وقال الكلبي: قالت قريش: تزعم يا محمّد أنّ مَن خالفك فهو في النار والله عليه غضبان وأنّ مَن اتّبعك على دينك فهو من أهل الجنة والله عنه راض، فأخبرنا بمن يؤمن وبمن لا يؤمن؟ فأنزل الله تعالى هذه الاية(1).
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
اعلم أنّ قول المنافقين: إنهم معه ولا يعرفهم، جهل منهم، فإنّه يمكن أنّه كان يعلمهم ويستر ذلك عنهم، وإنّما اعتقدوا أن ستر النبي (صلى الله عليه وآله) عليهم وحلمه عنهم يدلّ على أن لا يعلمهم، ولو قالوا حقّاً لعرفوا أنّه يتعذّر أن يكون أحد إلاّ وهو يستر بعض ما يعلم من الناس عنهم، فهلاّ كان للنبي (صلى الله عليه وآله) أسوة بسائر الناس.
وأمّا الّذي ذكره النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه عرضت عليه أمّته، فلّعله يريد أنّ الله جلّ جلاله عرضهم عليه والله جلّ جلاله قادر على ذلك عند مَن عرفه، ولكن المنافقين جاهلين بالله وبرسوله (عليه السلام).
وعسى أن يسبق إلى خاطر أحد قول الله جلّ جلاله: (وَمِنْ أهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلى النِّفَاقِ لاَ تَعْلمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)(2)، فيظنّ أنّ هذه الاية معارضة للحديث.
واعلم أنّها ليست معارضة، لاحتمال أن يكون عرض أمّته عليه بعد نزول هذه الاية، وأيضاً فإنّ الحديث تضمّن أنّه عرف مَن يؤمن به
____________
(1) أسباب النزول: 88.
(2) التوبة: 9 / 101.
[135] فصل:
فيما نذكره من مجلّدة صغيرة القالب عليها مكتوب: رسالة في مدح الاقلّ وذمّ الاكثر عن زيد بن عليّ بن الحسين (عليهم السلام)، نذكر فيها من الوجهة الثانية من القائمة الثالثة ما معنى:
أنّ زيداً (عليه السلام)دخل الشام، فسمع به علماؤها فحضروا لمشاهدته ومناظرته، وذكروا له: أنّ أكثر الناس على خلافه وخلاف ما يعتقده (عليه السلام)في آبائه من استحقاق الامامة، واحتجّوا بالكثرة، فاحتج (عليه السلام) عليهم بما نذكره بلفظه:
فحمد الله زيد بن عليّ وأثنى عليه وصلّى على نبيّه (صلى الله عليه وآله)، ثمّ تكلّم بكلام ما سمعنا قرشيّاً ولا عربيّاً أبلغ في موعظة ولا أظهر حجّة ولا أفصح لهجة منه.
ثمّ قال: إنّكَ ذكرتَ الجماعة وزعمتَ أنّه لن يكن جماعة قط إلاّ كانوا على الحقّ، والله عزّوجلّ يقول في كتابه: (إلاَّ
____________
(1) ورد في حاشية ع: وهذا واضح الحمد لله.
وقال: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّة يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الاْرْضِ إلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أنْجَيْنَا مِنْهُمْ)(2).
وقال: (وَلَوْ أنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أنِ اقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ أوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ)(3).
وقال: (إلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ)(4).
وقال في الجماعة: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)(5).
وقال: (وَإنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَنْ فِي الاْرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(6).
وقال: (أَمْ تَحْسَبُ أنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُم إلاّ كَالاَْنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ سَبِيلاً)(7).
____________
(1) سورة ص: 38 / 24.
(2) هود: 11 / 116.
(3) النساء: 4 / 66.
(4) البقرة: 2 / 249.
(5) يوسف: 12 / 103.
(6) الانعام: 6 / 116.
(7) الفرقان: 25 / 44.
ثمّ أخرج إلينا كتاباً قاله في الجماعة والقلّة.
أقول: فتضمّن الكتاب ضلال أكثر الامم عن الانبياء (عليهم السلام) وما ذكر الله جلّ جلاله في آل عمران من مدح القليل وذمّ الكثرة، وما ذكره في سورة النساء، وفي سورة المائدة، والاعراف، والانفال، وسورة يونس، وسورة هود، وسورة النحل، وسورة بني إسرائيل، وسورة الكهف، وسورة المؤمنين، وسورة الّتي فيها ذكر الشعراء، وسورة قصص موسى، وسورة العنكبوت، وسورة تنزيل السجدة، وسورة ذكر الاحزاب، وسورة ذكر سبأ، وسورة يس، وسورة ص، وسورة المؤمن، وسورة الاحقاف، وسورة الفتح، وسورة الذاريات، وسورة اقتربت الساعة، وسورة الواقعة، وسورة الصفّ، وسورة الملك، وسورة نون، وسورة الحاقّة، وسورة البقرة، وسورة الانعام، وسورة التوبة، وسورة يونس، وسورة الرعد، وسورة إبراهيم ; وسورة الحجر، وسورة الفرقان، وسورة النمل، وسورة الروم، وسورة
____________
(1) التوبة: 9 / 34.
(2) المائدة: 5 / 49.
أقول:
وهكذا وجدنا ترتيب السور في الرواية كما ذكرنا.
ثمّ قال خالد بن صفوان راوي الحديث ما معناه:
فخرج السامعون(1) متحيّرين نادمين كيف أحوجوه إلى سماع(2) هذه الحجج الباهرة.
ولم يذكر أنّهم رجعوا عن عقائدهم الفاسدة الداثرة، وما ادعوا شبهة لدفع ما احتجّ به زيد (عليه السلام)، فنعوذ بالله من الضلال وحب المنشأ والتقليد الّذي يوقع في مثل هذا الهلاك والوبال.
[136] فصل:
فيما نذكره من كتاب قصص القرآن وأسباب(3) نزول آيات القرآن، تأليف الهيصم بن محمد الهيصم(4) النيسابوري، نذكر من آخر سطر منه من وجهة أوّله بلفظه:
فصل: في الملكين الحافظين:
دخل عثمان بن عفان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أخبرني عن العبد كم معه من ملك؟
____________
(1) حاشية ع: الشاميّون.
(2) ع: إسماع.
(3) ع. ض: وبأسباب، والمثبت من حاشية ع.
(4) ع. ض: القيصم بن محمد القيصم، وما أثبتناه من حاشية ع. ب.
وملكان بين يديك ومن خلفك(4).
وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله عزّوجلّ رفعك، وإذا تجبّرت على الله وضعك الله وفضحك.
وملكان على شفتيك، ليس يحفظان عليك إلاّ الصلوات على محمد.
وملك قائم على فيك، لا يدع أن تدخل الحية(5) في فيك
____________
(1) ع. ض: إن أحيا، والمثبت من ط.
(2) ع. ض: ما أقلّ مراقبة الله عزّوجلّ وأقلّ استحياء منّا، ب:... وما أقل استحياؤه منه، والمثبت من ط.
(3) سورة ق: 50 / 18.
(4) ع. ض: بين يديه ومن خلفه، والمثبت من ط.
وورد في ب: يقول الله سبحانه: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) [13 / 11].
(5) ع. ض: يداف للحية، حاشية ع: يراف للحية، ط: تدبّ الحيّة، والمثبت من ب.
فهؤلاء عشرة أملاك على كلّ آدمي يعدان ملائكة الليل على ملائكة النهار، لانّ ملائكة الليل سوى ملائكة النهار، فهؤلاء عشرون ملائكة على كلّ آدمي، وإبليس بالنهار وولده بالليل، قال الله تعالى: (وَإنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ)(2)الاية، وقال عزّوجلّ: (إذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ)(3) الاية».
واعلم أنّ الله عزّوجلّ وكّل بكلّ إنسان ملكين يكتبان عليه(4) الخير والشرّ، ووردت الاخبار: بأنّه يأتيه ملكان بالنهار وملكان بالليل، وذلك قوله عزّوجلّ: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ)(5)، لانّهم يتعاقبون ليلاً ونهاراً، وأنّ ملكي النهار يأتيانه(6) إذا انفجر الصبح فيكتبان ما يعمله إلى غروب الشمس.
وفي رواية: أنّهما يأتيان المؤمن عند حضور صلاة الفجر، فإذا هبطا صعد الملكان الموكّلان بالليل، فإذا غربت
____________
(1) ع. ض: وملك، والمثبت من حاشية ع. ب.
(2) الانفطار: 82 / 10.
(3) سورة ق: 50 / 17.
(4) حاشية ع: عمله.
(5) الرعد: 13 / 11.
(6) ع. ض: يأتيه، والمثبت من ط.
وفي رواية: أنّهما إذا أرادا النزول صباحاً ومساءاً ينسخ لهما إسرافيل عمل العبد من اللوح المحفوظ فيعطيهما ذلك، فاذا صعدا صباحاً ومساءاً بديوان العبد قابله إسرافيل بالنسخة الّتي انتسخ لهما حتّى يظهر أنّه كان كما نسخ منه.
وعن ابن مسعود (رضي الله عنه) أنّه قال: الملكان يكتبان أعمال العلانية في ديوان وأعمال السرّ في ديوان آخر من خيراته وكذلك من سيّئاته.
____________
(1) ط: الملكان الموكلان.
(2) ب: ويصعد.
(3) ب: اليوم لك.
فأمّا أربعة دواوين كلّ يوم وليلة فلا شكّ فيها، وأنّ دواوين أهل السعادة توضع في علّيّين تحت العرش ودواوين أهل الشقاوة توضع في سجّين سقف جهنم.
أقول:
والله لو تهدّده لابن آدم(1) بهذا بعض ملوك الدنيا أو سمع أنّ أحداً يتوعّده بدون هذه الاهوال كان قد قصر في سوء الاعمال والاقوال، فياويحه ما الّذي يهون عنده تهديد الله ورسوله (عليه السلام) ورضي بالتهوين والاهمال.
[137] فصل:
فيما نذكره من كتاب الناسخ والمنسوخ، تأليف نصر ابن علي البغدادي(2)، وهو مضاف إلى كتاب قصص القرآن للنيسابوري، من تفسير سورة غسق، من الاية الخامسة بلفظه:
الخامسة: (قُلْ لاَ أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(3).
____________
(1) لابن آدم، لم يرد في حاشية ع.
(2) مرّ في أول الكتاب في الفهرس الاختلاف في نسبة الكتاب لنصر أو لحفيده هبة الله، فراجع.
(3) الشورى: 42 / 23.
فقالت طائفة: هي محكمة لم تنسخ بشيء، واحتجّوا عليه بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله عزّوجلّ حبل ممدود وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».
وقال آخرون: بل هي منسوخة بقوله تعالى: (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أجْر فَهُوَ لَكُمْ)(1) الاية(2).
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
ليس في الاية الثانية ما يقتضي مخالفة للاولى حتّى يقال إنّها نسختها، وذاك أنّ المودّة في القربى فوائدها وثوابها وثمرتها للّذين توادّوا بهم، فقال الله جّل جلاله للنبي (صلى الله عليه وآله) ما معناه: إنّ الاجر الّذي طلبته عن رسالتي وهدايتي من مودّة أهل بيتي فهو لكم وفوائده راجعة إليكم، وهذا واضح(3).
أقول:
إنّ في هذه الاية القربى إشارة ظاهرة إلى إمامة أئمة أهل بيت النبوة، لانّه إذا كان أجر جميع الرسالة وما حصل بها من سعادة الدنيا والاخرة مودّة أهل بيته، فلا شيء يقوم مقام رسالته وهدايته إلاّ أن
____________
(1) سبأ: 34 / 47.
(2) الناسخ والمنسوخ: 165 ـ 166، مع اختلاف كثير.
علماً بأن هذا الكتاب نسب في المطبوع إلى هبة الله بن سلامة بن نصر بن علي البغدادي.
(3) ض: أصحّ.
[138] فصل:
فيما نذكره من الجزء الاول من مقدّمات علم القرآن، تصنيف محمد بن بحر الرهني، ذكر في أول كرّاس منه ما وجده من اختلاف القراءات وما معناه:
إنّ كلّ واحد منهم قبل أن يتجدّد القارئ الّذي بعده لا يجيزون إلاّ قراءته، ثمّ لمّا جاء القارئ الثاني انتقلوا عن ذلك المنع إلى جواز قراءة الثاني، وكذلك في قراءة السبعة، فاشتمل كلّ واحد منهم على إنكار قراءته، ثمّ عادوا إلى خلاف ما أنكروه، ثمّ اقتصروا على هؤلاء السبعة، مع أن قد حصل في علماء المسلمين والعالمين بالقرآن أرجح منهم، ومع أنّ زمان الصحابة ما كان هؤلاء السبعة ولا عدداً معلوماً للصحابة من الناس(1) يأخذون القراءات عنهم.
ثمّ ذكر محمّد بن بحر الرهني:
أنّه وقف على كتاب سهل بن محمد السنجري، وقد حمله المراء والمماراة على جميع أهل الكوفة والدق عليهم وعتب دينهم.
قال الرهني:
وسمعتُ أبا حاتم يطري نحو أهل البصرة ويهجو نحو أهل
____________
(1) حاشية ع: من الصحابة للناس.
قال الرهني ما هذا لفظه:
قلت: ولم يدع أبو حاتم مع ما قاله وهجائه الكوفة وأهلها ذكر تأليف عليّ بن أبي طالب للقرآن وأنّ النبيّ (عليه السلام) عهد إليه عند وفاته ألاّ يرتدي برداء إلاّ لجمعة حتّى يجمع القرآن، فجمعه، ثمّ حكى عن الشعبي على أثر ما ذكره أنّه قال: كان أعلم الناس بما بين اللوحين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
قال محمّد بن بحر الرهني:
حدّثني القرباني، قال: حدّثنا إسحاق بن راهويه، عن عيسى بن يونس، عن زكريا بن أبي زائدة، عن عطية بن أبي سعيد الكوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الاخر: كتاب الله عزّوجلّ حبل ممدود من السماء إلى الارض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لم يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».
قال محمد بن بحر(1) الرهني:
وما حدّثنا به المطهّر قال: حدّثنا محمد بن عبدالله بن نمير، عن عبيدالله بن موسى، عن الركين بن الربيع، عن القاسم بن حسّان، عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي تارك فيكم خليفتين: كتاب الله،
____________
(1) ع: محمد بن الحسن.
قال الرهني في الوجهة الاوّلة من القائمة الخامسة ما معناه:
كيف يقبل العقل والنقل أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم يجعل القرآن وأهل بيته عوضه وخليفتين من بعده في أمّته ولا يكون فيهما كفاية وعوض من غيرها مما حدث في الامّة وفي القرآن من الاختلاف؟!
[139] فصل:
فيما نذكره من الجزء الثاني من كتاف الحذف والاضمار، تصنيف أحمد بن ناقة المقرئ، من وجهة ثانية من عاشر سطر منها بلفظه:
%فصل: في قصة أصحاب الكهف:/%
(وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ)(1) وجه التشبيه في قوله: (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ) أي: كما حفظنا أحوالهم في طول تلك المدّة بعثناهم من تلك الرقدة، لانّ أحد الامرين كالاخر في أنّه لا يقدر عليه إلاّ الله تعالى، بين الله تعالى بذلك أنّه بعث أصحاب الكهف بعد موتهم الطويل من مرقدهم بعد بعده ليسأل(2) بعضهم بعضاً عن مدّة مقامهم، لينتهوا(3)
____________
(1) الكهف: 18 / 19.
(2) ع. ض: ليسألوا، والمثبت من حاشية ع.
(3) ع: لينبّهوا.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
قول هذا الشيخ: بعث أصحاب الكهف بعد موتهم الطويل.
لعلّه خلط من الناسخ أو سهو من المصنّف، فإنّه قد قدّم قبل هذا أنّه بعثهم من الرقدة، والقرآن الشريف يتضمن تصريحاً بأنّه (تَحْسَبُهُمْ أَيْقَاضاً وَهُمْ رُقُودٌ)(1)، ومن آيات الله جلّ جلاله في بقائهم بغير طعام ولا شراب ولا تغيّر الاجساد ولا مرض ولا تأثير الارض فيهم، مع تقلّبهم ذات اليمن وذات الشمال، لانّ كثرة التقليب في مثل تلك المدّة إذا لم تكن بقدرة القادر لذاته لا بدّ أن تؤثّر في الاجساد الترابية، وهو حجّة على منكري البعث وعلى مَن يدّعي أنّ الطعام أصل في بقاء الانام، وإنّما البقاء ممسوك بما يريد القادر لذاته المالك للانعام.
[140] فصل:
فيما نذكره من المجلّد الاول من شرح تأويل القرآن وتفسير معانيه، تصنيف أبي مسلم محمد بن بحر الاصفهاني، من الوجهة الاوّلة من القائمة الحادية عشر منه بمعناه، من تفسير الحروف المقطّعة:
(الم)(2)، اختلف قوم من المفسّرين ومؤلّفي الكتب في تأويل الحروف في سور القرآن:
فذكر قوم أنّها أسماء للسور.
وقال قوم: إنّ لكلّ حرف معنى يخصّه.
____________
(1) الكهف: 18 / 18.
(2) البقرة: 2 / 1.
وقال بعضهم: إنّما المشركون كانوا تواصوا ألاّ يستمعوا(1)القرآن، فجاءت هذه الحروف غريبة في عاداتهم ليستمعوها(2) ويسمعوا ما بعدها.
وقال الشعبي: إنّها حروف مقطعة من أسماء الله إذا جمعت صارت أسماء.
وذكر عن قطرب أنّه حكى عن العرب: أنّها افتتاح الكلام.
وقال بعض المتكلّمين: إنّ الله تعالى علم أنّه يكون في هذه الامّة مبتدعين وأنّهم يقولون إنّ القرآن ما هو كلام ولا حروف، فجعل الله تعالى هذه الحروف تكذيباً لهم.
ثمّ قال أبو مسلم محمد بن بحر الاصفهاني في الردّ على هؤلاء كلّهم ما معناه:
إنّها لو كانت أسماء للسور ما كنّا نرى كثيراً من السور خالياً من القرآن منها، ولا كانت تكون من القرآن وكان المسلمون قد سمّوها بها.
قال:
ومحال أن يكون الله جعلها أسماء للسور، ولو كان كذلك
____________
(1) حاشية ع: الاّ يسّمعوا.
(2) حاشية ع: ليسّمعوها.
قال:
وأمّا قول مَن ذكر أنّها تقتضي كلّ حرف معنىً بشبهه، فلم يرد في ذلك خبر عن النبي مقطوع به ولا في لسان العربية ما يقتضيه.
قال:
ولو كان بغير لغة العرب لكان النبي (عليه السلام) قد فسّره لهم ورفع الاختلاف فيه.
قال:
ويبطل ذلك قوله تعالى: (بِلِسَان عَرَبِيّ مُبِين)(1).
قال:
ومَن قال إنها علامة على أنّ السور الّتي قبلها قد انقضت، فما في هذه الحروف ما يقتضي ذلك ولا يفهم منه هذا أو يبطله ما ذكره على إبطال أنّها أسماء للسور.
قال:
وأمّا مَن قال: إنّه من المتشابه الّذي لا يعلم تأويله إلاّ الله، فإنّ الله لم يخبرنا أنّه استأثر علينا بشيء من علم المتشابه ثمّ قد بيّن لنا في كتابه ما تفرّد به من حديث وقت القيامة وعلوم الغيب.
قال:
____________
(1) الشعراء: 26 / 195.
قال:
ويصير الناس عالمين بالغيب.
قال:
وإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقومه لم يعرفوا حروف الجمل، وإنّما هي من علوم أهل الكتاب.
قال:
ولو كان المراد بها حروف الجمل، لدلّت على الامور الّتي لا تختلف الناس فيها.
قال:
وأمّا مَن ذكر أنّها لاجل تواطئ الكفّار ألاّ يسمعوا القرآن، فكيف يخاطبهم بغير العربية، والقرآن يتضمّن أنه بلسانهم، وكان يكون سبباً لاعراضهم عن استماع القرآن.
قال:
وأمّا حديث الشعبي وأنّها إذا جمعت كانت أسماء الله تعالى، فإنّما علّمنا الله تعالى أسماءه لندعوه بها، فقال:
قال:
ولا يفهم من الحروف المقطعة هذا.
قال:
وهذا قول مطرح مرذول.
قال:
وأمّا قول قطرب، فهي دعوى على العرب بغير برهان، وما وجدنا في كلامهم كما قال.
قال:
وأمّا قول مَن قال: إنّ الله عرف أنّه يكون مبتدعة، فالقوم الّذين أنكرو الحروف قد أنكروا المؤلف الواضح وقالوا: إنّه ليس من الله وإنّ الكلام عندهم صفة من صفات الله، فإذا جحدوا مثل هذا فكيف يندفعون بذكر الحروف؟
ثمّ قال:
قال أبو مسلم محمد بن بحر الاصفهاني وما معناه: والّذي عندنا أنّه لمّا كانت حروف المعجم أصل كلام العرب وتحدّاهم بالقرآن وبسورة مثله أراد أنّ هذا القرآن من جنس هذه الحروف المقطّعة الّتي يعرفونها ويقدرون على أمثالها، فكان عجزكم عن الاتيان بمثل القرآن بسورة منه دليل على
____________
(1) الاعراف: 7 / 180.
قال:
وممّا يدلّ على تأويله: أنّ كلّ سورة افتتحت بالحروف أتي بعدها(1) إشارة إلى القرآن، يعني أنّه مؤلّف من هذه الحروف الّتي أنتم تعرفونها وتقدرون عليها.
ثمّ سأل نفسه وقال:
إن قيل: لو كان المراد هذا لكان قد اقتصر الله على ذكر الحروف في سورة واحدة أو أقلّ مما ذكره.
فقال:
عادة العرب التكرار عند إيثار إفهام الّذي يخاطبونه.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
أمّا ما ذكره في الرد على الاقاويل، فبعضه قريب موافق للعقول وبعضه مخالف للعقول:
فإنّ قوله: إنّ الله ما استأثر علينا، ثمّ نعود إلى الاقرار بأنّ الله استأثر بعلم يوم القيامة وعلم الغيب.
وهلاّ جعل هذا من جملة علم الغيب الذي استأثر به؟ أو من القسم الّذي قال الله جلّ جلاله فيه: (مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاَّ اللهُ)(2).
____________
(1) ع. ض: بالحروف التي أنتم تعرفونها بعدها، والمثبت من حاشية ع.
(2) آل عمران: 3 / 7.
فالاية فيها استثناء، فهلاّ ذكر الاستثناء بقوله تعالى: (إلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُول)(2)، وغير ذلك من الجواب الّذي يطولوأمّا قوله: إنّه أراد تنبيه العرب على موضع عجزهم عن الاتيان.
فهذا لو كان لكانت الصحابة قد عرفته قبله ونقلوه نقلاً ظاهراً ومتواتراً، فكيف يعلم هو ما يكون قد خفي على الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ولم يكشف لهم سيّد المرسلين (عليه السلام).
[141] فصل:
فيما نذكره من مجلّد، قالب الربع، في تفسير القرآن، لم يذكر إسم مصنّفه، قال في قول الله جلّ جلاله في تفسير سورة البقرة في سطر رابع عشر:
قوله: (ألم)(3)، أي: أنا الله أعلم.
وقال في أوّل قائمة من تفسير سورة الاعراف في ثالث سطر في قوله تعالى: (ألمص)(4).
أي: أنا الله أفعل(5).
____________
(1) الجنّ: 72 / 26.
(2) الجنّ: 72 / 27.
(3) البقرة: 2 / 1.
(4) الاعراف: 7 / 1.
(5) ع. ض: أفضل، وكذا في المورد الاتي، وما أثبتناه من ط.