فواعجباه وواخجلاه إذا رأى الله جلّ جلاله السعادات إلى الدنيويّة والاخرويّة عمى الرجال عنها وسبق النساء إليها.
[149] فصل:
فيما نذكره من كتاب العرائس في المجالس ويواقيت التيجان في قصص القرآن، تأليف أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، من الكرّاس الثامن من أوّل قائمة منها، من الوجهة الاوّلة من السطر الرابع عشر بلفظه:
وقال بعضهم: ذو الكفل بشر بن أيّوب الصابر (عليهما السلام)، بعثه الله تعالى بعد أبيه رسولاً إلى أرض الروم، فآمنوا به وصدّقوه واتّبعوه.
ثمّ أنّ الله تعالى أمره بالجهاد، فكسلوا(1) عن ذلك وضعفوا وقالوا: يا بشر إنّا قوم نحبّ الحياة ونكره الممات ومع ذلك نكره أن نعصي الله ورسوله، فإن سألت الله تعالى أن يطيل أعمارنا ولا يميتنا إلاّ إذا شئنا لنعبده ونجاهد أعداءه.
فقال لهم بشر بن أيّوب: لقد سألتموني عظيماً أو كلّفتموني شططاً، ثمّ قام وصلّى ودعا وقال: إلهي أمرتني بتبليغ الرسالة فبلّغتها وأمرتني أن أجاهد أعداءك وأنت تعلم أنّي لا أملك إلاّ نفسي، وأنّ قومي قد سألوني في ذلك ما أنت أعلم به، فلا تأخذني بجريرة غيري، فإنّي أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك.
____________
(1) ع. ض: فكاعوا، والمثبت من حاشية ع.
فبلّغهم بشر رسالة الله، فسمي ذا الكفل.
ثمّ أنّهم توالدوا وكثروا حتّى ضاقت بهم بلادهم وتنقصت(1) عليهم معيشتهم وتأذوا بكثرتهم، فسألوا بشر أن يدعو الله تعالى أن يردّهم إلى آجالهم، فأوحى الله تعالى إلى بشر: أما علم قومك أنّ اختياري لهم خير من اختيارهم لانفسهم، ثمّ ردّهم إلى أعمارهم فماتو بآجالهم.
قال: فلذلك كثرت الروم، حتّى يقال: إن الدنيا دِرْهمٌ(2) خمسة أسداسها الروم، وسمّوا روماً لانّهم نسبوا إلى جدّهم روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم.
قال وهب: وكان بشر بن أيوب الّذي يسمّى ذو الكفل مقيماً بالشام عمره حتّى مات، وكان عمره خمساً وسبعين سنة(3).
أقول:
وقيل: إنّه تكفّل لله تعالى أن لا يغضبه قومه(4)، فسمي ذا الكفل.
____________
(1) ض: وتنغصت.
(2) ع. ض: دارهم، والمثبت من حاشية ع.
(3) قصص الانبياء المسمّى بعرائس المجالس: 145.
(4) ع. ض: وقيل إنه يكفل الله جلّ جلاله أن لا تعصيه قومه، ط: وقيل إنه تكفّل لله تعالى أن لا تعصيه قومه، والمثبت من ب.
[150] فصل:
فيما نذكره من الوجهة الثانية من القائمة الاوّلة من الكرّاس الرابع من كتاب الردّ على الجبرية والقدرية فيما تعلّقوا به من متشابه القرآن، تأليف أحمد بن محمد بن حفص(1) الخلاّل، من عاشر سطر من الوجهة بمعناه واختصار طول لفظه:
وممّا تعلّقوا به قوله تعالى في قصة إبراهيم (عليه السلام): (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنَ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أمَّةً مُسلِمَةً لَكَ)(2)، قالوا: نرغب إليه أن يجعلهما مسلمين، فإذا جعلهما مسلمين فيكون الله هو فاعل الاسلام فيهم.
فقال ما نذكر بعض معناه ونزيده:
أنّ العقل والنقل والعادة والحسّ قضى أنّ السلطان إذ مكّن له عبداً له من ولاية أو بناء دور أو بلوغ سرور قال الناس: سيّده جعل له هذه الولاية والعقار والمسار(3) وإن كان السيد ما تولّى ذلك بنفسه ولم يكن جعل للعبد غير تمكينه،
____________
(1) أو: جعفر.
(2) البقرة: 2 / 128.
(3) ض: والمشار.
ثم يقال للجبرية(1): لو كان الامر كما تقولون من أنّ العباد مقهورن وأنّ إسلامهم وكفرهم من الله وهم منه يربون، أيّ فائدة كانت في دعاء إبراهيم (عليه السلام)؟ ولايّ معنى كان يكون تخصيصه بالدعاء لنفسه وذرّيته بذلك؟
ثم يقال لهم أيضاً: أما علمتم وكلّ مسلم أنّ إبراهيم قال هذا الدعاء وولده وهو(2) مسلّمان، ولو كان المراد إسلاماً مقهوراً عليه ظاهراً وهو حاصل له ولولده قبل الدعاء أيّ فائدة كانت تكون في طلب ما هو حاصل كما قدّمناه؟ لو لا أنّه أراد زيادة التوفيق من الله وزيادة التمكين والقوّة على استمرار الاسلام الّذي طلبه وسأله (عليه السلام)، فكأنّه قال: إنّنا مسلمان ولكنّا نسأل أن نكون مسلمين لك، بأن(3) يكون إسلامنا لك بالكلّية ولا يكون لاجل طلب غيرك من المطالب الدنيوية والاخروية، لانّ هذا مطلوب زائد على حصول الاسلام المطلق الاول.
[151] فصل:
فيما نذكره من كتاب النكت في إعجاز القرآن، تأليف عليّ بن عيسى الرماني النحوي، من الوجهة الاوّلة من ثاني قائمة
____________
(1) حاشية ع: للمجبرة.
(2) كذا.
(3) ع. ض: فان، والمثبت من ط.
ومنه: حذف الاجوبة، وهو أبلغ من الذكر، وما جاء منه في القرآن كثير، كقوله جلّ ثناؤه: (وَلَوْ أنّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أوْ قُطِّعَتْ بِهِ الاَْرْضُ أوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى)(1) فكأنّه قيل: لكان هذا القرآن(2).
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
ولعلّ حذف الجواب ها هنا إن كان يمكن أنّ الله جلّ جلاله لو قال: لكان هذا القرآن، كان قد وقع الامر الّذي أخبر به من تسيير الجبال وتقطيع الارض وكلام الموتى، وكان يحصل بذكر الجواب(3) وقوع هذا التقدير، ولم تقض الحكمة ذلك.
أو لعلّ المراد أنَّ الله جلّ جلاله لو قال الجواب، كان كلّ مَن قرأ هذه الاية من الاذكياء(4) بجوابها الّذي يذكره الله جلّ جلاله، تهيّأ له أن يسير بها الجبال(5) ويقطع الارض ويحيي الموتى، فأمسك الله جلّ جلاله عن ذكر الجواب لما يكون فيه من الاسباب الّتي لا يليق ذكرها عنده جلّ جلاله بالصواب.
____________
(1) الرعد: 13 / 31.
(2) النكت في إعجاز القرآن: 76.
(3) ع. ض: الجواز، والمثبت من حاشية ع، وكذا في المورد الاتي.
(4) ع. ض: الاولياء، والمثبت من حاشية ع.
(5) حاشية ع: تهيّأ له بها أن يسير الجبال.
[152] فصل:
فيما نذكره من نسخة وقفتها أخرى، في النكت في إعجاز القرآن، لعليّ بن عيسى الرماني، من القائمة الثامنة، في تشبيهات القرآن وإخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بالبديهة وإخراج ما لا قوّة له في الصفة إلى ما له قوة في الصفة، فنذكر من لفظه:
فمن ذلك قوله جلّ جلاله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أعْمَالُهُمْ كَسَرَاب بِقِيعَة يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً)(1)، فهذا بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسّة إلى ما تقع عليه، وقد اجتمعا في بطلان المتوهم مع شدّة الحاجة وعظم الفاقة، ولو قيل يحسبه الرائي له ماء ثمّ يظهر أنّه على خلاف ما قدّر لكان بليغاً، وأبلغ منه لفظ القرآن، لانّ الظمآن أشدّ حرصاً عليه وتعلّق قلب به، ثمّ بعد هذه الخيبة حمل على الحساب الذي يصيره إلى عذاب الابد في النار، نعوذ بالله من هذا الحال(2).
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
ولعلّ في التشبيه غير ما ذكره الرماني، لانّ الله جلّ جلاله لو قال: كسراب بروضة، أو لم يذكر بقيعة، ما كان التشبيه على المبالغة الّتي ذكرها، لانّه لمّا كانت أجساد الكفار الّذين يعملون أعمالاً كالسراب
____________
(1) النور: 24 / 39.
(2) النكت في إعجاز القرآن: 81 ـ 82.
ولعلّ معنى التشبيه أن يحسبه الظمآن ماء: أنّ الكفار لمّا ادّعوا في الحياة أنّ أعمالهم تنفعهم وحكى الله جلّ جلاله عنهم في القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، يدلّ على أنّهم يعوّلون على أعمالهم الّتي صاروا(2) يعتقدون أنّها تخلّصهم من الاهوال والهوان، كما حسب الظمآن أنّ السراب يزيل ما عنده من الظمأ، فحصل في الخيبة وذهاب الحياة والتلف بالعيان، وكذلك خاب الكفّار في أعمالهم وحصلوا في تلك النفوس وعذاب الطغيان.
[153] فصل:
فيما نذكره من نسخة أخرى لكتاب النكت في إعجاز القرآن للرماني، من باب الاستعارة، من الوجهة الثانية من القائمة الرابعة عشر بلفظه:
قال الله تعالى: (وَقَدِمْنَا إلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً)(3)، حقيقة (قَدِمْنَا) هنا: عمدنا إلى ما عملوا، وقدمنا أبلغ منه، لانّه يدلّ على أنّه عاملهم معاملة القادم من سفره، لانّه من أجل إمهاله(4) فيهم كمعاملة
____________
(1) ع. ض: كالسعة، والمثبت من حاشية ع.
(2) ع: جادوا، ض: حادوا، والمثبت من ط.
(3) الفرقان: 25 / 23.
(4) حاشية ع: إمهالهم.
وأمّا (هَبَاءً مَنْثُوراً) فبيان قد أخرج ما لا تقع عليه حاسة إلى ما تقع عليه(1).
يقول عليّ بن موسى بن طاووس(2):
ويحتمل في الاية من النكت ما لم يذكره الرماني، وهو أنّ الله جلّ جلاله لمّا شبّه أعمالهم فيما قدمنا قبل هذا بالسراب الّذي يرى ظاهره، لم يبق بدّ من أن يشاهدوا معنى أعمالهم في القيامة، فذكر في هذه الاية جلّ جلاله أنّ الّذي يشاهدونه من أعمالهم يجعله بمحضرهم ومشاهدتهم وهم ينظرون هباء منه منثوراً تألفاً لا أصل له، فان إتلاف ما يعتقده الانسان ملكاً له ونافعاً له بمحضره ومشاهدته أوقع في عذابه وهوانه من إتلاف بغير حضوره.
أقول:
ولو أردنا بالله جلّ جلاله أن نذكر لكلّ ما ذكره الرماني وجوهاً في الفصاحة والبلاغة أحسن ممّا ذكره أو غير ما ذكره، رجونا أن يأتي بذلك من بحار مكارم مالك الجلالة والاعراق المتصلة بيننا وبين صاحب الرسالة إن شاء الله تعالى.
____________
(1) النكت في إعجاز القرآن: 86 ـ 87.
(2) علي بن موسى بن طاووس، لم يرد في ع. ض، وأثبتناه من ط.
[154] فصل:
فيما نذكره من كتاب اسمه متشابه القرآن، لعبد الجبّار بن أحمد الهمداني، وكانت(1) النسخة كتبت في حياته، من الوجهة الثانية من القائمة الثانية من الكرّاس التاسع بلفظه:
قوله تعالى: (إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) إلى قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً)(2)، يدلّ على أشياء:
منها: وصف المؤمن بذلك على طريق التعظيم في الشرع، لانّه لو جرى على طريقة اللغة لم يصحّ أن يجعل تعالى المؤمن هو الذي يفعل ما ليس بتصديق، كما لا يجوز أن يجعل الضارب هو الذي يفعل ما ليس بضرب.
ومنها: أنّ الايمان ليس هو القول باللسان واعتقاد القلب على ما ذهب المخالف إليه، وأنّه: كلّ واجب وطاعة، لانّ الله تعالى ذكر في صفة المؤمن ما يختصّ بالقلب وما يختص بالجوارح لما اشترك الكلّ في أنّه من الطاعات والفرائض.
ومنها: ما يدلّ على أنّ الايمان يزيد وينقص على ما نقوله، لانّه إذا كان عبارة عن هذه الامور الّتي يختلف التعبّد فيها على المكلّفين، فيكون اللازم لبعضهم ما يلزم بالغير(3)،
____________
(1) ع. ض: وكان، والمثبت من ط.
(2) الانفال: 8 / 2 ـ 4.
(3) ع. ض: ما يلزم المعنى، والمثبت من حاشية ع، وفي المصدر: فيكون اللازم لبعضهم أكثر ممّا يلزم الغير.
ومنها: أنّه يدلّ على أنّ الرزق هو الحلال، لانّه تعالى جعل من صفات المؤمن ومن جملة ما مدحه عليه أن ينفق ممّا رزق، ولو كان ما ليس بحلال يكون رزقاً لم يصحّ ذلك.
ومنها: أنّ الواجب على مَن سمع ذكر الله تعالى والقرآن أن يتدبّر معناه، وهذا هو الغرض(1) فيه، لانّ وجل القلوب والخوف والحذر لا يكون بأن يسمع الكلام فقط من غير تدبّر معناه، وإنّما يقع بالتدبّر والفكر، فيجب أن يلزم الامر الّذي معه يصحّ وجل القلب والخوف والخشية، ويدلّ على وجوب النظر والتدبّر في الامور والادلّة، لانّه يقتضي ما ذكرناه من الوجل والخشية(2).
هذا آخر لفظ عبد الجبار في معنى الاية.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
قول عبد الجبار: إنّ الاية تدلّ على أنّ الايمان ما هو باللسان أو
____________
(1) ع: الفرض.
(2) متشابه القرآن: 312 ـ 313.
من أين عرف أنّه كلّ واجب وطاعة وليس في الاية معنى كلّ واجب وطاعة ولا لفظ يدلّ عليه؟
وأمّا قوله: إنّ الله تعالى ذكر في صفة المؤمن ما يختصّ بالقلب والجوارح.
فيقال له: إذا كنتَ عاملاً على ظاهر هذه الاية كما زعمت، فهل يخرج من الايمان كلّ مَن لم يحصل عنده وجل عند تلاوة القرآن عليه؟ فان قال نعم كان بخلاف إجماع الامّة، وإن اعتذر عن هذا بأنّه إنّما أراد الله الافضل من المؤمنين خرج ظاهر الاية منه.
أقول:
وأمّا قوله في الوجه الاخر: إنه كان يمتنع الزيادة والنقصان في الايمان إذا كان باللسان أو القلب.
فعجيب منه، لانّ أفعال اللسان وأحوال(1) القلوب تزيد وتنقص ضرورة، وكيف استحسن جحود مثل هذا المعلوم؟ فهل بلغ به التعصّب للعقيدة وحبّ المنشأ وطلب الرئاسة إلى هذا؟!
أقول:
وأمّا قوله: إنّ الخوف والخشية وما تحصل إلاّ بتدبّر كلام الله جلّ جلاله والتفكّر فيه.
فإنّ ظاهر الاية يقتضي أنّ التلاوة توجب وجل قلوبهم وزيادة الايمان، وهو يعرف وكلّ عارف أنّ كلام السلطان العظيم الشأن إذا
____________
(1) حاشية ع: وأفعال.
أقول:
بل لو أنصف عبد الجبّار قال: ان متى شرع سامع القرآن في التفكّر والتدبّر الذي يشغله عن لفظ التلاوة صار إلى حال ربما زال الخوف عنه في كثير من الايات والتلاوات.
أقول:
وأمّا قول عبد الجبار: يدلّ على وجوب النظر والتدبّر في الامور والادلّة.
أفتراه يعتقد أنّها تدلّ على النظر الواجب قبل بعثة الرسول وقبل القرآن، لانّه قد أطلق القول بأنّها تدلّ على النظر في الامور، وليس في الاية ما يقتضي ذلك العموم، وهب أنّها تقتضي نظر السامع للتلاوة في المعنى الّذي يسمعه ويفكره، من أين لزم من ظاهر هذا وجوب النظر والتفكّر في الامور والادلّة؟ والخوف والخشية في الاية مختصّان بالّذي يسمع التلاوة فيما يسمع.
[155] فصل:
فيما نذكره من متشابه القرآن(1)، تأليف أبي عمر أحمد بن محمد البصري الخلال(2)، من الوجهة الثانية من القائمة
____________
(1) والظاهر اتحاده مع كتابه الردّ على الجبرية والقدرية فيما تعلّقوا به من متشابه القرآن، والذي نقل عنه قبل عدّة صفحات.
(2) ع. ض: الحلال، والمثبت هو الموافق لما تقدّم في فهرس الكتاب.
وممّا تعلّقوا به قوله سبحانه: (مَاذَا أرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلاّ الْفَاسِقِينَ)(1)، قالوا: فهلاّ قد تضمّن أنّه يضلّ بالقرآن ويهدي به؟
فقال الخلال(2) ما معناه:
إنّ هذه الاية تدلّ على بطلان قولهم، لانّه لو كان القرآن إضلالاً ما كان قد سمّاه هدى ورحمة وبياناً في مواضع كثيرة.
أقول:
والجواب يحتمل زيادات، وهو: أنّه لعلّ الحكاية في أنّه (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً ويَهْدِي بِهِ كَثِيراً) عن قول الذين قالوا: (مَاذَا أرَادَ اللهُ بِهَذا مَثَلاً)، يعنون: أنّ هذا المثل (يُضِلُّ بِهِ كَثيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً)، وتكون الكناية بقوله: (بِهِ) إلى المثل.
ويقال للمجبّرة: لو كان المعنى مثلاً أنّ الله تعالى قال: يضلّ بالقرآن كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضلّ به إلاّ الفاسقين، فهل يبقى بعد تخصيصه أنّ الضلال مختصّ بأعدائه الفاسقين سؤال السائل أو شبهة لمعترض؟ والعقل والعدل يقضي(3) أنّ العدوّ إذا طرد عن أبواب
____________
(1) البقرة: 2 / 26.
(2) ع. ض: الجلال.
(3) حاشية ع: يقتضي.
ويقال أيضاً: إنّ هذه الاية إذا حملناها على ظاهر ما ذكرتم وأنّ الضمير راجع إلى القرآن الشريف، فهو أيضاً خلاف دعواكم وخلاف عقيدتكم، لانّكم تزعمون أنّ الضلال من الله جلّ جلاله بغير واسطة القرآن ولا واسطة من غيره، ومتى جعلتم لغير الله جلّ جلاله شركة أو أصلاً في الضلال فقد نقضتم ما ادعيتموه من أنّ الله جلّ جلاله فاعل لجميع أفعال العباد ولكلّ ما وقع منهم من الضلال والفساد.
[156] فصل:
فيما نذكره من مجلّدة لطيفة، ثمن القالب، اسمها ياقوتة الصراط، من الوجهة الاوّلة من القائمة الثالثة بلفظه:
ومن سورة آل عمران (الْقَيُّومُ)(2) القيام والمدبر واحد (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(3) الحفّاظ المتذاكرون.
أقول:
وقال العزيزي(4): القيّوم: القائم الدائم الّذي لا يزال، وليس من قيام على رجل(5).
____________
(1) ع. ض: يبغض، والمثبت من ط.
(2) آل عمران: 3 / 2.
(3) آل عمران: 3 / 7.
(4) ع. ض: القرمزي، ط: المقريزي، والمثبت من حاشية ع.
(5) غريب القرآن: 158.
واعلم
أنّ في القيوم زيادة على ما ذكره، فإنّه تضمّن المبالغة في القيام بما يقتضيه وصفه جلّ جلاله من كلّ ما يختصّ به قدرته لذاته وإرادته لذاته وغير ذلك مما لا نعلمه نحن، فإنّه لو كانت غير لفظ قيوم من الالفاظ الّتي لا تقتضي المبالغة لعلّ كانت تحتمل القيام بأمر دون أمر، فعسى يكون المراد صرف خواطر الخلائق إليه وتوكّلهم في كلّ شيء عليه، لانّه جلّ جلاله القيوم القادر لذاته.
وأمّا قوله: (وَالرَّاسِخُونَ) الحفاظ الذاكرون(1).
فإن كان المراد أنّه لا يعلمه إلاّ الله وهم فيما(2) يقتضي أنّهم متذاكرون به بل هو مستور عنهم، وإن كان المراد بالراسخين أنّهم يقولون آمنّا به كلّ من عندنا(3) فقد وصفهم الله بهذا الوصف بما أغنى عن شرح حالهم.
[157] فصل:
فيما نذكره من نسخة(4) في تفسير غريب القرآن على حروف المعجم، تأليف محمد بن عزيز(5) السجستاني، من الوجهة الاوّلة من القائمة الرابعة بلفظه:
____________
(1) كذا في الاصول المعتمدة، وفيما نقله عنه قبل أسطر: المتذاكرون.
(2) كذا في الاصول المعتمدة، والظاهر أن الصحيح: فما.
(3) كذا في الاصول المعتمدة، والظاهر أن الصحيح: من عند ربّنا.
(4) ط: نسخة عتيقة، ومرّ في فهرس الكتاب: فصل فيما نذكره من نسخة في غريب القرآن للعزيزي.
(5) وقيل: غُزَير.
أقول:
قد يكون الطريق واضحاً وهو يقود إلى ضلال، كما قال جلَّ جلاله: (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)(2)، فجعل الجميع بيّناً واضح الحقّ، فإنّ لفظ واضح محتمل، ولعلّ معنى الكلمتين: أنّه طريق يهدي إلى الحقّ والصدق ليس فيه اضطراب ولا اعوجاج بسبب من الاسباب.
[158] فصل:
فيما نذكره من نسخة أخرى وقفتها أيضاً بكتاب غريب القرآن للعزيزي(3)، من وجهة ثانية من رابع وخامس سطر منها بلفظ:
الميم المضمومة، مؤمن: مصدّق، والله عزّوجلّ مؤمن أي: مصدّق ما وعد، ويكون من الامان، أي: لا يأمن إلاّ مَن أمنه(4).
أقول:
اعلم أنّ تحقيق المراد بلفظ مؤمن في اللغة على ما حكاه أهلها: التصديق، وتحقيق معناه في عرف الاسلام والشريعة: المصدّق لله جلّ
____________
(1) غريب القرآن: 131، مع اختلاف.
(2) البقرة: 2 / 256.
(3) ع. ض: للعُزَيْري.
(4) غريب القرآن: 185.
وأمّا وصف الله جلّ جلاله بالمؤمن فيحتاج مَن يذكر تأويله على اليقين إلى تفسير ذلك من ربّ العالمين، فإنّه يبعد أن يكون على لفظ اللغة مطلقاً وعلى عرف الشريعة محقّقاً.
وأمّا تفسيره بالتجويز ـ وهو خطر ـ فهلاّ قال العزيزي يحتمل أنّه المؤمن المصدّق لكلّ مَن صدّقه والمزكّي لكلّ مَن زكّاه؟ فإنّ هذا التأويل أعمّ ممّا ذكره من المصدّق(1) بما وعد، ولو كان المراد المصدّق بما وعد لعلّ اللفظ كان يعني الصادق فيما وعد.
[ ] فصل:
فيما نذكره من كتاب غريب القرآن، تأليف عبدالله بن أبي أحمد(2) اليزيدي، من الوجهة الاوّلة من القائمة العاشرة بلفظه:
(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)(3): ملّة واحدة، يعني على عهد آدم (عليه السلام) كانوا على الاسلام.
أقول:
تخصيصه أنّ هذا عن هذه الامّة الّتي على عهد آدم (عليه السلام) من أين عرفه؟ وقوله: إنّهم كانوا على الاسلام من أين ذكره؟ وهذا لفظ(4)الاسلام قد تضمّن القرآن الشريف عن إبراهيم أنّه قال: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)(5)، فكأنّها في ظاهر هذه الاية مختصّة
____________
(1) ع. ض: التصديق، والمثبت من حاشية ع.
(2) وقيل: عبدالله بن أبي محمد.
(3) البقرة: 2 / 213.
(4) ع. ض: لفظة.
(5) الحج: 22 / 78.
وهلاّ قال العزيزي: لعلّ المراد أنّ الناس كانوا أمّة واحدة لا يعرفون مراد الله منهم، فبعث الله النبيّين مبشّرين ومنذرين؟
[159] فصل:
فيما نذكره من كتاب تعليق معاني القرآن، لابي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النجاشي(2)، ووجدته بصيراً في كثير ممّا ذكر محسناً، فممّا ذكره من الوجهة الثانية من القائمة الرابعة من الكرّاس الّتي قبل آخر كرّاس من الكتاب بلفظه:
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَبَسَ وَتَوَلّى أنْ جَاءَهُ الاْعمَى)(3)، نزلت في ابن أمّ مكتوم(4)، أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: استدنني، وعند النبي صلّى الله عليه وسلّم رجل من عظماء الكفار، فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم يعرض عنه ويقبل على المشرك، فيقول: «يا فلان هل ترى
____________
(1) كذا، ومرّ التعبير عنه باليزيدي، والظاهر أنّ اليزيدي هو الصحيح، فتأمّل.
(2) كذا في الاصول المعتمدة، وتقدّم في فهرس الكتاب التعبير عنه: النحّاس، والظاهر أنّ النحّاس هو الصحيح، فلاحظ.
(3) عبس: 8 / 1 ـ 2.
(4) ع. ض: في أبي أم مكتوم، والمثبت من حاشية ع.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
هذا قول كثير من المفسّرين، ولعلّ المراد معاتبة(1) مَن كان على الصفة التي تضمّنتها السورة على معنى إيّاك أعني وأسمعي ياجارة، وعلى معنى قوله تعالى في آيات كثيرة يخاطب به النبي (صلى الله عليه وآله) والمراد بها أمّته دون أن تكون هذه المعاتبة للنبيّ (صلى الله عليه وآله)، لانّ النبي (صلى الله عليه وآله) إنّما كان يدعو المشرك بالله بأمر الله إلى طاعة الله، وإنّما كان يعبس لاجل ما يمنعه من طاعة الله، وأين تقع المعاتبة على مَن هذه صفتِه؟ وإلاّ فأين وصف النبي (عليه السلام)الكامل من قول الله جلّ جلاله: (أمَّا مَن اسْتَغْنَى فَأنْتَ لهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ ألاَّ يَزَّكَّى وَأمَّا مَنْ جَاءكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)(2)؟ فهل هذا فيمن قال عنه جلّ جلاله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)(3)؟ وهل كان النبي أبداً يتصدّى للاغنياء ويتلهّى عن أهل الخشية من الفقراء والله تعالى يقول عنه: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)(4)؟
[160] فصل:
فيما نذكره من كتاب تفسير غريب القرآن، لابي
____________
(1) ع. ض: معاينة، والمثبت من ط.
(2) عبس: 80 / 5 ـ 10.
(3) النجم: 53 / 3 ـ 4.
(4) التوبة: 9 / 128.
قوله: (إذَا تَمَنَّى ألْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)(1)، يقول: إذا قرأ ألقى الشيطان في قراءته.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
وكذا يقول كثير من المفسّرين، وهو مستبعد من أوصاف المرسلين والنبيِّين، لانّه جلّ جلاله قال: (وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَلاَ نَبِيّ إلاَّ إذَا تَمَنَّى ألْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنيَّتِهِ)(2)، فكيف تقبل العقول أنّ المراد ما ذكره المفسّرون من أنّ كلّ رسول أو كلّ نبيّ كان يدخل الشيطان عليه في قراءته وأنّه ما سلم منهم واحد من الشيطان؟
وإنّما لعلّ المراد أنّه ما كان رسول الله ولا نبيّ إلاّ يتمنّى صلاح قومه واتباعهم لاياتنا، فيلقي الشيطان في أمّته أماني له ما يخالف أمنيته، فينسخ الله تعالى أماني الشيطان بكثرة الحجج والايات ويحكم الله آياته وبيّناته ويظهر النبيّ والرسول على الشيطان.
أو نحو هذا التأويل مما يليق بتعظيم الانبياء وخذلان الشيطان.
[161] فصل(3):
فيما نذكره من الجزء الاول من تفسير عليّ بن
____________
(1) الحج: 22 / 52.
(2) الحج: 22 / 52.
(3) في حاشية ع: لم يكن هذا الفصل بأسره في النسخة المنقولة من خطه رحمه الله في هذا الموضع، بل كان بعد فصول.