

____________

(1) ب: ندر.

(2) ع: كيف رأيتم يا أبا بكر.


الصفحة 266
بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ)(1) ولا تقولوا يوم القيامة: (إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)(2)، والله لئن فعلتم لتهتدوا (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ)(3)، وإن لم تفعلوا تختلفوا(4)، ومَن وفى وفى الله له، ومَن يكتم ما سمعه فعلى عقبيه ينقلب فلن يضر الله شيئاً، أفبعد الحجة والبينة والمعرفة خلف، والّذي بعثني بالحق لقد أُمرتُ أن آمركم ببيعته وطاعته فبايعوه وأطيعوه بعدي» ثمّ تلى هذه الاية: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الامْرِ مِنْكُمْ)(5)، يعني: عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

قالوا: يا رسول الله قد بايعناه وشهد علينا أهل الكهف.

فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «إن صدقتم فقد أسقيتم ماءاً غدقاً وأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم، أو يلبسكم شيعاً وتسلكون طريق بني إسرائيل، فمن تمسّك بولاية عليّ بن أبي طالب لقيني يوم القيامة وأنا عنه راض».

____________

(1) الحجر: 15 / 15.

(2) الاعراف: 7 / 172.

(3) النور: 24 / 54.

(4) ط: تخلفوا.

(5) النساء: 4 / 59.


الصفحة 267
قال سلمان: ـ والقوم ينظر بعضهم إلى بعض ـ فأنزل الله هذه الاية في ذلك اليوم: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أنّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)(1).

قال سلمان: فاصفرّت وجوههم ينظر كلّ واحد إلى صاحبه، وأنزل الله هذه الاية: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاْعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ واللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ)(2).

فكان ذهابهم إلى الكهف ومجيئهم من زوال الشمس إلى وقت العصر(3).

[36] فصل:

فيما نذكره من الجزء الاول من آي القرآن(4) المنزلة في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، ذكر أنّها تأليف المفيد محمد بن محمد بن النعمان قدّس الله روحه، نذكر فيها حديثاً واحداً من الكراس العاشر من القائمة الرابعة منها من أواخر الوجهة الاولة بلفظه:

وقال: أخبرني أحمد بن أبي هراسة، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبدالله بن حمّاد، عن أبي بصير قال:

____________

(1) التوبة: 9 / 78.

(2) غافر: 40 / 19.

(3) وأورده المصنّف أيضاً في كتاب اليقين: 376 ـ 380.

(4) وجاء اسمه في البحار 53 / 93: كتاب ما نزل من القرآن في أهل البيت (عليهم السلام)، وجاء اسمه في الذريعة 26 / 214: تيسير آي القرآن.