الصفحة 285
حدّثنا الشيخ المفيد أبو عبدالله، حدّثنا الشيخ أبو جعفر بن بابويه، حدّثنا أبي، حدّثنا سعيد بن عبدالله، حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن جدّه(1)، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال:

«كان نبوّة إدريس صلوات الله عليه أنّه كان في زمنه ملك جبّار، وأنّه ركب ذات يوم في بعض نزهه، فمرّ بأرض خضرة نضرة لعبد مؤمن، فأعجبته، فسأل وزراءه لمن هذه؟

فقالوا: لفلان.

فدعا به فقال له: أمتعني بأرضك هذه(2).

فقال: عيالي أحوج إليها منك.

فغضب الملك وانصرف إلى أهله، وكانت له امرأة من الازارقة يشاورها في الامر إذا نزل به.

فخرجت إليه فرأت في وجهه الغضب، فقالت: أيّها الملك إنّما يغتمّ ويأسف مَن لا يقدر على التغيير، فإن كنت تكره أن تقتله بغير حجّة فأنا أكفيك أمره وأصيّر أرضه بيدك بحجّة لك فيها العذر عند أهل مملكتك.

فقال: ما هي؟

____________

(1) عن جدّه، لم يرد في المصدر. حاشية ع.

(2) ط: أتبيعني أرضك هذه؟


الصفحة 286
فقالت: أبعث أقواماً من أصحابي الازراقة حتّى يأتوك به فيشهدون لك عليه عندك أنّه قد برئ من دينك، فيجوز لك قتله وأخذ أرضه.

قال: فافعلي.

وكان أهلها يرون قتل المؤمنين، فأمرتهم بذلك، فشهدوا عليه أنّه بري من دين الملك، فقتله واستخلص أرضه.

فغضب الله عليه للمؤمن، فأوحى إلى إدريس صلوات الله عليه: أن ائت عبدي(1) الجبّار فقل له: أما رضيتَ أن قتلتَ عبدي المؤمن ظالماً حتّى استخلصتَ أرضه فأحوجت عياله من بعد وأجعتهم(2)، أما وعزّتي لانتقمنّ له منك في الاجل ولاسلبنّك ملكك في العاجل ولاطعمنّ الكلاب من لحمك(3)، فقد غرّك حلمي.

فأتاه إدريس صلوات الله عليه برسالة ربّه وهو في مجلسه وحوله أصحابه، فأخبره بذلك.

فقال الجبّار: أخرج عنّي يا إدريس.

ثم أخبر امرأته بما جاء به إدريس (عليه السلام).

____________

(1) ع. ض: عهدي.

(2) ع: وأخفتهم.

(3) حاشية ع: من لحمك ولحم امرأتك.


الصفحة 287
فقالت: لا تهولنّك رسالة إدريس، أنا أرسل مَن يقتله وأكفيك أمره.

وكان لادريس أصحاب مؤمنون يأنسون به ويأنس بهم، فأخبرهم بوحي الله ورسالته إلى الجبّار، فخافوا على إدريس منه.

ثم بعثت امرأة الجبّار أربعين رجلاً من الازارقة ليقتلوا إدريس، فأتوه فلم يجدوه في مجلسه، فانصرفوا وراءهم أصحاب إدريس، فأحسّوا بأنّهم يريدون قتل إدريس صلوات الله عليه، فتفرّقوا في طلبه وقالوا له: خذ حذرك يا إدريس، فتنحّى عن القرية من يومه ذلك ومعه نفر من أصحابه، فلمّا كان في السحر ناجى ربّه، فأوحى الله إليه: أن تنحّ عنه وخلّني وإيّاه.

قال إدريس صلوات الله عليه: أسألك أن لا تمطر السماء على أهل هذه القرية وإن خربت وجهدوا وجاعوا(1) قال الله تعالى: إنّي قد أعطيتك ما سألته.

فأخبر إدريس أصحابه بما سأل الله من حبس المطر عليهم وقال: أخرجوا من هذه القرية إلى غيرها من القرى، فتفرّقوا وشاع الخبر بما سأل إدريس صلوات الله عليه ربّه، وتنحّى إلى كهف في جبل شاهق، ووكّل الله تعالى ملكاً يأتيه بطعامه

____________

(1) ط: وجزعوا.


الصفحة 288
وشرابه عند كلّ مساء، وكان يصوم النهار.

وظهر في المدينة جبّار آخر، فسلبه ملكه ـ أعني الاول ـ وقتله وأطعم الكلاب من لحمه ولحم امرأته.

فمكثوا بعد إدريس عشرين سنة لم تمطر السماء عليهم قطرة(1)، فلمّا جهدوا مشى بعضهم إلى بعض فقالوا: إنّ الّذي نزل بنا ممّـا ترون بسؤال إدريس صلوات الله عليه ربّه، وقد تنحّى عنّا، ولا علم لنا بموضعه، والله أرحم لنا منه، فأجمع أمرهم على أن يتوبوا إلى الله تعالى، فقاموا على الرماد ولبسوا المسوح وحثوا على رؤوسهم التراب وعجّوا إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرّع إليه.

فأوحى الله إلى الملك الّذي يأتي إدريس صلوات الله عليه بطعامه: أن أحبس عنه طعامه، فجاع إدريس (عليه السلام) ليلة، فلمّا كان في ليلة اليوم الثاني لم يؤت بطعامه، قلّ صبره، وكذلك ليلة الثالث، فنادى: يا ربّ حبستَ عنّي رزقي من قبل أن تقبض روحي.

فأوحى الله تعالى إليه: إهبط من موضعك واطلب المعاش لنفسك.

فهبط إلى قرية، فلمّا دخلها نظر إلى دخان بعض منازلها، فأقبل نحوه، فهجم على عجوز كبيرة وهي ترفق قرصين لها

____________

(1) في المصدر: مطرة.


الصفحة 289
على مقلاة.

فقال: بيعي منّي هذا الطعام.

فحلفت أنّها ما تملك شيئاً غيرهما واحد لي وواحد لابني.

فقال: إنّ ابنك صغير يكفيه نصف قرصة فيحيى به ويجزيني النصف الاخر، فأكلت المرأة قرصها وكسرت القرص الاخر بين إدريس صلوات الله عليه وبين إبنها.

فلمّا رأى إبنها إدريس صلوات الله عليه يأكل قرصه(1) اضطرب حتّى مات.

قالت أمّه: يا عبدالله قتلتَ ابني جزعاً على قوته.

فقال لها إدريس (عليه السلام): أنا أحييه بإذن الله تعالى، فلا تجزعي.

ثمّ أخذ إدريس بعضد الصبّي وقال: أيّتها الروح الخارجة عن هذا الغلام إرجعي إلى بدنه بإذن الله تعالى، أنا إدريس النبي، فرجعت روح الغلام إليه.

فقالت: أشهد أنّك إدريس النبيّ، وخرجت فنادت في القرية بأعلى صوتها: أبشروا بالفرج، قد دخل إدريس صلوات الله عليه قريتكم.

ومضى إدريس حتّى جلس موضع مدينة الجبّار الاول وهي

____________

(1) في المصدر: من قرصته.


الصفحة 290
تل(1).

فأجمع إليه أناس(2) من أهل قريته وقالوا: مسّنا الجوع والجهد في هذه العشرين سنة، فادع الله لنا أن يمطرنا.

قال إدريس صلوات الله عليه: لا، حتّى يأتيني خياركم(3)وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة.

فبلغ الجبار قوله، فبعث إليه أربعين رجلاً يأتونه بإدريس، وعنفوا(4) به، فدعا عليهم فماتوا.

وبلغ الجبّار الخبر، فبعث إليهم بخمسمائة رجل، فقالوا له: يا إدريس إنّ الملك بعثنا إليك لنذهب بك إليه.

فقال إدريس (عليه السلام): أنظروا إلى مصارع أصحابكم.

قالوا: متنا بالجوع، فارحم وادع أن يمطر علينا.

فقال: حتّى يأتي(5) الجبار.

ثم أنّهم سألوا الجبار أن يمضي معهم، فأتوه ووقفوا بين يديه خاضعين.

فقال إدريس (عليه السلام): الان فَنَعم، فسأل(6) الله تعالى أن يمطر

____________

(1) ع. ض: قاتل، والمثبت من حاشية ع. المصدر. ط.

(2) حاشية ع: فاجتمع عليه أناس.

(3) ط: جباركم، حاشية ع: أخياركم.

(4) في المصدر: فأتوه وعنفوا.

(5) ع. ض: فقال يأتيني، والمثبت من حاشية ع. المصدر.

(6) ع. ض: فنسأل، والمثبت من حاشية ع. المصدر.


الصفحة 291
عليهم، فأطلّتهم(1) سحابة من السماء، فأرعدت وأبرقت وهطلت عليهم»(2).

[49] فصل:

فيما نذكره من الجزء الاول من كتاب فقه القرآن الشريف، تأليف سعيد بن هبة الله بن الحسن(3) الراوندي (رضي الله عنه)، من الوجهة الاوّلة من الكرّاس الثامن من القائمة السادسة بلفظه:

فصل: وقال الله تعالى: (وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ وَسَعَىَ في خَرَابِهَا)(4)، قيل: إنّ المراد بالمساجد في الاية الارض(5)، لقول النبي (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله جعل الارض مسجداً»، فالارض كلّها مسجد تجوز الصلاة فيه، إلاّ ما كان مغصوباً أو نجساً(6).

وروي ذلك عن زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام): أنّ المراد به جميع الارض، لقوله (عليه السلام): «جعلت الارض مسجداً»(7)

____________

(1) حاشية ع: فأظلّهم، المصدر: فأظلّتهم، ط: فأظلمتهم.

(2) قصص الانبياء: 71 ـ 76 رقم 58، مع اختلاف، أشرنا إلى قسم منه في الهامش.

(3) ع. ض. ط: أبو الحسن، والمثبت من حاشية ع.

(4) البقرة: 2 / 114.

(5) في المصدر: الارض كلّها.

(6) في المصدر: فإذا زال الغصب والنجاسة منه فحكمه حكمها.

(7) فقه القرآن: 1 / 98.


الصفحة 292
.

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

يحسن تحقيق القول في هذه الحال لئلاّ يشتبه ذلك على مَن يقف على ما ذكره من الاعتلال(1).

واعلم

أنّ سياق الاية الشريفة يظهر منه خلاف هذه الاشارة الضعيفة، لانّ الله جلّ جلاله قال: (وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أنْ يَدْخُلُوهَا إلاَّ خَائِفِينَ)(2)، فالسعي في الخراب مفهومه مساجد عامرة بلغة المخاطبين.

وقوله تعالى: (أنْ يَدْخُلُوهَا إلاَّ خَائِفِينَ)، يدلّ على أنّ الارض ما لا تسمّى مساجد وهي التي قاموا(3) فيها قبل أن يدخلوا المساجد، ولانّ الشارع كره نقل الحصى والتراب من المسجد، فلو كانت الارض كلّها مسجداً سقط هذا الحكم.

ويقال أيضاً: الروايات متظاهرة بتفاوت الصلوات في المسجد وفي البيت وفي السوق، ومن المستبعد أن تكون كلّها مسجداً وتذكر في اللفظ المختلف والتفاوت المختلف.

ويقال: إنّ الشارع حرّم دخول النجاسة المسجد، فأين كانت

____________

(1) ض. ط: الاعتدال.

(2) البقرة: 2 / 114.

(3) حاشية ع: كانوا.


الصفحة 293
تكون بيوت الطهارات لو كانت الارض كلّها مسجداً؟

ويقال أيضاً: إنّ الجنب ممنوع من دخول المسجد على بعض الوجوه والحائض، فلو كانت الارض كلّها مسجداً أين كان يسكن هؤلاء؟

ويقال: إنّ الكفار والمشركين ممنوعون من دخول مساجد المسلمين، فلو كانت الارض كلّها مسجداً كيف كان يكون حال الممنوعين.

ولم نستوف كلّما نعرفه في هذا الباب.

وإنّما لو قال (رحمه الله): إنّ الارض كلّها يصحّ السجود عليها أو الصلاة فيها ما لم يكن مغصوباً أو نجساً نجاسة متعدية، كان أحوط وأقرب إلى الصواب.

[50] فصل:

فيما نذكره من الجزء الثاني من فقه القرآن، للشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي (رحمه الله)، وهو تمام الكتاب، من الوجهة الثانية من أواخر القائمة العاشرة من الكراس الخامس عشر بلفظه:

فصل: قوله تعالى (قُلْ لاَ أجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إليَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إلاَّ أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أوْ دَماً مَسْفُوحاً أوْ لَحْمَ خِنْزِير فَإنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغ وَلا عَاد فَإنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(1)، أمر الله نبيّه أن يقول لهؤلاء الكفار إنّه لا يجد فيما أوحي إليّ شيئاً محرّماً إلاّ هذه الثلاثة.

____________

(1) الانعام: 6 / 145.


الصفحة 294
وقيل: إنّه خصّ هذه الاشياء الثلاثة بذكر التحريم مع أنّ غيرها يحرم فيما ذكره(1) في المائدة كالمنخنقة والموقوذة(2)، لانّ جميع ذلك يقع عليه اسم الميتة وفي حكمها، فبيّن هناك على التفصيل وها هنا على الجملة.

وأجود من ذلك أن يقال: حصر(3) الله هذه الثلاثة تعظيماً لتحريمها بمفردها، وما عداه في موضع آخر.

وقيل: إنّه سبحانه خصّ هذه الاشياء بنصّ هذا القرآن وما عداها بوحي غير القرآن.

وقيل: إنّ ما عداه فيما بعد(4) بالمدينة، والسورة مكّية(5).

هذا لفظه (رحمه الله) في كتابه.

يقول عليّ بن طاووس:

اعلم أنّ قوله جل جلاله: (لاَ أجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إليَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ) إلاّ ما استثناه ظاهره، يقتضي أنّ تحريم هذه كان

____________

(1) في المصدر: مع أنّ غيرها محرّم ممّا ذكره تعالى.

(2) قال تعالى في الاية 3 من سورة المائدة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ والدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَاْلمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَاْلمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ...).

(3) في المصدر: خصّ.

(4) في المصدر: حرّم فيما بعد.

(5) فقه القرآن: 2 / 266 ـ 267.


الصفحة 295
متقدّماً على تحريم غيرها مّما حرّم بعد ذلك، وهذا كاف في الجواب، كما ذكر أنّها مكّية(1) وغيرها مدني.

وأمّا قوله: إنّ المنخنقة والموقوذة داخلة في الميتة.

فصحيح، وداخلة في قوله جلّ جلاله: (وما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ)(2)، ولفظ آية المائدة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أكَلَ السَّبُعُ إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالاْزْلاَمِ)(3).

وأمّا قول مَن قال: إنّه قصد بذكر الثلاثة تعظيم تحريمها.

فكيف يصحّ هذا وهو جلّ جلاله يقول لرسوله (صلى الله عليه وآله): (قُلْ لاَ أجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحرَّماً) إلاّ كذا وكذا؟

وأمّا قول مَن قال: إنّه خصّ هذه بالقرآن وغيرها بالسنّة وأنّ السنّة أيضاً بالوحي.

فكيف يصحّ تأويله؟

ومن أسرار قوله تعالى في تحريم ما أهل به لغير الله في هذه الاية وفي الاية الّتي في المائدة: أنّ الذي أهلّ به من الذبائح لمعاصي الله

____________

(1) حاشية ع: أنّ هذه مكّية.

(2) البقرة: 2 / 173.

(3) المائدة: 5 / 3.


الصفحة 296
ولمجرد اللذات الشاغلة عن الله وللثناء من الناس وللتجارة بالغنى(1) للمسلمين ولغير ذلك من كلّ ما لا يراد به غير ربّ العالمين، كيف يكون حاله؟ هل يلحق بآية التحليل أو التحريم؟ والظاهر يتناول الجميع، وهو شديد على مَن يسمعه، وربما أنكره لمجرّد الّذي بالغه، والورع على كلّ حال يقتضي ترك ما لا بأس به حذراً مما به البأس ولو كره الناس.

[51] فصل:

فيما نذكره من الكتاب الكشّاف في تفسير القرآن، للزمخشري، والاسم الّذي سمّاه به مصنّفه أبو القاسم: الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون(2) التأويل(3) في وجوه التأويل، فممّا ننقله من الجزء الاول منه بعضه من أواخر الوجهة الثانية من القائمة العاشرة من الكراس السابعة منه، في تفسير قوله تعالى: (إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ)(4) الاية، بلفظه:

وعن عليّ (عليه السلام): «لو وقعت قطرة في بئر فبنيت مكانها(5) منارة لم أؤذّن عليها، ولو وقعت في بحر ثمّ جفّ في البحر ونبت فيه الكلا لم أرعه»(6).

____________

(1) حاشية ع: بالغش.

(2) ض. ط: وعنوان.

(3) كذا ورد في الاصول المعتمدة، وفي المصدر: الاقاويل.

(4) المائدة: 5 / 90.

(5) ض: كأنّها.

(6) الكشاف: 1 / 198، ذكر هذا الحديث في تفسير آية: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ)، من سورة البقرة.


الصفحة 297

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

هذا من أبلغ التعظيم في تحريم الخمر وأبلغ الورع في التباعد عن شبهات المحرمات.

فان قيل:

كيف بلغ الورع إلى الامتناع من الاذان على منارة تبنى على موضع قطرة من الخمر؟

فيقال:

إنّ الله جلّ جلاله لمّا قال في أواخر الاية: (فَاجْتَنِبُوهُ)، اقتضى الاحتياط عموم الاجتناب لاستعمال الخمر في سائر الاسباب، وإن يكون منها ذرّة وقطرة أساساً أو معونة على صواب.

وأمّا نبات الكلا بما قد جرى فيه قطرة من الخمر وإن كانت قد تفرّقت، فانّه روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «إن حمى الله محارمه ومَن رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه» فينبغي التباعد عن حول الحمى على ما قال مولانا عليّ (عليه السلام) في اجتناب حول الخمر، وكما لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)غارسها وساقيها، وليست في تلك الحال خمراً، وإنّما هو مبالغة في تعظيم تحريمها، ولانّ أصحاب المبالغات في التواريخ عن الشبهات يبلغون إلى نيل(1) هذه الغايات حفظاً لمقاماتهم العاليات وخوفاً من ذلّ المعاتبات.

[52] فصل:

فيما نذكره من الجزء المذكور من الكشاف أيضاً، من الوجهة الثانية من القائمة الثامنة من الكرّاس التاسع عشر منه، في تفسير قوله جلّ جلاله بلفظه:

____________

(1) حاشية ع: يتبلّغون إلى مثل.


الصفحة 298
(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى)(1)، أي: الوسطى بين الصلوات، أي: الفضلى(2)، من قولهم للافضل: الاوسط، وهي صلاة العصر(3).

وعن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال يوم الاحزاب: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملا الله بيوتهم ناراً، وهي الصلاة(4) الّتي شغل عنها سليمان بن داود حتّى توارت بالحجاب».

وعن حفصة أنها قالت لمن كتب لها المصحف: إذا بلغتَ هذه الاية فلا تكتبها حتّى أمليها عليك كما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرؤها، فأملت عليه: والصلاة الوسطى صلاة العصر.

وروي عن عائشة وابن عباس: والصلاة الوسطى وصلاة العصر بالواو.

فعلى(5) هذه القراءة يكون التخصيص لصلاتين: إحداهما صلاة الوسطى إمّا الظهر وإمّا الفجر وإمّا المغرب على

____________

(1) البقرة: 2 / 238.

(2) ع. ض. ط: الفضل، والمثبت من حاشية ع، وفي المصدر: أو الفضلى.

(3) في المصدر: وإنّما أفردت وعطفت على الصلاة لانفرادها بالفضل وهي صلاة العصر.

(4) في المصدر: وقال (عليه السلام) إنّها الصلاة.

(5) ع. ض: وفعلى.


الصفحة 299
اختلاف الروايات فيها، والثانية العصر(1).

وقيل: فضلها(2) لما في وقتها من اشتغال الناس بتجاراتهم وبمعايشهم.

وعن ابن عمر(3): صلاة الظهر، لانّها في وسط النهار، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلّيها بالهاجرة، ولم تكن صلاة على أصحابه أشدّ منها.

وعن مجاهد: هي الفجر، لانّها بين صلاتي العصر وصلاتي الليل.

وعن قبيصة بن ذؤيب: أنّها المغرب، لانّها وتر النهار ولا تنقص في السفر من ثلاث(4).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

أمّا حديث يوم الاحزاب.

فإنّ الّذي عرفته مما يعتمدون عليه أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «شغلونا عن صلاة العصر»، ولم يذكر الوسطى.

وأمّا قوله: «ملا الله بيوتهم ناراً».

فإنّما الحديث المشهور: «ملا الله قبورهم ناراً».

____________

(1) العصر، لم يرد في ع. ض، وأثبتناه من ط.

(2) ع: نصلّيها.

(3) ع. ض: ابن عمير، والمثبت من حاشية ع.

(4) الكشاف: 1 / 218 ـ 219.


الصفحة 300
وأمّا تأويله في قراءة(1) عائشة وابن عباس: إما الظهر وإمّا الفجر.

فانّ ظاهر اللفظ أنّها الظهر، لانّ العطف الحقيقي إنّما يكون على الاقرب منه، والاقرب من العصر هو الظهر، فكيف عدل عن الظهر إلى الفجر؟

وأمّا المغرب.

فقد تعجبت(2) منه.

وكلّ هذه الاختلافات إنّما أحدثها(3) مفارقة أصحاب هذه الروايات لاهل بيت صاحب النبوة صلوات الله عليه وعليهم، الّذين جعلهم خلفاء منه في قوله (عليه السلام): «إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

والّذي رويناه عن سلفنا الطاهرين العارفين بتأويل القرآن وأسرار ربّ العالمين: أنّ صلاة الوسطى صلاة الظهر،

وذلك لعدّة أمور:

منها:

أنّها أوّل فريضة فرضت على المسلمين، فكانت أهمّ الصلوات.

ومنها:

أنّ صلاة الجمعة المفروضة تكون فيها، فكانت أهمّ من هذه الجهات.

____________

(1) ض: مراعاة.

(2) حاشية ع: فعجيب «كذا في المنقولة من خطه (قدس سره)».

(3) ع: أخذ بها.


الصفحة 301

ومنها:

أنّ فيها ساعة يستجاب فيه من أهل الدعوات، فكانت أهمّ لاجل هذه العنايات.

ومنها:

أنّ أبواب السماء تفتح عند زوال الشمس، فكانت أهمّ لهذه الاشارات.

ومنها:

أنّ في الروايات أنّ صلاة الاوّابين هي عند الزوال، فكانت أهمّ لاجل هذه الصفات.

ومنها:

أنّ الوسطى حقيقة، لانّها بين صلاتين نهاريتين بين صلاة الفجر وصلاة العصر.

ومنها:

أنّها وسط النهار، وليس في الفرائض الخمس ما هو في وسط نهار ولا ليل.

ومنها:

الرواية عن ابن عباس وعائشة: والصلاة الوسطى وصلاة العصر، وكذلك روينا عن غير ابن عباس من أهل البيت صلوات الله عليهم(1)بالواو المعطوفة في العصر على الاقرب منها وهي صلاة الظهر.

ومنها:

أنّ ابتداء الدنيا كان نهاراً، وفيه بعث الانبياء، وفيه المعاش للبقاء، والاعتبار بالوسطى في فرائضه أقرب إلى فهم ذوي الابصار.

[53] فصل:

فيما نذكره من الجزء الثاني من الكشاف، للزمخشري، من الوجهة الاوّلة من القائمة العاشرة من ثاني كرّاس منه، من حديث زكريا ومريم (عليهما السلام) بلفظه:

____________

(1) راجع: تفسير العياشي: 1 / 127.