الصفحة 302

وروي: أنّه كان لا يدخل عليها إلاّ هو وحده، وكان إذا خرج غلق عليها سبعة أبواب.

(وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً): كان رزقها ينزل عليها من الجنّة، ولم ترضع ثدياً قطّ، وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء.

(أنَّى لَكِ هَذَا): من أين لك هذا الرزق الّذي لا يشبه أرزاق الدنيا؟ وهو آت في غير حينه، والابواب مغلقة عليك لا سبيل للداخل به إليك.

(قَالتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ)(1) فلا تستبعد، قيل: تكلّمت وهي صغيرة كما تكلّم عيسى في المهد صبيّاً.

وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّه جاع في زمن قحط، فأهدت له فاطمة رغيفين وبضعة لحم آثرته فيها، فرجع بها إليها فقال: «هلمّي يا بنيّة»، وكشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزاً ولحماً، فبهتت وعلمت أنّها نزلت من عند الله فقال لها صلّى الله عليه وسلّم: «أنّي لك هذا»؟

قالت: «هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب».

فقال (عليه السلام): «الحمد لله الّذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل»، ثمّ جمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي

____________

(1) آل عمران: 3 / 37.


الصفحة 303
طالب والحسن والحسين وجميع أهل بيته حتّى شبعوا(1)وبقي الطعام كما هو، وأوسعت فاطمة على جيرآنها(2).

أقول:

وهذا الزمخشري من أعيان رجال أهل الخلاف ويميل إلى الانصاف.

[54] فصل:

فيما نذكره من الجزء الثاني أيضاً من الكشاف، للزمخشري، من الوجهة الاوّلة من الكراس الخامس من تاسع قائمة منها، وابتداء عدد هذا الكرّاس من سورة النساء بلفظ الزمخشري:

(فَرُدُّوهُ إلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)(3): أي ارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة.

وكيف تلزم طاعة أمراء الجور وقد ختم(4) الله الامر بطاعة أولي الامر بما(5) لا يبقى معه شكّ، وهو: أن أمرهم أولاً بأداء الامانات وبالعدل في الحكم، وأمرهم آخراً بالرجوع إلى الكتاب والسنة فيما أشكل، وأمراء الجور لا يؤدّون أمانة ولا يحكمون بعدل ولا يردّون شيئاً إلى كتاب ولا سنّة،

____________

(1) في المصدر: فأكلوا عليه حتّى شبعوا.

(2) الكشاف: 1 / 275.

(3) النساء: 4 / 59.

(4) في المصدر: جنح.

(5) ع. ض: لما.


الصفحة 304
إنّما يتّبعون شهواتهم حيث ذهبت بهم، فهم منسلخون عن صفات الدين، فكيف يقال: هم أولوا الامر عند الله ورسوله؟! وأحق أسمائهم اللصوص المتغلّبة(1).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

وقد تقدّم في الوجهة الثانية من القائمة الثامنة من هذا الكراس ما هذا لفظه.

والمراد بـ (أولِي الاْمْرِ مِنْكُمْ)(2) أمراء الحقّ، لانّ أمراء الجور الله ورسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم(3).

أقول:

فإذا كان الامر عنده كما أشار إليه واعتمد عليه: من أنّ العطف بأولي الامر على الله ورسوله يقتضي تساوي مَن عطف عليهم، فهل يبقى لك مندوحة عمّا تقوله الامامية في كمال صفات أولى الامر كما كانت صفات رسول الله (صلى الله عليه وآله) كاملة في العصمة والامن من وقوع معصية باطنة أو ظاهرة؟! وإلاّ جاز عنده أن يطاع غير المعصوم فيما أطاع الله فيه ويعصى فيما عصى الله فيه، جاز لامراء الجور أن يقولوا له: أطيعونا فيما أطعنا الله فيه واعصونا فيما عصينا الله فيه، فإذن لا يبقى له مخرج

____________

(1) الكشاف: 1 / 405، وفيه: فهم منسلخون عن صفات الّذين هم أولو الامر عند الله ورسوله وأحق أسمائهم اللصوص المتغلّبة.

(2) النساء: 4 / 59.

(3) الكشاف: 1 / 405.


الصفحة 305
على ما فسّر هذه الاية إلاّ القول والاعتقاد لمذهب الامامية، وهذا واضح لمن أنصف من نفسه وخاف من العظمة الالهيّة.

[55] فصل:

فيما نذكره من الجزء الثالث من الكشاف في تفسير القرآن، للزمخشري، من الكرّاس الثاني من الوجهة الثانية من ثامن قائمة منه، في خذلان قوم موسى له (عليه السلام)، بلفظ الزمخشري:

فلم يبق معه مطيع موافق يثق به إلاّ هارون (عليه السلام)، (قَالَ رَبِّ إنِّي لاَ أمْلِكُ) لنصرة دينك (إلاَّ نَفْسِي وَأخِي)(1) وهذا من البثّ والحزن والشكوى إلى الله والحسرة ورقة القلب الّتي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة.

ونحوه قول يعقوب (عليه السلام): (إنَّمَا أشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللهِ)(2).

وعن عليّ: أنّه كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال البغاة، فما أجابه إلاّ رجلان، فتنفّس الصعداء وقال: «أين تقعان ممّا أريد؟»(3).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

ألا تعجب من قوم موسى بعد الايات الباهرات يخذلونه هذا الخذلان إلى هذه الغايات؟!

____________

(1) المائدة: 5 / 25.

(2) يوسف: 12 / 86.

(3) الكشاف: 1 / 483.


الصفحة 306
وألا تعجب من أمّة سيّدنا محمّد صلوات الله عليه وآله مع مولانا عليّ (عليه السلام)يحاربون مع الملوك قبله وبعده ويقتلون أنفسهم بين أيديهم، ويخذلونه، مع اعتقادهم وإظهارهم لفرض طاعته وأنّه صاحب الحق وأنّ الّذين ينازعونه على الباطل.

وهذا أنموذج لعذره (عليه السلام) في ترك منازعته مَن تقدّم عليه في الخلافة، لانّه إذا كان معاوية المظهر لسيرة الاكاسرة والقياصرة ما وجد أعواناً عليه، كيف كان يجد أعواناً على مَن لم يظهر ما أظهره معاوية؟!

ولقد قال قائل:

كيف تصفون عليّاً بالشجاعة العظيمة ثمّ تصفونه عند المتقدّمين عليه بالعجز والضعف؟

فقلت:

أنتَ غالط علينا وعلى مولانا عليّ، لانّنا ما وصفناه أبداً بالعجز ولا بالضعف، ولكن قلنا: إنّ له أسوة بالله ورسوله (عليه السلام) وبالانبياء، فان الله جلّ جلاله يرى دولته الالهيّة والامم المغيّرة لاحكامه وشرائعه وهو أقدر عليهم من كلّ قادر، فلا يعجل عليهم، وينتقم(1) في وقت ويعرض عنهم في وقت، فكان نائبه ونائب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الّذي هو مولانا عليّ (عليه السلام) معذوراً لاتباعه سيرة مَن كان باتباعه، وكذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) تارةً ممسكاً وتارةً مصالحا للكفّار وتارةً محارباً، وكذلك الانبياء (عليهم السلام)، فكان لمولانا عليّ (عليه السلام) أسوة بهم.

[56] فصل:

فيما نذكره من الجزء الثالث من الكشاف، للزمخشري، أواخر الكراس الاول، من تفسير سورة الانعام، من آخر

____________

(1) ع. ض: وبينهم، والمثبت من حاشية ع.


الصفحة 307
وجه منها ولثامنه من الوجهة الاوّلة من الكراس الثاني بلفظ الزمخشري:

وروي أنّهم اجتمعوا على أبي طالب وأرادوا برسول الله سوءاً، فقال:

واللهِ لن يَصلوا إليكَ بِجَمْعِهِمْ حتَّى أُوَسَّدَ في التراب دفينَا
فَاصْدَعْ بأمركَ ما عليكَ غضاضة(1) وابْشِرْ بذاكَ(2) وَقَرَّ مِنهُ عُيُونَا
وَدَعَوْتَني وزعمتَ أنّكَ ناصحي(3) ولقد صدقتَ وكنتَ ثَمَّ أمينَا
وعرضتَ ديناً لا محالةَ أنّه منْ خيرِ أديانِ البريَّةِ دينَا
لو لاَ الملامة أو حذاريَ سُبّة لوجدْتَني سَمْحاً بذاكَ مبينَا(4)

أقول:

هذا البيت الاخير ما أعرفه في الابيات، وهي شاهدةً صريحة أنّ أبا طالب كان مؤمناً يكتم إيمانه من قومه على حال مؤمن آل فرعون،

____________

(1) ع. ض: عضى، والمثبت من حاشية ع.

(2) ع: وانشر يداك.

(3) في المصدر: ناصح.

(4) الكشاف: 2 / 10 ـ 11.


الصفحة 308
ويظهر من غيره، فانّ كلّ مصدّق بالقرآن يعتقد أنّ كتمان مؤمن آل فرعون لايمانه وإظهار كلمة الكفر لم يضرّ إيمانه، وأنّه صحيح الايمان، فيكون لابي طالب أسوة به في هذا الشان.

وقد أوضحنا ذلك في الطرائف(1)، وإنّما ذكرنا هذه الحكاية الان لانّها من طريق المخالف.

[57] فصل:

فيما نذكره فيه من الوجهة الثانية من ثالث قائمة من الكراس السابع الّتي أول عددها من سورة الاعراف، من كتاب الكشاف بلفظ الزمخشري:

(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا)(2): أي من قومه، فحذف حرف الجرّ وواصل الفعل(3)، كقوله:

منّا الذي اختيرَ الرجالَ سماحةً

قيل: اختار من اثني عشر سبطاً من كلّ سبط ستة،

حتى تناهوا(4) اثنين وسبعين، فقال:

يتخلّف منكم رجلان، فتشاحّوا، فقال: إنّ لمن قعد منكم مثل أجر مَن خرج، فقعد كالب ويوشع.

____________

(1) الطرائف: 297 (في إيمان أبي طالب).

(2) الاعراف: 7 / 155.

(3) في المصدر: فحذف الجار وأوصل الفعل.

(4) حاشية ع. المصدر: تتامّوا.


الصفحة 309
وروي: أنّه لم يصب إلاّ ستين شيخاً، فأوحى الله إليه: أن يختار من الشباب عشرة، فاختارهم، فاصبحوا شيوخاً.

وقيل: كانوا أبناء العشرين(1) ولم يتجاوزوا الاربعين، قد ذهب عنهم الجهل والصبى، فأمرهم موسى أن يصوموا ويتطهّروا ويطهّروا ثيابهم، ثمّ خرج بهم إلى طور سيناء لميقات ربّه، وكان أمره ربّه أن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل، فلمّا دنى موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتّى تغشّى الجبل كلّه، ودنا موسى ودخل فيه، فقال للقوم: ادنوا، فدنوا، حتّى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجّداً، فسمعوه وهو يكلّم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل، فلمّا انكشف الغمام أقبلو إليه وطلبوا الرؤية، فوعظهم وزجرهم وأنكر عليهم، فقالوا: (يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً)(2) (3).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

كيف يبقى اعتماد على الاختيار في الامور الكلّية وإمامة البريّة، وهذا اختيار نبيّ عظيم الشأن لاصلح قومه، فظهر منهم خلاف الايمان

____________

(1) في المصدر: ما عدا العشرين.

(2) البقرة: 2 / 55.

(3) الكشاف: 2 / 128 ـ 129.


الصفحة 310
وقالوا: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً)، وشهد الله عليهم بالفسق واستحقاق التيه أربعين سنة، فقال جلّ جلاله: (إنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الاْرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)(1)، ثمّ شهد عليهم موسى (عليه السلام)أنّهم سفهاء بقوله: (أتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا)(2)، وهو أمر جزئي يسير من جملة شريعته ونبوته، وما حصل(3) من الاختيار إلاّ الندم وسوء عاقبته.

وهذا سيّد الخلائق محمد صلوات الله عليه وآله يختار برأيه رجلاً يؤدّ بها فلا يؤثر اختياره له، ويختار الله جلّ جلاله رجلاً مولانا عليّاً (عليه السلام) عوضه، فأيّ حجّة في اختياره مَن هو دون هاذين العظيمي الشأن، وقد ظهر فيه ما لا يخفى على الاعيان.

[58] فصل:

فيما نذكره من المجلّد الرابع من كتاب الكشاف، للزمخشري، من الكراس الخامس من القائمة الثامنة(4) منها من الوجهة الثانية بلفظ الزمخشري:

(وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ) وأظهروا كفرهم بعد إظهار إسلامهم (وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا)(5)، وهو الفتك برسول الله، وذلك عند مرجعه من تبوك توافق خمسة عشر منهم

____________

(1) المائدة: 5 / 26.

(2) الاعراف: 7 / 155.

(3) ع. ض: وما فضل، والمثبت من حاشية ع.

(4) حاشية ع: الثانية.

(5) التوبة: 9 / 74.


الصفحة 311
على أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنّم العقبة بالليل، فأخذ عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها، فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة تقريع(1) أخفاف الابل وبقعقعة السلاح، فالتفت فاذا قوم متلثّمون، فقال: إليكم إليكم يا أعداء الله، فهربوا(2) (3).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

ولم يذكر الزمخشري أسماء هؤلاء الخمسة عشر ولا الاثني عشر، وقد ذكرهم أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي(4)، الّذي انتقل من الكوفة إلى أصفهان لاجل كتابه كتاب المعرفة، الّذي كاشف أهل أصفهان بتصنيفه وضمن صحّة(5) ما فيه.

____________

(1) ع. ض: توقع، ط. المصدر: بوقع، والمثبت من حاشية ع.

(2) الكشاف: 2 / 228.

(3) ورد في حاشية ض: روي من طريق غير هذا: أنّهم أرادوا قتل النبي (صلى الله عليه وآله) لمّا قال لمولانا عليّ (عليه السلام)عند توجّهه إلى تبوك: «أنت منّي كهارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»، فخافوا أن يظهر البيعة بعده إذا رجع من تبوك. وروي: أنّهم فعلوا هذا دفعة أخرى عند مرجعه من حجّة الوداع بعد نصّه على مولانا عليّ (عليه السلام) في غدير خمّ، فخافوا أن يؤيد ذلك إذا وصل المدينة. وذكر الزمخشري في الجزء المذكور في تفسير قوله تعالى: (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الاْمُورَ) [التوبة: 9 / 48] أنّهم كانوا اثني عشر رجلاً في المرّة الثانية، وقوله تعالى: (مِنْ قَبْلُ) أي: أرادوا بك ذلك في غزوة تبوك قبل هذه المرّة ودبّروا لك الحيل والمهالك والمكايد [الكشاف 2 / 217].

(4) وعنه في تقريب المعارف: 313 ـ 314.

(5) حاشية ع: حجّة.


الصفحة 312
وروى ذلك مصنّف كتاب العقبة وغيره.

وكيف نستبعد ممن يفعل مثل هذا بالنبي (صلى الله عليه وآله) الرؤوف الرحيم الحليم الكريم الّذي أغناهم بعد الفقر والقلّة وأعزّهم بعد الذلّة، أن يتعصّبوا على عشيرته(1) بعد وفاته وقد كانوا يستعجلون عليه بالقتل قبل مماته؟!

[59] فصل:

فيما نذكره من الجزء الرابع أيضاً من الكشاف، من الكراس السابع والعشرين منه من القائمة الخامسة من الوجهة الاوّلة، في تفسير قوله جلّ جلاله: (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ)(2)بلفظ الزمخشري:

القول الثابت: الذي يثبت بالحجّة والبرهان في قلب صاحبه ويكنّ(3) فيه واعتقده واطمأنّت إليه نفسه.

وتثبيتهم في الدنيا: أنّهم إذا فتنوا في دينهم لم يزلّوا(4) كما ثبت(5) الّذين فتنهم أصحاب الاخدود والّذين نشروا بالمناشير ومشطت لحومهم بأمشاط الحديد، وكما ثبت

____________

(1) حاشية ع: عترته.

(2) إبراهيم: 14 / 27.

(3) ع: ويمكن، المصدر: وتمكن.

(4) ع. ض: لم يذلّوا، والمثبت من ط.

(5) ع. ض: يثبت، والمثبت من ط.


الصفحة 313
جرجيس وشمسون(1) وغيرهما.

وتثبيتهم في الاخرة: أنّهم إذا سئلوا عند تواقف الاشهاد عند معتقدهم ودينهم لم يتلعثموا ولم يتلهثموا(2) ولم تحيّرهم أهوال الحشر(3).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

ما رأيته ذكر أحداً(4) من هذه الامّة المحمّدية، ولعلّ ظاهر الاية فيهم.

واعلم

أنّ مولانا عليّاً صلوات الله عليه قاسى من الاهوال أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً ما فاق به على مَن سمّاه.

واعلم

أنّ الحسين صلوات الله عليه يوم الطفّ ثبت هو وأصحابه على القتل في الله ومكابدة الموت وتقطيع الاعضاء في ذات الله، وما كان دون بعض من سمّاه، وغيرهم من الصحابة والتابعين والصالحين قطّعوا أعضاءاً وعذّبوا أحياءاً(5) وما ردّهم ذلك عن الايمان ولا ظهر عليهم ضعف في قلب ولا لسان ولا جنان.

بل رأيتُ في الروايات: أنّ نساء من المسلمات بلغن من الصبر

____________

(1) ط: وشمعون.

(2) في المصدر: ولم يبهتوا.

(3) الكشاف: 2 / 431.

(4) حاشية ع: ما رأيته ذكر في جملة الذين يثبتهم الله جلّ جلاله أحداً.

(5) حاشية ع: كياسر وسميّة أبوي عمار بن ياسر.


الصفحة 314
أيّام الحجاج على تقطيع الاعضاء وسفك الدماء ما لم يؤرّخ مثله عن الامم الماضية والقرون الخالية.

ولقد ذكر أبو القاسم بن عبّاد (رحمه الله) في كتاب الانوار كلمات شريفة عن الحسين (عليه السلام)، فقال ما هذا لفظه:

ولم نر أربط جأشاً ولا أقوى قلباً من الحسين (عليه السلام)، قتل حوله ولده وأهل بيته، وكان يشدّ عليهم فينكشفون عنه انكشاف المعزى، ووجد في جبّة خزّ كانت عليه في مقدمه قريباً من مائة وثمانين ضربة خرقاً من طعنة برمح ورمية بسهم وضربة بسيف وحجر.

أقول:

إن في ذلك لاية لمن اعتبر ونظر.

[60] فصل:

فيما نذكره من الجزء الخامس من الكشاف، للزمخشري، من الوجهة الثامنة من الكرّاس السادس من القائمة الثالثة بمعناه لاجل طول لفظه، فذكر:

أنّ كفار أهل مكة فتنوا قوماً من المسلمين عن دينهم وعذّبوهم بعظيم العذاب، فصبروا عليه حتى قتلوا، وهو(1)ياسر أبو عمار وسمية أمّه، ومنهم أظهروا كلمة الكفر منهم عمار فعذره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

قال الزمخشري ما هذا لفظه:

فإن قلت: فأيّ الامرين أفضل أفعل عمّار أم فعل أبويه؟

____________

(1) حاشية ع: فبعضهم صبروا عليه حتى قتلوا وهم.


الصفحة 315
قلت: بل فعل أبويه(1)، لانّ في ترك التقية والصبر على القتل إعزاز الدين(2).

وروي: أن مسيلمة أخذ رجلين، فقال لاحدهما: ما تقول في محمد؟.

قال: رسول الله.

قال: فما تقول فيّ؟

قال: أنت أيضاً.

فخلاّه، وقال للاخر: ما تقول في محمد؟.

قال: رسول الله.

قال: ما تقول فيّ؟.

قال: أنا أصمّ، فأعاد عليه ثلاثاً، فأعاد عليه جوابه، فقتله.

فبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أمّا الاول فقد أخذ برخصة رسول الله، وأمّا الثاني فقد صدع بالحق فهنياً له»(3).

____________

(1) قلت بل فعل أبويه، لم يرد في ع. ض، وأثبتناه من حاشية ع. ط.

(2) حاشية ع: الاسلام، المصدر: إعزازاً للاسلام.

(3) الكشاف: 2 / 466.


الصفحة 316

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

اعلم أنّ العلم بالله جلّ جلاله على الكشف ما ينزل عند صاحبه شيئاً من الضعف، ولا يبقى عنده صبر على كسر حرمة الله جلّ جلاله، وكذا من عرف الله جلّ جلاله مكاشفة، كما أنّ أهل الدنيا لا يصبرون على كسر حرمتهم وحرمة من يعزّ عليهم يكون واقفاً مع إرادة الله جلّ جلاله، فان كان رضاء الله في القتل توجّه إليه أو في مهما كان من العذاب أقدم عليه، وألا يرى(1) الهوان والعذاب إلاّ في مفارقة ربّ الارباب، هذا الّذي يشهد به صريح الالباب.

وقد كشفنا في كتاب السعادات بالعبادات عن التقية وتركها بواضح الدلالات.

[61] فصل:

فيما نذكره من الجزء السادس من الكشاف، للزمخشري، من الكراس الثامن عشر من الوجهة الاولة منها، في حديث سليمان (عليه السلام) وتفسير: (وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْء) بلفظه:

وروي: أنّ معسكره كان مائة فرسخ في مائة فرسخ: خمس وعشرون للجنّ وخمس وعشرون للانس وخمس وعشرون للطير وخمس وعشرون للوحش، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة منكوحة وسبعمائة سرية، وقد نسجت له الجنّ بساطاً من ذهب وإبريسم فرسخان في فرسخ، فكان يوضع منبره في وسطه وهو من ذهب فيقعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسيّ من ذهب وفضة، فيقعد الانبياء على كراسي الذهب والعلماء على

____________

(1) حاشية ع: ولا يرى.


الصفحة 317
كراسي الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظلّه الطير بأجنحتها حتّى لا يقع عليه حرّ الشمس(1)، وترفع ريح الصبا البساط فتسير به مسيرة شهر في يوم.

وروي: أنّه كان يأمر الريح العاصف تحمله والرخاء تسيره، فأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والارض: إنّي قد زدتُ في ملكك، ولا يتكلّم أحد بشيء إلاّ ألقته الريح في سمعك.

فيحكى أنّه مرّ بحرّاث فقال: لقد أوتي ابن داود(2) ملكاً عظيماً، فألقاه(3) في أذنه، فنزل ومشى إلى الحرّاث وقال: إنّما مشيت إليك لئلاّ تتمنّى ما لا تقدر عليه، ثم قال: لتسبيحة واحدة يقبلها الله خيرٌ ممّا أوتي آل داود(4).

أقول:

وفي الحديث من غير الكشّاف: لانّ ثواب التسبيحة يبقى وملك سليمان يفنى.

[62] فصل:

فيما نذكره من الجزء السابع من كتاب الكشاف، للزمخشري، من الكراس السادس من الوجهة الثانية، من سورة

____________

(1) في المصدر: حتّى لا يقع عليه الشمع.

(2) في المصدر: آل داود.

(3) في المصدر: فألقته الريح.

(4) الكشاف: 3 / 279.


الصفحة 318
الاحزاب بلفظه:

(وَجُنُوداً لَمْ تَروْهَا)(1)، وهم الملائكة، وكانوا ألفاً، بعث الله عليهم صباً باردةً في ليلة شاتية فأخصرتهم ونسفت(2) التراب في وجوههم، وأمر الملائكة فقلعت الاوتاد(3) وأطفأت النيران وأكفأت القدور وماجت الخيل بعضها في بعض، وقذف في قلوبهم الرعب وكبرت الملائكة في جوانب عسكرهم، فقال طلحة(4) بن خويلد الاسدي: أما محمد فقد بدأكم بالسحر فالنجاء النجاء الهرب، فانهزموا من غير قتال.

وحين سمع رسول الله بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة، أشار عليه بذلك سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، ثمّ خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب معسكره والخندق بينه وبين القوم والذراري والنساء قد دخلوا(5) في الاطام(6)، واشتدّ الخوف وظنّ المسلمون كلّ ظنّ ونجم

____________

(1) الاحزاب: 33 / 9.

(2) في المصدر: وسفت.

(3) في المصدر: فقلعت الاوتاد وقطعت الاطناب.

(4) في المصدر: طليحة.

(5) في المصدر: وأمر بالذراري والنساء فرفعوا.

(6) ع. ض: الاطعام، والمثبت من حاشية ع. ط. المصدر.

والاطام: الحصون، جمع أطم.