الصفحة 509

أقول:

وهذا غريب مما وقفنا وسمعناه من مقالات المفسّرين في تفسير الحروف المقطّعة في أول سورة القرآن، ولم يذكر حجة ولا شبهة على أنّ معنى (ألم) أي: أنا الله أعلم، ولا أنّ تفسير (ألمص) أي: أنا الله أفعل، وليس في ظاهرها ما يقارب ذلك.

[142] فصل:

فيما نذكره من جزء رابع من معاني القرآن، تأليف محمد بن جعفر(1) المروزي، من أوّل سطر من قائمة منه من وجهتها الثانية:

أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لوفد عبد قُسّ: «ما فعل قُسّ(2) بن ساعدة؟».

قالوا: مات يا رسول الله.

قال: «لقد رأيت منه عجباً: رأيته في سوق عكاظ على جمل ينادي(3) الناس، حتّى إذا اجتمعوا قال: أيّها الناس استمعوا وعوا: مَن عاش مات، ومَن مات فات، وكلّ ما هو آت آت، ثمّ ينشد في آخر كلامه:

____________

(1) ومرّ في فهرس الكتاب التعبير عنه: جعفر بن محمد.

(2) ورد في الاصول المعتمدة تارة: قس، وأخرى: قيس، والصحيح ما أثبتناه.

راجع ترجمته في كتاب الاغاني: 15 / 162.

(3) حاشية ع: فنادى.


الصفحة 510
في السابقين الذاهبين من القرون لنا بصائر
لمَّا رأيتُ موارداً للموت ليس لها معاذر(1)
(ورأيتُ قومي نحوها تمضي الاكابر والاصاغر(2)
(لا يرجع الماضي إليّ ولا من الباقين غابر(3)
أيقنتُ أنّي لا محالة حيث صار القوم صائر»
فجعل ترك رجعتهم منسوباً إلى أنفسهم، ولم يقل: يرجعون، لانّه لم يكن يؤمن بالبعث الّذي يكون به الرجع مفعولاً، لانّ بعضهم يقول: بل كلّ شيء هو فعل الله، فجائز أن يقال: رَجع ورُجع، وكلّ فعل يكتسبه العبد فالوجه فيه واحد، يقال: رَجع ويَرْجِع بفتح الياء وكسر الجيم.

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

وهذه الابيات مشهورة عن قُسّ بن ساعدة، ولكن النبي (صلى الله عليه وآله) ما كان ينشد شعراً، وإنّما قال (صلى الله عليه وآله)لبعض مَن كان سمع شعر قُسّ بن ساعدة: «هل تحفظ شعره؟» فقال: نعم، فاستنشده ذلك.

____________

(1) حاشية ع: مصادر.

(2) حاشية ع: الاصاغر والاكابر.

(3) ض: غاير.


الصفحة 511
وأمّا قول المصنّف المروزي: إنّ قُسّ بن ساعدة ما كان يقرّ بالبعث.

فإنّه إن كان قال هذا من طريق هذه الابيات، فمثل هذا المعنى كثير في كلام المقرّين بالبعث وأشعارهم على اختلاف الاوقات وقوله: إنه جعل ترك رجعتهم منسوباً إلى أنفسهم.

فليس في هذه الابيات ما يقتضي ما انتهى طعنه إليه، ولعلّ قُسّاً أنشد البيت بضم الياء من يُرْجَع وفتح الجيم، وقد استدركه استدراكاً ضعيفاً بقوله: وبعضهم يقول.

أقول:

والقرآن الشريف قد تضمّن نحو هذا، مثل قوله تعالى: (كُلٌّ إلَيْنَا رَاجِعُونَ)(1)، وما كان المراد أبدانهم راجعون من جهة أنفسهم، وما أدري كيف التبس مثل هذا الامر المكشوف على من يؤهل نفسه لتفسير القرآن المعظّم؟!

ونحن نذكر من حديث قُسّ بن ساعدة ما يقتضي أنّه كان مقرّاً بالبعث والنشور، وما يدلّ على معرفته بحكمة وفضل مشهور.

فمن ذلك: ما أخبرني به الشيخ الفاضل أسعد بن عبد القاهر الاصفهاني (رحمه الله) في مسكني بالجانب الشرقي من بغداد في صفر سنة خمس وثلاثين وستمائة، عن الشيخ العالم أبي الفرج عليّ بن السعيد

____________

(1) الانبياء: 21 / 93.


الصفحة 512
الراوندي، عن الشيخ أبي جعفر محمّد بن عليّ بن المحسن الحلبي، عن جدّي أبي جعفر محمد بن أبي الحسين الحسن الطوسي قدّس الله روحه، عن شيخه المفيد محمد بن محمد بن النعمان، عن شيخه السعيد أبي جعفر محمد بن بابويه من كتاب كمال الدين وتمام النعمة في الغيبة:

قال: أخبرني أبي (رحمه الله)، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين(1)، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال:

«بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكّة، إذ أقبل إليه وفدٌ فسلّموا عليه.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من القوم؟.

قالوا: وفد بكر بن وائل.

قال: فهل عندكم علم من خبر قُسّ بن ساعدة الايادي؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: فما فعل؟.

قالوا: مات.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحمد لله ربّ الموت ورب الحياة

____________

(1) ع. ض: يزيد، والمثبت من حاشية ع. المصدر.


الصفحة 513
(كُلُّ نَفْس ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)(1)، كأنّي أنظر إلى قُسّ بن ساعدة الايادي وهو بسوق عُكاظ على جمل له أحمر وهو يخطب الناس ويقول:

أيّها الناس اجتمعوا، فإذا اجتمعتم(2) فانصتوا، فإذا أنصتّم فاسمعوا، فإذا سمعتم فعوا، فإذا وعيتم فاحفظوا، فإذا حفظتم فاصدقوا:

ألا إنّه من عاش مات، ومَن مات فات، ومَن فات فليس بآت، إنّ في السماء خبراً، وإنّ في الارض عبراً، سقف مرفوع، ومهاد موضوع، ونجوم تمور، وليل يدور، وبحار ماء تفور(3)، يحلف قُسّ ما هذا بلعب، وإنّ من وراء هذا لعجباً، ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون، أرَضُوا فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟ يحلف قُسّ يميناً غير كاذبة أنّ لله ديناً هو خيرٌ من الدين الذي أنتم عليه.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رحم الله قُسّاً، يحشر يوم القيامة أمّة وحده.

ثم قال (عليه السلام): هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئاً؟.

فقال بعضهم: نعم سمعته يقول:

____________

(1) آل عمران: 3 / 185.

(2) ع: جمعتم.

(3) في المصدر: وبحار ماء [لا] تغور.


الصفحة 514
في الذاهبين الاوّلين(1) من القرون لنا بصائر
لمّا رأيتُ موارداً للقوم ليس لها مصادر
ورأيتُ قومي نحوها تمضي الاكابر والاصاغر(2)
(لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر(3)
أيقنتُ أنّي لا محالة حيث صار القوم صائر»(4)
(وبإسنادنا الّذي ذكرناه عن أبي جعفر محمد بن بابويه (رضي الله عنه) قال:

حدّثنا الحسن بن عبدالله بن سعيد، قال: أخبرني أبو الحسن عليّ بن الحسين بن إسماعيل، قال: أخبرنا محمّد ابن زكريا، قال: حدّثنا عبدالله بن الضحّاك، عن هشام، عن أبيه:

أنّ وفداً من أياد قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فسألهم (عليه السلام) عن حِكم قُسّ بن ساعدة؟ فقالوا: قال قُسّ بن ساعدة في جدث(5):

____________

(1) في المصدر: في الاولين الذاهبين.

(2) حاشية ع: الاصاغر والاكابر.

(3) ع. ض: غاير، والمثبت من ط. المصدر.

(4) كمال الدين وتمام النعمة: 1 / 166 ـ 167 رقم 22.

(5) ع. ض: جدوث، والمثبت من حاشية ع.


الصفحة 515
يا ناعي الموت والاموات في جدث عليهم من بقايا بزّهم خرق
دعهم فإنّ لهم يوماً يصاح بهم كما ينبّه من نوماته الصعق
منهم عراة ومنهم في ثيابهم منها الجديد ومنها الاورق(1) الخلق
مطر ونبات، وآباء وأمّهات، وذاهب وآت، وآيات في أثر آيات(2)، وأموات بعد أموات، ضوء وظلام، وليل وأيّام، وفقير وغنيّ، وسعيد وشقيّ، ومحسن ومسيء، أين أرباب الغفلة(3)؟ ليصلحنّ كلّ عامل عمله، كلاّ بل هو الله واحد وليس بمولود ولا والد، أعاد وأبدأ وإليه المآب غداً.

أمّا بعد يا معشر أياد، أين ثمود وعاد؟ وأين الاباء والاجداد؟ وأين الحسن الذي لم يشكر والقبيح الذي لم ينقم؟ كلاّ وربّ الكعبة ليعودنّ ما بدا، ولئن ذهب يوم ليعودنّ يوم(4).

أقول:

____________

(1) ع. ض: الازرق، والمثبت من حاشية ع. المصدر.

(2) ع. ض: وآت في أثر آت.

(3) ع. ض: أين الارباب الفعلة، المصدر: نبأ لارباب الغفلة، والمثبت من حاشية ع.

(4) كمال الدين وتمام النعمة: 1 / 167 ـ 168 رقم 23.


الصفحة 516
وقال أبو جعفر بن بابويه:

هو قُسّ بن ساعدة بن خالف(1) بن زهر بن أياد بن نزار(2)، من أول مَن آمن بالبعث من أهل الجاهليّة، وأوّل مَن توكّأ على عصى. ويقال: إنّه عاش ستمائة سنة، وكان يعرف النبي (صلى الله عليه وآله) باسمه ونسبه ويبشّر الناس بخروجه، وكان يستعمل التقية ويأمر بها في خلال ما يعظ به الناس(3).

وبالاسناد الّذي قدّمناه إلى أبي جعفر بن بابويه قال:

حدّثنا الحسن بن عبدالله بن سعيد، قال: أخبرنا أبو الحسن ابن عليّ بن الحسين(4) بن إسماعيل، قال: أخبرنا محمد بن زكريا بن دينار، قال: حدّثني مهدي بن سابق، عن عبدالله ابن عباس، عن أبيه قال:

جمع قُسّ بن ساعدة ولده فقال: المعا تكفيه القلّة(5)، وترويه المذقة، ومَن عيّرك شيئاً ففيه مثله، ومَن ظلمك

____________

(1) في المصدر: حذاقة.

(2) وجاء نسبه في الاغاني 15 / 162: قُسّ بن ساعدة بن عمرو ـ وقيل: مكان عمرو شمر ـ ابن عديّ بن مالك بن أيدعان بن النمر بن واثلة بن الطمثان بن زيد مناة بن يقدم بن أفصى ابن دُعميّ بن أياد.

(3) كمال الدين وتمام النعمة: 1 / 168.

(4) في المصدر: أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين.

(5) في المصدر: البقلة.


الصفحة 517
وجد مَن يظلمه، متى عدلت على نفسك عدل عليك مَن فوقك، وإذا نهيت عن شيء فأبدأ بنفسك، ولا تجمع ما لا تأكل، ولا تأكل ما لا تحتاج إليه، وإذا ادّخرت فلا يكونن ذخرك إلاّ فعلك، وكن عف العيلة، مشترك الغنى، تسدّ قومك، ولا تشاورنّ مشغولاً وإن كان(1) حازماً، ولا جائعاً وإن كان(2) فهماً، ولا مذعوراً وإن كان ناصحاً، ولا تضعنّ في عنقك طوقاً لا يمكنك نزعه إلاّ بشقّ نفسك، وإذا خاصمت فاعدل، وإذا قلتَ فاقصد، ولا تستودعنّ أحداً دينك وإن قربت قرابته، فإنّك إذا فعلت ذلك لم تزل وجلاً، وكان المستودع بالخيار في الوفاء بالعهد، وكنت له عبداً ما بقيت، فإن جنى عليك كنت أولى بذلك، وإن وفى كان الممدوح دونك عليك بالصدقة فإنّها تكفّر الخطيئة.

قال:

وكان قُسّ بن ساعدة لا يستودع دينه أحداً، وكان يتكلّم بما يخفى معناه على العوامّ ولا تدركه إلاّ الخواصّ(3).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

قوله في الحديث السالف: أين الحسن الّذي لا يشكر والقبيح

____________

(1) ع. ض: كنت، والمثبت من ط. المصدر.

(2) ع. ض: كنت، والمثبت من ط. المصدر.

(3) كمال الدين وتمام النعمة: 1 / 168 ـ 169 رقم 24.


الصفحة 518
الذي لم ينقم، لعلّ معناه أنّه رأى أعمالاً حسنة مات أصحابها قبل المكافات عليها وأفعالاً قبيحة مات فاعلوها قبل العقاب عليها، فقال: هذا يقتضي بحكم العقل والعدل أنّ بعد الموت بعثاً يجازى كلّ فاعل بفعله.

وقوله في الحديث الانف: لا تستودع دينك، فلعلّه لا تستودع سرّك، ويكون في الدين من جملة أسراره، وهذه الاحاديث دالّة على إقرار قس بن ساعدة بالبعث والحساب والحكم الهادية إلى الصواب.

[143] فصل:

فيما نذكره من الجزء الاول ممّا نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، رواية أبي أحمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد الجلودي، وفي المجلّد تصانيف لغيره، من أوّل وجهة منه من سابع سطر منها بلفظه:

حدّثنا أحمد بن أبان، حدّثنا أحمد بن يحيى الصوفي، حدّثنا إسماعيل بن أبان، عن يحيى بن سلمة، عن زبيد بن الحارث(1)، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال:

لقد نزلت في عليّ ثمانون آية صفواً في كتاب الله ما شركه فيها أحد من هذه الامّة.

[144] فصل:

فيما نذكره من هذا المجلّد من رابع سطر، من بقية أحاديث أبي القاسم عبد الواحد بن عبدالله بن يونس الموصلي بلفظه:

____________

(1) تجد ترجمته في سير أعلام النبلاء: 5 / 296 رقم 141.


الصفحة 519
أخبرنا محمّد بن عليّ، أخبرنا أبو جعفر بن عبد الجبّار، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)قال:

كان أبو الحسن في دار عائشة(1)، فتحوّل منها بعياله فقلت له: جعلتُ فداك أتحوّلت من دار أبيك؟

فقال: «إنّي أحببت أن أوسع على عيال أبي، إنّهم كانوا في ضيق فأحببت أن أوسع عليهم حتّى يعلم أنّي وسعت على عياله».

فقلت: جعلتُ فداك هذا للامام خاصّة أو للمؤمنين(2)؟

قال: «هذا للامام وللمؤمنين، ما من مؤمن إلاّ وهو يلمّ بأهله كلّ جمعة، فإن رأى خيراً حمد الله عزّوجلّ، وإن رأى غير ذلك استغفر واسترجع».

أقول:

هذا الحديث يقتضي أنّ أرواح المؤمنين بعد وفاتهم بإذن الله جلّ جلاله لها أن تشاهد أهلها، ويكون ذلك من جملة كراماتهم.

[145] فصل:

فيما نذكره من أواخر هذه الاحاديث(3) بلفظه، من

____________

(1) ب: في دار أبيه.

(2) ع. ض: وللمؤمنين، والمثبت من ب.

(3) وتقدّم في فهرس الكتاب: هذا الحديث.


الصفحة 520
السطر العاشر:

حدّثنا محمّد بن جعفر البزاز، عن عليّ بن الحسن بن فضال، عن محمد بن أرومة القمي، عن الحسين بن موسى ابن جعفر قال:

رأيت في يد أبي جعفر محمد(1) بن عليّ الرضا خاتم فضّة(2) ناحل(3)، فقلت: مثلك يلبس مثل هذا.

قال: «هذا خاتم سليمان بن داود (عليه السلام)».

أقول:

هذا تصديق ما روي: أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) وارث جميع الانبياء والمرسلين، فيكون قد انتقل إليه ذخائر أسرارهم من ربّ العالمين.

ولا يقال: فهلاّ كان لمولانا محمد بن عليّ الجواد من ظهور آثار(4) سليمان في تلك الحال ما كان لسليمان.

لانّ الذخائر وصلت إلى النبي(عليه السلام) ما لزم من ذلك ظهور أسرار الخاتم على يد النبي(صلى الله عليه وآله)، لانّ الله جلّ جلاله يظهر ذلك بحسب مصالح عباده.

[146] فصل:

فيما نذكره من هذا المجلّد، من الجزء الذي

____________

(1) ع. ض: بن محمّد، والمثبت من ط.

(2) حاشية ع: فصّه.

(3) حاشية ع: ناحلاً.

(4) حاشية ع: آيات.


الصفحة 521
فيه(1)من فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، رواية أبي بكر محمد بن عبدالله بن إبراهيم بن عبدالله(2)البزاز الشافعي، من ثالث سطر، من طريق المخالفين برجالهم، بلفظ ما وجدناه:

حدّثنا عبدالله بن محمد بن ياسين، قال: حدّثنا محمد بن المنكدر(3)، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى، عن أسباط بن عروة، قال: حدّثني سعيد بن كرز، قال:

كنت مع مولاي يوم الجمل مع اللواء، فأقبل فارس فقال: يا أمّ المؤمنين.

قالت عائشة: سلوه من هو؟

قيل له: مَن أنت؟

قال: أنا عمار بن ياسر.

قالت: قولوا له ما تريد؟

قال: أنشدك بالله الذي أخرج الكتاب على نبيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتك، أتعلمين أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جعل عليّاً (عليه السلام)وصيّه على أهله؟

قالت: اللّهم نعم.

____________

(1) ع. ض: من الحرفية، والمثبت من ط.

(2) كذا في الاصول المعتمدة، وفي سير أعلام النبلاء: 16 / 39 رقم 27: محمد بن عبدالله بن إبراهيم بن عبدويه.

(3) ع. ض: الكند، ط: كنده، والمثبت من حاشية ع.


الصفحة 522
قال: وجاء فوارس أربعة، فهتف رجل منهم.

قالت عائشة: هذا ابن أبي طالب وربّ الكعبة، سلوه ما يريد؟

قال: «أنشدك بالله الّذي أنزل الكتاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتك(1)، أتعلمين أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جعلني وصيّه على أهله؟».

قالت: اللّهم نعم.

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

إذا كان عليّ (عليه السلام) وصيّاً على أهله وهم أهل المباهلة وأهل التطهير والثقل الّذي لا يفارق القرآن وأعزّ المخلوقين على رسول الله، فما العذر في ترك مَن ارتضاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لنفسه وخاصّته ألاّ يرضاه لمن هو دونهم من رعيّته وأمّته؟!

[147] فصل:

فيما نذكره من هذا المجلّد(2)، من كتاب تجزئة(3)القرآن، تلخيص أبي الحسين أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله(4) المنادي، بخط مصنّفه، وهي نسخة عتيقة من رجال الجمهور، نذكره بلفظ سياق ما جاء عن علي وابن عمر وسلمان في

____________

(1) ع: نبيك.

(2) ع. ض: المختلف، والمثبت من حاشية ع.

(3) ع. ض: تجربة، والمثبت من ط.

(4) ومرّ في فهرس الكتاب التعبير عنه: عبدالله.


الصفحة 523
قسمة الاجزاء(1):

وحديث عن أبي عمر(2) حفص بن عمر الدوري قال: حدّثني ابن عمارة حمزة بن القاسم الاحول، عن ابن حمزة ابن حبيب الزيّات، عن عمرو بن مرّة قال:

ذكروا أنّ هذه أسباع عليّ بن أبي طالب:

السبع الاول: البقرة، والكهف، والحجر، والرعد، وحم السجدة، والتغابن، والجمعة، واقتربت الساعة، ون والقلم، وهل أتى على الانسان، والقيامة، والبروج، والغاشية، واللّيل، والقارعة، وويل لكلّ همزة.

والسبع الثاني: آل عمران، والصفّ، والنمل، والقصص، وحم المؤمن، والحديد، والممتحنة، والنجم، والطور، والمزمل، وإذا الشمس كوّرت، والعاديات، وأرأيت، وقل يا أيّها الكافرون، والفلق.

والسبع الثالث: النساء، والشعراء، والاحزاب، والحجّ، والزخرف، والحشر، وألم السجدة، والملك، والمجادلة، والذّاريات، والمطفّفين، وإذا السماء انشقّت، ولم يكن، والتين، والعصر، وإذا جاء نصر الله.

والسبع الرابع: المائدة، والنحل، وطه، والنور، والانفال،

____________

(1) ع: الاخرى، ض: الاجرى، والمثبت من حاشية ع.

(2) حاشية ع: ابن عمر.


الصفحة 524
والعنكبوت، والدخان، والتحريم، والرحمن، والحاقّة، واقرأ باسم ربّك، والضحى، وألم نشرح، وإذا زلزلت، وقل أعوذ بربّ الناس.

والسبع الخامس: الانعام، ويوسف، وقد أفلح المؤمنون، ومريم، ويس، والفرقان، وإبراهيم، وحم عسق، والحجرات، والنساء القصرى، وعبس، ولا أقسم بهذا البلد، والطارق، والشمس وضحاها.

والسبع السادس: الاعراف، وهود، والانبياء، والروم، وسورة محمد صلّى الله عليه وسلّم، والزمر، والاحقاف، والجنّ، والمنافقون، والواقعة، وإذا السماء انفطرت، وسبّح الاعلى، والتكاثر، والفيل، ولايلاف قريش.

والسبع السابع: الصافات، ويونس، وبني إسرائيل، وسبأ، والملائكة، ولقمان، والجاثية، والفتح، ونوح، والنازعات، وسأل سائل، والمرسلات، وعمّ يتساءلون، والفجر، وتبّت، وقل هو الله أحد.

جملة ذلك فإذا هي مائة وتسع سور، ليس فيها فاتحة الكتاب ولا براءة ولا صاد ولا قاف ولا المدّثر، لانّ السبع الاول ست عشرة سورة، والثاني خمس عشرة سورة، والثالث ست عشرة، والرابع خمس عشرة، والخامس ست عشرة(1)، والسادس ست عشرة(2)، والسابع

____________

(1) ولكنّها ذكرت هنا أربع عشرة سورة، فلاحظ.

(2) ولكنّها ذكرت هنا خمس عشرة سورة، فلاحظ.


الصفحة 525
ست عشرة، ولست أحيط بوجه يقتضيه ذلك منه علماً غير الوهم من المتأخّر من هذا اللفظ ما رواه رجال المخالفين من كتاب المبادي(1).

[148] فصل:

فيما نذكره من كتاب ملل الاسلام وقصص الانبياء (عليهم السلام)(2)، تأليف محمد بن جرير الطبري، من القائمة الخامسة من الكراس الرابع من الوجهة الثامنة من السطر السابع، قصّة نوح بن لمك، نختصر ألفاظها نذكره منها:

إنّ الله تعالى أكرم نوحاً بطاعته والعزلة لعبادته، وكان طوله ثلثمائة وستون ذراعاً بذراع زمانه، وكان لباسه الصوف ولباس إدريس قبله الشعر، وكان يسكن في الجبال ويأكل من نبات الارض.

فجاءه جبرئيل (عليه السلام) بالرسالة وقد بلغ عمر نوح أربعمائة سنة ومائتين(3) سنة، فقال له: ما بالك معتزلاً؟

قال: لانّ قومي لا يعرفون الله فاعتزلت عنهم.

فقال له جبرئيل: فجاهدهم.

____________

(1) كذا في الاصول المعتمدة، والظاهر أنّه: المنادي، فتأمّل.

(2) والظاهر أنه غير كتاب تاريخ الامم والملوك للطبري.

وما نقله السيد ابن طاووس هنا عن كتاب ملل الاسلام وقصص الانبياء، غير موجود في تاريخ الامم والملوك للطبري، إلاّ بعض المطالب وردت بالمعنى.

(3) ط. ب: وستين.


الصفحة 526
فقال نوح: لا طاقة لي بهم، ولو عرفوني لقتلوني.

فقال له: فإن أعطيت القوّة كنت تجاهدهم؟

قال: واشوقاه إلى ذلك.

فقال له نوح: مَن أنت؟

قال: فصاح جبرئيل صيحة واحدة تداعت الجبال فأجابته الملائكة بالتلبية ورجّت الارض وقالت: لبّيك لبّيك يا رسول ربّ العالمين.

قال: فبقي نوح مرعوباً.

فقال له جبرئيل: أنا صاحب أبيك(1) آدم والرفيع إدريس، والرحمن يقرئك السلام، وقد أتيتك بالبشارة، وهذا ثوب الصبر وثوب اليقين وثوب النصرة وثوب الرسالة والنبوة، وقد أمرك أن تتزوّج بعمورة بنت ضمران بن خنوخ(2)، فإنّها أوّل مَن تؤمن بك.

فمضى نوح يوم عاشورا إلى قومه وفي يده عصا بيضاء ـ وكانت العصا تخبره بما يكنّ به(3) قومه وكان رؤساؤهم سبعين ألف جبّار عند أصنامهم في يوم عيدهم ـ فنادى: لا إله إلاّ الله آدم المصطفى وإدريس الرفيع وإبراهيم الخليل

____________

(1) ب: أبويك.

(2) ب: أخنوخ.

(3) حاشية ع: بما يكذبه.


الصفحة 527
وموسى الكليم وعيسى المسيح خلق من روح القدس ومحمد المصطفى آخر الانبياء وهو شهيدي عليكم، إنّي قد بلغت بالرسالة.

فارتجّت الاصنام، وخمدت النيران، وأخذهم الخوف وقال الجبّارون: من هذا؟

فقال نوح: أنا عبدالله وابن عبده بعثني رسولاً إليكم، ورفع صوته بالبكاء وقال: أنا نوح النبي(1) إنّي لكم نذير مبين.

قال: وسمعت عمورة كلام نوح فآمنت به، فعاتبها أبوها وقال: أيؤثر فيكِ قول نوح في يوم واحد؟ وأخاف أن يعرف الملك بك فيقتلك.

فقالت عمورة: يا أبت أين عقلك وفضلك وحلمك؟! نوح رجل وحيد وضعيف يصيح بكم تلك الصيحة فيجري عليكم ما يجري(2).

فتوعّدها فلم ينفع، فأشار عليه أهل بيته بحبسها ومنعها الطعام، فحبسها فبقيت في الحبس سنة وهم يسمعون كلامها، فأخرجها بعد سنة وقد صار عليها نور عظيم وهي في أحسن حال، فتعجّبوا من حياتها بغير طعام فسألوها؟

____________

(1) كذا في ط، وفي ع: وقال الوحشي، وفي ض: وقال ابو جشي، وفي ب لم يرد: أنا نوح النبي.

(2) حاشية ع: ما جرى.


الصفحة 528
فقالت: إنّها استغاثت بربّ نوح، وأنّ نوحاً (عليه السلام) كان يحضر عندها بما تحتاج إليه.

ثمّ ذكر تزويجه بها، وما كانت من العبادة والزهادة، وأنّها ولدت له سام بن نوح، لانّ(1) الرواية في غير هذا الكتاب تضمّنت أنّه كان لنوح (عليه السلام) امرأتان، اسم واحدة رابعا وهي الكافرة فهلكت، وحمل نوح معه في السفينة امرأته المسلمة.

وقيل: إنّ اسم المسلمة على قول البرقي هيكل.

وقيل ما ذكره الطبري.

ويمكن أن تكون عمورة اسمها، وهيكل صفتها بالزهد

أقول:

وينبغي أن يقال إن هذه ليست زوجة نوح المذكورة في القرآن الشريف بالذمّ.

ومن العجب أن يكون أرباب الباب كالدوابّ(2) جاهلون بربّ الارباب، وأصحاب البراقع والضعائف العقول يسبقون إلى تصديق الرسول، ولكن الرئاسة كانت في الرجال فهلكوا بطلبها، وكان الضعف

____________

(1) في حاشية ع: لم يكن من هاهنا إلى قوله بالزهد في النسخة المحرّرة.

(2) ض: كالذوات.


الصفحة 529
في النساء والزعامة فأفلحوا بسببها، وكذلك كان السبق في نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) للنساء، أعني خديجة سلام الله عليها.