(وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ) يقول: ولا تلقوا أيديكم إلى التهلكة، والباء زائدة نحو زيادتها في قوله: (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)(1) وإنّما هي تنبت الدهن.
قال أبو الغول:
ولقد ملات على نُصب جلده | بمساءة إنّ الصديق بعاتب |
والتهلكة والهلاك واحدة
قتادة: (وَأنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ)الاية قال: أعطاهم الله رزقاً وأموالاً فكانوا يسافرون ويغتربون ولا ينفقون من أموالهم، فأمرهم الله أن ينفقوا في سبيل الله وأن يحسنوا فيما رزقهم الله.
عبيدة السلماني: (وَلاَ تُلْقُوا بِأيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ)قال: هو الرجل يصيب الذنب الذي يرى أنّه لن ينفعه معه عمل فيلقي بيده إلى التهلكة، فنهوا عن ذلك.
ابن عباس: (وَأنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) الاية قال: إن لم يجد الرجل الاستقصاء فليجتهد(2) في سبيل الله الاية، ولا
____________
(1) المؤمنون: 23 / 20.
(2) حاشية ع: فليجاهد.
ثمّ ذكر(1) البلخي عن جماعة:
أنّ التهلكة: البخل، أو يقاتل ويعلم أنّه لا ينفع بقتاله، أو هو ما أهلكهم عند الله جلّ جلاله.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
اعلم أنّ قول البلخي: إنّ الباء زائدة في قوله جلّ جلاله: (بِأيْدِيكُمْ).
فهو قول يقال فيه: إنّه لو كانت الباء زائدة لكان الالقاء إلى التهلكة بالايدي فحسب، ولمّا قال جلّ جلاله: (لاَ تُلْقُوا بِأيْدِيكُمْ) كان مفهومه لا تُلقوا بأنفسكم، وهو الظاهر من الاية، فلا ينبغي أن يتحكّم بأنّها زائدة.
أقول:
وأمّا المثال الّذي ذكره في قوله جلّ جلاله: (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ).
فيقال له: لو قيل لك: إنها لو كانت زائدة لكان المراد كما زعمت أنها تنبت الدهن، ومن المعلوم أنّ الدهن لا يسمّى نباتاً حتّى يقال تنبت الدهن، وإنّما ما المانع أن تكون الباء في قوله جلّ جلاله: (بالدُّهْنِ)أن تكون في موضع لام، فتكون على معنى تنبت للدهن، فانّ حروف الصفات تقوم بعضها مقام بعض، وهو في القرآن في عدّة مواضع.
ويقال عن تفسير الالقاء إلى التهلكة: إنّ الوجه الّذي ذكره في أنّها
____________
(1) حاشية ع: حكى.
[98] فصل:
فيما نذكره من الجزء الرابع من تفسير البلخي، وهو الثاني من المجلّد الثالث، من الوجهة الاوّلة من القائمة الثانيه من الكراس السادس، قوله: (وَإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ أرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيطْمَئِنّ قَلْبِي قَالَ فُخذْ أرْبَعَةً مِنَ الطَّيْر فَصُرْهُنَّ إلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(2)، فقال ـ الفاظه(3) طويلة وهو في نحو ثلاث قوائم فنذكر معنى ما نختار ذكره ـ:
منها: أنَّ ابراهيم صلوات الله عليه طلب رؤية إحياء الموتى، ليكون مشاهداً لكيفية الاحياء.
ومنها: أنّه خاف أنّ النمرود أو غيره يقول له: أنت شاهدتَ ربّك وهو يحيي الموتى؟ فإذا قال: لا، صار ذلك كالشبهة لهم، فأراد إبراهيم (عليه السلام) أن يرى كيفيّة الاحياء ليقول لهم: نعم شاهدتُ.
____________
(1) ع. ض: ومتمثلاً، والمثبت من ط.
(2) البقرة: 2 / 260.
(3) حاشية ع: ما الفاظه.
ومنها: أنّه رأى جيفة على البحر يأكل منها الطير والسباع، فأحبّ أن يرى اجتماعها عند الحياة من بطون مَن أكلها.
أقول:
وروينا نحن وجهاً آخر، وهو: أنّ إبراهيم (عليه السلام) كان موعوداً بالخلّة من الله جلّ جلاله، وأنّ دلالة اتخاذه خليلاً إحياء الموتى له، فسأله أن ينعم عليه بإحياء الموتى ليطمئنّ قلبه بالخلّة.
وذكر البلخي فيما رواه:
أنّ قول إبراهيم (عليه السلام): (وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أنّي أزداد يقيناً، وفي رواية أزداد إيماناً، وفي رواية أعلم إجابة دعائي في سؤالي لك أن تريني كيف تحيي الموتى.
ثمّ ذكر البلخي:
أنّ إبراهيم احتج بطلوع الشمس من المشرق وأن يأتي بها نمرود من المغرب، قال: فقامت الحجّة عليه فهو الحقّ.
أقول:
وبلغني عن بعض مَن يجهل موضع الحجّة فيما احتجّ به إبراهيم (عليه السلام)، وقال هذا الجاهل: لو كان حديث إبراهيم معه لكابره وقال: إنّه يأتي بالشمس من المشرق فليأت بها ربّك من المغرب.
فقلت: إنّ نمرود ربما يكون المانع له من هذه المكابرة أنّه علم أنّه وكلّ مَن معه يعلمون بالمعاينة وبتعريف آبائهم وأسلافهم أنّ هذه
قال البلخي في الوجهة الاوّلة من القائمة الخامسة من الكرّاس السادس المذكور ما هذا لفظه:
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلاَ أذىً لَهُمْ أجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)(3) آية عند الجميع، وفي هذه الاية دليل على أنّ الكبائر تحبط الطاعات وتبطل ثواب فاعلها.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
كيف عرف أنّ هذه الاية تدلّ على الاحباط؟ وليس في ظاهرها إلاّ مدح مَن ينفق في سبيل الله ولا يتبع نفقته منّاً ولا أذىً، وأنّه يستحقّ أجراً ولا يخاف ولا يحزن، أما يحتمل هذا الظاهر أنّ الّذي ينفق في سبيل الله ويمنّ على من يتصدّق عليه أو يكذب عليه أنّه يمكن قبول صدقته ولكن لا تكون بهذه الصفات في مدحته وتعظيم منزلته، وكان الّذي اعتمد عليه البلخي بعيد(4) من دليل الخطاب.
____________
(1) حاشية ع: أحد.
(2) ع. ض: وإفضاحاً، والمثبت من حاشية ع.
(3) البقرة: 2 / 262.
(4) ع: يعتدّ.
ولو كان قد فرّق بين الجاهل بشروط الانفاق في سبيل الله إذا منّ بها لجهله، وبين العالم بشروطها إذا منّ بها مع علمه، لكان قد قارب في أنّ العالم غير معذور.
ولكن الاحباط بعيد بهذه الاية مع ما دلّت عليه الاية الاخرى، وقد دلّت الاوّلة على بطلان التحابط(2) على الوجه الّذي يقوله البلخي، وما ها هنا موضع ذكرها، أما يعلم كلّ منصف أنّ الكريم الحليم يليق به أن يترك ماله ويبقى ما عليه.
[99] فصل:
فيما نذكره من جزء آخر عليه مكتوب الجزء الرابع، وهو من تفسير البلخي، أوّله قول الله جلّ جلاله: (وَإذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ)(3)، وآخره من تفسير: (قُلْ أرَأيْتَكُمْ إنْ أتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ)(4)، نذكر منه من الوجهة الاوّلة من القائمة السابعة من
____________
(1) البقرة: 2 / 263.
(2) ع. ض: التحافظ، والمثبت من ط.
(3) النساء: 4 / 102.
(4) الانعام: 6 / 40.
قوله جلّ ثناؤه: (إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازَدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً)(1)، آية عند الجميع.
وذكر معنى السبيل، ثمّ قال البلخي ما هذا لفظه:
وقال بعضهم: هؤلاء الّذين نزلت فيهم هذه الاية هم الّذين آمنوا بموسى ثمّ كفروا بعزير ثمّ كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفراً بتكذيبهم النبي (صلى الله عليه وآله) آمنوا به ثمّ كفروا ثم آمنوا ثمّ كفروا، قال: ماتوا(2).
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
قد تعجبتُ من هذا التأويل وكون البلخي ما ردّه ولا طعن عليه وأن ظاهر الاية عن موصوفين بهذه الصفات كلّها، وكيف يعلّل(3) أنّ قوماً كانوا باقين من زمن موسى إلى زمن محمد (صلى الله عليه وآله) كانت فيهم هذه الصفات من الايمان والكفر المتكرّر؟
وإن قال قائل: معنى هذا أنّ منهم قوم آمنوا وتابوا وجاء بعدهم قوم كفروا وجاء قوم آمنوا(4) ثمّ كفروا ونحو هذا الكلام.
____________
(1) النساء: 4 / 137.
(2) حاشية ع: آمنوا به ثمّ كفروا ثمّ ازدادوا كفراً قال ماتوا.
(3) حاشية ع: يقال.
(4) ع. ض: كذبوا، والمثبت من حاشية ع.
ولو كان البلخي قد ذكر أنّ هذه الاية نزلت فيمن اجتمعت فيه هذه الصفات من إيمان وكفر(1)، كان قد استظهر في التأويل الّذي يليق بتعظيم القرآن، ولم يدخل عليهم طعن في مكابرة العيان.
[ ] فصل:
فيما نذكره من الجزء السابع من تفسير البلخي من أول قائمة منه:
بإسناده عن عبادة بن الصامت(2) قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قوله: (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(3)؟ قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له».
[100] فصل:
فيما نذكره من الجزء التاسع من تفسير البلخي، من الوجهة الثانية من القائمة الثالثة منه وبعضه من الوجهة الاولة من القائمة الرابعة، في تفسير قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأحِبَّاؤه قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ)(4)، فقال البلخي بلفظه:
____________
(1) حاشية ع: من إيمان وكفر وإيمان وكفر.
(2) ع. ض: عباد بن الصاحت، والمثبت من حاشية ع.
(3) يونس: 10 / 64.
(4) المائدة: 5 / 18.
فيقال للبلخي:
إنّ هذا التأويل ممكن، كما أنّ لفظهم ربما كان عبرياً أو سريانياً ولفظ القرآن عربي، ويمكن أنّهم قالوا ما يقتضي(2) صورة اللفظ كما حكاه الله جلّ جلاله عنهم، ويكون المراد بقول الله تعالى: (نَحْنُ أبْنَاءُ اللهِ) عن النصارى لظهور ذلك في الانجيل واعترافهم بالتلفّظ به، وقوله تعالى: (وَأحِبَّاؤهُ) عن اليهود، فيجعل الوصف لكلّ فريق منهم بما يليق بظاهر حالهم.
أو يقول: إنّه كان لهم سلف لليهود والنصارى يقولون ذلك، والخلف يتولّون(3) السلف، فكانت ولايتهم لهم مشاركة لهم فيما كانوا يقولون وكالموافقة لما كانوا يعتقدون.
ثمّ قال البلخي ما هذا لفظه:
وفي هذه الاية أعظم حجّة على مَن أنكر الوعيد من المرجئة وأجاز أن يعذب الله مَن لم يخرجه ذنبه(4) من الايمان ولا
____________
(1) حاشية ع: ولكنهم.
(2) ع. ض: يقتضي، بدون (ما)، والمثبت من ط.
(3) ع. ض: يقولون، والمثبت من حاشية ع.
(4) ع. ض: دينه، والمثبت من ط.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
من أين قال البلخي: إنّ في هذا أعظم حجّة؟ أما ترى التعصّب للعقائد كيف يبلغ إلى هذا الحدّ الفاسد، ولو ادّعى أنّ فيه حجّة ولا يقول أعظم حجّة كان فيه بعض الشبهة، وهل في ظاهر الاية شيء ممّا قاله؟ لانّ صفة الولاية والمحبّة الّتي تكون حقيقة مطلقة تقتضي أنّه ما يكون لهم ذنب أصلاً، فكان الله جلّ جلاله ردّ عليهم وقال: لو كنتم أحبّاءه من كلّ وجه كيف كان يعذّبكم بذنوبكم؟! وإلاّ فكيف يكون وليّاً من جانب طاعته وعدوّاً من جانب ذنوبه ومعصيته؟ أو يكون حبيباً من جانب رضاه وعدوّاً من جانب سخطه ومفارقته فيكون وليّاً أو حبيباً من سائر جهاته؟ فأنكر الله جلّ جلاله ذلك، وهو واضح الانكار.
وأمّا قول المرجئة: إنّ الفسّاق مؤمنون، فما ادّعوا ولاية ولا محبّة حتّى تصحّ المعارضة لهم.
وأمّا جواب تعذيب المؤمن، فلا أدري كيف أنكر ذلك وهو يرى الحدود والاداب وهي من العقوبات جارية في الدنيا على المؤمنين ولم تخرجهم عن اسم الايمان في الحال؟ وقد سمّى الله جلّ جلاله في
____________
(1) ع. ض: عن، والمثبت من حاشية ع.
أقول:
وقد ترى العقلاء يعذّبون أبناءهم وخواصّهم والعزيزين عليهم من وجه ويكرمونهم من وجه والعيان دالّ عليه، وترى القرآن الشريف يتضمّن معاتبات الانبياء وإخراج آدم من الجنة وبلواهم وهو كالادب من وجه وهم مكرّمون معظّمون من وجوه أخر.
ثمّ قال البلخي ما هذا لفظه:
ولن يجوز أن يعذب الله واحداً ويغفر لاخر في مثل حاله، لانّ ذلك هو المحابات والله لا يحابي ولا هوادة ولا قرابة بينه وبين أحد من خلقه.
فيقال له:
وهل ينكر أحد أنّ كثيراً من الذنوب الّتي أهلك الله جلّ جلاله بها كثيراً من الامم الماضية وقع مثلها في أمّة نبيّنا (صلى الله عليه وآله) ولم يعاجلهم ويعاقبهم كأولئك؟ وهل يجد عاقل في عقله أنّه يمنع مانع من العفو عن أحد مسيء دون الاخر إن(1) تساوت إساءتهما؟! وهل يمنع صاحب دين على اثنين متساويين في الدين وغيره أن يسقط ديونه عن أحدهما ويطلب ديونه الّتي على الاخر.
ثمّ قال البلخي بلفظه:
فإن قال قائل: إنّ الخلق خلقه والامر أمره يصنع ما يشاء.
____________
(1) ع. ض: فإن، والمثبت من ط.
فيقال له:
كيف حكمَتْ عليكَ العصبيّة للعقيدة الّتي أنت عليها إلى هذه الغاية التي أجريت إليها؟ وهل وجد العقول تحيل أنّه إذا كان للعبد حسنة وسيّئة أن يجازى على حسنته ويعاقب على سيّئته؟ وهل هذا خارج عن الحكمة والصواب؟
وأمّا معارضته بالانبياء والشياطين، فأين تساوي الانبياء والشياطين؟! فما كان الحديث فيه، وهل يجد منعاً(2) بلا خلاف بين الامّة من تعذيب الانبياء ومن العفو عن الشياطين كما ذكر عن فسّاق المؤمنين؟ ما الّذي أحوجه إلى الضلال المبين.
[101] فصل:
فيما نذكره من الجزء العاشر من تفسير البلخي، من الوجهة الثانية من القائمة الثامنة من الكراس الثامن منه، من تفسير قول الله جلّ جلاله: (وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ)(3)، فقال ما هذا لفظه:
أم لهم شركوا بالواو والالف، وكذلك الّذي في عسق ام لهم
____________
(1) ع. ض: فما جرأ، والمثبت من حاشية ع.
(2) ض: معاً.
(3) الانعام: 6 / 94.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
قد قدّمنا من كلام هذا البلخي من الجزء الاول من تفسيره ما يقتضي إنكاره للزيادة والنقصان في المصحف الشريف كما تذكره العلماء، وممّا حقّقه من أن المصحف جمعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حياته، وأرى ها هنا قد ذكر أنّ المصحف متضمّن لزيادات حروف، وقد اعترف بمصحف عثمان وباسم كاتبه، فأين هذا القول الان ممّا ذكرناه عنه في ذلك المكان.
[102] فصل:
فيما نذكره من الجزء الحادي عشر من تفسير البلخي، بعضه من القائمة الاوّلة منه وبعضها من الثانية، في تفسير قوله الله جلّ جلاله: (وَإنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أوْلِيائِهمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإنْ أطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)(2)، فقال ما هذا لفظه:
____________
(1) حاشية ع: شفعوا والضعفوا.
(2) الانعام: 6 / 121.
وفي الاية حجة على أنّ الايمان إسم لجميع الطاعات وإن كان في اللغة هو التصديق، كما أنّ الشرك اسم لما جعله الله إسماً له من الكفر بنبيه صلّى الله عليه وسلّم والاعتقاد لتحليل ما حرّمه الله أو لتحريم ما حلّل الله، وإن كان في اللغة اسماً لاعتقاد الشرك وهو أن يعتقد أنّ مع الله شريكاً.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
قول البلخي(1) يقتضي أنّ الله جلّ جلاله يسمّي بالشرك من لم يكن مشركاً ويجوز ذلك عنده، وهو قول عجيب، وما الّذي أحوج البلخي إلى خروج التأويل عن الشرك الحقيقي؟ فإنّهم إذا أطاعوا الشياطين بطاعة(2) الله جلّ جلاله وقدّموا طاعتهم على طاعة الله جلّ جلاله فقد أشركوا وزادوا على الشرك بإيثارهم للشياطين على الله جلّ جلاله، وهو شرك في مقام الطاعة على الحقيقة، وكيف أجاز أن يسمّي الله جلّ جلاله مشركاً مَن ليس بمشرك؟! وعنده أنّ هذا كذب يستحيل على الله، وأنّ كلّما يكون لفظه على غير ما هو عليه فإنّه قبيح لذاته على مذهبه في الموافقة للمعتزلة، وما الّذي أحوجه إلى هذاوأمّا قوله: إنّه حجّة على أنّ الايمان إسم لجميع الطاعات.
فأين موضع الحجّة الّتي ادّعاها من هذه الاية؟ وأين وجد فيها إسم جميع الطاعات.
____________
(1) ع. ض: الجبائي، والمثبت من ط، وهو الصحيح.
(2) حاشية ع: كطاعة.
[103] فصل:
فيما نذكره من الجزء الثاني عشر من تفسير البلخي، من ثالث كراس منه من الوجهة الاوّلة من القائمة الرابعة وتمامه من الوجهة الثانية منها بلفظ ما نذكره، قوله: (وَإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأشْهَدَهُمْ عَلَى أنْفُسِهِمْ أَلسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أوْ تَقُولُوا إنَّمَا أشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)(1)، فقال البلخي ما هذا لفظه:
وقد ذهب قوم إلى أنّ الله جلّ ذكره أخرج ذرّية آدم من ظهره وأشهدهم على أنفسهم وهم كالذرّ.
وذلك غير جائز عن الاطفال فضلاً عمّن هو كالذرّ لا حجّة عليه، ثمّ إنّ الله قد دلّ على خلاف ما قالوا، لانّ الله عزّوجلّ قال: (وَإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)، ولم يقل: من آدم، وقال: (مِنْ ظُهُورِهِمْ)، ولم يقل: من ظهره، وقال: (ذُرِّيَّتَهُمْ)، ولم يقل: ذرّيته، ثمّ قال: (أوْ تَقُولُوا إنَّما أشْرَكَ آباؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)، فأخبر أنّ هذه الذرّية قد كان قبلهم مبطلون وكانوا هم بعدهم.
____________
(1) الاعراف: 7 / 172 ـ 173.
وهذا لا يصحّ عن عمر، لما قلناه، على أنّ الراوي لهذا الحديث عن عمر سليمان بن يسار الجهني، وقد ذكر يحيى ابن معين أنّ سليمان بن يسار هذا لا يدري مَن هو.
ثمّ تأوّل البلخي الاية:
على أنّ هذه الاية معناها بعد وجودهم في الحياة الدنيا، وأنّ معنى (أشْهَدَهُمْ) أنّه جعل في عقولهم الدلالة على ذلك.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
إنّ القول الّذي حكاه عن عمر وطعن فيه بالوجوه الّتي ذكرها، ما يقتضي طعناً صحيحاً، لانّ بني آدم خلقوا جميعهم من ظهر آدم لصلبه بغير واسطة، والاية ظاهرها(1) على ما روي عن عمر(2) تتضمّن أنّه أخذ الذرّية على ما ينتهي حالها إليه إلى يوم القيامة، فيكون (مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) ولا يجوز أن يكون من ظهر آدم فحسب، لانها ظهور كثيرة وذرّية كثيرة.
وأمّا قول البلخي: إنّ قولهم: (أشْرَكَ آباؤنَا... وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) يقتضي أنّهم في الحياة الدنيا.
فعجبتُ من البلخي، لانّ الله جلّ جلاله حكى قولهم يوم القيامة لئلاّ يقولوا: (إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)، ولئلاّ يقولوا: (إنَّمَا أشْرَكَ
____________
(1) ع. ض: ظاهرة، والمثبت من حاشية ع.
(2) ع. ض. ط: عثمان، والمثبت من حاشية ع.
وأمّا قول يحيى بن معين: إنّه ما يعرف الراوي عن عمر.
فليس كلّ أحد يعرفه يحيى بن معين، وإنّما يعرف بقدر مجهوده في علمه، ويكفي أنّ يحيى بن معين يعرف الذي روى عن سليمان بن يسار وأنّه عنده ثقة، وكيف يطعن على الرجل المعروف بروايته عمّن لا يعرف يحيى بن معين؟ وإنّما كان عند البلخي طعن غير ما ذكره على روايته عن عمر فيكون طعناً صحيحاً فيكون الحكم له، وإلاّ فقد كشفنا عن طعونه في هذا الباب وهي بعيدة من الصواب.
أقول:
وأمّا قول البلخي: إنّ الذرّ لا حجّة عليهم وطعنه بذلك في التأويل.
فيقال: قد عرف أهل العلم أن قد روي: «أنّ المتكبّرين يحشرون يوم القيامة في صورة الذرّ»(1)، فإذا كان يوم المواقفة والمحاسبة يكونون في صورة الذرّ ويصحّ حسابهم، جاز أن يخرجوا من ظهور آبائهم في صورة الذرّ ويمكن سؤالهم وتعريفهم.
ويقال له: إذا كان الّذي يخاطب العقول والارواح، وكان
____________
(1) راجع: سنن الترمذي: 4 / 655 رقم 2492 باب 47 من كتاب صفة القيامة، مسند أحمد: 2 / 179 وراجع: الكافي: 2 / 311 حديث 11 باب الكبر.
[104] فصل:
فيما نذكره من الوجهة الثانية من القائمة الاوّلة من الجزء الحادي والعشرين من تفسير البلخي بلفظه:
(قُلْ مَا يَعْبَؤُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً)(3)، ثمّ روي عن يحيى بن زكريا، عن ابن جريح، عن مجاهد في قوله: (لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ) قال: ليعبدوه ويطيعوه.
ثمّ قال البلخي:
وهذا هو التأويل، يقول: لولا ما يجب في الحكمة من دعائكم إلى الحق والطاعة ما كنتم ممّن يذكر.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
وجدتُ في بعض الروايات: أنّ المراد (لَوْ لاَ دُعَاؤُكُمْ) من الدعاء(4)، ولعمري إنّ الدعاء لا يصحّ إلاّ بعد المعرفة بالله جلّ جلاله
____________
(1) راجع: الكافي 1 / 26 حديث 26، وراجع حديث 1 أيضاً.
(2) راجع: كنز العمال 6 / 162 رقم 15226.
(3) الفرقان: 25 / 77.
(4) راجع: أمالي الطوسي 2 / 107.
[105] فصل:
فيما نذكره من الوجهة الثانية من أوّل قائمة من الكراس الاوّل من الجزء الثاني والعشرين من تفسير البلخي، في تفسير قوله تعالى: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إنِّي مُهَاجِرٌ إلَى رَبِّي إنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(3)، فقال البلخي بلفظه:
(وَقَالَ إنِّي مُهَاجِرٌ)، كلّ من خرج من داره أو قطع سبباً فقد هاجر، قال الضحّاك: هو إبراهيم (عليه السلام) وكان أوّل مَن هاجر فِي الله.
يزيد(4)، عن أبي يونس، عن قتادة قال: هاجر إبراهيم ولوط من كوثي، وهي من سواد الكوفة إلى الشام.
____________
(1) الانعام: 6 / 43.
(2) ع. ض: ينبئهم، والمثبت من حاشية ع.
(3) العنكبوت: 29 / 26.
(4) ض: بريد.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
كان ينبغي أن يذكر معنى المهاجرة إلى الله جلّ جلاله، لانّ الله حاضر في الموضع الّذي هاجر(1) منه إلى الموضع الّذي هاجر إليه.
ولعلّ المراد بالمهاجرة إلى الله جلّ جلاله الانقطاع إليه بالكلّية عن كلّ شاغل والتجرّد له، وإن كان إبراهيم (عليه السلام) كان كذلك في الوطن الاول، لكن ظاهر حال المخالط للناس أو المبتلى بهم مع اشتغاله بالله جلّ جلاله وامتثاله لامره، أنّه يكون من جملة طاعاته اشتغاله بالناس في الاول أو بغير الناس من أسباب الطاعة، فلعلّه أراد أن يكون المهاجرة إلى مجرّد الاشتغال بالله جلّ جلاله بغير واسطة من سائر الاسباب.
وأمّا قوله: كلّ مَن خرج من داره فقد هاجر.
فبعيد من عرف الشرع وعرف العادة، لانّ الخارج من داره مجتازاً(2) من بلد إلى بلد لا يسمّى مهاجراً، بل متى قصده للمهاجرة والاقامة به.
[106] فصل:
فيما نذكره من الجزء الثالث والعشرين من تفسير البلخي، من الوجهة الاوّلة من القائمة السادسة من الكراس الثالث منه بلفظه:
قوله: (إنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(3) آية واحدة.
____________
(1) حاشية ع: يهاجر، وكذا في المورد الاتي.
(2) ض: مختاراً.
(3) الاحزاب: 33 / 56.
عن المغيرة، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال: قالوا: يا رسول الله هذا السلام قد عرفناه، وكيف الصلاة عليك؟ قال: «قولوا: اللّهم صلّ على محمّد عبدك ورسولك وأهل بيته كما صلّيت على إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك عليه وعلى أهل بيته كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد».
أقول:
وروى البلخي ذلك من عدّة طرق.
وقد تقدّم قوله في تأويل: (إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1) في القائمة الخامسة من الكرّاس الاول من هذا الجزء، فقال بعد قائمة أخرى ما هذا لفظه:
وكيع، عن عبد الحميد(2) بن بهرام، عن شهر بن حوشب
____________
(1) الاحزاب: 33 / 33.
(2) ع. ض: عبد الحميدي، ط: عبد الرحمن، والمثبت من حاشية ع.
وراجع عنه في: تهذيب الكمال: 16 / 409 رقم 3706.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
فإذا كان هؤلاء هم أهل البيت (عليهم السلام) المأمور بالصلاة عليهم مع الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)، وهم الذين نزلت فيهم آية التطهير، فما الّذين فرّق بينه (عليه السلام) وبينهم (عليهم السلام) عند البلخي وأمثاله بعد هذا الاتصال الالهي والتعظيم الربّاني؟! وهلاّ كان عنده كذلك في حياته (عليه السلام) وبعد وفاته مستحقّين لمقاماته كما كانوا شركاؤه في خواصّ صلواته ودرجاته.
[107] فصل:
فيما نذكره من مجلّد من تفسير البلخي، أوله سورة ص، وآخره تفسير قول الله جلّ جلاله: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ)(1)، من الكرّاس الرابع منه من تفسير قوله تعالى عن دعاء الملائكة (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم)(2) فقال البلخي(3) ما معناه:
إنّ هذه تدلّ دلالة واضحة على أنّ الشفاعة يوم القيامة للمؤمنين أو المذنبين التائبين لا لمرتكبي الكبائر الّذين
____________
(1) الاحقاف: 46 / 20.
(2) غافر: 40 / 7.
(3) ع. ض: الجبائي، والمثبت من ط، وهو الصحيح.